العقد الثّمين في تاريخ البلد الأمين - ج ١

تقي الدين محمّد بن أحمد الحسني الفاسي المكّي

العقد الثّمين في تاريخ البلد الأمين - ج ١

المؤلف:

تقي الدين محمّد بن أحمد الحسني الفاسي المكّي


المحقق: محمّد عبد القادر أحمد عطا
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 978-2-7451-2553-2
ISBN الدورة:
978-2-7451-2553-2

الصفحات: ٤٣٠

الباب التاسع والعشرون

فى ذكر من ولى الإجازة بالناس من عرفة ومزدلفة ، ومنى ، من العرب فى ولاية خزاعة وقريش على مكة (١).

قال ابن إسحاق : وكان العون بن مدين أو ابن طابخة بن إلياس بن مضر يلى الإجازة للناس بالحج من عرفة ، وولده من بعده. وكان يقال له ولوالده صوفه ، ثم قال ابن إسحاق : فإذا فرغوا من رمى الجمار فأرادوا النفر من منى أخذت صوفة بجانبى العقبة ، فحبسوا الناس ، وقالوا : أجيزى بنى صوفة ، فلم يجز أحد من الناس حتى يمروا ، فإذا نفذت صوفة ومضت خلى سبيل الناس ، فانطلقوا بعدهم.

فكانوا كذلك حتى انقرضوا ، فورثهم ذلك من بعدهم بالقعدة : بنو سعد بن زيد مناة ابن تميم ، وكانت من بنى سعد فى الصفوان بن الحارث بن شحنة.

قال ابن هشام : صفوان بن خباب بن شحنة بن عطارد بن عوف بن كعب بن سعد ابن زيد مناة بن تميم.

قال ابن إسحاق : فكان صفوان هو الذى يجيز الناس بالحج من عرفة ثم بنوه من بعده حتى كان آخرهم الذى قام عليه الإسلام : كرز بن صفوان.

وذكر ابن هشام : أن الإفاضة من المزدلفة : كانت فى عدوان فيما حدثنى زياد بن عبد الله عن محمد بن إسحاق : يتوارثون ذلك كابرا عن كابر ، حتى كان آخرهم الذى قام عليه الإسلام أبو سيارة عميلة بن الأعزل. انتهى باختصار.

وذكر الفاكهى خبرا يقتضى : أن أبا سيارة من بنى عبد بن معيص بن عامر بن لؤى ، وقيس أخواله.

وذكر أيضا ما يقتضى : أن الإجازة صارت من صوفة إلى عدوان ، وهذا مع ما قبله يخالفان ما سبق ، والله أعلم.

وفى أصله فوائد تتعلق بهذه الأخبار.

منها : أن الناس إذا نفروا من منى فأجازوا إلى الأبطح اجتمعت كندة إلى بنى بكر ابن وائل فأجازوا بهم حتى يبلغوا البيت. ذكر ذلك الفاكهى وهو غريب.

* * *

__________________

(١) انظر : (شفاء الغرام ٢ / ٣١ ـ ٣٨).

٣٠١

الباب الثلاثون

فى ذكر من ولى إنساء الشهور من العرب بمكة ، وذكر صفة الإنساء ، وذكر الحمس والحلة ، والطلس (١).

اختلف الأخبار فى أول من أنسأ : ففى بعضها : أنه مالك بن كنانة. وهذا فى تاريخ الأزرقى.

وفى بعضها : أنه القلمس ، وهو حذيفة بن عبد بن فقيم بن عدى بن عامر بن ثعلبة ابن الحارث بن مالك بن كنانة بن خزيمة. وهذا فى السيرة لابن إسحاق ، تهذيب ابن هشام. وفى بعضها غير ذلك.

وآخر من أنسأ أبو ثمامة جنادة بن عوف.

وقيل : أنه أنسأ أربعين سنة. والله أعلم.

وأما صفة الإنساء : فذكر الأزرقى مطولا ، والسهيلى مختصرا مفيدا ؛ لأنه قال : وأما نسؤهم الشهر الحرام : فكان على ضربين.

أحدهما : ما ذكره ابن إسحاق من تأخير شهر المحرم إلى صفر لحاجتهم إلى شن الغارات وطلب الثأر.

والثانى : تأخيرهم الحج عن وقته تحريا منهم للسنة الشمسية ، فكانوا يؤخرونه فى كل عام أحد عشر يوما أو أكثر قليلا حتى يدور الدور إلى ثلاث وثلاثين سنة ، فيعود إلى وقته. انتهى.

وفى الأزرقى ما يقتضى أن الحج يستدير فى كل أربع وعشرون سنة. والله أعلم.

وأما الحمس : فروى الزبير بسنده إلى مجاهد قال : الحمس : قريش وبنو عامر بن صعصعة ، وثقيف وخزاعة ، ومدلج وعدوان ، والحارث بن عبد مناة ، وعضل أتباع قريش.

وسائر العرب : الحلة.

__________________

(١) انظر : (شفاء الغرام ٢ / ٣٩ ـ ٤٣).

٣٠٢

وفى تاريخ الأزرقى ما يقتضى : أن من الحمس ناسا غير هؤلاء. وذلك مذكور فى أصله.

واختلف فى سبب تسميتهم بالحمس ، فقيل : سموا بالكعبة ؛ لأنها حمسا حجرها أبيض يضرب إلى السواد ، وقيل : لشدتهم فى دينهم ، وقيل : لشجاعتهم ، والله أعلم.

وكان للحمس سيرة ، منها : أنهم لا يقفون إلا بالمزدلفة ، ولا يطوفون بالبيت عراة ، وكانت الحلة تقف بعرفة مع وقوفها بالمزدلفة ، وتطوف بالبيت عراة.

وقد ذكرنا من سيرتهم الباطلة غير هذا.

وأما الطلس : فقوم كانوا يأتون من أقصى اليمن طلسا من الغبار فيطوفون بالبيت فى تلك الثياب الطلس ، فسموا بذلك.

ذكره محمد بن حبيب فيما نقله عنه السهيلى.

* * *

٣٠٣

الباب الحادى والثلاثون

فى ذكر شىء من خبر خزاعة ولاة مكة فى الجاهلية ونسبهم ، ومدة ولايتهم لمكة ، أول ملوكهم بها ، وغير ذلك من خبرهم ، وشىء من خبر عمرو بن عامر ماء السماء الذى تنسب إليه خزاعة على ما قيل ، وشىء من خبر بنيه وغير ذلك (١).

أما نسب خزاعة : فمنهم من ولد قمعة بن إلياس بن نضر بن نزار بن معد بن عدنان. هكذا قال جماعة من أهل العلم بالنسب ، منهم : ابن حزم ، واحتج لذلك بأحاديث تقوم بها الحجة ، وقيل : إنهم من ولد الصلت بن النضير بن كنانة.

ذكر هذا القول ابن قتيبة وقيل : إنهم من قحطان ، وخزاعة تقول ذلك.

لأن ابن هشام قال : وتقول خزاعة : نحن بنو عمرو بن عامر بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأسد بن الغوث. وخندف أمناء فيما حدثنى أبو عبيدة وغيره من أهل العلم ، فقال : خزاعة بنو حارثة بن عمرو بن عامر.

وأنما سميت خزاعة لأنهم يخزعون من ولد عمرو بن عامر حين أقبلوا من اليمن يريدون الشام ، فنزلوا بمر الظهران ، فأقاموا بها. انتهى.

إذا كانت خزاعة من مضر فلا تظهر تسميتها بخزاعة معنى.

وإذا كانوا من قحطان ، فذلك لانخزاعهم عن قومهم بمكة ، والانخزاع : هو المفارقة.

ومن ذلك يقول القائل :

فلما هبطنا بطن مر تخزعت

خزاعة منا فى حلول كراكر

وأما ولاية خزاعة بمكة : فسبق فى باب أخبار خبرهم ، وهو الباب الخامس والعشرون: أن بنى بكر بن عبد مناة وغبشان : من خزاعة ، قاتلوا جرهما وأخرجوهم من مكة ، وهذا يقتضى : أنهم وليوا البيت ومكة.

وسبق فى الباب الثامن والعشرون : أن سبب ولايتهم للبيت إعلامهم مضر بموضع الحجر الأسود لما دفنته بنو إياد.

وفى الخبر الذى فيه ذلك : ووليت خزاعة عند ذلك البيت ، ولم يبرح فى أيديهم حتى

__________________

(١) انظر : (شفاء الغرام ٢ / ٤٨ ـ ٥٩).

٣٠٤

قدم قصى ، فكان من أمره ما كان. وهذا يخالف ما سبق فى سبب ولايتهم. والله أعلم.

وذكر ابن إسحاق ما يقتضى أن غبشان من خزاعة انفردت بولاية البيت دون بكر ابن عبد مناة.

ولم تزل خزاعة تلى البيت كابرا عن كابر حتى كان آخرهم خليل بن حبشية.

وأما مدة ولاية خزاعة بمكة : فروينا عن ابن إسحاق وابن سريج قالا : قامت خزاعة على ما كانت عليه من ولاية البيت والحكم بمكة ثلاثمائة سنة.

وروينا عن أبى صالح قال : وكان عمرو بن لحى يلى البيت ، وولده من بعده خمسمائة سنة حتى كان آخرهم خليل بن حبشية بن سلول ، وكانوا هم حجابه وخزانه والقوام به ، وولاة الحكم بمكة. انتهى باختصار.

وعمرو بن لحى المذكور فى هذا الخبر : هو عمرو بن لحى ، واسمه ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر. كذا فى الخبر الذى فيه ذلك.

وأما أول من ولى البيت ومكة : ففى بعض الأخبار أنه عمرو بن لحى المذكور.

وفى بعضها : أنه أبو ربيعة ، وفى بعضها : أنه عمرو بن الحارث الغبشانى. والله أعلم.

وأما آخر من ولى ذلك من خزاعة : فخليل بن حبشية ، كما سبق.

وذكر الزبير : أن خليلا جعل إلى أبى غبيشان فتح البيت وإغلاقه ، وأن قصيا اشترى ولاية البيت من أبى غبشان بزق خمر أو قعود ، وقيل : بكبش وزق خمر. فقال الناس : أخسر من صفقة أبى غبشان ، فصارت مثلا.

وأما خبر عمرو بن عامر ، الذى تنسب إليه خزاعة على ما قيل. وخبر بنيه.

فمنه أنه كان يقال له : مزيقيا ؛ لأنه كان يلبس فى كل يوم حلتين ، ثم يمزقهما لئلا يلبسهما غيره. وكان ملك مأرب وهى بلاد سبأ المذكورة فى القرآن العظيم ، ثم تحول منها بعد أن باع أمواله بها لما أخبرته به طريفة الكاهنة من خرابها بسيل العرم.

وكان تحوله عنها بولده وولد ولده ، وساروا حتى نزلوا بلاد عك ، وكان بينهم وبين عك حروب ، ثم رحلوا عنها ، فتفرقوا فى البلاد على ما ذكر ابن هشام.

وفى بعض الأخبار ما يقتضى : أن تفرقهم كان بمكة لما أصابهم من الحماء. والله أعلم. وخبر عمرو بن عامر وبنيه وخبر خزاعة أكثر من هذا.

* * *

٣٠٥

الباب الثانى والثلاثون

فى ذكر شىء من أخبار قريش بمكة فى الجاهلية ، وشىء من فضلهم ، وما وصفوا به ، وبيان نسبهم وسبب تسميتهم بقريش وابتداء ولايتهم الكعبة وأمر مكة (١).

أما فضلهم ، فمنه : قول النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشا من كنانة ـ الحديث». وهو فى مسلم من رواية واثلة بن الأسقع عنه.

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن هذا الأمر فى قريش ، ولا يعايهم أحد إلا كبه الله تعالى على وجهه ما أقاموا الدين». وهذا فى صحيح البخارى.

وأما ما وصفت به بطون قريش بأن بعضهم يعرف «بقريش البطاح» ، وهم «بنو كعب بن لؤى» لأن قريشا حين قسموا بلادهم أصابت كعب الأباطح ، وبعضهم يعرف بقريش «الظواهر» وهم : محارب والحارث ابنا فهر ، وبنو عامر بن لؤى ، والأدرم ابن غالب ، وبقية قريش إلا أن الحارث بن فهر دخل مكة من البطاح ، وبعضهم يعرف «بقريش العارية» ، وهم : ولد سامة بن لؤى بن غالب بن فهر ، وبعضهم يعرف «بقريش العائدة» وهم : بنو خزيمة بن لؤى بن غالب بن فهر.

وأما نسب قريش : فاختلف فيه ، فقيل : إنهم من ولد فهر بن مالك بن النضر بن كنانة. ورجحه الزبير بن بكار وغيره. وقيل : إنهم من ولد النضر بن كنانة. ورجحه النووى. والله تعالى أعلم.

وأما سبب تسميتهم : بقريش ، فقيل : سموا قريشا من التقرش ، والتقرش : التجارة والاكتساب. وقيل : لتفتيشهم عن حاجة الناس ، وسدهم لها. وقيل : بتجمعها من تفرقها. وقيل : غير ذلك. والله أعلم.

وأما ابتداء ولاية قريش للكعبة المعظمة وأمر مكة : فسببه قصى بن كلاب بن مرة بن لؤى بن غالب. وذلك : أن الحليل بن حبشية جعل ذلك لقصى حين حضرته الوفاة. وكان قصى قد تزوج ابنته حبى ، وولد له منها عبد الدار ، وعبد مناف ، وعبد العزى ، وعبد بنو قصى.

__________________

(١) انظر : (شفاء الغرام ٢ / ٦٠ ـ ٧٤).

٣٠٦

ولما مات حليل أبت خزاعة أن تدع قصيا وذاك ، وأخذوا المفتاح منه فاستنصر قصى برجال من قريش وكنانة فأجابوا ، واستنصر أيضا بأخيه لأمه رزاح بن ربيعة ، فخرج إليه بإخوته ومن معهم من قضاعة ، فقابل بهم قصى خزاعة بعد انقضاء الحج بمفضى مأزمى منى ، فسمى ذلك المكان «المفجر» لما فجر فيه وسفك من الدماء ، بسبب الجراحات فى الفريقين ، وكثرت القتلى فيهما ، ثم تداعوا إلى الصلح ، فحكموا يعمر بن عوف بن كعب بن الليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة ، وكان شريفا ، فحكم : بأن لا تباعد لأحد على أحد فى دم ، وحكم : بحجابة البيت وولاية أمر مكة لقصى دون خزاعة ، لما جعل له حليل ، وأن لا تخرج خزاعة من مساكنها من مكة ، فسمى يعمر يومئذ : الشداخ ؛ لأنه لما حكم قال : ألا إنى قد شدخت ما كان بينكم من دم تحت قدمى هاتين.

وولى قصى حجابة البيت وأمر مكة ، وجمع قومه من قريش من منازلهم إلى مكة ليستعزبهم ، وتملك على قومه فملكوه.

وخبر ولايته طويل فى تاريخ الأزرقى. وهذا ملخص منه بالمعنى فيه مقنع.

وقد سبق فى الباب الذى قبله أن قصيا اشترى ولاية البيت من أبى غبشان بما سبق ذكره.

وذكر الزبير بن بكار خبرا يقتضى أن قصى بن كلاب : أول من ثرد الثريد فأطعم بمكة وسقى اللبن بعد بنت بن إسماعيل.

وذكر أيضا خبرا يقتضى أن قصيا كان يعشر من دخل مكة من غير أهلها.

ومن خبر قصى بن كلاب : أنه أحدث وقود النار بالمزدلفة ، ليراها من دفع من عرفة ، وأنه : بنى قزح موضع الوقوف بالمزدلفة ، وأنه : اتخذ لنفسه دار الندوة ، وجعل بابها إلى مسجد الكعبة ، ففيها كانت تقضى قريش أمورها.

وأن أمره فى قومه كدين المتبوع لا يعمل بغيره فى حياته ومن بعده.

وأنه مات بمكة فدفن بالحجون ، فتدافن الناس بالحجون بعده.

وأنه أول بنى كعب بن لؤى ، أصاب ملكا أطاع له به قومه. والله أعلم.

* * *

٣٠٧

الباب الثالث والثلاثون

فى ذكر شىء من خبر بنى قصى بن كلاب ، وتوليتهم لما كان بيده من الحجابة ، والسقاية ، والرفادة ، والندوة ، والقيادة ، وتفسير ذلك (١).

اختلف فيما صنعه قصى فيما كان بيده من الأمور المشار إليها ، فقيل : إنه جعل ذلك لابنه عبد الدار بن قصى لتلحقه فى الشرف بأخيه عبد مناف ، ثم إن بنى عبد مناف بن قصى : عبد شمس وهاشما والمطلب ونوفلا ، أجمعوا على : أن يأخذوا ذلك من أيدى بنى عبد الدار لشرفهم وفضلهم فى قومهم على بنى عبد الدار. وكاد أن يقع بين الفريقين قتال ، ثم اصطلحوا على : أن يعطوا بنى عبد مناف السقاية والرفادة ، وأن تكون الحجابة واللواء والندوة لبنى عبد الدار.

فولى السقاية والرفادة : هاشم بن عبد مناف ليساره ، واسمه عمرو ، ويقال ما سمى هاشما إلا لهشمه الخبز بمكة لقومه ، ويقال : إنه أول من أطعم الثريد بمكة وأنه أول من سنّ لقريش الرحلتين : رحلة الشتاء والصيف.

ومات بغزة بالشام تاجرا ، فولى السقاية والرفادة بعد : عبد المطلب بن عبد مناف.

وكان يسمى : الفيض ؛ لسماحته وفضله. ومات بردمان باليمن.

فولى ذلك بعده عبد المطلب بن هاشم.

هذا ملخص بالمعنى مختصر مما ذكره ابن إسحاق فى خبر هذه الأمور.

وذكر الزبير بن بكار خبرا يقتضى أن قصى بن كلاب أعطى ابنه عبد مناف السقاية والندوة ، وأعطى عبد الدار : الحجابة واللواء ، وأعطى عبد العزى : الرفادة وأيام منى.

قال المروانى ـ شيخ الزبير ـ فى هذا الخبر : والرفادة : الضيافة. وأيام منى : كان الناس لا يجوزون إلا بأمره. وأعطى عبد بن قصى : جلهتى الوادى ، ولم أسمع فى جلهتى الوادى بشىء. انتهى باختصار.

وقيل : إن قصى بن كلاب أعطى عبد مناف : السقاية والرفادة والقيادة ، وأعطى عبد

__________________

(١) انظر : (شفاء الغرام ٢ / ٧٥ ـ ٩١).

٣٠٨

الدار : السدانة ، وهى الحجابة ، ودار الندوة ، واللواء. وهذا فى خبر الأزرقى عن ابن جريج ، وابن إسحاق. وفيه شىء من خبر هذه الأمور. وقد ذكرنا ذلك فى أصله.

وقد ذكرنا فى أصل هذا الكتاب أخبارا مفيدة تتعلق ببنى عبد مناف وعبد المطلب.

ومنها : ما يخالف ما ذكرناه من خبر هذه الأمور.

ومنها : ما يوافق والله أعلم.

* * *

٣٠٩

الباب الرابع والثلاثون

فى ذكر شىء من خبر الفجار والأحابيش (١)

كان الذى هاج حرب الفجار : أن عروة الرحال بن عتبة بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصة بن معاوية بن بكر بن هوازن ، أجاز لطيمة للنعمان بن المنذر ، فقال له ـ البراص بن قيس أحد بنى حمزة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة ـ : أتجيزها على كنانة؟ قال : نعم. وعلى الخلق. فخرج عروة الرحال ، وخرج البراض يطلب عزنة ، حتى إذا كان يتيمن ذى ظلال بالعالية ، قابله عروة فوثب عليه البراض فقتله فى الشهر الحرام ، فلذلك سمى : الفجار ، فأتى آت قريشا ، فقال : إن البراض قد قتل عروة وهم فى الشهر الحرام بعكاظ ، فارتحلوا وهوازن لا تشعر ، ثم بلغهم الخبر فاتبعوهم فأدركوهم قبل أن يدخلوا الحرم فاقتتلوا حتى جاء الليل ، ودخلوا الحرم فأمسكت عنهم هوازن ، ثم التقوا بعد هذا اليوم أياما ، وهذا الذى ذكرناه من خبر الفجار فى سيرة ابن إسحاق ، تهذيب ابن هشام.

وذكر ابن هشام : أن حرب الفجار هاجت لما بلغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ابن عشرين سنة ، أو خمس عشرة سنة.

وذكر ابن إسحاق : أنها هاجت ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ابن عشرين سنة. وشهد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعض أيام الفجار. وهى على ـ ما ذكر الفاكهى ـ خمسة أيام فى أربع سنين ، وبينها الفاكهى ، وذكرنا كلامه فى أصله.

وقال مغلطاى فى سيرته : وأيام الفجار أربعة. قاله السهيلى. والصواب : أنها ستة.

وأما الأحابيش : فهم بنو الحارث بن عبد مناة بن كنانة ، والحيا والمصطلق من خزاعة ، والقارة بنو الهون بن خزيمة. وكانوا خلفاء لقريش. وكانت قريش والأحابيش ندا. وقد أوضحنا من خبرهم أكثر من هذا فى أصله.

* * *

__________________

(١) انظر : (شفاء الغرام ٢ / ٩٢ ـ ٩٨).

٣١٠

الباب الخامس والثلاثون

فى ذكر حلف الفضول ، وخبر ابن جدعان الذى كان هذا الحلف فى داره ، وذكر أجواد قريش وحكامهم فى الجاهلية ، وملك عثمان بن الحويرث بن أسد بن عبد العزى بن قصى عليهم ، وشىء من خبره (١).

كان سبب حلف الفضول : أن رجلا من بنى زبيد قدم مكة معتمرا فى الجاهلية ، ومعه تجارة له ، فباعها من العاص بن وائل السهمى ، فآواها إلى بيته ، ثم تغيب وابتغى الزبيدى متاعه فلم يقدر عليه ، فجاء إلى بنى سهم يستعين بهم على العاص فأغلظوا عليه ، فعرف : أن لا سبيل إلى ماله ، فطوف فى قبائل قريش يستعين بهم ، فتخاذلوا عنه ، فلما رأى ذلك أشرف على أبى قبيس حين أخذت قريش مجالسها ، ثم قال أبياتا.

فلما نزل من الجبل أعظمت ذلك قريش وتكلموا فيه ، ثم اجتمع بنو هاشم ، وبنو المطلب ، وبنو أسد بن عبد العزى ، وبنو زهرة وبنو تميم فى دار عبد الله بن جدعان ، وعمل لهم طعاما ، وتحالفوا بالله : لا يظلم أحد بمكة إلا كنا جميعا مع المظلوم على الظالم ، حتى نأخذ له مظلمته ممن ظلمه شريفا ووضيعا ، منا أو من غيرنا. ثم انطلقوا إلى العاص بن وائل ، فقالوا : والله لا نفارقك حتى تؤدى إليه حقه ، فأعطى الرجل حقه ، فمكثوا كذلك لا يظلم أحد حقه بمكة إلا أخذه.

وشهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هذا الحلف قبل أن يوحى إليه ، واغتبط به فيما قيل.

وما ذكرناه من خبر حلف الفضول لخصناه من خبرين. ذكرهما الزبير بن بكار ، وذكر ما يوهم : أن سبب حلف الفضول غير ذلك. وقد أشرنا إلى شىء من ذلك فى أصله ، والمشهور ما ذكرناه هنا.

وكان حلف الفضول فى شوال بعد انصراف قريش من الفجار. كذا فى خبر ، ذكره الفاكهى ، قال : ويقال بعد فراغهم من بنيان الكعبة. انتهى.

وأما ابن جدعان المشار إليه : فهو عبد الله بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد ابن تميم بن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب القرشى التيمى المكى ، يكنى أبا زهير من رهط أبى بكر الصديق رضى الله عنه.

__________________

(١) انظر : (شفاء الغرام ٢ / ٩٩ ـ ١٠٩).

٣١١

وكان من رؤساء قريش وأجوادهم.

وله فى الجود أخبار مشهورة.

منها : أنه كانت له جفنة للأضياف يستظل بظلها فى الهاجرة.

ومنها : أنه كان له مناديان بأعلى مكة وبأسفلها ، أحدهما يقول : ألا من أراد اللحم والشحم فليأت دار ابن جدعان ، وهو أول من أطعم بمكة الفالوذج ، وهو : لباب البريلك بالعسل.

ولما مات ابن جدعان نعاه بعض الجن بأبيات إلى رفقة من أهل مكة مسافرين إلى الشام.

وذلك فى خبر ، ذكره الفاكهى. ذكرناه فى أصله.

ومن خبر ابن جدعان : أنه دخل شقا فى بعض شعاب مكة يرجو أن يكون فيه حية تقتله ، فيستريح من تعب الفقر وغيره ، فظفر فيه بكنز عظيم.

وكان فى قريش أجواد ، منهم المعروفون : بأزواد الركب : لكفايتهم من معهم المؤنة فى السفر ، منهم : الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى ، وأخوه زمعة بن عبد المطلب ، ومسافر بن عمرو بن أمية بن عبد شمس ، وأبو أمية بن المغيرة المخزومى.

وأما حكام قريش بمكة فى الجاهلية ، فمنهم : عبد المطلب بن هاشم ، وأبناؤه الزبير ، وأبو طالب وآخرون ، ذكرناهم فى أصله ، ولم يكن أحد منهم متملكا على بقية قريش ، وإنما ذلك بتراضيهم عليه حسما لمادة الشر.

وسيأتى ما يزيد ذلك قريبا.

وأما تملك عثمان بن الحويرث بن أسد بن عبد العزى على قريش : فإن قيصر ملّكه عليهم وكتب له إليهم ، فتلطف بهم عثمان وخوفهم فى تجارتهم من قيصر إن لم يطيعوه ، فوافقوه على أن يعقدوا التاج على رأسه عشية ، وتملكوه ، ثم انتفضوا عن ذلك لتنفير ابن عمه أبى زمعة لقريش عن ذلك ، فلحق عثمان بقيصر فأعلمه الخبر ، فأمر قيصر عمرو بن جفنة الغسانى أن يحبس لعثمان من أراد حبسه من تجار قريش بالشام. ففعل ذلك عمرو.

ثم مات عثمان بالشام مسموما ، وكان من أظرف قريش وأعقلها.

وخبر تملكه وما جرى له بعد رجوعه إلى قيصر ، أطول من هذا.

* * *

٣١٢

الباب السادس والثلاثون

فى ذكر شىء من فتح مكة المشرفة ، وفوائد تتعلق بذلك (١)

كان سبب فتح مكة أن بنى بكر بن عبد مناة بن كنانة ، عدت على خزاعة ، وهم على ماء لهم بأسفل مكة ، يقال له : الوتير ، فأصابوا منهم رجلا وتحاوروا واقتتلوا ، ورفدت قريش بنى بكر بالسلاح وقاتل معهم من قريش من قاتل بالليل مستخفيا حتى حازوا خزاعة إلى الحرم.

ثم خرج ناس من خزاعة إلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يستنصرونه ؛ لأن خزاعة فى صلح الحديبية :دخلت فى عقد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ودخلت بنو بكر فى عقد قريش ، فوعد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم الخزاعيين بالنصر.

وقدم المدينة أبو سفيان بن حرب ليشد العقد ، ويزيد فى المدة ، فلم ينل قصدا ، ورجع إلى مكة ، وأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أهله أن يجهزوه ثم أعلم الناس أنه سائر إلى مكة وأمرهم بالجد والتأهب ، وقال : اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها فى بلادها ، فتحفز الناس.

ولما أجمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المسير إلى مكة ، كتب حاطب بن أبى بلتعة كتابا إلى قريش: يخبرهم بالذى أجمع عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الأمر فى المسير إليهم ، ثم أعطاه امرأة ، قيل : إنها مزينة ، وقيل : إنها سارة ـ مولاة لبعض بنى عبد المطلب ـ وأعلم الله بذلك رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فبعث على بن أبى طالب ، والزبير بن العوام لإحضار الكتاب فأتيا به.

ثم مضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لسفره ، وخرج لعشر مضين من شهر رمضان فصام وصام الناس حتى إذا كان بالكديد بين عسفان وأمج أفطر ، ثم مضى حتى نزل مر الظهران فى عشرة آلاف من المسلمين ، وقريش لا تعلم بذلك.

ثم إن أبا سفيان بن حرب حضر عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمر الظهران فأسلم. وكان خرج يتحسس الأخبار عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وأمن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم من دخل دار أبى سفيان ، ومن أغلق عليه بابه ، ومن دخل المسجد.

__________________

(١) انظر : (شفاء الغرام ٢ / ١١٠ ـ ١٦١).

٣١٣

فلما جاء قومه أخبرهم الخبر ، وأن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد جاءهم بما لا قبل لهم به ، فتفرق الناس إلى دورهم ، وإلى المسجد.

ولما انتهى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى ذى طوى ، أمر الزبير بن العوام : أن يدخل فى بعض الناس من كداء. وكان الزبير على المجنبة اليسرى ، وأمر سعد بن عبادة أن يدخل فى بعض الناس من كداء.

وأمر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم خالد بن الوليد فدخل من الليط أسفل مكة فى بعض الناس.

وكان خالد بن الوليد على المجنبة اليمنى وفيها : أسلم ، وسليم ، وغفار ، ومزينة وجهينة ، وقبائل من قبائل العرب.

وأقبل أبو عبيدة بن الجراح بالصف من المسلمين ينصب لمكة بين يدى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ودخل النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم من أذاخر ، حتى نزل بأعلى مكة ، وضربت هنالك قبته.

وكان صفوان بن أمية وعكرمة بن أبى جهل وسهيل بن عمرو ، وقد جمعوا ناسا بالخندمة ليقاتلوا ، فلما لقيهم المسلمون من أصحاب خالد بن الوليد ناوشوهم شيئا من قتال ، فقتل كرز بن جابر أحد بنى محارب بن فهر ، وحنيش بن خالد بن ربيعة بن أصرم ـ حليف بنى منقذ ـ وكانا فى خيل خالد بن الوليد ، فشذا عنه ، فسلكا طريقا غير طريقه ، فقتلا جميعا.

وأصيب من جهينة سلمة الميلا من خيل خالد.

وأصيب من المشركين ناس قريب من اثنى عشر ، أو ثلاثة عشر ، ثم انهزموا.

وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : قد عهد إلى أمرائه من المسلمين ـ حين أمرهم أن يدخلوا ـ أن لا يقاتلوا إلا من قاتلهم ، إلا قاتلهم. إلا أنه قد عهد فى نفر سماهم : أمر بقتلهم ، وإن وجدوا تحت أستار الكعبة ، فقتل بعضهم واستؤمن لبعضهم.

ثم إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما نزل مكة واطمأن الناس : خرج حتى جاء البيت ، فطاف به سبعا على راحلته ، يستلم الركن بمحجن فى يده ، فلما قضى طوافه دعا عثمان بن طلحة ، فأخذ منه مفتاح الكعبة ، ففتحت له ، فدخلها فوجد فيه حمامة من عيدان ، فكسرها بيده ، ثم طرحها. ثم وقف على باب الكعبة ، وقد استكف له الناس فى المسجد ، فخطب خطبته المشهورة ، وفيها : يا معشر قريش ، ما ترون أنى فاعل فيكم؟ قالوا : خير ، أخ كريم ، وابن أخ كريم. قال : اذهبوا فأنتم الطلقاء.

٣١٤

ثم جلس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى المسجد ، فقام إليه على بن أبى طالب رضى الله عنه ، ومفتاح الكعبة فى يده ، فقال : يا رسول الله : اجمع لنا الحجابة مع السقاية صلى الله عليك. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أين عثمان بن طلحة؟ فدعى له ، فقال : هاك مفتاحك يا عثمان ، إن اليوم يوم بر ووفاء. وأمر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بلالا أن يؤذن.

وكان أبو سفيان بن حرب ، وعتاب بن أسيد ، والحارث بن هشام جلوسا بفناء الكعبة ، فقال عتاب بن أسيد : لقد أكرم الله أسيد : أن لا يكون سمع هذا ، فيسمع منه ما يغيظه.

وقال الحارث بن هشام : أما والله لو أعلم أنه بحق لاتبعته. فقال أبو سفيان : لا أقول شيئا لو تكلمت لأخبرت عنى هذه الحصا. فخرج عليهم النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : قد علمت الذى قلتم ، ثم ذكر ذلك لهم ، فقال الحارث وعتاب : نشهد أنك رسول الله ، والله ما اطلع على هذا أحد كان معنا ، فنقول : أخبرك.

ولما طاف النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الفتح على راحلته كان حول البيت أصنام مشددة بالرصاص ، فجعل النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يشير بقضيب فى يده إلى الأصنام ، ويقول : جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا. فما أشار إلى صنم منها فى وجهه إلا وقع لقفاه ، ولا أشار لقفاه إلا وقع لوجهه حتى ما بقى منها صنم إلا وقع. فقال يميم بن أسد الخزاعى :

وفى الأصنام معتبر وعلم

لمن يرجو الثواب أو العقاب

وأقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمكة بعد فتحها خمس عشر ليلة يقصر الصلاة ، وكان فتح مكة لعشر ليال بقين من شهر رمضان سنة ثمان من الهجرة.

وخبر فتح مكة أكثر مما ذكرناه ، وما ذكرناه ملخص مختصر مما ذكره أبو إسحاق فى سيرته ، بعضه بالمعنى وكثير منه باللفظ.

وأما الفوائد المتعلقة بخبر فتح مكة : فإن بعضها يخالف ما ذكره ابن إسحاق وابن هشام من خبر الفتح ، وبعضها يوضح بعض ما أبهماه فى ذلك.

فمنها : أنا الفاكهى ، قال : الوتير : ماء بأسفل مكة ، فى المشرق عن يمين ملكان على ستة أميال منها.

وهذا بيّن الوتير أكثر مما فى كلام ابن إسحاق.

ومنها : أن ابن أبى عقبة ذكر فى مقارنة ما يقتضى أن إغارة بنى كنانة على خزاعة التى هى سبب فتح مكة ، كانت بعرفة.

٣١٥

وهذا يخالف ما ذكره ابن إسحاق.

ومنها : أن الحافظ عبد الغنى بن سعيد المصرى ، ذكر فى مبهماته حديثا فيه : «أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بعث عليا ، وعمر بن الخطاب رضى الله عنهما لإحضار كتاب حاطب».

وهذا يخالف ما ذكره ابن إسحاق.

ومنها : أن فى البخارى : «أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث لإحضار كتاب حاطب ، أبا مرثد مع على والزبير».

وفى رواية فيه : المقداد ، بدل أبى مرثد ـ وكلام ابن إسحاق لا يفهم شيئا من هذا.

ومنها : أن الحافظ ابن عبد الغنى ذكر ما يقتضى : أن حاملة كتاب حاطب : أم سارة مولاة لقريش ، وكلام ابن إسحاق يقتضى : أنها سارة.

وذكر مغلطاى أنها : أم سارة كنود المرينة ، والله أعلم.

ومنها : إن السهيلى ذكر شيئا فى بيان ما كتبه حاطب ؛ لأنه قال : وقد قيل : إنه كان فى الكتاب : «أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد توجه إليكم بجيش كالليل يسير كالسيل ، وأقسم بالله لو سار إليكم وحده لنصره الله عليكم ، فإنه منجز له ما وعده».

وفى تفسير ابن سلام : أنه كان فى الكتاب الذى كتبه حاطب : أن محمدا قد نفر ، إما إليكم وإما إلى غيركم ، فعليكم الحذر. انتهى.

وكلام ابن إسحاق : ليس فيه شىء من هذا.

ومنها : أن كلام ابن إسحاق يقتضى أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم صام حتى بلغ الكديد بين عسفان وأمج.

وروى الفاكهى عن ابن عباس رضى الله عنهما : أنه صام حتى بلغ عسفان.

وروى حديثا عن جابر رضى الله عنه : أنه صام حتى بلغ كراع العميم.

وهذان الخبران مخالفان لما ذكره ابن إسحاق.

ومنها : أن كلام ابن إسحاق يقتضى أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم دخل مكة يوم فتحها من أذاخر.

وذكر ابن عقبة ما يقتضى أنه دخلها من ثنية كداء بأعلى مكة.

وذكر الفاكهى عن ابن عمر رضى الله عنهما ما يوافق ذلك.

٣١٦

ومنها : أن ابن عقبة قال : وقتل من بنى بكر قريبا من عشرين ، ومن هذيل : ثلاث ، أو أربعة ، وانهزموا وقتلوا بالحزورة حتى بلغ قتلهم باب المسجد.

وقال ابن سعد : قيل أربعة وعشرون رجلا من قريش ، وأربعة من هذيل.

وروى الفاكهى خبرا فيه : فاندفع خالد فقتل سبعين رجلا بمكة.

وجميع هذه الأقوال يخالف ما ذكره ابن إسحاق من : أن المقتولين من المشركين قريب من اثنى عشر ، أو ثلاثة عشر. والله أعلم.

ومنها : أن ما ذكره ابن إسحاق يقتضى : أن الكعبة فتحت للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الفتح.

وفى صحيح مسلم ـ رحمه‌الله تعالى ـ ما يقتضى أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فتحها بنفسه يوم الفتح.

ومنها : أن ما ذكره ابن إسحاق يقتضى أن على بن أبى طالب سأل النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يجمع لبنى هاشم الحجابة مع السقاية.

وذكر الأزرقى عن الواقدى ما يقتضى : أن العباس بن عبد المطلب هو الذى سأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى ذلك.

ومنها : أن ابن هشام ذكر أن أبا سفيان ، وعتاب بن أسيد ، والحارث بن هشام ، كانوا جلوسا بفناء الكعبة لما أذن بلال ، وأن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم خرج عليهم وأخبرهم بقولهم.

وذكر الفاكهى خبرا يقتضى : أنهم كانوا جلوسا فى الحجر ، وأن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم استدعاهم إلى الصفا وأخبرهم بقولهم : إلا أن الخبر الذى ذكره الفاكهى ليس فيه ذكر الحارث بن هشام. وفيه ذكر سهيل بن عمرو ، وصفوان بن أمية مع عتاب بن أسيد ، وأبى سفيان. ولا يصح ما فيه من : أن صفوان كان معهم لفراره إلى جدة فى يوم الفتح.

وفى الأزرقى ما يقتضى : أن عتاب بن أسيد لم يكن معهم ، وإنما كان معهم أخوه خالد بن أسيد مع الحارث ، وأبى سفيان ، وسهيل ، والحكم بن أبى العاص ، والله أعلم.

ومنها : أن ابن عقبة ذكر أنه كان مع النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى فتح مكة اثنى عشر ألفا ، على ما قيل. ونقل ذلك مغلطاى عن الحاكم جزما.

وما ذكره ابن إسحاق يقتضى : أنهم عشرة آلاف. والله أعلم.

ومنها : أنه اختلف فى مدة إقامة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد فتحها. ففى البخارى : وأقام بها خمس عشرة ليلة.

٣١٧

وفى رواية : تسع عشرة.

وفى أبى داود : سبع عشرة.

وفى الأكمل : أصحها بضع عشرة يصلى ركعتين. انتهى. نقل هذه الروايات مغلطاى هكذا.

والذى ذكره ابن إسحاق خمس عشرة ليلة ، وذلك يخالف هذه الروايات ، إلا الأولى التى فى البخارى.

ورأيت فى ذلك غير ما سبق ؛ لأن الفاكهى روى بسنده عن أنس رضى الله عنه ، قال : أقمنا بمكة عشرا ، يعنى زمان الفتح. انتهى.

وقد أتينا فيما يتعلق بخبر الفتح الذى ذكره ابن إسحاق وابن هشام بفوائد أكثر من هذا فى أصله ، ومثل ذلك لا يوجد مجموعا فى كتاب ، ويتعلق به مسائل كثيرة من الفقة واللغة والعربية ، تركنا ذكرها لكونها غير مقصودة بالذكر فى هذا التأليف ، وخيفة من الطويل. ونسأل الله تعالى أن يهدينا إلى سواء السبيل.

* * *

٣١٨

الباب السابع والثلاثون

فى ذكر ولاة مكة المشرفة فى الإسلام (١)

لما فتح الله تعالى على رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مكة ـ استخلف عليها عتاب بن أسيد ـ بفتح الهمزة ـ بن أبى العيص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشى الأموى ، أميرا على من تخلف عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الناس حين خرج إلى حنين ، وذلك فى العشر الأول من شوال سنة ثمان من الهجرة.

ولم يزل عتاب أميرا على مكة إلى أن توفى بها بعد موت الصديق رضى الله عنه أو يوم جاء نعى الصديق إلى مكة.

وفى تاريخ ابن جرير ، وابن الأثير ما يقتضى أنه ولى مكة لعمر رضى الله عنه.

وفى الاستيعاب ما يقتضى : أن الصديق عزله عن مكة ، وولاها للحارث بن الحارث ابن عبد المطلب بن هاشم.

وفى مغازى موسى بن عقبة ما يقتضى : أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم استخلف معاذ بن جبل على مكة لما خرج إلى حنين.

وفى الاستيعاب : أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم استخلف على مكة هبيرة بن شبل بن العجلان الثقفى.

والمعروف : استخلاف عتّاب ودوام ولايته حتى مات. والله أعلم.

وولى مكة : المحرز بن حارثة بن ربيعة بن عبد العزى بن عبد شمس ، نيابة عن عتاب فى سفرة سافرها.

ثم وليها فى أول خلافة عمر رضى الله عنه ، المحرز المذكور ، ثم قنفذ بن عمير بن جدعان التيمى ، ثم نافع بن عبد الحارث الخزاعى ، ثم خالد بن العاص ، ثم هشام بن المغيرة المخزومى.

وممن ولى مكة فى خلافة عمر رضى الله عنه : طارق بن المرتفع بن الحارث بن عبد مناة ، وعبد الرحمن بن أبزى الخزاعى ـ مولاهم ـ نيابة عن نافع بن عبد الحارث لما خرج

__________________

(١) انظر : (شفاء الغرام ٢ / ١٦٢ ـ ٢١٢).

٣١٩

للقاء عمر رضى الله عنه إلى عسفان ، وأنكر عليه عمر رضى الله عنه استخلافه لابن أبزى ، وعزل نافعا لكونه : استخلف على أهل الله مولى.

وقيل : إن الحارث بن نوفل ـ السابق ذكره ـ ولى مكة لعمر رضى الله عنه.

ثم ولى مكة فى أول خلافة عثمان بن عفان رضى الله عنه : على بن عدى بن ربيعة ابن عبد العزى بن عبد شمس ، ثم خالد بن العاص ـ السابق ـ ودامت ولايته إلى أن عزله منها على بن أبى طالب رضى الله عنه.

ووليها لعثمان رضى الله عنه أيضا : الحارث بن نوفل ـ السابق ـ وعبد الله بن خالد ابن أسيد ، وهو ابن أخى عتاب ، وعبد الله بن عامر الحضرمى. على ما ذكره ابن الأثير.

ووليها أيضا فيما قيل : نافع بن عبد الحارث ، السابق ذكره.

ثم ولى مكة فى خلافة على رضى الله عنه : أبو قتادة الأنصارى ، حارس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد عزل خالد بن العاص ، ثم قثم بن العباس بن عبد المطلب ، ودامت ولايته إلى أن قتل على رضى الله عنه.

وقيل : إن معبد بن العباس بن عبد المطلب وليها لعلى رضى الله عنه.

ثم ولى مكة فى خلاف معاوية بن أبى سفيان : أخوه عتبة بن أبى سفيان ، ومروان ابن الحكم بن أبى العاص ، وسعيد بن العاص بن سعيد بن العاص ، وابنه عمرو بن سعيد ، المعروف : بالأشدق ، وخالد بن العاص ، وعبد الله بن خالد بن أسيد ـ السابق ذكرهما.

ثم ولى مكة فى خلافة يزيد بن معاوية ، جماعة ، أولهم : عمرو بن سعيد الأشدق ، والوليد بن عتبة بن أبى سفيان بن حرب ، وعثمان بن محمد بن أبى سفيان الأمويون ، والحارث بن خالد بن العاص المخزومى ـ المقدم ذكر أبيه ـ وعبد الرحمن بن زيد بن الخطاب العدوى ، ابن أخى عمر رضى الله عنه ، ويحيى بن حكيم بن صفوان بن أمية الجمحى.

ثم ولى مكة : عبد الله بن الزبير بن العوام رضى الله عنهما بعد موت يزيد بن معاوية.

وبويع بالخلافة فى الحجاز والعراق واليمن وغير ذلك حتى كادت الأمة تجمع عليه.

ودامت ولايته على مكة حتى استشهد فى جمادى الأولى أو الآخرة سنة ثلاث وسبعين من الهجرة ، بعد أن حاصره الحجاج بن يوسف الثقفى أزيد من نصف سنة. وابن الزبير ينتصف منهم وتفضل عليهم.

٣٢٠