العقد الثّمين في تاريخ البلد الأمين - ج ١

تقي الدين محمّد بن أحمد الحسني الفاسي المكّي

العقد الثّمين في تاريخ البلد الأمين - ج ١

المؤلف:

تقي الدين محمّد بن أحمد الحسني الفاسي المكّي


المحقق: محمّد عبد القادر أحمد عطا
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 978-2-7451-2553-2
ISBN الدورة:
978-2-7451-2553-2

الصفحات: ٤٣٠

الباب الحادى والعشرون

فى ذكر الأماكن المباركة التى ينبغى زيارتها الكائنة بمكة المشرفة ، وحرمها وقربه(١).

هذه الأماكن : مساجد ، ودور ، وجبال ، ومقابر.

والمساجد أكثر من غيرها ، إلا أن بعضها مشتهر باسم المولد ، وبعضها باسم الدور.

وسيأتى ذكر هذين الأمرين قريبا. والمقصود ، ذكره هنا : ما اشتهر من ذلك بالمسجد.

فمن ذلك : مسجد بقرب المجزرة الكبيرة من أعلاها ، يقال : إن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى فيه المغرب على ما وجدت بخط عبد الرحمن بن أبى حرمى مسند مكة وموثقها.

وفيه : أنه عمر فى رجب سنة ثمان وثمانين وخمسمائة ، وعمر سنة سبع وأربعين وستمائة.

ومن ذلك : مسجد فوقه ، يقال له : مسجد الراية. يقال : إن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى فيه.

وعمره عبد الله بن العباس بن محمد بن على بن عبد الله بن العباس ، ثم عمر فى سنة أربعين وستمائة ، وفى سنة إحدى وثمانمائة.

ومن ذلك : مسجد بسوق الليل بقرب المولد النبوى : يقال له المختبى ، يزوره الناس فى يوم المواليد.

ومن ذلك : مسجد بأسفل مكة ينسب للصديق رضى الله عنه ، يقال : إنه من داره التى هاجر منها.

ومن ذلك : مساجد خارج مكة من أعلاها.

منها : المسجد الذى يقال له مسجد الإجابة فى شعب بقرب ثنية أذاخر ، يقال : إن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى فيه.

ومن ذلك : مسجد البيعة ، وهى بيعة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الأنصار. وهذا المسجد بقرب عقبة منى ، بينه وبين العقبة غلوة أو أكثر ، وهو على يسار الذاهب إلى منى.

__________________

(١) انظر : (شفاء الغرام ٢٦٠ ـ ٢٨٧).

٢٦١

وعمر فى سنة أربع وأربعين ومائة ، وفى سنة تسع وعشرين وستمائة.

ومن ذلك : مسجد بمنى عند الدار المعروفة بدار النحر ، بين الجمرة الأولى والوسطى على يمين الصاعد إلى عرفة ، يقال : إن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى فيه الضحى ونحر هديه. وما عرفت من خبر عمارته سوى أنه بنى فى سنة خمس وأربعين وستمائة بعد.

ومن ذلك : مسجد بلحف ثبير بمنى ، يقال له : مسجد الكبش ـ وهو الكبش الذى فدى به إسماعيل بن إبراهيم ، أو إسحاق بن إبراهيم على الخلاف فى أيهما الذبيح.

وذكر الفاكهى خبرا يقتضى أن هذا الكبش نحر بين الجمرتين بمنى. وهذا يخالف ما سبق. والله أعلم.

ومن ذلك : مسجد الخيف بمنى ، وهو مشهور عظيم الفضل ، لأن فيه صلى سبعون نبيا ، وفيه قبر سبعين نبيا ، على ما رويناه مرفوعا فى البزار. والأول من الطبرانى الكبير مرفوعا.

وممن قبر فيه على ما قيل : آدم عليه‌السلام.

وفى رواية أبى هريرة رضى الله عنه أنه أحد المساجد التى تشد إليها الرحال وإسناد الحديث إليه ضعيف. وجاء عنه ما يقتضى استحباب زيارته كل سبت.

ومصلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيه أمام المنارة قريبا منها ، وعمر مرات. وفى أصله طرف من ذلك.

ومن ذلك : المسجد الذى اعتمرت منه عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها فى حجة الوداع.

وهذا المسجد بالتنعيم. واختلف فيه.

فقيل : إنه المسجد الذى يقال له مسجد الهليلجة بشجرة كانت فيه. وهو المتعارف عند أهل مكة على ما ذكر سليمان بن خليل.

وقيل : إنه المسجد الذى أمامه إلى طريق الوادى ، وبقربه بئر.

ورجح هذا القول : المحب الطبرى.

وفى كل منهما أحجار قديمة بسبب عمارته مكتوب فيها ما يدل على أنه مسجد عائشة رضى الله عنها. وفى أصله طرف من خبر عمارتهما.

٢٦٢

وبين مسجد الهليلجة والأعلام التى هى حد الحرم من جهة التنعيم فى الأرض ـ لا التى فى الجبل ـ سبعمائة ذراع وأربعة وعشرون ذراعا بالحديد.

ومن ذلك : مسجد يقال له مسجد الفتح بقرب الحموم من وادى مر ، يقال : إن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى فيه. والله أعلم.

وأما المواضع المشهورة بالمواليد.

فمنها : مولد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بسوق الليل. وهو مشهور.

وذكر السهيلى فى خبر مولد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما يستغرب. وذكرنا ذلك فى أصله.

وأغرب منه ما قيل : إن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولد بالرّدم. وقيل : بعسفان. ذكره مغلطاى فى سيرته.

والمراد بالردم : ردم بنى جمح ، لا الردم الذى بأعلى مكة. فإنه لم يكن إلا فى خلافة عمر رضى الله عنه.

ومنها : مولد السيدة فاطمة الزهراء بنت المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو مكان مشهور من دار أمها خديجة أم المؤمنين رضى الله عنها.

ومنها : مولد على بن أبى طالب رضى الله عنه بالشعب ، فوق مولد النبىصلى‌الله‌عليه‌وسلم. وهذا الموضع لم يذكره الأزرقى. وذكره ابن جبير ، وعلى بابه حجر مكتوب فيه : إنه مولد على بن أبى طالب رضى الله عنه. وفيه ربى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ومنها : مولد حمزة عم النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأسفل مكة قريبا من باب اليمن.

ومنها : مولد عمر رضى الله عنه بالجبل الذى تسميه أهل مكة التوبى بأسفل مكة.

ولم أر ما يدل بصحة ما قيل فيه ، وفى الذى قبله. والله أعلم.

ومنها : مولد جعفر رضى الله عنه فى دار أبى سعيد عند دار العجلة. وبعض الناس ينسب هذا المولد إلى جعفر بن أبى طالب. وعلى بابه حجر مكتوب فيه : إنه مولد جعفر الصادق ، ودخله النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ولا منافاة بين كونه جعفر الصادق ، وبين دخول النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم إليه لإمكان أن يكون النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم دخله قبل أن يولد فيه جعفر. والله أعلم.

وأما الدور المباركة بمكة.

فمنها : دار أم المؤمنين رضى الله عنها. ويقال لها الآن مولد فاطمة رضى الله عنها. وفيها ثلاث مواضع تقصد بالزيارة متلاصقة.

٢٦٣

أحدها : الموضع الذى يقال له : مولد فاطمة.

والموضع الذى يقال له : قبة الوحى.

والموضع الذى يقال له : المختبأ. وبها مواضع أخر على هيئة المسجد.

وهذه الدار أفضل الأماكن بمكة بعد المسجد الحرام ، على ما ذكر المحب الطبرى. ولعل ذلك لسكنى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيها سنين كثيرة ، من حين تزوج خديجة ، وإلى حين هاجر ، ولكثرة نزول الوحى عليه فيها.

وفيها : بنى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بخديجة.

وفيها : ولدت أولادها منه.

وفيها : ماتت رضى الله عنها.

ومنها : دار تنسب للصديق رضى الله عنه بالزقاق الذى فيه دار خديجة رضى الله عنها. ويعرف الآن بزقاق الحجر ، ويقال له فيما مضى : زقاق العطارين. ذكر ذلك الأزرقى.

وفى هذه الدار مسجد عمره المنصور صاحب اليمن قبل سلطنته فى حال نيابته على مكة للمسعود سنة ثلاث وعشرين وستمائة.

ومقابل هذه الدار حجر ناتئ فى جدار من الدار المقابلة لها يقال : إنه الذى كلم النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، على ما حكى الميانشى عن كل من لقيه بمكة. وذكر ذلك ابن جبير. فإن صح كلامه للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : فلعله الحجر الذى كان يسلم عليه ليالى بعث بمكة.

وقيل : إن الذى كان يسلم عليه فى هذا التاريخ : هو الحجر الأسود. والله أعلم.

ومنها : دار الخيزران عند باب الصفا ، وهى دار الأرقم المخزومى.

والمقصود بالزيارة منها : مسجد مشهور فيها ، ويقال له : المختبأ لأن فيه كان النبىصلى‌الله‌عليه‌وسلم يدعو إلى الإسلام مستخفيا. وهناك أسلم جماعة من جملة الصحابة ، منهم : عمر الفاروق رضى الله عنه.

ولعل دار الأرقم هذه أفضل الأماكن بمكة بعد دار خديجة أم المؤمنين رضى الله عنها.

ومنها : دار العباس بن عبد المطلب رضى الله عنه. وهى الآن رباط للفقراء وبها علم يهرول منه وإليه الساعى.

٢٦٤

ومنها : رباط الموفق بأسفل مكة لأنه بلغنى عن الشيخ خليل المالكى : أن الدعاء مستجاب فيه أو عند بابه.

ومنها : معبد الجنيد شيخ الطائفة الصوفية. وهو بلحف الجبل الأحمر ، أحد أخشبى مكة :

وأما الجبال المباركة بمكة وحرمها :

فأبو قبيس ؛ لأن الركن الأسود كان مستودعا فيه عام الطوفان.

فلما بنى الخليل الكعبة نادى أبو قبيس : الركن منى بمكان كذا وكذا. فجاء به جبريل إلى الخليل ، فوضعه موضعه فى الكعبة. ولذلك قيل لأبى قبيس : الأمين.

وفيه على ما يقال : قبر آدم عليه‌السلام فى غار يقال له : غار الكنز ، فيما قال وهب ابن منبه. وهذا الغار غير معروف.

وقد سبق أن قبر آدم بمسجد الخيف.

وقيل : قبره عند مسجد الخيف.

وقيل : فى الهند فى الموضع الذى نزل فيه من الجنة. وصححه ابن كثير.

وفى تاريخ الأزرقى : ما يوهم أنه بيت المقدس ، فيتحصل فى موضع قبره خمسة أقوال.

وفى أبى قبيس ، على ما قيل : قبر شيث ، وأمه حواء ، على ما وجدت بخط الذهبى.

وفى أبى قبيس : انشق القمر للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، على ما يروى عن ابن مسعود رضى الله عنه ، فيما ذكر الفاكهى. ولم أر ما يدل على ما يقال فى موضع الانشقاق بأبى قبيس. والله أعلم.

ويروى من حديث ابن مسعود «أن القمر انشق بمنى» وهذا فى مسلم فى روايته عن منجاب بن الحارث. والله أعلم.

ومن فضائل أبى قبيس : أن الدعاء يستجاب فيه. وهذا فى الفاكهى. وهو أول جبل وضع فى الأرض. وهذا فى الأرزقى عن ابن عباس رضى الله عنهما.

ومن خواصه ـ على ما ذكر القزوينى فى عجائب المخلوقات ـ ما قيل : إن من أكل عليه الرأس المشوى يأمن من أوجاع الرأس.

٢٦٥

قال القزوينى : وكثير من الناس يفعل ذلك. انتهى.

وكان بعض مشايخنا يفضل جبل أبى قبيس على جبل حراء ، ويحتج فى ذلك : بكونه أقرب إلى الكعبة من حراء.

وفى النفس من ذلك شىء لكثرة مجاورة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لحراء ، وما نزل فيه من الوحى عليه. ولم يتفق له مثل ذلك فى أبى قبيس ، فلا يكون أفضل من حراء. والله أعلم.

ومنها : جبل الخندمة ؛ لأن الفاكهى روى بسنده إلى ابن عباس رضى الله عنهما. قال : «ما نظرت مكة قط إلا كان للخندمة عزة. وذلك أن فيها قبر سبعين نبيا» والخندمة معروفة عند الناس بقرب أبى قبيس.

ومنها : جبل حراء بأعلى مكة ، لكثرة مجاورة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيه. وما خصه الله به فيه من الكرامة بالرسالة إليه ونزول الوحى فيه عليه. وذلك فى غار مشهور فى هذا الجبل يأثره الخلف عن السلف ويقصدونه بالزيارة ، وبين حراء ومكة ثلاث أميال.

قاله صاحب المطالع وغيره.

وقيل : ميل ونصف. قاله البكرى ـ وهو بعيد.

وقيل : أربعة أميال. كذا فى تفسير ابن عطية ، والله تعالى أعلم.

ومنها : جبل ثور بأسفل مكة لاختفاء النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم والصديق رضى الله عنه فى غار به. وهذا الغار مشهور عند الناس ويدخلونه من باب المتسع والضيق ، وقد وسع بابه الضيق لانحباس بعض الناس فيه ، وذلك فى سنة ثمانمائة أو قبلها أو بعدها بيسير.

وما ذكرناه فى تسمية هذا الجبل «بثور» هو المعروف. وسماه البكرى «بأبى ثور». وذكر أنه على ميلين من مكة ، وأن ارتفاعه نحو ميل ، وذكر ابن الحاج أنه من مكة على ثلاثة أميال.

ومنها : جبل ثبير بمنى ؛ لأنا روينا من حديث أنس رضى الله عنه مرفوعا «أن الله سبحانه وتعالى لما تجلى للجبل تشطى فطارت لطلعته ثلاثة أجبل فوقعت بمكة ، وثلاث أجبل فوقعت بالمدينة ، فوقع بمكة حراء وثبير وثور ، وبالمدينة أحد وورقان ورضوى» أخرجه الأزرقى.

وقال القزوينى : إنه جبل مبارك يقصده الزوار.

ذكر النقاش المفسر : أن الدعاء مستجاب فى ثبير.

٢٦٦

ومنها : الجبل الذى يلحقه مسجد الخيف ، لأن فيه غارا يقال له : غار المرسلات يأثره الخلف عن السلف. ويدل له حديث ابن مسعود رضى الله عنه «بينا نحن مع النبىصلى‌الله‌عليه‌وسلم فى غار بمنى ، إذ نزلت عليه سورة المرسلات ـ الحديث».

أخرجه البخارى فى باب ما يقتل المحرم من الدواب.

وفى بعض نسخ مسند ابن حنبل من مسند ابن مسعود رضى الله عنه ، ما يقتضى أن هذه السورة نزلت بحراء ، فإن لم يكن فى ذلك تصحيفا فهو مخالف لما قيل فى هذا الغار. والله أعلم.

وأما مقابر مكة ، فمنها : المقبرة المعروفة بالمعلاة ، وهى مشهورة كثيرة الفضل والبركة لما حوته من سادات الصحابة والتابعين ، وكبار العلماء والصالحين ، ولما جاء فيها من الفضل عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأنا روينا من حديث ابن عباس عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «نعم المقبرة هذه ، مقبرة أهل مكة».

أخرجه الأزرقى. قال : وكان أهل مكة يدفنون موتاهم فى جنبى الوادى يمنه وشامه فى الجاهلية وفى الإسلام ، ثم حول الناس قبورهم إلى الشعب الأيسر لما فيه من الرواية. انتهى.

والرواية التى جاءت فيه ، ما يروى عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «نعم الشعب ونعم المقبرة». انتهى.

ومن فضائل مقبرة المعلاة : ما حكاه بعض الصالحين عن بعض الموتى بالمعلاة أنهم قالوا : ما يقف حال أحد فى هذا المكان ، وأنهم غير محتاجين إلى ما يهدى إليهم من قراءة أو نحوها.

ومنها : المقبرة العليا ، وهى على ما ذكر الأزرقى عند ثنية أذاخر.

وقال فى موضع آخر : آل أسيد ، وآل سفيان بن عبد الأسد بن قنون بالمقبرة العليا بحائط خرمان ، انتهى.

وحائط خرمان هو الموضع المعروف بالخرمانية وهو وديان بأعلى المعابدة وثنية أذاخر فوق ذلك.

ومنها : مقبرة المهاجر بالحصحاص ، وهى على مقتضى ما ذكر الأزرقى فى تعريفها عند الثنية التى يتوجه منها إلى المعلاة ، وتسميها الناس الحجون الأول. والله أعلم.

٢٦٧

ومنها : مقبرة بأسفل مكة دون باب الشبيكة ، وقريب منه ، وهى مشهورة عند الناس لما حوته من أهل الخير الغرباء وغيرهم.

وذكر الفاكهى : أن الأحلاف كانوا يدفنون بأسفل مكة ، والمطيبين بأعلا مكة ، والظاهر أن المقبرة التى كان يدفن بها الأحلاف هى مقبرة الشبيكة. والله أعلم.

والأحلاف : طوائف من قريش. وكذلك المطيبون ، وهم مذكورون فى أصله.

ومن القبور المباركة التى ينبغى زيارتها : قبر ميمونة أم المؤمنين رضى الله عنها بسرف ، وهو مشهور عند الناس ، يأثره الخلف عن السلف.

وكان بناء النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لميمونة فى سرف ، وسرف من مكة على أميال. قيل : ستة ، وقيل : سبعة ، وقيل : تسعة ـ بتقديم التاء ـ وقيل : بريد. والله تعالى أعلم.

* * *

٢٦٨

الباب الثانى والعشرون

فى ذكر أماكن بمكة المشرفة وحرمها وقربه لها تعلق بالمناسك وهى ستة وعشرون موضعا ، مرتبة على ترتيب حروف المعجم (١).

الأول : باب بنى شيبة الذى يستحب للمحرم دخول المسجد الحرام منه ، وهو أول باب الجنب الشرقى بين رباط الشراى ، ورباط السدرة ، وعليه منارة المسجد الحرام.

وأما الباب الذى يخرج منه المسافر إلى بلده من المسجد الحرام ، فينبغى أن يكون باب الحزورة ، أو باب إبراهيم ، أو باب العمرة.

وقد أو ضحنا دليل ذلك فى أصله ، والله أعلم.

الثانى : التنعيم المذكور فى حد الحرم من جهة المدينة النبوية هو أمام أدنى الحل ، على ما ذكر المحب الطبرى ، قال : وليس بطرف الحل. ومن فسره بذلك يجوز ، وأطلق اسم الشىء على ما قرب منه. انتهى.

وهو أفضل مواقيت العمرة بعد الجعرانة عند الأربعة إلا أبا حنيفة رحمة الله عليه.

الثالث : ثبير الذى إذا طلعت عليه الشمس ، سار الحاج من منى إلى عرفة هو على ما قال المحب الطبرى فى شرح الثنية ـ بثاء مثلثة مفتوحة ، ثم ياء موحدة مكسورة ـ أعلى جبل بمنى.

ثم قال : وهو يشرق على منى من جمرة العقبة التى تلقاء مسجد الخيف ، وأمامه قليلا على يسار الذاهب إلى عرفة. انتهى.

وكلام النووى يقتضى أن ثبير المراد فى مناسك الحج بمزدلفة ، وليس ذلك بمستقيم على ما ذكره شيخنا القاضى مجد الدين الشيرازى اللغوى.

الرابع : الجعرانة ، الموضع الذى أحرم منه النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما رجع من الطائف بعد فتح مكة ، هو موضع مشهور على بريد من مكة فيما ذكر الفاكهى.

وقال الباجى المالكى : إن بينه وبين مكة نحو ثمانية عشر ميلا. والله أعلم.

__________________

(١) انظر : (شفاء الغرام ١ / ٢٨٨ ـ ٣٢٧).

٢٦٩

وذكر الواقدى أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أحرم من المسجد الأقصى الذى تحت الوادى بالعدوة القصوى من الجعرانة ، وكان مصلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا كان بالجعرانة به.

وذكر أن إحرامه ـ من الجعرانة ـ ليلة الأربعاء إلا ثنتى عشرة ليلة بقيت من ذى القعدة.

وذكر كاتب محمد بن سعد خبرا فيه : أن اعتمار النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان من الجعرانة للثلثين بقيا من شوال ، وهذا الخبر ضعيف ، والمعروف ما ذكره الواقدى ، والله أعلم.

ومن فضائل الجعرانة : ما رويناه عن يوسف بن ماهان ، قال : «اعتمر من الجعرانة ثلاثمائة نبى». أخرجه الجندى.

وهى أفضل مواقيت العمرة من مكة على مقتضى مذهب مالك والشافعى،رحمهما‌الله تعالى.

الخامس : الجمار المذكور فى صفة الحج ، هى بمنى.

ونقل عن ابن سيده اللغوى ، ما يقتضى أنها بعرفة. نقل ذلك عنه السهيلى ، وهو وهم ذكرنا التنبيه عليه. وهذه الجمار مشهورة بمنى.

السادس : الحجون ـ المذكور فى حد المحصب ـ هو جبل بالمعلاة ، مقبرة أهل مكة على يسار الداخل إلى مكة ، ويمين الخارج منها إلى منى على مقتضى ما ذكره الأزرقى والفاكهى فى تعريفه ؛ لأنهما ذكراه فى شق معلاة مكة اليمانى ، وهو الجهة التى ذكرناها.

وإذا كان كذلك : فهو مخالف ما يقوله الناس من أن الحجون : الثنية التى يهبط منها إلى مقبرة المعلاة. وكلام المحب الطبرى يوافق ما يقوله الناس.

ولعل الحجون على مقتضى قول الأزرقى والفاكهى والخزاعى ، الجبل الذى يقال : فيه قبر ابن عمر رضى الله عنهما ، أو الجبل المقابل له ، الذى بينهما الشعب المعروف : بشعب العفاريت. والله تعالى أعلم.

السابع : الحديبية : الموضع الذى نزل عنده النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما قدم من المدينة محرما ، فعاقه المشركون عن دخول مكة ، يقال : إنه الموضع الذى فيه البئر المعروفة ببئر شميس بطريق جدة. والله أعلم.

وقد ذكره غير واحد من العلماء ، وما قالوه ، لا يعرف الآن ، وهى بتخفيف الياء

٢٧٠

الثانية على الصواب فيها ، وقيل : تشديدها ، واختلف فى كونها فى الحل أو فى الحرم.

وهى أفضل مواقيت العمرة بعد الجعرانة ، والتنعيم على ما قال الشافعية ، إلا أن الشيخ أبا حامد ، منهم ، فضلها على التنعيم. والله أعلم.

الثامن : ذو طوى ، الموضع الذى يستحب الاغتسال فيه للمحرم إذا قدم مكة هو ما بين الثنية التى يهبط منها إلى المعلاة ، والثنية الأخرى التى إلى جهة الزاهر على مقتضى ما ذكر الأزرقى فى تعريفه.

وفى صحيح البخارى ما يؤيده. وقال النووى : إنه الموضع المعروف بآبار الزاهر بأسفل مكة. انتهى.

وقيل : هو الأبطح. نقله صاحب المطالع عن الداودى ، وهو بعيد ، وطاؤه مثلثة.

التاسع : الردم الذى ذكر بعض الشافعية : أن المحرم يقف فيه للدعاء إذا قدم مكة ، هو ردم بأعلى مكة مشهور عند الناس ، ردمه عمر بن الخطاب رضى الله عنه صونا للمسجد من السيل فى سنة سبع عشرة من الهجرة.

العاشر : الصفا ، الذى هو مبدأ السعى ، هو فى أصل جبل أبى قبيس على ما ذكر البكرى والنووى وغيرهما ، وهو مكان مرتفع من جبل له درج ، وفيه ثلاثة عقود ، والدرج من أعلى العقود وأسفلها ، وبعض الدرج التى تحت العقد مدفون ، وذلك ثمان درجات ، ثم فرشة مثل بعض الفرشات الظاهرة تحت العقود ، ثم درجتان ، وما عدا ذلك فهو ظاهر ، وهو درجة تحت العقود ، ثم ثلاث درجات ثم فرشة كبيرة ، إلا أن هذه الفرشة السفلى ربما غيبت بما يعلو عليها من التراب.

وما ذكرناه من الدرج المدفون شاهدناه بعد حفرنا عنه فى شوال سنة أربع عشرة وثمانمائة ، وهذا المدفون ليس محلا للسعى ، ومحله : الظاهر.

ويتأيد كون الظاهر محلا للسعى بأن الأزرقى قال : ذرع ما بين الركن الأسود إلى الصفا مائتا ذراع ، واثنان وستون ذراعا وثمانية عشر إصبعا. انتهى.

وحررنا ما بين الحجر الأسود ، وبين الفرشة السفلى التى يعلو عليها التراب ، فجاء مثل ما ذكر الأزرقى فى ذرع ما بين الحجر الأسود والصفا.

ولم يذكر الأزرقى ذرع ذلك إلا ليبين أن ما وراء ذلك محل للسعى.

٢٧١

والفرشة السفلى المشار إليها من وراء الذرع المذكور ، ويكون محلا للسعى على هذا.

ويصح إن شاء الله : سعى من وقف عليها فلا يقصر الساعى عنها ، ولا يجب عليه الرقى على ما وراء هذا. والله أعلم.

ومن محاذاة نصف العقد الوسط من عقود الصفا إلى الدرج الذى بالمروة من داخله سبعمائة ذراع وسبعون ذراعا وسبع ذراع ـ بتقديم السين ـ فى السبعمائة ، وفى السبعين ، وفى السبع ، وذلك يزيد على ما ذكره الأزرقى فى ذرع ذلك نحو أربعة أذرع.

الحادى عشر : طريق ضب ، التى يستحب للحاج سلوكها إذا قصد عرفة ، هى طريق مختصرة من المزدلفة إلى عرفة فى أصل المازمين عن يمينك وأنت ذاهب إلى عرفة. هكذا عرفها الأزرقى.

وإنما استحب للحاج سلوكها ؛ لأن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم سلكها لما راح من منى إلى عرفة على ما نقل الأزرقى عن بعض المكيين.

وروى عن عطاء : أنه سلكها ، وقال : هى طريق موسى بن عمران.

الثانى عشر : عرفة ـ بالفاء ـ موضع الوقوف ، وهى خارج الحرم قريب منه. وقد ذكر حدها ابن عباس رضى الله عنهما ؛ لأنه قال : حد عرفة من الجبل المشرف على بطن عرنة على جبال عرفة إلى ملتقى وصيف ووادى عرفة. أخرجه الأزرقى.

وقوله : ووادى عرفة : اختلف فى ضبطه ، ففى بعض نسخ الأزرقى ـ بالفاء ـ وفى بعضها ـ بالنون ـ وممن ضبط بالنون ابن الصلاح. واعترض عليه فى ذلك المحب الطبرى ؛ لأنه قال بعد أن ذكر ضبط ابن الصلاح : قلت : وفيما ذكره نظر ؛ لأنه أراد تحديد عرفة ـ بالفاء ـ أولا وآخرا ، فجعله من الجبل المشرف على بطن عرفة فيكون آخره ملتقى وصيف وبطن عرفة بالفاء ، ولا يصح أن يكون وادى عرفة ـ بالنون ـ لأن وادى عرنة لا ينعطف على عرفة ، بل هو ممتد مما يلى مكة يمينا وشمالا ، فكان التقييد بوادى عرفة أصح. والله أعلم.

قال : وهذا التحديد يدخل عرنة فى عرفة. انتهى.

وحد عرفة من جهة مكة الذى فيه هذا الاختلاف ، قد صار معروفا بما بنى فى موضعه من الأعلام ، وهى ثلاثة سقط منها واحد ، وبقى اثنان ، وفيها أحجار مكتوبة فى بعضها : أن المظفر إربل أمر بإنشاء هذه الأعلام الثلاثة بين منتهى أرض عرنة ووادى عرفة ، لا يجوز لحاج بيت الله العظيم أن يجاوز هذه الأعلام قبل غروب الشمس.

٢٧٢

وفيه مكتوب بتاريخ شعبان سنة خمس وستمائة.

والمسجد الذى يصلى فيه الإمام بالناس فى يوم عرفة ليس من عرفة ـ بالفاء ـ على مقتضى ما ذكر ابن الصلاح والنووى ، وكلام المحب الطبرى يقتضى أنه منها. وقيل : إن مقدمه من عرنة ـ بالنون ـ ومؤخره [من عرفة] ـ بالفاء ـ ويظهره ثمرة هذا الخلاف فى إجزاء الوقوف بهذا المسجد.

وتوقف مالك فى ذلك ولأصحابه قولان فيه بالإجزاء وعدمه.

وأفضل المواقف بعرفة الموضع الذى وقف فيه النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو بقريب فى الموضع الذى تقف فيه المحامل التى تصل من مصر إلى الشام والعراق ، وهو مكان معروف عند الناس.

وسميت عرفة : عرفة ؛ لتعارف آدم وحواء فيه ؛ لأن آدم أهبط إلى الهند ، وحواء إلى جدة ، فتعارفا بالموقف.

وقيل : لتعريف جبريل المناسك بها للخليل.

وقيل : لاعتراف الناس فيها بذنوبهم.

إلى غير ذلك من الأقوال التى ذكرناها فى أصله الأكبر.

الثالث عشر : عرنة ـ بالنون ـ الموضع الذى يجتنب الحاج فيه الوقوف هو بين العلمين اللذين هما حد عرفة ، والعلمين اللذين هما حد الحرم من هذه الجهة.

وقد اختلف فيه فقيل : إنها من الحرم. وهذا يروى عن حبيب المالكى. وقيل : إنها من عرفة. حكاه ابن المنذر عن مالك. وفى صحته عنه نظر لمخالفته ما فى كتب المالكية. والله أعلم.

ومذهب الشافعى : أنها ليست من عرفة. وعرنة ـ بضم العين وفتح الراء المهملتين ـ هذا المشهور فيها.

الرابع عشر : قزح ، الموضع الذى يستحب للحاج أن يقف عنده للدعاء غداة النحر هو مكان مشهور بالمزدلفة ، وهو الموضع الذى يسمونه المشعر الحرام.

أشار إلى ذلك المحب الطبرى.

وذكر ابن الصلاح : أن قزح ، جبل صغير فى آخر المزدلفة ، ثم قال : وقد استبدل الناس بالوقوف على الموضع الذى ذكرناه بناء محدثا فى وسط المزدلفة ، ولا تؤدى فيه هذه السنة.

٢٧٣

قال المحب الطبرى : والظاهر أن البناء إنما هو على الجبل كما تقدم ، والمشاهدة تشهد بصحة ذلك ، ولم أر ما ذكره لغيره. انتهى.

وذكر النووى : أن الأظهر أن للحاج تحصيل السنة بالوقوف على البناء المستحدث.

قاله فى الإيضاح.

الخامس عشر : كداء ، الموضع الذى يستحب للمحرم دخول مكة منه هو الثنية التى تهبط منها إلى المقبرة المعروفة بالمعلاة والأبطح ، على مقتضى ما ذكره الفاكهى ، وسليمان بن خليل ، والمحب الطبرى.

وقال المحب الطبرى : هى بالفتح والمد تصرف على إرادة الموضع ، وتركه على إرادة البقعة. وما ذكره من أنها بالفتح هو المعروف. وقيل : إنها بالضم.

وسهل بعض المجاورين طريقا فيها غير الطريق المعتادة ، ووسعها بعد أن كانت حزنة ضيقة ، وصار الناس يسلكونها أكثر من الأولى ، وذلك فى النصف الثانى من سنة سبع عشرة وثمانمائة.

السادس عشر : كداء ، الموضع الذى يستحب الخروج منه ، لمن كان فى طريقه هو الثنية التى بنى عليها باب مكة المعروف بباب الشبيكة ، على مقتضى ما ذكر المحب الطبرى فى شرح الثنية.

وذكر القاضى بدر الدين بن جماعة : ما يقتضى أنها الثنية التى عندها الرجم المعروف بقبر أبى لهب. والله أعلم بالصواب ـ وهى : بضم الكاف ، وبالقصر والتنوين ـ على ما هو مشهور فيه.

وقيل : إنها ـ بفتح الكاف ـ وإنما استحب الدخول من كداء ـ ثنية المقبرة ـ والخروج من كداء ، التى إلى جهة المدينة ؛ لأن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فعل ذلك فى حجة الوداع.

وأما فى الفتح ، فقيل : إنه دخل من كداء ـ ثنية المقبرة ـ وقيل : من ثنية أذاخر.

وأما فى عمرة الجعرانة : فدخل وخرج من أسفل مكة. كما فى خبر ذكره الفاكهى بإسناد فيه من لم أعرفه. والله تعالى أعلم.

السابع عشر : المأزمان ، اللذان يستحب سلوكهما للحاج إذا رجع من عرفة. هو الموضع الذى يسميه أهل مكة الآن المضيق ، بين مزدلفة وعرفة.

وذكر النووى ما يقتضى أن هذين المأزمين فى غير هذا المحل ؛ لأنه قال فى الإيضاح :

٢٧٤

والسنة أن يسلك فى طريقه إلى المزدلفة على طريق المأزمين ، وهو بين العلمين اللذين هما حد الحرم من تلك الناحية. انتهى.

وهذا بعيد لمخالفته فيه قوله وقول غيره كما بيناه فى أصله.

والمأزم فى اللغة : الطريق الضيق بين جبلين.

الثامن عشر : محسر ، الموضع الذى يستحب للحاج الإسراع فيه : هو واد عند المكان الذى يقال له : المهلل ؛ لأن الناس إذا وصلوا إليه فى حجهم هللوا وأسرعوا السير فى الوادى المتصل به.

والمهلل المشار إليه : مكان مرتفع عنده بركتان معطلتان بلحف قرن جبل عالى ، ويتصل بهما آثار حائط. ويكون ذلك كله عن يمين الذاهب إلى عرفة ، ويسار الذاهب إلى منى.

التاسع عشر : المحصب ، الذى يستحب النزول فيه للحاج بعد انصرافه من منى ، هو مسيل بين مكة ومنى ، وهو أقرب إلى مكة بكثير ، وحده من جهة مكة : الحجون. على ما ذكر الأزرقى.

ولا يعارض ذلك ما وقع لابن الصلاح ، والنووى ، والمحب الطبرى ، وغيرهم من : أن المقبرة ليست من المحصب ؛ لأن مراد هؤلاء الأئمة ، والله أعلم ـ استثناء المقبرة من عرض المحصب لا من طوله لحزونة موضعها.

وذلك يخالف صفه المحصب ، فإن المحصب ما سهل من الأرض على مقتضى ما ذكر ابن الصلاح وغيره ، فى تفسير المحصب.

وأما حده من جهة منى : فجبل العيرة بقرب السبيل ، الذى يقال له : سبيل الست ، بطريق منى على ما ذكر الأزرقى فى تعريفه.

العشرون : المروة ، الموضع الذى هو منتهى السعى هو فى أصل جبل قعيقعان على ما قال أبو عبيد البكرى.

وقال النووى : إنها أنف من جبل قعيقعان.

وذكر المحب الطبرى : أن العقد الذى بالمروة ، جعل علما لحد المروة ، ثم قال : فينبغى للساعى أن يمر تحته ، ويرقى على البناء المرتفع. انتهى.

والعقد الذى بالمروة الآن حدد فى آخر سنة إحدى وثمانمائة ، أو فى أول التى بعدها بعد سقوطه.

٢٧٥

وكان بالمروة خمس عشرة درجة على ما ذكر الأزرقى ، وليس بها الآن غير واحدة.

الحادى والعشرون : المزدلفة ، الموضع الذى يؤمر الحاج بنزوله والمبيت فيه ، بعد دفعه من مزدلفة ليلا : هو ما بين مأزمى عرفة الذى يسميها أهل مكة : المضيق وبين محسر. وقد حد مزدلفة بما ذكره غير واحد من الأئمة.

وسميت بالمزدلفة : لازدلاف الناس إليها ، وهو اقترابهم ، وقيل : لمجيئهم إليها فى زلف من الليل ، أى ساعات.

ويقال لها : جمع ، لاجتماع الناس بها ، وقيل : لاجتماع آدم وحواء فيها ، وقيل : لجمع الصلاتين بها.

وطول المزدلفة من طرف وادى محسر الذى يليها إلى أول المأزمين مما يليها : سبعة آلاف ذراع وسبعمائة ذراع وثمانون ذراعا وأربعة أسباع ذراع.

ومن جدر باب بنى شيبة إلى حد المزدلفة من جهة منى : عشرون ألف ذراع وخمسمائة ذراع وسبعة أذرع ـ بتقديم السين ـ وثلاثة أسباع ذراع.

الثانى والعشرون : المشعر الحرام ، الذى يستحب الوقوف عنده للحاج كى يدعو ويذكر عنده غداة النحر : هو موضع معروف من المزدلفة ، وهو : قزح ، السابق ذكره.

وأما قول ابن عمر رضى الله عنهما : المشعر الحرام المزدلفة كلها ، ومثله كثير من كتب التفسير ، فهو ، محمول على المجاز.

أشار إلى ذلك المحب الطبرى وغيره.

وأحدث وقت بنى فيه المشعر الحرام سنة تسع وخمسين وسبعمائة ، أو فى التى بعدها.

الثالث والعشرون : المطاف المذكور فى كتب الفقهاء : هو ما بين الكعبة ومقام الخليل عليه‌السلام ، وما يقارب ذلك من جميع جوانب الكعبة.

وأشار إلى تعريفه بما ذكرناه الشيخ أبو محمد الجوينى فيما نقله عنه ابن الصلاح. وقد ذكرنا كلامه مع ذرع ذلك فى أصله.

وهذا الموضع كله مفروش بحجارة منحوتة.

وفى سنة ست وستين وسبعمائة ، فرغ من عمله ، وفيها عمل منه جانب كبير.

٢٧٦

وهذه العمارة من قبل صاحب مصر الأشرف شعبان ، وعمره من الملوك : لاجين المنصورى ، ومن الخلفاء : المستنصر العباسى.

وأول من فرش الحجارة حول البيت : عبد الله بن الزبير رضى الله عنه ، على ما ذكر الفاكهى.

وينبغى الطائف أن لا يخرج فى حال طوافه عن هذا المكان ؛ لأن فى صحة طواف من خرج عنه مختارا خلافا فى مذهب المالكية.

الرابع والعشرون : منى ، الموضع الذى يؤمر الحاج بنزوله يوم التروية والإقامة به حتى تطلع الشمس على ثبير من يوم عرفة ، وفى يوم النحر وما بعده من أيام التشريق والمبيت بها فى لياليها لأجل رمى الجمار ، هو من أعلى العقبة التى فيها الجمرة المعروفة بجمرة العقبة إلى وادى محسر.

وقد حد منى بما يوافق ما ذكرناه : عطاء بن أبى رباح ، فيما ذكره عنه الفاكهى وما ذكره الفاكهى عن عطاء فى حد منى : يفهم أن أعلى العقبة من منى.

وذكر الشافعى والنووى : ليست من منى.

وذكر المحب الطبرى ما يقتضى أنها من منى.

وطول منى على ما ذكر الأزرقى سبعة آلاف ذراع ومائتا ذراع.

ومنى : علم لمكان آخر فى بلاد بنى عامر. ذكره صاحب الأغانى. وجاء حديث فى النهى عن البناء بمنى من رواية عائشة رضى الله عنها. أخرجه الترمذى وحسنه وأبو داود ، وسكت عليه ، فهو صالح.

وجزم النووى فى المنهاج ـ من زوائده ـ بأن منى ومزدلفة لا يجوز إحياء مواتها كعرفة. والله أعلم.

وذكر أبو اليمن بن عساكر ما يوافق ذلك.

ولمنى آيات : منها رفع ما تقبل من حصى الجمار بمنى ، ولو لا ذلك : لسد ما بين الجبلين.

وممن شاهد رفع ذلك : شيخ الحرم نجم الدين بشير التبريزى ، وبلغنى أنه رأى ذلك فيما رمى هو به من الحصى ، وهذه منقبة عظيمة.

ومنها : اتساعها للحاج فى أيام الحج مع ضيقها فى الأعين عن ذلك.

٢٧٧

ومنها : كون الحدأة لا تخطف اللحم بمنى أيام التشريق ، وذلك على خلاف عادتها فى غير هذه الأيام.

ومنها : أن الذباب لا يقع فى الطعام وإن كان لا ينفك عنها غالبا كالعسل.

ذكر هاتين الآيتين المحب الطبرى. وذكر الأزرقى الأولتين.

ومن باب بنى شيبة إلى أعلى العقبة التى فى حد منى ثلاثة عشر ألف ذراع وثلاثمائة ذراع ، وثمان وستون ذراعا باليد.

وذكرنا ذلك فى أصله بالأميال. وذكر الرافعى : أن بين منى ومكة ستة أميال. وتعقب النووى عليه فى ذلك ، وقال : بينهما ثلاثة. والله أعلم.

الخامس والعشرون : الميلان الأخضران اللذان يهرول الساعى بينهما فى سعيه بين الصفا والمروة ، هما : العلمان اللذان أحدهما بركنى المسجد الحرام ، الذى فيه المنارة التى يقال لها : منارة باب على رضى الله عنه ، والآخر فى جدر باب المسجد الذى يقال له : باب العباس رضى الله عنه.

والعلمان المقابلان لهذين العلمين :

أحدهما : فى دار عباد بن جعفر ، ويعرف اليوم بسلمة بنت عقيل.

والآخر : فى دار العباس ، ويقال له : رباط العباس رضى الله عنه.

ويسرع الساعى إذا توجه من الصفا إلى المروة إذا صار بينه وبين العلم الأخضر فى المنارة ، والمحاذى له ستة أذرع على ما ذكر صاحب التنبيه وغيره.

قال المحب الطبرى : وذلك لأنه أول محل الأنصاب فى بطن الوادى ، وكان ذلك الجبل موضوعا على بناء ثم على الأرض فى الموضع الذى يشرع منه ابتداء السعى ، وكان السيل يهدمه ويحطمه فرفعوه إلى أعلى ركن المسجد ، ولم يجدوا على السنن أقرب من ذلك الركن ، فوقع متأخرا عن محل ابتداء السعى بستة أذرع. انتهى.

ومقتضى هذا : أن الساعى إذا قصد الصفا من المروة ما يزال يهرول حتى يجاوز هذين العلمين بنحو ستة أذرع ، لأجل العلة التى شرع لأجلها الإسراع فى التوجه إلى المروة. والله أعلم.

وذكر الأزرقى ما يقتضى : أن موضع السعى فيما الميل بين الذى بالمنارة ، والميل المقابل له ، لم يكن مسعى إلا فى خلافة المهدى العباسى ، لتغيير موضع السعى قبله فى هذه الجهة ، وإدخاله فى المسجد الحرام فى توسعة المهدى له ثانيا.

٢٧٨

والظاهر : إجزاء السعى فيما بين الميلين المشار إليهما لتوالى الناس من العلماء وغيرهم على السعى بينهما ، ولا خفاء فى تواليهم على ذلك ، ولم يحفظ عن أحد ممن يقتدى به إنكار على من سعى بينهما ، ولا أنه سعى خارجا. والله تعالى أعلم.

السادس والعشرون : نمرة ، الموضع الذى يؤمر الحاج بنزوله إذا توجه من منى فى يوم عرفة هو بطن عرنة ـ بالنون ـ على ما ذكر سليمان بن خليل.

ونقل المحب الطبرى عن الصباغ : أنها من عرفة ، قال : والمعروف أنها ليست منها.

وروينا فى تاريخ الأزرقى ما يقتضى : أن نمرة من الحرم. والله أعلم.

* * *

٢٧٩

الباب الثالث والعشرون

فيما بمكة من المدارس ، والربط ، والسقايات ، والبرك المسبلة ، والآبار ، والعيون ، والمطاهر ، وغير ذلك من المآثر ، وما فى حرمها من ذلك (١).

أما المدارس الموقوفة : فإحدى عشر ، منها : مدرسة الملك الأفضل العباس بن المجاهد صاحب اليمن بالجانب الشرقى من المسجد الحرام على الفقهاء الشافعية.

وقفت قبل سنة سبعين وسبعمائة. وفى هذه السنة ابتدئ التدريس بها.

ومنها : مدرسة بدار العجلة القديمة على يسار الداخل إلى المسجد الحرام ، عملها الأمير أرغون النائب الناصرى للخليفة قبل العشرين وسبعمائة أو بعدها بقليل.

ومنها : مدرسة الأمير الزنجيلى نائب عدن على باب العمرة للحنفية. وقفها سنة تسع وسبعين وخمسمائة ، وتعرف اليوم بدار السلسلة.

ومنها : مدرسة الملك المنصور عمر بن على بن رسول صاحب اليمن ، على الفقهاء الشافعية وبها درس حديث أظنه من عمل ولد المظفر. وتاريخ عمارتها سنة إحدى وأربعين وستمائة.

ومنها : مدرسة طاب الزمان الحبشية عتيقة المستضىء العباسى على عشرة من فقهاء الشافعية.

تاريخ وقفها سنة ثمانين وخمسمائة فى شعبان ، وهى من دار زبيدة.

ومنها : مدرسة الملك المنصور غياث الدين بن المظفر أعظم شاه صاحب بنجالة من بلاد الهند على فقهاء المذاهب الأربعة.

وكان ابتداء عمارتها فى رمضان سنة ثلاث عشرة وثمانمائة ، والفراغ من ذلك فى جمادى الأولى سنة أربع عشرة.

وفى المحرم من هذه السنة وقفت ودرست بها للمالكية ، ولها وقف بالركانى ، أصيلتان وأربع وجاب ماء.

__________________

(١) انظر : (شفاء الغرام ١ / ٣٢٨ ـ ٣٥١).

٢٨٠