العقد الثّمين في تاريخ البلد الأمين - ج ١

تقي الدين محمّد بن أحمد الحسني الفاسي المكّي

العقد الثّمين في تاريخ البلد الأمين - ج ١

المؤلف:

تقي الدين محمّد بن أحمد الحسني الفاسي المكّي


المحقق: محمّد عبد القادر أحمد عطا
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 978-2-7451-2553-2
ISBN الدورة:
978-2-7451-2553-2

الصفحات: ٤٣٠

القرمطى. وذهب به معه إلى هجر. فأقام عند القرامطة إلى أن رده فى يوم الثلاثاء يوم النحر من سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة.

وكان الذى وضعه فى الكعبة ـ بعد رده ـ شبر بن الحسن القرمطى ، وشده الصائغ بجص أحضره شبر.

وكان على الحجر ـ حين أحضر فى هذا التاريخ ـ ضبات فضة قد عملت من طوله وعرضه ، تضبط شقوقا حدثت عليه بعد انقلاعه.

ثم قلع فى سنة أربعين وثلاثمائة ، وعمل له طوق محكم من فضة ليشده.

والمرة الثالثة : أن بعض الملاحدة أيضا : ضرب الحجر الأسود ثلاث ضربات بدبوس ، فتنجش ، وتساقطت منه شظايا ، ثم أصلح ما تشعث منه وطلى. وكانت هذه الحادثة فى يوم النفر الأول سنة ثلاث عشرة وأربعمائة.

وقيل : سنة أربع عشرة. والله أعلم.

ومن آيات الحجر الأسود : بقاؤه مع ما عرض له من الذهاب غير مرة ، وغير ذلك.

وقد ذكرناه فى أصله.

* * *

٢٤١

الباب الخامس عشر

فى الملتزم ، والمستجاب ، والحطيم ، وما جاء فى ذلك من استجابة الدعاء فى هذه المواضع ، وغيرها من الأماكن بمكة المشرفة وحرمها (١).

أما الملتزم : فهو ما بين الباب ـ باب الكعبة ـ والحجر الأسود ، على ما روينا عن ابن عباس رضى الله عنهما. وروينا عنه حديثا مرفوعا مسلسلا فى استجابة الدعاء فيه. وجرب ذلك من زمنه إلى عصرنا.

وأما المستجاب : فهو ما بين الركن اليمانى والباب المسدود فى دبر الكعبة. وروينا فى استجابة الدعاء فيه خبرا فى مجابى الدعوة لابن أبى الدنيا.

وأما الحطيم : فهو ما بين الحجر الأسود ومقام إبراهيم وزمزم. والحجر ، بسكون الجيم.

وقيل : إن «الحطيم» هو الموضع الذى فيه الميزاب. وهذا فى كتب الحنفية.

وعليه فيكون «الحطيم» الحجر ـ بسكون الجيم ـ وقيل فيه غير ذلك.

وسمى «الحطيم» لأن الناس كانوا يحطمون هنالك بالأيمان ؛ فقل من دعى هنالك على ظالم إلا هلك ، وقل من حلف هنالك آثما إلا عجلت له العقوبة.

وقيل : فى سبب تسميته بالحطيم غير ذلك.

وأما بقية المواضع التى يستجاب فيها الدعاء : فكثير منها مذكور فى رسالة الحسن البصرى ؛ لأن فيها أن الدعاء يستجاب فى خمسة عشر موضعا.

أولها : عند الملتزم ، وتحت الميزاب ، وعند الركن اليمانى ، وعلى الصفا وعلى المروة ، وبين الصفا والمروة ، وبين الركن والمقام ، وفى جوف الكعبة ، وبمنى ، وبجمع ، وبعرفات ، وعند الجمرات الثلاث ، هكذا وجدت فى نسختى من هذه الرسالة. وهى تقتضى أن تكون المواضع أربعة عشر. والظاهر : أنه سقط منها موضع ، لعله أن يكون خلف المقام.

__________________

(١) انظر : (شفاء الغرام ١ / ١٩٦ ـ ١٩٨).

٢٤٢

ويحتمل أن يكون فى الطواف ؛ لأنه روى عن الحسن البصرى رحمه‌الله تعالى (١) : أن الحجر الأسود يستجاب عنده الدعاء ، فتصير المواضع ستة عشر. انتهى.

وذكر شيخنا القاضى مجد الدين الشيرازى مواضع أخر بمكة وحرمها وقربه يستجاب فيها الدعاء.

وذكرنا ذلك فى أصله. وبينا ما فى ذلك من الوهم والإجمال.

ومن المواضع التى يرجى فيها استجابة الدعاء فى المسجد الحرام : باب بنى شيبة ، وباب إبراهيم ، وباب النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وهو باب المسجد الذى يعرف الآن بباب الجنائز.

* * *

__________________

(١) انظر : (القرى القاصد أم القرى ٣١٧).

٢٤٣

الباب السادس عشر

فى ذكر شىء من أخبار المقام ، مقام الخليل عليه‌السلام (١)

هذا المقام : هو الحجر الذى وقف عليه الخليل لما بنى الكعبة.

وقيل : لما أذن بالحج.

وقيل : لما غسلت زوجة ابنه إسماعيل رأسه.

وقال القاضى عز الدين بن جماعة ـ فيما أخبرنى به عنه خالى ـ : مقدار ارتفاعه من الأرض نصف ذراع وربع ذراع.

قال : وأعلى المقام مربع من كل جهة نصف ذراع وربع ذراع. وموضع عرض القدمين: ملبس بفضة ، وعمقه من فوق الفضة سبع قراريط. انتهى.

والذراع المشار إليه ذراع الحديد.

وأول ما حلى المقام : فى خلافة المهدى ، فى سنة إحدى وستين ومائة ، ثم فى خلافة المتوكل فى مصدر الحاج سنة ست وثلاثين ومائتين.

وفى خلافة المهدى سنة ست وخمسين ومائتين ، وكان قد توهن فى هذه السنة كثيرا. فأحكم الطاقة فى المقام الآن فى قبة من حديد ثابت فيها ، والقبة ثابتة فى الأرض ، وهى قائمة على أربعة شبابيك من حديد ، وفوق الشبابيك قبة من خشب مبنى فوقها ، ويتصل بهذه القبة ساباط يصلى فيه الإمام الشافعى. وظاهره ـ كظاهر القبة ـ مبنى بحجارة منورة ، وباطنه وباطن القبة ـ فيما يبدو للناس ـ من خزف بالذهب.

وأحدث عهد صنع فيه ذلك سنة عشر وثمانمائة.

وموضع المقام اليوم : هو موضعه فى الجاهلية ، وفى عهد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبى بكر وعمر رضى الله عنهما ، إلا أن السيل ذهب به فى خلافة عمر رضى الله عنه. فجعل فى وجه الكعبة ، حتى قدم عمر رضى الله عنه ، فرده بمحضر الناس. ذكر ذلك الأزرقى عن ابن أبى مليكة ، وذكر عن عمرو بن دينار عن ابن عيينة ما يوافقه.

__________________

(١) انظر : (شفاء الغرام ١ / ٢٠٢ ـ ٢١٠).

٢٤٤

وذكر الفاكهى أخبارا تدل على أن المقام كان عند الكعبة.

وفى بعضها ما يشعر بتقريب بيان موضعه عند الكعبة.

وصرح ابن سراقة بموضعه عند الكعبة.

وهو على مقتضى ما ذكر : يكون على ذراعين وثلثى ذراع بالحديد من طرف الحفرة المرخمة عند الكعبة إلى جهة الحجر ، بسكون الجيم.

وعلى مقتضى الخبر الذى ذكره الفاكهى : يكون موضع المقام عند الكعبة فى مقدار نصف الحفرة المذكورة التى تلى الحجر ـ بسكون الجيم ـ والله أعلم بالصواب.

وذكر ابن سراقة : أن مقدار ما بين موضع المقام الآن ووجه الكعبة عشرون ذراعا ، وذلك غير مستقيم ؛ لأن من وسط جدر الكعبة الشرقى إلى وسط الصندوق ، الذى المقام فى جوفه ـ المقابل لوجه الكعبة ـ اثنين وعشرين ذراعا إلا ربع ذراع بالحديد. وهو أزيد من ذراع اليد الذى ذكره ابن سراقة ، بثمن ذراع.

وللمقام فضائل سبق ذكرها فى فضل البيت ، وفضل الحجر الأسود ، فى الباب الحادى عشر.

وروينا عن مجاهد ، قال. «يأتى الركن والمقام يوم القيامة كل واحد منهما مثل أبى قبيس يشهدان لمن وافاهما بالموافاة». أخرجه الأزرقى. والله أعلم.

* * *

٢٤٥

الباب السابع عشر

فى ذكر شىء من أخبار الحجر المكرم ـ حجر إسماعيل عليه‌السلام ـ وفيه بيان المواضع التى صلى فيها النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم حول الكعبة (١).

روينا فى تاريخ الأزرقى عن أبى إسحاق قال : وجعل إبراهيم الحجر ـ أى : جنب البيت ـ عريشا من أراك تقتحمه العنز. وكان زريبا لغنم إسماعيل. انتهى.

وقد تقدم فى خبر عمارة الكعبة : أن قريشا أدخلت فى الحجر منها أذرعا لقصر النفقة الحلال التى أعدوها لعمارتها ، وأن ابن الزبير أدخل ذلك فيها. وأن الحجاج أخرج ذلك منها ، ورده إلى ما كان عليه فى عهد قريش والنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم. واستمر ذلك إلى الآن ، فصار بعض الحجر من الكعبة وبعضه ليس منها.

وقد اختلفت الروايات عن عائشة رضى الله تعالى عنها فى مقدار ما فى الحجر من الكعبة.

ففى رواية : قريب من تسعة أذرع.

وفى رواية : ستة أذرع أو نحوها.

وفى رواية : ستة أذرع.

وفى رواية : خمسة أذرع.

وفى رواية : أربعة أذرع.

وهذه الرواية الأخيرة فى كتاب الفاكهى بإسناد فيه من لم أعرفه. وما عدا ذلك من الروايات صحيح الإسناد.

واختلاف الروايات عن عائشة رضى الله عنها فى قدر ما فى الحجر من الكعبة لا يقتضى ترك العمل بما روى عنها من أن بعض الحجر من البيت ، وإنما يقتضى أن يعمل فى مقدار ما فى الحجر من الكعبة بأكثر الروايات فى ذلك. والله أعلم.

وقد جزم بصحة طواف من طاف فى الحجر خارجا عن ستة أذرع من البيت إمام الحرمين والده الشيخ أبو محمد الجوينى والبغوى.

__________________

(١) انظر : (شفاء الغرام ١ / ٢١١ ـ ٢١٩).

٢٤٦

وذكر الرافعى : أن هذا المذهب هو الصحيح. وقال به اللخمى من المالكية. وجزم به الشيخ خليل الجندى المالكى فى مختصره الذى صنفه لبيان ما به الفتوى ، والله أعلم.

والحجر : هو ما بين الركن الشامى الذى يقال له : العراقى ، والركن الغربى ، وهو عرضه فى مرخمة لها جدار منقوش على نصف دائرة.

وقد ذكرنا ذرعه من داخله وخارجه ، وشىء من خبر عمارته فى أصل هذا الكتاب.

وجاء فى فضله وفضل الصلاة فيه والدعاء فيه أخبار.

منها : ما رواه الفاكهى بسنده عن على رضى الله عنه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لأبى هريرة : «يا أبا هريرة ، إن على باب الحجر ملكا يقول لمن دخل فصلى ركعتين : مغفورا لك ما مضى ، فاستأنف العمل ، وعلى باب الحجر الآخر ملك منذ خلق الله الدنيا إلى يوم يرفع البيت يقول لمن صلى وخرج : مرحوما إن كنت من أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم تقيا». انتهى.

وروينا عن ابن عباس رضى الله عنهما : «صلوا فى مصلى الأخيار» وسئل عن ذلك ، فقال : «تحت الميزاب». أخرجه الأزرقى.

وحكم الصلاة فيها فى الحجر من الكعبة : حكم الصلاة فيها ، لكون ذلك منها ، فلا يصح فيه على مشهور مذهب مالك فرض ولا نفل مؤكد. والله أعلم.

وروينا عن عطاء ، قال : من قام تحت ميزاب الكعبة فدعا : استجيب له. وخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه.

وروينا عنه : من قام تحت مثعب الكعبة ، يعنى ميزابها ، أخرجه الأزرقى.

وروى عن عثمان رضى الله عنه : أنه وقف تحت الميزاب يدعو ، وقال : مازلت قائما على باب الجنة.

وفى الحجر قبر إسماعيل عليه‌السلام مع أمه هاجر. وقيل : إنه فى الحطيم. والله أعلم.

وينبغى توقى النوم فيه والاحتراز من بدعتين أحدثهما الناس لا أصل لهما على ما ذكر ابن جماعة.

إحداهما : فى وقوفهم فى فتحتى الحجر للصلاة والسلام على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

والأخرى : استقبالهم جهة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى فتحتى الحجر للدعاء واستدبارهم للقبلة.

٢٤٧

والمعروف فى آداب الدعاء : استقبالها. هذا معنى كلامه. قال : والله يوفقنا لاجتناب البدعة وإتباع السنة بمنه وكرمه.

وأما المواضع التى صلى فيها النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم حول الكعبة : فذكرها المحب الطبرى فى كتابه «القرى» بدلالتها. ونشير هنا لشىء من ذلك.

الموضع الأول : خلف مقام إبراهيم عليه‌السلام.

الثانى : تلقاء الحجر الأسود على حاشية المطاف.

الثالث : قريب من الركن الشامى مما يلى الحجر ، بسكون الجيم.

الرابع : عند باب الكعبة.

الخامس : تلقاء الركن الذى يلى الحجر من جهة المغرب جانحا إلى جهة المغرب قليلا ، بحيث يكون باب المسجد ـ الذى يقال له اليوم باب العمرة ـ خلف ظهره.

السادس : فى وجه الكعبة.

السابع : بين الركنين اليمانيين.

الثامن : الحجر.

واستدل المحب الطبرى للمصلى الثالث ، بحديث عبد الله بن السائب رضى الله عنه.

واستدل للسادس بحديث لأسامة بن زيد رضى الله عنهما.

والمصلى الذى ذكره ابن السائب ، والذى ذكره أسامة : واحد ـ فيما أحسب ـ لأنهما فى وجه الكعبة ، فيما بين الباب والحجر ـ بسكون الجيم ـ وقد أوضحنا ذلك فى أصله. والله أعلم.

وأما الحفرة المرخمة فى وجه الكعبة : فقد سبق فى الباب الذى قبله ما يقتضى أن نصفها الذى يلى الحجر ـ بسكون الجيم ـ موضع المقام عند البيت. ويقال : إنها الموضع الذى صلى فيه جبريل عليه‌السلام بالنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما فرضت الصلاة.

واستبعد ذلك القاضى عز الدين بن جماعة.

ويقال : إنها موضع مصلى آدم عليه‌السلام.

ذكر ذلك الآقشهرى ـ رحمه‌الله ـ عن شيخه الشيخ رضى الدين الطبرى إمام المقام.

٢٤٨

وسبق فى الباب الثامن : أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى بين الركنين اليمانيين ، وهو موضع الرخامة فى وسط هذا الجانب المكتوب فيها «عمارة المنصور لاجين» للمطاف.

وهذا لا يفهم مما ذكره المحب الطبرى فى هذا المصلى.

* * *

٢٤٩

الباب الثامن عشر

فى ذكر شىء من أخبار توسعة المسجد الحرام وعمارته وذرعه (١)

أما خبر توسعة المسجد الحرام : فإن عمر بن الخطاب رضى الله عنه ، أول من وسعه بدور اشتراها ودور هدمها على من أبى البيع وترك ثمنها لأربابها فى خزانة الكعبة.

وكان فعله لذلك فى سنة سبع عشرة ، وكذلك فعل عثمان رضى الله عنه. وكان فعله لذلك فى سنة ستة وعشرين من الهجرة.

وسعه عبد الله بن الزبير رضى الله عنهما من جانبه الشرقى والشامى واليمانى.

ثم وسعه المنصور العباسى من جانبه الشامى ، ومن جانبه الغربى.

وكان ما زاده مثل ما كان من قبل.

وكان ابتداء عمله فى المحرم سنة سبع وثلاثين ومائة ، والفراغ منه فى ذى الحجة سنة أربعين.

ثم وسعه المهدى بن المنصور من أعلاه ومن الجانب اليمانى ، ومن الجانب الغربى حتى صار على ما هو عليه اليوم خلا الزيادتين ، فإنهما أحدثتا بعده. وكانت توسعته له فى نوبتين:

الأولى : فى سنة إحدى وستين ومائة.

والثانية : فى سنة سبع وستين.

وليس لأحد من الأثر فى النفقة فى عمارته مثل ما للمهدى ، فا لله يثبته. واسمه إلى الآن فى سقف المسجد الحرام قريبا من منارة الميل.

ومن عمره من غير توسعة عبد الملك بن مروان ، رفع جدرانه وسقفه بالساج.

وعمره ابنه الوليد ، وسقفه بالساج المزخرف ، وأزره من داخله بالرخام.

وذكر السهيلى فى خبر عمارته ما يستغرب ؛ لأنه قال : فلما كان ابن الزبير ، زاد فى إتقانه لا فى سعته.

__________________

(١) انظر : (شفاء الغرام ٢٢٤ ـ ٢٣٢).

٢٥٠

والمستغرب من هذا كون ابن الزبير لم يوسع المسجد الحرام.

ومما زيد فى المسجد الحرام بعد المهدى زيادة دار الندوة ، وبالجانب الشمالى ، والزيادة المعروفة بزيادة باب إبراهيم بالجانب الغربى.

وكان إنشاء زيادة دار الندوة فى زمن المعتضد العباسى.

وكان ابتداء الكتابة إليه فيها فى سنة إحدى وثمانين ومائتين ، والفراغ منها فى سنة أربع وثمانين فيما أظن. وكان أبوابها إلى المسجد الكبير على غير صفتها اليوم ، ثم عملت على الصفة التى عليها اليوم فى سنة ست وثلاثمائة.

وكان عمل زيادة باب إبراهيم فى سنة ست وسبع وثلاثمائة.

ووقع فى المسجد الحرام بعد الأزرقى عمارات كبيرة جدا. وقد ذكرنا من ذلك طرف فى أصله وعمر منه فى عصرنا جانب كبير.

وسبب ذلك أن فى ليلة السبت الثامن والعشرين من شوال سنة اثنتين وثمانمائة ظهرت نار من رباط رامشت ، فتعلقت بسقف المسجد الحرام ، وعمت بالحريق الجانب الغربى ، ونقص الرواقين المقدمين من الجانب الشامى إلى محاذاة باب دار العجلة لما فى ذلك من السقوف والأساطين ، وصارت قطعا ، ثم عمر ذلك كما كان فى مدة يسيرة على يد الأمير بيستى المالكى الظاهرى.

وكان ابتداء العمارة فى ذلك بعد الحج من سنة ثلاث وثمانمائة.

وفرغ منه فى شعبان سنة أربع وثمانمائة إلا سقف ذلك ، فإنه لم يعمل إلا فى سنة سبع وثمانمائة لتعذر خشب الساج ولما لم يحصل سقف بخشب العرعر ولتكسر أساطين الرخام عمل عرضها أساطين من حجارة منحوتة واستحسنت.

وعمرت بعد ذلك أماكن بالمسجد الحرام ، وسقوفه.

فمن ذلك : فى سنة خمس عشرة وثمانمائة عقدان يليان سطح المسجد قبالة المدرسة البجالية ، وأماكن فى سقفه.

ومن ذلك : فى سنة خمس وعشرين وثمانمائة باب الجنائز على صفته اليوم لانهدام بعضه قبل ذلك ، فهدم ما بقى منه. والحاجز الذى بين البابين مع ما انهدام من جدر المسجد الحرام المتصل بهذا الباب ، وإلى منتهى رباط المراغى بهذا الجانب وهو الشرقى.

٢٥١

وعمر ذلك واستحسنت عمارته. وكتب فيه اسم مولانا السلطان الملك الأشرف بر سباى صاحب مصر والشام. زاده الله نصرا وتأييدا وخلد ملكه.

وعمر من هذا الجانب أماكن بين باب على والعباس. وفى باب العباس وعند المدرسة الأفضلية. وعمر فى سنة ست وعشرين وثمانمائة عدة عقود بالرواق المقدم من الجانب الشرقى. وفى المؤخر ، وهى : سبعة فى المؤخر ، وسبعة فى المقدم ، وثمانية فى الذى يلى المقدم ، وثلاثة فى الذى يليه. وهى تلى المؤخر.

وعمر ما تحتها من الأساطين لخللها حتى أحكم ذلك.

وعمر سقوف المسجد الحرام ما كان متخربا ، ونور سطحه أو أكثره.

وعملت أبواب المسجد الحرام حديد ، منها : بابان فى باب الجنائز ، وثلاثة فى باب العباس ، وثلاثة فى باب على ، والباب الأوسط من باب الصفا وباب العجلة ، وباب زيادة دار الندوة المنفرد ، وأصلح غير ذلك من باقى الأبواب.

ومن المعمور فى هذه السنة عقدان عند باب الجنائز.

وكل ذلك مع ما ذكر من عمارة الكعبة المعظمة على يد الأمير سيف الدين مقبل القريرى المكى الأشرفى ، أثابه الله تعالى.

وفى سنة ثلاثين وثمانمائة عمرت عدة عقود بالجانب الشمالى ، مما يلى صحن المسجد ، وهى ثمانية : ستة تلى الاسطوانة الحمراء إلى صوب باب العمرة ، واثنان يليانها إلى صوب باب بنى شيبة. وفرغ من ذلك فى شعبان من السنة المذكورة.

وأما ذرع المسجد الحرام غير الزيادتين : فذكره الأزرقى باعتبار ذرع اليد. وحررت أنا ذلك بذراع الحديد ، ومنه يظهر تحريره بذراع اليد لما سبق بيانه.

فكان طوله من جدره الغربى إلى جدره الشرقى المقابل له ثلاثمائة ذراع وستة وخمسين ذراعا وثمن ذراع بالحديد.

ويكون ذلك بذراع اليد أربعمائة ذراع وسبعة أذرع. وذلك من وسط جدره الغربى الذى هو جدر رباط الخوزى إلى وسط جدره الشرقى عند باب الجنائز يمر به فى الحجر ملاصقا لجدر الكعبة الشامى.

وكان عرضه من جدره الشامى إلى جدره اليمانى مائتى ذراع وستة وستين ذراعا بذراع الحديد.

٢٥٢

يكون ذلك بذراع اليد ثلاثمائة ذراع وأربعة أذرع. وذلك من وسط جدره القديم عند العقود إلى وسط جدره اليمانى فيما بين الصفا وباب أجياد تمر به فيما بين مقام إبراهيم والكعبة ، وهو إلى المقام أقرب.

حرر لى ذلك من أعتمد عليهم من أصحابنا. أثابهم الله تعالى.

وذرع المسجد الحرام الآن مكسرا مائة ألف ذراع وعشرون ألف ذراع. هكذا قال الأزرقى.

وأما ذرع زيادة دار الندوة : فهو أربعة وسبعون ذراعا ـ بتقديم السين ـ إلا ربع ذراع بالحديد. وذلك من جدر المسجد الكبير إلى الجدر المقابل له الشامى منها. وعنده باب مغارتها هذا ذرعها طولا.

وأما ذرعها عرضا ، فسبعون ذراعا ـ بتقديم السين ـ ونصف ذراع. وذلك من وسط جدرها الشرقى إلى وسط جدرها الغربى.

وأما زيادة باب إبراهيم : فذرعها طولا تسعة وخمسون ذراعا إلا سدس. وذلك من الأساطين التى فى وزان جدر المسجد الكبير إلى العتبة التى فى باب هذه الزيادة.

وأما ذرعها عرضا : فاثنان وخمسون ذراعا وربع ذراع. وذلك من جدر حائط رباط الخوزى إلى جدر رباط رامشت.

وذكرنا فى أصله ذرع صحن هاتين الزيادتين طولا وعرضا. وحرر ذلك بحضورى.

* * *

٢٥٣

الباب التاسع عشر

فى عدد أساطين المسجد الحرام وصفتها ، وعدد عقودها وشرفاته ، وقناديله وأبوابه وأسمائها ومنايره ، وفيما صنع لمصلحته ، أو لنفع الناس فيه ، وفيما فيه الآن من المقامات ، وكيفية صلاة الأئمة بها وحكمها (١).

وأما عدد أساطين المسجد الحرام وغير ما فى الزيادتين ـ فأربعمائة أسطوانة وتسعة وستون أسطوانة فى جوانبه الأربع ، وعلى أبوابه من داخله وخارجه تسعة وعشرون أسطوانة. فيصير الجميع أربعمائة اسطوانة وستة وتسعين أسطوانة ، بتقديم التاء.

وهذه الأساطين رخام إلا مائة وتسعة وعشرون أسطوانة ، فهى حجارة منحوتة ، إلا ثلاثة أساطين ، فهى آجر مجصص ، وفى صحن المسجد حول المطاف أساطين ، وهى اثنان وثلاثون أسطوانة.

وأما عدد أساطين زيادة دار الندوة ، فستة ستون أسطوانة حجارة منحوتة.

وأما عدد أساطين زيادة باب إبراهيم : فسبعة وعشرون أسطوانة حجارة منحوتة.

وأما عدد طاقات المسجد الحرام التى بجوانبه الأربعة غير الزيادتين ، فأربعمائة طاقة وأربعة وثمانون طاقا.

وأما عدد طاقات زيادة دار الندوة : فثمانية وستون طاقا.

وأما عدد طاقات زيادة باب إبراهيم : فستة وثلاثون طاقا ، والطاقات هى العقود التى على الأساطين.

وأما عدد شرفاته التى تلى بطن المسجد : فأربعمائة وثلاثة عشر شرفة ، وسبعة أنصاف شرافات.

وأما عدد الشرفات التى بزيادة دار الندوة : فاثنان وسبعون شرافة.

وأما عدد الشرفات التى بزيادة باب إبراهيم : فبضع وأربعون شرافة.

وأما عدد قناديله الآن المرتبة فيها غالبا ـ فثلاثة وتسعون قنديلا ـ بتقديم التاء ـ وهى نحو الخمس من عدد قناديله التى ذكرها الأزرقى.

__________________

(١) انظر : (شفاء الغرام ١ / ٢٣٣ ـ ٢٤٦).

٢٥٤

وأما عدد أبوابه : فتسعة عشر ـ بتقديد التاء ـ تفتح على ثمانية وثلاثين طاقا.

وأما أسماؤها الآن : فذكرناها فى أصله ، وفى أصل هذا الكتاب زيادة بيان فيما يتعلق بالصلاة على الموتى فى المسجد الحرام ، وفى الخروج بهم منه.

وأما عدد منايره : فخمس : أربع فى جوانبه الأربع ، والخامسة : بزيادة دار الندوة. وبزيادة باب إبراهيم منارة مهدوم أعلاها : وقد أشار إليها ابن جبير. وأشار إلى منارة أخرى كانت على باب الصفا ، ولا أثر لها الآن.

وأما ما صنع فى المسجد الحرام لمصلحته :

فقبة كبيرة بين زمزم وسقاية العباس رضى الله عنه ، وكانت موجودة فى القرن الرابع على مقتضى ما ذكر ابن عبد ربه فى العقد.

ومزولة بصحن المسجد يعرف بها الوقت : عملها الوزير الجواد ، وتسمى ميزان الشمس.

ومنابر للخطبة. وقد ذكرنا منها جملة فى أصله.

وأول من خطب على منبر بمكة معاوية رضى الله عنه.

والمنبر الذى يخطب عليه الآن بمكة أنفذه الملك المؤيد أبو النصر صاحب مصر فى موسم سنة ثمان عشرة وثمانمائة مع درجة الكعبة الموجودة الآن.

وأما المقامات التى هى الآن بالمسجد الحرام : فأربعة. وهى أسطوانتان من حجارة عليهما عقد مشرف من أعلاها ، وفيه خشبة معترضة فيها خطاطيف للقناديل ، إلا مقام الخليل : فإنه أربعة أساطين عليها سقف مدهون مزخرف. وكان عمله على هذه الصفة فى آخر سنة إحدى وثمانمائة ، وكمل فى أول التى تليها ، وكان عمل المقامات الأخرى على ما ذكر فى سنة سبع وثمانمائة رغبة فى بقائها. وما ذكر من صفاتها الآن هى غير صفاتها السابقة.

وقد أفتى جماعة من العلماء من المذاهب الأربعة.

منهم : شيخنا شيخ الإسلام سراج الدين البلقينى ، وابنه مولانا شيخ الإسلام قاضى القضاة جلال الدين : بوجوب هدم مقام الحنفية المشار إليه لما فيه من الحدث وغير ذلك ، ورسم ولى الأمر بهدمه ، ثم ترك لمعارضة حصلت فى ذلك.

ومقام الشافعى : يلى مقام إبراهيم.

٢٥٥

ومقام الحنفى : يلى الحجر بسكون الجيم.

ومقام المالكى : يلى دبر الكعبة.

ومقام الحنبلى : يلى الحجر الأسود.

وفى أصل هذا الكتاب ذرع ما بين كل مقام والكعبة.

وأما كيفية صلاة الأئمة بها : فإن الشافعى يصلى أولا ، ثم الحنفى ، ثم المالكى ، ثم الحنبلى.

وتقدم الحنفى على المالكى : حدث بعد التسعين وسبعمائة ، إلا صلاة المغرب فإنهم يصلونها مجتمعين.

وقد انفرد الشافعى بصلاة المغرب فى أيام الموسم من سنة إحدى عشرة وثمانمائة إلى موسم سنة عشر (١) وثمانمائة.

وأما حكم صلاة الأئمة ما عدا الشافعى على الترتيب الذى يفعلونه ، فإن ذلك لا يجوز على ما أفتى به أبو القاسم عبد الرحمن بن الحسين بن الجباب المالكى.

وله فى ذلك تأليف حسن ، وأفتى بجواز ذلك شداد بن المقدم ، وعبد السلام بن عتيق ، وأبو الطاهر بن عوف الزهرى ، وهم من فقهاء المالكية بالإسكندرية.

ورد عليهم ابن الجباب ذلك فى تأليفه. ونقل ما يوافق فتواه عن جماعة من الشافعية والحنفية والمالكية.

وفى أصل هذا الكتاب زيادة فوائد فى هذا المعنى.

* * *

__________________

(١) هكذا بالأصل ، وربما قصد «موسم سنة عشرين».

٢٥٦

الباب العشرون

فى ذكر شىء من خبر زمزم وسقاية العباس رضى الله عنه (١)

أما زمزم فإن أول من أظهرها الأمين جبريل عليه‌السلام سقيا لإسماعيل عليه‌السلام عند ما ظمى ، ولو لم تحوض عليه أم إسماعيل كانت عينا تجرى على ما فى البخارى.

وذكر الفاكهى أن الخليل عليه‌السلام حضر زمزم بعد جبريل عليه‌السلام ثم غلبه عليها ذو الفرس وقد غيبت بعد ذلك زمزم لاندراس موضعها ، ثم منحها الله تعالى عبد المطلب جد النبىصلى‌الله‌عليه‌وسلم لكرامته ، فحفرها بعد أن أعلمت له فى المنام بعلامات استبان له بها موضعها. فلم تزل ظاهرة حتى الآن ، وعولجت فى الإسلام غير مرة. وذلك مذكور فى أصله.

وزمزم الآن فى بيت مربع فى جدرانه تسعة أحواض يملأ من زمزم المتوضئ منها.

وأعلا البيت مسقوف ما خلا الموضع الذى يحاذى البئر.

وهذه الصفة تخالف الصفة التى ذكرها الأزرقى فى صفة موضع زمزم.

وفى سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة هدمت ظلة المؤذنين التى فوق البيت الذى فيه زمزم لإفساد الأرضة لها ، وسلخ من هذا البيت الجدران الغربى والشامى من أعلاها إلى أسفلها ، وبنى ذلك بنورة وحجارة منحوتة وغيرها. وسلخ من أعلا جدر هذا البيت الشرقى إلى عتبة الباب العليا فى هذا الجدر. وبنى ذلك من آجر ونورة ، وأخرجوا من سقف هذا البيت الخشب المتخرب وأبدلوه بغيره ، وبنوا فوق هذا الجدار أسطوانتين من آخر ونورة ، لشد الدرابزين فى ذلك ، وأصلحوا جميع سقف هذا البيت بالنورة والآجر ، وجعلوا له درابزين من خشب مخروط نظيف بجوانبه خلا اليمانى.

وجعلوا فوق بئر زمزم شباكا من حديد ، ولم يكن قبله هناك شباك من حديد وبنوا خمسة أساطين دقيقة من آجر بالنورة : ثلاثة فى الجدار الذى بالكعبة ، وواحدة فى الشامى ، وواحدة فى اليمانى ، وجعلوا بين هاتين الأسطوانتين أسطوانة من خشب ، وأخشابا بين هذين الأساطين ، وسقفا من خشب مدهون ساترا لما بين هذه الأساطين

__________________

(١) انظر : (شفاء الغرام ١ / ٢٤٧ ـ ٢٥٩).

٢٥٧

الست ، يكون ظلة للمؤذنين ، خلا بعض ما بين الأسطوانة الوسطى والخشب ، فجعلوا فيه قبة من خشب مدهونة وطلوها من أعلاها بالجبس ، وجعلوا فوق السقف المدهون سقفا آخر ودكوه بالآجر والنورة ، ورفرفا من خشب مدهون نظيف بجوانب هذا السقف ، وأحكمو شده وشد السقف والقبة بالمسامير والكلاليب الحديد.

وجعلوا درابزين من خشب نظيف بجوانب هذا البيت خلا اليمانى ، ودرابزين آخر نظيف بجانبى ظلة المؤذنين اليمانى والشرقى. ولم يكن فى هذين الجانبين درابزين قبل ذلك.

وأوسعوا فى الأحواض التى فى الجدارين الغربى والشامى من داخل بئر زمزم ، وأوسعوا فى الدرجة التى يصعد منها إلى سقف بيت زمزم فاستحسنت ، وكذا ظلة المؤذنين ، وكذا ما عمل فى سطح هذا البيت وجدرانه.

وفرغ من ذلك فى أثناء رجب سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة. والمتولى لهذه العمارة الجناب العالى العلائى خواجا شيخ على الكيلانى نزيل مكة المشرفة. زاده الله رفعة وتوفيقا.

وكان إلى جانب هذا الموضع خلوة فيها بركة تملّأ من ماء زمزم ، ويشرب منها من دخل إلى الخلوة.

وكان لها باب إلى جهة الصفا ، ثم سد وجعل فى موضع الخلوة بركة مقبوة. وفى جدرها الذى يلى الصفا زبازيب يتوضأ منها الناس على أحجار نصبت عند الزبازيب ، وفوق البركة المقبوة خلوة فيها شباك إلى الكعبة ، وشباك إلى جهة الصفا ، وطابق صغير إلى البركة.

وكان عمل ذلك على هذه الصفة فى سنة سبع وثمانمائة. ثم هدم ذلك حتى بلغ الأرض فى العشر الأول من ذى الحجة سنة سبع عشرة وثمانمائة لما قيل : إن بعض الجهلة يستنجى هنالك. وعمّر عوض ذلك سبيل للسلطان الملك المؤيد أبى النصر شيخ ، ينتفع الناس بالشرب منه. وجاءت عمارته حسنة.

وفرغ منها فى رجب سنة ثمان عشرة وثمانمائة.

وابتدئ فى عمله بإثر سفر الحاج.

وفى موضع هذه الخلوة : كان مجلس عبد الله بن عباس رضى الله عنهما ، على مقتضى ما ذكر الأزرقى والفاكهى.

٢٥٨

ولزمزم أسماء كثيرة ذكرها الفاكهى.

منها : ستة وعشرون اسما ذكرناها فى أصله ، مع أحد عشر اسما لزمزم لم يذكرها الفاكهى.

وفى أصله فوائد تتعلق بأسماء زمزم.

ولزمزم فضائل مروية عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

منها : «خير ماء على الأرض ، ماء زمزم». أخرجه ابن حبان فى صحيحه والطبرانى بإسناد جيد. وصح له عن شيخنا شيخ الإسلام سراج الدين البلقينى أنه قال : إن ماء زمزم أفضل من الكوثر ؛ لأنه غسل صدر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم به. ولم يكن يغسل إلا بأفضل المياه. انتهى بالمعنى.

ومنها : ما رويناه عن ابن عباس رضى الله عنهما «أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إذا أراد أن يتحف الرجل بتحفة سقاه من ماء زمزم».

أخرجه الحافظ شرف الدين الدمياطى بسنده. وقال ـ فيما أنبئت به عنه ـ إسناد صحيح.

ومنها : «أنه لما شرب له» وهذا مروى من حديث ابن عباس ، وجابر رضى الله عنهم عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وحديث ابن عباس ، رويناه فى سنن الدار قطنى ، وقد حسن شيخنا الحافظ العراقى حديث ابن عباس رضى الله عنهما. من هذه الطريق. وقال فى نكته على ابن الصلاح : إن حديث ابن عباس أصح من حديث جابر. انتهى.

وقد شربه جماعة من السلف والخلف لمقاصد جليلة فنالوها. وروينا فى ذلك أخبار.

منها : أن أحمد بن عبد الله الشريفى الفراش بالحرم الشريف المكى شربه للشفاء من العمى ، فشفى. على ما أخبرنى به شيخنا المفتى عبد الرحمن بن أبى الخير الفاسى.

وفى هذا دليل لصحته.

ولزمزم خواص.

منها : أن ما ماءها يبرد الحمى.

ومنها : أنه يذهب بالصداع وغير ذلك.

وفى أصله زيادة فى فضل ماء زمزم وخواصه.

٢٥٩

ويصح التطهر بماء زمزم بالإجماع ، على ما ذكر الرويانى فى البحر ، والماوردى فى الحاوى ، والنواوى فى شرح المهذب.

وقد اتفق العلماء الأئمة الأربعة على جواز نقله.

وأما سقاية العباس رضى الله عنه. فهى الآن على غير الصفة التى ذكرها الأرزقى. وصفتها الآن والأولى مذكورتان فى أصله.

وأحدث عهد عمرت فيه هذه السقاية سنة سبع وثمانمائة بعد سقوط القبة التى كانت بها. وكانت من خشب من عمل الجواد الأصفهانى ، فعملت من حجر.

وممن عمرها الملك الناصر محمد بن قلاوون صاحب مصر. والله أعلم.

* * *

٢٦٠