العقد الثّمين في تاريخ البلد الأمين - ج ١

تقي الدين محمّد بن أحمد الحسني الفاسي المكّي

العقد الثّمين في تاريخ البلد الأمين - ج ١

المؤلف:

تقي الدين محمّد بن أحمد الحسني الفاسي المكّي


المحقق: محمّد عبد القادر أحمد عطا
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 978-2-7451-2553-2
ISBN الدورة:
978-2-7451-2553-2

الصفحات: ٤٣٠

ووجه الدلالة من هذا الكلام : أنه يقتضى أن قريشا كانوا نزولا مع قومهم من كنانة ، حين انفراد غبشان من خزاعة بولاية الكعبة ، والمنازل التى كانت تنزل بها كنانة وقريش إذ ذاك : خارج الحرم ؛ لأن أول عربى نزل الحرم بقومه : هو قصى بن كلاب ، على ما ذكره الفاكهى فى خبر قصى ؛ لأنه قال :

وحدثنا الزبير بن أبى بكر قال : قال أبو الحسن الأثرم ، قال أبو عبيدة ، قال محمد بن حفص : «قدم رزاح ، وقد نفى قصى خزاعة. وقال بعض مشيخة قريش : وإن مكة لم يكن بها بيت فى الحرم ، إنما كانوا يكونون بها ، حتى إذا أمسوا خرجوا لا يستحلون أن يصيبوا فيها جنابة ، ولم يكن بها بيت قائم ، فلما جمع قصى قريشا ـ وكان أدهى من رؤى من العرب ـ قال لهم : أرى أن تصحبوا بأجمعكم فى الحرم حول البيت ، فو الله لا تستحل العرب قتالكم ، ولا يستطيعون إخراجكم منه ، وتسكنونه ، فتسودوا العرب أبدا. فقالوا له : أنت سيدنا ، رأينا لرأيناك تبع. فجمعهم ، ثم أصبح بهم فى الحرم حول البيت ، فمشت إليه أشراف كنانة ، وقالوا : إن هذا عند العرب عظيم ، ولو تركناك ما تركتك العرب. فقال : «والله لا أخرج منه. وثبت». انتهى.

ومن ذلك : قوله بعد ذلك ـ بعد أن ذكر ما رأى قصى ـ من أنه أولى بالكعبة ، وبأمر مكة من خزاعة وبنى بكر ـ : «فكلم رجالا من قريش وبنى كنانة ودعاهم إلى إخراج خزاعة وبنى بكر من مكة. فأجابوه».

ووجه الدلالة من هذا : أن كلام قصى لكنانة ، فيما طلب ، وإجابتهم له : يقتضى قربهم منه فى الدار. وسيأتى إن شاء الله تعالى ما يوافق ذلك.

ومن ذلك : قول ابن إسحاق فى خبر قصى «فولى قصى البيت وأمر مكة ، وجمع قومه من منازلهم إلى مكة». انتهى.

ووجه الدلالة من هذا : أنه يقتضى أن قصيا جمع قومه إلى مكة ، وكنانة من قومه ، فيكونون ممن جمعهم إلى مكة.

ولا يعارض ذلك قوله ـ فى الخبر الذى ذكره الزبير «فمشت إليه أشراف كنانة ، وقالوا : هذا عند العرب عظيم» ـ لإمكان أن يكونوا قالوا له ذلك ليرجع عن فعله ، لكونهم لا يألفونه. فلما رأوه لم يرجع وثبت : سكنوا معه فيه ، لما فى ذلك من تحصنهم ، وبقاء الألفة بينهم وبينه ، لما يخشونه من حصول ضرر بهم فى المفارقة فى افتراقهم عنه. والله أعلم.

١٨١

وبتقدير أن لا تكون كنانة انتقلت مع قصى إلى الحرم : فهم على منازلهم التى كانوا ينزلونها مع قريش ، قبل أن تنتقل قريش عنهم إلى الحرم. ولم يرد خبر بخروج كنانة عن منازلهم ببادية مكة. والله أعلم.

ومن ذلك : قول ابن إسحاق فى سيرته ـ تهذيب ابن هشام ـ فى خبر الأصنام : «وكانت لقريش ، وبنى كنانة : العزى بنخلة». انتهى.

ووجه الدلالة من هذا : أن إضافة «العزى» لقريش وكنانة : تقتضى أن لهم بها اختصاصا. وذلك ـ والله أعلم ـ لكونها بنخلة ، وهى من بادية مكة التى ينزلون فيها.

ولا يقال : إضافة «العزى» لقريش وكنانة : لأجل أنهم أول من وضعها ، ولا لأجل أنهم انفردوا بعبادتها وتعظيمها ، ولا لأجل أنهم حجابها.

أما الأول : فلأن عمر بن لحىّ : هو الذى اتخذ العزى.

وأما الثانى : فلأن جميع مضر كانوا يعظمون العزى.

وأما الثالث : فلأن حجابها بنو شيبان من سليم.

وقد روينا عن ابن إسحاق ما يدل لذلك فى تاريخ الأزرقى ، ولفظه : حدثنى جدى ، قال : حدثنا سعيد بن سليم عن عثمان بن ساج ، قال : أخبرنا ابن إسحاق «أن عمرو بن لحى اتخذ العزى بنخلة. وكانوا إذا فرغوا من حجهم وطوافهم بالكعبة : لم يحلوا حتى يأتوا العزى ، فيطوفوا بها ، ويحلون عندها ، ويعتكفون عندها يوما وليلة. وكانت لخزاعة ، وكانت قريش وبنو كنانة كلها تعظم العزى مع خزاعة ، وجميع مضر. وكان سدنتها ـ الذين يحجبونها ـ بنى شيبان من بنى سليم ، حلفاء بنى هاشم». انتهى.

وإذا لم يكن إضافة «العزى» لقريش وكنانة لأجل هذه الأمور الثلاثة : صح ما ذكرناه ، من أن إضافتها لهم باعتبار كونها فى دارهم. والله أعلم.

ولا يعارض ذلك قوله فى هذا الخبر «وكانت لخزاعة» لأن إضافتها لخزاعة لكونها فى دارهم ، فإن خزاعة تشارك قريشا فى الدار. على ما سيأتى بيانه إن شاء الله.

ومن ذلك : قوله فى خبر قصى ـ الذى سبق ذكره قريبا من كتاب الفاكهى ـ : «فأصبح بهم فى الحرم حول البيت ، فمشت إليه أشراف كنانة ، وقالوا : إن هذا عند العرب عظيم». انتهى.

ووجه الدلالة فى هذا : أنه يقتضى أن أشراف كنانة مشوا إلى قصى بإثر إصباحه بقومه فى الحرم. وذلك يدل على قرب كنانة من الحرم. والله أعلم.

١٨٢

ومن أرض كنانة ببادية مكة «مجنة» التى عناها بلال رضى الله عنه بقوله :

وهل أردن يوما مياه مجنة

وهل يبدون لى شامة وطفيل

لأن الأزرقى : قال ـ فى تفسير هذا الموضع ، فى الترجمة التى ترجم عليها بقوله : «حج الجاهلية ، وإنساء الشهور ، ومواسمهم ، وما جاء فى ذلك» ـ ومجنة : سوق بأسفل مكة ، على بريد منها ، وهى سوق لكنانة ، وأرضها من أرض كنانة ، وهى التى يقول فيها بلال رضى الله عنه :

ألا ليت شعرى هل أبيتن ليلة

بفخ وحولى إذخر وجليل

وهل أردن يوما مياه مجنة

وهل يبدون لى شامة وطفيل

و «شامة» و «طفيل» جبلان مشرفان على «مجنة». انتهى.

ومن الأخبار الدالة على مشاركة خزاعة لقريش فى سكنى مكة وباديتها : ما ذكره الأزرقى ؛ لأنه روى عن جده عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج ، عن ابن جريج ، وعن أبى إسحاق ـ يزيد أحدهما على الآخر ـ فذكر خبرا طويلا فى ولاية قصى بن كلاب البيت الحرام وأمر مكة ، بعد خزاعة.

وفيه «أن يعمر بن عوف بن كعب بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة :حكم لقصى بحجابة الكعبة ، وولاية أمر مكة ، دون خزاعة ، لما جعل له جليل ، وأن يخلى بينه وبين ذلك ، وأن لا يخرج خزاعة من مساكنها من مكة» وفيه «وخزاعة مقيمة بمكة على رباعهم وسكناهم ، لم يحركوا ، ولم يخرجوا منها ، فلم يزالوا على ذلك حتى الآن». انتهى.

وأما سكنى خزاعة بمكة ـ قبل ولاية قصى ـ : فلا يحتاج إلى استدلال ، لشهرته.

ومن منازل : خزاعة ببادية مكة «الوتير» ماء لهم بأسفل مكة ؛ لأن فى خبر فتح مكة ـ الذى ذكره ابن إسحاق فى سيرته ، تهذيب ابن هشام ـ «ثم إن بنى بكر بن عبد مناة بن كنانة : عدت على خزاعة ، وهم على ماء لهم بأسفل مكة يقال له : الوتير». انتهى.

وهذا الموضع معروف الآن ، ويقال له : «الوتيرين» وهو بناحية ملكان ، والله أعلم.

وفيما أشرنا إليه ـ من الأخبار الدالة على اشتراك قريش وكنانة وخزاعة فى الدار ـ : كفاية.

وذكر الإمام أبو الوليد عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكى ـ عالم مكة ، وبلاد الحجاز ـ ما يقتضى : أن خزاعة وكنانة من أهل مكة ، ولم يقل ذلك إلا عن يقين من

١٨٣

العلم. وكان من أوعية العلم ، على ما قال أحمد بن حنبل. وإذا كان ذلك كذلك اتجه ذكر خزاعة وكنانة فى أهل مكة ، كما اتجه ذكر قريش فيهم.

وهذا ـ الذى ذكره ابن جريج ـ نقله عنه الأزرقى فى الترجمة التى ترجم عليها بقوله : «ما جاء فى الكعبة ، ومتى كانوا يفتحونها» لأنه نقل عن ابن جريج خبرا طويلا فى خبر الحمس. قال فيه «والحمس : أهل مكة : قريش ، وكنانة ، وخزاعة ، ومن دان بدينهم ممن ولدوا ، ومن حلفائهم. وإن كان من ساكنى الحل». انتهى.

ووجه دلالة ذلك على ما ذكرناه ـ من أن خزاعة وكنانة من أهل مكة ـ : أن كلام ابن جريج يقتضى : أن الحمس من أهل مكة وغيرهم. وفسر «الحمس» من أهل مكة بقوله : «قريش ، وكنانة ، وخزاعة» وفسر «الحمس» من غير أهل مكة بقوله : «ومن دان بدينهم ـ إلى آخره» وهذا الذى ذكره ابن جريج ـ من أن خزاعة وكنانة من أهل مكة ـ صحيح ، يدل لذلك : ما ذكرناه من مشاركتهم لقريش فى دارهم. والله أعلم.

ونشير : إلى الكتب التى نظرتها لأجل هذا الكتاب. فمن ذلك : كتاب «السيرة» لمحمد بن إسحاق. «تهذيب ابن هشام». وروايته عن زياد البكائى عنه.

أخبرنى به : البدر محمد بن محمد بن قوام البالسى ، وأم أحمد فاطمة بنت القاضى عز الدين محمد أحمد بن المنجا التنوخى ـ قراءة عليهما ، وأنا أسمع ـ بدمشق فى الرحلة الثانية.

قال الأول : أخبرنا به الملك أسد الدين عبد القادر بن عبد العزيز بن الملك المعظم عيسى بن العادل أبى بكر بن أيوب ، سماعا لجميعه.

وقالت المرأة : أخبرنا به محمد بن أحمد بن أبى الهيجاء ، المعروف بابن الزراد قالا : أخبرنا به محمد بن إسماعيل المقدسى خطيب مردان ، قال : أخبرنا به صنيعة الملك هبة الله ابن يحيى بن على بن حيدرة سماعا ، قال : أخبرنا به أبو محمد عبد الله بن رفاعة السعدى الفرضى.

وأخبرتنى به ـ أعلى من هذا ـ أم أحمد بنت المنجا المذكورة ـ سماعا ـ عن القاضى تقى الدين سليمان بن حمزة ، ويحيى بن محمد بن سعد ، وأبى القاسم بن عساكر ـ وتفردت عن القاضى ـ قالوا : أنبأنا به أبو صادق الحسن بن يحيى بن صباح المخزومى ـ إجازة ـ عن ابن رفاعة ـ إجازة ـ قال : أخبرنا به القاضى أبو الحسن على بن الحسن الخلعى ، قال : أخبرنا به أبو محمد عبد الرحمن بن عمر بن النحاس البزاز ، قال : أخبرنا به

١٨٤

أبو محمد عبد الله بن جعفر بن الورد بن زنجويه البغدادى ، قال : حدثنا به أبو سعيد عبد الرحيم بن عبد الله بن البرقى ، قال : حدثنا به أبو محمد عبد الملك بن هشام النحوى ، قال: حدثنا به زياد بن عبد الله البكائى ، عن محمد بن إسحاق ـ فذكره.

ومن ذلك : شرح هذا الكتاب ، المسمى «بالروض الأنف» لأبى القاسم عبد الرحمن ابن عبد الله بن أحمد ، المعروف بالسهيلى.

أخبرنى به : الإمامان ـ أبو أحمد إبراهيم بن محمد بن عبد الرحيم ، وأبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد ـ المصريان ، عن يونس بن إبراهيم العسقلانى ، عن عبد المنعم بن رضوان ، المعروف بابن مناد ، عن مؤلفه ـ فذكره.

ومن ذلك : كتاب «النسب» للزبير بن بكار قاضى مكة. أنبأنى به أبو بكر محمد بن عبد الله الحافظ وغيره عن الحافظ أبى الحجاج يوسف بن عبد الرحمن المزى ـ إجازة ، إن لم يكن سماعا ـ قال : أخبرتنا به زينب بنت مكى ، قالت : أخبرنا به عمر بن محمد ابن طبرزد البغدادى ، قال : أخبرنا به على بن طراد الزينبى عن أبى جعفر بن المسلمة ، قال : أخبرنا به أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن المخلص ، قال : أخبرنا به أحمد بن سليمان ابن موسى ، قال : أخبرنا به مؤلفه الزبير بن بكار ـ فذكره.

ومن ذلك : «أخبار مكة» لأبى عبد الله محمد بن إسحاق بن العباس المكى ، المعروف بالفاكهى ، وما أكثر فوائده. أخبرنى به جمع من الشيوخ ، منهم : الشيخ أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد التنوخى ـ إذنا مشافهة ـ عن أبى العباس أحمد بن أبى طالب الصالحى أنبأنا أبو الفضل جعفر بن على الهمدانى عن أبى محمد عبد الله بن عبد الرحمن العثمانى ، أنبأنا عبد الله بن محمد بن محمد الباهلى ، عن الحافظ أبى على الحسين بن محمد الجيانى أنبأنا به الحكم بن محمد الجذامى ، عن أبى القاسم بن أبى غالب البزار ، أبنأنا به أبو الحسن الأنصارى عن مؤلفه : الإمام أبى عبد الله محمد بن إسحاق بن العباس الفاكهى ـ فذكره.

ومن ذلك «أخبار مكة» لأبى الوليد محمد بن عبد الله بن أحمد الأزرقى المكى أخبرنى به : أبو المعالى الصوفى ـ بقراءتى عليه ـ عن يحيى بن المصرى عن ابن الجميزى وابن رواح ، عن الحافظ السلفى ، قال : أخبرنا به ابن الطيورى ، قال : أخبرنا به العشارى ، قال :أخبرنا به ابن أبى موسى الهاشمى ، قال : أخبرنا به إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمى ، قال : أخبرنا به مؤلفه الأزرقى ـ فذكره.

ومن ذلك : كتاب «الاستيعاب فى معرفة الأصحاب» لأبى عمر يوسف بن عبد البر

١٨٥

النمرى. أخبرنى به أبو العباس أحمد بن على بن محمد بن عبد الحق الحنفى ـ قراءة عليه ، وأنا أسمع ـ من أول الكتاب إلى قوله : من اسمه عمر. وإجازة لباقيه. قال : أخبرنا به الإمام أبو عبد الله محمد بن جابر الودياشى أنبأنى ـ سماعا فى الثالثة ، وإجازة منه ـ قال : أخبرنا به القاضى أبو العباس أحمد بن محمد بن حسن بن الغماز ـ سماعا لجميعه ، خلا من أوله إلى قوله : حرف الحاء ، فإجازة ـ قال : أخبرنا به الحافظ أبو الربيع سليمان ابن موسى الكلاعى ، قال : أخبرنا به الفقيه أبو محمد عبد الله بن أحمد بن جهور القيسى ـ وأنا أسمع ـ عن أبى على الحسين بن محمد بن أحمد الغسانى : قال : قرأته على مؤلفه.

قال الحافظ أبو الربيع : وأجازنيه أبو عبد الله محمد بن سعيد بن زرقون عن أبى عمران موسى بن أبى تليد عن مؤلفه.

ومن ذلك : كتاب «تهذيب الكمال» للحافظ المعتمد أبى الحجاج يوسف بن عبد الرحمن المزى. أنبأنى به : الحافظ شمس الدين محمد بن عبد الله بن أحمد الصالحى فى أذنة ، قال : أخبرنا به مؤلفه الحافظ المزى ـ فذكره.

ومن ذلك : «مختصره» لصاحبنا الحافظ الناقد أبى الفضل أحمد بن على بن حجر الشافعى. تغمده الله تعالى برحمته. وقد أحسن فى اختصاره ، وزاد فيه فوائد كثيرة. ولم أقف إلا على بعضه.

ومن ذلك : كتاب «الميزان» للحافظ الذهبى ، و «مختصر تاريخ دمشق» له ، و «مختصر تهذيب الكمال» له ، و «طبقات الحفاظ» له ، و «وطبقات القراء» له ، و «تاريخ الإسلام» له ، و «العبر» له ، و «معجمه» و «ذيل سير النبلاء» له. وغير ذلك من تآليفه. أخبرنى بذلك عنه : جماعة من شيوخى.

ومن ذلك : «تهذيب الأسماء واللغات» للنووى. أخبرنى به : إبراهيم بن أحمد البعلى عن على بن إبراهيم بن العطار عن النووى.

ومن ذلك : أكثر «تاريخ بغداد» للخطيب. أخبرنى به : أحمد بن عمر البغدادى سماعا ـ من أوله إلى ترجمة ابن أبى ذئب ، وإجازة لباقيه ـ عن الحافظ أبى الحجاج المزى ـ إجازة إن لم يكن سماعا ـ قال : أخبرنا به يوسف بن يعقوب بن المجاور ، قال : أخبرنا به أبو اليمن زيد بن الحسن الكندى ، قال : أخبرنا به أبو منصور عبد الرحمن بن محمد القزاز ـ سماعا ، سوى الجزء السادس والثلاثين ، فأخبرنا به محمد بن أحمد بن صرماء ـ قال : أخبرنا به مؤلفه. قال القزاز : سماعا. وقال ابن صرما : إجازة.

١٨٦

ومن ذلك : أكثر «ذيل تاريخ بغداد» لأبى سعد بن السمعانى. وفى كتاب «الأنساب» له ، و «معجمه».

أخبرنى بذلك : أبو هريرة عبد الرحمن بن الحافظ الذهبى ـ إذنا ـ عن القاضى تقى الدين سليمان بن حمزة المقدسى عن عيسى بن عبد العزيز اللخمى الحافظ عن أبى سعد السمعانى.

ومن ذلك : «ذيل تاريخ بغداد» للحافظ أبى عبد الله محمد بن سعيد بن الدبيثى. أخبرنى به : أبو هريرة بن الذهبى ـ إذنا ـ عن القاضى تقى الدين سليمان بن حمزة عن ابن الدبيثى.

ومن ذلك : «ذيل تاريخ بغداد» لأبى الحسن محمد بن أحمد بن عمر القطيعى.

ومن ذلك : أكثر «ذيل تاريخ بغداد» للحافظ محب الدين محمد بن محمود بن النجار. أنبأنى بهما : إبراهيم بن محمد الصوفى وآخرون عن أبى العباس أحمد بن أبى طالب الصالحى ، عن القطيعى وابن النجار.

ومن ذلك : «ذيل تاريخ بغداد» للحافظ تقى الدين بن رافع ، و «معجمه» و «وفياته».أخبرنى بذلك عنه : جماعة من شيوخنا ، منهم : الحافظ صدر الدين أبو الربيع سليمان ابن يوسف المقدسى.

ومن ذلك : «تاريخ إربل». أنبأنى به : أبو هريرة عبد الرحمن بن الذهبى عن أبى نصر محمد بن محمد الشيرازى عن مؤلفه ابن المستوفى.

ومن ذلك : أكثر «تاريخ مصر» للحافظ قطب الدين الحلبى. أنبأنى به : أبو العباس أحمد بن حسن الشاهد عنه ، إجازة إن لم يكن سماعا.

ومن ذلك : بعض «تاريخ دمشق» لأبى القاسم بن عساكر. أنبأنى به : أبو هريرة بن الذهبى عن أبى نصر بن الشيرازى ، عن جده القاضى أبى نصر محمد بن هبة الله بن الشيرازى ، عن أبى القاسم بن عساكر مؤلفه.

ومن ذلك : «الكامل» لابن الأثير. و «اللباب» له فى الأنساب ، و «أسد الغابة» له.

أخبرنى بذلك : أبو هريرة بن الذهبى ، وآخرون ـ إذنا ـ عن أبى نصر بن الشيرازى ، عن العلامة عز الدين أبى الحسن على بن محمد المعروف بابن الأثير المؤلف.

ومن ذلك : كتاب «مرآة الزمان» لأبى المظفر يوسف بن قزغلى ، سبط الحافظ أبى الفرج بن الجوزى.

١٨٧

أنبأنى به : محمد بن أبى هريرة بن الذهبى ، وآخرون ، عن أبى بكر بن محمد بن أحمد السلمى ، عن أبى المظفر المؤلف ـ فذكره.

ومن ذلك : «ذيل مرآة الزمان» للإمام قطب الدين موسى بن محمد بن أحمد اليونينى. أنبأنى به : الإمام أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد البعلى ، وآخرون ، إذنا عنه إجازة.

ومن ذلك : «الروضتين فى أخبار الدولتين ، النورية والصلاحية» وذيلهما لأبى شامة. أخبرنى به المشايخ : محمد بن محمد بن عبد الله ، وإبراهيم بن أبى بكر بن عمر ، ومحمد بن محمد بن داود الصالحيون ـ إذنا ـ عن الحافظ شرف الدين أبى محمد عبد المؤمن بن خلف الدمياطى. أنبأنا به : مؤلفه العلامة شهاب الدين أبو شامة عبد الرحمن بن إسماعيل ابن إبراهيم بن عثمان المقدسى الدمشقى ـ فذكره.

ومن ذلك : «ذيل المنتظم». أنبأنى به : جمع عن المحدث أبى الثناء محمود بن خليفة المنبجى. أنبأنا به مؤلفه الإمام عز الدين أبو بكر محفوظ بن معتوق بن البزورى ـ فذكره.

ومن ذلك : «تاريخ ابن خلكان القاضى». أخبرنى به : الكمال أحمد بن على بن محمد بن عبد الحق الدمشقى الحنفى ، عن الحافظين : جمال الدين يوسف بن عبد الرحمن القضاعى ، وعلم الدين القاسم بن محمد الإشبيلى ، قالا : أنبأنا به مؤلفه القاضى شمس الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبى بكر بن خلكان الإربلى ـ فذكره.

ومن ذلك : تاريخ البرزالى ، المسمى «بالمكتفى» الذى ذيل به على تاريخ أبى شامة ومعجمه ، وغير ذلك من تعاليقه المفيدة.

أخبرنى بذلك : جماعة من شيوخنا ، منهم : أبو حفص عمر بن محمد بن أحمد الصالحى. عنه إجازة.

ومن ذلك : «تاريخ الشيخ شمس الدين محمد بن إبراهيم ، المعروف بابن الجزرى» أخبرنى به عنه.

ومن ذلك : «أعوان النصر وأعيان العصر» للإمام صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدى.

ومن ذلك : أكثر «تاريخ الصلاح» محمد بن شاكر الكتبى.

ومن ذلك : «تاريخ الشيخ عماد الدين بن كثير». أخبرنى به عنه غير واحد من شيوخى.

١٨٨

ومن ذلك : كثير من تاريخ الأمير بيبرس الدوادار الناصرى.

ومن ذلك : كثير من تاريخ الشيخ شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب النويرى.

ومن ذلك : مختصر تاريخ هذا النويرى.

ومن ذلك : تاريخ الملك المؤيد صاحب حماة.

ومن ذلك : «معجم السفر» للسلفى. أنبأنى به : أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد التنوخى ، عن أبى الحسن على بن يحيى الشاطبى ، أنبأنا أبو عمرو عثمان بن على بن عبد الوهاب بن خطيب القرافة ـ سماعا ـ عن مؤلفه الحافظ أبى طاهر أحمد بن محمد ابن أحمد السلفى ـ فذكره.

ومن ذلك : «معجم الحافظ عز الدين بن الحاجب الأمينى». أنبأنى به : على بن محمد الخطيب عن القاضى تقى الدين سليمان بن حمزة عنه.

ومن ذلك : «معجم الحافظ زكى الدين المنذرى» و «التكملة» له. أنبأنى بذلك عبد الرحمن بن أحمد الشافعى وغيره عن على بن عمر الصوفى ، ويوسف بن عمر الختنى إذنا عنه.

ومن ذلك : «معجم الحافظ ابن مسدى». أنبأنى به : أحمد بن محمد الطبرى عن الإمام أبى إسحاق إبراهيم بن محمد الشافعى عن ابن مسدى.

ومن ذلك : «معجم الإمام علاء الدين على بن إبراهيم بن داود بن العطار». تخريج الذهبى له. أنبأنى به عنه جماعة من شيوخنا.

ومن ذلك : «مشيخة الحافظ رشيد الدين» أبى الحسين يحيى بن على القرشى المعروف بابن العطار.

أنبأنى بها : شيخنا أبو الفضل الحافظ وغيره ، عن أبى شاهد الجيش وغيره عن الرشيد العطار ـ فذكرها.

ومن ذلك : «وفيات شيخنا الحافظ العراقى» التى ذيل بها على «العبر» للذهبى. أنبأنا بها إجازة.

ومن ذلك : «تاريخ الحافظ شيخنا أبى زرعة» أحمد بن شيخنا الحافظ العراقى أنبأنى به إجازة. وهو فى معنى «الذيل» على وفيات أبيه. وأوله سنة اثنتين وستين وسبعمائة ، وآخر ما رأيته منه : سنة ثلاث وتسعين. وكتب سنين بعد ذلك لم أقف على كلها.

١٨٩

ومن ذلك : أكثر «وفيات» شيخنا مفتى الشام شهاب الدين أحمد بن حجى بن الحسبانى. أنبأنى بها إجازة.

ومن ذلك : «وفيات» الشيخ محيى الدين عبد القادر الحنفى ، و «طبقات الحنفية» له.

ومن ذلك : «طبقات الحنفية» لشيخنا القاضى مجد الدين الشيرازى. أنبأنى بها إجازة.

ومن ذلك : «وفيات ابن قانع» و «وفيات ابن زبر» و «وفيان الأكفانى» و «وفيات ابن المفضل المقدسى» و «وفيات الشريف أبى القاسم الحسينى» التى ذيل بها على «وفيات» شيخه الحافظ زكى الدين المنذرى المسماة «بالتكملة» التى ذيل بها المنذرى على «وفيات» شيخه الحافظ ابن المفضل و «وفيات ابن أيبك الدمياطى» ووفيات أخر.

ومن ذلك : «تاريخ شيخنا العدل ناصر الدين بن الفرات» فى مجلدات كثيرة. وتاريخ «الصارم إبراهيم المعروف» بابن دقماق.

وغير ذلك كثيرا من كتب التاريخ وغيرها. ومنه «رحلة ابن جبير».

* * *

ولنذكر من كتابنا «شفاء الغرام» ما أشرنا إلى أن نذكره هنا ، فنقول :

الحمد لله الذى جعل لمكة فى الفضل مزايا ، وخصها ببيته الذى هو قبلة للبرايا ، وبحجه الذنب مغفور ، وبالطواف به تكثر الأجور. أحمده على ما منّ به من النزول فى حماه ، وأسأله دوام ذلك مدة المحياة.

وأشهد أن لا إله إلا الله الذى منح شارب ماء زمزم نبيل المنى ، وأشهد أن نبينا محمدا، أفضل من حج ورمى الجمار بمنى ، صلى الله وسلم عليه ما وقف واقف بعرفات والمشعر ، ورضى الله عن آله وأصحابه ما سعى ساع بين الصفا والمروة ، وبين الميلين الأخضرين أحضر.

أما بعد : فهذا ما وعدت بذكره فى كتابى «العقد الثمين ، فى تاريخ البلد الأمين» من أخبار مكة المشرفة ، وحكم بيع دورها ، وإجارتها ، وأسمائها ، وحرمها ، وحدوده ، وشىء مما يختص بذلك من المسائل ، وفضل الحرم ومكة ، والصلاة فيها على غيرها ، وغير ذلك من فضلها ، وحكم المجاورة بها ، وفضل الموت فيها ، وفضل أهلها. وفضل جدة ، والطائف ، وغير ذلك من خبرهما. وأخبار الكعبة المعظمة وفضلها. وفضل الحجر الأسود ، والركن اليمانى ، وفضل الأعمال المتعلقة بالكعبة ، وخبر الحجر الأسود ،

١٩٠

والحجر ـ بسكون الجيم ـ ومقام الخليل عليه‌السلام ، والأماكن التى صلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيها حول الكعبة ، والأماكن التى يستجاب الدعاء فيها بمكة ، وحرمها. وخبر المسجد الحرام وزمزم ، وسقاية العباس رضى الله عنه ، والأماكن المباركة بمكة وحرمها ، والأماكن التى تتعلق بها المناسك ، وما علمته من المآثر بمكة ، وحرمها.

وأخبار جاهلية وإسلامية ، لها تعلق بالحجاج ، وغير ذلك. وما علمته من ولاة مكة فى الإسلام على سبيل الإجمال. وهذا الأمر لم أر من عنى بجمعه قبلى.

وجميع ذلك ملخص من تأليفى «شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام» وجعلته أربعين بابا كأصله ، وسميته «الزهور المقتطفة من تاريخ مكة المشرفة».

* * *

١٩١

الباب الأول

فى ذكر مكة المشرفة ، وحكم بيع دورها وإجارتها (١)

مكة المشرفة : بلدة مستطيلة كبيرة ، تسع من الخلائق ما لا يحصيهم إلا الله تعالى ، فى بطن واد مقدس ، والجبال محدقة بها كالسور لها.

ولها ـ مع ذلك ـ ثلاثة أسوار : سور فى جهة المشرق ، يعرف بسور باب المعلاة ؛ لأنه فى أعلاها ، وسور فى جهة المغرب والمدينة النبوية ، يعرف بسور باب الشبيكة ، وسور فى جهة اليمن ، ويعرف بسور باب اليمن وباب الماجن.

وكان جدر هذا السور وجدر سور باب المعلاة : غير كاملين بالبناء ، وكانا قصيرين عن القامة ، فعمرا حتى زادا على القامة ، وتكمل بناؤهما إلا موضعا فى سور باب المعلاة ؛ لأن ما تحته مهواة.

وهذه العمارة فى النصف الثانى من سنة ست عشرة وثمانمائة ، من قبل السيد حسن ابن عجلان ، بعد أن هجم مكة ـ فى غيبته عنها ـ ابن أخيه السيد رميثة بن محمد بن عجلان فى جمادى الآخرة من السنة المذكورة.

ثم أخربت من سور باب المعلاة مواضع ، وأحرق بابه ؛ لفتنة كانت بين أميريها المذكورين ، فى خامس عشرين من شوال سنة تسع عشرة وثمانمائة.

ثم أعيد بناء ما تخرب ، وعمل باب حديد ، وذلك فى شوال وذى القعدة من السنة المذكورة.

ثم خرب جانب من سور باب المعلاة بين البابين اللذين فى السور المذكور ، ثم جانب من سور باب الماجن ، من سيل كان بمكة فى سنة سبع وعشرين وثمانمائة.

وعمر ذلك كله فى أوائل سنة ثمان وعشرين وثمانمائة.

وكان الخراب فى سور باب المعلاة فى آخر سنة خمس وعشرين وثمانمائة من سيل.

ذرع مكة من باب المعلاة إلى باب الماجن : أربعة آلاف ذراع وأربعمائة ذراع واثنان

__________________

(١) انظر : (شفاء الغرام ١ / ١٠).

١٩٢

وسبعون ذراعا ـ بتقديم السين ـ بذراع اليد ، وذلك على خط الردم والمسعى وسوق العلافة.

ومن باب المعلاة إلى الشبيكة : مثل ذلك ، بزيادة مائتى ذراع وعشرين ذراعا باليد ، وذلك فى الطريق المشار إليها ، إلا أنه يعدل منها إلى الشبيكة من الزقاق المعروف بابن عرفة.

ومن الجبال المحدقة بمكة :

أخشباها ، وهما : أبو قبيس (١) ، والأحمر المقابل له ، على ما ذكر الأزرقى والفاكهى. وقيل : أبو قبيس وقعيقعان (٢). ذكر ذلك ياقوت.

وعرف أبو قبيس بالأخشب الشرقى ، وقعيقعان بالغربى ، و «الأخشب» الجبل الغليظ.

وفى تسمية أبى قبيس أقوال (٣).

أحدها : أنه يسمى برجل من إياد.

وذكر الوراق : أنه يقال له : أبو قابوس ، وشيخ الجبال. انتهى.

و «أبو قبيس» اسم لحصن بحلب قبالة شيزر (٤) ، على ما ذكر ياقوت.

__________________

(١) أبو قبيس : اسم لجبل مكة ، ويقال : شيخ الجبال أبو قبيس ، وقيل ثبير.

ثبير : هو أعلى جبال مكة وأعظمها يكون ارتفاعه علوا نحو ميل ونصف ، وهو من الناحية المتصلة بمنى ، وثبير وحراء ما بين الشرق والشمال من مكة وهو الذى كانت قريش تعنى بقولها : أشرف ثبير كيما نغير. قال البكرى : هى أربعة أثبرة : ثبير بمكة وهو هذا ، وثبير غينا ، والثالث ثبير الأعرج ، والرابع ثبير الأحدب ، وفى ثبير هذا خلا إبراهيم عليه‌السلام بابنه وأضجعه للذبح وذلك فى الشعب من ثبير.

انظر : (الروض المعطار ٤٥٢ ، ١٤٩ ، معجم ما استعجم ١ / ٣٣٥ ، البكرى ٧٤ ، الأزرقى ١ / ٤٨٦).

(٢) قعيقعان جبل بأعلى مكة نزل به مضاض بن عمرو ومن معه من جرهم فكان يعشر من دخل مكة من أعلاها. قالوا : وسمى قعيقعان لأن مضاض بن عمرو لما سار إلى السميدع معه كتيبة فيها عدتها من الرماح والدرق والسيوف تقعقع بذلك فسمى بذلك قعيقعان ، والقصة طويلة.

انظر : (الروض المعطار ٤٧٧ ، السيرة ١ / ١١٢ ، معجم ما استعجم ٣ : ١٠٨٦ ، ياقوت «قعيقعان»).

(٣) انظر : (المنتظم ١ / ١٣٨ ، مرآة الزمان ١ / ٨٤ ، الصحاح ٢ / ٩٥٧ ، معجم ما استعجم ١٠٤٠ ، الروض المعطار ٤٥٢ ، الاستبصار ٥).

١٩٣

و «قعيقعان» اسم لمواضع ذكرها ياقوت (١) ، ولموضعين لم يذكرهما. أحدهما : بلية من عمل الطائف. والآخر : باليمن. وسيأتى إن شاء الله تعالى شىء فى سبب تسميته بقعيقعان.

وبمكة أبنية كثيرة ، وعين جارية ، وآبار غالبها مسبل ، وبرك مسبّلة ، وحمامان. وكان بها ستة عشر حماما ، على ما ذكر الفاكهى.

وبعض الدور التى بمكة : علامة لحد المعلاة والمسفلة ؛ لأن دار الخيزران ـ عند الصفا ـ علامة لحد المعلاة من شق مكة الأيمن ، ودار العجلة : علامة لحد المعلاة من شق مكة الأيسر.

وذكر الفاكهى خبرا يقتضى بفضل المعلاة على المسفلة. وذكر الفاكهى شيئا مفيدا فى مخاليف مكة ؛ لأنه قال : فآخر أعمالها ـ مما يلى طريق المدينة ـ موضع يقال له : جنابذ بن صفى فيما بين عسفان ومر. وذلك على يوم وبعض يوم.

وآخر أعمالها ـ مما يلى طريق الجادة فى طريق العراق ـ العمير ، وهو قريب من ذات عرق ، وذلك على يوم وبعض يوم.

وآخر أعمالها ـ مما يلى اليمن على طريق تهامة اليوم ـ موضع يقال له : ضنكان (٢).

__________________

(٤) شيزر : بتقديم الزاى على الراء ، وفتح أوله : قلعة تشتمل على كورة بالشام قرب المعرّة ، بينها وبين حماة يوم ، فى وسطها نهر الأردن عليه قنطرة فى وسط المدينة أوله من جبل لبنان تعدّ فى كورة حمص وهى قديمة. انظر : معجم البلدان «شيزر».

(١) قعيقعان : بالضم ثم الفتح ، بلفظ تصغير : سمى بذلك لأن قطوراء وجرهم لما تحاربوا قعقعت الأسلحة فيه ، وعن السّدّىّ أنه قال : سمّى الجبل الذى بمكة قعيقعان لأن جرهم كانت تجعل فيه قسيّها وجعابها ودرقها فكانت نقعقع فيه ، قال عرّام : ومن قعيقعان إلى مكة اثنا عشر ميلا على طريق الحوف إلى اليمن.

وقعيقعان : قرية بها مياه وزروع ونخيل وفواكه وهى اليمانية ، والواقف على قعيقعان يشرف على الركن العراقى إلا أن الأبنية قد حالت بينهما.

وبالأهواز جبل يقال له قعيقعان منه نحتت أساطين مسجد البصرة ، سمى بذلك لأن عبد الله بن الزبير بن العوّام ولّى ابنه حمزة البصرة فخرج إلى الأهواز فلما رأى جبلها قال : كأنه قعيقعان ، فلزمه ذلك. انظر : معجم البلدان «قعيقعان».

(٢) ضنكان : بالفتح ثم السكون ، ويروى بالكسر ، ثم كاف ، وآخره نون ، فعلان من الضنك وهو الضيق : وهو واد فى أسافل السراة يصب إلى البحر وهو من مخاليف اليمن. انظر : معجم البلدان «ضنكان».

١٩٤

وذلك على عشرة أيام من مكة. وقد كان آخر أعمالها فيما مضى : بلاد عكّ.

وآخر أعمالها ـ مما يلى اليمن فى طريق نجد ، وطريق صنعاء ـ موضع يقال له «نجران» على عشرين يوما من مكة. انتهى.

وذكر ابن خرداذبة فى «مخاليف مكة» ما يوافق ما ذكره الفاكهى. وصرح فيهما بما لم يصرح به الفاكهى.

وليس كل ما ذكراه معدودا اليوم فى أعمال مكة ؛ لأن كثيرا من ذلك ليس لأمير مكة الآن فيه كلام.

وأبعد مكان عن مكة لأميرها الآن فيه كلام «الحسنة» (١) وهى بلدة بينها وبين «قنونا» (٢) يوم ، وبين «حلى» (٣) يومان.

وكلامه فيها باعتبار أن له على مزارعها كل سنة مائة غرارة مكية فيما قيل. وله أيضا رسم على أهل «ذوقة» والواديين ، و «الليث».

وأبعد مكان ـ بعد هذه الأماكن عن مكة لأميرها فيه كلام الآن ـ وادى الطائف ووادى «ليّة» (٤). ولأمير مكة فيهما من الكلمة والعادة على أهلها أكثر مما له فى الأماكن السابق ذكرها.

ولقاضى مكة نواب بوادى الطائف ، و «لية».

ومن أعمال مكة فى صوب الطائف : وادى نخلة الشامية ، واليمانية. ونخلة على ليلة من مكة.

__________________

(١) حسنة : بالهاء : من قرى إصطخر. وحسنة أيضا : جبال بين صعدة وعثّر من أرض اليمن فى الطريق. انظر : معجم البلدان «حسنة».

(٢) قنونى : بالفتح ونونين ، بوزن فعوعل من القنا أو فعولى من القنّ : من أودية السراة يصبّ إلى البحر فى أوائل أرض اليمن من جهة مكة قرب حلى وبالقرب منها قرية يقال لها يبت. انظر : معجم البلدان «قنونى».

(٣) حلى : بالفتح ثم السكون ، بوزن ظبى. قال عمارة اليمنى : حلى مدينة باليمن على ساحل البحر ، بينها وبين السرّين يوم واحد ، وبينها وبين مكة ثمانية أيام ، وهى حلية المقدّم ذكرها. انظر : معجم البلدان «حلى».

(٤) لية : بالكسر ، وتخفيف الياء : وهو واد لثقيف ، قال الأصمعى : لية واد قرب الطائف أعلاه لثقيف وأسفله لنصر بن معاوية. انظر : معجم البلدان «لية».

١٩٥

وأبعد مكان عن مكة فى صوب المدينة لأمير مكة الآن فيه كلام كثير : وادى «الهدة» (١) ـ هدة بنى جابر ـ وهى على مرحلة من «مرّ الظهران» (٢) ومر الظهران على مرحلة من مكة. وهو والهدة معدودان من أعمالها.

وولاة مكة الآن يأخذون ما يغرق فى البحر فيما بين جدة ورابغ (٣) ، ويرون أن ذلك يدخل فى عملهم.

و «جدة» من أعمال مكة فى تاريخه وفيما قبله. وهى على مرحلتين من مكة.

وليس كل ما ذكره ابن خرداذبة والفاكهى فى مخاليف مكة : داخلا فى الحجاز ، الذى هو : مكة ، والمدينة ، واليمامة ، ومخاليفها.

وقد عرّف الحجاز بذلك الإمام الشافعى ـ رضى الله عنه ـ وغيره.

وقيل : فى الحجاز غير ذلك. وسمى حجازا لحجزه بين تهامة ونجد. وقيل : فيه غير ذلك (٤). والله أعلم.

__________________

(١) الهدّة : بالفتح ثم التشديد ، وهو الخسفة فى الأرض ، والهدّ الهدم : وهو موضع بين مكة والطائف ، والنسبة إليها هدوىّ ، وهو موضع القرود ، وقد خفّف بعضهم داله. انظر : معجم البلدان «هدة».

(٢) مرّ الظّهران بفتح أوّله ، وتشديد ثانيه ، مضاف إلى الظهران ، بالظاء المعجمة المفتوحة. وبين مر والبيت ستّة ميلا.

قال سعيد بن المسبّب : كانت منازل عك مرّ الظهران. وقال كثيّر عزّة : سمّيت مرّا لمرارتها. وقال أبو غسّان : سمّيت بذلك لأنّ فى بطن الوادى بين مرّ ونخلة كتابا بعرق من الأرض أبيض : هجاء مرّ ، إلّا أنّ الميم غير موصولة بالراء. انظر : معجم البلدان «مر».

(٣) رابغ : بعد الألف باء موحّدة ، وآخره غين معجمة : واد يقطعه الحاج بين البزواء والجحفة دون عزور.

وقال ابن السكيت : رابغ بين الحجفة وودّان ، وقال فى موضع آخر : رابغ واد من دون الجحفة يقطعه طريق الحاجّ من دون عزور ، وقال الحازمىّ : بطن رابغ واد من الجحفة له ذكر فى المغازى وفى أيّام العرب ، وقال الواقدى : هو على عشرة أميال من الجحفة فيما بين الأبواء والجحفة. انظر : معجم البلدان «رابغ».

(٤) الحجاز : بالكسر ، وآخره زاى. قال أبو بكر الأنبارى : فى الحجاز وجهان : يجوز أن يكون مأخوذا من قول العرب حجز الرجل بعيره يحجزه إذا شدّه شدّا يقيده به ، ويقال للحبل حجاز ، ويجوز أن يكون سم حجازا لأنه يحتجز بالجبال ، يقال : احتجزت المرأة إذا شدّت ثيابها على وسطها واتّزرت ، ومنه قيل حجزة السراويل ، وقول العامة حزّة السراويل خطأ.

والحجاز : جبل ممتدّ حالّ بين الغور غور تهامة ونجد فكأنه منع كلّ واحد منهما أن يختلط بالآخر فهو حاجز بينهما ، وهذه حكاية أقوال العلماء.

١٩٦

ذکر حکم بع دور مكة وإجارتها (١)

__________________

ـ قال الخليل : سمى الحجاز حجازا لأنه فصل بين الغور والشام وبين البادية.

وقال عمارة بن عقيل : ما سأل من حرّة بن سليم وحرّة ليلى فهو الغور حتى يقطعه البحر ، وما سال من ذات عرق مغربا فهو الحجاز إلى أن تقطعه تهامة ، وهو حجاز أسود حجز بين نجد وتهامة ، وما سال من ذات عرق مقبلا فهو نجد إلى أن يقطعه العراق.

وقال الأصمعى : ما احتزمت به الحرار حرّة شوران وحرّة ليلى وحرّة واقم وحرّة النار وعامة منازل بنى سليم إلى المدينة ، فذلك الشقّ كله حجاز.

وقال الأصمعى أيضا فى كتاب جزيرة العرب : الحجاز اثنتا عشرة دارا : المدينة وخيبر وفدك وذو المروة ودار بلىّ ودار أشجع ودار مزينة ودار جهينة ونفر من هوازن وجلّ سليم وجلّ هلال وظهر حرّة ليلى ، ومما يلى الشام شغب وبدا.

وقال الأصمعى فى موضع آخر من كتابه : الحجاز من تخوم صنعاء من العبلاء وتبالة إلى تخوم الشام ، وإنما سمى حجازا لأنه حجز بين تهامة ونجد ، فمكة تهامية والمدينة حجازية والطائف حجازية.

وقال غيره : حدّ الحجاز من معدن النقرة إلى المدينة ، فنصف المدينة حجازىّ ونصفها تهامىّ ، وبطن نخل حجازى وبحذائه جبل يقال له الأسود نصفه حجازى ونصفه نجدىّ. وذكر ابن أبى شبّة أن المدينة حجازية.

(١) ذهب جمهور الأئمة من السلف والخلف ، إلى أنه لا يجوز بيع أراضى مكة ، ولا إجارة بيوتها ، هذا مذهب مجاهد وعطاء فى أهل مكة ، ومالك فى أهل المدينة ، وأبى حنيفة فى أهل العراق ، وسفيان الثورى ، والإمام أحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه.

وروى الإمام أحمد رحمه‌الله ، عن علقمة بن نضلة ، قال : كانت رباع مكة تدعى السوائب على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبى بكر وعمر ، من احتاج سكن ، ومن استغنى أسكن.

وروى أيضا عن عبد الله بن عمر : «من أكل أجور بيوت مكة ، فإنما يأكل فى بطنه نار جهنم» رواه الدار قطنى مرفوعا إلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وفيه : «إن الله حرم مكة ، فحرام بيع رباعها وأكل ثمنها».

وقال الإمام أحمد : حدثنا معمر ، عن ليث ، عن عطاء ، وطاوس ومجاهد ، أنهم قالوا : يكره أن تباع رباع مكة أو تكرى بيوتها.

وذكر الإمام أحمد ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، قال : من أكل من كراء بيوت مكة ، فإنما يأكل فى بطنه نارا.

وقال أحمد : حدثنا هشيم ، حدثنا حجاج ، عن مجاهد ، عن عبد الله بن عمر ، قال : نهى عن إجارة بيوت مكة ، وعن بيع رباعها.

وذكر عن عطاء ، قال : نهى عن إجازة بيوت مكة.

وقال أحمد : حدثنا إسحاق بن يوسف قال : حدثنا عبد الملك ، قال : كتب عمر بن عبد العزيز إلى أمير أهل مكة ينهاهم عن إجازة بيوت مكة ، وقال : إنه حرام.

وحكى أحمد عن عمر ، أنه نهى أن يتخذ أهل مكة للدور أبوابا ، لينزل البادى حيث شاء. ـ

١٩٧

__________________

ـ وحكى عن عبد الله بن عمر ، عن أبيه : أنه نهى أن تغلق أبواب دور مكة ، فنهى من لا باب لداره أن يتخذ لها بابا ، ومن لداره باب أن يغلقه ، وهذا فى أيام الموسم.

قال المجوزون للبيع والإجارة : الدليل على جواز ذلك ، كتاب الله وسنة رسوله ، وعمل أصحابه وخلفائه الراشدين.

قال الله تعالى : (لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ)[الحشر : ٨].

وقال : (فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ)[آل عمران : ١٩٥].

وقال : (إِنَّما يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ)[الممتحنة : ٩] فأضاف الدور إليهم ، وهذه إضافة تمليك.

وقال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقد قيل له : أين تنزل غدا بدارك بمكة؟ فقال : «وهل ترك لنا عقيل من رباع» (١) ، ولم يقل : إنه لا دار لى ، بل أقرهم على الإضافة ، وأخبر أن عقيلا استولى عليها ولم ينزعها من يده ، وإضافة دورهم إليهم فى الأحاديث أكثر من أن تذكر ، كدار أم هانئ ، ودار خديجة ، ودار أبى أحمد بن جحش وغيرها ، وكانوا يتوارثونها كما يتوارثون المنقول ، ولهذا قال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «وهل ترك لنا عقيل من منزل» ، وكان عقيل هو ورث دور أبى طالب ، فإنه كان كافرا ، ولم يرثه على رضى الله عنه ، لاختلاف الدين بينهما ، فاستولى عقيل على الدور. ولم يزالوا قبل الهجرة وبعدها ، بل قبل المبعث وبعده ، من مات ، ورث ورثته داره إلى الآن.

وقد باع صفوان بن أمية دارا لعمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ بأربعة آلاف درهم ، فاتخذها سجنا ، وإذا جاز البيع ، والميراث ، فالإجارة أجوز وأجوز ، فهذا موقف أقدام الفريقين كما ترى ، وحججهم فى القوة والظهور لا تدفع ، وحجج الله وبيناته لا يبطل بعضها بعضا بل يصدق بعضها بعضا ، ويجب العمل بموجبها كلها ، والواجب اتباع الحق أين كان.

فالصواب القول بموجب الأدلة من الجانبين ، وأن الدور تملك ، وتوهب ، وتورث ، وتباع ، ويكون نقل الملك فى البناء لا فى الأرض والعرصة ، فلو زال بناؤه ، لم يكن له أن يبيع الأرض ، وله أن يبنيها ويعيدها كما كانت ، وهو أحق بها يسكنها ويسكن فيها من شاء ، وليس له أن يعاوض على منفعة السكنى بعقد الإجارة ، فإن هذه المنفعة إنما يستحق أن يقدم فيها على غيره ، ويختص بها لسبقه وحاجته ، فإذا استغنى عنها ، لم يكن له أن يعاوض عليها ، كالجلوس فى الرحاب ، والطرق الواسعة ، والإقامة على المعادن وغيرها من المنافع والأعيان المشتركة التى من سبق إليها ، فهو أحق بها ما دام ينتفع ، فإذا استغنى ، لم يكن له أن يعاوض ، وقد صرح أرباب هذا القول بأن البيع ونقل الملك فى رباعها إنما يقع على البناء لا على الأرض ، فذكره أصحاب أبى حنيفة.

فإن قيل : فقد منعتم الإجارة ، وجوزتم البيع ، فهل لهذا نظير فى الشريعة ، والمعهود فى الشريعة أن الإجارة أوسع من البيع ، فقد يمتنع البيع ، وتجوز الإجارة ، كالوقف والحر ، فأما العكس ، فلا عهد لنا به؟.

قيل : كلّ واحد من البيع والإجارة عقد مستقل غير مستلزم للآخر فى جوازه وامتناعه ، وموردهما مختلف ، وأحكامهما مختلفة ، وإنما جاز البيع ، لأنه وارد على المحل الذى كان البائع ـ

١٩٨

اختلف فى ذلك قول مالك. فروى عنه : أنه كره بيعها وكراء دورها ، فإن بيعت أو أكريت : لم يفسخ. وروى عنه منع ذلك.

وليس سبب الخلاف عند المالكية : الخلاف فى مكة : هل فتحت عنوة ، أو صلحا؟ لأنهم لم يختلفوا فى أنها فتحت عنوة.

وإنما سبب الخلاف عندهم فى ذلك : الخلاف فى مكة : هل منّ النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بها على

__________________

ـ أخص به من غيره ، وهو البناء ، وأما الإجارة فإنما ترد على المنفعة ، وهى مشتركة ، وللسابق إليها حق التقدم دون المعاوضة ، فلهذا أجزنا البيع دون الإجارة ، فإن أبيتم إلا النظير ، قيل : هذا المكاتب يجوز لسيده بيعه ، ويصير مكاتبا عند مشتريه ، ولا يجوز له إجارته إذ فيها إبطال منافعه وأكسابه التى ملكها بعقد الكتابة والله أعلم. على أنه لا يمنع البيع ، وإن كانت منافع أرضها ورباعها مشتركة بين المسلمين ، فإنها تكون عند المشترى كذلك مشتركة المنفعة ، إن احتاج سكن ، وإن استغنى أسكن كما كانت عند البائع ، فليس فى بيعها إبطال اشتراك المسلمين فى هذه المنفعة ، كما أنه ليس فى بيع المكاتب إبطال ملكه لمنافعه التى ملكها بعقد المكاتبة ، ونظير هذا جواز بيع أرض الخراج التى وقفها عمر رضى الله عنه على الصحيح الذى استقر الحال عليه من عمل الأمة قديما وحديثا ، فإنها تنتقل إلى المشترى خراجية ، كما كانت عند البائع ، وحق المقاتلة إنما هو فى خراجها ، وهو لا يبطل بالبيع ، وقد اتفقت الأمة على أنها تورث ، فإن كان بطلان بيعها لكونها وقفا ، فكذلك ينبغى أن تكون وقفيتها مبطلة لميراثها ، وقد نص أحمد على جواز جعلها صداقا فى النكاح ، فإذا جاز نقل الملك فيها بالصداق والميراث والهبة ، جاز البيع فيها قياسا وعملا ، وفقها. والله أعلم.

فإذا كانت قد فتحت عنوة ، فهل يضرب الخراج على مزارعها كسائر أرض العنوة ، وهل يجوز لكم أن تفعلوا ذلك أم لا؟.

قيل : فى هذه المسألة قولان لأصحاب العنوة.

أحدهما : المنصوص المنصور الذى لا يجوز القول بغيره ، أنه لا خراج على مزارعها وإن فتحت عنوة ، فإنها أجل وأعظم من أن يضرب عليها الخراج ، لا سيما والخراج هو جزية الأرض ، وهو على الأرض كالجزية على الرءوس ، وحرم الرب أجل قدرا وأكبر من أن تضرب عليه جزية ، ومكة بفتحها عادت إلى ما وضعها الله عليه من كونها حرما آمنا يشترك فيه أهل الإسلام ، إذ هو موضع مناسكهم ومتعبدهم وقبلة أهل الأرض.

والثانى ـ وهو قول بعض أصحاب أحمد : أن على مزارعها الخراج ، كما هو على مزارع غيرها من أرض العنوة ، وهذا فاسد مخالف لنص أحمد رحمه‌الله ومذهبه ، ولفعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وخلفائه الراشدين من بعده رضى الله عنهم ، فلا التفات إليه ، والله أعلم.

وقد بنى بعض الأصحاب تحريم بيع رباع مكة على كونها فتحت عنوة ، وهذا بناء غير صحيح ، فإن مساكن أرض العنوة تباع قولا واحدا ، فظهر بطلان هذا البناء والله أعلم.

انظر : (زاد المعاد ٣ / ٣١٥ وما بعدها).

١٩٩

أهلها ، فلم تقسم ، ولا سبى أهلها ، لما عظّم الله من حرمتها ، أو أقرت للمسلمين؟ أشار إلى ذلك ابن رشد.

وعلى الأول : ينبنى جواز بيع دورها وإجارتها ، وينبنى منع ذلك على القول بأنها أقرت للمسلمين.

وفى هذا القول نظر. فقد بيعت دور مكة فى عهد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وعمر وعثمان رضى الله عنهما ، وبأمرهما اشتريت دور مكة لتوسعة المسجد الحرام ، وكذلك فعل ابن الزبير رضى الله عنهما.

وفعل ذلك غير واحد من الصحابة رضى الله عنهم. وهم أعرف الناس بما يصلح فى مكة.

وهذا مذكور فى تاريخ الأزرقى ، ما عدا بيعها فى زمن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فإن ذلك مذكور فى كتاب الفاكهى عن عبد الرحمن بن مهدى.

ولا يعارض هذا حديث علقمة بن نضلة الكنانى ـ وقيل الكندى ـ «كانت الدور والمساكن على عهد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأبى بكر ، وعمر ، وعثمان رضى الله عنهم ـ لا تكرى ولا تباع ، ولا تدعى إلا السوائب ، من احتاج سكن ، ومن استغنى أسكن». وهذا لفظ الأزرقى. وفى ابن ماجة معناه (١).

لأن حاصل حديث علقمة : شهادة على النفى. وفى مثل هذا يقدم المثبت. والله أعلم.

واختلف الحنفية فى جواز بيع دور مكة ، فاختار الصاحبان ـ أبو يوسف ومحمد بن الحسن ـ جواز ذلك. وعلى قولهما الفتوى ، فيما ذكر الصدر الشهيد ، ومقتضى قولهما بجواز البيع ، جواز الكراء. والله أعلم.

واختلف رأى الإمام أحمد رضى الله عنه فى ذلك. فعنه روايتان فى جواز بيع دور مكة وإجارتها. ورجح كلا منهما مرجح من أتباعه المتأخرين.

ولم يختلف مذهب الشافعى رضى الله عنه فى جواز بيع دور مكة وكرائها ؛ لأنها عنده فتحت صلحا. وقال بعضهم عنه : فتحت بأمان ، وهو فى معنى الصلح.

__________________

(١) أخرجه ابن ماجة فى سننه (٣١٠٧) من طريق : أبو بكر بن أبى شيبة ، حدثنا عيسى بن يونس ، عن عمر بن سعيد بن أبى حسين ، عن عثمان بن أبى سليمان ، عن علقمة بن نضلة ، قال : «توفى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبو بكر ، وعمر وما تدعى رباع مكة إلا السوائب ، من احتاج سكن ومن استغنى أسكن».

٢٠٠