الجامع اللطيف

ابن ظهيرة

الجامع اللطيف

المؤلف:

ابن ظهيرة


المحقق: الدكتور علي عمر
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ١
ISBN: 977-341-085-4
الصفحات: ٣٤٦

واستمر السيد بركات بعد موت الفاسى على ولاية مكة إلى أثناء سنة خمس وأربعين وثمانمائة ، فعزل عن ذلك.

ثم وليها أخوه السيد على بن حسن (١) ، وكان بالقاهرة ، فوصل مكة يوم السبت مستهل شعبان ، واستمر متوليا إلى رابع شوال سنة ست وأربعين ، فقبض عليه وعلى أخيه إبراهيم.

ثم وليها أخوه أبو القاسم بن حسن ، فقدم من مصر متوليا ، ودخل مكة فى يوم السبت السابع والعشرين من ذى القعدة سنة ست وأربعين وثمانمائة ، واستمر على ولايته إلى أوائل سنة خمسين ، فعزل.

ثم أعيد السيد بركات بن حسن إلى ولاية مكة ، ودامت ولايته إلى أن مرض وتوعك بدنه وذلك سنة تسع وخمسين ـ بتقديم المثناة الفوقية ـ وثمانمائة ، فسأل نائب جدة الأمير جانبك الظاهرى (٢) بأن يرسل إلى السلطان يسأله فى ولاية إمرة مكة لولده السيد محمد عوضا عن أبيه ، فأجاب السلطان إلى ذلك ، فقبل وصول الخبر توفى السيد بركات فى عصر يوم الاثنين تاسع عشر شعبان سنة تسع وخمسين بأرض خالد بوادى مر ، وحمل على أعناق الرجال إلى مكة ، ودفن بها فى صبح يوم الثلاثاء لعشرين من شعبان.

فلما كان عصر اليوم المذكور ، وصل قاصد من الديار المصرية بمرسوم مؤرخ بسادس عشر رجب مضمونه ولاية السيد محمد إمرة مكة ، فدعى له على زمزم بعد المغرب من ليلة الأربعاء حادى عشر شعبان.

ثم وصل السيد محمد إلى مكة ليلة الجمعة سابع رمضان ، وقرئ مرسومه فى صبحها.

ثم كان رابع شوال من السنة المذكورة وصل إلى السيد محمد كتاب من السلطان بالعزاء فى والده ، وتوقيع باستمراره فى الإمرة مؤرخ بشهر رمضان ، واستمر السيد محمد رحمه‌الله على ولاية مكة ، ودانت له البلاد ، وأطاعه العباد ، وأظهر العدل والإحسان

__________________

(١) انظر فى السيد على بن حسن : غاية المرام ج ٢ ص ٤٨٧.

(٢) تحرف فى المطبوع إلى : «الطاهرى» بالطاء المهملة. وصوابه من : د وابن فهد فى غاية المرام.

٢٨١

والشفقة والرأفة على الرعية والالتفات فى أمور المسلمين وعدم الغفلة عن ذلك فبسبب ذلك طالت مدته وحمدت سيرته وطابت سريرته ، وكانت مدة ولايته ثلاثا وأربعين سنة ونصف سنة إلا خمسة أيام أو نحوها مع مشاركة ولده السيد بركات على عوائدهم ، ثم انتقل إلى رحمة الله تعالى فى الحادى والعشرين من شهر المحرم الحرام سنة ثلاث وتسعمائة بوادى الابهار ، وحمل إلى مكة ودفن بها.

ثم وليها بعده ولده السيد بركات من قبل الملك الناصر محمد بن قايتباى فى رابع ربيع الآخر من سنة ثلاث ، واستمر على ولايتها إلى أن كان موسم سنة ست وتسعمائة.

فوليها أخوه السيد هزاع بن محمد بعد محاربة وقعت بينه وبين أخيه السيد بركات فى الموسم المذكور بمحل يقال له وادى الجموم (١) بمر الظهران ، فانهزم السيد بركات ، ودخل السيد هزاع مكة وحج بالناس ، ثم خرج منها بعد انقضاء الحج إلى ينبع خوفا من أخيه بركات لقلة عسكره ، فعاد السيد بركات إلى مكة ، واستمر بها إلى جمادى الثانية عام سبع ـ بتقديم السين ـ وتسعمائة ، فوصل السيد هزاع من ينبع بعسكر عظيم وتحارب هو وأخوه بركات محاربة ثانية بمحل يقال له طرف البرقاء (٢) فانهزم السيد بركات.

ثم وليها السيد هزاع ثانيا ، واستمر إلى خامس عشر رجب ثم توفى إلى رحمة الله تعالى(٣).

ثم عاد السيد بركات إلى مكة ، واستمرت الفتن والشرور بينه وبين أخيه السيد أحمد جازان وتحاربا مرارا ، وكان ابتداء ذلك من أواخر ذى الحجة عام سبع وتسعمائة ، إلى أن كان يوم السبت الخامس والعشرين من شهر شوال عام ثمان وتسعمائة ، فوصل السيد جازان بعسكر كبير من ينبع من بنى إبراهيم وغيرهم ، ووقع الحرب بينه وبين أخيه السيد بركات ، فانهزم السيد بركات.

ثم وليها السيد جازان ودخل مكة فى يوم السبت المذكور ، ونهب عسكره مكة وفعلوا أفعالا قبيحة ، وانتهكوا حرمة البيت ، وجرى منهم على مكة وأهلها أمور شنيعة ليس هذا

__________________

(١) منائح الكرام ج ٣ ص ١٠٥.

(٢) تحرف فى المطبوع إلى : «البرفاء» بالفاء ، وصوابه من : د ، ومنائح الكرم ج ٣ ص ١١٠.

(٣) منائح الكرم ج ٣ ص ١١٠ ـ ١١١.

٢٨٢

محل ذكرها ولا نحن بصددها ، واستمر السيد جازان بمكة إلى آخر ذى القعدة من السنة المذكورة ، فبلغه وصول التجريدة من قبل السلطان الغورى ، وباشتها الأمير الكبير المعروف بقيت الرّجبىّ ـ بالجيم ثم الموحدة ـ بسبب ما فعله السيد جازان من نهب مكة ، ونهب الحاج الشامى والمصرى ، فخرج من مكة هاربا.

فعاد السيد بركات إلى مكة وواجه أمير التجريدة ، فقبض عليه وتوجه به إلى القاهرة فى أوائل سنة تسع وتسعمائة.

ثم عاد السيد جازان إلى مكة ، واستمر بها إلى يوم الجمعة عاشر رجب سنة تسع ، فقتله الأتراك الشراكسة بالمطاف.

ثم وليها بعده السيد حميضة بن محمد ، واستمر إلى أواخر المحرم أو أوائل صفر من سنة عشر وتسعمائة ، فعزل.

ثم وليها أخوه السيد قايتباى بن محمد بإشارة من أخيه السيد بركات ، واستمر متوليا موافقا لأخيه السيد بركات مستضيئا برأيه إلى أن توفى إلى رحمة الله تعالى فى يوم الأحد الحادى والعشرين من صفر عام ثمان عشرة وتسعمائة بأرض حسان بوادى مر ، وحمل إلى مكة ودفن بها.

ثم استولى السيد بركات بعد موته على مكة إلى شهر شعبان من هذه السنة. ثم أرسل ولده مولانا السيد أبا نمى بن بركات إلى الديار المصرية ، فوصلها وقابل السلطان قانصوه الغورى ، فأكرمه وعظمه وأنعم عليه بإمرة مكة ، ثم عاد إليها شريكا لأبيه ، وكان وصوله فى أواخر ذى القعدة الحرام بين يدى الحاج من السنة المذكورة ، واستمر كذلك إلى أن كان عام ثلاث وعشرين فاستولى مولانا الخنكار (١) الأعظم سليم خان بن عثمان على الديار الشامية والمصرية والحرمين الشريفين ، وجهز قاصدا إلى مكة للسيد بركات والسيد أبى نمى باستقرارهما على إمرة مكة ، فتجهز حينئذ مولانا السيد أبو نمى وسافر إلى القاهرة ، وقابل السلطان فأكرمه واحترمه وأقره هو ووالده على إمرة مكة.

ثم عاد إلى مكة ، واستمر شريكا لأبيه إلى أن أذن الله بوفاة مولانا السيد بركات فى

__________________

(١) الخنكار : أحد ألقاب السلطان العثمانى ، وتعنى : مبدع العالم.

٢٨٣

أثناء ليلة الأربعاء الرابع والعشرين من شهر ذى القعدة الحرام عام أحد وثلاثين وتسعمائة رحمه‌الله وأسكنه جنته.

ثم وليها بعده ابنه السيد أبو نمى أدام الله أيامه بمفرده ، ووصلت الأحكام الخنكارية السليمانية بولايته لإمرة مكة فى أواخر سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة ، فاطمأنت به الخواطر ، وقرت النواظر ، واستمر أدامه الله ومتع المسلمين بحياته منفردا بالولاية إلى عام ست وأربعين وتسعمائة.

ثم وليها ابنه مولانا السيد أحمد شريكا لوالده فى هذا العام بعد وصوله إلى الديار الرومية ومقابلته لمولانا الخنكار الأعظم والخاقان الأكرم الملك المظفر سليمان خان خلد الله ملكه وأدام أيامه ، فقوبل بالإكرام والرعاية والاحترام ، وعاد إلى مكة فى أول ربيع الأول عام سبع وأربعين وتسعمائة ، واستمر شريكا لوالده مولانا السيد أبى نمى إلى عامنا هذا ، وهو عام خمسين وتسعمائة ، متع الله بحياتهما وأدام أيامهما وخلدهما خلود الدهر وأمدهما بالتأييد والنصر آمين.

هذا ما وقفت عليه فى ذكر أمراء مكة من عهد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى يومنا هذا والله تعالى أعلم.

٢٨٤

الخاتمة

نسأل الله حسن الخاتمة

فى ذكر الأماكن المعظمة والمشاهد المكرمة

التى تقصد زيارتها المشهورة بالفضل بمكة شرفها الله تعالى وحرمها

وضواحيها من المواليد والدور والمساجد والجبال والمقابر وما أشبه ذلك

أما المواليد فمنها وهو أجلها : مولد سيدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنبدأ به وهو بمكة فى المكان المعروف بسوق الليل مشهور بمولد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١).

وكان عقيل بن أبى طالب قد استولى عليه زمن الهجرة ، وفيه وفى غيره أشارصلى‌الله‌عليه‌وسلم بقوله فى حجة الوداع وهل ترك لنا عقيل من ظل أو منزل ، ولم يزل بيد عقيل وولده حتى باعه بعضهم من محمد بن يوسف الثقفى أخى الحجاج ، فأدخله فى داره التى يقال لها البيضاء ، ولم يزل كذلك حتى حجت الخيزران أم الخليفتين موسى الهادى العباسى وأخيه هارون الرشيد ، فأخرجته وجعلته مسجدا يصلى فيه (٢).

وكون هذا المكان مولده صلى‌الله‌عليه‌وسلم مشهور متوارث يأثره الخلف عن السلف ، وجرت العادة بمكة فى ليلة الثانى عشر من ربيع الأول فى كل عام أن قاضى مكة الشافعى يتهيأ لزيارة هذا المحل الشريف بعد صلاة المغرب فى جمع عظيم منهم الثلاثة القضاة وأكثر الأعيان من الفقهاء والفضلاء ، وذوى البيوت بفوانيس كثيرة ، وشموع عظيمة وزحام عظيم ، ويدعى فيه للسلطان ولأمير مكة ، وللقاضى الشافعى بعد تقدم خطبة مناسبة للمقام ، ثم يعود منه إلى المسجد الحرام قبيل العشاء ويجلس خلف مقام الخليل عليه‌السلام بإزاء قبة الفراشين ، ويدعو الداعى لمن ذكر آنفا بحضور القضاة وأكثر الفقهاء ، ثم يصلون العشاء وينصرفون.

__________________

(١) شفاء الغرام ج ١ ص ٤٣١.

(٢) أخبار مكة للأزرقى ج ٢ ص ١٩٨ ، شفاء الغرام ج ١ ص ٤٣١.

٢٨٥

ولم أقف على أول من سن ذلك ، وسألت مؤرخى العصر فلم أجد عندهم علما بذلك.

ومن فضائل هذا المحل المبارك ما نقله الأزرقى عمن كان ساكنا به قبل أن تخرجه الخيزران أنه قال : والله لم يصبنا فيه منذ سكناه لا جائحة ولا حاجة حتى خرجنا منه فاشتد علينا الزمان (١). انتهى بمعناه.

وقد ذكر السهيلى أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولد بالشّعب ، وقيل بالدار التى عند الصفا التى كانت لمحمد بن يوسف أخى الحجاج ، ثم بنتها زبيدة مسجدا لما حجت (٢). انتهى. وهو غريب.

ونقل مغلطاى فى «سيرته» ما ذكره السهيلى ، ثم قال ويقال ولد بالردم ، ويقال بعسفان. انتهى بمعناه (٣). وهو أغرب.

والمراد بالردم : ردم بنى جمح لا الذى بأعلى مكة لأن ذلك لم يكن إلا فى زمن عمر ابن الخطاب رضى الله عنه. ويعرف الآن بالمدعى ونسبة الأول لبنى جمح هو أنهم قتلوا وردم عليهم التراب هنالك (٤). ولم أقف على تعيين محله بمكة ولا رأيت من ذكره ، والمعروف المشهور فى مولده صلى‌الله‌عليه‌وسلم هو الأول الذى بسوق الليل ، ولا اختلاف فيه عند أهل مكة.

ومنها : مولد السيدة فاطمة ابنة سيدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ورضى عنها ، وهو فى دار أمها خديجة رضى الله عنها بمكة فى الزقاق المعروف بزقاق الحجر. وسماها الطبرى دار خزيمة بمعجمتين (٥).

قال الأزرقى : وهذه الدار كان يسكنها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مع خديجة ، وفيها ابتنى بها ، وولدت جميع أولادها ، وتوفيت بها ، ولم يزل النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ساكنا بها حتى هاجر إلى المدينة ، فاستولى عليها عقيل بن أبى طالب ، ثم اشتراها منه معاوية وهو خليفة فجعلها

__________________

(١) أخبار مكة للأزرقى ج ٢ ص ١٩٩.

(٢) الروض الأنف ج ١ ص ١٨٤.

(٣) الإشارة إلى سيرة المصطفى ورقة ٤.

(٤) شفاء الغرام ج ١ ص ٤٣٢ ، الزهور المقتطفة ص ١٥٦.

(٥) القرى لقاصد أم القرى ص ٦٦٤.

٢٨٦

مسجدا وفتح فيه بابا من دار أبيه أبى سفيان التى قال فيها صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الفتح : من دخل دار أبى سفيان فهو آمن (١). انتهى.

وتسمى هذه الدار جميعها بمولد فاطمة ، وموضع مسقط رأسها معروف فيها ، قال الفاسى رحمه‌الله : ولا ريب فى كون فاطمة رضى الله عنها ولدت فى هذه الدار (٢). انتهى.

وغالب هذه الدار الآن على صفة المسجد وبها قبة يقال لها قبة الوحى وإلى جنبها موضع يزوره الناس يسمى المختبأ زعموا أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يختبئ فيه من الحجارة التى يرميه بها المشركون ولا أصل لذلك.

قال الأزرقى : سألت جدى ويوسف بن محمد بن إبراهيم وغيرهما من أهل العلم بمكة عن ذلك فأنكروه. انتهى. ودار خديجة هذه أفضل موضع بمكة بعد المسجد الحرام ، قاله المحب الطبرى (٣).

ومنها : مولد سيدنا على بن أبى طالب كرم الله وجهه ، وهو بالمحل المعروف بشعب على وهو مقابل لمولد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم من أعلاه مما يلى الجبل مشهور عند أهل مكة لا اختلاف فيه وعلى بابه حجر مكتوب عليه : هذا مولد أمير المؤمنين على بن أبى طالب ، وفى هذا المحل تربى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٤). وفى هذا المحل موضع كالتنور يقال إنه مسقط رأسه رضى الله عنه. ونقل الجد عن سعد الدين الإسفراينى أن فى جدار هذا المحل بالزاوية حجرا يقال إنه كان يكلم النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقيل : إن مولد سيدنا على رضى الله عنه فى جوف الكعبة. وضعفه النووى فى «تهذيب الأسماء واللغات».

ومنها : فيما قيل مولد سيدنا حمزة بن عبد المطلب عم النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو بأسفل مكة على طريق الذاهب إلى بركة الماجن بالنون وأهل مكة يقولون ماجد بالدال وهو خطأ. قال الفاسى رحمه‌الله : ولم أر شيئا يدل بصحة ذلك ، بل فى صحته نظر ، لأن هذا الموضع ليس محلا لبنى هاشم والله أعلم (٥). انتهى.

ومنها : غار لطيف فى أعلى الجبل المجاور لضريح الشيخ عبد الكبير بن يس

__________________

(١) أخبار مكة للأزرقى ج ٢ ص ١٩٩.

(٢) شفاء الغرام ج ١ ص ٤٣٤.

(٣) القرى لقاصد أم القرى ص ٦٦٤.

(٤) شفاء الغرام ج ١ ص ٤٣٤.

(٥) شفاء الغرام ج ١ ص ٤٣٥.

٢٨٧

الحضرمى المعروف عند أهل مكة بجبل النوبى أسفل مكة ويسمى ثبير الزنج ، كما سيأتى. يقال : إن سيدنا عمر بن الخطاب ولد به. قال الفاسى : ولا أعلم فى ذلك شيئا يستأنس فيه إلّا أنّ جدّى لأمّى (١) القاضى أبا الفضل النويرى كان يزور هذا الموضع فى جمع من أصحابه فى ليلة الرابع عشر من شهر ربيع الأول فى كل سنة فى الغالب ، والله أعلم بحقيقة ذلك (٢).

ومنها : موضع بالدار المعروفة بدار أبى سعيد وتعرف أيضا بدار الدقوقى ـ بقافين بينهما واو ـ بالقرب من دار العجلة ، يقال له مولد جعفر الصادق. ونقل الفاسى رحمه‌الله : أن على بابه حجرا مكتوبا عليه : هذا مولد جعفر الصادق ودخله النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم قال : ويقال له : جعفر بن أبى طالب رضى الله عنه ، والله أعلم بحقيقة ذلك (٣). انتهى.

ذكر الدور المباركة

ومنها : دار أبى بكر الصديق رضى الله عنه وهى بزقاق الحجر معروف عند أهل مكة ، وعلى بابها حجر مكتوب فيه : هذه دار صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى الغار ورفيقه فى الأسفار أبى بكر الصديق (٤).

وتسمى أيضا بدكان أبى بكر ، يقال : إنه كان يبيع فيه الخز ، وأسلم فيه جمع من الصحابة ، منهم : على وعثمان وطلحة والزبير. وفى جدار هذا المكان أثر مرفق النبىصلى‌الله‌عليه‌وسلم ولهذا يسمى بزقاق المرفق أيضا.

ويقابل هذه الدار جدار فيه حجر مبارك بارز عن الحائط قليلا يتبرك الناس بلمسه ، يقال : إنه كان يسلم على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم كلما اجتاز عليه. قال الفاسى رحمه‌الله : وهذا الحجر إن صح سلامه على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلعله المعنى بقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنى لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علىّ ليالى بعثت (٥).

__________________

(١) تحرف فى المطبوع إلى : «لاقى» وصوابه لدى الفاسى الذى ينقل عنه المصنف.

(٢) شفاء الغرام ج ١ ص ٤٣٥.

(٣) شفاء الغرام ج ١ ص ٤٣٦.

(٤) شفاء الغرام ج ١ ص ٤٣٨.

(٥) شفاء الغرام ج ١ ص ٤٣٩ ، والحديث أخرجه مسلم رقم ٢٢٧٧ فى كتاب الفضائل ، باب فضل نسب النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتسليم الحجر عليه قبل النبوة.

٢٨٨

وفى «الشفاء» قيل : إنه الحجر الأسود ، واستبعده المحب الطبرى.

ومنها : دار خديجة زوج النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهى التى يقال لها مولد فاطمة. وقد تقدم الكلام عليها آنفا وبيان محلها مستوفى ، وإنما ذكرتها هنا ليعلم أنها من جملة الدور المباركة ، وإنما غلب عليها اسم المولد واشتهرت به.

ومنها : دار الأرقم بن أبى الأرقم المخزومى المعروفة الآن بدار الخيزران المجاورة للصفا ، والمقصود بالزيارة المسجد الذى فيها ، لأن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان مستترا فيه فى مبدأ الإسلام ، وفيه أسلم عمر بن الخطاب وحمزة بن عبد المطلب وغيرهما. ومنه ظهر الإسلام ، وبه كان اجتماع الصحابة فله فضل كبير. وهذا المسجد بنته الخيزران جارية المهدى العباسى المتقدمة آنفا (١).

أقول : ولعله لهذا السبب نسبت الدار إليها والله أعلم. انتهى.

ومنها : دار العباس بن عبد المطلب رضى الله عنه التى هى الآن رباط للفقراء بالمسعى المعظم ، وفى جدارها أحد الميلين الأخضرين اللذين يسن الجرى بينهما حالة السعى (٢).

ومنها : الموضع المعروف برباط الموفق ، واشتهر فى هذا الزمان برباط المغاربة لسكناهم به ، وهو أسفل مكة عند سوق باب إبراهيم. قال الفاسى رحمه‌الله : وجدت بخط جد أبى الشريف أبى عبد الله الفاسى أنه سمع الشيخ أبا عبد الله بن مطرف نزيل مكة الولى المشهور يقول : ما وضعت يدى فى حلقة هذا الرباط إلا وقع فى نفسى كم ولى لله وضع يده فى هذه الحلقة. ثم قال : وبلغنى أن الشيخ خليلا المالكى كان يقول : إن الدعاء يستجاب فيه أو عند بابه وكان يكثر إتيانه للدعاء (٣). والله أعلم انتهى.

ومنها : الموضع الذى يقال له معبد الجنيد بلحف الجبل الذى يقال له الأحمر ، أحد أخشبى مكة. قال الفاسى رحمه‌الله : ويقال له الآن قعيقعان (٤) وجبل أبى الحارث (٥) أيضا. انتهى.

__________________

(١) شفاء الغرام ج ١ ص ٤٤٠.

(٢) شفاء الغرام ج ١ ص ٤٤٠.

(٣) شفاء الغرام ج ١ ص ٤٤٠ و ٤٤١.

(٤) تحرف فى المطبوع إلى : «قعبقان» وصوابه لدى الفاسى الذى ينقل عنه المصنف.

(٥) شفاء الغرام ج ١ ص ٤٤١.

٢٨٩

وهو الآن مشهور عند أهل مكة بجبل جزل. ونقل الجد أنه معبد إبراهيم بن أدهم على ما قيل ، والله أعلم.

ذكر مساجد

وهى كثيرة ، ذكرها من المتقدمين الأزرقى وغيره ، وتبعه من المتأخرين الطبرى والفاسى وغيرهما. منها ما هو موجود معروف إلى يومنا هذا. ومنها ما هو داثر لا يعرف بمكة وخارجها ذكرها الأزرقى ثم تبعه الطبرى والفاسى ولم يبينا أمرها فيتوهم أنها موجودة.

ومنها : ما ذكره الأزرقى والفاسى منفردا عن المساجد التى تقصد بالزيارة.

وقد رأيت أن أذكر أولا المساجد المعروفة إلى وقتنا هذا المستحب زيارتها ، ثم أعقبها بالداثرة ثم أنبه على ما ذكره منفردا ، ثم أذكر ما لم يذكره الأزرقى والفاسى فأقول :

أما المساجد المعروفة فمنها مسجد بأعلى مكة عند الردم وهو المدعى ، عرفه الطبرى بمسجد الراية (١) ، ويعرف بذلك إلى وقتنا هذا وبجانبه الآن منارة تعرف بمنارة أبى شامة ، يقال : إن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى فيه كما نقله الأزرقى ، وذكر أن عبد الله بن العباس بن محمد بن على بن عبد الله بن عباس بناه (٢).

ومنها : مسجد بقرب المجزرة الكبيرة عند المدعى على يمين الهابط إلى مكة ويسار الصاعد منها ويقال : إن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى فيه المغرب ، كما هو مكتوب بحجرين هنا.

ومنها : مسجد بسوق الليل بقرب مولد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقال له المختبأ يزوره الناس كثيرا فى شهر ربيع الأول كغيره من المحال التى تزار ، قال الفاسى : ولم أر من ذكره ولا عرفت شيئا من خبره (٣).

ونقل الشيخ العلامة سراج الدين عمر بن فهد رحمه‌الله أن هذا المحل معبد عثمان بن عفان ، وأن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يختبئ فيه من الكفار وعزاه إلى كتاب «الكوكب المنير» لنصر الله.

__________________

(١) القرى لقاصد أم القرى ص ٦٦٤.

(٢) الزهور المقتطفة ص ١٥٣.

(٣) شفاء الغرام ج ١ ص ٤١٩.

٢٩٠

ومنها : مسجد على جبل أبى قبيس يقال له مسجد إبراهيم ، وليس المراد به الخليلعليه‌السلام ، وإنما هو إبراهيم القبيسى ، إنسان كان يسأل عنده. ذكره الأزرقى (١).

ومنها : مسجد بأسفل مكة ينسب لأبى بكر الصديق رضى الله عنه : يقال : إنه من داره التى هاجر منها إلى المدينة (٢) ، ويعرف الآن بدار الهجرة وهو بالقرب من بركة الماجن.

هذه المساجد التى بمكة وأما التى فى خارجها فمنها : مسجد يقال له مسجد البيعة ومسجد الجن. قال الأزرقى : ويسميه أهل مكة مسجد الحرس ، لأن صاحب الحرس كان يطوف بمكة حتى إذا انتهى إليه وقف حتى يتوافى عنده حرسه وعرفاؤه ، فإنهم يأتونه من شعب ابن عامر ومن ثنية المدنيين ، فإذا توافوا رجع منحدرا إلى مكة ، وهو فيما يقال موضع الخط الذى خطه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لابن مسعود ليلة اجتمع عليه الجن وبايعوه صلى‌الله‌عليه‌وسلم كما يقال (٣) انتهى. وشهرته بمسجد الحرس مستمرة إلى وقتنا هذا.

ومنها : مسجد يعرف بمسجد الإجابة ، على يسار الذاهب إلى منى فى شعب بقرب ثنية أذاخر ، كذا عرفه الفاسى (٤) رحمه‌الله. وهو مشهور بذلك إلى وقتنا هذا ، يقال إن النبىصلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى فيه والله أعلم.

ذكر المساجد التى فى منى وجهتها

منها : مسجد يقال له مسجد البيعة وهى التى بايع فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الأنصار بحضرة عمه العباس حسبما ذكره أهل السير. وهو بقرب العقبة التى هى حد منى من جهة مكة فى شعب على يسار الصاعد إلى منى (٥).

ومنها بمنى مسجد يقال له مسجد النحر ، بين الجمرتين الأولى والوسطى على يمين الذاهب إلى عرفة ، يقال : إن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى فيه الضحى ونحر هديه عنده ، كذا وجد فى حجر مكتوب فيه ذلك (٦).

ومنها : مسجد يقال له مسجد الكبش على يسار الصاعد إلى عرفة بسفح ثبير ، وهو

__________________

(١) أخبار مكة للأزرقى ج ٢ ص ٢٠٢.

(٢) الزهور المقتطفة ص ١٥٣.

(٣) أخبار مكة للأزرقى ج ٢ ص ٢٠٠.

(٤) شفاء الغرام ج ١ ص ٤١٩.

(٥) الزهور المقتطفة ص ١٥٤.

(٦) الزهور المقتطفة ص ١٥٤.

٢٩١

مشهور. والمراد بالكبش هو الذى فدى به الذبيح إسماعيل أو إسحاق على الخلاف فى ذلك. ونقل الفاسى عن الفاكهى رحمهما‌الله تعالى ما يقتضى أن الكبش نحر فى غير هذا الموضع بين الجمرتين. ويؤيده ما أخرجه الطبرى عن ابن عباس أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم نحر فى منحر الخليلعليه‌السلام الذى نحر فيه الكبش المفدى (١) به. ثم بينه الطبرى فقال : وذلك فى سفح الجبل المقابل له ـ يعنى ثبيرا ـ وأراد بذلك الموضع الذى عند مسجد النحر المتقدم آنفا والله أعلم بالحقائق.

ومنها : مسجد عائشة رضى الله عنها وهو بسفح ثبير أيضا فوق مسجد الكبش المذكور. وهو غار لطيف عليه بناء دائر ويسمى معتكف عائشة وبيت أم المؤمنين.

ومنها : مسجد الخيف المشهور بمنى ، وهو مسجد عظيم الفضل وقد وردت فى فضله أحاديث وآثار فمن ذلك ما أخرجه الطبرانى فى «معجمه الأوسط» عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : مسجد الخيف والمسجد الحرام ، ومسجدى» وإسناده ضعيف كما نص عليه الحفاظ. وإنما ذكرته لغرابته ولجواز العمل به فى فضائل الأعمال كما ذكره النووى وغيره من علماء الحديث. وأخرج أيضا فى «معجمه الكبير» عن ابن عباس رضى الله عنهما عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال «صلى فى مسجد الخيف سبعون نبيا منهم موسى» وكذا أخرجه الأزرقى أيضا. وفى رواية عن مجاهد خمسة وسبعون نبيا ، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : فى مسجد الخيف قبر سبعين نبيا (٢).

وأما الآثار : فروى الشيخ العلامة مجد الدين صاحب «القاموس» فى كتابه «الوصل والمنى فى بيان فضل منى» بسند جيد عن أبى هريرة رضى الله عنه أنه كان يقول لو كنت من أهل مكة لأتيت مسجد منى كل سبت. وأخرج الأزرقى عن أبى هريرة بلفظ : لو كنت من أهل مكة لأتيت مسجد الخيف كل سبت. وفى آخر عنه أخرجه الجندى : لو كنت امرأ من أهل مكة ما أتى على سبت حتى آتى مسجد الخيف فأصلى فيه (٣).

وأما تعيين مصلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم من مسجد الخيف فأخرج الأزرقى بسنده إلى جده أن

__________________

(١) الزهور المقتطفة ص ١٥٤.

(٢) شفاء الغرام ج ١ ص ٤٢٣.

(٣) شفاء الغرام ج ١ ص ٤٢٤.

٢٩٢

الأحجار التى بين يدى المنارة هى موضع مصلاه صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١). والمراد بالمنارة هى الصغيرة التى فى وسط المسجد الملاصقة لجدار القبة الكبيرة لا المنارة التى على الباب ، والمحراب الذى فى القبة هو موضع مصلاه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لأنه فى موضع الأحجار التى ذكرها الأزرقى (٢). كذا نقله الجدرحمه‌الله.

ومنها : بلحف الجبل المشرف على مسجد الخيف المسمى بالضب ـ بمعجمة وموحدة ـ نقله الصغانى. وبالصفايح أيضا ـ بصاد مهملة آخره تحتية ومهملة ـ وقيل : الصابح ـ بمهملتين بينهما ألف وموحدة قاله الأزرقى ـ مسجد لطيف يمانى مسجد الخيف فيه غار به أثر يقال إنه أثر رأس الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

أخرج ابن جبير أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم جلس بهذا الغار مستظلا فيه فمس رأسه الكريم الحجر فلان حتى أثر فيه تأثيرا بقدر دورة الرأس ، فصار الناس يبادرون بوضع رءوسهم فى هذا الموضع تبركا واستجارة لرءوسهم بموضع مسه الرأس الكريم أن لا تمسها النار برحمة الله عزوجل(٣). انتهى.

ويعرف بغار المرسلات وهو مشهور به إلى هذا الوقت وفى «صحيح البخارى (٤)» فى باب ما يقتله المحرم من الدواب من رواية ابن مسعود أنه قال «بينما نحن مع النبىصلى‌الله‌عليه‌وسلم فى غار بمنى إذ نزلت عليه (وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً) وإنه ليتلوها وإنى لأتلقاها من فيه وإنّ فاه لرطب بها ، إذ وثبت علينا حية ، فقال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اقتلوها فابتدرناها فذهبت. فقال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : وقيت شرّكم كما وقيتم شرّها».

فائدة : من عجيب الاتفاق أن الشيخ مجد الدين الشيرازى صاحب «القاموس» دخل إلى الغار فى جماعة أصحابه وقرأوا سورة المرسلات ، فخرجت عليهم منه حية ، فابتدروها ليقتلولها فهربت (٥).

ومنها : مسجد عرفة الذى يصلى فيه الإمام ، وهو مشهور لا يحتاج إلى مزيد بيان ،

__________________

(١) أخبار مكة للأزرقى ج ١ ص ١٧٤.

(٢) رحلة ابن جبير ص ١٤١.

(٢) رحلة ابن جبير ص ١٤١.

(٣) ج ٤ ص ٢٩ فى الحج ، باب ما يقتل من الدواب.

(٤) شفاء الغرام ج ١ ص ٤٥٢.

٢٩٣

وعرفه الأزرقى بمسجد إبراهيم الخليل عليه‌السلام (١). وجزم به الرافعى والنووى ، وخالف ابن جماعة ، وقال ليس لذلك أصل ، وتبعه الإسنوى على ذلك ، قال الفاسى : وفيه نظر لمخالفتهما ما يقتضى كلام الأزرقى وهو عمدة فى هذا الشأن. انتهى (٢).

ومنها : مسجد التنعيم الذى اعتمرت منه عائشة أم المؤمنين بعد حجها عام حجة الوداع ، واختلف فيه ، فقيل هو المسجد الذى يقال له مسجد الهليلجة (٣) بشجرة كانت فيه. قال الفاسى : وهو المتعارف عند أهل مكة وفيه حجارة مكتوب فيها ما يؤيد ذلك ، وقيل هو المسجد الذى بقربه بئر وهو بين هذا المسجد وبين المسجد الذى يقال له مسجد [على] بطريق وادى مرّ. وفى هذا أيضا حجارة مكتوب فيها بما يشهد لذلك ، والخلاف قديم انتهى. ورجح الطبرى أنه الذى بقربه البئر (٤).

فائدتان :

الأولى : إنما سمى هذا المحل التنعيم لأن على يمينه جبلا يقال له نعيم وعن يساره جبلا يقال له ناعم ، والوادى الذى بينهما نعمان كذا قيل.

الثانية : نعمان واد آخر فوق عرفة بقليل مشتمل على أودية كثيرة لأعراب مكة وغيرهم. قال البغوى وغيره من المفسرين : إنه واد مقدس وفيه أخذ الله العهد.

ومنها : مسجد الجعرانة ، وهو الذى أحرم منه النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعمرة مرجعه من الطائف بعد فتح مكة ، وموضع إحرامه من وراء الوادى حيث الحجارة المنصوبة بالعدوة القصوى. أخرجه الأزرقى عن مجاهد رضى الله عنه. وكذا ذكره الواقدى أيضا. واختلف فى إحرامهصلى‌الله‌عليه‌وسلم متى كان ، والراجح أنه ليلة الأربعاء لاثنتى عشرة ليلة بقيت من ذى القعدة عام الفتح. والجعرانة بكسر الجيم وإسكان العين وتخفيف الراء وفتحها. وقيل بكسر الجيم والعين وفتح الراء المشددة لغتان حكاهما النووى فى «تهذيب الأسماء واللغات» (٥).

__________________

(١) أخبار مكة للأزرقى ج ٢ ص ٢٠٢.

(٢) شفاء الغرام ج ١ ص ٤٨٦ وما بعدها.

(٣) تحرف فى المطبوع إلى : «الهليجة» وصوابه لدى الفاسى الذى ينقل عنه المصنف.

(٤) شفاء الغرام ج ١ ص ٤٢٩ وما بين حاصرتين منه.

(٥) ق ٢ ج ١ ص ٥٨ ولديه : «بكسر الجيم وإسكان العين وتخفيف الراء هكذا صوابها عند إمامنا الشافعى والأصمعى ، وأهل اللغة ومحققى المحدّثين وغيرهم ، ومنهم من يكسر العين ويشدد الراء وهو قول أكثر المحدّثين ، قال صاحب مطالع الأنوار : أصحاب الحديث يشددونها ، وأهل الإتقان والأدب يخطئونهم ويخففون وكلاهما صواب».

٢٩٤

فوائد :

الأولى : أخرج الجندى فى «فضائل مكة» بسنده إلى يوسف بن ماهك أنه قال : اعتمر من الجعرانة ثلاثمائة نبى وكذا ذكره الفاكهى (١) أيضا.

الثانية : فى جهة الجعرانة ماء شديدة العذوبة يقال : إن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فحص موضع الماء بيده المباركة ، وقيل : إنه غرز فيه رمحه الميمون فنبع الماء من ذلك المحل فشرب منه النبىصلى‌الله‌عليه‌وسلم وسقى الناس أخرجه الفاكهى (٢).

الثالثة : إنما سميت الجعرانة باسم امرأة من قريش يقال لها رابطة ـ براء وطاء مهملتين بينهما مثناة تحتية ـ بنت كعب ولقبها جعرانة ، وهى أم أسد بن عبد العزى. وعن ابن عباس رضى الله عنه إنما هى التى نزل فيها قوله تعالى : (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ)(٣) الآية (سورة النحل : ٩٢).

ومنها : مسجد يقال له مسجد الفتح بالقرب من الجموم من وادى مرّ ، وهو مشهور بهذا الاسم إلى هذا الزمان ، يقال : إن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى فيه والله أعلم (٤).

فهذه المساجد كلها معروفة الآن تتعاهد بالزيارة بعضها فى أوقات مخصوصة وبعضها مطلقا.

وأما المساجد التى ذكرها الأزرقى ولم تعرف ولم تعرف الآن فخمسة مساجد :

الأول : مسجد بأعلى مكة بين شعب ابن عامر المعروف الآن بشعب عامر ـ بدون لفظ ابن ـ وحرف دار رابغة فى أصله (٥) كذا عرفه الأزرقى ، ثم قال : إن عنده قرن مسقلة رجل (٦) كان يسكن ثم فى الجاهلية ، وأن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بايع الناس عنده يوم الفتح (٧) وهذا

__________________

(١) أخبار مكة للفاكهى ج ٥ ص ٦٢.

(٢) أخبار مكة للفاكهى ج ٥ ص ٦٩.

(٣) الذى لدى الفاسى : «نزلت فى امرأة من قريش من بنى تيم بن مرّة يقال لها : ريطة بنت كعب ، ولقبها جعرانة ، وهى أم أسد بن عبد العزى.

(٤) شفاء الغرام ج ١ ص ٤٣٠.

(٥) تحرف فى المطبوع إلى : «دار زائغة فى أصل» وهو تحريف قبيح صوابه لدى الأزرقى الذي ينقل عنه المصنف.

(٦) تحرف فى المطبوع إلى : «عنده قرة مستقلة لرجل كان ...» وصوابه لدى الأزرقى الذي ينقل عنه المصنف.

(٧) أخبار مكة للأزرقى ج ٢ ص ٢٧٠ ـ ٢٧١.

٢٩٥

المسجد لا يعرف الآن ولا يمكن حمله على مسجد البيعة المعروف بمسجد الحرس المتقدم. لأن الأزرقى قد ذكره أيضا مع ذكره لهذا المسجد.

الثانى : مسجد بأجياد ، يقال : إن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم اتكأ هناك فى موضع منه. قال الأزرقى: إن أهل العلم ينكرون ذلك ، وإنما يثبتون أنه صلى بأجياد الصغير (١) ، ولا يوقف على موضع مصلاه أيضا تحقيقا بل حدسا بغير أصل.

الثالث : مسجد بأعلى مكة يقابل مسجد الحرس يقال له مسجد الشجرة ، قيل : إن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان بمسجد الحرس فدعا شجرة كانت فى هذا المسجد فأقبلت إليه فسألها عن شىء ثم أمرها بالرجوع فرجعت إلى موضعها (٢). وقد دثر.

الرابع : مسجد بذى طوى فى علو مكة بين الثنيتين اللتين يدخل منهما الحاج ، يقال: إن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم نزل هناك حين اعتمر وحين حج تحت سمرة كانت ثمّ. ذكره الأزرقى وأفاد أن زبيدة بنته (٣).

الخامس : مسجد السرر ، قال الأزرقى : وهو الذى يسميه أهل مكة مسجد عبد الصمد بن على لكونه بناء (٤).

وسيأتى ذكر وادى السرر ، وهو بمنى فى شرقها ذكره صاحب «القاموس» كما ستقف عليه قريبا إن شاء الله تعالى ، غير أن تعيين محله يقينا لا يوقف عليه الآن بل جهته.

السادس : مسجد بعرفة عن يمين الموقف يقال له مسجد إبراهيم ، وليس بمسجد عرفة الذى يصلى فيه الإمام. كذا عرفه الأزرقى (٥). ولم يبين ما المراد بإبراهيم الذى ينسب إليه. فهذه المساجد المذكورة لم تعرف الآن.

وأما ما ذكر من المساجد منفردا ، ولم يتعرض لاستحباب زيارتها ، فمسجدان :

الأول : مسجد عرفة المعروف الآن بمسجد نمرة الذى يصلى فيه الإمام. ذكره الأزرقى وأفرده عن المساجد التى يستحب زيارتها. ولم يصب ، بل هو أولى أن يعد من جملتها لأن

__________________

(١) أخبار مكة للأزرقى ج ٢ ص ٢٠٢.

(٢) أخبار مكة للأزرقى ج ٢ ص ٢٠١.

(٣) أخبار مكة للأزرقى ج ٢ ص ٢٠٣.

(٤) أخبار مكة للأزرقى ج ٢ ص ٢٠٢.

(٥) أخبار مكة للأزرقى ج ٢ ص ٢٠٢.

٢٩٦

العلة فى ذلك إنما هو التبرك ، وهذا المسجد من البقاع العظيمة التى لا يشك فيها ، وكم صلى فيه من حجاج الصحابة ، والتابعين والعلماء والأولياء والسادات ، لأن كون هذا المحل مصلى الإمام مما يؤثره الخلف عن السلف ، وإذا كان كذلك فيبعد أن يتركه الأخيار ويصلون فى غيره ، فكان عده من جملة المساجد المستحب زيارتها أولى ، ولهذا ذكرته وعددته من جملتها.

الثانى : مسجد فوق العمرة المعروفة بالتنعيم إلى جهة وادى مرّ على يمين الذاهب إليه ، ويعرف بمسجد علىّ. ذكره الفاسى ضمنا عند ذكره لمسجد التنعيم (١). وقد مر كلامه ، ولم يبين أمره ولا تعرض لعلى الذى نسب إليه هذا المسجد. ولم أقف على شىء من خبره.

وأما ما لم يذكر من المساجد ، فمسجد واحد بمكة أمام الصاعد من باب العمرة على يسار الذاهب إلى جهة سوق باب إبراهيم ، فيه محراب لطيف جدا ، يقال : إن النبىصلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى فيه. هذا ما وقفت عليه ، والله أعلم.

ذكر الجبال المباركة بمكة وحرمها

منها : الجبل المعروف بأبى قبيس أحد أخشبى مكة المشرف على الصفا ، وهو مشهور لا يحتاج إلى بيان ، ويروى عن وهب بن منبه رضى الله عنه أن قبر آدم صلوات الله عليه فى غار فى جبل أبى قبيس يقال له غار الكنز ـ بالنون والزاء العجمة ـ وأن نوحا عليه‌السلام لما جاء الطوفان استخرجه من الغار وجعله فى تابوت وحمله فى السفينة ، فلما غيض الماء أعاده إلى الغار (٢). والله أعلم بذلك.

وهذا الغار لا يعرف الآن ، وقيل : إن قبره بمسجد الخيف بعد أن صلى عليه جبريل عند باب الكعبة. وقيل ببيت المقدس. وقيل ببلاد الهند. وصححه الحافظ ابن كثير فى «تفسيره» ونقل عن الذهبى أن قبر حواء وشيث فى جبل أبى قبيس (٣). والله أعلم بالحقائق.

ومن فضائله أنه كان يدعى الأمين فى الجاهلية. لأن الحجر الأسود استودع فيه عام

__________________

(١) شفاء الغرام ج ١ ص ٤٢٩.

(٢) شفاء الغرام ج ١ ص ٤٤١.

(٣) شفاء الغرام ج ١ ص ٤٤١ ـ ٤٤٢.

٢٩٧

الطوفان ، فلما بنى الخليل الكعبة ناداه الجبل : الركن منّى بمكان كذا وكذا. فجاء به جبريل فوضعه موضعه (١).

ومنها : أنه أول جبل وضع على وجه الأرض حين مادت ، روى ذلك عن ابن عباس ومجاهد (٢).

ومنها : أن الدعاء يستجاب فيه كما ذكره الفاكهى. واستشهد لذلك بحكاية الوفد الذين استسقوا فيه ، فأجيب لهم وسقوا (٣).

ومنها : انشقاق القمر عليه كما ذكره القطب الحلبى وغيره. ونقل عن بعض العلماء أنه أفضل جبال مكة حتى حراء ، وعلل بكونه أقرب الجبال إلى الكعبة الشريفة. قال الفاسىرحمه‌الله : وفى النفس شىء من تفضيله على حراء لكونه صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يكثر إتيانه للعبادة ، ويقيم به لأجلها شهرا فى كل عام ، وفيه أكرم بالرسالة ، ولم يتفق له صلى‌الله‌عليه‌وسلم مثل ذلك فى جبل سواه ، وذلك مما يقتضى امتيازه بالفضل. والموجب لتفضيل دار خديجة رضى الله عنها على غيرها من دور الصحابة طول سكناه عليه‌السلام بها ، ونزول الوحى عليه فيها لا لأجل القرب من الكعبة ، إذ كثير من البيوت أقرب إليها منه كدار العباس بالمسعى ، ودار الأرقم بالصفا والله أعلم. انتهى (٤).

ثم فى تسميته بأبى قبيس أقوال ، أرجحها أنه سمى باسم رجل من إياد يقال له أبو قبيس بنى فيه.

فائدة : نقل القزوينى فى كتابه «عجائب المخلوقات» من خواص جبل أبى قبيس أن من أكل فيه الرأس المشوى يأمن أوجاع الرأس وكثير من الناس يفعله ، والله أعلم يحقيقة ذلك(٥).

ومنها : جبل الخندمة ، وهو جبل شامخ مشهور معروف فى ظهر أبى قبيس ، ومن

__________________

(١) شفاء الغرام ج ١ ص ٤٤٥.

(٢) شفاء الغرام ج ١ ص ٤٤٦.

(٣) أورده الفاسى نقلا عن الفاكهى : شفاء الغرام ج ١ ص ٤٤٥.

(٤) شفاء الغرام ج ١ ص ٤٤٢ و ٤٤٦.

(٥) عجائب المخلوقات ص ١٢٦.

٢٩٨

فضائله ما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما ، أنه ما مطرت مكة قط إلا كان للخندمة عزة ، وذلك أن فيه قبر سبعين نبيا أخرجه الفاكهى (١). والله أعلم بصحته.

وفيه يقول القائل فى يوم الفتح :

إنّك لو شهدت يوم الخندمه

إذ فرّ صفوان وفرّ عكرمه

الأبيات المشهورة (٢) :

ومنها : جبل حراء وهو ممدود ، فمن ذكّره صرفه ، ومن أنّثه منعه من الصرف ، ويسمى جبل النور ـ بالنون ـ وكأن ذلك لكثرة مجاورة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتعبده فيه وما خصه الله به فيه من الإكرام بالرسالة ونزول الوحى عليه فى الغار الذى بأعلاه كما فى «صحيح البخارى» حتى فجأه الحق ، وهو فى غار حراء. وهو معروف مشهور يأثره الخلف عن السلف ويقصده الناس بالزيارة (٣).

ذكر الأزرقى أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم اختبأ فيه من المشركين (٤). وكذا ذكره الفاكهى ، قال أيضا : والمعروف أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يختبئ من المشركين إلا فى غار ثور. لكن يتأيد ما ذكر بما قاله القاضى عياض والسهيلى فى روضه : أن قريشا حين طلبوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان على ظهر ثبير. فقال له : اهبط عنى يا رسول الله ، فإنى أخاف أن تقتل وأنت على ظهرى ، فيعذبنى الله تعالى. فناداه حراء : إلىّ رسول الله.

وجمع القاضى تقى الدين رحمه‌الله ، فقال : إن صح اختفاؤه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بحراء ، فهو غير اختفائه بثور (٥) ، والله أعلم.

فيكون فى حراء أولا ، وفى ثور حين الهجرة. وذكر بعض العلماء أن السّرّ فى كونهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لازم التعبد فيه دون غيره من الجبال من حيث أن فيه فضلا زائدا منه أن يكون فيه منزويا مجموعا لتعبده ، وهو يشاهد بيت ربه ، والنظر إلى البيت عبادة ، فحصل له اجتماع

__________________

(١) أخبار مكة للفاكهى ج ٤ ص ١٣٤.

(٢) انظر فى هذه الأبيات : أخبار مكة للفاكهى ج ٤ ص ١٣٦.

(٣) شفاء الغرام ج ١ ص ٤٤٧.

(٤) أخبار مكة للأزرقى ج ٢ ص ٢٨٨.

(٥) شفاء الغرام ج ١ ص ٤٨٨.

٢٩٩

ثلاث عبادات : الخلوة ، والتعبد ، والنظر. ومجموع ذلك أولى من الاقتصار على البعض. وغيره من الأماكن ليس فيه ذلك المعنى ، وأيضا أن هذا الجبل كان يختلى فيه أجدادهصلى‌الله‌عليه‌وسلم.

أقول : وفيما ذكر نظر ، لأن غيره من الجبال يتأتى فيه ما ذكر من اجتماع العبادات الثلاث كأبى قبيس مثلا ويزيد بقربه من البيت فكان أولى أن يتعبد فيه. وإن كان المراد البعد من الناس لخلو البال فى التعبد ، فالجبال البعيدة كثيرة ، اللهم إلا أن يقال إن الغار الذى بحراء مستقبل الكعبة من غير انحراف ، وليس غيره كذلك فله وجه ، والأحسن أن يقال : إن جبل حراء متعبد أجداده فاقتدى بهم فى ذلك ، والله الموفق.

ومنها : جبل ثور ـ بالثاء المثلثة ـ بأسفل مكة ، وسماه البكرى أبا ثور والمشهور الأول ، وبعده عن مكة ميلان. وقيل ثلاثة ، وارتفاعه نحو ميل. وكان اسمه أطحل ـ بالطاء والحاء المهملتين ـ وإنما سمى ثورا لنزول ثور بن عبد مناف فيه ، وقد صح أن النبىصلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبا بكر اختفيا فى غاره المشهور الذى ذكره الله تعالى بقوله : (ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ) الآية (سورة التوبة : ٤٠).

وروى أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما دخل الغار أمر الله العنكبوت فنسجت على بابه وشجرة فنبتت والحمامتين فعششتا على بابه ، ويقال إن هذا الحمام الذى بمكة من نسلهما.

ومن فضائل هذا الجبل ما يروى أنه كلم النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقال له : إلىّ يا رسول الله ، فإنى قد آويت قبلك سبعين نبيا.

وللغار الذى فيه بابان واسع وضيق ، وكثير من الناس يتجنب دخوله من الباب الضيق لما يقال إن من لم يدخل منه وتعوق فليس لأبيه ، وهو باطل لا أصل له.

وقد وسع الباب الضيق فى حدود عام ثمانمائة لأن بعض الناس أراد الدخول منه فانحبس ، فنحت منه حتى اتسع وتخلص.

وكان مكثه صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى الغار المذكور ثلاثا كما فى «صحيح البخارى» وهو الراجح ، وقيل بضعة عشر يوما ، ووفق الجد رحمه‌الله بينهما فقال : ويحتمل أن يكون كلا القولين صحيحا ، ووجه الجمع أنهما مكثا فى الغار ثلاثا ، ويكون معنى الحديث مكثت مع صاحبى مختفيين من المشركين فى الغار وفى الطريق بضعة عشر يوما ، انتهى.

٣٠٠