الجامع اللطيف

ابن ظهيرة

الجامع اللطيف

المؤلف:

ابن ظهيرة


المحقق: الدكتور علي عمر
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ١
ISBN: 977-341-085-4
الصفحات: ٣٤٦

إقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بها عشر سنين ، ولعل هذا الخطاب كان فى آخرها وينقضى سن الكهولة ببلوغ أربعين سنة ويدخل بالأربعين سن الشيخوخة ، والله أعلم قاله النووى فى فتاويه.

وقوله : فكل أهل الجنة يكونون فى سن أبناء ثلاث وثلاثين يؤيده ما نقله الشيخ جلال الدين السيوطى رحمه‌الله فى «البدور السافرة» فقال : أخرج الطبرانى عن المقداد بن الأسود سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : يحشر الناس ما بين السقط والشيخ الفانى أبناء ثلاث وثلاثين فى خلق آدم وحسن يوسف وقلب أيوب مكحلين ذوى أفانين.

قال القرطبى رحمه‌الله : يكون الآدميات فى الجنة على سن واحد ، وأما الحور فأصناف مصنقة صغار وكبار ، وعلى ما اشتهت أنفس أهل الجنة.

وأخرج ابن أبى الدنيا عن ابن عباس قال أهل الجنة جرد مرد مكحلون ليس لهم لحى الا ما كان من موسى بن عمران عليه‌السلام فإن لحيته تضرب إلى صدره وأخرج هنا.

وعن أبى الدرداء أنه كان يأخذ لحيته ويقول : نزع الله اللحى متى الراحة منها ، قيل له متى الراحة منها؟ قال : إذا أدخلنا الجنة.

وأخرج أبو الشيخ فى «العظمة» وابن عساكر عن جابر أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : ليس أحد يدخل الجنة إلا جرد مرد إلا موسى بن عمران عليه‌السلام ، فإن لحيته تبلغ سرته ، وليس أحد يكنى فى الجنة إلا آدم ، فإنه يكنى أبا محمد.

وأخرج عن كعب رضى الله عنه قال : ليس أحد فى الجنة له لحية إلا آدم عليه‌السلام له لحية سوداء إلى سرته ، وذلك لأنه لم يكن له لحية فى الدنيا ، وإنما كانت اللحى بعد آدم ، وليس أحد يكنى فى الجنة غير آدم يكنى فيها أبا محمد.

أقول : من المعلوم المقرر عند النحاة والأصوليين أن الاستثناء من النفى إثبات ، وهو مفيد للحصر ، فإذا كان كذلك ، فبين الخبرين المذكورين الدالين على اختصاص اللحية فى الجنة بآدم وموسى عليهما‌السلام تعارض ظاهر من غير ترجيح ، لأنه حيث ثبت الحصر فى حق آدم انتفى عن موسى أو فى حق موسى انتفى عن آدم ، وإذا تعارض الخبران ولم يكن مرجح تساقطا. غير أنه يمكن الجمع بما ذكره من الصنف من كون لحية آدم سوداء ،

٢٤١

فيجوز أن يكون لموسى لحية غير سوداء بأن تكون بيضاء أو شمطاء أو غير ذلك ، لأن أحوال الآخرة لا تكيف ولا تقاس على أحوال الدنيا ، ثم ما ذكر من العلة فى حق آدم عليه‌السلام من كونه لم يكن له لحية فى الدنيا لما أن اللحى لم تظهر إلا بعده لا يصدق ذلك على موسىعليه‌السلام ، إذ فى زمنه كانت اللحى قد ظهرت ، ويشهد لذلك قوله تعالى حكاية عن أخيه هارون معه : (قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي) (سورة طه : ٩٤) فهذا صريح فى وجود اللحى زمن موسى فيحتمل أن يكون ذلك كرامة لسيدنا موسى اختصه الله بها أو غير ذلك مما الله أعلم به ، فتأمل والله الموفق.

الرابع : إن قيل الحرمة الثابتة لماء زمزم هل هى لعينه أم لأجل البقعة؟ فالجواب أنها لعينه وإلا يلزم أنه لو حفرت بئر أخرى فى المسجد أن يثبت لها من الفضل ما ثبت لزمزم ولا قائل به ، كذا فى «منسك الجد» رحمه‌الله.

الخامس : يستحب عندنا لكل من طاف طوافا بعده سعى أن يأتى زمزم بعد فراغه من ركعتى طوافه ويشرب منها ثم يعود إلى الحجر ويقبله ويخرج إلى الصفا ، وكذلك يستحب للحاج إذا فرغ من طواف الصدر وهو طواف الوداع أن يأتى إلى زمزم فيشرب منها ، ويستعمل آداب الشرب المتقدمة ويصب منه على وجهه ويغتسل منه إن أمكن.

ولنختم هذا الباب بذكر أبيات الشيخ العلامة بدر الدين أحمد بن محمد المصرى فى مدح ماء زمزم وهى :

شفيت يا زمزم داء السقيم

فأنت أصفى من تعاطى النديم

وكم رضيع لك أشواقه

إليك بعد الشيب مثل الفطيم

وله أيضا :

يا زمزم (١) الطيبة المخبر

يا من علت غورا على المشترى

__________________

(١) فى المطبوع : «يا ماء زمزم» وهو غير صحيح عروضيا.

٢٤٢

رضيع أخلاقك لا يشتهى

فطامه إلا لدى الكوثر

وله أيضا :

بالله قولوا لنيل مصر

بأننى عنه فى غناء

بزمزم العذب عند بيت

مخلق الستر بالوفاء

وله أيضا :

لزمزم نفع فى المزاج وقوة

تزيد على ماء الشباب لذى فتك

وزمزم فاقت كل ماء بطيبها

ولو أن ماء النيل يجرى على المسك

وليكن المسك ختام الباب ، وإلى المرجع والمآب.

٢٤٣
٢٤٤

الباب العاشر

فى ذكر أمراء مكة

من لدن عهد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى تاريخ وقتنا هذا

وهو عام تسعة وأربعين وتسعمائة

وهذا المؤلف وإن كنت وضعته لبيان فضل مكة فقد يذكر الشىء بالشىء تكثيرا للفائدة ، وهذا الفرع لم يتصد لجمعه أحد كما ينبغى سوى العلامة تقى الدين الفاسى رحمه‌الله ، فأحببت أن أذكر ما ذكره وأزيد من حدث بعده من أمراء مكة إلى يومنا هذا ليصير هذا المؤلف جامعا مغنيا عن مطالعة غيره من المطولات ، مع توسط العبارة وعدم الإخلال بأحد ممن عده الفاسى مع زيادة الإيضاح ، والله ولى التوفيق والمعونة.

فأول أمير ولى مكة عتّاب بن أسيد ـ بفتح الهمزة ـ ابن أبى العيص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصى بن كلاب القرشى الأموى ، ولاه سيدنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم عند مخرجه إلى عزورة حنين فى العشر الأول من شوال سنة ثمان من الهجرة ، وهو ابن إحدى وعشرين سنة ، قاله ابن إسحاق (١) وغيره ممن لا يحصى ، وهو فى عامة كتب الحديث بل وغيرها.

وذكر ابن عقبة أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين خرج إلى حنين استخلف معاذ بن جبل الأنصارى على أهل مكة وأمره أن يعلم الناس القرآن ، ويفقههم فى الدين (٢).

وذكر ابن عبد البر عن الطبرى أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما سار إلى الطائف استخلف على مكة هبيرة بن سبل (٣) الثقفى ، وهو أول من صلّى بمكة جماعة بعد الفتح (٤).

__________________

(١) سيرة ابن هشام ج ٤ ص ٤٤٠.

(٢) شفاء الغرام ج ٢ ص ٢٥١.

(٣) فى الإصابة بفتح المهملة والموحدة بعدها لام ، ضبطه الخطيب عن خط ابن الفرات ، وأما الدارقطنى فذكره بكسر المعجمة وسكون الموحدة.

(٤) الاستيعاب ص ١٥٤٨.

٢٤٥

وقد جمع الفاسى رحمه‌الله بين هذه الأخبار بأن عتّابا جعل أميرا على مكة ومعاذا إماما وفقيها ، واشترك هبيرة مع معاذ فى الإمامة (١).

ولا يعارض ذلك ما قيل فى ترجمة هبيرة من أنه أول من صلى بمكة جماعة كما تقدم ، لإمكان أن يكون حان وقت الصلاة وهبيرة حاضر فى الناس ومعاذ غائب فبادر هبيرة فصلى بالناس لتحصيل فضيلة أول الوقت ، ثم حضر معاذ وصلى بمن لم يكن يدرك الصلاة خلف هبيرة وهذا أولى من جعل الأخبار متعارضة فى ولاية عتاب.

هذا معنى كلام الفاسى ، وقد أجاد لأن ولاية عتاب مما بلغ حد التواتر ، ولم يزل عتاب أميرا على مكة إلى أن مات. وكانت وفاته يوم مات أبو بكر رضى الله عنه ، وقيل بل يوم جاء نعى الصديق إلى مكة (٢).

ونقل ابن عبد البر ما يقتضى أن الصديق عزل عتّابا ، وولى الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصى بن كلاب القرشىّ الهاشمى ، وهو ضعيف (٣). والمشهور دوام ولاية عتاب على مكة إلى أن مات فى التاريخ المتقدم آنفا ، ثم ولى مكة فى خلافة الصديق نيابة عن عتاب لسفر طرأ له المحرز بن حارثة بن ربيعة بن عبد العزّى بن عبد شمس بن عبد مناف القرشى (٤).

ذكر من ولى مكة فى خلافة عمر بن الخطاب

رضى الله عنه

وليها له جماعة أولهم المحرز بن حارثة المذكور وذلك فى أول خلافته ثم وليها قنفذ ابن عمر بن جدعان التيمى بعد عزل المحرز ، ثم وليها نافع بن عبد الحارث الخزاعى بعد عزل قنفذ ، ووليها بعد عزل نافع خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة المخزومى ، وطارق بن المرتفع بن الحارث بن عبد مناف ، وعبد الرحمن بن أبزى مولى خزاعة نيابة عن مولاه نافع بن عبد الحارث لما خرج لملاقاة عمر رضى الله عنه بعسفان ، وأنكر عمر ذلك على نافع كما

__________________

(١) شفاء الغرام ج ٢ ص ٢٥١.

(٢) شفاء الغرام ج ٢ ص ٢٥٣.

(٣) الاستيعاب ص ٢٩١.

(٤) الاستيعاب ص ١٤٦١ ، شفاء الغرام ج ٢ ص ٢٥٤.

٢٤٦

قد علمته فيما سبق فى الباب الثامن ، والحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب القريشى الهاشمى (١). ونقل الذهبى أن الحارث هذا ولى مكة لأبى بكر (٢) وهو ضعيف.

ذكر من ولى مكة فى خلافة عثمان رضى الله عنه

وليها جماعة ، أولهم : على بن عدىّ بن ربيعة بن عبد العزّى بن عبد شمس بن عبد مناف القرشى ، ولاه عليها أول خلافته ، ثم خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة المخزومى المتقدم ، وكذلك ولى عثمان الحارث بن نوفل السابق آنفا ، وعبد الله بن خالد بن أسيد بن أبى العيص بن أمية بن عبد شمس القرشى ابن أخى عتاب بن أسيد ، وعبد الله بن عامر الحضرمى (٣).

وذكر ابن الأثير (٤) أنه كان على مكة فى سنة خمس وثلاثين وفيها قتل عثمان. ثم نافع ابن عبد الحارث الخزاعى السابق ذكره.

ذكر من ولى مكة فى خلافة أمير المؤمنين

على بن أبى طالب كرم الله وجهه

وليها جماعة أولهم أبو قتادة الأنصارى فارس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم واسمه الحارث بن ربعىّ ، وقيل النعمان بن ربعى ، وقيل غير ذلك (٥).

ثم قثم ـ بضم القاف وفتح المثلثة ـ ابن عباس بن عبد المطلب بن هاشم القرشى الهاشمى ابن عم النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد عزل أبى قتادة الأنصارى ، ولم يزل واليا عليها إلى أن قتل على رضى الله عنه على الأشهر ، ثم أخوه معبد بن العباس بن عبد المطلب على ما قيل ، وقيل : إن المحرز بن حارثة ولى مكة لعلى قال الفاسى : وهو تصحيف (٦).

__________________

(١) شفاء الغرام ج ٢ ص ٢٥٥.

(٢) تاريخ الإسلام : عهد الخلفاء الراشدين ص ٤٦٣.

(٣) شفاء الغرام ج ٢ ص ٢٥٦ ـ ٢٥٧.

(٤) الكامل فى التاريخ ج ٣ ص ٢٠٧.

(٥) شفاء الغرام ج ٢ ص ٢٥٧.

(٦) شفاء الغرام ج ٢ ص ٢٥٧ ـ ٢٥٨.

٢٤٧

ذكر ولاة مكة فى خلافة معاوية بن أبى سفيان (١)

وهم جماعة لا نعرف أولهم منهم أخوه عتبة بن أبى سفيان ، وخالد بن العاص بن هشام المخزومى المتقدم ، ومروان بن الحكم بن أبى العاص بن أمية بن عبد شمس القرشى الأموى أبو عبد الملك ، وسعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس القرشى الأموى يكنى أبا عثمان ، وقيل أبا عبد الرحمن أحد أشراف مكة وأجوادها وفصحائها ، وعمرو بن سعيد بن العاص القرشى الأشدق ، وكذا سعيد المتقدم ، وعبد الله ابن خالد بن أسيد بن أبى العيص القرشى ابن أخى عتاب السابق ، وكانت ولايته سنة أربع وأربعين وفيها حج معاوية حجته الأولى.

ذكر ولاة مكة فى خلافة يزيد بن معاوية (٢)

وهم جماعة : عمرو بن سعيد بن العاص المعروف بالأشدق السابق فى ولاية معاوية ، والوليد بن عتبة بن أبى سفيان بن حرب القرشى ابن عم يزيد ، وعثمان بن محمد بن أبى سفيان بن حرب القرشى ابن عم يزيد أيضا الأمويون ، والحارث بن خالد بن العاص بن هشام المخزومى المتقدم ذكر والده خالد ، وعبد الرحمن بن زيد بن الخطاب بن نفيل العدوى القرشى ابن أخى عمر بن الخطاب رضى الله عنه ، ويحيى بن حكيم بن عمرو بن صفوان ابن أمية بن خلف الجمحى. وفى ترتيب ولايتهم اختلاف إلا عمرو بن سعيد فإنه أولهم ثم الوليد بعده.

خلافة عبد الله بن الزبير رضى الله عنهما (٣)

ثم ولى مكة عبد الله بن الزبير بعد أن لقى فى ذلك بلاء شديدا من الحصين بن نمير المقدم على عسكر يزيد ، وكان وصول الحصين إلى مكة لمحاربة ابن الزبير لما بايعه أهل الحجاز لأربع بقين من المحرم سنة أربع وستين ، وتقاتل هو وابن الزبير مدة.

__________________

(١) انظر فى ولاة مكة فى خلافة معاوية : شفاء الغرام ج ٢ ص ٢٥٩ وما بعدها.

(٢) انظر فى ولاة مكة فى خلافة يزيد : شفاء الغرام ج ٢ ص ٢٦١ وما بعدها.

(٣) انظر فى ذلك : شفاء الغرام ج ٢ ص ٢٦٣.

٢٤٨

ثم فرج الله على ابن الزبير وصول نعى يزيد فى ليلة الثلاثاء لثلاث مضين من شهر ربيع الآخر سنة أربع وستين فولى الحصين راجعا إلى الشام ، وبويع ابن الزبير حينئذ بالخلافة بالحرمين ، ثم بويع بها فى العراق واليمن وغيرهما من البلاد ، وساد أمره ودامت ولايته على مكة إلى أن حاربه الحجاج وقتله وكان من أمره ما ليس هذا محل ذكره.

ذكر ولاة مكة فى خلافة عبد الملك بن مروان

وليها له ج ماعة ، وهم ابنه مسلمة ، والحجاج بن يوسف ، والحارث بن خالد المخزومى السابق ذكره ، وخالد بن عبد الله القسرىّ ، وعبد الله بن سفيان المخزومى ، وعبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد بن العيص الأموى ، ونافع بن علقمة الكنانى ، ويحيى بن الحكم بن أبى العاص بن أمية بن عبد شمس القرشى الأموى (١).

وأولهم فى الولاية الحجاج والباقون لا يعرف ترتيبهم ، وممن ولى لعبد الملك كما قيل : هاشم بن إسماعيل المخزومى ، وأبان بن عثمان بن عفان (٢).

ذكر ولاة مكة فى خلافة الوليد بن عبد الملك

وأما ولاة مكة فى خلافة الوليد بن عبد الملك فاثنان : الإمام العادل عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم القرشى الأموى رضى الله عنه وولاه المدينة الشريفة أيضا ثم خالد بن عبد الله القسرى (٣).

وأما ولاتها فى خلافة سليمان بن عبد الملك فثلاثة أنفار : خالد بن عبد الله القسرىّ ، ثم طلحة بن داود الحضرمىّ ثم عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبى العيص الأموى (٤).

وأما ولاتها فى خلافة عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه فخمسة رجال : عبد العزيز بن عبد الله ابن خالد بن أسيد المذكور ، ومحمد بن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبى بكر الصديق ، وعروة بن عياض بن عدىّ بن الخيار (٥) بن نوفل بن عبد مناف بن قصى القرشى

__________________

(١) شفاء الغرام ج ٢ ص ٢٦٦.

(٢) شفاء الغرام ج ٢ ص ٢٦٩ ـ ٢٧٠.

(٣) شفاء الغرام ج ٢ ص ٢٧٠.

(٤) شفاء الغرام ج ٢ ص ٢٧٠ ـ ٢٧١.

(٥) بكسر المعجمة وتخفيف التحتانية قيده ابن حجر فى التقريب ، وتحرف فى الأصلين إلى : «الحبان» وهو تحريف قبيح.

٢٤٩

النوفلى كذا ترجمه الذهبى (١) وغيره ، وعبد الله بن قيس بن مخرمة بن المطلب القرشى ، وعثمان بن عبيد الله بن عبد الله بن سراقة العدوى (٢).

وذكر ابن جرير (٣) أن عبد العزيز بن خالد هو الذى كان واليا على مكة مدة خلافة عمر جميعها.

وجمع الفاسى رحمه‌الله فقال : ولعل المذكورين من الولاة غير عبد العزيز بن خالد ولّوا لعمر فى زمن ولايته لمكة عن الوليد بن عبد الملك فى المدّة التى كان فيها بالمدينة فإنها كانت فى ولايته أيضا (٤).

وأما ولاتها فى خلافة يزيد بن عبد الملك فجماعة أولهم : عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد المذكور ، ثم عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس القرشى الفهرى مع ولايته للمدينة أيضا ، وولايته لمكة فى سنة ثلاث ومائة ، وللمدينة فى سنة إحدى ومائة ، ثم عبد الواحد بن عبد الله النّصرى ـ بالنون ـ من بنى نصر بن معاوية بعد عزل عبد الرحمن بن الضحاك فى سنة أربع ومائة مع المدينة أيضا (٥).

وأما ولاتها فى خلافة هشام بن عبد الملك فجماعة أيضا أولهم : عبد الواحد المذكور ، ومدة ولايته لذلك فى خلافة يزيد وهشام سنة وثمانية أشهر على ما ذكره ابن الأثير (٦).

ثم بعده إبراهيم بن هشام بن إسماعيل المخزومى خال هشام بن عبد الملك فى سنة ست ومائة ، وولى مع ذلك المدينة أيضا ، ودامت ولايته على مكة إلى سنة ثلاث عشرة ، وقيل أربع عشرة ومائة (٧).

ثم بعد إبراهيم المذكور أخوه محمد بن هشام بن إسماعيل ، ودامت ولايته على ما

__________________

(١) تاريخ الإسلام للذهبى (حوادث ووفيات ١٠١ ـ ١٢٠ ه‍) ص ١٦٩.

(٢) شفاء الغرام ج ٢ ص ٢٧٢.

(٣) تاريخ الرسل ج ٦ ص ٥٥٤ و ٥٨٩.

(٤) شفاء الغرام ج ٢ ص ٢٧٣.

(٥) شفاء الغرام ج ٢ ص ٢٧٣.

(٦) الكامل فى التاريخ ج ٥ ص ١٠٥ و ١٢٦ و ١٣٣.

(٧) الكامل ج ٥ ص ١٣٣ و ١٧٩.

٢٥٠

قيل إلى سنة خمس وعشرين ومائة (١). وذكر الفاكهى أن ممن ولى لهشام مكة نافع بن علقمة الكنانى السابق ذكره ، فى خلافة أبيه عبد الملك (٢).

وممن وليها على الشك فى خلافة (٣) عبد الملك بن مروان أو فى خلافة أحد أولاده الأربعة ، أو خلافة عمر بن عبد العزيز : أبو جراب محمد بن عبد الله بن الحارث بن أمية الأصغر الأموى ذكره الفاكهى وذكر ما يقتضى أنه كان على مكة زمن عطاد بن أبى رباح(٤).

وأما ولاتها فى خلافة الوليد بن يزيد بن عبد الملك ، فيوسف بن محمد بن يوسف الثقفى مع المدينة والطائف فى سنة خمس وعشرين ومائة ، وذلك بعد عزل (٥) محمد بن هشام خال الوليد المذكور ، ودامت ولايته إلى انقضاء دولة الوليد بن يزيد سنة ست وعشرين ومائة (٦).

وأما ولاتها فى خلافة يزيد بن الوليد بن عبد الملك : فعبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز بن مروان على ما قيل (٧).

وأما ولاتها فى خلافة مروان بن محمد بن مروان الأموى ـ المعروف بالحمار ـ خاتمة خلفاء بنى أمية : فعبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز بن مروان المذكور آنفا ، ودامت ولايته إلى أن حج بالناس فى سنة ثمان وعشرين ومائة (٨).

ثم بعده عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك وولى مع ذلك المدينة ، واستمر متوليا إلى أن حج بالناس فى سنة تسع وعشرين ومائة (٩). ثم ولى مكة بعده بالتغلب أبو حمزة الخارجى الأباضى واسمه المختار بن عوف ، وسببه أن عبد الله بن يحيى الأعور الكندى المسمّى طالب الحق بعد أن ملك حضرموت (١٠) وصنعاء وتغلب عليهما ، طرد عامل مروان : القاسم بن عمر الثقفى عنهما ، وبعث أبا حمزة المذكور إلى مكة فى عشرة آلاف

__________________

(١) الكامل ج ٥ ص ١٧٩ و ٢٧٥ ، تاريخ خليفة ٣٥٧. (٢) شفاء الغرام ج ٢ ص ٢٧٤.

(٣) فى المطبوع : «فى خلافته». (٤) أخبار مكة للفاكهى ج ٣ ص ١٧٧.

(٥) تحرف فى المطبوع إلى : «عزم» وصوابه لدى الفاسى الذى ينقل عنه المصنف.

(٦) شفاء الغرام ج ٢ ص ٢٧٤.

(٧) شفاء الغرام ج ٢ ص ٢٧٤.

(٨) شفاء الغرام ج ٢ ص ٢٧٥.

(٩) شفاء الغرام ج ٢ ص ٢٧٥.

(١٠) حضرموت : مخلاف من اليمن.

٢٥١

من العسكر ، فهرب عبد الواحد المذكور يوم النفر الأول من منى ، وقصد المدينة وجهز جيشا من المدينة إلى أبى حمزة فخرج أبو حمزة قاصدا المدينة ، فلقيه جيش عبد الواحد بقديد(١). فكان الظفر لأبى حمزة ثم قصد المدينة وقتل بها جماعة ، وبلغ خبره مروان فجهز إليه عبد الملك بن محمد بن عطية السعدى فى أربعة آلاف فارس فالتقى هو وأبو حمزة بمكة بالأبطح ، فقتل أبو حمزة ، وكان عسكره خمسة عشر ألفا وظفر عبد الملك (٢).

وذكر ابن الأثير ما يقتضى أن عبد الملك سار إلى اليمن لقتال طالب الحق المتقدم ذكره ، وأنه ظفر بطالب الحق وقتله وأرسل برأسه إلى مروان.

وممن ولى مكة لمروان : الوليد بن عروة السعدى ابن أخى عبد الملك المذكور ، وأنه كان عليها فى سنة إحدى وثلاثين ومائة ، ويقال : إن محمد بن عبد الملك بن مروان كان على مكة والمدينة فى سنة ثلاثين ومائة ، وأنه حج بالناس فيها ، والله أعلم (٣).

ذكر ولاة مكة فى أيام بنى العباس

أما ولاتها فى خلافة أبى العباس عبد الله بن محمد بن على بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب ، أول خلفاء بنى العباس وتلقب بالسفاح : فداود بن على بن عبد الله بن العباس عم السفاح وذلك فى سنة اثنتين وثلاثين ومائة ، وولاه مع مكة المدينة واليمن واليمامة (٤).

ثم بعده زياد بن عبيد (٥) الله الحارثى خال السفاح مع المدينة واليمامة أيضا ، ودامت ولايته إلى سنة ست وثلاثين ومائة على ما يقتضيه كلام ابن الأثير (٦).

__________________

(١) قديد بالتصغير : مكان معروف فى طريق مكة المدينة ، وهو إلى مكة أقرب ، وما زال معروفا بهذا الاسم إلى الآن.

(٢) شفاء الغرام ج ٢ ص ٢٧٥.

(٣) شفاء الغرام ج ٢ ص ٢٧٧.

(٤) اليمامة : منطقة فى نجد بينها وبين البحرين عشرة أيام ، وبها كانت منازل طسم وجديس ، وبها كانت دعوة مسيلمة الكذاب ، وفتحها خالد ين الوليد فى زمن أبى بكر الصديق ، وبها قتل مسيلمة الكذاب وعادت إلى الإسلام ، ويقال : إنها كانت من مخاليف مكة ، أى محلقاتها ، وكان يضمّ إلى حكام مكة حكم اليمامة أحيانا (شفاء الغرام ج ٢ ص ٢٧٨ هامش ١).

(٥) تحرف فى المطبوع إلى : «عبد الله» وصوابه لدى الفاسى فى شفاء الغرام الذى ينقل عنه المصنف ، وابن فهد فى غاية المرام ج ١ ص ٣٠٩.

(٦) الكامل فى التاريخ ج ٥ ص ٤٤٩ و ٤٦٢.

٢٥٢

ثم ولى بعد زياد : العباس بن عبد الله بن معبد بن العباس بن عبد المطلب الهاشمى فى سنة ست وثلاثين ومائة ، واستمر عليها إلى موت السفاح قاله ابن الأثير (١).

وممن ولى مكة للسفاح على ما ذكر ابن حزم فى «الجمهرة» (٢) عمر بن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب العدوى ، وهذا يخالف ما تقدم عن ابن الأثير من كون العباس كان مستمرا على ولاية مكة إلى موت السفاح ، والله أعلم بحقائق الأمور (٣).

وأما ولاتها فى خلافة المنصور أبى جعفر عبد الله بن محمد بن على بن عبد الله بن عباس أخى السفاح فجماعة ، أولهم : العباس بن عبد الله بن معبد المذكور آنفا ، وذلك سنة سبع ـ بتقديم السين ـ وثلاثين ومائة ثم مات بعد انقضاء الموسم (٤).

ثم ولى بعده زياد بن عبيد الله الحارثى المتقدم ودامت ولايته إلى سنة إحدى وأربعين ومائة ، وهو الذى تولى عمارة ما زاده المنصور فى المسجد الحرام (٥).

ثم ولى بعد عزل زياد الهيثم بن معاوية العتكى الخراسانى فى سنة إحدى وأربعين ومائة ، واستمر إلى سنة ثلاث وأربعين.

ثم ولى بعد عزله : السّرىّ بن عبد الله بن الحارث بن العباس بن عبد المطلب واستمر إلى سنة خمس وأربعين (٦).

ثم ولى بعده بالتغلّب محمد بن الحسن بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبى طالب القرشى الهاشمى الجعفرى من قبل ـ بكسر القاف وفتح الموحدة ـ محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن على بن أبى طالب الملقب بالنفس الزكية ، لأنه لما تغلب على المدينة النبوية ، وخرج على المنصور فى سنة خمس وأربعين أمر على مكة محمد بن الحسن بن معاوية المذكور ، فسار إلى مكة فخرج إليه السرى بن عبد الله أمير مكة من قبل المنصور ، فتحاربا فانهزم السرى ودخل محمد مكة ، ثم أنفذ المنصور جيشا لمحاربة محمد ابن عبد الله ، فقتل كذا ينقله ابن الأثير (٧).

__________________

(١) الكامل ج ٥ ص ٤٦٣.

(٢) جمهرة أنساب العرب ص ١٨.

(٣) شفاء الغرام ج ٢ ص ٢٧٨.

(٤) شفاء الغرام ج ٢ ص ٢٧٨.

(٥) شفاء الغرام ج ٢ ص ٢٧٩.

(٦) انظر فى ولاية السرى ومن بعده : شفاء الغرام ج ٢ ص ٢٧٩ وما بعدها.

(٧) الكامل ج ٥ ص ٥٤٢.

٢٥٣

وذكر الزبير بن بكار ما يقتضى أن الذى ولاه محمد بن عبد الله على مكة حسن بن معاوية والد محمد المذكور ، والله أعلم بالصواب.

ثم عاد السرى على ولاية مكة من قبل المنصور ، واستمر إلى سنة ست وأربعين ومائة.

ثم ولى بعده عبد الصمد بن على بن عبد الله بن العباس العباسى عم المنصور والسفاح ، واستمر إلى سنة تسع وأربعين ـ بتقديم المثناة الفوقية ـ وقيل : إلى سنة خمس ، وقيل : إنه كان على مكة فى سنة سبع وخمسين بتقديم السين.

ثم ولى بعد عبد الصمد : محمد بن إبراهيم الإمام بن محمد بن على بن عبد الله بن عباس ، ومكث إلى سنة ثمان وخمسين.

وأما ولاتها فى خلافة المهدى أمير المؤمنين محمد بن المنصور العباسى فجماعة. أولهم : إبراهيم بن يحيى بن محمد بن على بن عبد الله بن عباس ، بوصية من المنصور.

ثم جعفر بن سليمان بن على بن عبد الله بن عباس وكان على ذلك فى سنة إحدى وستين ، وثلاث وستين.

ثم عبيد الله بن قثم ـ بضم القاف وفتح المثلثة ـ ابن العباس بن عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب وكان متوليا لذلك فى سنة ست وستين.

وممن ولى للمهدى أيضا محمد بن إبراهيم الإمام العباسى المتقدم. ذكره الفاكهى.

وممن ولى مكة على الشك فى خلافة المهدى وابنه الهادى : قثم بن العباس بن عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب والد عبيد الله المتقدم والله أعلم بذلك.

وأما ولاتها فى خلافة الهادى موسى بن المهدى العباسى : فعبيد الله بن قثم بن العباس المتقدم ، وذلك فى سنة تسع وستين ـ بتقديم المثناة ـ.

ثم وليها بالتغلب فى أيام الهادى : الحسين بن على بن الحسن بن الحسن بن الحسن ابن على بن أبى طالب الحسنى ، لأنه خرج عن طاعة الهادى وفتك بمن فى المدينة من جماعة الهادى ونهب بيت المال الذى بالمدينة وبويع على كتاب الله وسنة نبيه ، وخرج

٢٥٤

بجماعته إلى مكة لست بقين من ذى القعدة سنة تسع وستين ، وبلغ الهادى خبره فكتب إلى محمد بن سليمان بن على بن عبد الله بن عباس وأمره بمحاربة الحسين المذكور ، وكان محمد بن سليمان قد توجه فى هذه السنة المذكورة للحج فى جماعة من أهل بيته وخيل وسلاح فلما دخل من عمرته عسكر بذى طوى ، وانضم إليه من حج من جماعتهم وقوادهم ، والتقواع الحسين وأصحابه وكان القتال فى يوم التروية ، فقتل الحسين فى أزيد من مائة من أصحابه بفخّ (١) بظاهر مكة عند الزاهر ودفن هنالك.

قال الفاسى : وقبره معروف إلى وقتنا هذا فى قبة على يمين الداخل إلى مكة ويسار الخارج منها إلى جهة وادى مر ، وحمل رأسه إلى الهادى فلم يحمد ذلك. وكان الحسين هذا شجاعا كريما ، يحكى أنه قدم على المهدى فأعطاه أربعين ألف دينار ففرقها فى الناس ببغداد والكوفة ، وخرج لا يملك ما يلبسه إلا فروة ليس تحتها قميص. رحمه‌الله وغفر له (٢).

وممن ولى مكة فى خلافة الهادى وأخيه الرشيد (٣) محمد بن عبد الرحمن السفيانى ، كان على إمارتها وقضائها واستمر إلى أن صرفه المأمون إلى قضاء بغداد.

وأما ولاتها فى خلافة هارون الرشيد بن المهدى فجماعة لا يعرف ترتيبهم فى الولاية وهم : أحمد بن إسماعيل بن على بن عبد الله بن عباس ، وحمّاد البربرى ، وسليمان بن جعفر بن سليمان بن على بن عبد الله بن عباس ، والعباس بن موسى بن عيسى بن موسى ابن محمد بن على بن عبد الله بن عباس ، وأخوه على بن موسى بن عيسى ، والعباس بن محمد بن إبراهيم الإمام ، وعبد الله بن محمد بن عمران بن إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله التيمى ، وعبيد الله بن قثم بن العباس المتقدم فيما سبق ، وعبيد الله بن محمد بن إبراهيم الإمام ، والفضل بن العباس بن محمد بن على بن عبد الله بن عباس ، ومحمد بن إبراهيم الإمام ، ومحمد بن عبد الله بن سعيد بن المغيرة بن عمرو بن عثمان بن عفان

__________________

(١) تحرف فى المطبوع إلى : «بفيح» وصوابه لدى الفاسى الذى ينقل عنه المصنف.

(٢) شفاء الغرام ج ٢ ص ٢٨٣.

(٣) لدى الفاسى : «وفى خلافة الهادى أو خلافة الرشيد».

٢٥٥

العثمانى (١) وموسى بن عيسى بن موسى بن محمد بن على والد العباس وعلى المتقدم ذكرهما.

وأما ولاتها فى خلافة الأمين محمد بن هارون الرشيد العباسى : فداود بن عيسى بن موسى بن محمد بن على بن عبد الله بن عباس ، وكان ذلك فى سنة ثلاث وتسعين ـ بتقديم المثناة على السين ـ واستمر إلى انقضاء خلافة الأمين فى سنة ست وتسعين وهو الذى تولى خلع الأمين بمكة فيها.

وأما ولاتها فى خلافة المأمون أمير المؤمنين عبد الله بن هارون الرشيد فداود المذكور أيضا ، ولاه المأمون بعد خلع الأمين ، واستمر إلى أواخر سنة تسع وتسعين ومائة ـ بتقديم المثناة الفوقية ـ ثم فارق مكة متخوفا من الحسين بن الحسن بن على بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب المعروف بالأفطس وسببه أن أبا السرايا السرى بن منصور الشيبانى داعية ابن طباطبا لما تغلب واستولى على العراق ولى مكة الحسين بن الحسن الأفطس فسار إلى أن وصل إلى وادى سرف (٢) المعروف فى وقتنا هذا بالنّوارية ـ بتشديد النون ـ على مرحلة لطيفة من مكة إلى جهة مر الظهران ، فتوقف عن الدخول خشية من أميرها داود فلما بلغه خروج داود دخلها ليلة عرفة فطاف وسعى ثم مضى إلى عرفة فوقف بها ليلا ثم دفع إلى مزدلفة فصلى بالناس الصبح ، ثم دفع إلى منى ، فلما انقضى الحج عاد إلى مكة فلما كان مستهل المحرم سنة مائتين نزع الحسين المذكور كسوة الكعبة التى كانت عليها من قبل العباسيين ، ثم كساها كسوتين أنفذهما معه أبو السرايا المذكور من قزّ رقيق ، إحدهما صفراء والأخرى بيضاء ، ثم عمد الأفطس إلى خزانة الكعبة وأخذ ما فيها من الأموال فقسمها مع كسوة الكعبة على أصحابه ، وهرب الناس من مكة لأنه كان يأخذ أموال الناس ويزعم أنها ودائع بنى العباس عندهم.

ولم يزل كذلك على ظلمه إلى أن بلغه قتل مرسله أبى السرايا فى سنة مائتين ، فلما علم بذلك ورأى الناس قد تغيروا عليه لما فعله معهم من القبيح واستباحة الأموال جاء هو وأصحابه إلى محمد بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن زين العابدين بن على بن الحسين

__________________

(١) فى المطبوع : «العفانى» والمثبت رواية الفاسى الذى ينقل عنه المصنف.

(٢) سرف : موضع معروف بقرب مكة ، وبه قبر السيدة ميمونة زوجة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

٢٥٦

ابن على بن أبى طالب الحسينى الملقب بالديباجة لجمال وجهه ، وسألوه فى المبايعة بالخلافة ، فكره محمد ذلك ، فاستعان الأفطس عليه بولده على ، ولم يزالوا به حتى بايعه بالخلافة وذلك فى ربيع الأول سنة مائتين.

وجمعوا الناس على بيعة محمد بن جعفر طوعا وكرها ولقبوه بأمير المؤمنين ، وبقى شهورا وليس له من الأمر شىء وإنما ذلك لابنه على وللأفطس وهما على أقبح سيرة مع الناس ، فلم يكن إلا مدة يسيرة إذ جاء عسكر المأمون فيهم الجلودى وورقاء بن جميل ، وقد انضم إلى محمد بن جعفر غوغاء أهل مكة وسواد البادية ، فالتقى الفريقان فانهزم محمد وأصحابه ، وطلب الديباجة من الجلودى الأمان فأجلوه ثلاثا ، ثم خرج من مكة ودخل الجلودى بعسكره إلى مكة فى جمادى الآخرة سنة مائتين (١).

وتوجه الديباجة إلى جهة بلاد جهينة فجمع منها جيشا وقاتل والى المدينة هارون بن المسيب ، فانهزم الديباجة بعد أن فقئت عينه بنشّابة ، وقتل من عسكره خلق كثير (٢).

ثم عاد إلى مكة وطلب الأمان من الجلودى ، فأمنه فدخل مكة فى أواخر الحجة سنة مائتين وصعد المنبر معتذرا بأنه إنما وافق على المبايعة لأنه بلغه موت المأمون ، ثم قدم على المأمون واعتذر واستغفر فقبل عذره وأكرمه وعفا عنه ، فلم يمكث إلا قليلا ثم مات فجأة بجرجان فصلى عليه المأمون ونزل فى لحده وقال : هذه رحم قطعت من سنين وكان موته فى شعبان سنة ثلاث ومائتين وسبب موته على ما قيل أنه جامع وافتصد ودخل الحمام فى يوم واحد (٣).

ثم وليها بعد هزيمة الديباجة فى خلافة المأمون عيسى بن يزيد الجلودى ، ووليها له نيابة ابنه محمد ، ويزيد بن محمد بن حنظلة المخزومى.

ثم وليها بعد عزل الجلودى هارون بن السيب.

ووليها للمأمون أيضا حمدون بن على بن عيسى بن ماهان ، وإبراهيم بن موسى بن

__________________

(١) شفاء الغرام ج ٢ ص ٢٨٧.

(٢) شفاء الغرام ج ٢ ص ٢٨٧.

(٣) شفاء الغرام ج ٢ ص ٢٨٧.

٢٥٧

جعفر بن محمد بن على بن الحسن بن على بن أبى طالب ، وحج بالناس سنة اثنتين ومائتين كذا نقله الفاسى عن العتيقى (١).

وذكر الأزرقى أن حنظلة كان واليا على مكة فى سنة اثنتين ومائتين خليفة لحمدون بن على (٢).

وجمع الفاسى بين ذلك بأنه يمكن أن يكون حمدون كان واليا فى أول سنة اثنتين ومائتين ، واستناب حنظلة المذكور وإبراهيم كان واليا فى آخر هذه السنة (٣).

وعبيد الله بن الحسن (٤) ابن عبيد الله بن العباس بن على بن أبى طالب مع المدينة ، وذلك فى سنة أربع ومائتين ، واستمر إلى سنة ست ، وقيل إلى سنة تسع بتقديم المثناة الفوقية (٥).

وصالح بن العباس بن محمد بن على بن عبد الله بن عباس وذلك فى سنة عشر ومائتين ، واستمر إلى أن حج بالناس سنة اثنتى عشرة ومائتين.

ثم وليها بعده على الأشهر سليمان بن عبد الله بن سليمان بن على بن عبد الله بن عباس مع المدينة.

وولى أيضا للمأمون محمد بن سليمان المتقدم ذكر والده ، وذلك فى سنة ست عشرة ومائتين كما يقتضيه كلام الفاسى (٦).

وعبيد الله بن عبد الله بن حسن بن جعفر بن حسن بن حسن بن على بن أبى طالب.

وممن ولى مكة للمأمون من غير مباشرة : الحسن بن سهل أخو الفضل بن سهل ، لأن المأمون بعد قتل أخيه الأمين استعمل الحسن هذا على كل ما افتتحه طاهر بن الحسين من العراق والأهواز وفارس والحجاز واليمن ، وذلك فى سنة ثمان وتسعين ومائة (٧).

__________________

(١) شفاء الغرام ج ٢ ص ٢٨٩.

(٢) أخبار مكة وللأزرقى ج ١ ص ٢٦٦.

(٣) شفاء الغرام ج ٢ ص ٢٩٠.

(٤) فى المطبوع : «الحسين» والمثبت رواية د ، ومصعب فى نسب قريس ص ٧٩ ، وابن فهد فى غاية المرام ج ١ ص ٤٠٨.

(٥) شفاء الغرام ج ٢ ص ٢٩٠.

(٦) شفاء الغرام ج ٢ ص ٢٩٠.

(٧) شفاء الغرام ج ٢ ص ٢٩١.

٢٥٨

وأما ولاتها فى خلافة المعتصم محمد بن هارون الرشيد (١) :

فصالح بن العباس المتقدم ذكره آنفا وكان فى سنة تسع عشرة ـ بتقديم المثناة ـ ومائتين (٢).

ثم وليها محمد بن داود بن عيسى بن موسى بن محمد بن على بن عبد الله بن عباس الملقب بترنجه ، وذلك فى سنة اثنتين وعشرين ومائتين ، ويقال : إن ولايته دامت إلى أثناء خلافة المتوكل (٣).

وولى للمعتصم أيضا : أشناس التركى وهو من كبار قواده ، وذلك أنه لما أراد الحج فى سنة ست وعشرين ومائتين فوض إليه المعتصم الولاية على كل بلد يدخلها ، فلما دخل مكة جعل محمد بن داود المتقدم نائبا عنه على الحج بالناس ، ودعا لأشناس على منابر الحرمين وغيرهما من البلاد التى دخلها (٤).

وأما ولاتها فى خلافة الواثق هارون بن المعتصم : فعلى بن عيسى بن جعفر بن أبى جعفر المنصور ، وذلك سنة ثمان وثلاثين ، واستمر إلى أن توفى سنة تسع وثلاثين.

ثم ولى بعده عبد الله بن محمد بن داود بن عيسى المتقدم ذكر والده فى خلافة المعتصم واستمر إلى سنة إحدى وقيل اثنتين وأربعين ومائتين.

ثم ولى بعده عبد الصمد بن موسى بن محمد بن إبراهيم الإمام بن محمد بن على بن عبد الله بن عباس سنة اثنتين وأربعين.

ثم ولى بعده محمد بن سليمان بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم الإمام المعروف بالزينبى.

وممن عقد له على مكة ولم يباشر فى خلافة المتوكل ابنه المنتصر محمد الذى ولى الخلافة بعد أبيه المتوكل.

__________________

(١) تحرف فى المطبوع إلى : «فى خلافة المعتصم فمحمد بن هارون الرشيد» وصوابه لدى الفاسى الذى ينقل عنه المصنف.

(٢) شفاء الغرام ج ٢ ص ٢٩١.

(٣) شفاء الغرام ج ٢ ص ٢٩١.

(٤) شفاء الغرام ج ٢ ص ٢٩١.

٢٥٩

وممن ولى على ما قيل فى خلافة المتوكل إيتاج (١) ـ بهمزة وبعدها مثناة تحتية ثم مثناة فوقية فألف فجيم ـ الخوزى ـ بضم الخاء المعجمة وكسر الزاء المعجمة ـ مولى المعتصم ، وكان من كبار قواد المتوكل ، والله أعلم بذلك.

وأما ولاتها فى خلافة المنتصر محمد بن المتوكل : فمحمد بن سليمان الزينبى المتقدم آنفا.

وأما ولاتها فى خلافة المستعين أبى العباس أحمد بن المعتصم العباسى : فعبد الصمد ابن موسى الإمام المتقدم ذكره ، وذلك فى سنه تسع وأربعين بتقديم المثناة.

ثم بعده جعفر بن الفضل بن عيسى بن موسى بن محمد بن على بن عبد الله بن عباس المعروف بشاشات ، وكانت ولايته فى سنة خمسين ومائتين ، واستمر إلى سنة إحدى وخمسين.

ثم وليها بعد شاشات بالتغلب إسماعيل بن يوسف بن إبراهيم بن موسى بن عبد الله ابن الحسن بن الحسن بن على بن أبى طالب ، لأنه لما تغلب على مكة هرب منه عاملها جعفر شاشات ، وقتل الجند الذى بمكة وجماعة من أهل مكة ، ونهب منزل شاشات وغيره ، وأخذ من الناس نحو مائتى ألف دينار ، وعمد إلى الكعبة الشريفة فأخذ كسوتها ، وأخذ ما فى خزائنها من الأموال وما كان حمل من المال لإصلاح العين ، ونهب مكة ، وأحرق بعضها ، ثم خرج منها فى شهر ربيع الأول بعد إقامته فيها خمسين يوما ، وقصد المدينة الشريفة فتوارى عنه عاملها ، فرجع إلى مكة فى رجب ، فحصر أهلها حتى ماتوا جوعا وعطشا ، وبلغ الخبز ثلاث أواق بدرهم ، ولقى أهل مكة منه بلاء شديدا ، ثم سار إلى جدّة فحبس عن الناس الطعام ، وأخذ أموال التجار وأصحاب المراكب ، ثم وافى الموقف والناس بعرفة فأفسد فيها ، وقتل من الحجاج نحو ألف ومائة ، ونهب الناس فهرب الحجاج ولم يقف بعرفة أحد لا ليلا ولا نهارا سوى إسماعيل وعسكره ، ثم بعد انفصاله من عرفة رجع إلى جدّة ثانيا ، وأفنى أموالها ، وفعل أمورا قبيحة. ليس هذا محل ذكرها هذا كله فى خلافة المستعين (٢).

__________________

(١) ولدى الفاسى الذى ينقل عنه المؤلف : «إيتاخ» بالخاء المعجمة ، ومثله لدى ابن فهد فى غاية المرام ج ١ ص ٤٣٢.

(٢) الخبر بطوله لدى الفاسى فى شفاء الغرام ج ٢ ص ٢٩٤.

٢٦٠