الجامع اللطيف

ابن ظهيرة

الجامع اللطيف

المؤلف:

ابن ظهيرة


المحقق: الدكتور علي عمر
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ١
ISBN: 977-341-085-4
الصفحات: ٣٤٦

فصل

فيما ورد فى حق قريش من الآيات والأحاديث والآثار

قال الله تعالى : (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ (١) إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ) السورة (سورة قريش) قال الكواشى : أصل الرحلة السير على الراحلة ثم استعمل لكل سير وقرئ بضم الراء ، وهى الجهة يرحل إليها ، وأراد رحلتى الشتاء والصيف فأفرد للعلم به لأن قريشا كانت ترتحل كل عام للتجارة رحلتين رحلة شتاء إلى اليمن لأنه أدفأ ، ورحلة صيف إلى الشام يستعينون بهم على المقام بمكة. وقريش من ولد النضر بن كنانة ، ومن لم يلده فليس بقرشى. انتهى. والأشهر أن كل من كان من ولد فهر بن مالك فهو قرشى ، ومن لم يكن من ولده فليس بقرشى ، وهو جماع قريش بأسرها ، والدليل على صحة ذلك أنه لا يعلم قرشى من كتب النسب اليوم أن قريشا تنسب إلى أب فوق فهر ، وفهر لقب له والذى سمته به أمه قريش.

وسيأتى آنفا سبب تسميته بذلك بأبسط من هذا إن شاء الله تعالى. قال صاحب «المدارك» وكانت قريش فى رحلتهم آمنين لأنهم أهل حرم الله فلا يتعرض لهم وغيرهم يغار عليهم. والتنكير فى جوع وخوف لشدتهما يعنى أطعمهم بالرحلتين من جوع شديد كانوا فيه قبلهما ، وآمنهم من خوف عظيم ، وهو خوف أصحاب الفيل أو خوف التخطف فى بلدهم ومسيرهم. وآمنهم من خوف الجذام فلا يصيبهم ببلدهم. انتهى ملخصا.

وقال تعالى : (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) (سورة الزخرف : ٤٤) قيل فى تفسيرها يقال ، ممن هذا الرجل؟ فيقال : من العرب. فيقال : من أيهم؟ فيقال رجل من قريش.

وعن ابن عباس : وإنه لذكر لك ولقومك شرف لك ولقومك. وقال تعالى : (لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ) (سورة الأنبياء : ١٠) أى فيه شرفكم وقال تبارك وتعالى : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) (سورة الشعراء : ٢١٤) المراد قريش ، وقال تعالى : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ) أى كريم يعنى قريشا ، وقال تعالى : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) (سورة الشورى : ٢٣) أى لا أسألكم أجرا إلى ما أدعوكم

٢٠١

إليه إلا أن لا تؤذونى بقرابتى منكم وتخفطونى بها ولا تكذبونى قال ابن عباس رضى الله عنه : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أوسط النسب فى قريش ليس بطن من بطونهم إلا وقد ولده.

ما ورد فى حق قريش من الأحاديث

وأما ما ورد فى حقهم من الأحاديث فكثيرة من ذلك فى «صحيح البخارى» قولهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : الناس تبع لقريش. وفيه أيضا : إن هذا الأمر فى قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين ، وفيه لا يزال هذا الأمر فى قريش ما بقى منهم اثنان. وفى «الفائق» بلفظ ما بقى فى الناس اثنان.

قال العلامة السيوطى فى شرح هذا الحديث : هو خبر بمعنى الأمر وإلا فقد خرج الأمر عنهم من أكثر من مائتى سنة ، ويحتمل أن يكون على ظاهره وأنه مقيد بقوله فى الحديث الآخر : ما أقاموا الدين ولم يخرج عنهم إلا وقد انتهكوا حرماته انتهى.

وفى «الفائق» عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أذق اللهم آخر قريش نوالا كما أذقت أولهم وبالا. وفيه عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : استقيموا لقريش ما استقاموا لكم. وفيه عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : خير نساء صلح نساء قريش أحناهن على ولد وأرعاهن لزوج. وفيه عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : خيار قريش خيار الناس. وفيه عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : دخلت الجنة فرأيت قصرا من ذهب فقلت لمن هذا؟ فقيل : لرجل من قريش. وفيه عنهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : ذروا فعل قريش وخذوا بقولهم.

أقول : يحتمل أن هذا قاله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى ابتداء الأمر قبل إسلام قريش وهو الظاهر من فحوى الكلام ، وفيه من التنويه بشأنهم ما لا يخفى حيث كانت أقوالهم سديدة معتبرة وهم فى تلك الحال المطبوع على قلوبهم فيها ، ومع ذلك فقد أمر صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالأخذ بقولهم ويحتمل أن ذلك بعد إسلامهم ويحمل على بعض منهم كانت أفعالهم غير مستقيمة ويحتمل أن يكون ذلك فى واقعة مخصوصة اقتضاها الحال وهذا منى على سبيل البحث وما أدى إليه الفهم وإلا لم أقف على كلام فى ذلك. انتهى.

وفيه عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : شرار قريش خير شرار الناس. وفيه عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : قريش أهل الله وخاصته. وفيه عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أسرع الناس فناء قريش. وفيه عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : قريش هم الأنصار ليس لهم دون الله ورسوله مولى قرت عين من أطعم الناس الطعام.

٢٠٢

أقول : قوله فى آخر الحديث : قرت عين من أطعم الناس الطعام ، يحتمل أن يكون الكلام راجعا إلى قريش ويصير المعنى من أطعم أحدا من قريش الطعام قرت عينه ويكون فيه حث على قراء الأضياف ومكارم الأخلاق ، لأن العرب قديما وحديثا يفتخرون بذلك ويتمادحون به وهذا هو الأشبه الذى سبق إليه الفهم ، ويحتمل أن يرجع إلى غيرهم ممن يكرم قريشا ويقريهم ويطعمهم. وعلى كلا التقديرين ففيه إشارة لهم ومدحة. انتهى.

وفيه عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : قدموا قريشا ولا تتقدموهم. وفيه عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من أهان قريشا أهانه الله وفيه عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من يرد إهانة قريش يهنه لله.

فتأمل هذه الكرامة التى أكرمهم الله بها وأن بمجرد النية جوزى بالإهانة على حد قوله تعالى (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) (سورة الحج : ٢٥) فسبحان من فضل بعض الناس على بعض. وفيه عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا يبغض قريشا رجل يؤمن بالله واليوم الآخر. وفيه عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : إنى امرؤ من قريش فمن نال من قريش شيئا فقد نالنى رواه الزبير بن بكار. وعنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : صلب الناس قريش وهل يمشى الرجل بغير صلب. وعنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : قريش كالملح فهل يطيب طعام إلا به ولو لا أن تطغى وفى رواية أن تبطر قريش لأخبرتها بما لها عند الله عزوجل. وعنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أمان لأهل الأرض من الاختلاف الموالاة لقريش أهل الله فإذا خالفتها قبيلة من العرب صاروا حزب إبليس رواه أبو نعيم.

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اللهم فقه قريشا فى الدين. وعنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا تسبوا قريشا فإن عالمها يملأ الأرض علما. قال بعض العلماء : إن هذا العالم هو الإمام الشافعى رضى الله عنه لأن علمه قد ظهر وانتشر فى البلاد وكتبت كتبه كما كتب المصاحف ودرسها المشايخ والشبان واستظهروا أقاويله وأجروها فى مجالس الحكام والقراء والأمراء ، وهذه صفة لا نعلمها قد أحاطت بأحد إلا بالإمام الشافعى ، إذ كل واحد من قريش من علماء الصحابة والتابعين ومن بعدهم وإن كان علمه قد ظهر وانتشر لكنه لم يبلغ مبلغا يقع تأويل هذه الرواية عليه ، وإلى مثل هذا التأويل ذهب الإمام أحمد بن حنبل رضى الله عنه.

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : لا تعلموا قريشا وتعلموا منها فإن أمانة الأمين من قريش تعدل أمانة الاثنين من غيرهم. وللقريشى قوة الرجلين من غير قريش وعقل الرجل من قريش عقل رجلين من غيرهم. وعنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : إن قريشا أهل أمانة وصدق فمن بغى لهم

٢٠٣

الغوائل ـ وفى رواية العواثر (١) ـ أكبه الله لوجهه فى النار يوم القيامة. وعنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : أحبوا قريشا فإن من أحبهم أحبه الله تعالى. وعنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال لأبى الدرداء : يا أبا الدرداء إذا فاخرت ففاخر بقريش. وعنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال لعائشة إن أول من يهلك من الناس قومك. فقالت : فما بقاء الناس بعدهم؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : هم صلب الناس إذا هلكوا هلك الناس. وفى رواية أنها قالت : فكيف الناس بعد ذلك أو عند ذلك؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : دباء يأكل شداده ضعافه حتى تقوم الساعة. والدباء التى لم تنبت أجنحتها من الجراد.

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : إن الله تعالى فضل قريشا بسبع خصال لم يعطها أحدا قبلهم ولا بعدهم ، فضلهم بأنى منهم وأن النبوة فيهم والحجابة فيهم والسقاية فيهم ونصرهم على الفيل وعبدوا الله عشر سنين لم يعبده فيها أحد غيرهم. وأنزل الله فيهم سورة من القرآن لم يشركهم فيها أحد غيرهم يعنى (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ).

وروى أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما جاء من بدر سمع رجلا من الأنصار وهو يقول : وهل لقينا إلا عجائز كالجزر المعلقة فنحرناها ، فتغير وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا تقل ذاك يا بن أخى أولئك الملأ الأكبر من قريش ، أما إنك لو رأيتهم فى مجالسهم بمكة هبتهم ، فوالله لقد أتيت مكة فرأيتهم قعودا فى المسجد فى مجالسهم فما قدرت أن أسلم عليهم من هيبتهم.

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : عبد مناف عز قريش ، وأسد بن عبد العزى عضدها وركحها وزهرة الكبد ، وتيم وعدى رئتها ، ومخزوم فيها كالأراكة فى نضرتها وجمح وسهم جناحاها وعامر ليوثها وفرسانها ، وكل تبع لولد قصى والناس تبع لقريش وركحها بكسر الراء المهملة ثم كاف ثم حاء مهملة. والأحاديث فى فضلهم كثيرة لا يحملها هذا التعليق ، وفيما ذكرته مقنع.

ما ورد فى حق قريش من الآثار

وأما ورد فى حقهم من الآثار ، فروى عن عروة بن الزبير أنه قال : كانت قريش فى أيام الجاهلية تدعى العالمية للعلم. وعن أنس بن مالك رضى الله عنه أنه قال : لما أمر عثمان رضى الله عنه زيد ابن ثابت وسعيد بن العاص ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام رضى الله عنهم

__________________

(١) فى المطبوع : «العوائر».

٢٠٤

أن ينسخوا المصحف من الصحف التى جمع فيها القرآن فى خلافة الصديق رضى الله عنه. قال لهم : إذا اختلفتهم أنتم وزيد بن ثابت فى عربية من القرآن فاكتبوها بلسان قريش ، فإنما نزل بلسانهم ففعلوا فلما بلغوا ذكر التابوت قال زيد بن ثابت رضى الله عنه : التابوه بالهاء ، وهى لغة الأوس والخزرج ، فاختلفوا. فأمر عثمان أن يكتب بالتاء بلغة قريش قال الله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ) (سورة إبراهيم : ٤) وعن هشام بن عروة بن الزبير أنه قال : كان لقريش فى ذلك ضابط كمملكة فارس ، وليس لهم ملك ، وإنما كان ذلك بأحلامهم ، وكان كالسلطان الضابط وكان يقال لهم قطين الله. وذكر أن العربى من غير قريش كان فيما مضى لم يقدر على الخروج من دار قومه فى غير الأشهر الحرم إلا فى جماعة. وكان القرشى يخرج وحده حيث شاء وأنى شاء. فيقال رجل من أهل الله عزوجل ، فلا يعرض له عارض ، ولا يريبه أحد ولم يعهد أن الحرم غزى ولا سبيت قرشية فى جاهلية ولا إسلام قط.

ويروى أن كنانة بن خزيمة بن مدركة أتى فى منامه وهو فى الحجر ، فقيل له : تخير يا أبا النضر بين الصهيل والهدرة أو عمارة الجدار عز الدهر ، فقال : كلا يا رب فصار كل هذا من قريش ، وكانت قريش على إرث من دين أبويهم إبراهيم وإسماعيل صلوات الله عليهما من قرى الضيف ورفد الحاج وتعظيم مكة المكرمة ، ومنع الملحد والباغى فيها وقمع الظالم ونصر المظلوم غير أن أوائلهم دخلت فيهم أحداث غيرت أصول الحنيفية دين إبراهيم وطال الدهر حتى أفضى بهم ذلك إلى الجهل بشعار الدين والضلال عن سنن التوحيد ، فمحا الله عزوجل ذلك كله بنبيه محمد خاتم الأنبياء صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأنقذهم به من الضلالة وهداهم من العماية والجهالة.

استطراد مهم

حيث ذكرت شيئا من فضائل قريش رأيت أن أذكر نسب سيد قريش وصميمها وغلصمتها (١) وعظيمها سيدنا محمدا خاتم النبيين وحبيب رب العالمين ، ونسب أصحابه العشرة الكرام البررة وذكر شىء من مناقبهم وأحوالهم على سبيل الاختصار لتشمل بركتهم

__________________

(١) الغلصمة : رأس الحلقوم ، وهو الموضع الناتئ فى الحلق.

٢٠٥

هذا المؤلف ويسطر ثواب ذلك فى صحائف المؤلف ، لما أن العشرة رضى الله عنهم كلهم من قريش ونسبهم متصل بنسبه صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأقول :

أما نسبه (١) صلى‌الله‌عليه‌وسلم فهو (سيدنا محمد بن عبد الله الذبيح) وسيأتى سبب تسميته بذلك قريبا فى فضل زمزم إن شاء الله تعالى.

(ابن عبد المطلب) : واسمه شيبة الحمد ، وقيل عامر ، وإنما قيل له شيبة الحمد لشيبة كانت فى ذؤابته ظاهرة ، وكنيته أبو الحارث بابن له ، وإنما قيل له عبد المطلب لأن أباه هاشما قال لأخيه المطلب وهو بمكة حين حضرته الوفاة : أدرك عبدك بيثرب ، فسمى عبد المطلب لهذا ، وقيل : إن عمه المطلب جاء به إلى مكة رديفه ، وهو بهيئة غير لائقة فسألوه عنه فقال : هو عبدى حياء أن يقول هو ابن أخى ، وهو بتلك الحالة ، فلما أدخله وأحسن من حاله أظهر أنه ابن أخيه فلذلك قيل له عبد المطلب ، وقيل : إنه كان أسمر اللون فلما جاء به مردفه خلفه ظن الناس أنه عبده فقالوا قدم المطلب بعبد ، فلزمه ذلك.

(ابن هاشم) واسمه عمرو العلا ، وإنما سمى هاشما لأنه كان يهشم الثريد لقومه فى أيام الجدب والمجاعة ، وفيه يقول القائل.

عمرو الذى هشم الثريد لقومه

ورجال مكة مسنتون عجاف

وبلغ فى الكرم مبلغا عظيما حتى أنه كان يطعم الوحش والطير فينحر لهما فى رءوس الجبال ، وإذا وقع القحط أطعم الناس ، وأمر الموسرين من أهل مكة بالإنفاق على فقرائهم حتى يأتى الله بالغيث. ثم إنه وفد الشام على قيصر فأخذ كتابا بالأمان لقريش ، وأرسل أخاه المطلب إلى اليمن فأخذ من ملوكهم كتابا أيضا ثم أمر بذلك تجار قريش برحلتى الشتاء والصيف ، فكانوا يرحلون فى الصيف إلى الشام ، وفى الشتاء إلى اليمن كما تقدم ، فاتسعت من يومئذ معيشتهم بالتجارة ، وأنقذهم الله من الخوف والجوع ببركة هاشم.

(ابن عبد مناف) وكان يسمى قمر البطحاء لصباحته ، وهو الذى قام مقام أبيه قصى بالسيادة وسقاية الحاج ، وكان يسمى المغيرة على ما قيل ، وكنيته أبو عبد شمس.

__________________

(١) انظر فى نسب الرسول ومن بعده من الصحابة كتب السير وكتب تراجم الصحابة وكتاب الطبقات الكبير لابن سعد ، وسير أعلام النبلاء للذهبى وغيرها.

٢٠٦

(ابن قصى) واسمه زيد ، وقيل يزيد ، وإنما قيل له قصى لأنه ذهب مع أمه فاطمة بنت سعد من بنى عذرة ونشأ مع أخواله ، وبعد عن مكة فسمى لذلك قصيّا مأخوذ من القاصى ، وهو البعيد ، وكان يدعى مجمعا لأنه لما كبر وعاد إلى مكة جمع قريشا من البوادى ، وردها إلى مكة بعد أن تفرقت ، وأخرج خزاعة منها فلذا سمى مجمعا ، وفيه يقول الفضل بن عباس بن أبى لهب :

أبوكم قصى كان يدعى مجمعا

به جمع الله القبائل من فهر

(ابن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر) واسمه قريش ، وبه سميت قريش على أحد الأقوال ، وقيل أول من سمى قريشا قصى ، وهو ضعيف وسيأتى قريبا ما عليه الاعتماد فى ذلك إن شاء الله تعالى.

(ابن كنانة بن خزيمة بن مدركة) واسمه عامر وقيل عمرو ، وإنما سمى مدركة على ما قيل لأنه جرى خلف أرنب فأدركها فسماه أبوه مدركة.

(ابن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان) : هذا هو المجمع عليه ، وكانصلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا وصل إلى عدنان أمسك وقال كذب النسابون فيما وراء ذلك. (وآباؤه صلى‌الله‌عليه‌وسلم كلهم سادات ما منهم إلا من هو سيد قومه فى عصره) وما أحسن ما قيل فى هذا المعنى :

فأولئك السادات لم تر مثلهم

عين على متتابع الأحقاب

لم يعرفوا رد العفاة وطال ما

ردوا عداتهم على الأعقاب

زهر الوجوه كريمة أحسابهم

يعطون سائلهم بغير حساب

حلموا إلى أن لا تكاد تراهم

يوما على ذى هفوة بغضاب

وتكرموا حتى أبوا أن يجعلوا

بين العفاة وما لهم من باب

كانت تعيش الطير فى أكنافهم

والوحش حين يشح كل سحاب

وكفاهم أن النبى محمدا

منهم فمدحهم بكل كتاب

وأمه صلى‌الله‌عليه‌وسلم آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤى

٢٠٧

بن غالب بن فهر القرشية الزهرية فهو صلى‌الله‌عليه‌وسلم أصيل الطرفين كريم الأصلين زاده الله شرفا وكرما ، حملت به فى شعب أبى طالب وولد بمكة فى الدار التى كانت لمحمد بن يوسف أخى الحجاج فى شعب بنى هاشم وسيأتى ذكرها ومحلها فى الخاتمة عند عد الأماكن المباركة التى تزار بمكة إن شاء الله تعالى.

وكانت ولادته يوم الاثنين على الصحيح لاثنى عشر من ربيع الأول عام الفيل على الصحيح وقيل لليلتين خلتا منه. وقيل لثمان ليال وقيل لعشر خلون منه. وقيل أول اثنين منه وذلك بعد قدوم الفيل بشهر وقيل بأربعين يوما وقيل بخمسين يوما وكان قدوم الفيل على ما قيل يوم الأحد السابع عشر من المحرم سنة اثنتين وثمانين وثمانمائة من تاريخ الإسكندر ذى القرنين ، ووافق يوم ولادته صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم عشرين من شهر نيسان أحد شهور الروم. وكانت ولادته صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد هبوط آدم بستة آلاف سنة وثلاث وأربعين سنة فى ولاية كسرى أنوشروان سنة سبع عشرة منها بعد رفع عيسى بن مريم عليه‌السلام بخمسمائة وثمان وأربعين سنة. كذا ذكره العلامة الحافظ عبد الرحيم الأسيوطى الشافعى فى ورقات له.

وكان له صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الأولاد سبعة : ثلاثة ذكور وأربع إناث ، فالذكور : القاسم وبه كان يكنى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وعبد الله الطاهر ويقال الطيب أيضا ، وإبراهيم ، والإناث : رقية وزينب وأم كلثوم وفاطمة ، وكلهم من خديجة إلا إبراهيم فإن أمه مارية القبطية التى أهداها له المقوقس القبطى صاحب مصر.

وتوفى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الاثنين بلا اختلاف وقت الضحى ثانى عشر شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة لتمام عشر سنين من الهجرة وسنه ثلاث وستون سنة ، ودفن يوم الثلاثاء وقيل يوم الأربعاء صلى‌الله‌عليه‌وسلم وشرف وكرم.

(وأما نسب أبى بكر الصديق) رضى الله عنه فهو أبو بكر عبد الله بن أبى قحافة واسمه عثمان ابن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة. ومن هنا يجتمع نسبه بالنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وينسب إلى تيم فيقول التيمى ، وهو فى العدد إلى مرة مثل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لأن كل واحد بينه وبين مرة ستة آباء فهذه موافقة بينهما فى النسب كما فى العمر على أصح الأقوال.

٢٠٨

(أمه) : أم الخير سلمى بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بنت عم أبيه كذا ذكره جمهور أهل النسب أسلمت قديما فى دار الأرقم بن أبى الأرقم وسيأتى تعريفها فيما بعد إن شاء الله تعالى ، وبايعت النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وماتت مسلمة. وكان اسم أبى بكر الصديق عبد الكعبة فلما أسلم سماه النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم عبد الله ، وقيل كان اسمه عتيقا لعتاقة وجهه وجماله. والعتق ـ بالتحريك ـ الجمال ، وقيل بل لقبته به أمه لأنها كانت لا يعيش لها ولد فلما ظهر استقبلت به الكعبة ثم قالت : اللهم إن هذا عتيقك من الموت فهبه لى فعاش فلزمه ذلك ، وقيل له أخوان عتق وعتيق فسمى باسم أحدهما. وقيل : لأنه لم يكن فى نسبه شىء يعاب به. وقيل : لأنه قديم فى الخير والعتيق القديم. وقيل : لأن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : من سره أن ينظر إلى عتيق من النار فلينظر إلى هذا فسمى عتيقا لذلك.

واختلف فى تلقيبه بالصديق لأى معنى : قيل كان هذا اللقب قد غلب عليه فى الجاهلية لأنه كان من رؤساء قريش ، وكانت إليه الديات إذا تحمل دية قالت قريش صدقوه وامضوا حمالته وحمالة من قام معه ، وإذا تحملها غيره لم يصدقوه. وقيل : لتصديقه النبىصلى‌الله‌عليه‌وسلم فى خبر الإسراء. وعن على بن أبى طالب كرم الله وجهه أنه قال : إن الله أنزل اسم أبى بكر من السماء الصديق.

(صفته) كان أبيض نحيفا خفيف العارضين غائر العينين وأحنى لا يستمسك إزاره معروق الوجه ، ناتئ الجبهة عارى الأشاجع ، وقيل أسمر ، وأحنى ـ بالحاء المهملة غير مهموز ـ يعنى منحنيا وأجنأ ـ بالجيم والهمز ـ بمعناه أيضا. يقال فلان أجنأ الظهر. ومعنى معروق الوجه أى قليل اللحم ، والأشاجع جمع أشجع : وهى أصول الأصابع المتصلة بعصب ظاهر الكف ، وكان يخضب بالحناء والكتم.

(خلافته) كانت خلافة الصديق رضى الله عنه سنتين وثلاثة أشهر وعشرة أيام.

(سنه) كان عمره يوم مات ثلاثا وستين سنة كسن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(أولاده) كان له من الأولاد عبد الله وعبد الرحمن ومحمد وعائشة وأسماء.

(وفاته) قال أهل السير : توفى أبو بكر رضى الله عنه ليلة الثلاثاء بين المغرب والعشاء لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة من الهجرة ، وقيل يوم الجمعة لتسع بقين من

٢٠٩

الشهر المذكور. والأول أصح لما ورت عائشة رضى الله عنها أن الصديق لما ثقل قال : أى يوم هذا؟ قلنا له : يوم الاثنين ، قال اليوم الذى قبض فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنى أرجو فيما بينى وبين الليل ، يعنى يرجو الموت ، وكان كذلك.

(وأما نسب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه) فهو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدى بن كعب يجتمع نسبه بالنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى كعب وينسب إلى عدى فيقال له العدوى.

(أمه) : حنتمة بنت هاشم بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، ولم يزل اسمه فى الجاهلية والإسلام عمر ، وكناه النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأبى حفص ، وكان ذلك يوم بدر ، وسماه الفاروق وسببه أنه قال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد أن أسلم : ألسنا على الحق يا رسول الله إن متنا وإن حيينا؟ قال : بلى فقال عمر : ففيم الاختفاء؟ والذى بعثك لنخرجن ، فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى صفين من المسلمين حمزة فى أحدهما وعمر فى الآخر ، وله زفير حتى دخل المسجد فنظرت قريش إلى عمر وحمزة وقد أصابتهم كآبة ، فسماه النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يومئذ الفاروق. وقيل : إن رجلا من المنافقين ويهوديّا اختصما فقال اليهودى ، ننطلق إلى محمد ابن عبد الله ، وقال المنافق بل إلى كعب بن الأشرف ، فأبى اليهودى وجاء النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقضى لليهودى فلما خرجا قال المنافق ننطلق إلى عمر بن الخطاب فأقبلا عليه فقصا عليه القصة فدخل البيت ثم خرج والسيف فى يده فضرب عنق المنافق وقال : هكذا أقضى على من لم يرض بقضاء النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنزل جبريل فقال : إن عمر فرق بين الحق والباطل ، فسمى الفاروق وقيل بل سماه الله تعالى بذلك فى السماء.

(صفته) : أبيض أمهق وهو الذى لا يكون له دم ظاهر كذا وصفه أهل الحجاز ، ووصفه الكوفيون بأنه أسمر ، وكان طوالا أصلع أجلح شديد حمرة العينين خفيف العارضين. واختلف هل كان يصبغ أم لا؟ قولان. وكان رضى الله عنه من رؤساء قريش وأشرافهم وإليه كانت السفارة فى الجاهلية وهى أن قريشا كانوا إذا وقع بينهم حرب بعثوه سفيرا وإن نافرهم منافر أو فاخرهم مفاخر بعثوه منافرا ومفاخرا.

(خلافته) : قال ابن إسحاق : كانت مدة ولاية عمر عشر سنين وستة أشهر وخمسة أيام وكان يحج بالناس كل عام غير سنتين متواليتين.

٢١٠

(سنه) : اختلف أهل السير فى سن عمر فقيل ثلاث وستون سنة كسن النبىصلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبى بكر روى ذلك عن معاوية والشعبى وقيل خمس وخمسون سنة روى ذلك عن سالم ابن عبد الله بن عمر ، وقال الزهرى أربع وخمسون سنة ذكر جميع ذلك الحافظ أبو عمر والسلفى وغيرهما. وعن ابن عمر قال سمعت عمر يقول قبل موته بسنتين أو ثلاث : أنا ابن سبع أو ثمان وخمسين.

(عدة أولاده) : قال أهل السير كان له ثلاثة عشر ولدا تسعة بنين وأربع بنات بعضهم أشقاء وبعضهم من أمهات.

(وفاته) : توفى عمر رضى الله عنه مقتولا شهيدا لأربع بقين من الحجة سنة ثلاث وعشرين من الهجرة ، وقيل : بل طعن لأربع بقين. ومات فى آخر شهر ذى الحجة. واتفقوا على أنه أقام بعد ما طعن ثلاثا. ثم مات وروى أن عثمان وعليّا استبقا على الصلاة عليه فقال لهما صهيب : إليكما عنى فقد وليت من أمركما أكثر من الصلاة عليه وأنا أصلى بكما المكتوبة فصلى عليه صهيب. وروى أن ملك الموت لما دخل على عمر سمعه عمر وهو يقول لملك آخر معه : هذا بيت أمير المؤمنين ما فيه شىء كأنه القبر ، فقال له عمر : يا ملك الموت من تكون أنت خلفه هكذا يكون بيته.

(وأما نسب أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضى الله عنه) فهو عثمان بن عفان بن أبى العاص ابن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف يجتمع نسبه مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فى عبد مناف وينسب إلى أمية فيقال الأموى.

(أمه) أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف القرشية أسلمت أمها البيضاء أم حكيم بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم شقيقة أبى طالب.

(صفته) : كان رجلا ربع القد ليس بالقصير ولا بالطويل حسن الوجه بوجنتيه آثار جدرى أقنى رقيق البشرة عظيم اللحية طويلها أسمر اللون كثير الشعر له جمة أسفل من أذنيه ولكثرة شعر رأسه ولحيته سماه أعداؤه نعتلا ـ بالنون ثم العين المهملة ثم تاء مثناة من فوق ـ ضخم الكراديس بعيد ما بين المنكبين أصلع ، وكان يصفر لحيته ويشد أسنانه بالذهب ، وكان محببا فى قريش ، وفيه يقول قائلهم : أحبك الرحمن حب قريش عثمان.

٢١١

(خلافته) كانت خلافته اثنتى عشرة سنة إلا اثنى عشر يوما قاله ابن إسحاق. وقيل كانت إحدى عشرة سنة وأحد عشر شهرا وأربعة عشر يوما.

(سنه) اختلف أهل السير فى سن عثمان رضى الله عنه فقيل ثمانون سنة وقيل وثمان وثمانون ، وقيل اثنتان وثمانون ، وقيل ست وثمانون ، وقيل تسعون.

(عدة أولاده) كانت أولاده ستة عشر ولدا تسعة ذكور وسبع إناث.

(وفاته) قال ابن إسحاق : كان قتل عثمان يوم الأربعاء بعد العصر ودفن يوم السبت قبل الظهر ، وقيل يوم الجمعة لثمان عشرة أو سبع عشرة خلت من ذى الحجة ، وقيل فى وسط أيام التشريق ، وقيل مصدر الحاج سنة خمس وثلاثين ، وروى أنه مكث مطروحا يومه إلى الليل ، وقيل ثلاثة أيام ثم دفن وصلى عليه جبير بن مطعم ، وقيل المسور بن مخرمة ، وقيل حكيم بن حزام ، وقيل الزبير ، وكان عثمان رضى الله عنه أوصى بالصلاة عليه ، وقيل بل صلى عليه ابنه عمرو الذى كان يكنى به ، وشاهد الناس الملائكة وهى تصلى عليه رضى الله عنه وأرضاه ، ومن خصائصه أنه لا يحاسب. روى عن على بن أبى طالب رضى الله عنه أنه قال يا رسول الله : من أول من يحاسب يوم القيامة؟ قال : أبو بكر. فقال على : ثم من يا رسول الله؟ قال : ثم عمر ثم أنت يا على ، قلت يا رسول الله : أين عثمان؟ قال : إنى سألت عثمان حاجة سرا فقضاها سرا فسألت الله أن لا يحاسبه. كذا فى «الرياض» للمحب الطبرى.

(وأما نسب سيدنا أمير المؤمنين على كرم الله وجهه) : فهو على بن أبى طالب بن عبد المطلب أقرب العشرة إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يجتمع نسبه مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى عبد المطلب الجد الأول وبعده فى القرب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عثمان وينسب إلى هاشم فيقال القرشى الهاشمى ابن عم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(أمه) فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف القرشية الهاشمية أول هاشمية ولدت هاشميا أسلمت وتوفيت بالمدينة وصلى عليها النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتولى دفنها وكانت ربت النبىصلى‌الله‌عليه‌وسلم وكناه النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأبى تراب لأنه نام فى المسجد فسقط رداؤه عن ظهره ومسه التراب فرآه النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو بتلك الحال فمسح التراب عن ظهره وقال له : اجلس أبا تراب ويكنى بأبى الحسن وهو أشهر.

٢١٢

(صفته) ربع القامة أدعج العينين عظيمهما حسن الوجه عظيم البطن أصلع ليس فى رأسه من الشعر إلا شىء يسير من خلفه كثير شعر اللحية. ومن خصائصه كرم الله وجهه أنه أول من يقرع باب الجنة بعد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأول من يجثو بين يدى الله عزوجل يوم القيامة للخصومة.

(خلافته) كانت خلافته أربع سنين وثمانية أشهر ، فمدة خلافة الأربعة على الصحيح تسعة وعشرون سنة وخمسة أشهر وثلاثة أيام ، وقد قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : الخلافة بعدى ثلاثون سنة ، ثم تكون ملكا فإما أن يكون أطلق على ذلك ثلاثين لقربه منها أو تكون مدة ولاية الحسن محسوبة منها وهى تكملتها.

أقول : يشكل ذلك بما رواه سهل بن أبى حثمة أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال بعد كلام : ألا وإن الخلفاء بعدى أربعة والخلافة بعدى ثلاثون سنة نبوة ورحمة ، ثم خلافة ورحمة ، ثم ملك ، ثم جبرية وطواغيت ، ثم عدل وقسط ألا وإن خير هذه الأمة أولها وآخرها أخرجه أبو الخير القزوينى الحاكمى. ووجه الإشكال : التصريح بأن الخلفاء أربعة بعده صلى‌الله‌عليه‌وسلم فكيف تحسب مدة الحسن؟ ويمكن أن يجاب عنه بأن مدة الحسن لما كانت يسيرة لم يعده خامسا ، وإنما عد الأربعة لطول مدتهم ومعظم خلافتهم هذا على تقدير صحة هذه الرواية وتسليمها وإلا فلا يرد الإشكال من أصله.

(عدة أولاده) : ثلاثة وثلاثون ولدا : خمسة عشر ذكرا ، وثمانى عشرة أنثى وقيل : إن الذكور أربعة عشر.

(وفاته) : كان قتله فى صبيحة يوم سبعة عشر فى رمضان وقيل ليلة الجمعة لثلاث عشرة منه ، وقيل لإحدى عشرة ليلة خلت منه أو بقيت ، وقيل : لثمان عشرة ليلة منه سنة أربعين من الهجرة ومات من يومه ودفن بالكوفة ليلا. واختلف هل قتل وهو فى الصلاة أو قبل الدخول فيها أقوال. وهل استخلف من أتم الصلاة على القول بأنه قتل وهو فيها أو أتمها هو ، فالأكثر أنه استخلف جعدة بن هبيرة وجهل موضع قبره ، وكان ذلك حكمة من الله وغسله الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر وصلى عليه ابنه الحسن. وروى أنه كان عنده مسك فاضل من حنوط رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أوصى أن يحنط به ذكره البغوى. ولما بلغ عائشة موته قالت : لتصنع العرب ما شاءت فليس لها أحد ينهاها. وعن أنس رضى الله عنه قال

٢١٣

سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : أخبرنى جبريل أن الله تعالى لما خلق آدم وأدخل الروح فى جسده أمرنى أن آخذ تفاحة من الجنة فأعصرها فى حلق آدم فعصرتها فخلقك الله يا محمد من النقطة الأولى وخلق من الثانية أبا بكر ومن الثالثة عمر ومن الرابعة عثمان ومن الخامسة عليا. فقال آدم : يا رب من هؤلاء الذين أكرمتهم؟ فقال الله تبارك وتعالى : هؤلاء من ذريتك وهم أكرم عندى من جميع خلقى. فلما عصى آدم ربه قال يا رب بحرمة أولئك الخمسة الذين فضلتهم إلا تبت علىّ فتاب الله عليه أخرجه الطبرى فى «الرياض» وعن أنس رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «إن الله افترض عليكم حب أبى بكر وعمر وعثمان وعلى كما افترض الصلاة والزكاة والصوم والحج» أخرجه الملا فى «سيرته».

(وأما نسب طلحة رضى الله عنه) : فهو طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد ابن تيم بن مرة ويكنى بأبى محمد يجتمع نسبه مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فى مرة بن كعب ومع أبى بكر فى عمرو بن كعب بن سعد بن تيم وينسب إليه كأبى بكر فيقال القرشى التيمى. أمه الصعبة بنت عبد الله بن عباد بن ملك بن ربيعة الحضرمى أخت العلاء بن الحضرمى أسلمت.

(صفته) : أسمر اللون كثير الشعر حسن الوجه وكان لا يصبغ شعره مربوعا إلى القصر أقرب. ومن خصائصه بروكه للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى صعد على ظهره إلى الصخرة فبشره صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن جبريل لا يراه فى القيامة فى مهم إلا أنقذه منه.

(سنه) : ستون سنة وقيل اثنتان وستون وقيل أربع وستون ، وقيل غير ذلك.

(عدة أولاده) : كان له من الأولاد أربعة عشر ولدا عشر ذكور وأربع إناث.

(وفاته) : كان مقتل طلحة رضى الله عنه يوم الجمل وكان يوم الخميس لعشر خلون من جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين من الهجرة.

(نسب الزبير رضى الله عنه) : هو أبو عبد الله الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى ابن قصى يجتمع نسبه مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى قصى بن كلاب وينسب إلى أسد بن عبد العزى فيقال القرشى الأسدى.

(أمه) : صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أسلمت وهاجرت. روى عنه

٢١٤

أنه قال لابنه عبد الله : يا بنى كانت عندى أمك أسماء بنت أبى بكر وعند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أختها عائشة خالتك وعمة أبى أم حبيبة بنت أسد جدته صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأمى صفية عمته وأمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف وأختها هالة بنت وهب بن عبد مناف جدتى وخديجة بنت خويلد زوجته عمتى.

(صفته) : ليس بالطويل ولا بالقصير ، وقيل كان طويلا يخط رجلاه فى الأرض إذا ركب خفيف اللحية أسمر اللون أشعر ، وكان لا يغير شيبه ، وهو أول من سل سيفا فى سبيل الله فدعا له النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالخير ودعا لسيفه.

(سنه) : سبع وستون سنة ، وقيل ست وستون ، وقيل أربع وستون ، وقيل ستون ، وقيل واحد وستون ، وقيل خمس وسبعون وقيل بضع وخمسون.

(أولاده) : كان أولاده عشرين ولدا أحد عشر ذكرا وتسع بنات.

(وفاته) قتل رضى الله عنه يوم وقعة الجمل يوم الخميس لعشر خلون من جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين من الهجرة.

(نسب سعد رضى الله عنه) هو سعد بن مالك بن أبى وقاص بن وهب وقيل وهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة. يجتمع نسبه مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى كلاب بن مرة. ويجتمع هو وعبد الرحمن بن عوف فى زهرة كما سيأتى ، وينسب إلى زهرة بن كلاب فيقال القرشى الزهرى. ومن فضائله رضى الله عنه شهادة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بنسبه. روى عنه أنه قال للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من أنا يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ قال : أنت سعد بن مالك بن وهيب بن عبد مناف بن زهرة ، من قال غير ذلك ، فعليه لعنة الله.

(أمه) حمنة بنت سفيان بن أمية بن عبد شمس ، ولم يزل اسمه فى الجاهلية والإسلام سعدا ، وكنيته أبو إسحاق.

(صفته) كان رجلا قصيرا غليظا ذا هامة ، أسمر اللون جعد الشعر أشعر الجسد ويخضب بالسواد. وقيل : إنه كان طوالا ، وهو أول من رمى سهما فى سبيل الله ، وكان مجاب الدعوة لدعاء النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم له بذلك حيث قال : اللهم استجب لسعد إذا دعاك. وقوله

٢١٥

صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اللهم سدد سهمه وأجب دعوته وجمع له النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين أبويه ولم يجمع لأحد غيره ، وذلك أنه جعل يقول له يوم أحد ارم يا سعد فداك أبى وأمى.

(سنه) كان له من العمر يوم مات بضع وستون سنة ، وقيل بضع وسبعون ، وقيل بضع وثمانون وقيل بضع وتسعون.

(أولاده) كان له من الأولاد أربعة وثلاثون ولدا ، سبعة عشر ذكرا ، وسبع عشرة أنثى. (وفاته) توفى رحمه‌الله سنة خمس وخمسين من الهجرة ، وقيل أربع وخمسين ، وقيل ثمان وخمسين وكف بصره فى آخر عمره ، وكان آخر العشرة موتا.

(نسب سيدنا سعيد) هو سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بن عد العزّى بن رياح(١) بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدىّ بن كعب بن لؤىّ يجتمع نسبه بالنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى كعب بن لؤىء ومع سيدنا عمر فى نفيل بن عبد العزى المتصل بكعب. وينسب إلى عدى فيقال القرشى العدوى وعمر بن الخطاب رضى الله عنه ابن عم أبيه ، ولم بزل اسمه فى الجاهلية والإسلام سعيدا ويكنى بأبى الأعور.

(أمه) فاطمة بنت بعجة بن ملح الخزاعية.

(صفته) كان أسمر اللون طويلا أشعر.

(سنه) كان سنه بضعا وسبعين سنة بتقديم السين. قال أهل السير : كان له من الأولاد واحدا وثلاثون ولدا ، ثلاثة عشر ذكرا وثمان عشرة أنثى.

(وفاته) توفى رحمه‌الله بالعقيق وحمل إلى المدينة ودفن بها سنة خمسين من الهجرة أو إحدى وخمسين فى أيام معاوية.

(نسب سيدنا عبد الرحمن) هو عبد الرحمن بن عثمان بن عوف بن عبد الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة يجتمع نسبه مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى كلاب بن مرة ويجتمع هو وسعد فى زهرة وينسب إليه فيقال القرشى الزهرى.

(أمه) الشفاء بنت عوف بن عبد الحارث الزهرية ابنة عم أبيه ، أسلمت وهاجرت كان

__________________

(١) تحرف فى د والمطبوع إلى : «رباح».

٢١٦

اسمه فى الجاهلية عبد عمرو ، وقيل عبد الحرب وقيل عبد الكعبة ، فسماه النبىصلى‌الله‌عليه‌وسلم عبد الرحمن وكان يصفه بالصادق البار.

(كنيته) : أبو محمد.

(صفته) : كان طويلا حسن الوجه رقيق البشرة أبيض اللون مشربا بحمرة وكان لا يصبغ لحيته ضخم الكفين غليظ الأصابع أقنى جعد الشعر له جمة من أسفل أذنيه ساقط الثنيتين وبه عرج من جراحة أصيب بها يوم أحد ، ومن خصائصه صلاة النبىصلى‌الله‌عليه‌وسلم خلفه فى بعض الأحوال.

(سنه) : كان عمره خمسا وسبعين سنة وقيل ثلاثا وسبعين وقيل اثنتين وسبعين. ودفن بالبقيع وقبره معروف. وصلى عليه عثمان بن عفان وكان أوصاه بذلك.

(أولاده) : كان له من الأولاد ثمانية وعشرون ولدا عشرون ذكورا وثمان إناث.

(وفاته) : قال أهل السير : توفى عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه سنة إحدى وثلاثين من الهجرة النبوية وقيل سنة اثنتين وثلاثين منها ، وكان ذا مال عظيم ودنيا طائلة حتى روى أن إحدى زوجاته صولحت عن نصيبها من الميراث على ثمانين ألف دينار.

(نسب سيدنا عامر) : هو أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أهيب بن منبه بن الحارث بن فهر ، وهو قرشى يجتمع نسبه مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فى فهر بن مالك الذى هو جماع قريش وينسب إلى فهر فيقال القرشى الفهرى وهو أبعد العشرة نسبا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(أمه) من بنى الحارث بن فهر أسلمت ولم يزل اسمه فى الجاهلية والإسلام عامرا.

(وكنيته) أبو عبيدة.

(صفته) كان رجلا طويلا نحيفا أثرم الثنيتين خفيف اللحية يخضب بالحناء والكتم وسبب خروج ثنيتيه أنه انتزع سهمين من جبهة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم أحد وقيل إن المنتزع حلقتا الدرع. قال الطبرى : ويجوز أن يكون السهمان أثبتا حلقتى الدرع فانتزع الجميع.

٢١٧

ونقل أنه مارئى أهتم كان أحسن منه رضى الله عنه والأهتم والأثرم بمعنى واحد. ومن خصائصه شهادة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأنه أمين هذه الأمة.

فائدة : قال العلماء : إذا شهد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم لبعض أصحابه بفضيلة عليهم وجب القطع بأنه أفضل منهم فى تلك الفضيلة ، فيجب أن يقطع بأن أبا عبيدة أفضل من أبى بكر وعمر وغيرهما فى فضيلة الأمانة. وأن أبا ذر أفضل منهم جميعا فى تحرى الصدق حيث قال فيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أصدقكم لهجة أبو ذر ، وأن عليا كرم الله وجهه أقضاهم حيث قال : أقضاكم على ، وأن معاذا أعلمهم بالحلال والحرام حيث وصفه بذلك والفضل المطلق لأبى بكر الصديق بلا خلاف. انتهى.

(سنه) : كان له من العمر يوم مات [ثمان وخمسين سنة (١)].

هذا تمام نسب العشرة الكرام رضى الله عنهم فما خرج أحد منهم عن قريش وكلهم نسبه ثابت من قريش من الجهتين من جهة أبيه ومن جهة أمه ما عدا طلحة وسعيد بن زيد فإن أميهما غير قرشيتين لأن أم طلحة بنت الحضرمى وأم سعيد خزاعية كما تقدم.

ذكر وصف كل واحد من العشرة

رضى الله عنهم بصفة حميدة

عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أرحم أمتى أبو بكر ، وأقواهم فى دين الله عمر ، وأشدهم حياء عثمان ، وأقضاهم على بن أبى طالب ، ولكل نبى حوارىّ ، وحواريّى طلحة والزبير وحيث ما كان سعد بن أبى وقاص كان الحق معه ، وسعيد بن زيد من أحباء الرحمن ، وعبد الرحمن بن عوف من تجار الرحمن ، وأبو عبيدة بن الجراح أمين الله وأمين رسوله ، ولكل نبى صاحب سر ، وصاحب سرى معاوية بن أبى سفيان ، فمن أحبهم فقد نجا ، ومن أبغضهم فقد هلك.

(وعنه) صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : أبو بكر فى الجنة وعمر فى الجنة إلى تمام العشرة. وعن أنس رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من أحسن القول فى أصحابى فقد برئ من النفاق ومن

__________________

(١) مكان ما بين حاصرتين بياض بالأصلين ، والتكملة عن الاستيعاب ج ٤ ص ١٧١١.

٢١٨

أساء القول فى أصحابى كان مخالفا لسنتى ومأواه النار وبئس المصير : وهذا عام فى جميع الصحابة فحصل الفضل للعشرة خصوصا وعموما.

وروى أن الله تعالى جمع بين أرواح العشرة قبل خلقهم وخلق من أنوار تلك الأرواح طائرا واحدا وهو فى الجنة. أخرجه الملا فى «سيرته» وغيره فانظر كيف جمع الله بينهم أرواحا قبل خلقهم أشباحا ثم جمع بينهم أشباحا وأرواحا فى النسب والصحبة والإخاء والتوادد والتراحم فى محبة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم فى الجنة ، فالسعيد من تولى جملتهم وجملة جميع الصحابة ولم يفرق بين أحد منهم واهتدى بهديهم وتمسك بحبلهم. والشقى من تعرض للخوض فيما شجر بينهم وأتبع نفسه هواها فى سب أحد منهم فلله الحمد والمنة والفضل أن أعاذنا من ذلك ونسأله تمام هذه المنة ودوامها إلى الممات مع حسن الخاتمة آمين. عدنا لما نحن بصدده.

(اعلم) : أنه قد اختلف فى قريش لم سميت قريشا ، فقيل : سميت باسم دابة تسكن البحر يقال لها القرش تشبيها لهم بها لشدتهم ومنعتهم (١) ، لأن هذه الدابة تأكل ولا تؤكل وتعلو ولا تعلى. قال فى «المدارك» وهى دابة عظيمة تعبث بالسفن فلا تطاق إلا بالنار والتصغير للتعظيم انتهى ، وفى شعر اللهبى :

وقريش هى التى تسكن البح

ر بها سميت قريش قريشا

تأكل الغث والسمين ولا تت

رك فيه لذى الجناحين ريشا

هكذا فى البلاد حى قريش

يأكلون البلاد أكلا قشيشا

ولهم آخر الزمان نبى

يكثر القتل فيهم والخموشا (٢)

والقشيش مصدر قشت الحية ، وهو صوتها من جلدها ، وقيل سميت بقريش بن يخلد ابن غالب بن فهر ، وكان صاحب عيرهم فكانوا يقولون قدمت عير قريش وخرجت عير

__________________

(١) شفاء الغرام ج ٢ ص ١٠٥.

(٢) الشعر لدى الأزرقى فى أخبار مكة ج ١ ص ١٠٩.

٢١٩

قريش. وقيل : إن قصيا قرشها أى جمعها من الأقطار وردها إلى مكة ولذلك سمى مجمعا كما تقدم فى شعر الفضل بن عباس بن عتبة ، ومن شعره أيضا :

نحن كنا سكانها من قريش

وبنا سميت قريش قريشا

وقيل : بل كان اسم قصى قريش فسميت به والأشهر أن اسمه زيد كما تقدم ، وقيل:لأنهم كانوا يتقرشون فى البياعات أى يتكسبون ، والتقرش التكسب ، وقيل : إن النضر كان يقال له القرشى فسموا باسمه ، وقيل : لأنهم كانوا يقرشون عن خلة الحاج فيسدونها ، والتقريش : التفتيش ويدل لذلك قول الحارث بن حلّزة (١) اليشكرىّ :

أيها الناطق المقرش عنا

عند عمرو فهل لنا إيفاء

أى المفتش. واعلم أن قريشا ثلاثة أصناف : صنف منهم قريش الأباطح ويسمون أيضا قريش البطاح ، وصنف منهم قريش الظواهر ، والصنف الثالث ليسوا من الأباطح ولا من الظواهر. أما قريش الأباطح : فبنو عبد مناف وأسد بن عبد العزى بن قصى ، وزهرة وتيم ، وبنو مخزوم وبنو سهم وجمح وعدى وبنو حسل (٢) بن عامر بن لؤى ، وبطنان من بنى الحارث بن فهر. وأما قريش الظواهر : فبنو الأدرم بن غالب ، وبنو محارب ، وبنو فهر الأبطنين ، وبنو معيص (٣) بن عامر بن لؤى. وأما غير هؤلاء من قريش فليسوا من الأباطح ولا من الظواهر وذلك لأنهم خرجوا عن مكة فتنحوا عن البلاد. منهم سامة بن لؤى وقع بعمان ، وجثم بن لؤى ، وهو خزيمة وقع باليمامة فهم فى بنى هزّان من عنزة (٤) وبنانة فى شيبان وهم بنو سعد بن لؤى ، وهو فى شيبان ، وبنو الحارث بن لؤى وهم أيضا فى بنى أبى ربيعة بن شيبان بن ذهل بن شيبان ، وإنما سموا الأباطح لأن قصيا أدخلهم معه إلى بطن مكة وأقام الآخرون بالظواهر كذا فى «الغاية» للإتقانى ، وعزاه إلى «شرح ديوان كثير» لمحمد بن حبيب.

__________________

(١) تحرف فى الأصل والمطبوع إلى : «خلدة» وصوابه فى المفضليات ١٣٢ ، الشعر والشعراء ج ١ ص ١٩٧.

(٢) تحرف فى المطبوع إلى : «حنيبل».

(٣) تحرف فى الأصلين؟؟؟ إلى «بنو معيض» وصوابه لدى ابن هشام ج ٢ ص ٥٩٢.

(٤) تحرف فى المطبوع إلى : «عترة» وصوابه من : د وجمهرة ابن حزم ص ١٣.

٢٢٠