الجامع اللطيف

ابن ظهيرة

الجامع اللطيف

المؤلف:

ابن ظهيرة


المحقق: الدكتور علي عمر
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ١
ISBN: 977-341-085-4
الصفحات: ٣٤٦

ومنها : أيضا خصال خمس تتعلق بمنى :

الأولى : أن حصى الجمار على كثرته وتزايده فى كل عام يمتحق ويرى على قدر واحد وقد ورد أن ما تقبل رفع ولو لا ذلك لصار ركاما.

الثانية : أن اللحوم فى أيام متى تشرق وتوضع على الجدران وعلى صخرات الجبال وأسطحة البيوت وهى محروسة بحراسة الله تعالى من خطف الطيور ، وقد شوهد أن الحدأة إذا رأت شيئا أحمر بيد إنسان أو على رأسه انقضت عليه لكى تخطفه وهى تحوم على تلك اللحوم لا تستطيع أن ترزأ منها شيئا. وقيل : إنما سميت أيام التشريق لهذا المعنى.

الثالثة : أن الذباب فى أيام منى لا يقع على الطعام بل يؤكل العسل ونحوه فلا يقع فيه، بل قل أن يحوم عليه هذا مع كثرة العفونات الجالبة لكثرة الذباب فإذا انقضت تلك الأيام تهافت الذباب على ذلك حتى لا يطيب للطاعم طعام وفى ذلك عبرة.

الرابعة : اتساعها للحجيج. روى أبو الدرداء رضى الله عنه قال : قلنا يا رسول الله إن أمر منى لعجيب هى ضيقة فإذا نزلها الناس اتسعت ، فقال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنما مثل منى كالرحم إذا حملت وسعها الله تعالى.

الخامس : أن البعوض تكون كثيرة بمنى فى طول السنة إلا فى أيام الموسم فإنها تقل فيها جدا. ذكره أبو سعيد فى «الوفا».

أقول : بل لعل البعوض لا يوجد فى أيام الموسم بمنى ، وإن وجد القليل منه فلا يؤذى وقد جربت ذلك والله الموفق.

فصل

وأما المسجد الحرام فاعلم أن له أربعة استعمالات :

أحدها : نفس الكعبة لقوله تعالى : (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ.)

الثانى : الكعبة وما حولها من المسجد. قال النووى : وهو الغالب ، واستدل له بقوله تعالى : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) إذ المراد به نفس المسجد فى قول أنس بن مالك رضى الله عنه ورجحه الطبرى. وفى الصحيح ما يقويه وعليه فهل كان الإسراء

١٦١

من الحجر أو من الحطيم قولان ، وقيل أسرى به من بيت أم هانئ. وقيل من شعب أبى طالب فيكون المراد على هذا فى هذه الآية مكة كما فى القول الآتى.

قال ابن المنير : وهذه الآية لا تنافى شيئا من هذه الروايات الأربع ، لأن المسجد الحرام مكة بل الحرم بجملته وهذه البقاع كها داخلة فى اللفظ. انتهى.

الثالث : جميع مكة لقوله تعالى : (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ) (سورة الفتح : ٢٧) قال ابن عطية : وأعظم القصد هنا مكة.

الرابع : جميع الحرم الذى يحرم صيده ومنه قوله تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) (سورة التوبة : ٧) وعهدهم إنما كان بالحديبية ، وهى من الحرم وكذا قوله : (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ) (سورة التوبة : ٢٨) وقوله كذلك : (لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) (سورة البقرة : ١٩٦) قال ابن عباس : إنه جميع الحرم. قال الماوردى : حيث ذكر الله المسجد الحرام فى كتابه فالمراد به الحرم إلا فى قوله تعالى : (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) (سورة البقرة : ١٤٤) فإن المراد به الكعبة شرفها الله تعالى.

استطراد مفيد

فى الكلام على تعيين ليلة الإسراء (١) ويومها الذى أسفرت عنه

ومكانه من العشر ومكان العشر من الشهر ومكان الشهر

من السنة ومكانها من السنين لأن الشىء بالشىء يذكر

وحيث ذكرت آية الإسراء رأيت أن أذكر ما يتعلق

بتاريخ الإسراء لما فيه من زيادة الفائدة مع بيان ما هو

المعتمد والمرجح فأقول

اعلم أن للعلماء فى تعيين ليلة الإسراء أقوالا كثيرة ، فقيل : إنه كان ليلة سبع وعشرين من ربيع الآخر قبل الهجرة بسنة قاله إبراهيم الحربى ورجحه ابن المنير كما ستقف عليه قريبا.

__________________

(١) تناولت كتب السيرة والتاريخ والتفسير موضوع الإسراء بشىء من التفصيل.

١٦٢

وقيل بعد المبعث بخمس سنين وقيل بعده بخمسة عشر شهرا. وقال ابن إسحاق : أسرى به صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد فشا الإسلام بمكة والقبائل. وقيل ليلة سبع وعشرين فى رجب قاله الغزالى فى الإحياء. وقال الحافظ مغلطاى بعد ذكر مقالة الحربى. وقيل فى رجب إجمالا من غير تعيين وقيل غير ذلك. وفى مسلم فى طريق شريك أنه قبل أن يوحى إليه.

قال العلامة المحقق المجتهد ناصر الدين أحمد بن المنير المالكى رحمه‌الله : ولا يصح هذا بوجه إلا على القول بأنه منام كما وقع لعائشة رضى الله عنها أنها قالت : إنه كان بالمدينة بعد الهجرة وأنه منام. وأصحها عندى ما قاله إبراهيم الحربى وقال ورجح القاضى عياض قول من قال إنه قبل الهجرة بخمس سنين. وقول ابن إسحاق على القول بأنه قبل الهجرة بسنة ، وضعف هذا القول بأن خديجة صلت معه قبل أن تموت بلا خلاف بين أهل السير مضافا إلى أن خديجة رضى الله عنها ماتت قبل الهجرة بمدة أقل ما قيل فيها ثلاث سنين ، ومضافا إلى أن الصلاة لم تفرض إلا فى الإسراء.

وهذا عندى لا يلزم منه تخطئة القول بأنه قبل الهجرة بسنة لأن الصلاة التى صلتها خديجة معه صلى‌الله‌عليه‌وسلم هى التى كان يصليها صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل الإسراء غير محدودة ولا معدودة بعدد المكتوبات المستقرة ، ألا ترى أن مسلما ذكر فى حديث ابن حماد أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى ببيت المقدس ركعتين قبل أن يعرج إلى السماء ، فدل أن الصلاة كانت مشروعة فى الجملة وقد كان قيام الليل واجبا عليه صلى‌الله‌عليه‌وسلم باتفاق بل كانت الصلاة مشروعة فى الملل السالفة لكن على غير هذا التحديد.

فظهر أن لا حجة فى ذلك على القائل بما اخترناه ، ثم الحجة لنا فى ترجيحه أن كل قول سواه خرج مخرج التقدير لا التحديد ، لأنه لم يعين فيه الشهر فضلا عن اليوم. وأما قول الحربى فإنه عين فيه الليلة بعينها من الشهر بعينه من السنة بعينها كما تقدم. وإذا تعارض خبران أحدهما أحاط روايه بتفصيل فى القضية زائد على الإجمال الذى فى غيره فالمحيط علما بالتفضيل أحضر ذهنا وأوعى قلبا من الآخر.

فإن قلت : هل يمكن تعيين اليوم الذى أسفرت عنه تلك الليلة بعينه من أيام الجمعة؟ قلت : يمكن ذلك بعون الله ويكون يوم الاثنين إن شاء الله تعالى ، وذلك أننى استقرأته من

١٦٣

تاريخ الهجرة ، وأصح قول فيها أنها كانت يوم الاثنين وثانى عشر شهر ربيع الأول أعنى وصوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المدينة قيل ضحى ، وقيل عند استواء الشمس وإذا كان الثانى عشر من الشهر الاثنين كان أوله الخميس قطعا وإذا كان أوله الخميس كان أول شهر ربيع الأول من السنة التى فيها الإسراء : إما السبت أو الأحد أو الاثنين لأن بين كل يومين متقابلين من سنتين متواليتين إما ثلاثة أو أربعة أو خمسة ، ولهذا تكون الوقفة من كل سنة خامس يوم من الوقفة التى قبلها أو رابعه أو سادسه.

وأعدل الاحتمالات الخامس ، فالجمعة تعقبها الثلاثاء والاثنين تعقبها الجمعة ، وقد يكون الرابع وقد يكون السادس وذلك بحسب توالى التمامات فى الشهور أو النقصانات فبنى من هذه الاحتمالات الثلاثة على الأقل ، فيكون أول ربيع الأول من سنة الإسراء الاثنين ، ويكورن أول ربيع الآخر وهو شهر الإسراء الأربعاء لأنا فرضنا ربيعا الأول تاما وإذا كان أول شهر الإسراء كان السابع والعشرين منه يوم الاثنين وهو يوم الاثنين إن شاء الله تعالى الذى أسفرت عنه ليلة الإسراء.

وإنما رجحنا تمام الشهر ليوافق كون المولد يوم الاثنين ، وكون المبعث يوم الاثنين ، وكون الهجرة يوم الاثنين ، وكون الوفاة كذلك. فإن هذه أطوار الانتقالات النبوية وجودا ونبوة وهجرة ومعراجا ووفاة ، فهذه خمسة أطوار اتفقوا على أربعة منها أنها يوم الاثنين فيقرب جدا أن يكون الخامس أسوتها ، ويكون هذه اليوم فى حقه صلى‌الله‌عليه‌وسلم كيوم الجمعة فى حق آدم عليه‌السلام فيه خلق وفيه نزل إلى الأرض وفيه تيب عليه وفيه مات ، وهذا نظر صحيح لا يحتاج إلا توفيقا من القائل وإنصافا من السامع. وقد ثلج به الصدر إن شاء الله تعالى.

ويجوز أن تبنى أيضا أن بين اليومين أربعة فيكون أول شهر ربيع الأول من سنة الإسراء الأحد ، وأول شهر ربيع الآخر الثلاثاء فيكون السابع والعشرون منه الأحد ، فوقع الإسراء فى الليلة التى بين الأحد والاثنين على القول بأن الليلة تتبع اليوم الذى قبلها ، فيصح أنها الليلة التى كان يسفر صباحها عن يوم الاثنين فاستقر على الاحتمالين تعلق الإسراء بيوم الاثنين.

١٦٤

ويدل على أن الليلة تتبع اليوم الذى قبلها أن ليلة عرفة هى التى بعد يوم عرفة ولهذا يجزئ الوقوف فيها إلى طلوع الفجر ولا يجزئ فى الليلة التى قبلها بالإجماع ، وقد ورد أن الإسراء كان ليلة الجمعة وهذا نقل محض يطلب فيه الصحة ولم يعضد بأصول تقربه من الحق بخلاف ما قدمناه ، فقد بينا الأصول التى تقتضيه نقلا واستنباطا.

وأمكن عندى على القول الذى اخترناه أن يكون ليلة الجمعة ، وذلك بأن نفرض بين اليومين المتقابلين خمسة أيام فيكون الثانى سادس الأول. وقد اتفق هذا العام أن كانت الوقفة الأربعاء والوقفة التى قبلها الجمعة ، فجاءت هذه سادس تلك ، وإنما قلنا إنها ليلة الجمعة على هذا التقدير لأنه قد استقر أن ربيعا الأول سنة الهجرة كان أوله الخميس ونفرضه ناقصا ليكون ربيع الآخر من سنة الهجرة الجمعة ، فيكون أول ربيع الآخر من السنة التى قبلها وهى سنة الإسراء الأحد ، فيكون السابع والعشرون منه الجمعة ، وهى ليلة الإسراء وهو لائق بالإسراء لأجل فضيلة ليلة الجمعة.

(تنكيت لطيف) يرجع ما قاله الحربى وذلك أن ليلة سبع وعشرين تضاهى فى العدد أقعد الليالى بليلة القدر ، وهى ليلة سبع وعشرين من رمضان.

(تنكيت ألطف من الأول) اعتبرت هذه الليالى الثلاث الفاضلات : ليلة نصف شعبان ، وليلة سبع وعشرين من رمضان وهى ليلة القدر وليلة عرفة. فوجدتها لا تزال متواخية إن كانت واحدة منها الجمعة كان الكل الجمعة وكذلك غير الجمعة من الأيام ، وإن لم توافق ليلة عرفة الليلتين المذكورتين فلا بد أن يوافقهما يوم التروية. انتهى ما قاله ابن المنير باختصار ، فرحمه‌الله من إمام محقق حرى أن يكتب كلامه بماء الذهب والله أعلم.

١٦٥

استطراد ثان

(فى الكلام على متن حديث الاسراء)

استحسنت الإتيان به عقيب آية الإسراء للمناسبة ولما سأذكره

بعد من فوائد جليلة يعز وجودها ترجع إلى الحديث المذكور ،

وأولى ما يعتمد عليه حديث ثابت البنانى عن أنس لأنه سالم مما

وقع فى ظاهر حديث غيره من التعارض فرأيت أن أذكره

أولا باختصار ليكون أصلا ، ثم أذكر ما سواه مما ورد من الطرق

تبعا له باختصار أيضا فأقول

روى مسلم فى «صحيحه» (١) عن حمّاد بن سلمة ، عن ثابت البنانىّ ، عن أنس رضى الله عنه ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : أتتت بالبراق وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل ، يضع حافره عند منتهى طرفه. قال : فركبته حتى أتيت بيت المقدس فربطته بالحلقة التى تربط بها الأنبياء ، ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ، ثم خرجت فجاءنى جبريل عليه‌السلام بإناء من خمر وإناء من لبن ، فاخترت اللبن ، فقال جبريل : اخترت الفطرة (٢).

ثم عرج (٣) بنا إلى السماء ، فاستفتح جبريل فقيل : من أنت؟ قال : جبريل. قيل : ومن معك؟ قال : محمد ، قيل : وقد بعث إليه؟ قال : قد بعث إليه.

ففتح لنا فإذا أنا بآدم عليه‌السلام فرحب بى ودعا لى بخير ، ثم عرج بنا إلى السماء الثانية قاستفتح جبريل كما تقدم وقيل له كما تقدم ، ففتح لهما فوجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ابنى الخالة عيسى بن مريم ويحيى بن زكريا ، فرحبا به صلى‌الله‌عليه‌وسلم ودعوا له بخير.

ثم عرج كذلك إلى السماء الثالثة وقيل كما تقدم ، فوجد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيها يوسف عليه

__________________

(١) صحيح مسلم : كتاب الإيمان : باب الإسراء برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى السموات وفرض الصلوات ج ١ ص ١٥٣.

(٢) الفطرة : الإسلام والاستقامة.

(٣) عرج : أى صعد.

١٦٦

السلام وقد أعطى شطر الحسن ، فرحب به صلى‌الله‌عليه‌وسلم ودعا له بخير. ثم عرج كذلك إلى السماء الرابعة وقيل كما تقدم ، فوجد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيها إدريس عليه‌السلام فرحب به ودعا له بخير. ثم عرج كذلك إلى السماء الخامسة فوجد فيها هارون فرحب به ودعا له بخير. ثم عرج كذلك إلى السماء السادسة فوجد فيها موسى عليه‌السلام فرحب به ودعا له بخير. ثم عرج به كذلك إلى السماء السابعة فاستفتح جبريل كما سبق وقيل له كما سبق وفتح لهما كما تقدم.

فرأى صلى‌الله‌عليه‌وسلم إبراهيم عليه‌السلام مسندا ظهره إلى البيت المعمور. ثم ذهب به إلى سدرة المنتهى(١) فأوحى الله تعالى إليه ما أوحى ، ففرض عليه خمسين صلاة ، ثم أرصده موسى عليه‌السلام إلى الرجوع إلى ربه ولم يزل صلى‌الله‌عليه‌وسلم يرجع بين موسى وربه إلى أن استقر الأمر على خمس صلوات كل يوم وليلة.

وأخرج مسلم (٢) أيضا عن ثابت عن أنس أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أتاه جبريل عليه‌السلام وهو يلعب مع الغلمان ، فأخذه فصرعه ، فشق عن قلبه ، فاستخرجه ثم استخرج منه علقة وقال: هذا حظ الشيطان منك ، ثم غسله فى طست من ذهب بماء زمزم ، ثم لأمه (٣) ثم أعاده إلى مكانه.

(وفى طريق) بينا أنا فى المسجد الحرام. (وفى طريق) وأنا نائم. (وفى طريق) أنه كان بالحطيم بين النائم واليقظان. (وفى طريق) أنه أسرى به من بيت أم هانئ كما علمته آنفا. (وفى طريق) فرج سقف بيتى فنزل جبريل ففرج صدرى. (وفى بعض طرق الاسراء) وذلك قبل أن يوحى إليه. وفيما تقدم عن ثابت كما رأيت أنه أتى باللبن والخمر قبل العروج. (وفى بعض الطرق) أنه أتى بهما فى الملأ الأعلى. (وفى طريق) أنه انتهى إلى سدرة المنتهى ثم إلى المستوى ثم فارقه جبريل. (وفى طريق) فزج بى فى النور وقال هأنت وربك. وفى حديث ثابت ، كما تقدم ، أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى فى بيت المقدس قبل العروج. (وفى بعض الطرق) أنه صلى بالأنبياء فى السموات. (وفى طريق) فلم نزل على ظهره ـ يعنى البراق ـ أنا وجبريل. (وفى طريق) أنه استصعب البراق فقال له جبريل عليه

__________________

(١) سميت سدرة المنتهى لأن علم الملائكة ينتهى إليها ، ولم يجاوزها أحد إلا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٢) كتاب الإيمان ج ١ ص ١٥٥.

(٣) لأمه : جمعه وضم بعضه إلى بعض.

١٦٧

السلام : أبمحمد تستصعب؟ فما ركبك أحد أكرم على الله منه فارفض عرقا. (وفى بعض الطرق) أنه رأى المعراج بصورة السلم كأحسن ما رأى. (وفى طريق) فانتهيت إلى سدرة المنتهى فغشيها ملائكة كأنهم جراد من ذهب فرأيت جبريل يتضاءل كالصعوة فتخلف وقال: وما منا إلا له مقام معلوم ، فجاوزت سبعين حجابا ، ثم احتملنى الرفرف إلى العرش فنوديت حى ربك ، فقلت : سبحانك لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك إلى آخر ما هو مستوفى فى محله ، كإنكار قريش الإسراء ، واستيصافهم بيت المقدس من النبىصلى‌الله‌عليه‌وسلم فرفعه الله له فوصفه وذكر لهم قضية لقيه العبر قاصدين مكة وشربه ما كان فى القدح من الماء إلى غير ذلك فكان كل ذلك حقا وصدقا كما قال تعالى (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى) صلى‌الله‌عليه‌وسلم وشرف وكرم والله أعلم.

فوائد : تتعلق بحديث الاسراء وفواضله وأسراره وفضائله :

الأولى : يؤخذ من قوله تعالى (أَسْرى بِعَبْدِهِ) ما لا يؤخذ أن لو قيل بعث إلى عبده ، لأن الباء تفيد المصاحبة أى صحبه فى سراه بالألطاف والعناية ويشهد لذلك قولهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : أنت الصاحب فى السفر ، ويبنى على هذا من الفروع الفقهية أن من قال : لله على أن أحج بفلان يلزمه أن يحج معه ، بخلاف ما لو قال : لله على أن أحج فلانا فإنما يلزمه أن يجهزه للحج من ماله ، ولا يلزم الناذر أن يحج بنفسه ، والفرق ما تعطيه الباء من المصاحبة.

الثانية : تخصيص الإسراء بالليل فيه من التعظيم ما لا يخفى لأنه وقت خلوة واختصاص عرفا. وبين جليس الملك ليلا وجليسه نهارا فرق ظاهر والخصوصية بالليل.

الثالثة : لعل تخصيص ذلك بالليل ليزداد الذين آمنوا إيمانا بالغيب وليفتتن بالذين كفروا زيادة على فتنتهم ، إذ الليل أخفى حالا من النهار ولعله لو عرج به نهار لفات المؤمن فضيلة الإيمان بالغيب ولم يحصل ما قدر من الفتنة على من شقى وجحد.

الرابعة : إن قيل ما وجه استصعاب البراق عليه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد التسخير؟ أجيب بأن ذلك تنبيه على أنه لم يدلل قبل ذلك ولم يركبه أحد. وفى هذه النكتة خلاف ، فمنهم من قال : ركبه الأنبياء قبل ذلك ومنهم من قال : لم يركبه أحد قبله. وحجة القائلين بركوبه قبل ذلك قول جبريل : فما ركبك أحد أكرم على الله منه ، ويمكن الاحتجاج أيضا بقوله فربطته

١٦٨

بالحلقة التى يربط بها الأنبياء. وأجيب عن الأول بأن معنى قول جبريل فما ركبك أحد البتة فكيف يركبك أكرم من محمد. ويمكن أن يجاب عن الثانى بأنه ليس فى الحديث فربطته بالحلقة التى تربطه بها الأنبياء ، وإنما قال يربط بها الأنبياء وسكت عن ذكر المربوط ما هو فيحتمل أن يكون غير البراق. ويحتمل أن يراد ارتباط الأنبياء أنفسهم بتلك الحلقة أى تمسكهم بها ويكون من جنس العروة الوثقى.

الخامسة : يحتمل أن يكون استصعابه تيها وزهوا بركوب النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأراد جبريل بقوله أبمحمد تستصعب ، استنطاقه بلسان الحال أنه لم يقصد الصعوبة وإنما تاه ولهذا قال : فارفض عرقا ، فكأنه أجاب بلسان الحال فتبرأ من الاستصعاب وعرق من خجل العتاب.

السادسة : إن قيل كان فى قدرة الله تعالى أن يرفع نبيه بدون البراق خرقا للعادة ، أجيب بأن فى صورة الركوب على المركوب المعتاد تأنيسا فى هذا المقام العظيم بطرف من العادة.

السابعة : لعل فى الإسراء بالبراق إظهارا للكرامة العرفية فإن الملك العظيم إذا استدعى خصيصا به بعث إليه بمركوب سنى ليصل عليه.

الثامنة : كون البراق بشكل البغل ولم يكن بشكل الفرس فيه تنبيه على أن المراد فى سلم وأمن لا حرب وخوف ، أو لإظهار الآية فى الإسراع العجيب من دابة ما توصف بالإسراع كما فى الحديث يضع حافره عند منتهى طرفه ، أى يقطع ما انتهى إليه بصره فى خطوة واحدة فعلى هذا يكون قطع من الأرض إلى السماء فى خطوة واحدة لأن بصر من يكون فى الأرض يقع على السماء فبلغ أعلى السموات فى سبع خطوات.

التاسعة : لقائل أن يقول قد ركب النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بغلته فى الحرب يوم حنين ، أجيب بأن ذلك كان لتحقق نبوته صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى مواطن الحرب ولما خصه الله به من مزيد الشجاعة ، وإلا فمعلوم أن البغال عادة من مراكب الطمأنينة. وليعلم أن الحرب عنده كالسلم قوة قلب وشجاعة نفس.

العاشرة : اختلف العلماء هل ركب جبريل عليه‌السلام مع النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم على البراق أم لا؟ فقال بعضهم : ركب معه بظاهر قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : فما زلت على ظهره أنا وجبريل. قال ابن المنيررحمه‌الله : والأظهر عندى أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم اختص بالركوب لأنه المخصوص بشرف

١٦٩

الإسراء. وفى قول جبريل أيضا أبمحمد تستصعب فما ركبك أكرم على الله منه ، دليل على اختصاصه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بركوبه ، وإنما كان جبريل هاهنا معه رسول بلاغ ودليل طريق ومستدعى حبيب. وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما زلت على ظهره أنا وجبريل ، يحمل قوله : وجبريل على أنه استئناف كلام كأنه قال وجبريل سائر معى ونحوه ولا يريد راكبا معى على البراق ، لأنه ليس فى الكلام ما يعين ذلك.

الفائدة الحادية عشرة : دل قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : فصليت ببيت المقدس ركعتين ، على أن الصلاة لم تزل معهودة قبل أن تفرض ومعدودة مثنى مثنى ، وفرضت كذلك على ما عهدت كما قالت عائشة رضى الله عنها : فرضت الصلاة ركعتين ركعتين ، فأقرت صلاة السفر وزيد صلاة الحضر.

الثانية عشرة : إن قيل ما الحكمة فى نزول جبريل عليه‌السلام من سقف البيت ولم يدخل عليه من الباب مع قوله (وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها؟) الجواب : أن الحكمة فى ذلك المبالغة فى المفاجأة والتنبيه على الكرامة والاستدعاء كان بديها على غير ميعاد.

الثالثة عشرة : يحتمل أن يكون فرج السقف توطئة وتمهيدا للفرج عن الصدر ، فأراه جبريل بإخراجه عن السقف ثم التئامه على الفور كيفية ما يصنع به ، وقرب له الأمر فى نفسه بالمثال المشاهد فى بيته لطفا فى حقه وتثبيتا لقلبه.

الرابعة عشرة : السر فى العناية بتطهير القلب وإفراغ الإيمان والحكمة فيه تحقق مذهب أهل السنة فى أن محل العقل ونحوه من أسباب الإدراكات كالنظر والفكر ، إنما هو القلب لا الدماغ خلافا للمعتزلة والفلاسفة.

الخامسة عشرة : إنما خص الطست بالغسل فيه دون بقية الأوانى لأنه آلة للغسل عرفا ، وإنما كان من ذهب لأنه أعلى أوانى الجنة ولأنه رأس الأثمان فهو إذا أصل الدنيا والإيمان أصل الدين ، فوقع التنبيه على أن أصل الدنيا آلة لأصل الدين وخادم له ووسيلة إليه.

السادسة عشرة : استدل بعض أصحاب مالك على جواز تحلية ما يعظم شرعا بالذهب كالمصحف أو ما هو آلة لطاعة كالسيف الذى هو آلة للجهاد بحديث الإسراء واستعماله طست الذهب.

١٧٠

السابعة عشرة : يرد على ذلك بأن الذى اختص بالنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم من طست الذهب إنما هو تفريغ ما فيه من الإيمان والحكمة فى قلبه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والتفريغ ترك لا فعل ، ولا خلاف أن آنية الذهب إذا حصل فيها طعام له حرمة شرعية ، كان تفريغ ذلك منها مشروعا بخلاف وضعه فيها ، ولا يعد التفريغ استعمالا. ويتقرر هذا الفقه بحكاية لطيفة وهى أن الحسن البصرى وفرقدا السبخى اجتمعا فى وليمة دعيا إليها ، وكان الحسن عالما وفرقد عابدا ، وكان فى الوليمة صحاف من الذهب والفضة قد جعل فيها الخبيص ، فأما الحسن فإنه جلس على الطعام وصار يأخذ الخبيص ويفرغه من الصحفة ويضعه على الخبز ويأكل. وأما فرقد فاعتزل ولم يأكل فالتفت إليه الحسن وقال : يا فريقد ، هلّا صنعت هكذا؟ فرأى الحسن أن التفريغ ليس استعمالا بل تركا وإزالة للمنكر ، فاجتمع له بفقهه إقامة سنة الوليمة بالأكل وجبر قلب الداعى وإزالة المنكر وتعليم الأحكام الخفية ، ولهذا قال يا فريقد ، فصغر اسمه فى النداء تعريضا له بالإنكار إذ تصرف فى الترك بغير اقتداء وكان عليه أن يسأل كيف يصنع ليسلم مما وقع فيه من فوات المقاصد التى اجتمعت للحسن رضى الله عنه. وينبنى على هذا من الفروع الفقهية أن من كان فى رمضان أو أراد الصيام فى غيره وطلع عليه الفجر وهو آكل فعلم بذلك وألقى الطعام من فيه لا شىء عليه ، فهذا من جنس كون التفريغ ليس استعمالا ولا إشكال فى ذلك.

الثامنة عشرة : لقائل أن يقول لا يتم الاستدلال على جواز استعمال الذهب بحديث الإسراء ، لأن العادة انخرقت فيه من حيث ما وعى فيه من الإيمان ومن أنه من الكون أو من الجنة ، وإذا انخرقت العادة تغيرت الأحكام المنوطة بها.

التاسعة عشرة : يحتاج المستدل على استعمال الذهب لحديث الإسراء أن يثبت أنه كان بعد تحريم استعمال الذهب ، ولا يقدر على ذلك ، فإن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم تختم بالذهب ثم ألقى الخاتم فألقى الناس خواتمهم ، وما كان النسخ والتحريم إلا بالمدينة. وقد تقدم أن الإسراء متقدم على الهجرة على المختار.

الفائدة العشرون : تقدم فى حديث ثابت أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قدم له الآنية ، قبل العروج ، وفى طريق آخر أنه بعد العروج فيجمع بينهما ويكون التقديم مرتين ويكون تكرار جبريلعليه‌السلام للتصويب ، حيث اختار اللبن تأكيدا للتحذير مما سواه.

١٧١

الحادية والعشرون : إن قيل ما المراد بالفطرة فى قول جبريل اخترت الفطرة؟ فاعلم أن الفطرة تطلق تارة ، ويراد بها الإسلام ، وتطلق تارة على أصل الخلقة ، فمن المعنى الأول : قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه. ومن المعنى الثانى قوله تعالى : (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) وقوله تعالى : (فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أى مبتدئ خلقهما ، فقول جبريل : اخترت الفطرة أى اخترت اللبن الذى عليه تثبت الخلقة ، وهى نبت اللحم ونشر العظم.

أقول : فيكون من باب ذكر المسبب وإرادة السبب فتأمل انتهى. أو اخترته لأنه الحلال المستمر فى دين الإسلام ، وأما الخمر فحرام فيما يستقر عليه الأمر.

الثانية والعشرون : يحتمل أن يكون فى تقديم إناء اللبن إشارة إلى أنه شعار العلم فى التعبير ، كما ورد أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : أريت كأنى أتيت بقدح من لبن فشربت حتى أرى الرى يخرج من أظفارى ، ثم ناولت فضلى عمر. فقالوا : يا رسول الله ، ما أولته؟ قال : العلم. والإسراء وإن كان يقظة إلا أنه ربما وقعت فى اليقظة إشارات على حكم الفأل تعبر كما يعبر المنام.

الثالثة والعشرون : فى استفتاح جبريل عليه‌السلام لأبواب السماء دليل على أنه صادف أبوابها مغلقة ، مع أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان قد استدعى ، فلعل والله أعلم الحكمة فى ذلك التنويه بقدره ، وأن السموات لم تفتح أبوابها إلا من أجله ولو صادفها مفتوحة لم يتحرر أنها فتحت من أجله ولا بد.

الرابعة والعشرون : ينبغى للمستأذن إذا قيل له من هذا ، أن لا يقول أنا ، فإن جبريل لم يقل أنا عند الاستفتاح ثم وإنما سمى نفسه ، وقد أنكر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم على الذى استأذن عليه ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم من هذا ، فقال أنا ، فجعل النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يكرر لفظة أنا إنكارا.

الخامسة والعشرون : إنما كرهت هذه الكلمة لوجهين :

أحدهما : أن فيها إشعارا بالعظمة ، وفى الكلام السائر أن أول من قال أنا إبليس. فشقى حيث قال أنا خير منه ، ثم فرعون فتعس حيث قال أنا ربكم الأعلى.

الثانى : أنها مبهمة لافتقار الضمير إلى العود فهى غير كافية فى البيان.

١٧٢

فإن قيل : قد اتفق النحاة على أن المضمرات أعرف المعارف وأعرفها أنا. فهذه الكلمة فى الغاية القصوى فى التعريف ، فكيف كان العلم أعرف منها ، وإنما اختلف النحاة فى اسم الإشارة والعلم لا فى المضمر. فالجواب أن المضمر إذا عاد وتعين مظهره فهو أعرف المعارف حينئذ ، والمستأذن محجوب عن المستأذن عليه غير متعين عنده فكأنه أحاله على جهالة.

(حكاية لطيفة استطرادية) : تنبه على رعاية الأدب مع الله تعالى جل وعلا : حكى أن سيبويه رحمه‌الله رئى فى المنام بعد وفاته ، فقيل له ماذا لقيت؟ فقال خيرا كثيرا ، فقال له بماذا؟ فقال : سئلت فى الدنيا عن أعرف المعارف ، فقلت اسم الله عزوجل فشكر الله لى ذلك.

السادسة والعشرون : قول الخازن لجبريل ، ومن معك؟ قال : محمد ، فيه دليل على أن الإذن لواحد لا يتناول غيره ، وإن كان فى صحبته ولهذا استفهم الخازن حتى يكون لمن معه إذن مستقل ، وهو عرف الناس إذا أذن لأحد وكان فى صحبته غيره أن يقول ومن معى ، فيستأنف الاستئذان لمن معه ، وقوله وقد بعث إليه؟ أراد به الاستفهام فحذفت الهمزة للعلم بها ، وأصل الكلام أوقد بعث إليه. والنحاة يمنعون حذف الهمزة فيحمل كلامهم على المنع حيث لا دليل على المحذوف ، وإلا فالحديث حجة عليهم.

السابعة والعشرون : لم يرد الخازن بقوله وقد بعث إليه أصل الرسالة ، فإن الظاهر أنه كان معلوما عندهم ، وأنما أراد البعث للمعراج.

الثامنة والعشرون : موقع قول الخازن أوقد بعث إليه ، استنطاق جبريل بالسبب الموجب للإذن والفتح ، لأنه مجرد قول جبريل عليه‌السلام معى محمد لا يوجب الإذن إلا بواسطة البعث من صاحب الإذن جل وعلا.

التاسعة والعشرون : إن قيل : لم لم يخاطبه الخازن بصيغة الخطاب فيقول مرحبا بك ، وإنما أورد التحية بصيغة الغيبة؟ أجيب بأنه حياه قبل أن يفتح الباب وقبل أن يصدر من النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم خطاب ، ولهذا قال الخازن لجبريل : ومن معك بصيغة الخطاب ، لأن جبريل خاطب الملك فارتفع حكم الغيبة بالتخاطب من الجانبين.

١٧٣

الفائدة الثلاثون : يجوز أن يكون حياه بغير صيغة الخطاب تعظيما له ، لأن هاء الغيبة ربما كانت أفخم من كاف الخطاب. والله أعلم.

انتهت الفوائد ملخصة بعضها باللفظ وبعضها بالمعنى من إملاء العلامة ابن المنيررحمه‌الله ، والله أعلم.

عدنا إلى المقصود : اعلم أن الله تبارك وتعالى قد ذكر المسجد الحرام فى كتابه العزيز فى نحو خمسة عشر موضعا فإذا تقرر هذا فقد اختلف فى المراد بالمسجد الحرام الذى تتعلق به المضاعفة فى قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى حديث ابن الزبير السابق ، وصلاة فى المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة فى مسجدى. فقيل : جميع بقاع الحرم وقيل : المراد الكعبة وما فى الحجر من البيت ويؤيده ما أخرجه النسائى عن أبى هريرة رضى الله عنه : صلاة فى مسجدى أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا الكعبة. وقيل المراد الكعبة وما حولها من المسجد وجزم به النووى ، وقال إنه الظاهر. وقيل : المكان الذى يحرم على الجنب المكث فيه. ونقل عن الإمام تقى الدين ابن أبى الصيف اليمنى أن المضاعفة تختص بالمسجد المعد للطواف لأنه المنصرف عند الإطلاق فى العرف ، قال : ولا يضر رواية الكعبة. ولهذا قال الغزالى : لو نذر صلاة فى الكعبة فصلى فى أرجاء المسجد جاز. انتهى.

ورجح الطبرى رحمه‌الله أن المضاعفة مختصة بمسجد الجماعة وقال : إنه يتأيد بقولهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : مسجدى هذا ، لأن الإشارة فيه إلى مسجد الجماعة ، فينبغى أن يكون المستثنى كذلك ، فإنه قيل قد ورد عن ابن عباس رضى الله عنهما أن حسنات الحرم كلها الحسنة بمائة ألف ، فعلى هذا يكون المراد بالمسجد الحرام فى حديث الاستثناء الحرم كله.

قلنا نقول بموجب حديث ابن عباس أن حسنة الحرم مطلقا بمائة ألف ، لكن الصلاة فى مسجد الجماعة تزيد على ذلك ، ولهذا قال : بمائة صلاة فى مسجدى ولم يقل حسنة ، وصلاة فى مسجده بألف صلاة كل صلاة بعشر حسنات ، فتكون الصلاة فى مسجدهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بعشرة آلاف حسنة ، وتكون فى المسجد الحرام بألف ألف حسنة ، وعلى هذا يكون حسنة الحرم بمائة ألف وحسنة المسجد الحرام بألف ألف ويلحق بعض الحسنات ببعض أو يكون ذلك مختصا بالصلاة الخاصة فيها. والله أعلم. انتهى بنصه.

١٧٤

قال الجد رحمه‌الله : وحاصل هذه العبارات مع اختلافها يرجع إلى ترجيح هذا القول. ثم قال : وهذا التضعيف يحصل بصلاة المنفرد وتزيد الحسنات بصلاة المكتوبة فى جماعة على ما جاء أنها تعدل سبعا وعشرين درجة ، وهذا فيما يرجع إلى الثواب ولا يتعدى ذلك إلى الإجزاء عن الفوائت حتى لو كان عليه صلاتان فصلى فى المسجد الحرام صلاة لم تجزئه عنهما وهذا لا خلاف فيه. انتهى.

وقد اختلف العلماء فى هذا الفضل ، هل يعم الفرض والنفل أو يختص بالفرض؟فمذهبنا ومشهور مذهب مالك أنه يختص بالفرض ، والتعميم مذهب الشافعى رضى الله عنه كما صرح به النووى رحمه‌الله تعالى.

فإن قيل لا عموم فى لفظ الحديث لما أنه نكرة فى سياق الإثبات ويؤيده أن النبىصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : أفضل صلاة المرء فى بيته إلا المكتوبة ، أجيب بأنه وإن كان نكرة فى سياق الإثبات فهو عام لأنه فى معرض الامتنان.

قال الجد رحمه‌الله : فإن قيل كيف يقال إن المضاعفة تعم الفرض والنفل وقد تطابقت نصوص الأصحاب ونص الحديث على أن فعل النافلة فى بيت الإنسان أفضل إلا ما استثنى كالعيد وركعتى الطواف؟ فالجواب ما قيل لا يلزم من المضاعفة فى المسجد أن يكون أفضل من البيت إذ فضيلة المسجد المذكور من حيث التضعيف ، وفضيلتها فى البيت من حيثية أخرى تربو على التضعيف. انتهى.

أقول : هذا التفضيل بالنسبة إلى الرجال ، وأما الإناث فالصلاة فى البيت مطلقا لهن أفضل لا سيما فى هذا الزمان لكثرة الفساد سواء كانت المرأة عجوزا أم شابة.

ونقل الشيخ ولى الدين العراقى فى «شرح تقريب الأسانيد» أن التضعيف فى المسجد الحرام لا يختص بالمسجد الذى كان فى زمن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بل يشمل جميع ما زيد فيه لأن المسجد الحرام يعم الكل. بل المشهور عند أصحابنا أن التضعيف يعم جميع مكة بل جميع الحرم الذى يحرم صيده كما صححه النووى.

وأما المدينة فيختص التضعيف بالمسجد الذى كان فى زمنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم قال : لكن يشكل على هذا ما فى تاريخ المدينة أن عمر رضى الله عنه لما فرغ من الزيادة فى مسجد النبى

١٧٥

صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : لو انتهى إلى الجبانة لكان الكل مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وفى رواية أخرى : لو مد إلى ذى الحليفة لكان منه.

وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : لو زيد فى هذا المسجد ما زيد لكان الكل مسجدى. وفى رواية أخرى أو بنى إلى صنعاء ، وفى أخرى ما زيد فى مسجدى فهو منه ولو بلغ ما بلغ. فإن صح ذلك فهو بشرى حسنة انتهى باختصار.

فائدتان :

الأولى : قد حسب النقاش المفسر فضل الصلاة فى المسجد الحرام على مقتضى حديث تفضيل الصلاة فيه على غيره بمائة ألف ، فبلغت صلاة واحدة فى المسجد الحرام عمر خمس وخمسين سنة وستة أشهر وعشرين ليلة. وصلاة يوم وليلة ، وهى خمس صلوات فى المسجد الحرام عمر مائتى سنة وسبع وسبعين سنة وتسعة أشهر وعشر ليال (١). انتهى كلامه.

الثانية : قال الشيخ بدر الدين ابن الصاحب الإشارى : إن كل صلاة فى المسجد الحرام فرادى بمائة ألف صلاة كما ورد فى الحديث ، وكل صلاة فيه جماعة بألفى ألف صلاة وسبعمائة ألف صلاة ، والصلوات الخمس فيه بثلاثة عشر ألف ألف صلاة وخمسمائة صلاة ، وصلاة الرجل منفردا فى وطنه غير المسجدين المعظمين ، كل مائة سنة بمائة ألف وثمانين ألف صلاة ، وكل ألف سنة بألف ألف صلاة وثمانى مائة ألف (٢).

فتلخص من هذا أن صلاة واحدة فى المسجد الحرام جماعة يفضل ثوابها على ثواب من صلى فى بلدة فرادى ، حتى بلغ عمر نوح النبى عليه‌السلام بنحو الضّعف ، وسلام على نوح فى العالمين. وهذه فائدة تساوى رحلة (٣) ثم قال : هذا إذا لم يضف إلى ذلك شيئا آخر من أنواع العبادات ، فإن صام يوما وصلى الصلوات الخمس جماعة ، وفعل فيه أنواعا من البر وقلنا بالمضاعفة ، فهذا مما يعجز الحساب عن حصر ثوابه (٤) انتهى.

تكملة : قال بعض العلماء : إن السيئات بالحرم تتضاعف كتضاعف الحسنات ، وهو

__________________

(١) شفاء الغرام ج ١ ص ١٣١.

(٢) شفاء الغرام ج ١ ص ١٣١.

(٣) تحرف فى المطبوع إلى : «دجلة».

(٤) شفاء الغرام ج ١ ص ١٣١.

١٧٦

مذهب ابن مسعود وابن عباس رضى الله عنهما ، وقال به مجاهد أيضا والإمام أحمد بن حنبل ولهذا كان مقام ابن عباس بغير مكة ، والصحيح عند جماهير أهل العلم عدم المضاعفة لكن السيئة فيه أعظم منها فى غيره بلا ريب. ثم على قول أن السيئة تتضاعف فقيل تضعيفها كتضعيف الحسنات بالحرم ، وقيل بل كخارجه وحرر بعض العلماء النزاع فى هذه المسألة فقال القائل بالمضاعفة أراد مضاعفة مقدارها أى غلظها لا كميتها فى العدد ، فإن السيئة جزاؤها سيئة ، لكن السيئة تتفاوت فالسيئة فى حرم الله وبلده على بساطه أكبر وأعظم منها فى غيره ، وليس من عصى الملك على بساط ملكه كمن عصاه فى موضع بعيد عنه ، فإنه قيل يرجع النزاع أيضا إذ لا فرق بين أن تكون السيئة مغلظة وهى واحدة وبين أن تكون مائة ألف سيئة عددا. فالجواب أنه قد جاء من زادت حسناته على سيئاته فى العدد دخل الجنة ومن زادت سيئاته على حسناته فى العدد دخل النار ومن استوت حسناته وسيئاته عددا كان من أهل الأعراف.

فصل فى ذكر مبدأ عمارة المسجد الحرام

وتوسعته وذرعه وذكر شىء من أخباره

ذكر الأزرقى والإمام أبو الحسن الماوردى وغيرهما من الأئمة المعتمدين : أن المسجد الحرام كان فى عهد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبى بكر الصديق رضى الله عنه وليس عليه جدار يحيط به ، وكانت الدور محدقة به من كل جانب وبين الدور أبواب يدخل منها الناس ، فلما أن استخلف عمر بن الخطاب رضى الله عنه اشترى دورا وهدمها ووسع بها المسجد ، وأبى بعضهم أن يأخذ الثمن وتمنع (١) من البيع فوضعت أثمانها فى خزانة الكعبة فأخذوها بعد ذلك. وقال لهم عمر : أنتم نزلتم على الكعبة ولم تنزل عليكم الكعبة ، إنما هو فناؤها. ثم جعل سيدنا عمر على المسجد جدارا قصيرا محيطا به دون القامة ، وكانت المصابيح توضع عليه فكان عمر رضى الله عنه أول من اتخذ للمسجد جدارا (٢).

فلما كان زمن سيدنا عثمان رضى الله عنه وكثر الناس اشترى دورا ووسع بها المسجد الحرام ،

__________________

(١) فى د ، والمطبوع : «وامتنع» والمثبت رواية الأزرقى.

(٢) أخبار مكة للأزرقى ج ٢ ص ٦٨.

١٧٧

وأبى قوم أن يبيعوا فهدم عليهم فصاحوا به ، فقال لهم : إنما جرأكم على حلمى عنكم فقد فعل بكم عمر هذا فلم يصح به أحد ، ثم أمر بهم إلى الحبس حتى شفع فيهم عبد الله بن خالد بن أسيد فأخرجهم وجعل عثمان للمسجد أروقة فكان أول من اتخذ الأروقة له (١).

ولم يذكر الأزرقى السنة التى وسع فيها عمر رضى الله عنه المسجد الحرام وهى سنة سبع عشرة من الهجرة ، ولا السنة التى وسع فيها عثمان رضى الله عنه وهى سنة ست وعشرين من الهجرة.

ثم قال الأزرقى : فلما كان زمن عبد الله بن الزبير زاد فى المسجد زيادة كبيرة واشترى دورا من جملتها بعض دار الأزرقى جد الأزرقى صاحب «تاريخ مكة» واشترى ذلك البعض ببضعة عشر ألف دينار ، ثم عمره عبد الملك بن مروان ولم يزد فيه لكنه رفع جداره وسقفه بالساج وعمره عمارة حسنة وجعل فى رأس كل أسطوانة خمسين مثقالا (٢) ذهبا.

ثم إن الوليد بن عبد الملك المتقدم وسع المسجد ونقض عمل أبيه وعمله عملا محكما ، وسقفه بالساج المزخرف وأزر المسجد من داخله بالرخام ، وجعل له شرفا ، وجعل فى وجوه الطيقان من أعلاها الفسيفساء وهو أول من جعلها بالمسجد الحرام وأول من نقل إليه أساطين الرخام (٣).

تنبيه : قول الأزرقى : الوليد أول من نقل إليه أساطين الرخام. قال الفاسى رحمه‌الله : قد نقل الأزرقى ما يفهم خلاف ذلك لأنه ذكر فى عمل عبد الملك أنه جعل فى رأس كل أسطوانه خمسين مثقالا من الذهب وهذا يقتضى وجود الأساطين قبل الوليد فتكون من عمل ابن الزبير أو عبد الملك. وعلى كلا الأمرين فهو مخالف لما ذكره الأزرقى من أن الوليد بن عبد الملك أول من حمل إليه ذلك (٤). والله أعلم بالصواب. انتهى بمعناه.

أقول : يمكن الجمع بين كلامى الأزرقى وترتفع المخالفة التى ذكرها الفاسى ، وذلك أن الأزرقى رحمه‌الله لم يذكر أن الأساطين التى فى رءوسها المثاقيل الذهب فى أيام عبد الملك كانت من رخام ليتجه ما قاله الفاسى ، ولا خصوصية أيضا لتسمية الأساطين بما كان من الرخام فيحتمل أنها كانت من آجر أو من حجارة أو من خشب ويؤيد ذلك ما تقدم فى

__________________

(١) أخبار مكة للأزرقى ج ٢ ص ٦٩.

(٢) أخبار مكة للأزرقى ج ٢ ص ٦٩ وما بعدها.

(٣) أخبار مكة للأزرقى ج ٢ ص ٧١.

(٤) شفاء الغرام ج ١ ص ٣٦٢.

١٧٨

الباب الأول من هذا الكتاب عند ذكر فضائل البيت الشريف ، فيما أخرجه الفاكهى عن السهمى عند قوله فعابت أسطوانة. قال شيخ الإسلام ابن حجر : والأسطوانة من خشب وما سيأتى قريبا من كلام الفاسى نفسه عند ذكره لما عمره القاضى محمد بن موسى من بناء الزيادة التى بدار الندوة فى قوله وجعل ذلك بأساطين حجارة مدوّرة عليها ملا بن ساج (١). وفى قوله عند بناء ما كان احترق من الجانب الغربى وبعض الشامى من المسجد الحرام فى عام اثنين وثمانمائة ما صورته : إن الأساطين التى بالجانب الغربى حجارة منحوتة هذا كلامه. وأما الأساطين من الآجر فعمل منها كثير فى المساجد وغيرهما فإذا علم ذلك فقول الأزرقى رحمه‌الله إن الوليد أول من نقل إلى المسجد الحرام أساطين الرخام ليس فيه مخالفة مع الاحتمال المذكور فتأمل والله الموفق.

ثم لما أفضت الخلافة إلى أبى جعفر العباسى ثانى خلفاء بنى العباس وسع المسجد الحرام من جانبه الشامى ومن جانبه الغربى ولم يجعل فيما وسعه من الجانبين إلا رواقا واحدا. وكان ابتداؤه فى المحرم سنة سبع وثلاثين ومائة والفراغ منه فى ذى الحجة سنة أربعين ومائة (٢).

وكان الذى زاده المنصور النصف مما كان عليه قبل ذلك.

ثم إن المهدى بن أبى جعفر وسع المسجد الحرام بعد موت أبيه من أعلاه ومن الجانب اليمانى ومن الموضع الذى انتهى إليه أبوه فى الجانب الغربى حتى صار على ما هو عليه اليوم ، ما عدا الزيادتين فإنهما أحدثتا بعده (٣) كما سيأتى قريبا إن شاء الله تعالى.

وكانت عمارة المهدى فى نوبتين : الأولى فى سنة إحدى وستين ومائة ، وزاد فيما زاده أبوه رواقين. والثانية سنة سبع وستين وكان أمر بها لما حج حجته الثانية فى سنة أربع وستين ، ورأى الكعبة فى شق من المسجد فكره ذلك وأحب أن تكون متوسطة فى المسجد ، فدعا المهندسين وشاورهم فى ذلك فقدروا ذلك ، فإذا هو لا يستوى لهم من أجل الوادى والسيل ، وقالوا : إن وادى مكة له سيول قوية العزم ونخشى إن حولنا الوادى عن مكانه أن لا يتم لنا على ما نريد. فقال المهدى لا بد لى من سعة المسجد بحيث تكون

__________________

(١) شفاء الغرام ج ١ ص ٣٦٤.

(٢) إخبار الكرام ص ١٨١.

(٣) إخبار الكرام ص ١٨١.

١٧٩

الكعبة فى وسط المسجد على كل حال ولو أنفقت فيه جميع ما فى بيوت المال ، وعظمت نيته فى ذلك وقوى عزمه على ذلك فقدر المهندسون ذلك وهو حاضر ونصبوا الرماح على الدور من أول موضع الوادى إلى آخره ثم ذرعوه من فوق الرماح حتى عرفوا ما يدخل فى المسجد من ذلك وما يبقى فى الوادى (١).

ثم خرج المهدى إلى العراق وخلف الأموال فاشتروا من الناس دورهم ووسعوا المسجد ، ولم يكمل ذلك إلا فى خلافة ابنه موسى الهادى لمعاجلة المنية للمهدى (٢).

وكان مما عمل بعد موته بعض الجانب اليمانى وبعض الغربى وأنفق المهدى رحمه‌الله فى ذلك أموالا عظيمة بحيث صار ثمن كل ذراع فى ذراع مكسر مما دخل فى المسجد الحرام خمسة وعشرين دينارا ، وثمن كل ذراع مكسر مما دخل فى الوادى خمسة عشر دينارا ونقل إلى المسجد الحرام أساطين الرخام من مصر وغيرها فى السفن حتى أنزلت بجدّة ، وحملت منها على العجل إلى مكة (٣).

قال الأزرقى : ووسع المهندسون باب بنى هاشم الذى يستقبل الوادى ، وجعلوا الباب الذى بإزائه من أسفل المسجد يعنى من الجانب الغربى يستقبل خط الحزامية ، يقال له باب البقالين وهو معروف. وقالوا : إذا جاء سيل عظيم ودخل المسجد خرج من ذلك الباب (٤) انتهى بمعناه.

هذا عمل المهدى فى النوبة الثانية واستمر كذلك إلى يومنا هذا والله أعلم.

أقول : باب بنى هاشم الذى ذكره الأزرقى باب علىّ الآن نبه على ذلك الفاسى.

وباب البقالين لعله المعروف الآن بباب الحزورة ، فإن الفاسى رحمه‌الله عرف باب الحزورة بأن الغالب عليه باب الحزامية ، وقال : لأنه يلى خط الحزامية لا باب إبراهيم. لأن الأزرقى لم يذكره وإنما حدث بعده. وأيضا قول الأزرقى : وجعل الذى بإزائه ، يؤيد أنه باب الحزورة لأنه بإزاء باب على بمعنى مقابله.

__________________

(١) إخبار الكرام ص ١٨٢.

(٢) أخبار مكة للأزرقى ج ٢ ص ٨٠ ، إخبار الكرام ص ١٨٣.

(٣) أخبار مكة للأزرقى ج ٢ ص ٨٠.

(٤) أخبار مكة للأزرقى ج ٢ ص ٨٠.

١٨٠