أبي عبد الله محمّد بن محمود بن النجّار البغدادي
المحقق: حسين محمّد علي شكري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٨٣
وكان تاجرا يغدو كل يوم إلى السوق فيبيع ، وكانت له قطعة غنم تروح عليه ، وربما خرج بالغنم لرعيها ، وربما كفيها ورعيت له ، وكان يحلب للحي أغنامه.
فلما بويع له بالخلافة قالت جارية من الحي : الآن لا يحلب لنا منائح دارنا ، فسمعها أبو بكر رضياللهعنه فقال : بل لعمري لأحلبنها لكم ، وإني لأرجو ربي أن لا يغيرني ما دخلت فيه عن خلق كنت عليها ، فكان يحلب لهم.
ثم نزل المدينة فأقام بها ونظر في أمره ، فقال : والله ما يصلح أمر الناس والتجارة ، وما يصلحهم إلا التفرغ لهم والنظر في شأنهم ، ولا بد لعيالي مما يصلحهم ، فترك التجارة واستنفق من بيت مال المسلمين ما يصلحه ويصلح عياله يوما بيوم ، ويحج ويعتمر.
وكان الذي فرضوا له في كل سنة ستة آلاف درهم ، فلما حضرته الوفاة قال : ردوا ما عليّ من مال المسلمين ، فإني لا أصيب من هذا المال شيئا ، وإن أرضي التي بمكان كذا وكذا للمسلمين بما أصبت من أموالهم ، فدفع ذلك إلى عمر رضياللهعنه ، فقال عمر : لقد أتعب من بعده.
روى البخاري في «الصحيح» من حديث عائشة رضياللهعنها قالت : «دخلت على أبي بكر رضياللهعنه ، فقال : في كم كفنتم النبي صلىاللهعليهوسلم؟ قالت : في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة ، وقال لها : في أي يوم توفي رسول الله؟ قالت : يوم الاثنين ، قال : فأي يوم هذا؟ قالت : يوم الاثنين ، قال : أرجو فيما بيني وبين الليل ، فنظر إلى ثوب عليه كان يمرّض فيه ، به ردع من زعفران ، فقال : اغسلوا ثوبي هذا وزيدوا عليه ثوبين فكفنوني فيهما ، قلت : إن هذا خلق ، قال : إن الحي أحقّ بالجديد من الميت إنما هو للمهلة ، فلم يتوفّ حتى أمسى من ليلة الثلاثاء ، ودفن قبل أن يصبح» (١).
وكان آخر ما تكلم به أبو بكر رضياللهعنه : ربّ توفّني مسلما وألحقني بالصالحين ، وتوفي بين المغرب والعشاء من ليلة الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة من الهجرة ، فكانت خلافته
__________________
(١) أخرجه البخاري في الجنائز ، باب «موت يوم الاثنين» (١٣٨٧).
سنتين وثلاثة أشهر وعشر ليال ، وكان عمره ثلاثا وستين سنة.
وغسلته زوجته أسماء بنت عميس بوصية منه ، وابنه عبد الرحمن يصب عليه الماء (١) ، وكفن وحمل على السرير الذي حمل عليه رسول الله ، وصلّى عليه عمر رضياللهعنه في مسجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم وجاه المنبر ، ودفن ليلة الثلاثاء إلى جنب رسول الله عليه الصلاة والسلام وألصقوا لحده بلحده ، ودخل قبره عمر وعثمان وطلحة وعبد الرحمن ابنه رضياللهعنهم (٢) ، وكان أبوه أبو قحافة حيا بمكة ، فلما نعي إليه قال : رزء جليل ، وعاش بعده ستة أشهر وأياما ، وتوفي في المحرم سنة أربع عشرة بمكة وهو ابن سبع وتسعين سنة رضياللهعنهما.
ذكر وفاة عمر رضياللهعنه
روى أبو بكر بن أبي شيبة في «مسنده» من حديث معدان بن أبي طلحة : أن عمر بن الخطاب رضياللهعنه قام يوم الجمعة خطيبا ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم ذكر نبي الله صلىاللهعليهوسلم وأبا بكر رضياللهعنه.
ثم قال : أيها الناس إني قد رأيت رؤيا كأن ديكا أحمر نقرني نقرتين ولا أراه ذلك إلا لحضور أجلي ، وإن ناسا يأمرون أن أستخلف ، وإن الله لم يكن يضيع دينه وخلافته ، والذي بعث به نبيّه ، فإن عجل بي أمر فالخلافة شورى بين هؤلاء الرهط الستة الذين توفي رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو عنهم راض ، فأيهم بايعوا ، فاسمعوا له وأطيعوا
وذكر كلاما طويلا ، قال : «فخطب بها عمر رضياللهعنه يوم الجمعة ، وأصيب يوم الأربعاء» (٣).
وروى البخاري في «الصحيح» من حديث عمرو بن ميمون قال : «إني لقائم ما بيني وبين عمر إلا عبد الله بن عباس حذاءه غداة أصيب ، وكان إذا مر بين الصفين قال : استووا ، حتى إذا لم ير فيهم خللا تقدم فكبر ، وربما قرأ سورة يوسف والنحل ، أو نحو ذلك في الركعة الأولى ، حتى يجتمع
__________________
(١) «تاريخ الطبري» ٢ / ٣٤٨.
(٢) المصدر السابق ٢ / ٢٤٩.
(٣) ابن شبة ٣ / ٨٩٥ ، «مسند» الإمام أحمد ١ / ٤٧ (١٨٧).
الناس ، فما هو إلا أن كبر فسمعته يقول : قتلني أو أكلني الكلب حين طعنه أبو لؤلوة غلام المغيرة ، وصار العلج بسكين ذات طرفين لا يمر على أحد يمينا وشمالا إلا طعنه ، حتى طعن ثلاثة عشر رجلا ، مات منهم سبعة ، فلما رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه برنسا ، فلما ظن العلج أنه مأخوذ نحر نفسه ، وتناول عمر رضياللهعنه يد عبد الرحمن ابن عوف فقدمه ، فمن يلي عمر قد رأى الذي رأيت ، وأما أواخر المسجد فإنهم لا يدرون ، غير أنهم قد فقدوا صوت عمر وهم يقولون : سبحان الله سبحان الله.
فصلى بهم عبد الرحمن بن عوف صلاة خفيفة ، فلما انصرفوا قال : يا ابن عباس ، انظر من قتلني؟ فجال ساعة ثم جاء فقال : غلام المغيرة ، قال الصانع؟ قال : نعم ، قال : قاتله الله ، لقد أمرت به معروفا ، وقال : الحمد لله الذي لم يجعل منيتي على يد رجل يدعي الإسلام ، واحتمل إلى بيته ، فانطلقنا معه وكأنّ الناس لم تصبهم مصيبة قبل ذلك.
فقائل يقول : لا بأس ، وقائل يقول : أخاف عليه ، فأتي بنبيذ فشربه ، فخرج من جوفه ثم أتي بلبن فشربه فخرج من جوفه ، فعرفوا أنه ميت ، فدخلنا عليه وجاء الناس يثنون عليه ، وجاء شاب فقال : أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله لك في صحبة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وقدمك في الإسلام ما قد علمت ، ثم وليت فعدلت ، ثم الشهادة ، قال : وددت أن ذلك كان كفافا لا علي ولا لي ، فلما أدبر رأى رداءه يمس الأرض ، قال : ردوا عليّ الغلام ، قال : يا ابن أخي ، ارفع ثوبك فإنه أتقى لربك وأنقى لثوبك ، يا عبد الله بن عمر ، انظر ما علي من الدّين ، فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين ألفا أو نحوه ، قال : إن وفى له مال آل عمر ، فأده من أموالهم ، وإلا فاسأل في بني عدي بن كعب ، فإن لم تف أموالهم فاسأل في قريش ولا تعدهم إلى غيرهم ، انطلق إلى عائشة أم المؤمنين فقل : يقرأ عمر عليك السلام ـ ولا تقل أمير المؤمنين فإني لست اليوم للمؤمنين أميرا ـ وقل : يستأذن عمر ابن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه ، فسلم واستأذن ، ثم دخل عليها فوجدها قاعدة تبكي ، فقال : يقرأ عليك السلام عمر بن الخطاب ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه ، فقالت : كنت أريده لنفسي ولأوثرنّه به اليوم على نفسي ، فلما أقبل قيل : هذا عبد الله بن عمر قد جاء ، قال : ارفعوني ، فأسنده رجل إليه
فقال : ما لديك؟ قال : الذي تحب يا أمير المؤمنين ، أذنت ، فقال : الحمد لله ، ما كان أهمّ إليّ من ذلك ، فإذا أنا قبضت فاحملوني ، ثم سلّم وقل : يستأذن عمر بن الخطاب ، فإن أذنت لي فأدخلوني ، وإن ردتني ردوني إلى مقابر المسلمين.
وجاءت أم المؤمنين حفصة رضياللهعنها والنساء معها ، فلما رأينها قمنا ، فولجت عليه فبكت عنده ساعة ، واستأذن الرجال فولجت داخلا لهم ، فسمعنا بكاءها من داخل ، فقالوا : أوص يا أمير المؤمنين ، استخلف ، قال : ما أجد أحدا أولى وأحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر ـ أو الرهط ـ الذين توفي رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو عنهم راض ، فسمى عليا وعثمان والزبير وطلحة وسعدا وعبد الرحمن بن عوف ، وقال : أشهد يا عبد الله بن عمر ليس لك من الأمر شيء ، وأوصي الخليفة من بعدي بالمهاجرين الأولين ، أن يعرف لهم حقهم ، ويحفظ لهم حرمتهم ، وأوصيه بالأنصار خيرا ، الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم ، أن يقبل من محسنهم ، وأن يعفو عن مسيئهم ، وأوصيه بأهل الأمصار خيرا ، فإنهم ردء الإسلام وجباة المال وغيظ العدو ، ولا يأخذ منهم إلا فضلهم عن رضاهم ، وأوصيه بالأعراب خيرا ، فإنهم أصل العرب ومادة الإسلام ، أن يأخذ من حواشي أموالهم ، ويرد على فقرائهم ، وأوصيه بذمة الله وذمة رسوله صلىاللهعليهوسلم ، أن يوفي لهم بعهدهم ، وأن يقاتل من ورائهم ، ولا يكلفوا إلى طاقتهم.
فلما قبض رضياللهعنه ، خرجنا به فانطلقنا نمشي ، فسلم عبد الله بن عمر وقال : يستأذن عمر بن الخطاب ، قالت : أدخلوه ، فأدخل موضعا هناك مع صاحبيه» (١).
قلت : وباع عبد الله بن عمر دارا لعمر بن الخطاب ومالا له بالغابة ، ثم قضى دين أبيه ، وكانت وفاته رضياللهعنه يوم الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين من الهجرة ، وكانت خلافته عشر سنين
__________________
(١) أخرجه البخاري في المناقب ، باب قصة البيعة (٣٧٠٠).
كوامل وستة أشهر وأربعة أيام (١) ، وكان سنة ثلاثا وستين سنة ، وصلّى عليه صهيب وجاه المنبر ودفن مع النبي صلىاللهعليهوسلم.
وروى البخاري في «الصحيح» من حديث عبد الله بن عباس رضياللهعنهما أنه قال : وضع عمر رضياللهعنه على سريره ، فكنفه الناس يدعون ويصلون قبل أن يرفع وأنا فيهم ، فلم يرعني إلا رجل أخذ منكبي ، فإذا علي بن أبي طالب رضياللهعنه ، فترحم على عمر وقال : ما خلت أحدا أحبّ أن ألقى الله بمثل عمله منك ، وايم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك لأني كنت أسمع كثيرا رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «ذهبت أنا وأبو بكر وعمر ، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر ، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر» (٢).
وروي أن عائشة رضياللهعنها لما دفن عمر رضياللهعنه ، لبست ثيابها الدرع والخمار والإزار ، وقالت : «إنما كان أبي وزوجي ، فلما دخل معهما غيرهما لزمت ثيابي».
وأخبرني يحيى بن أبي الفضل السعدي قال : أخبرنا أبو محمد الفقيه ، قال أخبرنا أبو الحسن الشافعي ، قال أخبرنا أبو عبد الله بن المنهال ، أخبرنا أبو العباس الرازي ، أخبرنا أبو الزنباع ، حدّثنا عمر بن خالد ، حدّثنا أبو بكر بن مضر ، عن عمرو بن الحارث ، عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يخبر عن عائشة رضياللهعنها : «أنها رأت في المنام أنه سقط في حجرها ـ أو بحجرتها ـ ثلاثة أقمار ، فذكرت ذلك لأبي بكر فقال : خير.
قال يحيى بن سعيد : فسمعت بعد ذلك أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما توفي فدفن في بيتها ، قال أبو بكر : هذا أحد أقمارك يا بنية ، وهو خيرها (٣).
أنبأنا أبو القاسم الصموت ، عن الحسن بن أحمد ، عن أحمد بن عبد الله ، عن جعفر بن محمد ، أخبرنا أبو يزيد ، حدّثنا الزبير ، حدّثنا
__________________
(١) «تاريخ الطبري» ٢ / ٥٦١.
(٢) أخرجه البخاري في المناقب ، باب «مناقب عمر بن الخطاب رضياللهعنه عنه» (٣٦٨٥).
(٣) «الموطأ» ١٨٢ (٥٤٦) ، «المستدرك» ٣ / ٦٢ (٤٤٠٠).
محمد بن الحسن ، عن عبد العزيز بن محمد ، عن أنيس بن أبي يحيى ، قال : لقي رسول الله جنازة في بعض سكل المدينة ، فسأل عنها ، فقالوا : فلان الحبشي ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «سيق من أرضه وسمائه إلى التربة التي خلق منها».
قلت : فعلى هذا طينة النبي صلىاللهعليهوسلم التي خلق منها من المدينة ، وطينة أبي بكر وعمر رضياللهعنهما من طينة النبي صلىاللهعليهوسلم ، وهذه منزلة رفيعة.
وروي عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضياللهعنهم قال : دخلت على عائشة رضياللهعنها ، فاطلعت على قبر النبي صلىاللهعليهوسلم وقبر أبي بكر وعمر ، فرأيت عليها حصباء حمراء» (١).
وروي عن هارون بن موسى العروبي قال : سمعت جدي أبا علقمة يسأل : كيف كان الناس يسلمون على النبي صلىاللهعليهوسلم قبل أن يدخل البيت في المسجد؟.
فقال : كان الناس يقفون على باب البيت يسلمون ، وكان الباب ليس عليه غلق حتى ماتت عائشة رضياللهعنها.
قال أهل السير : وكان الناس يأخذون من تراب قبر النبي صلىاللهعليهوسلم ، فأمرت عائشة رضياللهعنها بجدار فضرب عليهم.
وروي عن عائشة رضياللهعنها أنها قالت : ما زلت أضع خماري وأنفصل عن ثيابي حتى دفن عمر ، فلم أزل متحفظة في ثيابي حتى بنيت بيني وبين القبور جدارا.
قلت : وقبر النبي صلىاللهعليهوسلم وقبر صاحبيه في صفّة بيت عائشة رضياللهعنها.
قال أهل السير : وفي البيت موضع قبر في الجهة الشرقية ، قال سعيد بن المسيب : فيه يدفن عيسى بن مريم عليهالسلام مع النبي صلىاللهعليهوسلم وصاحبيه رضياللهعنهما ، ويكون قبره الرابع.
واختلف الرواة في صفة قبورهم؟
__________________
(١) «سنن» أبي داود باب «تسوية القبر» ٣ / ٤٥٩ (٣٢٢٠).
فأخبرنا أبو القاسم بن كامل إذنا ، عن أبي علي المقريء ، عن أبي نعيم الأصبهاني ، عن أبي محمد الخلدي ، حدّثنا الزبير بن بكار ، حدّثنا محمد بن الحسن ، حدّثنا إسحاق بن عيسى ، عن عثمان بن نسطاس قال : رأيت قبر النبي صلىاللهعليهوسلم لما هدم عمر بن عبد العزيز عنه البيت مرتفعا نحوا من أربع أصابع ، عليه حصباء إلى الحمرة مائلة ، ورأيت قبر أبي بكر رضياللهعنه وراء قبر النبي صلىاللهعليهوسلم ، ورأيت قبر عمر رضياللهعنه أسفل منه وصوره لنا هكذا :
قبر النبي صلىاللهعليهوسلم
قبر أبي بكر رضياللهعنه
قبر عمر رضياللهعنه
وبالإسناد ، حدّثنا محمد بن الحسن ، حدّثني إسماعيل بن عبد الرحمن ، عن أبيه عبد الله بن بكر ، عن عمرة ، عن عائشة رضياللهعنها قالت : رأس النبي صلىاللهعليهوسلم مما يلي المغرب ، ورأس أبي بكر رضياللهعنه عند رجلي النبي صلىاللهعليهوسلم ، وعمر رضياللهعنه خلف ظهر النبي صلىاللهعليهوسلم ، وهذه صفته.
قبر النبي صلىاللهعليهوسلم
قبر أبي بكر رضياللهعنه
قبر عمر رضياللهعنه
وروي عن نافع بن أبي نعيم ، أن صفة قبر النبي صلىاللهعليهوسلم أمامهما إلى القبلة مقدما ، ثم قبر أبي بكر رضياللهعنه حذاء منكب النبي صلىاللهعليهوسلم ، وقبر عمر رضياللهعنه حذاء منكب أبي بكر رضياللهعنه ، وهذه صفته.
قبر النبي صلىاللهعليهوسلم
قبر أبي بكر رضياللهعنه
قبر عمر رضياللهعنه
وبالإسناد المتقدم ، حدّثنا محمد بن الحسن ، قال : حدّثنا محمد بن إسماعيل ، عن عمرو بن عثمان بن هانيء ، عن القاسم بن محمد ، قال :
دخلت على عائشة رضياللهعنها فقلت : يا أماه أريني قبر النبي صلىاللهعليهوسلم وصاحبيه رضوان الله عليهما ، فكشفت لي عن قبورهم ، فإذا هي لا مرتفعة ولا لاطئة ، مبطوحة ببطحاء حمراء من بطحاء العرصة (١) ، وإذا قبر النبي صلىاللهعليهوسلم أمامهما ، ورجلا أبي بكر رضياللهعنه عند رأس النبي صلىاللهعليهوسلم ، ورأس عمر رضياللهعنه عند رجلي أبي بكر رضياللهعنه ، وصفة ذلك كما يأتي :
قبر النبي صلىاللهعليهوسلم
قبر أبي بكر رضياللهعنه
قبر عمر رضياللهعنه
وروي عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، قال : خرجت في ليلة مطيرة إلى المسجد ، حتى إذا كنت عند دار المغيرة بن شعبة ، لقيتني رائحة لا والله ما وجدت مثلها ، فجئت المسجد فبدأت بقبر النبي صلىاللهعليهوسلم فإذا جداره قد انهدم ، فدخلت فسلمت على النبي صلىاللهعليهوسلم ومكثت فيه مليا ، فإذا قبر رسول الله عليه الصلاة والسلام ، وقبر أبي بكر رضياللهعنه عند رجليه ، وقبر عمر رضياللهعنه عند رجلي أبي بكر رضياللهعنهما ، وعليها من حصباء المسجد من حصباء العرصة ، وهذه صفته.
قبر النبي صلىاللهعليهوسلم
قبر أبي بكر رضياللهعنه
قبر عمر رضياللهعنه
وروى المنكدر بن محمد عن أبيه قال : قبر رسول الله صلىاللهعليهوسلم هكذا ، وقبر أبي بكر رضياللهعنه خلفه ، وقبر عمر رضياللهعنه عند رجلي النبي صلىاللهعليهوسلم وهذه صفته :
قبر النبي صلىاللهعليهوسلم
قبر أبي بكر رضياللهعنه
قبر عمر رضياللهعنه
قلت : ذكر أهل السير أن جدار حجرة النبي صلىاللهعليهوسلم الذي يلي موضع
__________________
(١) «سنن» أبي داود ٣ / ٥٤٩ (٣٢٢٠).
الجنائز سقط في زمان عمر بن عبد العزيز ، فظهرت القبور الشريفة ، فما رؤى بكاء في يوم مثل ذلك اليوم ، فأمر عمر بقباطي فخيطت ، ثم ستر الموضع بها ، وأمر ابن وردان أن يكشف عن الأساس ، فبينما هو يكشف إذ رفع يده وتنحى ، فقام عمر بن عبد العزيز فزعا ، فرأى قدمين وراء الأساس وعليهما الشعر ، فقال عبد الله بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر وكان حاضرا : أيها الأمير لا يروعنك ، فهما قدما جدّي عمر بن الخطاب ضاق البيت عنه فحفر له في الأساس ، فقال : يا ابن وردان أن غطّ ما رأيت ، ففعل.
وروى البخاري في «الصحيح» من حديث هشام بن عروة عن أبيه قال : لما سقط عنهم الحائط في زمان الوليد بن عبد الملك أخذوا في بنيانه ، فبدت لهم قدم ، ففزعوا وظنوا أنها قدم النبي صلىاللهعليهوسلم ، فما وجدوا أحدا يعلم ذلك حتى قال لهم عروة : لا والله ما هي قدم النبي صلىاللهعليهوسلم ما هي إلا قدم عمر رضياللهعنه (١).
قالوا : وأمر عمر أبا حفصة مولى عائشة رضياللهعنها وناسا معه فبنوا الجدار ، وجعلوا فيه كوة ، فلما فرغوا منه ورفعوه ، دخل مزاحم مولى عمر فرفع ما سقط على القبر من التراب والطين ونزع القباطي. قالوا : وباب البيت الذي دفنوا فيه شامي.
قلت : وبنى عمر بن عبد العزيز على حجرة النبي صلىاللهعليهوسلم حاجزا من سقف المسجد إلى الأرض ، وصارت الحجرة في وسطه ، وهو على دورانها.
ولما ولي المتوكل الخلافة ، أمر إسحاق بن سلمة وكان على عمارة مكة والمدينة من قبله بأن يأزر الحجرة بالرخام من حولها ، ففعل ذلك وبقي الرخام عليها إلى سنة ثمان وأربعين وخمسمائة من خلافة المقتفي ، فجدد تأزيرها جمال الدين وزير بني زنكي ، وجعل الرخام حولها قامة وبسطة ، وجعل لها شباكا من خشب الصندل والأبنوس ، وأداره حولها ما يلي السقف.
__________________
(١) أخرجه البخاري في الجنائز ، باب ما جاء في قبر النبي صلىاللهعليهوسلم (١٣٩٠).
قيل : إن أبا الغنايم النجار البغدادي عمله أروانكا ، وفي دورانه مكتوب على أقطاع الخشب الأروانك سورة الإخلاص صنعة بديعة.
ولم تزل الحجرة على ذلك حتى عمل لها الحسين بن أبي الهيجاء صهر الصالح وزير الملوك المصريين ستارة ديبقية بيضاء ، وعليها الطرز والجامات المرقومة بالإبريسم الأصفر والأحمر ، وخيطها وأدار عليها زنارا من الحرير الأحمر ، والزنار مكتوب عليه سورة يس بأسرها.
قيل : إنه غرم على هذه الستارة مبلغا عظيما من المال ، وأراد تعليقها على الحجرة ، فمنعه قاسم بن مهنا الأمير على المدينة ، وقال : حتى يستأذن الإمام المستضيء بأمر الله ، فبعث إلى العراق يستأذن في تعليقها ، فجاء الإذن في ذلك فعلقها نحو العامين ، ثم جاءت من الخليفة ستارة من الإبريسم البنفسجي عليها الطرز والجامات البيض المرقومة ، وعلى دوران جاماتها مكتوب بالرقم : أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ، وعلى طرازها اسم الإمام المستضيء بأمر الله ، فشيلت تلك ونفذت إلى مشهد علي بن أبي طالب بالكوفة ، فعلقت هذه عوضها.
فلما ولي الإمام الناصر لدين الله ، أرسل ستارة أخرى من الإبريسم الأسود وطرزها وجاماتها من الإبريسم الأبيض ، فعلقت فوق تلك ، فلما حجت الجهمة أم الخليفة وعادت إلى العراق ، عملت ستارة من الإبريسم الأسود أيضا على شكل المذكورة ، فأنفذتها فعلقت على هذه.
ففي يومنا هذا على الحجرة الشريفة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام والرحمة ثلاث ستائر بعضهن على بعض ، وفي سقف المسجد ـ الذي بين القبلة والحجرة على رأس الزوار إذا وقفوا ـ معلق نيف وأربعون قنديلا كبارا وصغارا من الفضة المنقوشة والساذجة ، وفيها اثنان من البلور واحد ذهب ، وفيها قمر من فضة مغموس في الذهب ، وهذه تنفذ من البلدان من الملوك وأرباب الحشمة والأموال.
واعلم أن على حجرة النبي صلىاللهعليهوسلم عليها ثوب مشمع مثل الخيمة ، وفوقه سقف المسجد ، وفيه خوخة عليها ممرق مقفل ، وفوق الخوخة في سقف السطح خوخة أخرى فوق تلك الخوخة وعليها ممرق مقفل أيضا ،
وحولها في سطح المسجد حظيرة مبنية بالآجر والجص يمين الحجرة عن السطح بقليل ، وبين سقف المسجد وبين سقف السطح فراغ نحو الذراعين وعليه شبابيك حديد ترمي الضوء من رحبة المسجد ، وتشال إذا أرادوا الدخول إلى هناك لأجل تعليق سلاسل القناديل وحبال الأبارير لأجل العمارة في المسجد.
وهذه صفة الحجز الذي بناه عمر بن عبد العزيز والحجرة في وسطه ، ومن الحجرة إلى المقصورة تسع عشرة ذراعا ، ومن الركن الغربي إلى المسمار الفضة الذي هو مقابل وجه النبي صلىاللهعليهوسلم خمس أذرع ، وصفة ذلك وصورته هكذا :
واعلم أنه في سنة ثمان وأربعين وخمسمائة ، سمعوا صوت هدّة في الحجرة الشريفة ، وكان الأمير قاسم بن مهنا الحسيني ، فأخبروه بالحال فقال : ينبغي أن ينزل شخص إلى هناك ليبصر ما هذه الهدّة ، وافتكروا في شخص يصلح لذلك ، فلم يجدوا إلا عمر النسائي ، شيخ من شيوخ الصوفية بالموصل ، وكان مجاورا بالمدينة فذكروا ذلك له ، فذكر أن به فتقا والريح والبول تحوجه إلى الغائط مرارا ، فألزموه ، فقال : أمهلوني حتى أروّض نفسي ، وقيل : إنه امتنع من الأكل والشرب ، وسأل الله بجاه النبي صلىاللهعليهوسلم إمساك المرض عنه بقدر ما يبصر ويخرج ، ثم إنهم أنزلوه في الحبال من الخوخة إلى الحظير الذي بناه عمر ، ودخل منه إلى الحجرة معه شمعة يستضيء بها ، فرأى شيئا من طين السقف قد وقع على القبور ، فأزاله وكنس التراب بلحيته ، وقيل : إنه كان مليح الشيبة ، وأمسك الله عزوجل ذلك الداء بقدر ما خرج من الموضع وعاد إليه ، وهذا ما سمعته من أفواه جماعة ، والله أعلم بحقيقة الحال في ذلك.
وفي شهر ربيع الآخر من سنة أربع وخمسين وخمسمائة في أيام قاسم أيضا ، وجد من الحجرة رائحة منكرة وكثر ذلك ، حتى ذكروه للأمير ، فأمرهم بالنزول إلى هناك ، فنزل بيان الأسود الخصي أحد خدم الحجرة الشريفة ، ومعه الصفي الموصلي متولي عمارة المسجد ، ونزل معهما هارون الشاوي الصوفي بعد أن سأل الأمير في ذلك وبذل له جملة من المال ، فلما نزلوا وجدوا هرّا قد هبط ومات وجاف ، فأخرجوه ، وكان في الحاجز بين الحجرة والمسجد ، وكان نزولهم يوم السبت الحادي عشر من ربيع الآخر ، ومن ذلك التاريخ إلى يومنا هذا لم ينزل أحد إلى هناك ، والله أعلم (١).
__________________
(١) ذكر السمهودي في «وفاء الوفا» ١ / ٦١٨ أن المسجد قد احتاج إلى عمارة لوجود تشققات بالسقف وبعض جدر المسجد ، وأنه قد عمرت في تلك العمارة وبني جدارها. للمزيد انظر «وفاء الوفا».
الباب السّادس عشر
في ذكر فضل زيارة النبي صلىاللهعليهوسلم
أخبرنا يحيى بن أبي الفضل الصوفي ، أخبرنا أبو محمد الفقيه ، أخبرنا أبو الحسن المصري ، أنبأنا أبو النعمان العسقلاني ، حدّثنا أبو الحسن الدارقطني ، حدّثنا يحيى بن محمد بن صاعد ، حدّثنا أبو محمد العبادي ، حدّثنا مسلمة بن سالم ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من جاءني زائرا لم تنزعه حاجة إلا زيارتي كان حقا عليّ أن أكون شفيعا له يوم القيامة» (١).
وبالإسناد حدّثنا الدارقطني ، حدّثنا الحسين بن إسماعيل ، حدّثنا عبيد بن محمد الوراق ، حدّثنا موسى بن هلال ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من زار قبري وجبت له شفاعتي» (٢).
أنبأنا سعيد بن أبي سعيد النيسابوري ، أنبأنا إبراهيم بن محمد المؤدب ، أخبرنا إبراهيم بن محمد ، حدّثنا محمد بن محمد بن مقاتل ، حدّثنا جعفر بن هارون ، حدّثنا إسماعيل بن المهدي ، عن أنس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من زارني ميتا فكأنما زارني حيّا ، ومن زار قبري وجبت له شفاعتي يوم القيامة ، وما من أحد من أمتي له سعة ثم لم يزرني فليس له عذر» (٣).
وروي عن علي رضياللهعنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من لم يزر قبري فقد جفاني» (٤).
__________________
(١) انظر روايات الحديث وتخريجه في : «شفاء السقام» للسبكي ص ١٦ الحديث الثالث.
(٢) «سنن» الدارقطني ١ / ٢٢٨ (١٠٩٧) ، «كشف الأستار» ٢ / ٥٧ (١١٩٨) ، «مجمع الزوائد» ٤ / ٢.
(٣) الطبراني «الكبير» ١٢ / ٣١٠ (١٣٤٩٦) ، «كشف الأستار» ٢ / ٥٧ (١١٩٨) ، «مجمع الزوائد» ٤ / ٢.
(٤) «شفاء السقام» للسبكي ص ٣٩ الحديث الرابع عشر.
أنبأنا عبد الرحمن بن علي ، أنبأنا أبو الفضل الحافظ ، عن أبي علي الفقيه ، أنبأنا أبو القاسم الأزهري ، أنبأنا القاسم بن الحسن ، حدّثنا الحسن بن الطيب ، حدّثنا علي بن حجر ، حدّثنا حفص بن سليمان ، عن ليث ، عن مجاهد ، عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من حج فزار قبري بعد موتي كان كمن زارني في حياتي وصحبني» (١).
أخبرنا أبو أحمد الكاتب ، أنبأنا أبو بكر الأنصاري ، أنبأنا أبو محمد الجوهري ، أنبأنا أبو بكر بن الشّخيّر ، حدّثنا أحمد بن محمد بن العباس ، حدّثنا أحمد بن علي الحراني ، حدّثنا العلاء بن عمرو الحنفي ، حدّثنا محمد بن مروان ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من صلّى عليّ عند قبري سمعته ، ومن صلّى عليّ غائبا بلّغته» (٢).
أنبأنا أبو الحسن الشافعي ، أنبأنا أبو محمد الفقيه ، أنبأنا علي بن الحسن ، أنبأنا الحسين بن محمد ، حدّثنا إسماعيل بن يعقوب ، حدّثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي حدّثنا مسدد ، حدّثنا يحيى بن سعيد ، عن سفيان قال : حدّثني عبد الله بن السائب ، عن زاذان ، عن عبد الله ، عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إن لله عزوجل سياحين يبلغوني عن أمتي السلام» (٣).
أخبرنا أبو طاهر الصوفي ، أنبأنا أبو القاسم بن الحصين ، أنبأنا أبو علي بن المذهب ، أنبأنا أبو بكر القطيعي ، حدّثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدّثني أبي ، حدّثنا عبد الله بن يزيد ، حدّثنا حيوة ، حدّثني أبو صخر ، أن يزيد بن عبد الله بن قسيط أخبره ، عن أبي هريرة رضي الله
__________________
(١) الطبراني في «الكبير» ١٢ / ٣١٠ (١٣٤٩٧) ، «السنن الكبرى» للبيهقي ٥ / ٤٠٣ (١٠٢٧٤) ، «المطالب العالية» ١ / ٣٧٢ (١٢٥٤).
(٢) «الشعب» للبيهقي ٢ / ٢١٨ (١٥٨٣) ، «الترغيب والترهيب» للأصبهاني ٢ / ٦٨١ (١٦٣٩).
(٣) «فضل الصلاة على النبي صلىاللهعليهوسلم» للجهضمي ص ٣٤ الحديث (٢١) ، ابن حبان ٣ / ١٩٥ (٩١٤) ، والحاكم ٢ / ٤٥٦ (٣٥٧٦) وصححه ووافقه الذهبي.
تعالى عنه ، عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «ما من أحد يسلم عليّ إلا رد الله عليّ روحي حتى أرد عليهالسلام» (١).
أنبأنا يحيى بن بوش ، عن أبي عليّ الحداد ، عن أبي نعيم ، عن جعفر الخلدي ، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن ، حدّثنا الزبير ، حدّثنا محمد بن الحسن ، عن عبد العزيز بن محمد ، عن محمد بن يزيد المهاجر ، عن المقبري ، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إن عيسى بن مريم مار بالمدينة حاجا أو معتمرا ، ولئن سلّم علي لأردن عليه».
أنبأنا يحيى بن الحسين المقري ، أخبرنا المبارك بن الحسن العطار ، أنبأنا أبو بكر الخياط ، أنبأنا أبو عمر العلاف ، حدّثنا الحسين بن صفوان ، حدّثنا أبو بكر بن أبي الدنيا ، حدّثنا محمد بن الحسين ، أخبرنا قتيبة ، حدّثنا ليث بن سعد عن خالد بن يزيد ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن نبيه بن وهب أن كعب الأحبار قال : ما من فجر يطلع إلا نزل سبعون ألفا من الملائكة حتى يحفوا بالقبر يضربون بأجنحتهم ويصلون على النبي صلىاللهعليهوسلم ، حتى إذا أمسوا عرجوا وهبط مثلهم فصنعوا مثل ذلك ، حتى إذا انشقت الأرض خرج في سبعين ألفا من الملائكة يوقرونه صلىاللهعليهوسلم (٢).
وروي أن عمر بن عبد العزيز كان يبرد البريد من الشام يقول : سلم لي على رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
أنبأنا يحيى بن الحسين الأواني ، أنبأنا أبو الكرم بن الشهروزي ، أنبأنا أبو بكر بن الخياط ، أنبأنا أبو عمر بن دوست ، حدّثنا الحسين بن صفوان حدّثنا ابن أبي الدنيا ، أخبرنا سعيد بن عثمان الجرجاني ، أنبأنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك قال : سمعت بعض من أدركت يقول : بلغنا أنه من وقف عند قبر النبي صلىاللهعليهوسلم فتلا هذه الآية (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ) [الأحزاب : ٥٦] وقال : صلى الله عليك يا محمد ، حتى يقولها
__________________
(١) «سنن» أبي داود ٢ / ٥٣٤ (٢٠٤١) ، «الشعب» للبيهقي ٢ / ٢١٧ (١٥٨١) ، «مسند» الإمام أحمد ٣ / ٣٣٨ (١٠٤٣٤).
(٢) «سنن» الدارمي ١ / ٤٧ (٩٤) ، «الشعب» للبيهقي ٣ / ٤٩٢ (٤١٧٠).
سبعين مرة ، ناداه ملك : صلى الله عليك يا فلان لم تسقط لك حاجة (١).
وبالإسناد : حدّثنا ابن أبي فديك ، قال : أخبرني عمر بن حفص أن ابن أبي مليكة كان يقول : من أحب أن يقوم وجاه النبي صلىاللهعليهوسلم ، فليجعل القنديل الذي في القبلة عند القبر على رأسه (٢).
وروى جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، عن جده رضياللهعنهم ، أنه كان إذا جاء يسلم على النبي صلىاللهعليهوسلم ، وقف عند الأسطوانة التي مما يلي الروضة فسلم ، ثم يقول : هاهنا رأس رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
قلت : واليوم هناك علامة واضحة وهي مسمار من فضة في حائط حجرة النبي صلىاللهعليهوسلم إذا قابله الإنسان كان القنديل على رأسه ، فقابل وجه النبي صلىاللهعليهوسلم ويسلم عليه ، ثم يتقدم عن يمينه قليلا ويسلم على أبي بكر رضياللهعنه ، ثم يتقدم قليلا فيسلم على عمر رضياللهعنه ، ثم يعود ويجعل الحجرة على يساره ويستقبل القبلة ويدعو الله تعالى بما أحب.
أنبأنا أبو الفرج بن علي الفقيه ، أنبأنا عمر بن ظفر ، أنبأنا جعفر بن أحمد ، أنبأنا عبد العزيز بن علي ، حدّثنا أبو الحسن الهمداني ، حدّثني محمد بن حبان ، قال : سمعت إبراهيم بن شيبان يقول : حججت في بعض السنين فجئت المدينة فتقدمت إلى قبر النبي صلىاللهعليهوسلم فسلمت عليه ، فسمعت من داخل الحجرة : وعليك السلام.
أخبرنا عبد الرحمن بن أبي الحسن في كتابه ، أخبرنا أبو الفرج بن أحمد ، أخبرنا أحمد بن نصير ، أخبرنا محمد بن القاسم ، سمعت علي بن غالب الصوفي ، يقول : سمعت إبراهيم بن محمد المزكي يقول : سمعت أبا الحسن الفقيه يحكي عن الحسن بن محمد ، عن ابن فضيل النحوي ، عن محمد بن روح ، عن محمد بن حرب الهلالي قال : دخلت المدينة فأتيت
__________________
(١) انظر : «الوفا» لابن الجوزي ٢ / ٨٠١ ، «الشفا» للقاضي عياض ٢ / ٨٥ ، «الفجر المنير» للفاكهي ٢٨ / أ ، «سبل الهدى والرشاد» للصالحي ١٢ / ٤١٢ ، «وفاء الوفا» للسمهودي ٢ / ١٣٩٩ ، «شعب الإيمان» للبيهقي ٣ / ٤٩٢ (٤١٧٠) ، «سنن» الدارمي ١ / ٤٧ (٩٤).
(٢) «الشعب» للبيهقي ٤٩٢ / ٣ (٤١٦٩).
قبر النبي صلىاللهعليهوسلم ، فجاء أعرابي فزاره ثم قال : يا خير المرسلين إن الله عزوجل أنزل كتابا عليك صادقا قال فيه : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً) [النساء : ٦٤] ، وإني جئتك مستغفرا إلى ربي من ذنوبي مستشفعا بك ، ثم بكى وأنشأ يقول :
يا خير من دفنت بالقاع أعظمه |
|
فطاب من طيبهن القاع والأكم |
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه |
|
فيه العفاف وفيه الجود والكرم |
أنت النبي الذي ترجى شفاعته |
|
عند الصراط إذا ما زلّت القدم |
ثم استغفر وانصرف ، فرقدت فرأيت النبي صلىاللهعليهوسلم وهو يقول : الحق بالرجل فبشره بأن الله عزوجل قد غفر له بشفاعتي (١).
أنبأنا ذاكر بن كامل بن أبي غالب الخفاف ـ فيما أذن لي في روايته عنه ـ ، قال : كتب إليّ أبو علي الحداد ، عن أبي نعيم الأصبهاني قال : أنبأنا جعفر بن محمد بن نصير ، أخبرنا أبو يزيد المخزومي ، أخبرنا الزبير بن بكار ، حدّثنا محمد بن الحسن ، حدّثني غير واحد منهم : عن عبد العزيز بن أبي حازم ، عن عمر بن محمد ، أنه لما كان أيام الحرة ترك الأذان في مسجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثلاثة أيام ، وخرج الناس إلى الحرة ، وجلس سعيد بن المسيب في مسجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : فاستوحشت ، فدنوت من قبر النبي صلىاللهعليهوسلم ، فلما حضرت الصلاة ، سمعت الأذان في قبر النبي صلىاللهعليهوسلم ، فصليت ركعتين ، ثم سمعت الإقامة فصليت الظهر ، ثم جلست حتى أصلي العصر ، فسمعت الأذان في قبر النبي صلىاللهعليهوسلم ، ثم سمعت الإقامة. ثم لم أزل أسمع الأذان والإقامة في قبره صلىاللهعليهوسلم حتى مضت الثلاث ، وقفل القوم ودخلوا مسجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وعاد المؤذنون فأذنوا ، فتسمعت الأذان في قبره صلىاللهعليهوسلم ، فلم أسمعه ، فرجعت إلى مجلسي الذي كنت فيه أكون (٢).
__________________
(١) انظر ذلك في : تفسير ابن كثير ٢ / ٣٠٦ ، تفسير القرطبي ٥ / ٢٦٥ ، «المغني» لابن قدامة ٣ / ٥٥٧ ، «الإيضاح» للنووي ص ٤٥١ ، «سبل الهدى والرشاد» للصالحي ١٢ / ٣٨ ، «وفاء الوفا» للسمهودي ٤ / ١٣٦١.
(٢) «سنن» الدارمي ١ / ٤٧ (٩٤).
أنبأنا عبد الرحمن بن علي ، أنبأنا أبو الفضل الفارسي ، عن أبي بكر الشيرازي ، أخبرنا محمد بن الحسين ، سمعت أبا الخير الأقطع يقول : دخلت مدينة الرسول صلىاللهعليهوسلم وأنا بفاقة ، فبقيت خمسة أيام ما ذقت ذواقا ، فتقدمت إلى القبر وسلمت على النبي صلىاللهعليهوسلم ، وعلى أبي بكر وعمر رضياللهعنهما وقلت : أنا ضيفك الليلة يا رسول الله ، وتنحيت فنمت ، فرأيت النبي صلىاللهعليهوسلم في المنام وأبو بكر عن يمينه وعمر عن شماله ، وعلي بين يديه ، فحركني علي وقال لي : قم ، قد جاء رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، قال : فقمت إليه وقبلت بين عينيه ، فدفع إليّ رغيفا فأكلت نصفه ، وانتبهت وفي يدي النصف الآخر (١).
أخبرنا عبد الوهاب بن علي ، أخبرتنا فاطمة بنت أبي حكيم ـ إن لم يكن سماعا فإجازة ـ ، أنبأنا أبو منصور بن الفضل ، أخبرنا أبو عبد الله الكاتب ، أخبرنا ابن المغيرة ، حدّثنا أحمد بن سعيد الدمشقي ، حدّثنا الزبير بن بكار ، أخبرنا السّري بن الحارث ، عن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير ـ وكان مصعب يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة ويصوم الدهر ـ قال : بتّ ليلة في المسجد بعد ما خرج الناس منه ، فإذا برجل قد جاء إلى بيت النبي صلىاللهعليهوسلم ، ثم أسند ظهره إلى الجدار ، ثم قال : اللهم إنك تعلم أني كنت أمس صائما ، ثم أمسيت فلم أفطر على شيء ، اللهم إني أمسيت أشتهي الثريد فأطعمنيه من عندك.
قال : فنظرت إلى وصيف داخل من خوخة المنارة ، ليس في خلقة وصفاء الناس ، معه قصعة فأهوى بها إلى الرجل ، فوضعها بين يديه وجلس الرجل يأكل وحصبني ، فقال : هلمّ ، فجئته وظننت أنها من الجنة ، فأحببت أن آكل منها لقمة ، فأكلت طعاما لا يشبه طعام أهل الدنيا ، ثم احتشمت فقمت فرجعت لمجلسي ، فلما فرغ من أكله ، أخذ الوصيف القصعة ثم أهوى راجعا من حيث جاء ، وقام الرجل منصرفا فتبعته لأعرفه ، فلا أدري أين سلك ، فظننته الخضر عليهالسلام.
وروى أن امرأة من المتعبدات جاءت عائشة رضياللهعنها فقالت :
__________________
(١) «وفاء الوفا» للسمهودي ٢ / ١٣٨١.