تاريخ اليمن

نجم الدين عمارة بن أبي الحسن علي الحكمي اليمني

تاريخ اليمن

المؤلف:

نجم الدين عمارة بن أبي الحسن علي الحكمي اليمني


المحقق: الدكتور حسن سليمان محمود
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الإرشاد
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٨

(أولا) تاريخ اليمن

للفقيه العلامة

نجم الدين عمارة اليمني

تقويم النص

٤١
٤٢

بسم الله الرحمن الرّحيم

الحمد لله أفضل محمود ، وأحق معبود ، وصلى الله على محمد النبي ، أطهر منسل ، وأكرم مرسل ، وعلى آله أعلام العلوم ، وأطوار الحلوم ، وسلم. وبعد : فإني في سنة ثلاث وستين وخمس مئة ، حضرت مجلس المولى القاضي الأجل الفاضل ، أبي علي عبد الرحيم ابن القاضي الأشرف بهاء الدين أبي المجد علي البيساني (١) ، حرس الله علوه ، وأدام سموه ، وهو يومئذ صاحب ديوان الإنشاء ، عن الخلافة العاضدية. فحداني ، بل وهداني أمره إلى وضع كتاب ، أجمع فيه ، ما علق بحفظي من أخبار جزيرة اليمن ، سهلها ووعرها ، برا وبحرا ، ومدد ممالكها ، وأبعاد مسالكها ، وحروب أهلها ووقائعهم ومآثرهم وصنائعهم ، وأخبار قضاتها ودعاتها [١] وأخبار أعيانها وأمرائها ، ومن روى له عنه ، أو رأيته من شعرائها ، فامتثلت من ذلك ما ندب إليه ، وعولت عند التصفح عليه ، وما هو ممن استحي لقاه خشيا وإجلالا ، بميسور (٢) خاطر ، ولو لم يشجعني تغاضيه (٣) ، عاضني محاذرتي من خجلي المتجاسر.

حدثني الشيخ الفقيه نزار (٤) بن عبد الملك المكي ، والفقيه أحمد بن

__________________

(١) وفيات : ١ / ٣٥٧ ـ ٣٥٩ ؛ خطط : ١ / ٣٦٦ ـ ٣٦٧ ؛ راجع كذلك مقدمة (كاي) المترجمة.

(٢) في الأصل : بمسور.

(٣) في الأصل : تفاضيه.

(٤) في خ : أبو المنصور نزار.

٤٣

محمد الأشعري ، وما منهما إلا عارف بأيام الناس ، وأنسابهم وأشعارهم. وقرأت في كتاب مفيد لأخبار زبيد ، تأليف الملك المكين أبي الطامي جياش بن نجاح ، نصير الدين (١) ، مالك زبيد ما قالوا : لما كان في سنة تسع وتسعين ومئة ، أتى إلى المأمون بن الرشيد بقوم من ولد عبيد الله (٢) بن زياد (٣). فانتسب أحدهم واسمه محمد بن فلان بن عبيد الله بن زياد إلى زياد (٤) ، وانتسب رجل منهم إلى سليمان بن هشام بن عبد الملك ، ومن ولد هذا الرجل ، الوزير خلف بن أبي الطاهر (٥) ، وزير الأمير جياش بن نجاح. فقال المأمون لهذا الأموي : إن عبد الله بن علي بن العباس (٦) ضرب عنق سليمان بن هشام ، وأعناق ولديه في يوم واحد. فقال الأموي : أنا من ولد الأصغر ، من ولد سليمان بن هشام (٧) ، منا قوم بالبصرة في أفناء الناس ، وانتسب له رجل إلى بني تغلب (٨) ، واسمه محمد هارون ، فبكي المأمون وقال : أنى لي بمحمد بن هارون (٩) ـ يعني أخاه الأمين ـ ثم قال : أما الأمويان فيقتلان (١٠) ، وأما التغلبي فيعفى عنه ، رعاية (١١) لاسمه واسم أبيه. فقال ابن زياد : ما أكذب الناس يا أمير المؤمنين ، إنهم يزعمون أنك حليم كثير العفو ، متورع عن سفك الدماء (١٢) بغير حق ، فإن كنت تقتلنا على (١٣)

__________________

(١) في خ : ظهير الدين.

(٢) في الأصل : عبد الله.

(٣) في كاي : من أعوان الأمويين ؛ في ياقوت : بقوم من ولد زياد بن أبيه ، وقوم من ولد هشام ، وفيهم رجل من بني أمية ؛ وفي خ : بني تغلب. (انظر حاشية : ٩٨ (كاي)).

(٤) في الجندي : إلى عبيد الله بن زياد بن أبيه.

(٥) خريدة / ورقة : ٢٧٦ ؛ حاشية : ٣٩ هامش ١.

(٦) في كاي : عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس.

(٧) في الجندي : كان جدي صغيرا يومئذ لم يدرك.

(٨) في خ : ابن وائل.

(٩) في خ : أنى لي ؛ وفي ياقوت مالي.

(١٠) في ياقوت : الأمويون والزياديون فيقتلون.

(١١) في ياقوت : كرامة.

(١٢) في ياقوت : عن الدماء.

(١٣) في ياقوت : عن.

٤٤

ذنوبنا ، فإنا لم نخرج عن الطاعة (١) ، ولم نفارق في بيعتك رأي الجماعة ، وإن كنت تقتلنا عن جنايات بني أمية فيكم ، فالله تعالى يقول : [٢](وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى)(٢). فاستحسن المأمون كلامه ، وعفا عنهم جميعا ، وكانوا أكثر من مئة رجل ، وأضافهم إلى أبي العباس الفضل بن سهل ذي الرياستين ، وقيل إلى أخيه الحسن. فلما بويع لإبراهيم بن المهدي (٣) ببغداد ، في المحرم سنة اثنتين ومائتين ، وافق ذلك ورود كتاب عامل اليمن بخروج الأشاعر (٤). وعك [٣] ، عن الطاعة ، فأثنى ابن سهل على [الزيادي وكان اسمه](٥) محمد بن زياد ، وعلي المرواني والتغلبي ، عند المأمون ، وأنهم من أعيان الرجال ، وأفراد الكفاة ، وأشار بتسييرهم إلى اليمن ، [فسير](٦) ابن زياد أميرا ، وابن هشام وزيرا ، والتغلبي حاكما ومفتيا. فمن ولد التغلبي محمد بن هارون ، قضاة اليمن : بنو أبي عقامة (٧). ولم يزل الحكم فيهم متوارثا ، حتى أزالهم علي بن مهدي (٨) حين أزال الحبشة (٩) [٤] ، فخرجوا في الجيش الذي جهزه المأمون إلى بغداد ، إلى محاربة إبراهيم بن المهدي. وحج ابن زياد ومن معه في سنة ثلاث ومئتين ، وسار إلى اليمن ، وفتح تهامة بعد حروب جرت بينه وبين العرب ، واختط (١٠) زبيد [٥] في شعبان سنة أربع ومائتين.

وفي هذا التاريخ مات الفقيه الإمام محمد بن إدريس الشافعي بمصر ، رحمة الله عليه ، وحج من اليمن جعفر مولى بن زياد ، بمال وهدايا سنة

__________________

(١) في ياقوت : عن طاعة.

(٢) سورة فاطر ؛ آية : ١٨.

(٣) في كاي : إبراهيم ابن الخليفة المهدي ، عم المأمون الذي اغتصب عرش الخلافة.

(٤) في ياقوت : الأعاشر ، ولم يذكر عك : وهم عرب يسكنون بوادي زبيد (السلوك / دار / ورقة : ٦١)

(٥) الزيادة من ياقوت.

(٥) الزيادة من ياقوت.

(٦) قلادة : ٢ / مجلد ٢ / ورقة : ٦٣٥.

(٧) عمارة / كاي : ٩٢ ـ ١٠٠.

(٨) يقصد بهم الدولة النجاحية (كاي).

(٩) بغية : ورقة : ٧.

٤٥

خمس ومائتين ، ووصل (١) إلى العراق ، وصادف المأمون بها ، وعاد جعفر في سنة ست إلى زبيد ومعه ألف فارس [فيها](٢) من مسودة خراسان سبع مئة ، فعظم ملك (٣) ابن زياد ، وملك (٤) إقليم اليمن بأسره : الجبال والتهائم ، وتقلد جعفر هذا الجبال ، واختط بها مدينة يقال لها : المذيخرة بمخلاف ريمة الأشاعر [٦] ذات أنهار وأشجار (٥) واسعة. والبلاد التي كانت لجعفر تسمى إلى اليوم مخلاف جعفر (٦). والمخلاف عند أهل اليمن عبارة عن قطر واسع. وكان جعفر هذا أحد الكفاة الدهاة (٧) ، وبه نمت (٨) دولة ابن زياد ، لأنهم (٩) يقولون ابن زياد وجعفر (١٠) ، وهو الذي اشترط على عرب تهامة ألا يركبوا الخيل. وملك ابن زياد : حضر موت ، وديار كنده [٧] ، والشحر ، ومرباطا ، وأبين ، ولحجا ، وعدن ، والتهايم إلى حلي. وبين حلي ومكة ـ حرسها الله ـ ثمانية أيام. وملك من الجبال الجند وأعمالها ، ومخلاف المعافر ، ومخلاف جعفر ، وصنعاء ، وصعدة ونجران ، وبيحان ، وواصل ابن زياد الخطبة لبني العباس ، وحمل الأموال والهدايا السنية هو وأولاده من بعده ، وهم إبراهيم ومحمد ، هذا الذي هو أولهم ، ثم ملك بعده ابنه زياد بن إبراهيم فلم تطل مدته ، ثم ملك بعده أبو إسحاق بن إبراهيم وطالت مدته. فلما أسن ، وبلغ الثمانين من الملك. تشعب عليه من دولته بعضها. فمن أظهر له بعض ما يكره : ملك صنعاء وهو من أولاد التبابعة [٨] من حمير ، واسمه أسعد بن أبي يعفر ، ولكنه كان يخطب لأبي

__________________

(١) في ياقوت : سار.

(٢) الزيادة من ياقوت.

(٣) في ياقوت : أمر.

(٤) في ياقوت : وتقلد.

(٥) في ياقوت : رياض.

(٦) أنباء / دار : ٣٠.

(٧) في ياقوت : وكان جعفر هذا من الدهاة الكفاة.

(٨) في ياقوت : تمت.

(٩) في ياقوت : ولذلك.

(١٠) في الأصل : ابن زياد وجعفره ؛ وفي الجندي : كان يلقب ابن زياد بجعفر.

٤٦

الجيش بن زياد ، ويضرب الدراهم على اسمه ، ولم يكن ينفذ لأبي الجيش هدية ولا ميرة ولا ضريبة.

وكان ارتفاع أموال أسعد هذا لا يزيد على أربع مئة ألف [دينار](١) في السنة ، يصرف معظمها في سبيل البر لوافديه وقاصديه. وأما صاحب بيحان ، ونجران ، وجرش [٩] فهم أيضا تحت طاعة ابن زياد. وأما صعدة فثار بها الشريف الحسني المعروف بالرسي ثم الزيدي. وما يليق ذكره في هذا الموضع ، مع أنه [١٠] ليس بجميع اليمن مدينة أكبر ولا أكثر مرافقا من صنعاء ، وهو بلد في خط الاستواء ، وهو من الاعتدال في الهواء (٢) بحيث لا يتحول الإنسان عن مكان واحد إلى مكان آخر طول عمره ، شتاء ولا صيفا ، وتتقارب بها ساعات الشتاء والصيف. وبها بناء عظيم قد خرب ، فهو تل عال يعرف بغمدان (٣) ولم تبن ملوك اليمن قصرا مثله ، ولا أرفع منه. وفي ملك أسعد بن أبي يعفر صاحب صنعاء جبل المذيخرة ، وبلغني أن أعلاه نحو عشرين فرسخا ، فيه (٤) المزارع والمياه ، وفيه نبت الورس (٥) وهو في معنى الزعفران (٦) ، ولا يسلك إلا من طريق واحد.

وقد كان علي (٧) بن الفضل الداعي المعروف بشيخ لاعة. ولاعة هذه إلى جانبها قرية لطيفة يقال لها عدن لاعة [١١] ، وليست عدن أبين الساحلية ، وأنا دخلت عدن لاعة (٨) هذه ، وهي أول موضع ظهرت فيه الدعوة العلوية باليمن ، ومنها قام منصور اليمن ، ومنها علي بن الفضل

__________________

(١) الزيادة : كاي.

(٢) في الأصل : الهوى.

(٣) صفة : ٣ ، ١٩٧ ، ٢٤٠.

(٤) في الأصل : فيها.

(٥) عند فريتاغ اسمه الللاتيني menecylon tincorium.

(٦) في ياقوت : وفي شفيره الزعفران.

(٧) في الأصل محمد.

(٨) في الأصل : هذه عدن لاعة.

٤٧

الداعي (١) ، وممن وصل إليها من دعاة الدولة أبو عبد الله الشيعي صاحب الدعوة العلوية بالمغرب ، وفيها قرأ علي بن محمد الصليحي في صباه ، وهي دار دعوة اليمن.

وكان هذا علي (٢) بن الفضل الداعي ، غلب على جبل المذيخرة ، وخطب فيه للدعوة العلوية سنة أربع وتسعين ومائتين (٣) ، ثم استرجعه منه أصحاب أسعد بن أبي يعفر ، ثم عاد إلى أصحاب الداعي علي بن الفضل ثانية. وفي ملك أسعد بن أبي يعفر جبل شبام ، وهو منيع جدا ، وفيه قرى ومزارع ، وجامع كبير ، وهو عمل مستقل بنفسه ، ويرتفع منه العقيق والجزع (٤) ، وهي حجارة معساة (٥) ، فإذا عملت ظهرت جوهرها.

وممن امتنع من عمال أبي الجيش بن زياد ، سليمان بن طرف ، صاحب عثر وهو من ملوك تهامة ، وعمله مسيرة سبعة أيام ، في عرض يومين. وهو من الشرجة إلى حلي ، ومبلغ ارتفاعه (٦) في السنة خمس مئة ألف دينار (٧). وكان مع امتناعه من الوصول إلى ابن زياد (٨) ، يخطب له ، ويضرب السكة على اسمه ، ويحمل إليه مبلغا من المال كل سنة ، وهدايا لا أعلم مبلغها. ويتلو لابن طرف من ملوك تهامة في الخطبة والسكة لابن زياد ، وعمل إتاوة مستقرة ، الحرامي (٩) ، صاحب حلي ، [وهو](١٠) دون ابن طرف في المكنة (١١). وأما الذين سلم لابن زياد من اليمن حين طعن في

__________________

(١) في الأصل : محمد.

(١) في الأصل : محمد.

(٢) في الأصل : أربعين وثلاثمئة والتصحيح من الجندي : سلوك / كاي : ١٤٢ ـ ١٤٣.

(٣) العقيق خرز أحمر والجزع خرز فيه سواد وبياض ، واحدته جزعة.

(٤) من عس يعسى : غلظ وصلب.

(٥) جملة إيراده السنوي.

(٦) في خ : دينار عثرية.

(٧) المراد أنه كان لا يذهب لابن زياد ، ومع ذلك كان يخطب إليه.

(٨) والمراد أن الحرامي صاحب حلى ، كان على منوالي ابن طرف في الخطبة والسكة لابن زياد.

(٩) زيادة اقتضاها السياق.

(١٠) المكنة : القوة والشدة.

٤٨

السن. فله من الشرجة إلى عدن ، طولا عشرون مرحلة وله من غلافقة (١) إلى صنعاء خمس مراحل.

ورأيت مبلغ ارتفاع ابن زياد ، بعد تقاصرها (٢) ، في سنة ست وستين وثلاث مئة من الدنانير ألف ألف [١٢] عثرية (٣) ، خارجا عن ضرائب على مراكب الهند من الأعواد المختلفة ، والمسك والكافور والعنبر (٤) والصندل والصيني ، وخارجا عن ضرائب العنبر على السواحل بباب المندب ، وعدن ، وأبين ، والشحر وغير ذلك ، وخارجا عن ضرائبه على معادن اللؤلؤ ، وعن ضرائبه على صاحب مدينة دهلك (٥). ومن بعضها ألف رأس رقيق. منها خمس مئة وصيفة حبشية ونوبية. وكانت ملوك الحبش من وراء البحر تهاديه وتستدعي مواصلته.

ومات أبو الجيش هذا سنة إحدى وسبعين وثلاث مئة (٦) ، عن طفل اسمه عبد الله ، وقيل زياد. وتولت كفالته أخته ، هند بنت أبي الجيش ، وعبد لأبي الجيش ، أستاذ حبشي يدعى رشيد (٧) ، وكان من عبيد رشيد هذا وصيف من أولاد النوبة يدعى حسين بن سلامة (٨) ، وهي أمه ، وبها كان يعرف. ونشأ حسين بن سلامة (٩) هذا ، حازما عفيفا. فلما مات مولاه رشيد ، وزر لولد أبي الجيش ولأخته هند بنت أبي الجيش ، وكانت دولتهم قد تضعضعت أطرافها. وتغلبت ولاة الحصون على ما في أيديهم منها. فأقام القائد حسين بن سلامة ، يحارب أهل الجبال حتى دانوا ، ودان ابن

__________________

(١) كشف : ٢٤ ؛ بغية / ورقة : ٨.

(٢) في الأصل : تناصريف.

(٣) في خ : ألف ألف دينار عثرية.

(٤) في خ : والسنبل.

(٥) صفة : ٤٧ ، ٥٢.

(٦) في خ : ٣٩١ والتصحيح من الجندي [انظر حاشية : ١٣].

(٧) في خ : اسمه رشيد ، وفي الأصل : رشد.

(٨) أنباء / دار ٣٦ ؛ بغية ورقة : ١٩.

(٩) في الأصل : ونشأ هذا حسين بن سلامة.

٤٩

طرف ، والحرامي (١) ، واستوسعت له مملكة ابن زياد الأولى ، واختط مدينة الكدراء (٢) على وادي سهام ، واختط مدينة المعقر ، على وادي ذؤال. وكان عادلا على الرعايا ، كثير الصدقات ، والصلات (٣) في الله تعالى ، مقتديا بسيرة عمر بن عبد العزيز في أكثر أحواله ، وعمر في الملك ثلاثين سنة ، ومات سنة اثنين [١٣] وأربع مئة.

ومن محاسن حسين بن سلامة ، إنشاء الجوامع الكبار ، والمنارات الطوال ، من حضرموت إلى مكة حرسها الله تعالى. وطول المسافة التي بنى فيها ستون يوما ، وحفر الآبار الروية ، والقلب (٤) العادية ، في المقافر المنقطعة ، وبنى الأميال والفراسخ ، والبرد على الطرقات. فمن ذلك ما رأيته عامرا ومهدوما ، ومنها ما رواه الناس لي رواية إجماع. فأوله شبام وتريم (٥) ، مدينتا حضر موت. اتصلت عمارة الجوامع منها إلى عدن وأبين ولحج ، والمسافة عشرون مرحلة ، في كل مرحلة جامع ومأذنة وبئر ، فأما عدن ففيها جامع من عمارة عمر بن عبد العزيز ، وجدده حسين بن سلامة ، ثم تفرق الطريق من عدن إلى مكة : فطريق تصعد إلى الجبال ، وطريق تسلك في تهامة. فأما طريق الجبال ، ففيها جامع الجوة (٦) وهو كبير أدركته عامرا بعمارة حسين بن سلامة ، ورأيت فيها جامع الجند ، وهو جامع مثل جامع أحمد بن طولون بمصر ، وكان مسجدا لطيفا ، أول من بناه معاذ بن [١٤] جبل ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم حين بعثه إلى اليمن.

وأهل الجند وما حوله من القرى ، يرون في فضل هذا المسجد أخبارا من جهة الآحاد (٧) ، [منها](٨) : أن زيارته في أول جمعة من رجب تعدل

__________________

(١) في الأصل : ابن الحرامي.

(٢) صفة : ٥٤ ، ٧٢ ، ١٠٦ ، ١٩٠.

(٣) في الأصل : الصلاة.

(٤) القليب : والجمع قلب وقلب وأقلبه. ومعناها البئر.

(٥) صفة : ٨٧ ؛ حاشية ١١.

(٦) ياقوت : ٣ / ١٧٩ ؛ صفة : ٦٧ ، ١٩٠.

(٧) في خ : أخبار كثيرة عن رسول الله.

(٨) زيادة لتوضيح المعنى.

٥٠

عمرة أو قالوا حجة. ولم يزل أهل تلك الآفاق يزورونه في كل سنة حتى كثر ذلك ، فصار موسما من مواسم الحج ، ومنسكا للعامة. وإذا كان لبعضهم على بعض حق قال أمهلني حتى ينقضي الحج ، وما يعنون إلا زيارة الجند.

ثم ذي أشرف (١) ، وبها مسجد مكتوب على أحجاره فوق بابه : مما أمر به عمر بن عبد العزيز بن مروان (٢) ، ثم مدينة إب (٣) ، ثم النقيل (٤) ، ثم ذمار (٥) [ثم ما بين ذمار وصنعاء مسافة خمسة أيام ، في كل مرحلة منها بناء](٦) ثم جامع صنعاء ، وهو عظيم ، ثم من صنعاء إلى صعدة ، عشرة أيام [في كل مرحلة من ذلك جامع](٧). ثم من صعدة إلى الطائف سبعة أيام ، في كل مرحلة جامع ، ومصانع للماء. ثم عقبة الطائف ، وهي مسيرة يوم للطالع من مكة ، ونصف يوم للهابط إلى مكة ، عمرها حسين بن سلامة عمارة (٨) يمشي في عرضها ثلاثة أجمال بأحمالها.

هذه الطريق العليا. وأما طريق تهامة ، فهي تفترق أيضا طريقين ، فواحدة ساحلية على البحر ، وواحدة وهي الجادة السلطانية متوسطة منها إلى البحر والجبل وافتراقهما من تهامة. وفي كل مرحلة من الطريقين الساحلية والوسطى جامع عظيم (٩) ، فمن الساحلية والوسطى المخنق ، وهي من عدن على ليلة ، وبها بئر طولها ثمانون (١٠) باعا ، وأنا وردتها مرارا ، وجامع

__________________

(١) في خ : أشرق.

(٢) مدة حكمه (٩٩ ـ ١٠١ ه‍.).

(٣) في خ : أن.

(٤) صفة : ١٨٩ وتعرف باسم نقيل سمارة (الصليحيون ٤٧).

(٥) ياقوت : ٢ / ٧٢١.

(٦) زيادة من خ.

(٧) زيادة من خ.

(٨) في خ : عمارة متقنة.

(٩) في خ : جامع وبئر.

(١٠) في خ : ثلاثون.

٥١

مستهدم (١). ثم العارة ، ثم عثر ، ثم السقيا : جامع وبئر ، طولها أربعون باعا ، ثم الباب : باب المندب ، ثم المخا ، ثم السحاري (٢) ، ثم الخوهة ، ثم الأهواب ، ثم غلافقة ، ثم بيعة ، ثم الحردة (٣) ، ثم الزرعة ، ثم الشرجة (٤) ، ثم المفجر ، ثم القندير ، ثم عثر ، وهي مقر ملك قديم [١٥] ثم الرويمة (٥) ، ثم حمضة. ثم ذهبان (٦) ثم حلي ، ثم السرين ، ثم جدة. فهذه جوامع السواحل (٧) ، ما منها إلا ما رأيته عامرا ، وإما خرابا.

وأما الوسطى فذات الخيف (٨) ، وموزع (٩) ، والجدون (١٠) ، وحيس (١١) ، وزبيد وفشال ، والضجاع (١٢) ـ بكسر الضاد ـ والقحمة (١٣) ، الكدراء وهي مقره ، واختطها أيضا. والجثة (١٤) ، وعرق (١٥) النشم ، والمهجم (١٦) ، ومور (١٧) ، والواديان (١٨) ، وجيزان (١٩) ، والساعد (٢٠) ،

__________________

(١) في قرة : المشهد بدل مستهدم.

(٢) في خ : الزهاري ؛ صفة : ٦٩.

(٣) حاشية ١٥ (كاي).

(٤) نفس الحاشية السابقة.

(٥) في خ : الدويمة.

(٦) صفة : ١١١ ، ٢٢٧.

(٧) في خ : سائر السواحل.

(٨) في خ : ذات الحبيت.

(٩) ابن المجاور : ١٤٩.

(١٠) في خ : الحدون.

(١١) ياقوت : ٣ / ٣٨١.

(١٢) في خ : الضحاك.

(١٣) صفة : ٥٣ ، ١١٩.

(١٤) ذكرها صاحب المراصد باسم الجث.

(١٥) الجثة وعرق النشم لم يرد ذكرهما في خ.

(١٦) صبح الأعش : ٥ / ١٣.

(١٧) صفة : ٥٤ ، ٧٢ ، ١٥٥.

(١٨) تقع شمال المهجم ومور.

(١٩) في خ : حيران والأصح جيزان (صفة : ١٢٠).

(٢٠) في خ : المساعد والأصح ما أثبتناه (صفة : ١١٩).

٥٢

وتعشر ، والمبنى (١) ، ورياح ، والفحر. ثم تلتقي الجادة والساحلية ، ويفترقان من السرين ، وبينهما وبين مكة خمسة أيام ، فأول ما يلقى الحاج من عمارته بين الرياضة ، ثم سنجة الغراب ، ثم الليث (٢) ثم يرد الناس وادي يلملم [وهو ميقات أهل المدينة ، وبه بئر من عمارته «ثم بئر أدام ، وهي بئر روية](٣) ، طولها عشر أبواع ، وعرضها خمسة أو ستة أبواع. ثم يفترق الناس ، فمن أراد مكة ، ورد من عمارته بيراد (٤) ، ثم البيضا ، ثم القوين (٥) ، ثم مكة. ومن أراد عرفات ورد من عمارته ، بئر بوادي الرحم ، ثم نعمان ، ثم عرفات. وله مسجد على جبل الرحمة بعرفات ، رحمة الله عليه [١٦].

وحدثني الفقيه أبو محمد عبد الله بن أبي القاسم (٦) الأبار ، وعليه قرأت مذهب الشافعي (١) ، قال : حدثه والده أبو القاسم. وحدثني بمثل ذلك عبد الرحمن بن علي العبسي ، وحدثني المقري ، الحسين بن فلان بن حسين بن سلامة ، وما من هؤلاء إلا من ناهز عمره المائة. قالوا : كان الناس مزدحمين للصباح على حسين بن سلامة ، حتى تقدم إليه إنسان فقال له : إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ، أمرني وبعثني إليك ، لتدفع لي ألف دينار. قال حسين : لعل الشيطان تمثل لك. قال : بل الأمارة بيني وبينك : إنك مذ عشرين سنة ، كل ليلة تصلي عليه مائة مرة. فبكى حسين بن سلامة وقال : أمارة والله صحيحة ، لم يعلم بها إلا الله عز وجل ، ثم دفع إليه ألف [١٧] دينار.

وحدثني الفقيه أبو علي بن طليق ـ وكان من الصالحين ومن العلماء الراجحين ، يسكن مدينة المعقر ـ قال : حدثني أبوه ، وجماعة من أسلافه ـ

__________________

(١) ذكر خ : المبنى والرياح ، ولكن لا نعرف عنهما شيئا.

(٢) في خ ؛ بغية : الخبت ، في صفة (١٢٠) ؛ ابن خرداذية (١٨٤) الليث.

(٣) الزيادة من خ ، وفي الأصل : وبه بئر روية.

(٤) في خ : بير أدام ؛ في ابن المجاور (١٣١) : أيدام.

(٥) في خ : بئر البيضا ثم القوين.

(٦) في الأصل القسم.

٥٣

وهم أهل بيت علم وعفاف ـ قالوا : تظلم إنسان إلى الحسين بن سلامة بهذا الوادي ، وهو سائر في مدينة زبيد إلى الكدراء ، وزعم أنه سرقت له عيبة (١) فيها ألف دينار ، وقيل ألفا دينار ، في وادي مور ، وبعده من الوضع أيام ، فأمر به حسين ، فجلس معه مع خواصه (٢) ، وقام إلى الصلاة [في جامع الكدراء](٣) ، فأطالها ، ثم نام في المحراب. فلم يشعر إلا والناس يقرعون إليه من أطراف الجامع إلى المحراب ، قال والدي : وكنت من أقرب الناس إليه فسمعته يقول لرجل من قواده تمض مع هذا الرجل إلى القرية الفلانية على الساحل ، فتأخذ له من فلان بن فلان ماله ، من غير أن تؤذيه ، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم شفع إلي فيه ، وأخبرني أنه ينتسب إليه ، وهو صلى الله عليه وآله وسلّم الذي عرفني صورة الحال.

وأخبار حسين ومحاسنه باليمن مجلدات [بل مخلدات](٤).

ثم انتقل الأمر بعد ذلك إلى طفل من آل زياد لا أعرف اسمه ، وأظنه عبد الله ، وكفلته عمة له ، وعبد أستاذ اسمه مرجان من عبيد الحسين بن سلامة ، واستقرت الوزارة لمرجان ، وكان له عبدان من عبيد الحبشة ، فحلان ، رباهما في الصغر ، وولاهما الأمور في الكبر. وأحدهما يسمى نفيسا ، وهو الذي يتولى التدبير بالحضرة ، والعبد الثاني يدعى نجاحا (٥) وهو جد ملوك زبيد الذين أزالهم علي بن مهدي في سنة أربع وخمسين وخمس مئة. ونجاح هذا هو أبو سعيد الأحوالي (٦) ، قاتل السلطان (٧) علي بن محمد الصليحي (٨) ، القائم باليمن ، بالدعوة الفاطمية المستنصرية ، وهو أيضا أبو الملك الفاضل العادل ، أبي الطامي جياش. ولم يزل الملك في عقب جياش

__________________

(١) حقيبة من جلد.

(٢) في خ : فاجلسه مع خواصه.

(٣) الزيادة من خ.

(٣) الزيادة من خ.

(٤) قرة : ورقة : ٢١.

(٥) الصليحيون : ٩٩ ـ ١٠٠.

(٦) في الأصل : الأمير.

(٧) مؤسس الدولة الصليحية في اليمن (الصليحيون : ٦٢ ـ ١١٢).

٥٤

هذا إلى التاريخ المذكور. كان نجاح يتولى أعمال الكدراء والمهجم ومور والواديين. وهذه الأعمال الأربعة جل الأعمال الشمالية عن (١) زبيد. ثم وقع التنافس بين نفيس ونجاح ، عبدي مرجان على وزارة الحضرة. وكان نفيس عسوفا مرهوبا. ونجاح رؤوفا بالناس ، عادلا على الرعايا ، محبوبا إليهم ، إلا أن مولاهما مرجان [كان](٢) يميل مع نفيس على مرجان. ونمى (٣) إلى نفيس أن عمة ابن زياد مولاه ، تكاتب نجاحا ، وتميل إليه ، فشكا نفيس ذلك من فعلها إلى مرجان فقبض مرجان عليها ، وعلى ابن أخيها ابن زياد ، وهو آخر القوم ، ومنه زالت دولة بني زياد باليمن ، وانتقلت إلى عبيد عبيدهم (٤) فيكون [حكم](٥) دولة بني زياد باليمن مائتي سنة وخمس (٦) سنين ، لأنهم اختطوا زبيد سنة أربع ومائتين وزالت عنهم سنة تسع وأربع مئة (٧).

ثم إن مرجانا لما قبض على مولييه عبد الله (٨) وعمته ، دفعهما إلى نفيس ، فبنى عليهما جدارا ، وهما قائمان يناشدانه الله عز وجل ، حتى ختمه عليهما. وكان (٩) بنو زياد ، لما اتصل بهم اختلال الدولة العباسية من قتل المتوكل (١٠) ، وخلع المستعين (١١) ، تغلبوا على ارتفاع اليمن وركبوا [١٨] بالمظلة (١٢) ، وساسوا قلوب الرعايا ببقاء الخطبة لبني العباس. فلما قتل نفيس ، ابن مولاه : عبد الله (١٣) ، وعمته ، تملك وركب بالمظلة وضرب السكة باسمه.

__________________

(١) في خ : غير.

(٢) زيادة اقتضاها السياق.

(٣) نمى الحديث إلى فلان ، ارتفع إليه وعزى ، كما يأتي معتديا : نمى فلان الحديث إلى فلان.

(٤) في خ : إلى عبيدهم.

(٢) زيادة اقتضاها السياق.

(٥) في الأصل : ثلاث.

(٦) صحة حكم الزياديون هي : ٢٠٥ سنة لأنهم حكموا من (٢٠٤ ـ ٤٠٩ ه‍.).

(٧) في الأصل : إبراهيم.

(٨) في الأصل : وكانت.

(٩) ٢٤٧ ه‍.

(١٠) ٢٥٢ ه‍.

(١١) حاشية ١٨ (كاي).

٥٥

وحين نمى إلى نجاح ما اعتمده نفيس في مواليه ، دعا (١) الأحمر والأسود وقصد نفيسا إلى زبيد ، فجرت بينهما عدة وقائع منها : يوم رمع ، ويوم فشال ، وهما على نجاح ، ومنها يوم العقدة ، وهو على نفيس ، ومنها يوم العرق ، وفيه قتل نفيس على باب زبيد ، وقتل معه خمسة آلاف بين الفريقين. وفتح نجاح زبيد في ذي القعدة سنة ثنتي عشرة وأربع مئة. وقال نجاح لمرجان : ما فعل بمواليك وموالينا؟ قال : هم في ذلك الجوار. فأخرجهما نجاح ، وصلى عليهما. وبنى لهما مشهدا ، وأعاد مرجان في موضعهما ، فبنى عليه حيا ، وعلى جثة نفيس ، وركب نجاح بالمظلة ، وضربت السكة باسمه. وكاتب أهل العراق ، وبذل الطاعة. فنعت نجاح بالمؤيد نصير الدين ، وفوض إليه تقليد القضاء لمن يراه ، والنظر العام على الجزيرة اليمنية. ولم يزل نجاح مالكا لتهامة ، قاهرا لأكثر أهل الجبال. وخوطب وكوتب بالملك ، وبمولانا. ومن أولاده سعيد بن نجاح ، وجياش ، ومعارك والذخيرة ، ومنصور.

فأما الجبال فتغلب ولاة حسين بن سلامة على الحصون [١٩] ، فممّن تغلب على عدن ، وأبين ، ولحج ، والشحر ، وحضر موت : بنو معن ، وأظنهم من غير ولد معن بن زائدة الشيباني ، [٢٠] وتغلب على السمدان (٢) ، وهو أحصن (٣) من الدملوة (٤) وحصن صبر (٥) وحصن ذخر (٦) ، وحصن التعكر (٧) ، وهو ما هو (٨) ، وعلى مخلاف الجند ، ومخلاف عنة (٩) ، ومخلاف المعافر ، قوم من حمير يقال لهم : بنو الكرندي ، وكانت لهم

__________________

(١) في الأصل : استفن والتصحيح من (كاي).

(٢) ياقوت : ٥ / ١٢١.

(٣) في الأصل : حصن الدملوة.

(٤) صفة : ١٦.

(٥) ياقوت : ٥ / ٣٣٦ ؛ حاشية : ٢٢ (كاي).

(٦) في الأصل : دحر والتصحيح من خ.

(٧) صفة : ٦٨ ، ١٠٠.

(٨) في خ ، السلوك / دار : وهو الحاكم على الجند.

(٩) صفة : ٧١ ، ١٠٠ ؛ وحاشية : ٢٢ (كاي).

٥٦

مكارم ومفاخر ، وسلطنة قاهرة ودولة ظاهرة. وتغلب على حصن حب وهو نظير التعكر ، وعلى حصن يقال له عزان (١) ، وبيت عز ، وحصن الشعر (٢) ، وهو عظيم ، وحصن نور (٣) ، والنقيل والسحول (٤) ، وهو الموضوع الذي ينسج فيه الثياب السحولية ، وكفن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم في ثوبين منها ، وهذا الوادي لبني أصبح ، قوم الفقيه مالك الأصبحي إمام دار الهجرة [٢١].

ومن الحصون أيضا : حصن خدد «والشوافي (٥) ، وتغلب عليهما السلطان أبو عبد الله الحسين التبعي وولده ، وهو الذي عمل الحيلة على قتل سعيد بن نجاح الأحوال ، قاتل السلطان (٦) ، علي بن محمد الصليحي» وتغلب على مخلاف أحاظة ويقال وحاظة (٧) ، ومقر عزها حصن بيبرس (٨) ، ومن حصونها : دهران ، ويفوز ، وشعر ، والخضراء ، وغير ذلك ، ومدينتها شاحط ، وفي سلطانها يقول نزار بن الفقيه زيد بن الحسن الأحاظي

قالوا لنا السلطان في شاحط

يأتي الزنا من موضع الغائط

قلت هل السلطان أعلاهما

قالوا بل السلطان من هابط [٢٢]

وتغلب على حصن وحاظة وبلادها بنو وائل (٩) ، وهم من ولد ذي الكلاع ، ولهم رياسة متأثلة ، وهم حمقى (١٠) يرون أنهم أشرف ولد آدم على الإطلاق. ولقد أذكر أني خرجت من سوق الجبجب (١١) ، وهو أكبر

__________________

(١) صفة : ٧٩ ؛ وحاشية : ٢٢ (كاي).

(٢) في الأصل : السعر ، وفي خ : الشعر.

(٣) في خ : أبور ؛ في سلوك / دار : أنور ؛ وحاشية : ٢٢ (كاي).

(٤) صفة : ٦٨ ، ٧١.

(٥) في الأصل : الشواقي ؛ في السلوك / دار الشوافي.

(٦) في الأصل : الأمير.

(٧) حاشية : ٢٢ (كاي).

(٨) نفس الحاشية السابقة.

(٩) صفة : ١٥٣.

(١٠) في الأصل : حماقة.

(١١) حاشية : ٢٢ (كاي).

٥٧

أسواقهم ، في يوم صائف حتى إذا بعدت عن السوق لحقني فارسان يركضان ، وقد سددا (١) إلي أسنة الرمحين ، فنزلت عن الدابة ، وصعدت إلى الجبل. فلما انتهيا إليّ قالا : إنا اختلفنا في أفضل ولد آدم ، وقد رضينا بحكمك ، وكان أحدهما قال : بنو وائل أفضل على الإطلاق. وقال الثاني : بل هم وقريش في الشرف ، فقلت لهما : «إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم أفضل البشر وبنو وائل أفضل من قريش ، ومن سائر الخلق ، تفاديا منهما». قال أحدهما : والله لو قلت غير هذا ما سلمت مني ، ثم فارقاني (٢).

ومن هؤلاء بنو وائل ، السلطان أسعد بن وائل بن عيسى ، صاحب الكرم العريض والثناء المستفيض. وممن تغلب على حصن أشيح (٣) ، وهو مقر ملك الداعي سبأ بن أحمد الصليحي ، وعلى حصن وصاب (٤) ومخاليفها ، قوم من بكيل ، ثم من همدان ، وتغلب على صنعاء ومخاليفها قوم من همدان ، وتغلب بنو عبد الواحد على عمال برع والعمد ولعسان ، وتغلبت على حصن مسار أيضا ، وليس في اليمن ما يماثله ، سوى التعكر والسمدان وحب (٥). ومنه ثار الصليحي بالدعوة المستنصرية من حراز ، وحراز هي الأعمال ، وبها سمي أهلها وإلا فهم من همدان ، وبهم ثار الداعي علي بن محمد الصليحي [٢٤].

أخبار الداعي علي بن محمد الصليحي (٦)

وعنها يتفرع جل أخبار اليمن ، وبها يتعلق بقية الكتاب من القضاة والدعاة والكبراء والشعراء.

__________________

(١) في الأصل : سدد.

(٢) في الأصل : فارقني.

(٣) أنباء / دار : ٤٣.

(٤) صفة : ١٠٣ ؛ وحاشية : ٢٢ (كاي).

(٥) هذه البلاد والحصون وردت في الحاشية : ٢٣ (كاي) والتعليق عليها.

(٦) انظر «الصليحيون» : ٦٤ ـ ١١٢.

٥٨

كان القاضي محمد علي ، والد الداعي علي بن محمد الصليحي ، سني المذهب وله طاعة في رجال حراز ، وهم أربعون ألفا ، ولما انتقلت الدعوة إلى سليمان (١) بن عبد الله الزواحي (٢) قرية من أعمال حراز [٢٥] شرع في ملاطفة القاضي محمد بن علي ، والد الداعي علي بن محمد الصليحي. فكان الزواحي يركب إليه ، لأن محمدا كانت له رياسة ، وسؤدد ، وصلاح ، وعلم ، فلم يزل سليمان (٣) حتى استمال قلب علي بن محمد ، وهو يومئذ دون البلوغ ، ولاحت له فيه مخايل (٤) النجابة. وقيل : كانت عند سليمان (٥) حلية الصليحي من كتاب الصور [٢٦] ، وهو من ذخائر الأئمة عليهم السلام ، فأوقفه منه على تنقل حاله ، وشرف مآله ، واستماله سرا من أبيه وقومه. ولم يلبث سليمان (٦) الزواحي (٧) حتى مات ، وأوصى له بكتبه وعلومه ، ولم يمت حتى قد رسخ [في ذهن علي من كلامه ما رسخ](٨) ، فعكف على الدرس ، وكان ذكيا ، فلم يبلغ الحلم حتى تضلع في معارفه التي بلغ بها ، وبالجد السعيد غاية الأمل البعيد. فكان عالما فقيها في مذهب الدولة (٩) ، مستبصرا في علم التأويل.

أخباره أنه قام يحج دليلا للناس عن طريق السراة (١٠) ، والطائف عدة سنين لا يحج بالناس غيره ، وتقلبت به الأحوال في بادىء عمره ، من خفض إلى رفع ومن ضر إلى نفع. فمن ذلك ما حدثني به الفقيه أبو الحسين علي بن سليمان ، وكان شاعرا قد أحسن ، ومن شعره قوله في عمر بن عدنان العكي :

إذا الليالي أساءت غير عالمة

كان ابن عدنان لي من جورها جارا (١١)

__________________

(١) في الأصل : عامر.

(٢) في الأصل : الرواحي ؛ انظر حاشية : ٢٥ (كاي).

(٣) في الأصل : مخائل. (انظر عيون : ٧ / ٣٨).

(٤) زيادة من وفيات ؛ وفي الأصل : لم يمت حتى قد عرس.

(٥) يقصد بذلك مذهب الدولة الفاطمية.

(٦) صفة : ٤٨ ؛ ١٠٩.

(٧) في الأصل : جوز جار وهو خطأ.

٥٩

ومنه ما حدثني به الزبرقاني بن الغويفر (١) العكي عن فلات الشاعر وهو القائل يذم قومه في قصيدته :

فمن يشتري عكا بفلس فإنني

جميعا على قطع الخيار أبيعها

كلاهما وغيرهما من الجمهور حدثنا عن القاضي عمر بن المرجل ، الحنفي نسبا ومذهبا ، وكان من أعيان العلماء ، قال : كان على باب زبيد من داخل السور دار لرجل من الحبشة ، يقال له فرج السحرتي ، وكان من أهل المعروف والصدقات الواسعة ، وكان من نزل بمسجده أكرمه وآواه ، ويتفكر ويدخل المسجد يتجسس أخبار الضيوف سرا ، من وكلائه وخدمه ، فخرج ذات ليلة فظفر بالمسجد برجل يقرأ القرآن. فسأله عن العشاء ، فأنشد قول المتنبي :

من علم الأسود المخصي مكرمة

أعمامه الغرّ أم أخواله الصيد [٢٧](٢)

فأخذه الحبشي في أعلى مكان في داره ، وأكرم مثواه ، واستخبره عن سبب قدومه إلى تهامة. قال الصليحي : إن لي عما يقال له شهاب (٣) ؛ وله ابنة يقال لها أسماء (٤) ، قليلة .. النظر في الجمال ، معدومة المثل ، في الأدب والعقل ، وخطبتها إليه ، فاشتط علي في مهرها. وأمها تقول ، لا تزوجها إلا لبعض ملوك همدان بصنعاء ، أو ملوك بني الكرندي بمخلاف جعفر. وقد استاموا (٥) علي في المال ، مبلغا ، لا قدرة لي عليه ، وأنا متوجه إما إلى بني معن بعدن ، وإما إلى بني الكرندي بالمعافر. قالوا : فدفع له القائد فرج السحرتي مالا جزيلا أضعاف ما أدى الصليحي ، وجهز العروسين جميعا أحسن جهاز يحتفل الملوك به لعقائلهم ، وأعاده إلى عمه فتزوج

__________________

(١) في الأصل : الفويقر.

(٢) راجع التعليق على الحاشية : ٢٧ (كاي).

(٣) قلادة : ٢ / ٢ / ورقة : ٦٢٨.

(٤) حاشية : ٢٨ (كاي) والتعليق عليها.

(٥) استام فلان السلعة ، يعني سأله تعيين ثمنها ، استام بها يعني غالى.

٦٠