تاريخ اليمن

نجم الدين عمارة بن أبي الحسن علي الحكمي اليمني

تاريخ اليمن

المؤلف:

نجم الدين عمارة بن أبي الحسن علي الحكمي اليمني


المحقق: الدكتور حسن سليمان محمود
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الإرشاد
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٨

أمير زبيد فاتك بن محمد (١) رجلا لا حد لإغراقه في الشر وارتكاب الفظائع والجرائم المنكرة ، وقد وقع أسيرا في يد الإمام الذي رفض أن يقبل لفك سراحه فدية كبيرة ، فأمر بقتله إنفاذا لحكم الشريعة الإلهية. وظل الإمام ثمانية أيام في زبيد ، وعين حاكما على المدينة ورحل عنها ظافرا منصورا. وظل يشن الحرب لنصرة الدين ، وذاع صيته في طول البلاد وعرضها ، ودعي له في خطب المساجد في خيبر وينبع ، وقد حكم ثلاث وثلاثين سنة ، وفي أواخر حياته كف بصره ، وتوفي في سنة ٥٦٦ ه‍.

المنصور بالله عبد الله هو أيضا من بني الرسي من سلالة حمزة (ابن الإمام أبو هاشم الحسن). وعبد الله حفيد القاسم الرسي (انظر جدول الأنساب حاشية رقم ١٠٧). وقد ولد في سنة ٥٦١ ه‍. وأعلن نفسه إماما في سنة ٥٩٣ ه‍. واعترف بإمامته اعترافا رسميا في السنة التالية ، وأعلن مقامه في صعدة لفترة من الوقت ثم اتجه جنوبا.

__________________

(١) انظر جدول بني نجاح العبيد (ملوك تهامة وزبيد) المنقول من كتاب (الصليحيون) : ٣٣٩. وهو كما يلي :

٣٦١

وفي سنة ٥٩٤ (أو في سنة ٥٩٥) دخل صنعاء حيث دان له أهلها بالطاعة ، ثم بسط في نفس السنة نفوذه على ذمار وما جاورها ، ولكنه اضطر إلى التنازل عن فتوحه وإلى التقهقر نحو الشمال (١). ومع ذلك فقد أخذت قوته وشهرته في الزيادة. ولم يقتصر امتداد نفوذه على بلوغ بلاد الحجاز ، ولكن سلطته كإمام اعترف بها الزيديون في فارس. وفي سنة ٦٠٠ ه‍. رمم حصن ظفار ، وزاده مناعة. وفي سنة ٨١١ استعاد سلطانه على صنعاء وذمار ، واشتغل بإخضاع المطرفية الذين عاملهم بقسوة زائدة كما جاء في كتابات مؤرخيه (٢). وقد حث الخليفة العباسي (٣) على مقاتلة هذا الإمام ، فأرسلت قوة كبيرة في سنة ٦١٢ ه‍. لقتال المنصور ، وكان على رأسها المسعود (٤) آخر سلاطين اليمن الأيوبيين فتقهقر إلى البلاد المجاورة لكوكبان ، وتحصن هنالك في موضع منيع حيث شيد لنفسه بيتا وخططا لأتباعه ، كما أنشأ دارا للضرب والسكة ، واحتل هذا الموضع لمدة ثلاثة أشهر ونصف ، حدثت في خلالها اشتباكات كثيرة بين جنده وأعدائه. وفي سنة ٦١٣ ه‍. عقدت هدنة وانتقل الإمام إلى كوكبان ثم إلى ظفار ، وفي هذا الوقت كانت صحته قد ساءت ثم توفي في الموضع الأول (كوكبان) في المحرم سنة ٦١٤ ه‍.

وبعد وفاة المنصور حدث شقاق في صفوف الزيديين ، فأهل صعدة وما جاورها أقروا إمامة الشريف مجد الدين (نجم الدين) يحيى بن المحسن

__________________

(١) ذكر ابن الأثير في تاريخه ١٢ / ١١٣ أن هزيمة المنصور عبد الله على يد السلطان الأيوبي المعز إسماعيل كانت سنة ٥٩٧ وليست سنة ٥٩٢ ، كما جاء في ابن خلدون.

(٢) كثيرا ما ترد كلمة المطرفيه في كتب المؤرخين الزيدية ، ولم أعثر على تفسير لها في موضع آخر ، ولكن يبدو أنها تسمية ، يسمى بها المسلمون من أهل السنة ، وتقترن عادة بلقب الشقية (أي الواغلة في الشرور والآثام).

(٣) قارن كاشفة الغمة ورقة : ٢٢ ؛ بالحدائق ورقة : ٢٠٦ ؛ وكان الخليفة العباسي في ذلك الوقت هو أبو العباس أحمد الناصر لدين الله بن المستضيء (٥٧٥ ـ ٦٢٢ ه‍.)

(٤) حكم الأيوبيون اليمن من سنة (٥٦٩ ـ ٦٢٥ ه‍.) والملك المسعود هو صلاح الدين يوسف بن الكامل حكم ما بين (٦١٢ ـ ٦٢٦ ه‍.). راجع زامباور / المترجم : ١ / ١٥٢.

٣٦٢

(اقرأ محمد (١)) ، الذي اتخذ لقب الهادي إلى الحق ، وهو نفس اللقب الذي اتخذه سميه وسلفه مؤسس الدولة.

وفي الجهات الجنوبية ظهر عز الدين محمد الملقب بالناصر لدين الله بن المنصور عبد الله ، وقد اعترف بإمامته ، وهزم في سنة ٦٢٣ ه‍. في اشتباك قرب صنعاء مع جنود الملك الأيوبي المسعود ، فهرب إلى ثلا وجرح بسهم في عينه ، وتوفي قبل نهاية السنة ، وخلعه أخوه شمس الدين أحمد المتوكل على الله. وعلينا أن نذكر أن المنصور عبد الله ترك أسرة كبيرة من الأبناء فضلا عن هذين الولدين اللذين ذكرتهما هنا.

الإمام أحمد بن الحسين (بن أحمد بن القاسم) الملقب بالمهدي ، ظهرت إمامته في ثلا في سنة ٦٤٦ ه‍. وفي نسبه خلاف ظاهر بين الكتاب الذين أمكنني أن أرجع إلى مؤلفاتهم ، وهو أمر ظاهر الغرابة ، إذا علمنا ما يعلقه الزيدية من أهمية على صفات نسب أئمتهم. وقد عد الأهدل أحمد بن الحسين ولد الحفيد القاسم (أبو القاسم الحسين؟) ابن المؤيد أحمد (أحد أئمة الفرس) ، من سلالة زيد بن الحسن ، فهو تبعا لذلك ليس من أسرة الرسيين (انظر جدول النسب الملحق بالحاشية ١٠٧) (٢) ، ويرى مؤلف اليواقيت أن جده الأعلى هو المنصور القاسم المتوفى سنة ٣٩٣ ، والذي لم يكن بين أبنائه ولد يسمى أحمد إذ لم يرد ذكر لهذا. ويقول صاحب بغية المريد بأنه من سلالة أحمد بن إسماعيل أبي البركات أسوة بالملكة أم الإمام أحمد بن سليمان ، وأحمد بن إسماعيل أبو البركات من سلالة محمد بن القاسم الرسي ومقارنة التواريخ من جهة أخرى. وهي أن الإمام أحمد بن سليمان ولد في سنة ٥٠٠ ه‍. تجعل المسألة في وضع يحوط بالشك والغموض.

ولم أعثر على ما يوضح كلمة (الموطى) ، ولكن ابن خلدون كما يبدو قد أخذه من البيهقي (انظر ١٢٨ ووازن بينها وبين الفقرة ٢ / ٢٥٢ من

__________________

(١) ذكر زامباور / المترجم : ١ / ١٨٧ ـ ١٨٨ اسمه : الهادي نجم الدين يحيى بن حمزة.

(٢) انظر زامباور / المترجم : ١ / ١٨٧ ـ ١٨٨.

٣٦٣

تاريخ ابن خلدون طبعه بولاق) ومعنى الكلمة : ذلك المعين للإخضاع والإذلال.

وقد نصب أحمد بن الحسين إماما ، ووافق على إمامته أسرة المنصور بالله التي أيدته تأييدا كاملا ، واستطاع قبل انقضاء وقت طويل أن يعقد معاهدة على قدم المساواة مع السلطان الرسولي في عهد المظفر يوسف (١) ، ومثل هذه الحالة كانت بالضرورة كريهة مزرية لا للسلطان فحسب ، ولكن للمسلمين من أهل السنة جميعا ، ولكن الخزرجي يخبرنا في العقود اللؤلؤية أن الخليفة العباسي المستعصم (٢) بالله أمر السلطان بأن يضع حدا نهائيا لنفوذ الإمام المارق عن الدين. ويحكي المؤرخون الزيدية قصة مغايرة لهذا تعد غريبة إلى حد ما ، فطبقا لروايتهم (٣) استعان المظفر بالمستعصم لقتال الإمام ، ويحكون أن الخليفة أرسل للسلطان بعض الحشيشيين أو بعبارة أخرى الفدائيين. ويمضي المؤرخ الزيدي بأن هؤلاء الأشخاص هم الذين يبيعون أنفسهم ويضحون بحياتهم لذبح شخص يرون أنهم في حاجة لقتله. ومن الشيق أن نلاحظ أن كلمة حشيشيين هي نفس الكلمة التي وجدها المستر لين (٤) في جغرافية الإدريسي ، تطلق على قوم يسمون بهذا الاسم. ويلاحظ لين بأن الكلمة مرادفة لمن يسموا الحشاشين ، والكلمة الأخيرة هي المتداولة في الوقت الحاضر ، ولو أنها اليوم يقصد بها الأشخاص الذين أدمنوا على استعمال هذا المخدر.

وقد أرسل السلطان المظفر الحشيشيين في بعثة مصطنعة للإمام فاستقبلهم الإمام في مجلسه ، وأوشكوا أن ينجحوا في تحقيق غرضهم ،

__________________

(١) هو الملك المظفر شمس الدين يوسف [الأول] بن عمر (٦٤٧ ـ ٦٩٤) ، وهو ثاني ملوك بني رسول باليمن.

(٢) هو أبو عبد الله المستعصم بالله بن المستنصر تولى الخلافة في ١٠ جمادى الآخرة سنة ٦٤٠ وقتله هولاكو في ١٤ صفر سنة ٦٥٦ ه‍ ..

(٣) اليواقيت ورقة : ١١٧.

(٤) هو إدوارد وليم لين ـ ألف ليلة وليلة ـ حاشية : ٤٦ الفصل الثاني.

٣٦٤

ولكن الإمام جرح بخنجر ذلك الذي هجم عليه ، ولكن أتباع للإمام أنقذوا أمامهم من المعركة التي حدثت (١).

وقبل أن ينقضي طويل وقت كان يحدق بالإمام أخطار أشد جسامة ، فإن بيعة أفراد أسرة المنصور ، وإخلاصهم لأيمان البيعة والطاعة لم يدم طويلا. وكان تعدد الأوامر والسلطات من الكثرة بحيث أدى إلى خلق الغيرة والخلافات ، ليس بين أفراد الأسرة فحسب ، ولكن بين غيرهم من الرؤساء الأقوياء. فأثيرت في وجه الإمام حملات التنديد والإنكار. فأعلن عنه بأنه خال من صفات الإمامة التي يقتضي القانون الإلهي أن تكون في منصبه المقدس. وطلب من الناس أن ينقلوا بيعته إلى الشريف حسن بن وهاس. وكانت قد وقعت بعض حوادث الغصب والابتزاز بأمر الإمام أحمد بن الحسين. مما زاد من كراهية الشعب له : وقد دعا الساخطون شمس الدين أحمد (المتوكل) رئيس الحمزيين (٢) ، وابن الإمام المنصور عبد الله ليكون على رأسهم ، وقد لقوا العون من ملك اليمن من آل رسول (٣). وتلاقت القوات المتشاحنة المتناحرة في شوابة في سنة ٦٥٦ ه‍ (٤). على ضفاف نهر ضروان ، الذي يسيل كما يقول بين شوابة وبلدة بهذا الاسم على النهر.

وقد هزمت جنود الإمام وولت الأدبار وتركته تقريبا وحده في ميدان المعركة ، قد أحاط به جمع من أعدائه ، وتكاثروا عليه وقتلوه ، وحملوا رأسه

__________________

(١) ويخبرنا نفس الكاتب بأن الإمام الفارسي أبو الحسن علي الهادي الحقيني الذي طارد الإسماعيليين بسبب حقده عليهم قتله حشيشي في سنة ٤٤٠ ه‍. قد أرسل بقصد اغتياله من قلعة ألموت (راجع كلمة حشاش وسبب تسمية الفداوية أتباع الحسن الصياح بهذا الاسم ، في كتاب : النزارية أجداد آغا خان : ٩٧ ـ ١٠٤)

(٢) هو الإمام المتوكل شمس الدين أحمد بن عبد الله بن حمزة تولى الإمامة سنة ٦٥٦ بعد موقعة شوابة. (زامباور / المترجم : ١ / ١٨٨).

(٣) وكان ذلك في عهد الملك المظفر شمس الدين يوسف [الأول] بن عمر (٦٤٧ ـ ٦٩٤). (نفسه : ١ / ١٨٤).

(٤) انظر حاشية رقم (١٦) ، ويقول مؤلف الجواهر بأنها تقع شرقي ظفار ، ويقول ياقوت بأنها على أربعة أميال من صنعاء ، وفي موضع آخر يقول أربع فراسخ ، ويقول ياقوت بأنها لا يطير فوقها طير. (معجم البلدان : ٥ / ٣٠٤).

٣٦٥

لخيمة شمس الدين ، وقيل بأن هذا الحادث وقع في نفس اليوم الذي قتل فيه آخر خليفة من خلفاء العباسيين في بغداد على يد هولاكو (١).

وقد نصب الشريف أبو محمد الحسن بن وهاس إماما ولكن لم يعترف بإمامته في كافة أنحاء البلاد. وبنحو عامين قبل ذلك الوقت ، كانت البلاد قد عصفت بها المجاعة التي ترتب عليها انتشار الوباء. وكان من ضحاياه الأوائل شمس الدين أحمد ، وقد تبعه قبل نهاية السنة اثنان آخرن من أبناء المنصور عبد الله وهما : نجم الدين موسى والحسن. وعلى ذلك فقد انتقلت الرياسة من بني حمزة إلى أخيه صارم الدين داود ابن الإمام المنصور عبد الله. وفي خلال القرنين ١٧ ، ١٨ م تولى إمامة اليمن أسرة من سلالة المنصور القاسم بن محمد بن علي الماحي ، وهو من سلالة يوسف الداعي من أبناء حفيد الهادي يحيى مؤسس الدولة الرسية كما رأينا فيما مضى (٢).

__________________

(١) وهو الخليفة أبو أحمد عبد الله المستعصم بالله بن المستنصر الذي قتله هولاكو التتاري رئيس جند المغول ، في ١٤ من صفر سنة ٦٥٦ ه‍ ..

(٢) راجع هذا الثبت عن أئمة صنعاء (دولة حديثة) ، كما ورد في كتاب زامباور / المترجم : ١ / ١٨٩ وهذا نصه :

١ ـ القاسم المنصور بن محمد بن علي بن محمد (ت : ١٥ ربيع الأول سنة ١٠٢٩).

حول سنة ١٠٠٠ ه‍.

٢ ـ المؤيد محمد بن القاسم (ت : ٢٧ رجب سنة ١٠٥٤). ربيع الأول ١٠٢٩

٣ ـ المتوكل إسماعيل بن القاسم (ت : ٤ جمادى الآخرة سنة ١٠٨٧). رجب ١٠٥٤ أحمد بن القاسم ، (مطالب بالحكم). (١٠٥٤ ـ ١٠٥٥)

٤ ـ المهدي أحمد بن الحسن (ت : ١٢ جمادى الآخرة سنة ١٠٩٢). جمادى الآخرة ١٠٨٧

٥ ـ الهادي محمد بن إسماعيل (ت : جمادى الآخرة سنة ١٠٩٧). جمادى الآخرة ١٠٩٢

٦ ـ المهدي محمد بن أحمد بن الحسن. جمادى الآخرة ١٠٩٧

يوسف بن إسماعيل (ادعى الحكم لنفسه لفترة قصيرة). ١٠٩٧

الناصر محمد بن الحسين (؟). ـ

٧ ـ المتوكل القاسم بن الحسين بن أحمد. ١١٢٨

٣٦٦

وقد ولد المنصور القاسم في سنة ٩٦٧ ه‍. وتوفي سنة ١٠٢٩ ه‍ (١٦٢٠ م) ، بعد حكم دام ثلاثة وثلاثين سنة. وهو الإمام القاسم بن محمد ، كما جاء في كتاب نيبهر ، الذي قال بأنه جد المهدي عباس الإمام الحاكم لليمن في وقت زيارة هذا السائح لصنعاء في سنة ١٧٦٣ م. وقد نشر نيبهر في كتابه وصف بلاد العرب (بالفرنسية) ، جدول نسب أورد فيه أسماء الأئمة وأنسابهم من القاسم حتى ولاية المهدي عباس ، ويشمل كتاب بغية المريد ، وصفا دقيقا للذرية العديدة التي انحدرت من القاسم وهي تبين أن جدول نيبهر في حاجة إلى تصحيح. فالقاسم الذي خلفه كما جاء في البغية ابنه الأكبر المؤيد محمد المولود في سنة ٩٩٠ ه‍. وليس ابنه إسماعيل. وقد حكم المؤيد من سنة ١٠٢٩ ه‍. إلى وفاته سنة ١٠٥٤ ، أي لمدة خمس وعشرين عاما ، وخلفه أخوه إسماعيل المتوكل المتوفي سنة ١٠٨٧ ه‍. (١٦٧٦ م) وهو في سنة ٦٦. والسن التي ولد فيها القاسم سجلت في بيت من شعر يتضمن تاريخ مولده وهو :

برتقى وجودا وهب ربك

__________________

٨ ـ المنصور الحسين بن المتوكل. ١١٣٩

٩ ـ الهادي المجيد محمد بن علي بن الحسين (؟). ١١٣٩ المنصور ، (إمرة ثانية) ١١٤٠.

١٠ ـ المهدي العباس بن الحسين بن القاسم المتوكل. ١١٦٠

١١ ـ المنصور علي. حول ١١٩٠

١٢ ـ المهدي أحمد بن الحسين بن القاسم المتوكل (؟) ١٢٢١

المنصور علي.

المهدي القاسم ١٢٥٧.

محمد بن يحيى ، (خضع للعثمانيين ، عزل ثم قتل). ١٢٦١

استرد العثمانيون صنعاء. ١٢٨٩

يحيى حميد الدين ، (ثار ثم أعلن استقلاله بصعدة) ١٣٠٨.

يحيى بن محمد بن محمد بن يحيى حميد الدين ، (حكم بصعدة حتى سنة ١٣٣٠ ثم بشهارة قرب صنعاء ١٣٢٢).

٣٦٧

وهذه تساوي ٩٦٧ ، كما ذكر تاريخ ولاية المتوكل إسماعيل في هذه العبارة وهي : «ربي اشرح لي صدري».

وهذه تساوي ١٠٥٤.

وحياة الإمام المنصور القاسم موضوع أحد المخطوطات في مكتبة المتحف البريطاني رقم ٣٣٢٩ القسم الشرقي.

أما سيرة الإمام المتوكل على الله يحيى ، وقد تولى الإمامة قبل الإمام السابق الذكر فتوجد في مخطوط آخر من المخطوطات الزيدية رقم ٣٧٣١ بالقسم الشرقي. والإمام المتوكل الذي توفي في سنة ٩٦٥ ه‍. (١٥٥٨ م) ادعى هو أيضا بأنه من سلالة يوسف الداعي ، ولكن نسبه منفصل ومتميز عن نسب القاسم.

حاشية [١٣١] : أظن أن بالمتن هنا عدة كلمات نسي الناسخ كتابتها ، ولكن المعنى العام للفقرة واضح وضوحا كافيا.

وهناك شيء من الصعوبات في الوصول إلى الاسمين الصحيحين لشخصيتين لعبتا دورا هاما في تاريخ القرامطة أو الإسماعيلية في اليمن : فابن فضل (١) يسميه ابن خلدون (محمد) ، وكذلك يسميه ابن الأثير. وعلى ذلك فمن المرجح أن يسميه بهذا الاسم كتاب آخرون لم أستطع أن أرجع إلى مؤلفاتهم ، ومن وجهة أخرى فإن عمارة يسميه عليا بل يتابعه في ذلك الجندي والخزرجي وغيرهما ، وكذلك المسعودي وصاحب كتاب «دستور المنجمين» الذي سبق لي أن أشرت إليه في [حاشية رقم ٢٦] ، وانظر أيضا الحاشية في نسخة الطبري المطبوعة بليدن القسم الثالث (ص ٦٦٥٦).

أما بشأن الشخصية الأخرى فإن الخلافات والتضارب بين الأسماء المختلفة المنسوبة إليها فهي أعظم من الشخصية السابقة ، ولكنها بتلقيبها بالمنصور كما لو كان ذلك اسما علما ، فإن الجندي والخزرجي وقع كل

__________________

(١) هو علي بن الفضل الجدني الخنفري الجيشاني (راجع : قرة : ١٣ ؛ افتتاح ٩ ؛ الصليحيون الباب الثاني : ٢٧ ـ ٤٨).

٣٦٨

منهما في الخطأ بسبب أن الرسول الإسماعيلي كان يسمى بمنصور اليمن. ومعنى هذه العبارة أن هذا الرسول تلحظه العناية الإلهية في مهمته في اليمن ، كما تفيد أيضا معنى منتصر في اليمن. ويسمى الخزرجي هذا الرجل بالمنصور ونسبه منصور بن الحسن (١) ، ويسميه صاحب «دستور المنجمين» (٢) أبا القاسم الفرج بن حسن بن حوشب بن زادان الكوفي. وفي المقريزي (٣) نقرأ اسمه هكذا : أبو القاسم الحسين بن فرج بن حوشب الكوفي. وفي ابن الأثير (٤) : رستم بن الحسين (الحسن) بن حوشب بن دازان النجار. والفرق بين النسبتين الأخيرتين هو فرق يسترعي النظر ، لأنه بموازنة الفقرتين المتعلقتين بابن حوشب يتضح أن كلا من الكاتبين قد نقل بطريقة مباشرة أو غير مباشرة عن مصدر واحد (٥).

ويلاحظ أنه في المقريزي كلمة خرب حلت محلها خطأ كلمة حرث وهذا يقضي على معنى العبارة.

حاشية [١٣٢] : هنا خلاف بين روايتي الجندي والخزرجي بشأن نسب ابن فضل مع أن كلا منهما قد استقى روايته عن القرامطة في اليمن من مصدر واحد ، وهو محمد بن مالك الكاتب الذي ورد اسمه في المتن ، فلم يرد في الخزرجي ذكر لذي جدن. ومما تجدر ملاحظته أن ابن الأثير يذهب إلى أن ابن الفضل كان من أسرة تسكن الجند. ويقتصر الخزرجي على القول بأن ابن فضل كان من سلالة خنفر بن سبأ بن صفي (صيفي؟) بن زرعة (حمير الأصغر) بن سبأ الأصغر.

__________________

(١) ورد تاريخه بالتفصيل في كتاب (الصليحيون : ٢٧ ـ ٤٨).

(٢) ص ١٤٠.

(٣) ١ / ٣٤٩.

(٤) ٨ / ٢٢.

(٥) وورد اسمه في افتتاح (٣ ـ ٤). أبو القاسم الحسن بن الفرج بن حوشب بن زادان الكوفي. وفي الحور ١٩٧ جاء : أبو القاسم أبو الحسن بن فرج بن حوشب بن زادان الكوفي ، واشتهر باسم منصور اليمن بعد أن فتح هو وعلي بن الفضل الجيشاني اليمن. (راجع كذلك حاشية : ١١ والتعليق عليها).

٣٦٩

وقد ذكر الهمداني قبيلة أو أسرة باسم خنفر. ويقول أيضا بأن خنفر هو اسم لبلدة في أبين (١).

حاشية [١٣٣] : من المستبعد بطبيعة الحال أن نفترض أن ابن حوشب وابن فضل قد أرسلهما إلى اليمن ميمون ، كما أنه من المستبعد أيضا أن عبيد الله المهدي كان ابنا لميمون هذا. وعبد الله بن ميمون المدبر الحقيقي للمؤامرة الإسماعيلية ، كان فيما يرجح لا يزال على قيد الحياة حين أرسل هذان الرسولان ، ولكن الأستاذ دي خوي قد أوضح أن عبد الله بن أحمد هو الذي نظم هذه البعثة إلى اليمن دون ريب (٢).

__________________

(١) جدن من ذي جد. وجيشان مدينة باليمن. وفي قرة ١٣ قال :

إنه ولد خنفر بن سبأ الأصغر ، كان في أول أمره لا شهرة له ، وقد تعلم أصول الدعوة في الكوفة ، ثم رجع إلى اليمن. وقال القاضي النعمان (افتتاح : ٩) : وكان ابن الفضل شابا جميلا من أهل بيت تشيع ونعمة ويسار ، ويقال له أبو الحسن علي بن الفضل ، خرج حاجا من جيشان في جماعة من أهلها. (الصليحيون : ٣٠ هامش : ٤ ؛ راجع التعليق على حاشية : ١١).

ويقول ياقوت : (٣ / ١٩٢) : ومخلاف جيشان كان ينزله جيشان بن غيدان بن حجر بن ذي رعين واسمه يريم بن زيد بن سهل بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن قطن بن زهير بن أيمن بن الهميسع بن حمير.

(٢) وبالرغم من اختلاف المؤرخين في الشخص الذي عهد لأبي القاسم بن حوشب وابن الفضل بالسفر إلى بلاد اليمن ، يمكننا أن نقرر هنا اعتمادا على ما قاله القاضي النعمان (افتتاح : ١٢) أن الإمام الحسين بن أحمد وهو الذي قام بهذا الأمر. لأن الإمام بعد أن أخذ المواثيق على أبي القاسم ، وصله ابن الفضل فقال الإمام : «يا أبا القاسم هذا الذي كنا ننتظره ، فكيف رأيك في الذي عرضته عليه من أهل اليمن؟» فامتثل أبو القاسم لأوامر الإمام التي قال له فيها : «.. إلى عدن لاعة فاقصد ، وعليها فاعتمد ، فمنها يظهر أمرنا ، وفيها تعز دولتنا ، ومنها تفترق دعاتنا» (افتتاح : ١٢).

ثم أمره بالاستتار ، والاعتماد على التأويل ، واتخاذ التشيع وسيلة لتحقيق أغراضه ، وأن يقول بقرب ظهور المهدي (Quatremere ,J.A.٦٣٩١.P.٤٨١) ولكن إدريس (عيون : ٥ / ١١٩) يرى عن صاحب سيرة الإمام المهدي ، أن الإمام الحسين قبل أن يتوفى استكفل أخاه أبا علي الحكيم وهو محمد بن أحمد المكنى بسعيد الخير ، إلى ابنه المهدي ، وكان عم الإمام المهدي. وهو الذي أنفذ أبا القاسم إلى اليمن بعد وفاة

٣٧٠

ولا بد أن عبيد الله كان في ذلك الوقت طفلا ، وقد توفي سنة ٣٢٢ ه‍. في سن ٦٣ كما جاء في ابن الأثير.

حاشية [١٣٤] : هذه العبارة مستمدة من حديث مأثور عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وقد أوردها كل من الخزرجي في مخطوطاته المحفوظة بمكتبة ليدن ، والرازي في مخطوطته بالمتحف البريطاني.

حاشية [١٣٥] : يضيف الخزرجي هنا أن ابن حوشب وابن فضل وصلا اليمن بعد اغتيال محمد بن يعفر بقليل ، وهذا الاغتيال حدث في المحرم سنة ٢٧٩ [حاشية رقم ٨] ، كما جاء في الجندي نقلا عن ابن الجوزي.

وقد وصل الأستاذ دي خوي إلى رأي استخلصه ، وهو أن بعثه الإسماعيلية التي أرسلت إلى اليمن كانت في سنة ٢٦٦ ه‍. وهذا التاريخ يتفق مع ما جاء في المقريزي ، وفي كتاب ، دستور المنجمين. ويقرر الأخير أن المبعوثين أرسلا في سنة ٢٦٢ ه‍. بينما يتفقان في القول بأنهما وصلا اليمن في سنة ٢٦٨ ه‍. وأن غلبة الإسماعيلية بدأت بالدعوة الحرة لها في سنة ٢٧٠ ه‍ (١).

__________________

الإمام الحسين بن أحمد. ويحتمل أن يكون الإمام الحسين هو الذي أخذ المواثيق على أبي القاسم وزميله ، ولكنه توفي قبل أن يسافر السفيران إلى بلاد اليمن. ومهما يكن من أمر فإن السفارة قد أرسلت إلى اليمن في شخص أبي القاسم وابن الفضل (الصليحيون : ٣١).

(١) خرج السفيران من الكوفة إلى القادسية في نهاية سنة ٢٦٧ ، ويقول أبو القاسم : «ولما ودعت الأهل والأحبة متشوقا إلى إقطاع الغربة توجهت ، فلما خرجت من القادسية توجست خيفة فسمعت حاد يقول :

يا حادي العيس مليح الزجر

بشر مطاياك بضوء الفجر

فسررت واستحسنت ذلك الفأل لما سمعته». ووافيت مكة في حين قدوم الحجاج من اليمن (افتتاح : ١٤ ؛ عيون : ٥ / ٣٥). وبعد أن أدى مناسك الحج تابع مع زميله السير حتى وصلا إلى غلافقة في أول سنة ٢٦٨ ، وكانت في هذا الوقت بندر المدينة زبيد على ساحل البحر الأحمر.

وأما عن فتح ابن فضل لصنعاء فقد هجم عليها لأول مرة من ناحية الشهابيين (وهم

٣٧١

ويترتب على ذلك أن قيام ابن فضل بفتح صنعاء نهائيا لا بد أن يكون قد حدث بعد إحدى وثلاثين سنة من وصوله. ويبدو أنهما قد جاهدا طويلا قبل أن يظفرا بمركز السيادة والسلطان الذي شغلاه لفترة قصيرة.

حاشية [١٣٦] : يلاحظ أن أبا عبد الله ذكر هنا على أنه كان قد أرسله إلى إفريقية ميمون القداح ، أو أنه قد أرسله كما يمكن استخلاصه رئيس الإسماعيلية في ذلك الوقت ، وليس ابن حوشب كما ذكر كتاب آخرون (١). ولكن من الراجح أن أبا عبد الله تغيب عن موطنه وقتا ما قبل

__________________

(١) كان أبو القاسم منصور اليمن موضع ثقة المهدي ، فلقد تمكن هذا كما يقول برنارد لويس (٩٥) «عن طريق الدعوة ولأول مرة من تكوين دولة إسماعيلية في اليمن ، وسر الإمام كثيرا عند ما وردت إليه الهدايا من اليمن وقال لابنه : هذه أول ثمرة أيامك وبركة دولتك» وتمثل بقول الشاعر : (افتتاح : ١٨) :

الله أعطاك التي لا فوقها

وكم أرادوا منعها وعوقها

عنك ، ويأبي الله إلا سوقها

إليك حتى طوقوك طوقها

ولثقة رؤوساء الدعوة بأبي القاسم لقبوه بالمنصور وشبهوه بفجر الدعوة الذي مهد لشمسها بالظهور فقالوا فيه : (كان أبو القاسم بمثابة الفجر المتنفس ، وبه كشف الله عز وجل عن الأولياء الغمة ، وأنار حنادس الظلمة ، (غاية المواليد : ٤٨ ـ ٤٩) ، ويدلنا على مبلغ ثقة الأئمة به أنهم كلفوه بإرسال الدعاة إلى الجهات المختلفة ، لأنه ليس من المعقول أن يقوم أبو القاسم من تلقاء نفسه بهذا الأمر). فبعث ابن أخيه الهيثم داعيا إلى السند حيث استجاب إليه الكثير من أهلها (عيون : ٥ / ٣٨) وأرسل أبا محمد عبد الله بن العباس داعيا إلى مصر (نفسه : ٥ / ٣٨). ووزع الدعاة في سائر البلدان : باليمن واليمامة والبحرين (صبح الأعشى : ١ / ١١٩ ـ ١٢٠) ، والسند والهند ومصر والمغرب (افتتاح : ١٩). ولما أرسل الإمام داعيه أبا عبد الله الشيعي الصنعاني (واسمه الحسين بن أحمد بن محمد بن زكريا) ، وكان ذا علم وعقل ودين وورع وأمانة ونزاهة (افتتاح : ٣٢) إلى منصور اليمن قال له : «امتثل سيرته وانظر إلى مخارج أعماله ومجاري اتصاله فاحتذها وامتثلها فاعمل بها» (افتتاح : ٣٢ ؛ زبدة الفكرة : ٥ / ١٥٤). فأقام عنده يشهد مجالسه ، ويخرج معه في غزواته لا يفارقه ، حتى بعثه إلى أرض المغرب (افتتاح : ٣٢ ؛ عيون : ٥ / ٤٣ ؛ غاية المواليد : ٤٩). وأرسل معه ابن أبي

٣٧٢

سفره في بعثته ، وأنه تقابل مع الرئيس الأكبر للدعوة (دي خوي ١٩ هامش) ، وأنه عاد بعد ذلك إلى اليمن. وفيما يتعلق بمسألة تاريخ بعثته إلى إفريقية ، فالنص الذي لدينا ، وكذلك الخزرجي يقرران أن سنة ٢٩٠ هي السنة التي تمت فيها هذه البعثة ، ويقول المقريزي (١ / ٥٣٠) : إن أبا عبد الله وصل إلى بلدة كتامة في سنة ٢٨٨ ، ونقرأ في ابن الأثير أن ذلك وقع في سنة ٢٨٠. وهو التاريخ الذي اعتمده ده ساسى استنادا على بيبرس المنصور وأبي الفداء. وجاء في ابن الأثير أن أبا عبد الله لم يكن فحسب في شمالي إفريقية قبل وفاة إبراهيم بن أحمد الأغلبي (في نهاية سنة ٢٧٩) ، ولكن يبدو أنه قبل هذا الحادث كان قد أحرز قدرا من السلطة والنفوذ في البلاد يستطيع معه أن يدخل في حرب مكشوفة مع جنود إبراهيم الأغلبي (ابن الأثير ٨ / ٢٥ ، ٢٦). ولا نستطيع أن نجعل مؤلف «دستور المنجمين»

__________________

الملاحف الذي ما لبث أن عاد لمرض والدته ، فسير مكانه إبراهيم بن إسحاق الزبيدي (عيون : ٥ / ٥١) ، وكان أبو القاسم قد أرسل الداعيين الحلواني وأبا سفيان إلى بلاد المغرب من قبل. وكان هؤلاء الدعاة كما يقول العيني : (عقد الجمان : ١٣ / ١٥٣) يدعوان إلى محمد الحبيب والد عبيد الله المهدي ، وكان يسمى الهادي ، وكان بسلمية بالشام ، ولما علم أبو القاسم بوفاتهما (أي الحلواني وأبي سفيان). قال لأبي عبد الله الشيعي : «إن أرض كتامة من المغرب قد حرثها الحلواني وأبو سفيان وقد ماتا ، وليس لها غيرك ، فبادر فإنها موطأة ممهدة لك» (زبدة الفكرة : ٥ / ١٥٤).

أما عن سبب امتناع الإمام عن قصد اليمن فإن القاضي النعمان يقول : (في افتتاح ١٣٧ ـ ١٣٨): «إن المهدي لما وصل إلى مصر كان يأمل أن يقصد اليمن. وإن الذين صحبوه كانوا جميعا على هذا الاعتقاد ، وإن الداعي منصور اليمن أكد لليمنيين بأن المهدي سيظهر في بلادهم ، ولم يثنه عن عزمه إلا انحراف علي بن الفضل عن الدعوة ، فالمهدي لم يكن قصده حينما وصل إلى مصر الذهاب إلى المغرب كما قال ابن الأثير : (٨ / ١٢)». ولا كما قال الجندي : (سلوك / كاي : ١٤٢) ولكن كان قصده اليمن. ومن المحتمل أن يكون المهدي قد غير خطته وهو في مصر لأنه يعلم بأن العباسيين جادين في طلبه وأنهم أرسلوا عيونهم إلى كل الجهات المحتمل ذهابه إليها وبخاصة اليمن ، وأما خروج ابن الفضل على الدعوة الفاطمية فلم يحدث إلا بعد وصول المهدي إلى المغرب ، وبعد أن وقع تحت تأثير فيروز باب أبواب المهدي الذي أحزنه مسير الإمام إلى المغرب / فذهب بنفسه إلى اليمن واتصل بابن الفضل (عيون : ٥ / ١٣٨ ، سيرة جعفر الحاجب : ١١٥).

٣٧٣

مرشدا أمينا لنا ، ولكن من الشيق أن نلاحظ أنه يذكر لنا سنة غير مقبولة وهي سنة ٢٩٦ ه‍. وهي في زعمه السنة التي وصل فيها أبو عبد الله الشيعي لإفريقية. ومع أنه يذكر هذه السنة فإنه يقدم لها بذكر أرقام ١٤٥+ ١٣٥ (٢٤٥+ ٢٣٥). والجملة تصل بنا إلى سنة ٢٨٠ ه‍.

وعلى ذلك فلا بد من سنة ٢٩٦ ، التي جاءت في المتن على اعتبار أنها السنة التي ذهب فيها عبيد الله إلى شمال إفريقية ، أن تكون خطأ. ومؤلفنا هو في الواقع لم ينفرد بهذا الخطأ. ولكن الأستاذ دي خوي ذكر أن رحيل عبد الله عن الشام وقع فيما يرجح في سنة لا تتجاوز سنة ٢٨٧ أو سنة ٢٨٨.

قد أورد صاحب «دستور المنجمين» رواية تسترعي النظر وهي أنه حين وصل عبيد الله مصر عزم على أن يمضي إلى اليمن ، وأنه لم يصرفه عن هذا العزم إلا ما نما إليه من أخبار عن عصيان ابن فضل ، وأنه ظل مختفيا في مصر حتى رحل إلى شمال إفريقية.

حاشية [١٣٧] : أورد الأستاذ دي خوي هذه الأبيات نقلا عن الخزرجي ، وقد أضيفت لها عبارات تدل على مبلغ ما أثارته هذه القصيدة من سخط في عقول مسلمي أهل السنة الذين حفظوا هذه الأبيات (١). وهذه

__________________

(١) اتهم المؤرخون علي بن الفضل بأنه أحل لأصحابه شرب الخمر ونكاح البنات والأخوات (سلوك / كاي : ١٤٣ ـ ١٤٤) ؛ كما أظهر المجوسية وكفر بما جاء به محمد صلى الله عليه وآله وسلّم من عند الله عز وجل (أرندونك ص ٢ ـ ٣ نقلا عن سيرة الهادي لعلي بن محمد بن عبد الله العباسي العلوي ـ مخطوط بالمتحف البريطاني تحت رقم O ـ ١٠٩٣.

وأما بخصوص القصيدة المذكورة التي تدور حول محرمات الشريعة الإسلامية والاستهانة بها ، فإننا نرى أن هذه القصيدة نسبت إلى شاعر من شعراء ابن الفضل ، وقد يجوز أن قالها شاعر من فرقة الخطابية كما حكاه نشوان الحميري (حور ١٩٩) ، وهذا يدل على اختلاف الرأي فيمن قال هذه الأبيات. ولا تفيد المصادر التي تحت أيدينا عن حياة ابن الفضل وأمور مملكته إلا أنه استقل عن الدعوة الفاطمية ، وخرج عن الدين الحنيف ، والاتهامات التي نسبت إلى ابن الفضل أوردها الحمادي (كشف : ٢٩) وهو ألد أعداء الدعوة الفاطمية ، وعن الحمادي نقل كل من جاء بعده من المؤرخين.

٣٧٤

العبارات هي من قبيل ما سنورده فيما يلي ، وقد نمقها الديبع ، وذيل بها الفقرة التي تصور النبي الجديد رجلا يحط عن الناس فرضي الصلاة والصوم فقال : لعنه الله في كل بلدة وأخذه الله في كل مذهب.

حاشية [١٣٨] : بدأ ابن فضل فتحه بصنعاء في سنة ٢٩٣ كما في الخزرجي وهذه الرواية قد سبقه فيها الطبري وابن الأثير ، وتوضح رواية الخزرجي أن أسعد بن يعفر دان بالطاعة عند ما سقطت ذمار في أيدي القرامطة ، ولكنه هرب عند دخول ابن فضل مدينة صنعاء. وقد استجار أهل صنعاء طالبين معاونة إمام صعدة الزيدي وهو الهادي يحيى ، فأرسل لمقاومة أعدائهم جيشا تحت إمرة ولده أبي القاسم محمد المرتضى ، فاستولوا على ذمار وأرغموا القرامطة على الجلاء عن صنعاء ، ولكن القرامطة استعادوا ذمار من يد المرتضى سنة ٢٩٤ ، وطاردوه حتى التجأ إلى صنعاء حيث لحق بأبيه.

وفي ذلك الوقت هاجم أسعد بن يعفر الإمام الهادي ، ورفض الصنعانيون أن يعينوا الإمام على سادتهم القدماء ، فأضطر الإمام إلى الجلاء عن صنعاء والعودة إلى صعدة. فاستعاد القرامطة سلطانهم على صنعاء لفترة قصيرة ، إلى أن طردوا مرة ثانية بمساعدة الهادي ، ولكن الهادي اضطر إلى الهرب للمرة الأخرى حين علم بقدوم جيش قوي للعدو. وتوفي الهادي سنة ٢٩٨ ه‍. ونجح بنو يعفر مرة أخرى في الاستيلاء على صنعاء من أيدي القرامطة ، ولكن ما لبث اليعفريون أن طردوا منها مرة أخرى ، ودخل ابن فضل صنعاء في رمضان سنة ٢٩٩ ه‍. وظلت خاضعة لسلطانه إلى نهاية عهده (١).

__________________

وإننا لا نتصور أن المجتمع اليمني يقبل رياسة ابن الفضل لمدة عشرين سنة بل أكثر ، لو كان ارتكب في أواخر عهده ، ما نسب إليه من الفواحش طوال هذه المدة ، وقد يجوز أنه بالغ في يمنيته ، وتطرف في قحطانيته حتى تعدى حدود الإسلام ، كما فعل أبو محمد الحسن بن أحمد الهمداني بعده بقليل (صاحب كتاب الصفة وكتاب الإكليل). (الصليحيون : ٤٢ ـ ٤٣).

(١) الصليحيون : ٣٧ ؛ التعليق على الحاشية : ١٣٥.

٣٧٥

حاشية [١٣٩] : هاتان الكلمتان تدلان على معنيين مفزعين. فهما مشتقتان من فعل دحس وشخص. ودحس معناها : حرك أطرافه في سكرات الموت. وشخص معناها : حدق بنظره كما يفعل المحتضر وهو يجود بنفسه. ويغدق الخزرجي على هذا الموضع اسم المشاحيط من شحط (١).

وذكر الهمداني (٢) الملاحيظ ، وقال بأنها تقع على ضفاف وادي زبيد.

حاشية [١٤٠] : كتب صاحب تاج العروس ما يلي : «حصيب (٣) وزن زبير اسم لوادي زبيد ، وجوه لطيف ، وفي نسائه جمال بارع ورقة ، ولذا صار المثل : عند دخول بلدة حصيب أسرع براحلتك. ومعناها أغذ السير لئلا يفتنك نساء البلدة» وانظر أيضا كتاب الصفة (٤).

حاشية [١٤١] : كان أبو سعيد الجنابي رئيسا للقرامطة بإمارة البحرين ، وقد توفي في سنة ٣٠١ ه‍. (٥) وظل طوال حياته أمينا للدعوة

__________________

(١) ومعناهما اللغوي هو : دحس بين القوم ـ أفسد ، دحس الجزار ـ أدخل يده بين جلد الشاة وصفاقها للسلخ ، دحس بالشر ـ دسه من حيث لا يعلم. (المنجد : ٢٠٥) وشخص ـ شخوصا ـ يقولون : شخص بصره أي فتح عينيه فلم يطرف ؛ شخص الميت بصره أي رفعه (المنجد : ٣٨٨).

(٢) صفة : ٧١ ، ١٠٠.

(٣) حصيب : راجع ياقوت : (٣ / ٢٨٨).

(٤) ٥٣ ، ١١٩.

(٥) الكامل : ٨ / ٦٣ ؛ وأبو سعيد الجنابي ينسب إلى بلد تسمى جنابة على الخليج الفارسي شرقا ، وقد تمكن هذا من تأسيس دولة القرامطة بالبحرين ، ولا شك أن نجاح الجنابي يرجع إلى حد كبير إلى حركة حمدان قرمط الذي عين أبا سعيد على الدعوة في القطيف والبحرين ، فظل هذا على إخلاصه له حتى سمي أتباعه على ما ذهب إليه دي ساس De Sace : Ex Pose de la Religion des Druzes Vol. l. القرامطة نسبة إليه. واتخذ أبو سعيد مدينة الإحساء عاصمة لدولة القرامطة الجديدة التي أسسها سنة ٢٧٦ ه‍. واستطاع أبو سعيد أن يقيم في هذه البلاد حكومة ملكية وراثية في بيته ، وكان الحاكم هو القائد الأعلى للجيش ، وبيده كافة مقاليد الأمور. واستطاع أبو سعيد إقرار النظام في بلاد البحرين وتدريبه أهلها على الأعمال الحربية أن يقيم دولة موطدة الأركان فيها ، امتد نفوذها على هجر والإحساء والقطيف وسائر بلاد البحرين والطائف (الكامل : ٨ / ٢٧). ولو طالت حياته لتيسر له مد سلطانه على جزيرة العرب بأكملها ، لكنه اغتيل سنة ٣٠٢ ه‍. وخلفه

٣٧٦

لعبيد الله ، ولا أدري كيف أفسر الإشارة في المتن القائلة بأنه أعلن استقلاله عن المهدي ، إلا إذا كان المقصود بها أن أمانته (إخلاصه) كان في وقت من الأوقات مثارا للشك (كتاب القرامطة لدي خوي ص ٦٩).

حاشية [١٤٢] : فتح جوهر (١) القائد الفاطمي مصر ، وأنشأ قلعة القاهرة سنة ٣٥٨ ه‍ (٢). ووصل المعز (٣) مصر وجعل القاهرة مركزا للدولة (٤) الفاطمية سنة ٣٦٢ ه‍. وكانت مصر قبل الفتح تابعة للدولة الإخشيدية (٥) ،

__________________

ابنه سعيد الذي ما لبث أن ثار عليه أخوه الأصغر أبو طاهر سليمان ، وفي عهده توطدت العلاقة الودية بينه وبين الفاطميين في شمال إفريقية ، وحرصوا على هذه العلاقة الودية طوال النصف الأول من القرن الرابع الهجري ، كما سمحوا لهم بالتدخل في تعيين أمرائهم ، فلما توفي أبو طاهر سنة ٣٣٢ ه‍. حدث نزاع بين أخيه وبين ابنه فأمر الخليفة المنصور بن القاسم بتولية أحمد بن الحسن (الأخ) ويكون سايور بن أبي طاهر ولي عهده ، فنفذت رغبة الخليفة (النفوذ الفاطمي : ٣٧ ـ ٣٨).

[راجع : النفوذ الفاطمي : ٣١ ـ ٤٨ ؛ عبيد الله المهدي : ١١٠ ـ ١١١ ، ٢١١ ـ ٢٣١].

(١) ولد بصقلية بين سنتي ٣٠٥ ـ ٣٠٧. شب في حجر الدولة الفاطمية بشمال أفريقية ، وتدرج في سلك الوظائف فيها ، فكان كاتبا للمعز سنة ٣٤١. ثم وزيرا له سنة ٣٥٧ ، ثم قائدا لحملة مصر سنة ٣٥٨ (مصر في العصور الوسطى : ص ١١٩).

(٢) ظلت القاهرة عاصمة الديار المصرية من هذا التاريخ إلى الآن (راجع كتاب «القاهرة» ثلاثة أجزاء لفؤاد فرج).

(٣) هو الخليفة المعز أبو تميم معد ، تولى الخلافة في شمال أفريقية في مستهل ذي القعدة سنة ٣٤١. وبعد وفاة أبيه المنصور أبو طاهر إسماعيل. وفتحت مصر في عهده في شعبان سنة ٣٥٨ ، ودخل القاهرة في رمضان سنة ٣٦٢ ، وتوفي في ٣ ربيع الثاني سنة ٣٦٥ ، وخلفه في الخلافة ابنه العزيز ، أبو منصور نزار (ابن خلكان : ٢ / ١٠١).

(٤) بدأت في شمال إفريقية على يد الخليفة المهدي ، أبو محمد عبيد الله في يوم ٤ ربيع الثاني سنة ٢٩٧ ه‍. وبدأت في مصر على يد الخليفة المعز من يوم فتح جوهر الصقلي لها في شعبان سنة ٣٥٨ ، واستمرت قائمة حتى خلع آخر خلفائها وهو العاضد ، أبو محمد عبد الله الذي خلع في ٣ المحرم ، وتوفي في عشرة منه سنة ٥٦٧ (دائرة المعارف الإسلامية (الطبعة الفرنسية) مادة (العاضد).

(٥) بدأت دولتهم في مصر على يد أبي بكر محمد بن الأخشيد بن طفج ، في ٢٣ رمضان سنة ٣٣٣ ، واستمرت قائمة حتى استولى عليها جوهر القائد الفاطمي في ١٧ شعبان سنة ٣٥٨ ، حيث خلع أبا الفوارس أحمد بن علي الأخشيد الذي كان متوليا الحكم من جمادى الأولى سنة ٣٥٧.

٣٧٧

وقد عجز الفاطميون عن فتحها في أول الأمر رغم الحملات (١) المتعددة التي أرسلوها لهذا السبب ، وذلك لأن الدولة الأخشيدية بها كانت لا تزال قوية ، فلما ضعفت بسبب الجوع والقحط الذي انتاب البلاد ، وبسبب موت كافور الأخشيدي سهل على جيش المعز أن يفتحها في السنة المذكورة.

حاشية [١٤٣] : يضيف الديبع هنا أن ابن الأسد (٢) تقلد وظيفة الداعي في عهد الخليفتين الحاكم والظاهر (٤١١ ـ ٤٢٧) ، كما تقلدها في السنوات الأولى من خلافة المستنصر (٤٢٧ ـ ٤٨٧ ه‍.).

حاشية [١٤٤] : أظن أن هذه الكلمة بدلا من أن تكون الأحراج أو الأخراج يجب أن نقرأها الأخروج. ويقول الهمداني بأن الأخروج في المنطقة السفلى من حضور. وكان في عهده موطن لبني الصليحي الهمدانيين (انظر حاشية جلازر ص ٣٨ ، ١٠).

ويرى جلازر أن هذه المنطقة هي نفس (حجرة الحديثة) الموجودة على خريطته شرقي حراز. وأضيف أن المقدسي ذكر هذا الموضع ، وقد ضبطه الأستاذ دي خوي في طبعته لكتاب المقدسي بهذا الضبط (أخروج) (٣).

__________________

(١) أرسلت لذلك ثلاث حملات : الأولى سنة ٣٠١ ه‍. والثانية سنة ٣٠٧ ه‍. والثالثة سنة ٣٢١ ه‍. واستمرت الأخيرة حتى عهد القائم بن المهدي سنة ٣٢٤ ، ولقد فشلت هذه الحملات الثلاثة لأن البلاد كانت من القوة بحيث استطاعت أن ترد عنها غارات الأعداء (مصر في العصور الوسطى : ١١٤).

(٢) هو يوسف بن أحمد بن الأشح ، هكذا ورد اسمه في (العيون : ٧ / ١ ـ ٢ ؛ نزهة : ١ / ٣٢ ـ ٣٣) ؛ وقال صاحب الكشف : ٤٢ : إن اسمه «يوسف بن الأسح» ؛ ولكن صاحب السلوك ١٥٢ قال : إن اسمه «ابن الأسح ، وصححها (كاي) نقلا عن القرة بالأسد» ، وهذا كله تحريف وتصحيف ، والذي ذكره إدريس في العيون قد اتبعناه (راجع : الصليحيون : ص ٥٧).

(٣) الأخروج : قال أبو محمد الهمداني (صفة : ١٠٦) عند كلامه على مخلاف حضور : «ويتصل بها ـ أي بسافلة حضور ـ بلد الأخروج بن الغوث بن سعد ... وببلد الأخروج اليوم الصليحيون من همدان» ؛ راجع أيضا الإكليل : (١٠ / ٩٩) ، وتعليق محب

٣٧٨

حواشي جديدة

حاشية (١) : الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف القرشي ، الشافعي.

كان الشافعي كثير المناقب ، جم المفاخر منقطع القرين ، اجتمعت فيه من العلوم بكتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم ، وكلام الصحابة رضي الله عنهم ، وآثارهم واختلاف أقاويل العلماء ، وغير ذلك من معرفة كلام العرب واللغة العربية والشعر.

كان مولده سنة خمسين ومئة ، وقيل كانت ولادته في غزة أو عسقلان وقيل في اليمن ، والأول أصح. وحمل من غزة إلى مكة ، وهو ابن سنتين ، فنشأ بها. وقدم بغداد سنة ١٨٤ ه‍. فأقام بها شهرا ، ثم خرج إلى مصر سنة ١٩٩ وقيل سنة ٢٠١ ، ولم يزل بها إلى أن توفي يوم الجمعة آخر يوم من رجب سنة ٢٠٤ ، ودفن بعد العصر من يومه بالقرافة الصغرى.

وقد اتفق العلماء قاطبة على ثقة الشافعي وعدالته وزهده وورعه ونزاهة عرضه ، وعفة نفسه ، وحسن سيرته ، وعلو قدره وسخائه.

وللإمام الشافعي أشعار منها :

إن الذي رزق اليسار ولم يصب

حمدا ولا أجرا لغير موفق

الجد يدني كل أمر شاسع

والجد يفتح كل باب مغلق

[وفيات : ٣ / ٣٠٥ ـ ٣٠٦]

__________________

الدين الخطيب ، وقال القاضي محمد الحجري : إنه في البلاد التي تسمى الآن بلاد الحيمة ما بين حضور وحراز ، وفيها حصن بتاع الذي كان يسكنها القاضي محمد الصليحي. تاريخ اليمن

الفقيه الأديب نجم الدين عمارة بن أبي الحسن علي الحكمي اليمني

٣٧٩

حاشية (٢) : بعد استيلاء الصليحي على جبل مسار كتب كتابا أمر ببثه في جوانب حراز وهذا نصه : عيون : ٧ / ٧ ـ ٨ ؛ الصليحيون : ٧٦ ـ ٧٨.

بسم الله الرحمن الرحيم

«الحمد لله الذي أوردى زناد الحق ، ورفع عماد الصدق ، بالذين أكمل بهم الحجة على الخلق وأنار بهم ما بين الغرب والشرق ، الهداة إلى الخير والأدلة ، الدعاة إلى أشرف المنهاج والملة ، خلفاء أنبيائه ، وأمنائه وأصفيائه ، سلالة رسله من لدن آدم عليه السلام ، ووصل نظامهم ، وأعلى مقامهم ، وفتق بالنور أيامهم ، ونشر بالعدل أعلامهم ، فهم أعلام الدين ، والدعاة إلى الحق المبين ، الشيعة الميامين ، والسلالة الطيبين ، آل طه ويس.

وصلواته على من ختم به الرسالة ، وعقب بالأئمة من عقبه أبواب الدلالة ، سيدنا محمد النبي ، وعلى أخيه ووصيه علي ، وعلى الأئمة من نسل مولانا الحسين الزكي ، ورثة التنزيل ، وخزنة التأويل.

وأفضل صلواته وأنمى تحياته وبركاته على وارث علمهم ، والقائم من بعدهم ، بقية السلف وخيرة الخلف ، مولانا معد أبي تميم الإمام المستنصر بالله أمير المؤمنين صلوات الله عليه وعلى خلفه وسلفه.

أما بعد : يا أهل حراز ألهمكم الله رشدكم ، وجعل الجنة قصدكم ، فلم أطلع إلى حصن مسار متجبرا باغيا ، ولا متكبرا على العباد عاتيا ، ولا أطلب الدنيا وحطامها ، ولا طالبا أملك غوغاءها وطغامها ، لأن لي بحمد لله ورعا يحجزني عما تطمع النفوس إليه ودينا أعتمد عليه.

وإنما قيامي بالحق الذي أمر الله عز وجل به ، والعدل الذي أنزله في محكم كتابه ، أحكم فيه بحكم أوليائه ، وسنن أنبيائه ، وأدعو إلى حجته الذي في أرضه ، والقائم بغرضه. لست من أهل البدع ، ولا من ذوي الزور الشنع ، الذين يعملون في الدين بآرائهم ، ويحكمون بأهوائهم ، بل أنا متمسك بحبل الله المتين ، عامل بما شرع الله في الدين ، وداعي أمير المؤمنين عليه صلوات رب العالمين ، لا أقول إلا شددا ، ولا أكره في الدين

٣٨٠