تاريخ اليمن

نجم الدين عمارة بن أبي الحسن علي الحكمي اليمني

تاريخ اليمن

المؤلف:

نجم الدين عمارة بن أبي الحسن علي الحكمي اليمني


المحقق: الدكتور حسن سليمان محمود
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الإرشاد
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٨

(ثالثا)

أخبار القرامطة باليمن

المنقول من كتاب السلوك من طبقات العلماء والملوك

للقاضي أبي عبد الله محمد بن يوسف المعروف

ببهاء الدين الجندي (ت : ٧٣٢ ه‍.)

٢٠١
٢٠٢

أخبار القرامطة باليمن

وفي أيامه (١) ظهر القرامطة ، علي بن فضل ببلد يافع ، ومنصور بن حسن ، [و] يعرف بمنصور اليمن [١٣١]. فحينئذ أذكر نبذة من أحوالهما ، على ما ذكره الفقيه أبو عبد الله محمد بن مالك بن أبي الفضائل (٢) ، أحد فقهاء اليمن وعلماء السنة ، وكان ممن دخل مذهبهما أيام الصليحي ، وتحقق أصل مذهبهما ، فلما تحقق فساده ، رجع عنه ، وعمل رسالة مشهورة ، يخبر بأمور أصل مذهبهم ، ويتبين عوارهم ، ويحذر من الاغترار (٣) بهم.

فقال : كان علي بن فضل من عرب يقال لهم [جيشان](٤) ، ينسبون إلى ذي جدن [١٣٢] ، وكان شيعيا على مذهب الاثنا عشرية ، فحج مكة ، ثم خرج مع ركب العراق ، يريد زيارة مشهد الحسين ، فلما وصله جعل يولول ، ويصيح ويقول : ليت من كان حضرك يا ابن [بنت](٥) رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ، حين جاءك جيش الفجرة (٦). وميمون ملازم للضريح ، ومعه

__________________

(١) أي أيام أسعد بن يعفر (كاي).

(٢) في الأصل : العصائل غير معجمة.

(٣) في الأصل : الأغرار.

(٤) زيادة من قرة : ١٣ ؛ وراجع التعليق على الحاشية ١٣٢ (كاي).

(٥) زيادة لتوضيح المعنى.

(٦) ليس في الجملة خبر (ليت) ، وترجمها (كاي) ليتني كنت حاضرا حين جاءك جيش الفجرة.

٢٠٣

ولده عبيد يخدمه [١٣٣] فحين رأيا ابن فضل على تلك الحال ، طمعا اصطياده (١).

ثم خلا به ميمون ، وعرفه أنه لا بد لولده عبيد من دولة تقوم ، ويتوارثها بنوه ، لكن لا يكون حتى تكون بدأتها في اليمن على يد بعض دعاته ، فقال له ابن فضل : ذلك ممكن في اليمن ، والناموس جائز عليهم ، فأمره بالتثبيت والوقوف ، حتى ينظر في الأمر ، وكان ميمون في الأصل يهوديا قد حسد الإسلام ، واعتار (٢) على دينه ، فلم يجد حيلة غير العكوف على تربة الحسين بكربلاء (٣) ، وإظهار الإسلام.

وأصله من سلمية ، مدينة بالشام ، وانتسب إلى العلويين ، وأكثرهم ينكر صحة نسبه ، فالله أعلم. وقطع ابن مالك بأنه يهودي. وصحبه رجل من كربلاء ، يعرف بمنصور بن زادان بن حوشب بن فرج بن المبارك ، من ولد عقيل بن أبي طالب ، كان جده زادان اثني عشري المذهب ، أحد أعيان الكوفة. وسكن على تربة الحسين ، فحين قدم ميمون تعرش بمنصور (ولما رأى فيه من) (٤) النجابة استماله (٥) وصحبه وكان له ذهنا (٦) يستمد بها. وكان ذا علم بالفلك فأدرك أن له دولة ، وأنه يكون أحد الدعاة لولده.

فلما قدم ابن فضل صحبه ، ورأى أنه قد تم له المراد ، وأن (ابن) (٧) فضل من أهل اليمن خبير به وبأهله. فقال ميمون لمنصور : يا أبا القاسم إن الدين يمان والحكمة يمانية ، والركن ، وكل أمر يكون مبتدأه من قبل اليمن ، فهو ثابت لثبوت نجمه [١٣٤] وقد رأيت أن تخرج أنت وصاحبنا علي بن فضل إلى اليمن ، وتدعوان إلى ولدي ، فسيكون لكما به شأن وسلطان.

__________________

(١) راجع التعليق على الحاشية : ١٣٣ (كاي).

(٢) هكذا في الأصل ولم أقف على معناها.

(٣) ذكر (كاي) أنه يترجم هذه الفقرة مع كثير من الحيرة والتردد لأن نقط الإعجام ليست موجودة.

(٤) زيادة لتوضيح المعنى.

(٥) في الأصل : فاستماله.

(٦) في الأصل : دينا.

(٧) زيادة لتوضيح المعنى.

٢٠٤

وكان منصور : قد عرف من ميمون إصابات (١) كثيرة ، فأجابه إلى ما دعا. فجمع بينه وبين علي بن فضل ، وعاهد بينهما ، وأوصى كلا منهما بصاحبه خيرا. قال منصور : لما عزم ميمون (٢) (١٥) على إرسالنا اليمن أوصاني بوصايا منها : أنني متى دخلت اليمن سترت أمري ، حتى أبلغ غرضي. وقال لي : الله ، الله ـ مرتين ـ صاحبك يعني ابن فضل ، احفظه وأحسن إليه ، وأمره بحسن السيرة ، فإن له شأنا ولا آمن عليه. ثم قال لابن فضل : الله الله أوصيك بصاحبك خيرا ، وقره ، واعرف حقه ، ولا تخرج عن أمره ، فإنه أعرف منك ومني ، فإن عصيته لم ترشد. ثم ودعنا ، وخرجنا مع الحاج حتى أتينا مكة ثم سرنا مع حاج اليمن حتى جئنا غلافقة [١٣٥] ، ثم تواصينا لا ينسى أحد منا صاحبه ، ولا يقطع خبره عنه.

ثم سرت حتى قدمت الجند ، وهي إذ ذاك بيد الجعفري. حتى تغلب عليها وانتزعها من ابن يعفر. وكان الشيخ قد قال لي : إياك أن تبدي بشيء من أمرك إلا في بلد يقال لها عدن لاعة ، فإنها البلد الذي يتم ناموسك ، وتنال غرضك فيها فلم أعرفها. فقصدت عدن أبين ، وسألت عن عدن لاعة ، فقيل لي : إنها بجهة حجة. فسألت عمن قدم (٣) من أهلها ، فأرشدت إلى جماعة قدموا لغرض التجارة ، واجتمعت بهم وصحبتهم ، وتطلعت عليهم حتى أخيوني. وقلت أنا رجل من أهل العلم ، بلغني أن لكل بلدا (٤) جبلا ، وأريد أصحبكم إليه ، فرحبوا وأهلوا. ثم لما أرادوا السفر خرجت من جملتهم ، وكنت في أثناء الطريق أتحفهم بالأخبار ، وأحضهم على الصلاة. وكانوا يأتمون بي فحين دخلت لاعة ، سألت عن المدينة فيها وأرشدت إليها ، ولزمت بعض مساجدها ، وأقبلت على العبادة حتى مال إلي جمع من الناس ، فلما علمت أن قد استحكمت محبتي في قلوبهم ، أخبرتهم بأني (٥)

__________________

(١) في الأصل : إصامات والتصحيح من خ.

(٢) انظر التعليق على الحاشية : ١٣٣ (كاي).

(٣) في الأصل : تقدم ؛ راجع التعليق على الحاشية : ١٣٥ (كاي).

(٤) في الأصل : بلد.

(٥) في الأصل : وإني.

٢٠٥

إنما قدمت عليهم داع للمهدي الذي بشر به النبي صلى الله عليه وآله وسلّم ، فحالفت منهم جمعا على القيام. فصار يؤتى لي بالزكاة. فلما اجتمع لي منها شيء كثير ، قلت : إنه ينبغي أن يكون لي معقلا يحفظ به هذه الزكاة ، يكون بيت مال المسلمين ، فبنيت عبر محرم (١) ، وهو حصن كان لقوم يعرفون ببني (٢) العرجا. ونقلت إليه ما كان قد تحصل عندي من طعام ودراهم. فحين سرت إليه بما معي ، وقد عاهدني خمس مئة رجل على النصر ، صعدوا معي الحصن بما معهم من مال وأولاد. فأظهرت حينئذ الدعوة إلى عبيد الله المهدي بن الشيخ ميمون ، ومال إلى موافقتي خلق بأسرهم (٣).

ثم لما أخذ جبل مسور ، واستعمل الطبول والرايات ، بحيث كان له ثلاثون طبلا ، إذا أقبل إلى مكان ، سمعت إلى مسافة بعيدة. وكان للحوالي حصن بجبل مسور ، له به وال ، انتزعه منه.

ثم حين علم استقامة أمره ، كتب إلى ميمون يخبره بقيام أمره ، وظهوره على من (٤) عانده. وبعث له بهدايا وتحف جليلة ، وذلك سنة تسعين ومئة. فحين بلغه الأمر ، ووصلت الهدايا ، قال لولده عبيد : هذه دولتك قد قامت ، ولكن لا أحب ظهورها إلا من المغرب [١٣٦]. ثم بعث أبا عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد بن زكريا. المعروف بالشيعي الصنعاني ، إلى المغرب. وأمره بدخول إفريقية وسياسة أهلها ، واستمالتهم (٥) إلى طاعة ولده عبيد ، فقدم المغرب حيث أمره. وكان من رجال العالم الذين يضرب بهم المثل في السياسة ، فلم يستحكم أمره إلا في سنة ست وتسعين ومئتين. فكتب إلى المهدي يخبره بقيام الأمر ، وطاعة الناس له ، ويأمره بالقدوم إليه. فبادر عبيد الملقب بالمهدي ، وقدم إفريقية.

__________________

(١) في الأصل : عين محرم.

(٢) في الأصل : لبني العدما والتصحيح من ابن مالك.

(٣) في الأصل : حلق باشر.

(٤) في الأصل : على ما.

(٥) في الأصل : واستمالهم ؛ وراجع التعليق على الحاشية : ١٣٦ (كاي).

٢٠٦

وقد كان الشيعي غلب على ملكها ، وصار بيده ، فحين قدم المهدي سلمه إليه. فندمه ، وذمه أخوه ، وقال له : بئس ما صنعت ، بيدك ملك تسلمه لغيرك. وجعل يكرر ذلك عليه حتى أثر عنده. وهم أن يغدر بالمهدي ، فبلغه ذلك ، فاستشعر عنه ، ودبر عليه من قتله ، وقتل أخاه في ساعة واحدة ، منتصف جمادى الآخرة سنة ثمان وتسعين ومائتين.

وهذا عبيد الله (١) الملقب بالمهدي (٢) ، وهو جد ملوك المغرب ثم مصر. فابن خلكان يقول في نسبهم : العبيديون (٣) نسبة إلى عبيد (٤) هذا ، وناس يسمونهم العلويين ، على صحة دعواهم ، فالله عالم بالصواب.

فهذه نبذة بينت فيها حال القرامطة في اليمن ، وحال منصور الذي دعا إليه. وكان منصور ملكا مسددا. وأما [علي بن](٥) فضل فسيأتي من ذكره ما يبين حاله. فقد مضى نسبه ، وأصل بلده. فذكر من نقل سيرته أنه لما فارق منصورا من غلافقه ، كما قدمنا ذكره ، طلع الجبل ، ودخل الجند ، ثم خرج منها إلى أبين ، وهي إذ ذاك بيد رجل من الأصابح ، يقال له : محمد بن أبي العلي ، ثم خرج عنها إلى بلد يافع. فوجدهم (٦) رعاعا ، فجعل يتعبد في بطون الأودية ، ويأتون بالطعام فلا يأكل منه إلا اليسير ، لمن يحقق حاله. فأعجبوا وهم يسكنون برؤوس الجبال ، فسألوه أن يسكن معهم ، فلم يكد يجيبهم إلا بعد مدة ، حتى ألحوا عليه ، فذكر لهم : إنما يمنعه عن مساكنتهم عدم (٧) امتثالهم بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وشرب الخمر ، والتظاهر بالفجور ، فحلفوا له على الطاعة ، وألا يخالفوه بأمر ، فوعدهم خيرا ، وصاروا يجمعون له زكواتهم ، حتى اجتمع له شيء جيد.

__________________

(١) في الأصل : عبد.

(٢) اسمه في العملة التي سكت باسمه عبد الله (كاي).

(٣) في الأصل : العبيديين.

(٤) في الأصل : نسبة إلى هذا عبيد.

(٥) زيادة لتوضيح المعنى.

(٦) في الأصل : فلقيهم ، وأثبتنا رواية خ.

(٧) في الأصل : إلا عدم.

٢٠٧

ثم إنه قصد أبين ، فقتل صاحبها واستباحها ، وأخذ أموالا جليلة ، ثم قصد المذيخرة (١) بلد الجعفري (٢). وكانت مدينة عظيمة بجبل ريمة. فحاربه مرارا [و] كانت الدائرة له (٣). فقتله واستباح بلده ، وسبى الحريم ، وقد ذكر ابن مالك ذلك برسالته على أكمل وجه ، وليس هو من ملازم الكتاب فيأتي به.

ولما صار بالمذيخرة أعجبته ، فأظهر بها مذهبه ، وجعلها دار ملكه ، ثم أدعى النبوة ، وأحل لأصحابه شرب الخمر ، ونكاح البنات والأخوات ، ثم دخل الجند في موسمها أول خميس من رجب. وصعد المنبر وقال الأبيات المشهورة وهي :

خذي الدف يا هذي والعبي

وغني هزاريك (٤) ثم أطرابي

تولى نبي بني هاشم

وهذا نبي بني يعرب

لكل نبي مضى شرعة

وهذي شريعة (٥) هذا النبي

فقد حط عنا فروض الصلاة

وحط الصيام ولم يتعب

إذا الناس صلوا فلا تنهضي

وإن صوموا فكلي واشربي

ولا تطلبي السعي عند الصفا

ولا زورة القبر في يثرب

ولا تمنعي نفسك المعر

بين من الأقربين مع الأجنبي

أحلّ البنات مع الأمهات

ومهر فضله زاد حلّ الصبي

بماذا حللت لهذا الغريب

وصرت محرمة للأب

أليس الغراس لمن (قد) رباه

وسقاه في الزمن المجدب

وما الخمر إلا كماء السماء

محل فقدست من (٦) مذهب [١٣٧]

__________________

(١) في سنة ٢٩١ كما جاء في خ (كاي).

(٢) جعفر بن أحمد المناخي كما في خ ؛ وفي صفة ٧٥ : أن جعفر بن إبراهيم (كاي).

(٣) في سنة ٢٩٢ كما في خ ؛ وفي صفة ٧٥ : أن جعفر بن إبراهيم المناخي في خوالة وهو موضع قريب لأحد منابع وادي نخلة (كاي).

(٤) الهزار : العندليب.

(٥) كشف : شرائع.

(٦) انظر كشف : ٣١ ؛ الصليحيون : ٤٢ ؛ وقال صاحب الحور : ١٩٩ «وغالب الظن أن قائل هذه الأبيات من الخطابية» ؛ راجع التعليق على الحاشية : ١٣٧ (كاي).

٢٠٨

ثم استقام أمره ، وغلب على مخلاف جعفر والجند [ثم] عزم على غزو وبها يومئذ أسعد بن إبراهيم بن (١) جعفر. فمر بذمار وأخذ حصن هران ، ودخل إليه وغالب من معه فيه بالمذهب. ولحق بقيتهم بأسعد بن يعفر. ولما سمع أسعد بن يعفر بكثرة جيوشه ، خرج من صنعاء هاربا. ودخلها ابن فضل ، يوم الخميس لثلاث مضين من رمضان سنة تسع وتسعين ومائتين [١٣٨] ، فنزل الجامع ، ونزل بقدومه مطر عظيم ، فأمر بسد الميازيب التي للجامع ، وأطلع النساء اللاتي (٢) سبين من صنعاء وغيرها ، وطلع «المنارة» ثم جعلوا يلقوهن إلى الماء منكشفات عرايا ، فمن أعجبته أخذ بها إلى المنارة وافتضها ، حتى قيل : إنه افتض عدة من البكور. وأمر ذلك الماء وتحققه على السقف ، حتى يوجد أثر ذلك إلى اليوم ، ذكره القاضي سري الآتي ذكره.

ثم إنه حلق رأسه فحلق معه موافقة مائة ألف نفس. وأمر بإخراب دار ابن عنبسة ، ظن أنه يجد بها ذهبا ، فلم يجد غير عشرة آلاف دينار. وقد (٣) كان ابن عنبسة من أعيان صنعاء ، خرج مع أسعد حين خرج ، فلما بلغه إخراب بيته ، أخذته بطنه ومات.

وحين بلغ منصور (اليمن) (٤) دخول ابن فضل صنعاء سره ذلك وتجهز حتى جاءه ، واجتمعا ، وفرح كل بصاحبه. ثم خرج ابن فضل إلى حراز (٥) ، ثم نزل المهجم فأخذها وسار إلى الكدراء فأخذها أيضا. ثم قصد زبيد ، فهرب صاحبها ، وهي يومئذ بيد أبي الجيش إسحاق بن إبراهيم بن محمد (٦) ، الواصل من بغداد ، فقتل وهرب (٧) ، وقيل قاتل ، فقتله ابن

__________________

(١) في الأصل : جعفر.

(٢) في الأصل : التي.

(٣) في الأصل : وإن كان.

(٤) زيادة لتوضيح المعنى.

(٥) جاء في خ. أن ابن فضل خرج إلى حراز وملهان والموضع الأخير يسمى أيضا ريشان (انظر ياقوت ؛ صفة ١٨ (كاي)).

(٦) من بني زياد حكم زبيد (٢٨٩ ـ ٣٧١) انظر حاشية : ١٣ (كاي).

(٧) غير مفهوم كيف قتل ثم هرب.

٢٠٩

فضل (١). واستباح زبيد ، وسبى الحريم. فذكر نقلة الأخبار أنه أخذ منها أربعة آلاف بكر ، سوى الجارح (٢).

ثم خرج منها يريد المذيخرة على طريق الميراد ؛ جبل شرقي زبيد. فلما صار بعسكره بموضع يسمى المداحيص (٣) أو المشاخيص [١٣٩] أمر صائحه ، فصاح بالعسكر بالنزول. فلما نزلوا ناداهم نداء الاجتماع ، فاجتمعوا إليه ، وحضر والديه. فقال (٤) لهم : قد علمتم إنما خرجتم للجهاد في سبيل الله ، وقد غنمتم من نساء الحصيب ما لا يخفى ، ولست آمنهن عليكم أن يفتنكم ، ويشغلنكم عن الجهاد [١٤٠] فليذبح كل رجل منكم ما صار معه منهن. ففعلوا ذلك ، فصار الدم في ذلك أثره سنين كثيرة ، ولذلك سمي بالمداحيص أو المشاخيص.

ثم توجه إلى المذيخرة ، فلما صار بها أمر بقطع الطرق لا سيما طريق الحج وقال : حجوا (إلى) (٥) الحرف ، موضعا بالقرب من المذيخرة ، واعتمروا إلى الثلاث ، واد بالقرب من الحرف (٦).

ولما علم أن قد استحكم له أمر اليمن. خلع عبيد بن ميمون الذي كان يظهر أنه داع إليه ، ثم كاتب صاحبه منصور بذلك ، فعاد جوابه إليه يعاتبه ويقول له : كيف تخلع طاعة من لم تنل خيرا إلا به ، وتترك الدعاء إليه ، فما تذكر (ما) بينك وبينه من العهود (٧) ، وما أخذ علينا جميعا من الوصية على الاتفاق وعدم الافتراق.

__________________

(١) انظر حاشية رقم ١٣ (كاي).

(٢) ترجمها (كاي) بأنهن النساء الأمهات.

(٣) انظر حاشية : ١٣٩ (كاي) والتعليق عليها.

(٤) في الأصل : قال.

(٥) زيادة لتوضيح المعنى.

(٦) في صفة : (٦٩) : الحرف في الأجزاء المنخفضة من سراة قدم ، ولذلك فهو لا يبعد عن الحجة. لكن إذا صح ذلك فإنه يكون بعيدا عن المذيخرة. وقد ذكرت ثالثه في نهاية ص ٩٧ والهامش رقم ١٠٠ على أنها موضع في مخلاف جعفر. انظر أيضا سبرنجر ص ١٥٣ حيث جاء فيه أن حصن ثلاث يقع قرب صنعاء (كاي).

(٧) في أنباء / ماضي ٥٤ : «كيف نخلع طاعة من لم تر خيرا إلا ببركة الدعاء إليه ، وقد أعطينا من العهود ما قد علمته».

٢١٠

فلم يلتفت إليه بل كتب كتابا يخيره ويقول : إن لي بأبي سعيد الجنابي أسوة [١٤١]. إذ قد دعا إلى نفسه. وأنت إن لم تنزل إليّ وتدخل في طاعتي (١) نابذتك الحرب (٢) ، فلما ورد كتابه إلى المنصور بذلك ، غلبه على ظنه صحته. وطلع جبل مسور ، وأخذ بتحصينه. وقال : إنما حصنت هذا الجبل من هذا الطاغية وأمثاله. ولقد عرفت الشر بوجهه ، حين اجتمعنا بصنعاء.

ثم إن ابن فضل بعد مديدة من تصديره الكتاب. تجهز إلى غزو منصور ، وانتدب إلى ذلك عشرة آلاف رجل من المعدودين في عسكره. وسار من المذيخرة حتى دخل شبام (٣). فحصل بينه وبين عسكر منصور حرب. وتكرر ذلك. ثم دخل ابن فضل بلد لاعة. وصعد جبل الجميمة (٤) بالجيم مفتوحة. وهو جبل فائش ، على قرب من مسور ، وهو لقوم يقال لهم بنو المنتاب.

فأقام به ثمانية أشهر يحاصر منصور ، فلم يدرك منه طائلا. وشق به الوقوف ، وعلم منصور بذلك فراسله بالصلح. فقال ابن فضل : لا أفعل إلا أن يرسل لدي ولده ، يقف معي الطاعة ، وإلا فلا يسمع مني أنني رحت بغير قضاء حاجة. ويشيع ذلك عند العالم أني تركته تفضلا لا عجزا ، ففعل منصور ذلك ، وتقدم معه بعض أولاد منصور ، ثم أن ابن فضل طوقه بطوق من ذهب (٥).

وانهمك في المذيخرة على تحليل محرمات الشريعة ، وإباحة محظوراتها ، وعمل بها دارا واسعة يجمع فيها غالب أهل مذهبه نساء ورجالا

__________________

(١) في الأصل : بإجابتي.

(٢) في كشف : ٣٣ «إنما هذه الدنيا شاه ، ومن ظفر بها افترسها».

(٣) أظن أن الموضع المشار إليه هو شبام أقيان (حاشية : ١١).

(٤) انظر حاشية : ١١ ، وفي خريطة جلازر وجدت جميمة وهي على خط عرض ١٦ والدقيقة ٦ (كاي).

(٥) في خ : أن منصور هو الذي وضع طوق في عنق ابن فضل (كاي).

٢١١

متزينين متطيبين. ويوقد بينهم الشمع ساعة ، ويتحادثون فيها بأطيب الحديث ، وأطربه ، ثم يطفأ الشمع ، ويضع كل منهم يده على امرأة ، فلا يترك الوقوع عليها ، وإن كانت من ذوات محارمه. وقد يقع مع أحدهم ما لا يعجبه إما لعجز أو لغيره فيريد التفلت منها ، فلا تكاد تعذره.

فقد حكا ابن مالك أن رجلا من القوم ، وقعت يده على عجوز كبيرة محدودبة فحين تحقق حالها ، أراد التفلت منها. فقالت له : لا بد من ذى حكم الأمير. وذى بالذال المهملة ، لغة بعض اليمنيين بمعنى لا. فكأنها قالت : لا بد من الذي حكم (به) الأمير ، يعني ابن فضل.

وهذه مخزية عظيمة شاعت عنه (و) عمت جميع من انتسب إلى التسمعل. وهي شيء لم يحقق عن أحد غيره. ولقد سألت جمعا من الذين يتحقق منهم المذهب ، فأنكروا ذلك. ورأيتهم مجتمعين على أن علي بن فضل زنديق ، وأن منصور اليمن من أعيان مذهبهم ، وأخيارهم ، وذلك الذي يقرر في ذهني.

وكان ابن فضل لما طابت له المذيخرة ، وجعلها دار إقامته. استناب على صنعاء أسعد بن يعفر ، المقدم ذكره. استنابه مكانه. لأنه لم يثبت أن أسعد اجتمع به. كان حذرا من غدره. فأقام أسعد بصنعاء نائبا له ، وهو يود أن يأخذ شأن المسلمين منه ، وهو أيضا حذر منتقض (١). وكان لا يكاد يستقر بصنعاء خشية غازية من ابن فضل أو هجمة.

قال ابن جرير : وكان عنوان كتب ابن فضل إلى أسعد بن يعفر : من باسط الأرض وداحيها ، ومزلزل الجبال ومرسيها ، علي بن فضل إلى عبده أسعد. وكفى بهذا الكلام دليلا على كفره ، فنسأل الله العصمة.

وفي أثناء نيابة أسعد له ، قدم رجل غريب يزعم أنه شريف بغدادي ، فصحب أسعد وأنس به. وقيل : إن قدومه كان بإرسال من صاحب بغداد ،

__________________

(١) من انتقض الجرح بعد برئه والأمر بعد التئامه أي فسد والمعنى أنه يضمر الخروج عليه.

٢١٢

لما بلغه من تقوم بن فضل. ليعمل الحيلة في قتله. فلبث عند أسعد مدة ، وكان جراحا (١) ماهرا بصناعة الأدوية. بصيرا بفتح العروق ، ومداواة الجروح (٢) وسقي الأشربة النافعة.

ولما اشتد (٣) خوف أسعد من ابن فضل. قال (٤) : إنني عزمت أن أهب نفسي لله وأتصدق على المسلمين ، لأريحهم من هذا الطاغية. فعاهدني إن أنا عدت إليك على (أن) تقاسمني ما يصير إليك من الملك ، فأجابه أسعد إلى ما سأل.

فتجهز الغريب وخرج من عند أسعد ، وهو إذ ذاك مقيم بالجوف (٥) ببلد همدان. على تخوف من ابن فضل. فسار الغريب حتى قدم المذيخرة. فخالطه وجوه الدولة وكبراؤها ، وفتح لهم العروق ، وسقاهم الأدوية النافعة ، وأعطاهم المعجونات ، فرفعوا ذكره إلى ابن فضل ، وأثنوا عليه عنده ، ووصفوه بما فيه من الصفة وقيل له : إنه لا يصلح إلا لمثلك.

فلما كان ذات يوم ، أحب الافتصاد ، فبحث عنه وطلبه ، فجيء له به. وحين وصله الطالب عمد إلى سم فعمله بشعر في مقدم رأسه. وكان ذا شعر كثير ، ثم لما دخل عليه ، أمره أن يتجرد من ثيابه ، ويلبس غيرها من ثياب كانت عند ابن فضل. ثم أمره بالدنو منه ليفصده. ففعل وقعد بين يديه. ثم أخرج المفصد وامتصه تبرية له من السم. ثم مسحه برأسه في موضع السم ، فعلق منه بعض الشيء ، ثم فصده بالأكحل (٦) وربطه وخرج من فوره. وحمل حاجاته (٧) على حمار له. وخرج من المذيخرة مبادرا إلى أسعد بن يعفر.

__________________

(١) في الأصل : جرائيا.

(٢) في الأصل : الأجرحة.

(٣) في الأصل : ولما شد خوف أسعد لابن فضل.

(٤) قال يعني الرجل الغريب.

(٥) اسم يطلق على منطقة واسعة في ديار همدان.

(٦) اسم لأحد الأوردة.

(٧) في الأصل : هراوة.

٢١٣

ولما قعد ابن فضل ساعة أحس بالسم ، وعلم أنه أكيد على يد الفاصد ، وأمر بطلبه فلم يوجد. فازداد تبغيا. وأمر أن يلحق حيث كان. ويؤتى به ، فخرج العساكر في طلبه بنواح شتى ، حتى أدركه بعضهم بوادي السحول عند المسجد المعروف بقينان (١) فلم يلتزم ، بل دافع عن نفسه حتى قتل. وقبره هنالك ، وهو مسجد جامع له منارة يزار ويتبرك به. دخلته في المحرم سنة ست وتسعين وست مئة.

وتوفي ابن فضل عقيب ذلك ، ليلة الخميس منتصف ربيع الآخر سنة ثلاث وثلاث مئة (١٦). وكانت (٢) مدة امتحان المسلمين بتملكه سبع عشرة سنة. ولما علم أسعد بوفاته فرح ، وكذلك جميع أهل اليمن فرحوا فرحا شديدا. ثم كاتبوا أسعد على أن يغزو المذيخرة ويستأصل شأن القرامطة ، فأجابهم إلى ذلك ، وتجهز بعسكر جرار من صنعاء ونواحيها. ثم لما صار بمخلاف جعفر ، اجتمع إليه أهله ، ثم أهل الجند ، والمعافر ، والتفت العساكر إلى المذيخرة.

وكان خلف ابن فضل ولدا له يعرف بالفأفأ ، لفأفأة كانت به فحصر أسعد المذيخرة بمن كان معه من الناس. وكانت محطته بجبل ثومان ، الذي تقدم ذكره ، عند ذكر الجعفري ، الذي يعرف الآن باسم جبل خولان ، لأن به عربا منهم يعرفون ببني البعم. فلم تزل العساكر فيه وكلما خرج لهم عسكر من المذيخرة كسرهم المسلمون ، وتتابع ذلك مرة على مرة حتى ذلوا وخضعوا.

ثم نصب أسعد على المدينة المنجنيقات ، فهدم غالب دورها ودخلها قهرا. ثم قتل ابن علي بن فضل ، وجمع من ظفر به من خواصه وأهله ، ومن دخل بمذهبه وسبى بناته ، وكن ثلاث ، اصطفى أسعد منهن واحدة

__________________

(١) ذكر الهمداني (صفة : ٦٨ ، ١٠٠) على أنه موضع يقع في إقليم السحول وفي الجزء الشمالي من منطقة ذي الكلاع. (كاي).

(٢) في الأصل : كان.

٢١٤

اسمها معاذة ، وهبها لابن أخيه قحطان (١) ، فولدت له عبد الله الآتي ذكره ، والاثنتان صارتا إلى رعين. فكانت مدة حصار المسلمين وأسعد للمذيخرة سنة كاملة. قيل أنه لم ينزع أسعد فيها درعه ، ولم يزل متقلدا لسيفه. وانقطعت دولة القرامطة من مخلاف جعفر ، ولم تزل المذيخرة خرابا منذ ذلك إلى عصرنا.

وأما منصور فهو على الحال المتقدم ، ولكنه كان رئيسا لبيبا ، يحب المباقاة ، ولم يبرح في جهة لاعة. حتى توفي قبل ابن فضل سنة اثنتين وثلاث مئة ، بعد أن أوصى لولد له اسمه الحسن ، ورجل آخر من أصحابه اسمه : عبد الله بن العباس الشاوري ، كان خصيصا به ، وكان قد أرسله إلى المهدي برسالة وهدية ، وصار عند المهدي منه صورة ومعرفة.

وذلك أن منصور لما أحس بالموت جمع بينهما وقال : أوصيكما بهذا الأمر فاحتفظاه ، ولا تقطعا دعوة بني عبيد بن ميمون. فنحن غرس من غروسهم ، ولو لا ما دعونا إليه من طاعتهم ، لم يتم لنا مراد ، وعليكما بمكاتبة إمامنا المهدي ، فلا تقطعا أمرا دون مشاورته ، فإن هذا الأمر لم آخذه بكثرة مال ، ولا رجال ، ولم آت هذه البلاد إلا بغضا ، وبلغت ما لم يخف ببركة المهدي ، الذي بشر به النبي صلى الله عليه وآله وسلّم. وكثيرا ما كان يقول ذلك في ملأ من الناس.

ثم لما توفي منصور كتب وصيته الشاوري إلى المهدي ، وهو مقيم بالمهدية ، يخبره بوفاة منصور ، وتركه أمر الدعوة مرخى حتى يرد أمره. وأعلم المهدي بأنه يقوم بأمر الدعوة قياما شافيا وافيا ، دون أولاد منصور. وبعث بالكتاب مع بعض أولاد منصور ، فسار به حتى قدم المهدية ، دفع

__________________

(١) ابن عبد الله بن يعفر ، فولدت له عبد الله بن قحطان (حور : ٢٠٠) واستطرد نشوان قائلا : «وأخذ (أي أسعد بن أبي يعفر الحوالي) ولدين لعلي بن الفضل وجماعة من رؤساء القرامطة معه إلى صنعاء ، وأمر بهم فذبحوا جميعا ، وطرحت أبدانهم في بئر في الجبانة وأخذت رؤوسهم فبقرت ووجهت في أربعة صناديق إلى مكة فنصبت هنالك أيام الموسم».

٢١٥

الكتاب إلى المهدي ، فلما قرأه ، وكان قد عرف الشاوري من وقت [أن] قدم عليه برسالة منصور وأنه يكمل للدعوة ، وخشي عجز أولاد منصور عنها ، ولم يكن ابن منصور علم بما في كتاب الشاوري ، فأجاب المهدي للشاوري بالاستقلال ، وعاد ولد منصور خائبا فعاد [إلى] البلاد ، وهو مضمر [الشر](١) ، فأوصل جواب المهدي إلى الشاوري وصار هو وإخوته يواصلونه ، وهو يكرمهم ويبجلهم ، ولا يحجب أحدا منهم ، بل يدخلون عليه متى شاؤوا بغير حاجب.

ثم إن الذي وصل من المهدي ، دخل عليه في بعض الغفلات فقتله ، واستولى على البلاد ، ولما صار مستوليا ، جمع الرعايا من أنحاء بلده وأشهدهم أنه قد خرج إلى مذهب السنة ، وترك مذهب أبيه ، فأعجب الناس ذلك وأحبوه ودانوا له. فدخل عليه أخ له اسمه جعفر فنهاه عما فعل ، وقبحه عليه ، فلم يلتفت إليه (٢).

فخرج عنه مغضبا ، وقصد المهدي إلى القيروان ، فوجده قد توفي ، وقام ابنه بعده ـ القائم ـ ، وذلك سنة اثنتين وعشرين وثلاث مئة ، أعني موت المهدي ، وقيام القائم (٣) ، فلبث ابن منصور عنده (٤).

ثم إن أخاه قتل أهل مذهب أبيه وشردهم ، حتى لم يبق حوله إلا من لا يعرف ، بل بقي في البلد جماعة قليلة ، يكاتبون بني عبيد بن ميمون إلى القيروان.

ثم إن ابن منصور خرج من مسور إلى عبر محرم المذكور أولا ، وكان

__________________

(١) في الأصل : السر.

(٢) ويقول الحمادي (كشف : ٤٠) قال جعفر بن منصور لأخيه الحسن : «إن أمرنا إذا يتلاشى ، ويزول ملكنا ، وتفترق هذه الدعوة ، ويذهب الناموس الذي نمسناه على الناس ، فلا تحدث نفسك بهلاكه فتهلك»

(٣) القائم بأمر الله الخليفة الفاطمي الثاني حكم (٣٢٢ ـ ٣٣٤ ه‍.).

(٤) وأضاف إدريس (عيون : ٥ / ٥٠): «وانتهى إلى أن بلغ مبلغا عظيما عند الأئمة ، وبلغ مراتب الأبواب الفائزين بعلو الدرجات» : راجع «الصليحيون» ٥٢ ـ ٥٤.

٢١٦

به رجل من بني العرجاء ـ سلاطين تلك الناحية ـ واستخلف على مسور رجل ـ يقال له : إبراهيم بن عبد الحميد السباعي الشيعي (١) ، وهو (٢) جد بني المنتاب الذي إليه ينسب مسور ، فيقال : المنتاب.

فلما صار بعبر (٣) محرم ، وثب عليه ابن العرجاء فقتله ، وحين سمع ابن عبد الحميد (٤) ذلك (لزم مسورا وادعى الأمر لنفسه) (٥) ، وخرج من بقي معه بمسور من أهل منصور وحرمه إلى جبل بني أعشب (٦) ، فوثب الناس عليهم ينهبون ويسبون ويقتلون.

ثم حصل بين ابن العرجاء وابن عبد الحميد (٧) اتفاق ، واقتسما البلاد ، ورجع ابن عبد الحميد عن مذهب منصور ، وابتنى جامعا وعمل منبرا ، وخطب (٨) لبني العباس ، وجعل يتبع القرامطة حيث سمع بهم حتى أفناهم ، ولم يبق منهم إلا عدد (٩) قليل بناحية مسور كاتمين أمرهم ، مقيمين ناموسهم برجل منهم يقال له : [يوسف بن موسى بن](١٠) أبي الطفيل فقتله إبراهيم ، فانتقلت الدعوة إلى رجل منهم يقال له : ابن جفتم (١١) ، في أيام المنتاب بعد موت أبيه إبراهيم بن عبد الحميد (١٢) [الشيعي](١٣). (وكان) حازما لا يكاد

__________________

(١) في الأصل : إبراهيم بن عبد المجيد الشيعي ، والتصحيح من كشف : ٤١.

(٢) في الأصل : وقد.

(٣) في الأصل : بعين محرم.

(٤) في الأصل : ابن عبد المجيد.

(٥) زيادة من بغية.

(٦) في الأصل : جيل الحسب ، والتصحيح من بغية ، وصفة : ١١٢.

(٧) في الأصل : عبد المجيد.

(٨) في الأصل : وبايع الخطبة لبني العباس.

(٩) في الأصل : غير شيء تدمه قليلة.

(١٠) زيادة من عيون : ٧ / ١ ـ ٢ ؛ نزهة : ١ / ٣٢ ـ ٣٣.

(١١) ويقول إدريس (عيون : ٧ / ١) : وتفرق من بقي من أصحابه إلى نواحي عمان وقطابة وانكتم أمرهم عن إبراهيم.

(١٢) في الأصل : عبد المجيد.

(١٣) زيادة من بغية.

٢١٧

يعرف أين قراره خوفا أن يناله المنتاب ، أو غيره من أهل السنة ، وهو مع ذلك يكاتب أولاد المهدي إلى القيروان وإلى مصر.

وفي أيامه قدم المعز بن (المنصور بن) (١) القائم بن المهدي من القيروان إلى مصر ، وابتنى القاهرة (٢) ، وجعلها دار إقامته [١٤٢] ، ثم لما دنت وفاته (٣) استخلف على أهل مذهبه ، رجلا منهم يقال له : يوسف بن الأسد (٤) ، ثم توفي.

وولي الأمر يومئذ [١٤٣] الحاكم (بأمر الله). فكان ابن الأسد يدعو إليه ويبايع له سرا حتى دنت وفاته. واستخلف رجلا يقال له : سليمان بن عبد الله الزواحي ، من ضلع شبام ، وكان ذا مال جزيل يداري به ، ويدفع به عن أهل مذهبه. وكلما همّ أحد من الناس بقتله يقول له : «أنا رجل من المسلمين ، أقول لا إله إلا الله ، كيف يحل لكم دمي ، وأخذ مالي؟» فيمسكون عنه. ولما دنت وفاته ، استخلف علي بن محمد الصليحي ، وأصله من الأخروج (٥) [١٤٤] ، سبع من أسباع حراز (٦).

__________________

(١) زيادة لتصحيح نسب المعز.

(٢) الذي بنى القاهرة هو جوهر الصقلي قائد المعز الفاطمي (راجع التعليق على الحاشية : ١٤٢).

(٣) أي وفاة ابن جفتم.

(٤) في الأصل : الأسح والتصحيح من بغية ؛ في كشف : ٣٩ (يوسف بن الأشح).

(٥) في الأصل : الأحراج (كاي).

(٦) هؤلاء الدعاة سبق أن ذكرناهم من قبل ، راجع التعليق على الحاشية : ١٤٣.

٢١٨

ترجمة حواشي «كاي» والتعليق عليها

حاشية [١] : الدعاة ـ واللفظ مشتق من الدعوة ـ وكانوا رسلا يستخدمهم الإسماعيلية لنشر دعوتهم ، وكان رئيسهم في عهد الفاطميين (أو الإسماعيليين) يقيم بالقاهرة ويلقب بداعي الدعاة. ولم يكن هذا اللقب يقل مرتبة عن قاضي القضاة ، بل كثيرا ما كان يتقلد المنصبين شخص واحد (١). وقد ظن أن الكلمة (داعي) هي نفس كلمة (داي) التي يطلقها الأوربيون على حكام الجزائر ، غير أنه من المستبعد أن تكون كلمة (داي) أصلها من كلمة (داعي) ، إذ جاء في كتاب «المؤنس في أخبار إفريقية وتونس لابن أبي القاسم الرعيني» ، بعد أن ذكر فتح الترك لتونس ، وتحكم الباشوات قال :

__________________

(١) وسلسلة رجال الدعوة الإسماعيلية منقولة من المراجع الإسماعيلية اليمنية القديمة هي : ١ ـ الناطق ـ ٢ ـ الوصي ـ ٣ ـ الإمام ـ ٤ ـ الباب ـ ٥ ـ الحجة ـ ٦ ـ الداعي : أ ـ داعي البلاغ ب ـ الداعي المطلق ح ـ الداعي المحسور. ٧ ـ المأذون : أ ـ المطلق ب ـ المحسور ح ـ المحدود. ٨ ـ المكاسر ـ ٩ ـ المؤمن البالغ ـ ١٠ ـ المستجيب.

وجاء في كتاب زهر المعاني تفسير وجيز لمدلولات هذه الدرجات : «فالناطق هو النبي صلى الله عليه وآله وسلّم» والوصي هو علي ، والإمام يكون من نسل علي ، والباب كانت هذه الوظيفة في أول نشأتها سرية ، لا يعرف بها ولا بصاحبها إلا رجال الدعوة المقربين ، ولما تركز الحكم الفاطمي أعلنوا هذه الوظيفة ورفعوا الستار عن صاحبها ، فأصبحت الوظيفة خطيرة لأن منها ينبع التوجيه السياسي والديني والعلمي ، ولا يمنح هذه اللقب إلا لمن سبق أن تدرج في مراتب الدعوة. ويعتبر الباب (داعي الدعاة) الصلة بين الإمام وبين حدود الدعوة ، كما يتضح ذلك من قول المؤيد في الدين الشيرازي عند كلامه عن داعي الدعاة القاسم بن عبد العزيز بن محمد بن أبي حنيفة النعمان في عهد المستنصر : «وتوجهت بعد ذلك إلى المرسوم بالقضاء والدعوة الذي كان باب خطتنا ونحن بالبعد ، والواسطة بيننا وبين مجلس الإمامة» (سيرة المؤيد : ٨١ ـ ٨٢) ، ومن أعماله رياسة الدعوة الفاطمية ، وأخذ العهد على المريدين مباشرة أو بواسطة (خطط : ١ / ٢٩١). والحجة معناها رئيس الدعوة في بحر (إقليم) من بحار الدعوة. وسنرى أن سلطة الملكة أروى بنت أحمد الصليحية قد اتسعت كثيرا عند ما أصبحت حجة الإمام في بلاد اليمن (الملكة أروى : ٦٧).

٢١٩

«ولما فعلوا فعلتهم تحزبوا أحزابا ، وصار كل حزب منهم له رئيس ، فاجتمعت عدة رؤساء ، وصار كل رئيس يدعى باسم (الداي) ، وهذه اللفظة معناها «خال» باللسان العامي ، وهي عندهم تكبرة لمن ينادى بها ، ثم مضى يقول ... ولكن لا يتم لهم رأي من كثرة داياتهم».

حاشية [٢] : سورة فاطر آية : ١٨.

حاشية [٣] : كان الأشاعر (١) من القحطانيين من سلالة عريب ، ومن أشهر رجالها أبو الحسن علي الأشعري ، صاحب المذهب الذي يعرف أتباعه بالأشاعرة. وكثيرا ما يوصف العكيون أيضا بأنهم قحطانيون ، من سلالة مالك وقحطان وعزان. ويقال بأن صحة قراءة الاسم الأخيرة هي عدنان ، وأن العكيين إذا قبيلة من بني إسماعيل. وقد نزح العكيون في تاريخ مبكر إلى تهامة اليمن ، حيث عقدوا حلفا وثيقا مع الأشاعرة. والمعروف أن هاتين القبيلتين ، كانتا أول من ارتد عن الإسلام في اليمن عند وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلّم.

وكافة المؤلفات عن تاريخ العرب ، وجغرافية البلاد العربية لا تكف عن الإشارة إلى عديد لا يكاد يحصى من القبائل ، وبخاصة حين تتناول المقاطعات اليمنية ، والقراء الذين لم يألفوا هذا الموضوع ، قد يرون في تزويدهم بعناصره العامة نفعا لهم ، لذلك أضفت لهذه الحاشية بيانا بالقبائل الرئيسية في بلاد اليمن. وقد أنشأ فستنفلد جداول (٢) دقيقة بأنساب القبائل العربية عظيمة الفائدة لكل راغب في دراسة النظام القبلي عند العربي. أما وقد عسر على الحصول على كتاب فستنفلد ، فقد اكتفيت في إعداد بياني التالي الموجز بمتابعة فصول كتاب ابن خلدون (العبر) التي تعرض لأنساب العرب. وبعد أن تناولتها بتصويبات وإضافات ، استقيت أغلبها من كتاب صفة جزيرة العرب للهمداني ، ومن معجم البلدان لياقوت ، واستقيت قلة منها من كتاب أو كتابين عربيين آخرين.

__________________

(١) الأشاعر جمع أشعر ، وفضلنا هذا الجمع على الأشاعرة ، حتى لا يلتبس اسم القبيلة بأصحاب مذهب أبي الحسن الأشعري (سلوك / ورقة : ٦١).

(٢) W\'ustenfeld F. Von : Genealogische der Arabischen Stamme Und Familien.

٢٢٠