تاريخ اليمن

نجم الدين عمارة بن أبي الحسن علي الحكمي اليمني

تاريخ اليمن

المؤلف:

نجم الدين عمارة بن أبي الحسن علي الحكمي اليمني


المحقق: الدكتور حسن سليمان محمود
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الإرشاد
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٨

ثم نزل زبيد واتخذ (ها) كرسيا لملكه ، ثم استوخمها وسار في الجبال ومعه الأطباء يتخير مكانا صحيح الهواء والماء ليتخذ منه مسكنا. فوقع اختيارهم على مكان تعز فاختط به المدينة ، ونزلها ، وبقيت كرسيا لملكه ، وملك بنيه ومواليهم بني رسول ، كما نذكر في أخبارهم ، وبانقراض دولة بني مهدي ، انقرض ملك العرب من اليمن ، وصار للغز ومواليهم.

ولنذكر الآن طرفا من الكلام عن قواعد اليمن ومدنه

واحدة واحدة كما أشار إليه ابن سعيد

اليمن : من جزيرة العرب تشمل على كراسي سبعة للملك ، وهي على قسمين. تهامة والجبال. تهامة مملكتان ، مملكة زبيد ، ومملكة عدن. ومعنى تهامة ما انخفض من بلاد اليمن مع ساحل البحر. من السرين من جهة الحجاز ، إلى آخر أعمال عدن ، درّة البحر الهندي. قال ابن سعيد : وجزيرة العرب في الإقليم الأول. ويحيط بها البحر الهندي من جنوبها وبحر السويس من غربها وبحر فارس من شرقها.

وكانت اليمن قديما للتبابعة ، وهي أخصب من الحجاز ، وأكثر أهلها القحطانيين ، وفيها عنز بن (١) وائل [١١٤] ، وملكها لهذا العهد لبني الرسول ، موالي بني أيوب ، ودار ملكهم تعز ، بعد أن نزل الجوة أولا. وبصعدة من اليمن أئمة الزيدية.

زبيد : وهي مملكة اليمن. شمالها الجبال ، وجنوبها البحر الهندي ، وغربها بحر السويس. اختطها محمد بن زياد ، أيام المأمون سنة أربع ومئتين. وهي مدينة مسورة ، تدخلها عين جارية ، جلبها الملوك ، وعليها

__________________

(١) راجع التعليق على الحاشية ١١٤ (كاي).

١٨١

غيطان نخل ، يسكنونها أيام القلة (١). وهي الآن من ممالك ابن رسول. وبها كان ملك بني زياد ومواليهم ، ثم غلبهم عليها بنو الصليحي. وقد مر خبرهم.

عثر وحلي والشرجة : من أعمال زبيد في شماليها. وتعرف بأعمال ابن طرف مسيرة سبعة أيام في يومين ، من الشرجة إلى حلي. وبين حلي ومكة ثمانية أيام. وعثر هي منبر الملك ، وهي على البحر ، وكان سليمان بن طرف ممتنعا بها على أبي الجيش بن زياد ، وكان مبلغ ارتفاعه خمس مئة ألف دينار. ثم دخل في طاعته وخطب له ، وحمل المال. ثم صارت هذه المملكة للسليمانيين من بني الحسن ، أمراء مكة حين طردهم الهواشم من مكة (٢). وكان غانم (٣) بن يحيى منهم يؤدي الإتاوة لصاحب زبيد ، وبه استعان مفلح الفاتكي على سرور. ثم ملك بعد غانم عيسى بن حمزة بن بنية. ولما ملك الغز اليمن أخذ يحيى أخو عيسى أسيرا ، وسيق إلى العراق فحاول عليه عيسى ، فخلصه (٤) من الأسر. ورجع [يحيى](٥) إلى اليمن فقتل أخاه عيسى وولي مكانه.

المهجم : من أعمال زبيد على ثلاث مراحل عنها ، وعربها من سعد العشيرة من حكم وجعفر (٦) قبيلتين منهم. ويجلب منها الزنجبيل.

السرين : آخر أعمال تهامة من اليمن ، وهو [و](٧) البحر ، دون سور ، وبيوتها اختصاص. وملكها راجح بن قتادة ، سلطان مكة أعوام

__________________

(١) أي فصل الجفاف ، انظر رحلة ابن بطوطة ـ نشر ديمفرميري : ٢ / ١٦٧ ـ ١٦٨.

(٢) راجع حاشية ١٣٠ (كاي).

(٣) في الأصل : غالب.

(٤) في الأصل : فتخلصه.

(٥) زيادة لتوضيح المعنى.

(٦) لعلها : جعفى (كاي).

(٧) زيادة لتوضيح المعنى.

١٨٢

الخمسين وست مئة. وله قلعة على نصف مرحلة منها.

الزرائب : من الأعمال الشمالية عن زبيد ، وكانت لابن طرف. واجتمع له فيها عشرون ألفا من الحبشة. ولما ثار الداعي الصليحي لقيه بها في نحو من ثلاثة آلاف فهزمه وقتل الحبشة الذين معه جميعا. وقال ابن سعيد في أعمال زبيد : والأعمال التي في الطريق الوسطى بين البحر والجبال ، وهي في خط زبيد في شماليها وهي الجادة إلى مكة. قال عمارة : هي الجادة السلطانية ، منها إلى البحر يوم أو دونه ، وكذلك إلى الجبال. ويجتمع الطريقان الوسطى والساحلية في السرين ويفترقان.

عدن : من ممالك اليمن في جنوب زبيد ، وهي كرسي عملها ، وهي على ضفة البحر الهندي. وكانت بلد تجارة منذ أيام التبابعة. وبعدها عن خط الاستواء ثلاث عشرة درجة ، ولا تنبت زرعا ولا شجرا ، ومعاشهم السمك ، وهي ركاب الهند من اليمن ، وأول ملكها لبني معن بن زائدة ، استقاموا لبني زياد وأعطوهم الإتاوة.

ولما ملك الصليحيون أقرهم الداعي بها ، ثم أخرجهم ابنه أحمد المكرم وولاها بني الكرم من جشم بن يام ، رهطه من همدان. وصفا الملك فيها لبني الزريع منهم ، وورث دعوة الصليحيين وملكهم ، وقد تقدم خبر ذلك كله. ولما ملك علي بن مهدي لم يظفر بها منهم ، وقنع منهم بالإتاوة ، حتى ملكها من أيديهم شمس الدولة بن أيوب كما تقدم.

عدن أبين : من بنيات المدن وهي إلى جهة الشحر.

الزعازع : بأودية عدن ، وكانت لبني مسعود بن الكرم المقارعين لبني زريع.

الجؤة : اختطها ملوك الزريعيين قرب عدن ، ونزلها بنو أيوب ، ثم انتقلوا إلى تعز.

١٨٣

حصن ذي جبلة : من حصون مخلاف جعفر ، اختطه عبد الله الصليحي ، أخو الداعي سنة ثمان وخمسين وأربع مئة ، وانتقل إليه ابنه المكرم ، من حصن صنعاء وزوجه سيدة بنت أحمد ، المستبدة عليه ، وهي التي أكملت تشييده سنة ثمانين. ومات المكرم ، وقد فوض الأمر في الملك والدعوة إلى سبأ بن أحمد بن المظفر الصليحي (١) ، وكان في معقل أشيح. وكانت تستظهر بقبيلة (٢) جنب ، وكانوا خاملين في الجاهلية. وظهروا بمخلاف جعفر.

ثم وصل من مصر ابن نجيب الدولة داعيا ، ونزل مدينة الجند ، واعتصم بهمدان ، فحاربته السيدة بجنب وخولان ، إلى أن ركب البحر وغرق ، وكان يتولى أمورها المفضل بن أبي البركات ، بعد زوجها المكرم ، واستولى عليها.

التعكر : من مخلاف جعفر ، كان لبني الصليحي ، ثم لسيدة (٣) من بعدهم ، ثم طلبه منها المفضل بن أبي البركات. فسلمته إليه ، وأقام به إلى أن سار إلى زبيد ، وحاصر فيها بني نجاح. وطالت غيبته ، فثار بالتعكر جماعة من الفقهاء ، وقتلوا نائبه وبايعوا لإبراهيم بن زيدان (٤) ، وهو عم عمارة الشاعر. واستظهروا بخولان ، فرجع المفضل وحاصرهم ، كما مر ذكر ذلك من قبل.

حصن خدد : كان لعبد الله بن يعلى الصليحي ، وهو من مخلاف جعفر ، وكان المفضل قد أدخل من خولان في حصون المخلاف عددا كثيرا من بني بحر ، وبني منبه ورزاح وشعب. فلما مات المفضل ملكت خولان حصن التعكر ، وبقي ذو جبلة لمنصور بن المفضل ، في كفالة سيدة كما

__________________

(١) سبق أن بينا هذا.

(٢) في الأصل : قبيل.

(٣) ويجب أن نفهم أن الملكة السيدة الحرة كانت من الصليحيين.

(٤) في الأصل : ابن زياد.

١٨٤

مر ، ووثب مسلم بن الزر من خولان ، وملكه من يد عبد الله بن يعلى الصليحي ، ولحق عبد الله بحصن مصدود ، ورشحته سيدة لمكان المفضل ، واستخلصه وأخويه عمران وسليمان. ومات مسلم ، فملك ولده سليمان حصن خدد ، مع سيدة مكان أخيه مسلم ، وزوجته بنت القائد فتح عاملها على التعكر. فغدر بفتح وملك التعكر من يده. واستطالت أيدي خولان على الرعايا ، واستظهرت سيدة عليهم (١) بجنب. وكان عمران وسليمان ناصحين في خدمتها ، وهما اللذان أخرجا الداعي ابن نجيب الدولة من مدينة الجند ، ومن اليمن بأمرها.

حصن مصدود : من حصون مخلاف جعفر وهي خمسة : ذو جبلة والتعكر وحصن خدد (٢). ولما غلبت خولان على حصن خدد من يد عبد الله بن يعلى الصليحي ، ولحق بحصن مصدود ، كما ذكرناه ، ثم غلبوه على حصن مصدود واستولى عليه منهم ، زكريا بن شكير البحري.

وكان بنو الكرندي من حمير ، ملوكا قبل بني الصليحي باليمن ، وانتزع بنو الصليحي ملكهم. وكان لهم مخلاف جعفر بحصونه ، ومخلاف المعافر ومخلاف الجند [وحصن (٣)]. سمدان ، ثم استقرت للمنصور بن المفضل بن أبي البركات ، وباعها لبني (٤) الزريع كما مر.

صنعاء : قاعدة التبابعة قبل الإسلام ، وأول مدينة اختطت باليمن ، وبنتها فيما يقال عاد ، وكانت تسمى أوال ، من الأولية [١١٥] بلغتهم. وقصر غمدان قريب منها ـ أحد البيوت السبعة ـ بناه الضحاك باسم الزهرة. وحجت إليه الأمم ، وهدمه عثمان. وصنعاء أشهر حواضر اليمن ، وهي فيما يقال معتدلة. وكان فيها أول المئة الرابعة ، بنو يعفر من التبابعة. ودار

__________________

(١) في الأصل : عليها.

(٢) لم يذكر ابن خلدون سوى ثلاثة حصون.

(٣) لعلها مكررة.

(٤) في الأصل : من.

١٨٥

ملكهم كحلان ولم يكن لها نباهة في الملك ، إلى أن سكنها بنو الصليحي ، وغلب عليها الزيدية ، ثم السليمانيون من بعد بني الصليحي.

قلعة كحلان : ومن أعمال صنعاء قلعة كحلان لبني يعفر من التبابعة (١) ، بناها قرب صنعاء إبراهيم (٢). وكانت له صعدة وصنعاء ونجران وغيرها من جبال اليمن. وحاربهم بنو الرسي أئمة الزيدية ، إلى أن ملكوا صعدة ونجران ، واعتصم بنو يعفر بقلعة كحلان. وقال البيهقي : شيد قلعة كحلان أسعد بن يعفر ، وحاربهم بنو الرسي وبنو زياد أيام أبي الجيش.

حصن السمدان : من أعمال صنعاء ، كانت فيه خزائن بني الكرندي الحميريين ، إلى أن ملكه الصليحي ، ورد عليهم المكرم بعض حصونهم ، إلى أن انقرض أمرهم على يد ابن مهدي. وكان لهم مخلاف جعفر ، الذي منه مدينة ذي جبلة ، ومعقل التعكر ، وهو مخلاف الجند ، ومخلاف معافر. ومقر ملكهم السمدان ، وهو أحصن من الدملوة.

قلعة منهاب : من قلاع صنعاء بالجبال ، ملكها بنو زريع ، واستبد بها منهم المفضل بن علي بن راضي بن الداعي محمد بن سبأ بن زريع ، نعته صاحب الخريدة [١١٦] بالسلطان وقال : كانت له قلعة منهاب ، وكان حيا سنة ست وثمانين وخمس مئة ، وصارت بعده لأخيه الأعز (٣) بن علي.

جبل المذيخرة : وهو بقرب صنعاء ، وقد اختط جعفر مولى ابن زياد سلطان اليمن مخلاف جعفر فنسب إليه.

عدن لاعة : بجانب المذيخرة. أول موضع ظهرت فيه دعوة الشيعة باليمن. ومنها علي (٤) بن الفضل الداعي ، ووصل إليها أبو عبد الله الشيعي

__________________

(١) انظر الحاشية رقم ٨ (كاي) ؛ انظر التعليق على الحاشية ١١٥ (كاي).

(٢) هو إبراهيم بن محمد بن جعفر.

(٣) في الأصل : الأغر ؛ راجع التعليق على الحاشية ١١٦ (كاي).

(٤) في الأصل : محمد.

١٨٦

صاحب الدعوة بالمغرب ، وفيها قرأ علي بن محمد الصليحي صبيا. وهي دار دعوة اليمن. وكان علي (١) بن الفضل داعيا على عهد أبي الجيش بن زياد ، وأسعد بن يعفر.

بيحان : ذكرها عمارة في المخاليف الجبلية ، وملكها نشوان بن سعيد القحطاني.

تعز : من أجل معاقل الجبال المطلة على تهامة ، ما زال حصنا للملوك ، وهي اليوم كرسي لبني رسول ، ومعدود في الأمصار. وكان به من ملوك اليمن منصور بن المفضل بن أبي البركات. من أقارب الصليحيين. وأبوه صاحب معقل أشيح. واستولى على حصون بني البركات ، وبني المظفر ، وورثه عنه ابنه منصور ، ثم باعها حصنا حصنا إلى (٢) الداعي ابن المظفر ، والداعي الزريعي ، إلى أن بقي بيده حصن تعز ، فأخذه منه ابن مهدي.

معقل أشيح : من أعظم حصون الجبال ، وفيه خزائن بني المظفر ، وكان للداعي المنصور أبي حمير سبأ بن أحمد بن المظفر من الصليحيين ، صارت له بعهد المكرم ابن عمه ، صاحب ذي جبلة ، وقلده المستنصر الدعوة ، وتوفي سنة إحدى وتسعين (٣) وأربع مئة. وغلب ابنه علي على معاقل الملك بأشيح (٤). وأعيى المفضل أمره إلى أن تحيل عليه وقتله بالسم. وصارت حصون بني المظفر لبني أبي البركات ، ثم مات المفضل وخلفه (٥) ابنه منصور. واستقل بملك أبيه بعد حين. وباع جميع الحصون ، فباع ذا جبلة منه (٦) الداعي الزريعي صاحب عدن بمئة ألف دينار ، وحصن

__________________

(١) في الأصل : محمد.

(٢) في الأصل : من.

(٣) في الأصل : ست وثمانين.

(٤) في الأصل : بأشح.

(٥) في الأصل : وخلف.

(٦) في الأصل : من.

١٨٧

صبر بعد أن كان حلف بالطلاق على [ألا](١) يبيعه. فطلق زوجته الحرة ، وتزوجها الزريعي ، وطال عمره. ملك ابن عشرين ، وبقي في الملك ثمانين (٢) ، وأخذ منه معقل تعز علي بن مهدي.

صعدة : مملكتها تلي مملكة صنعاء ، وهي في شرقيها. وفي هذه المملكة ثلاثة قواعد : صعدة ، وجبل قطابة ، وحصن ثلا ، وحصون أخرى. وتعرف كلها ببني الرسي ، وقد تقدم ذكر خبره.

وأما حصن ثلا : فمنه كان ظهور الموطىء ، الذي أعاد إمامة الزيدية لبني الرسي ، بعد أن استولى عليها بنو سليمان. فآووا إلى جبل قطابة ثم بايعوا الأحمد الموطىء سنة خمس وأربعين وست مئة. وكان فقيها عابدا ، وحاصره نور الدين بن رسول في هذا الحصن سنة ثم جمر (٣) عليه عكسرا للحصار. ثم مات ابن رسول سنة ثمان وأربعين ، وشغل ابنه المظفر بحصار حصن الدملوة. فتمكن الموطىء ، وملك حصون اليمن وزحف إلى صعدة ، وبايعه السليمانيون ، وإمامهم أحمد المتوكل ، كما مر في أخبار بني الرسي.

وأما قطابة : فهو جبل شاهق شرقي صعدة ، وفيه حصن وقرى ، وانضوى إليه بنو الهادي عند ما غلبهم بنو سليمان على صعدة إلى أن كان ما ذكرنا (٤).

حراز ومسار : أما حراز فهو إقليم في بلاد همدان ، وحراز بطن من بطونهم كان منهم الصليحي [١١٨]. وحصن مسار هو الذي ظهر فيه الصليحي ، وهو من إقليم حراز. قال البيهقي : بلادهم غربية (٥) بجبال اليمن

__________________

(١) زيادة لاستقامة المعنى.

(٢) ثلاثين (كاي).

(٣) أي جمع.

(٤) راجع التعليق على حاشية ١١٧ (كاي).

(٥) في الأصل : شرقية ومنها (كاي) ؛ وراجع التعليق على الحاشية ١١٨.

١٨٨

وتفرقوا في الإسلام. ولم تبق لهم قبيلة وبرية إلا في اليمن ، وهم (١) أعظم قبائله. وبهم قام الموطىء ، وملكوا جملة من حصون الجبال ، ولهم بها إقليم بكيل ، وإقليم حاشد ، وهما ابنا جشم بن خيوان بن نوف بن همدان. قال ابن حزم (٢) : ومن بكيل وحاشد افترقت قبائل همدان انتهى. ومن همدان بنو الزريع ، أصحاب السلطان والدعوة في عدن والجوة ، ومنهم بنو يام قبيلة الصليحي. وبنو همدان شيعة (٣) ، وهم الآن نهاية في التشيع ببلادهم ، وأكثرهم زيدية.

بلاد خولان : قال البيهقي : هي شرقية ، من بلاد اليمن ، ومتصلة ببلاد همدان ، وهي حصون الجبال ، ومخلاف جعفر. دخلوا إليها في الدولة الصليحية. وتغلب بنو الزر منهم على حصن خدد والتعكر وغيرهما ، وهم أعظم قبائل اليمن مع همدان ، ولهم بطون كثيرة ، وافترقوا على بلاد الإسلام ، ولم يبق منهم وبرية إلا باليمن.

مخلاف بني أصبح : هو بوادي سحول. وذي (٤) أصبح ، الذي ينسب إليه قد تقدم ذكره في أنساب حمير من التبابعة والأقيال.

ومخلاف يحصب مجاور له ، وهو أخو أصبح.

مخلاف بني وائل : مدينة هذا المخلاف شاطح ، وصاحبها أسعد بن وائل. وبنو وائل بطن من ذي الكلاع ، من سبأ ، تغلبوا على هذه البلاد عند مهلك الحسين (٥) بن سلامة عامل الجبال لبني نجاح.

__________________

(١) في الأصل : هو.

(٢) النسابة المتوفى سنة ٤٥٦ (كاي). وعده (كاي) من النسابة للكتابة في الأنساب ولكنه ألف في الفقه والأصول والكلام والأدب ، وكان من أكبر فقهاء قرطبة ، وانتحل مذهب الظاهرية ، وقد رد على الفرق في كتابه الضخم المفضل في الملل والأهواء والنحل.

(٣) في الأصل : سيعة.

(٤) في الأصل : وذو.

(٥) في الأصل : الحسن.

١٨٩

مخلاف يربوع : من الجبال ، تغلب عليه بنو عبد الواحد بعد موت الحسين (١) بن سلامة. وكان أهل الأطراف قد استبدوا على الثغور فقاتلهم الحسين (٢) بن سلامة ، حتى عادوا إلى الطاعة ، واختط مدينة الكدراء على مخلاف سهام ، ومدينة المعفر على وادي ذوال ، ومات سنة ثنتين وأربع مئة.

بلاد كندة : وهي من جبال اليمن مما يلي حضرموت وأبحر والرمل ، وكان لهم بها ملوك ، وقاعدتهم دمون ، ذكره امرؤ القيس في شعره.

بلاد مذحج : توالي جهات الجند من الجبال وينزلها من مذحج عنس وزبيد ومراد. ومن عنس بإفريقية فرقة وترية من ظواعن أهلها. ومن زبيد بالحجاز بنو حرب ـ بين مكة والمدينة أو بنو زبيد الذين (٣) بالشام والجزيرة فهم من طيء وليسوا من هؤلاء.

بلاد بني نهد : في أجوان السروات وتبالة. والسروات بين تهامة والجبال ، ونجد من اليمن والحجاز ، كسراة الفرس. وبنو نهد من قضاعة ، سكنوا اليمن جوار خثعم ، وهم كالوحوش ، والعامة تسميهم السرو. وأكثرهم أخلاط من بجيلة وخثعم ، ومن بلادهم تبالة ، يسكنها (٤) قوم عنز بن وائل ، ولهم بها صولة ، وهي التي وليها الحجاج ، واستحقرها فتركها.

البلاد المضافة إلى اليمن

أولها اليمامة : قال البيهقي : هو بلد منقطع بعمله ، والتحقيق أنه من

__________________

(١) في الأصل : الحسن.

(٢) في الأصل : الحسن.

(٣) في الأصل : الذي.

(٤) في الأصل : يسكتهم.

١٩٠

الحجاز ، كما هي نجران من اليمن ، وكذا قال ابن حوقل ، وهي دونها في المملكة (١). وأرضها تسمى العروض ، لاعتراضها بين الجبال والبحرين ، ففي شرقها البحرين ، وغربها أطراف اليمن والحجاز ، وجنوبها نجران ، وشمالها نجد من الحجاز. وفي طولها عشرون مرحلة ، وهي على أربعة أيام من مكة ، وقاعدتها حجر بالفتح.

وبلد اليمامة كان مقر الملوك قبل بني حنيفة ثم اتخذ بنو حنيفة حجرا ـ وبينهما يوم وليلة ـ وبظواهرها أحياء من بني يربوع من تميم ، وأحياء من بني عجل. قال البكري : واسمها جو ، وسميت باسم زرقاء اليمامة. سماها بذلك تبع الآخر. وهي في الإقليم الثاني مع مكة وبعدها عن خط الاستواء واحد ، ومن منازلها : توضح وقرقرا (٢). وقال الطبري : إن رمل عالج بين اليمامة والشحر ، وهي من أرض وبار.

وكانت اليمامة والطائف لبني هزان بن يعفر بن السكسك : وغلبهم عليها طسم وجديس. ثم غلب بنو هزان آخرا ، وملكوا اليمامة. وطسم وجديس في تبعهم ، وكان آخر ملوك بني هزان : قرط بن جعفر فمات ، وغلبتهم طسم على الملك. وكان منهم عمليق وأخباره معروفة. ثم غلبت جديس (٣).

ومنهم اليمامة التي سميت مدينة جو بها. وأخبارها معروفة ، ثم استولى على اليمامة بعد طسم وجديس بنو حنيفة. وكان منهم هوذن بن علي (٤) ملك اليمامة وتتوج. ويقال : إنما كانت خرزات تنظم ولم يتوج أحد من بني معد قط. ثم كان ثمامة بن أثال (٥) ملك اليمامة على عهد النبوة. وأسر وأسلم وثبت عند الردة ، وكان منهم مسيلمة ، وأخباره معروفة. قال

__________________

(١) ابن حوقل ـ طبعة دي خوي ـ ص ١٨ ؛ والإصطخري ص ١٢ ، ١٤ (كاي).

(٢) صفة : ١٦٤ (كاي).

(٣) راجع التعليق على الحاشية ١١٩ (كاي).

(٤) في الأصل : هودة بن علي.

(٥) في الأصل : تمامة بن أتال.

١٩١

ابن سعيد : وسألت عرب البحرين وبعض مذحج عن اليمامة اليوم ، فقالوا : لعرب من قيس عيلان ، وليس لبني حنيفة بها ذكر [١١٩].

بلاد حضرموت : قال ابن حوقل : هي في شرقي عدن بقرب البحر ، مدينتها صغيرة ، ولها أعمال عريضة ، وبينها وبين عدن وعمان من الجهة الأخرى رمال كثيرة تعرف بالأحقاف. وكانت موطن لعاد وبها قبر هود عليه السلام. وفي وسطها جبال شبام ، وهي في الإقليم الأول. ولبعدها عن خط الاستواء ثنتا عشر درجة. وهي معدودة من اليمن. بلد نخل وشجر ومزارع ، وأكثر أهلها يحكمون بأحكام علي وفاطمة ، ويبغضون عليا للتحكيم (١).

وأكبر مدينة بها الآن قلعة شبام. فيها خيل الملك ، وكانت لعاد مع الشحر وعمان. ثم غلبهم عليها بنو يعرب بن قحطان. ويقال : إن الذي دل عاد على جزيرة العرب هو رقيم بن أرم (٢). كان سبق إليها مع بني هود فرجع إلى عاد ودلهم عليها. وعلى دخولها بالجوار. فلما دخلوا غلبوا على من فيها ، ثم غلبهم بني يعفر بن قحطان [١٢٠] بعد ذلك. وولي على البلاد ، فكانت ولاية ابنه حضرموت (٣) على هذه البلاد. وبه سميت الشحر ، من ممالك جزيرة العرب. مثل الحجاز واليمن. وهو منفصل عن حضرموت وعمان. والذي يسمى الشحر قصبته. ولا زرع فيه ولا نخيل ، إنما أموالهم الإبل والمعز ، ومعاشهم من اللحوم والألبان ومن السمك الصغار ، ويعلفونها للدواب ، وتسمى هذه البلاد أيضا بلاد مهرة ، وبها الإبل المهرية. وقد يضاف الشحر إلى عمان ، وهو ملاصق لحضرموت ، وقيل هو ساحلها.

وفي هذه البلاد يوجد اللبان ، وفي ساحله العنبر الشحري ، وهو متصل

__________________

(١) في الأصل : للتحكم.

(٢) ابن حوقل ـ طبعة دي خوي : ٣٢ ، والأصطخري : ٢٥ (كاي).

(٣) انظر التعليق على الحاشية : ١٢٠.

١٩٢

في جهة الشرق ، ومن غربيها بساحل البحر الهندي الذي عليه عدن ، وفي شرقيها ببلاد عمان ، وفي جنوبها بحر الهند مستطيلة عليه. وشمالها حضرموت كأنها ساحل لها ، ويكونان معا لملك واحد. وهي في الإقليم الأول ، وأشد حرا من حضرموت.

وكانت في القديم لعاد ، وسكنها بعدهم مهرة من حضرموت ، أو من قضاعة ، وهم كالوحوش في تلك الرمال ، ودينهم الخارجية ، على رأي الإباضية (١) منهم.

وأول من نزل الشحر من القحطانيين مالك بن حمير ، خرج على أخيه وائل ، وهو ملك بقصر غمدان ، فحاربه طويلا ، ومات مالك ، فولى بعده ابنه قضاعة بن مالك. فلم يزل السكسك بن وائل يحاربه إلى أن قهره. واقتصر قضاعة على بلاد مهرة ، وملك بعده ابنه الحاف ، ثم مالك بن الحاف ، وانتقل إلى عمان ، وبها كان سلطانه. قال البيهقي : وملك مهرة بن حيدان بن الحاف بلاد قضاعة ، وحاربه عمه مالك بن الحاف ، صاحب عمان ، حتى غلبهم عليها ، وليس لهم اليوم في غير بلادهم ذكر.

وببلاد الشحر مدينة مرباط وظفار (٢) على وزن نزال ، وظفار دار ملك التبابعة ، ومرباط بساحل الشحر ، وقد خربت هاتان المدينتان. وكان أحمد بن محمد بن محمود الحميري ، ولقبه الباخودة. وكان تاجرا كثير المال ، تقرب إلى صاحب مرباط بالتجارة حتى استوزره ، ثم هلك ، فملك أحمد الباخودة. ثم خربها وخرب ظفار سنة تسع عشرة وست مئة. وبنى على ساحل مدينة ظفار بضم الظاء المعجمة ، وسماها الأحمدية باسمه ، وخرب القديمة لأنها لم يكن لها مرمى [١٢١].

نجران : قال صاحب الكمائم : هي صقع منفرد عن اليمن (٣) وقال

__________________

(١) انظر مروج الذهب : ٦ / ٦٧ (كاي).

(٢) انظر حاشية : ٧ (كاي) والاصطخري : ٢٤ ؛ ابن حوقل : ٣١ (كاي) ؛ والتعليق على الحاشية : ١٢١ (كاي).

(٣) راجع التعليق على الحاشية : ١٢٢ (كاي).

١٩٣

غيره : هي من اليمن : قال البيهقي : مسافتها عشرون مرحلة ، وهي شرقي صنعاء وشماليها ، وتوالي الحجاز. وفيها مدينتان : نجران وجرش : بنيت على هيئة غمدان قاعدة اليمن ، وكانت طائفة من العرب تحج إليها ، وتنحر عندها. وتسمى الدير ، وبها كان قيس بن ساعدة يتعبد [١٢٢].

ونزلها القحطانية ، طائفة من جرهم. ثم غلبهم عليها بنو حمير ، وصاروا ولاة للتبابعة ، وكان كل من ملك منهم يلقب «الأفعى». وكان منهم أفعى نجران واسمه القلمس (١) بن عمرو بن همدان بن مالك بن منتاب بن زيد بن وائل بن حمير ـ كان كاهنا ـ وهو الذي حكم بين أولاد نزار ، لما أتوه حسبما هو مذكور. وكان واليا على نجران لبلقيس ، فبعثته إلى سليمان عليه السلام. وآمن وبث دين اليهودية في قومه ، وطال عمره. ويقال : إن البحرين والمشلل (٢) كانتا له [١٢٣].

قال البيهقي : ثم نزل نجران بنو مذحج واستولوا عليها. ومنهم بنو الحرث بن كعب. وقال غيره : لما خرجت اليمانية في سيل العرم ، مروا بنجران فحاربتهم مذحج ، ومنها افترقوا. قال ابن حزم : ونزلوا جوار مذحج بالصلح ، الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نضر بن الأزد ، ثم غلبوا عليها مذحجا ، وصارت لهم رياستها.

ودخلت النصرانية نجران من فيمون (٣) ، وخبر معروف في كتب السير [١٢٤] وانتهت رياسة بني الحارث فيها إلى الديان ، ثم صارت إلى بني عبد المدان. ثم كان يزيد منهم ، على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلّم ، وأسلم على يد خالد بن الوليد ، وفد مع قومه. ولم يذكره ابن عبد البر (٤) ، وهو مستدرك عليه [١٢٥]. وابن أخيه زياد بن عبد الملك بن عبد المدان ـ خال السفاح ـ ولاه نجران واليمامة ، وخلفه (٥) ابنيه محمدا ويحيى.

__________________

(١) في الأصل : بالياء.

(٢) راجع التعليق على الحاشية : ١٢٣ (كاي).

(٣) في الأصل : ميمون. وراجع التعليق على الحاشية : ١٢٤ (كاي).

(٤) راجع ترجمته في التعليق على الحاشية : ١٢٥ (كاي).

(٥) في الأصل : خلف.

١٩٤

ودخلت المئة الرابعة ، والملك بها لبني أبي الجود بن عبد المدان ، واتصل فيهم ، وكان بينهم وبين الفاطميين حروب ، وربما يغلبونهم بعض الأحيان على نجران. وكان آخرهم عبد القيس ، الذي أخذ علي بن مهدي الملك من يده. ذكره عمارة [١٢٦] وأثنى عليه. والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب (١).

الخبر عن دولة بني الرسي أئمة الزيدية بصعدة

وذكر أوليتهم ومصائر أحوالهم

قد ذكرنا فيما تقدم خبر محمد بن إبراهيم ، الملقب أبوه طباطبا بن إسماعيل بن إبراهيم بن حسن المثنى (٢) ، وظهوره أيام المأمون ، وقيام أبي السّرايا ببيعته ، وشأنه كله. ولما هلك ، وهلك أبو السرايا وانقرض أمرهم ، طلب المأمون ، أخاه القاسم الرسي بن إبراهيم طباطبا ففر إلى السند. ولم يزل به إلى أن هلك سنة خمس وأربعين ومئتين ، ورجع ابنه الحسن إلى اليمن ، وكان من عقبه الأئمة بصعدة من بلاد اليمن ، أقاموا للزيدية بها دولة ، اتصلت آخر (٣) الأيام [١٢٧].

وصعدة جبل في الشرق من صنعاء ، وفيه حصون كثيرة أشهرها صعدة ، وحصن ثلا ، وجبل قطابة. وتعرف كلها بني الرسي. وأول من خرج بها منهم : يحيى بن الحسين القاسم الرسي ، دعا إلى نفسه بصعدة وتسمى بالهادي ، وبويع بها سنة ثمان وثمانين (٤) (ومئتين) (٥) في حياة أبيه

__________________

(١) راجع حاشية ١٢٦ والتعليق عليها.

(٢) أي ابن حسن بن علي بن أبي طالب (كاي).

(٣) ولا يزال الزيدية يحكمون اليمن إلى اليوم. (في الخمسينات من القرن الماضي).

(٤) انظر : الإمام الهادي يحيى بن الحسين : لمحمد عبد الله ماضي.

(٥) زيادة اقتضاها السياق.

١٩٥

الحسين. وجمع الجموع من شيعتهم وغيرها ، حارب إبراهيم بن يعفر ، ويقال أسعد بن يعفر ، الثائر من أعقاب التبابعة بصنعاء وثلا (١) ، فغلبه على صنعاء ونجران ، وملكها وضرب السكة. ثم انتزعها بنو يعفر منه ، ورجع إلى صعدة. وتوفي سنة ثمان وتسعين (ومئتين) (٢) لعشر سنين من ولايته ، هكذا قال ابن المجاور. قال : وله مصنفات في الحلال والحرام. وقال غيره. وكان مجتهدا في الأحكام الشرعية ، وله في الفقه آراء غريبة ، وتآليف (٣) بين الشيعة معروفة.

قال الصولي [١٢٨] : وولي بعده ابنه المرتضى ، واضطرب الناس عليه وهلك سنة عشرين وثلاث مئة لثنتين وعشرين من ولايته. وولي بعده أخوه الناصر أحمد ، واستقام ملكه ، واضطرد في بنيه بعده. فولى بعده حسين المنتخب ومات سنة أربع وعشرين. وولي بعده أخوه القاسم المختار ، إلى أن قتله أبو القاسم الضحاك الهمداني سنة أربع وأربعين. وقال الصولي : ولي من بني الناصر : الرشيد والمنتخب والمختار والمهدي (٤). وقال ابن حزم : لما ذكر ولد أبي القاسم الرسي فقال : ومنهم القائمون بصعدة من أرض اليمن. ومنهم يحيى الهادى ، له رأي في الفقه ، وقد رأيته ، ولم يبعد فيه عن الجماعة كل البعد. كان لابنه (٥) أحمد الناصر ، بنون ولي منهم صعدة بعده ، جعفر الرشيد ، وبعده أخوه القاسم المختار ، ثم الحسن المنتخب ومحمد المهدي (٦). قال : وكان اليماني القائم بماردة سنة ثلاث

__________________

(١) في الأصل : كملا. وجعلها (كاي) في الترجمة : كحلان.

(٢) زيادة لاستقامة المعنى.

(٣) في الأصل : تواليف.

(٤) انظر حاشية رقم ٨ (كاي).

(٥) في الأصل : لأبيه.

(٦) أسماء أبناء المنصور كما ذكرها صاحب الحدائق هي : القاسم أبو محمد المختار. وإسماعيل والحسن وجعفر ويحيى وعلي. أما محمد المهدي الذي جاء في رواية ابن خلدون فقد يشير إلى الإمام الفارسي الذي توفي في طبرستان سنة ٣٦٠ ه‍. ولكنه كان سليل القاسم ابن الحسن ، وليس من أسرة الرسيين (انظر حاشية رقم ٧ (كاي).

١٩٦

وأربعين وثلاث مئة يذكر عبد الله بن أحمد الناصر ، أخو الرشيد والمختار والمنتخب والمهدي.

وقال ابن المجاور : ولم تزل إمامتهم بصعدة مطردة ، إلى أن وقع الخلاف بينهم. وجاء السليمانيون من مكة ، عند ما أخرجهم الهواشم ، فغلبوا عليهم بصعدة ، وانقرضت دولتهم بها في المئة السادسة (١). قال ابن سعيد : وكان من بني سليمان حين خرجوا من مكة إلى اليمن أحمد بن حمزة بن سليمان (٢) ، فاستدعاه أهل زبيد لينصرهم على علي بن مهدي الخارجي ، حين حاصرهم ، وبها فاتك بن محمد ، من بني نجاح. فأجابهم على أن يقتلوا فاتكا. فقتلوه سنة ثلاث وخمسين وخمس مئة ، وملكوا عليهم أحمد بن حمزة. فلم يطق مقاومة علي بن مهدي ، ففر عن زبيد ، وملكها ابن مهدي. قال : وكان عيسى بن حمزة أخو أحمد في عثر من حصون اليمن (٣) ، ومنهم غانم بن يحيى.

ثم ذهب ملك بني سليمان من جميع التهائم والجبال واليمن على يد بني مهدي ، ثم ملكهم بنو أيوب وقهروهم. واستقر ملكهم أخيرا في المنصور بن أحمد (٤) بن حمزة. قال ابن النديم [١٢٩] : ورث الملك بصعدة عن أبيه ، وامتدت يده مع الناصر (٥) العباسي ، وكان يناظره ، ويبعث دعاته إلى الديلم وجيلان ، حتى خطب له هنالك ، وصار له فيها ولاة ، وأنفق الناصر عليه أموالا في العرب باليمن ، ولم يظفر به.

قال ابن الأثير : جمع المنصور عبد الله بن أحمد بن حمزة إمام الزيدية بصعدة سنة ثنتين وتسعين وخمس مئة ، وزحف إلى اليمن فخاف منه

__________________

(١) انظر حاشية رقم ١٣٠ (كاي).

(٢) صحتها أحمد بن حمزة بن أحمد بن سليمان (حاشية رقم ٨٨ ، ١٣٠ (كاي).

(٣) ربما كان الصواب في رواية ابن سعيد : أن عيسى بن حمزة والد غانم بدلا من أخي أحمد (حاشية رقم ٨٨) (كاي).

(٤) صحتها عبد الله بن حمزة (كاي).

(٥) تولى الخلافة سنة ٥٧٥ ه‍. (كاي).

١٩٧

المعز بن سيف الإسلام طغتكين بن أيوب ، ثم زحف إليه المعز فهزمه ، ثم جمع ثانية سنة ثنتي عشرة وست مئة جموعا من همدان وخولان ، وارتجت له اليمن ، وخاف المسعود بن الكامل (١) ، وهو يومئذ صاحب اليمن ومعه الكرد والترك. وأشار أمير الجيوش عمر بن رسول بمعاجلته قبل أن يملك الحصون. ثم اختلف أصحاب المنصور ، ولقيه المسعود فهزمه. وتوفي المنصور سنة ثلاثين وست مئة عن عمر (٢) مديد وترك ابنا اسمه أحمد ، ولاه الزيدية ، ولم يخطبوا له بالإمامة ، ينتظرن علو سنه ، واستكمال شروطه. ولما كانت سنة خمس وأربعين بايع قوم من الزيدية بحصن ثلا للموطىء من بني الرسي ، وهو أحمد بن الحسين (٣) من بني الهادي. لأنهم لما أخرجهم بنو سليمان من كرسي إمامتهم بصعدة ، آووا إلى جبال قطابة بشرقي صعدة ، فلم يزالوا هنالك. وفي كل عصر منهم إمام شائع بأن الأمر إليهم ، إلى أن بايع الزيدية أحمد الموطىء ، وكان فقيها أديبا عالما بمذهبهم ، قواما صواما ، بويع سنة خمس وأربعين وست مئة.

وأهم نور الدين عمر بن رسول شأنه ، فحاصره بحصن ثلا سنة ، وامتنع عليه فأفرج عنه. وعمل العساكر من الحصون المجاورة لحصاره ، ثم قتل عمر بن رسول (٤) وشغل ابنه المظفر بحصن الدملوة ، فتمكن الموطىء وملك عشرين حصنا ، وزحف إلى صعدة ، فغلب السليمانيين عليها ، وقد كانوا بايعوا لأحمد ابن إمامهم عبد الله المنصور ، ولقبوه المتوكل ، عند ما بويع للموطىء بالإمامة في ثلا ، لأنهم كانوا ينتظرون استكمال سنه.

فلما بويع الموطىء بايعوه. ولما غلبهم على صعدة ، نزل أحمد المتوكل إمامهم. وبايع لهم وأمنه. وذلك سنة تسع وأربعين ، ثم حج سنة خمسين. وبقي أمر الزيدية في صعدة في عقب الموطىء [١٣٠] هذا.

__________________

(١) السلطان الكامل الأيوبي (كاي).

(٢) صحتها أربع عشرة وست مئة ، عن ثلاث وخمسين سنة (كاي).

(٣) في الأصل : بن.

(٤) كان قتل عمر بن رسول سنة ٦٤٧ ه‍. وخلفه ابنه المظفر (كاي).

١٩٨

وسمعت بمصر أن الإمام بصعدة كان قبل الثمانين والسبع مئة ـ علي بن محمد ـ من أعقابهم. وتوفي قبل الثمانين ، وولي ابنه صلاح ، وبايعه الزيدية. وكان بعضهم يقول : ليس هو إمام لعدم [توفر](١) شروط الإمامة [فيه](٢). فيقول هو : أنا لكم ما شئتم ، إمام أو سلطان. ثم مات صلاح آخر سنة ثلاث وتسعين ، وقام بعده ابنه نجاح ، وامتنع الزيدية من بيعته. فقال : أنا محتسب لله ، هذا ما بلغنا عنهم بمصر ، أيام المقام فيها ، والله وارث الأرض وما عليها.

__________________

(١) زيادة لتوضيح المعنى.

(١) زيادة لتوضيح المعنى.

١٩٩
٢٠٠