تاريخ اليمن

نجم الدين عمارة بن أبي الحسن علي الحكمي اليمني

تاريخ اليمن

المؤلف:

نجم الدين عمارة بن أبي الحسن علي الحكمي اليمني


المحقق: الدكتور حسن سليمان محمود
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الإرشاد
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٨

١

٢

٣
٤

مقدمة الناشر

بسم الله الرحمن الرّحيم

وبه نستعين ، وله الحمد والشكر ، والصلاة والسلام على سيد المرسلين ، وبعد ففي التاريخ عبرة لمن اعتبر ، وفكرة لمن افتكر ، ولقد صدق الشاعر في قوله :

ليس بإنسان ولا عاقل

من لا يعي التاريخ في صدره

ومن درى أخبار من قبله

أضاف أعمارا إلى عمره

ونظرا لأن تاريخ اليمن بصفة عامة يكنفه الغموض في كثير من موضوعاته ، بل وفي كثير من عصوره التاريخية ، ونظرا لأن كتاب «تاريخ اليمن» لنجم الدين عمارة الحكمي اليمني يعتبر الأساس لكثير من المعلومات التاريخية التي وردت في كتب المؤرخين ، والكتاب الذين كتبوا بعده عن تاريخ اليمن ، ونظرا لندرة هذا الكتاب في العصر الحاضر ، وندرة المؤلفات المتداولة الخاصة باليمن المخطوط منها والمطبوع ، ونظرا لدراساتي الطويلة في تاريخ اليمن وبخاصة في العصور الوسطى ، واطلاعي على كثير من المخطوطات اليمنية التي لم تر النور بعد ، والتي استعنت بها عند تحضيري لنيل درجة الدكتوراة (١) ، وعند نشري لكتاب «الصليحيون والحركة الفاطمية

__________________

(١) وكان عنوان البحث : «الصليحيون في اليمن وعلاقاتهم بالفاطميين في مصر».

٥

في اليمن» (١). نظرا لذلك كله قررت أن أعيد نشر كتاب عمارة هذا ، الذي كان قد قام بنشره المستشرق (كاي H.C.Kay) سنة ١٨٩٢ ، وحرصت على أن أنتفع بمجهودات المستشرق الفرنسي ديرنبورج والإضافات التي أتى بها لمناسبة اهتمامه بنشر كتاب ، «سيرة عمارة» ، ولم يكتف هذا المستشرق بالكتابة عن سيرة عمارة ، بل أمد الباحثين بكتابين لعمارة وهما : «النكت العصرية» و «الديوان» وذيلهما بالرسائل. كما حرصنا على الانتفاع بمجهودات الباحثين في تاريخ اليمن منذ سنة ١٨٩٢ إلى اليوم.

كذلك رأيت إتماما للفائدة أن أقوم بنشر الجزء المختصر المنقول من كتاب العبر للقاضي عبد الرحمن بن خلدون المغربي. ويليه أخبار القرامطة باليمن المنقول من كتاب السلوك للبهاء الجندي ، تتمة لما احتوته نسخة (كاي).

فقمت بعد ترجمة مبسطة للمؤلف بإعادة تحقيق النص ، بالإضافة إلى تحقيقات (كاي) ، وذلك بالرجوع إلى المصادر المخطوطة والمطبوعة الخاصة بتاريخ اليمن ، والمتصلة بكتابنا هذا ؛ كما قمت بترجمة مقدمة (كاي) ترجمة عربية دقيقة ، ومراجعة ترجمته للأصل على النص العربي. ثم قمت بترجمة حواشي (كاي) التي ذيل بها الكتاب وعلقت عليها بتعليقات وافية مستمدة من المراجع التي لم تتح (لكاي) فرصة الاطلاع عليها ، وعملت لوحات للبيوت والأسرات الحاكمة التي ورد ذكرها في النص ، وحققت الأعلام الجغرافية والقبائل بالرجوع إلى كتب الجغرافيين العرب ، وكتب الرحّالة المحدثين ، ومعجمات اللغة والبلدان والقبائل وغيرها ، ثم أتيت بعد ذلك بعدة حواشي جديدة تتعلق بالمخطوطة ، شرحنا فيها الكثير من الأمور التي أغفلها (كاي). وجئت بثبت مهم عن المصادر التي تعرضنا إليها عند معالجتنا لموضوعات المخطوطة ، وذيلت الكتاب بخريطة جغرافية لليمن صححنا فيها مواضع بعض الأماكن التي وردت في خريطة (كاي).

__________________

(١) نشر بالقاهرة سنة ١٩٥٥.

٦

ولست هنا في صدد إظهار الأهمية القصوى لقيمة هذه المخطوطة ، فقد أفاض في ذلك المستشرق (كاي) في مقدمته (١) ، ولكني قمت بهذا العمل خدمة للعلم ولقراء العربية عامة وللمشتغلين بتاريخ اليمن خاصة. فإذا وجد فيه القراء شيئا من الخير فهذا راجع إلى ما تحت أيدينا من المراجع ، وإن كان فيه شيء من الخطأ فمرجعه إلى قصورنا ، وقلة بضاعتنا وقصر باعنا.

والله ولي التوفيق

دكتور حسن سليمان محمود

القاهرة في ١٧ ذي القعدة سنة ١٣٧٦ / ٢٥ يونية سنة ١٩٥٧.

__________________

(١) وردت ترجمة هذه المقدمة فيما بعد.

٧
٨

ترجمة موجزة لحياة

عمارة اليمني مؤلف الكتاب

هو أبو محمد عمارة بن أبي الحسن علي بن زيدان بن أحمد الحكمي المذحجي اليمني الملقب نجم الدين الشافعي الفرضي. ولد سنة خمس عشرة وخمس مئة في مدينة مرطان من وادي السباع ، وبلغ بها الحلم سنة تسع وعشرين وخمس مئة ، ورحل إلى زبيد سنة إحدى وثلاثين وخمس مئة (١) ، حيث تلقى العلم في مدارسها أربع سنوات على كثير من العلماء وبخاصة ابن الأبار الذي أخذ عنه المذهب الشافعي. واشتغل بعد ذلك بالتجارة. فسافر إلى عدن والتقى فيها بالأديب الفاضل أبو بكر بن محمد العيدي فأكرمه ، وأمره بمدح الداعي محمد بن سبا (٢) ـ وهو إذ ذاك صاحب الدعوة الفاطمية في تلك البلاد ـ فاعتذر بحجة أنه لا يجيد الشعر. فعمل الأديب قصيدة على لسان عمارة هنأ بها الداعي بإعراسه على بنت الشيخ بلال ، وتولى العيدي إلقاءها أمام الداعي ، فنال بذلك جائزة ، وأخرى من بلال ، وأعطاها إلى عمارة وقال له : «إنك قد وسمت عند القوم بسمة شاعر ، فطالع كتب الأدب ولا تجمد على الفقه» فكان ذلك سبب تعلمه له ، واشتغاله بالشعر وصحبة الملوك من ذلك الوقت ؛ ولم يزل مصاحبا لملوك آل زريع خاصة ، حتى ليوشك ألا يشتهر عنه قول الشعر في غيرهم من ملوك اليمن.

__________________

(١) وفيات : ٣ / ١٠٧.

(٢) انظر أخبار آل الزريع في نفس الكتاب.

٩

وكان عمارة يعرف عند أهل بلده بالحدقي ، وعند أهل مصر باليمني ، وعند أهل اليمن وأهل عدن والجبال بالفقيه ، وعند أهل زبيد بالفرضي.

وفي سنة تسع وأربعين وخمس مئة حج عمارة ، فسيره صاحب مكة قاسم بن هاشم بن فليته رسولا إلى الخليفة الفائز (١) الفاطمي في مصر ، فدخلها في شهر ربيع أول سنة خمسين وخمس مئة ، ومدح الخليفة بقصيدة ميمية فوصله ، ومدح ابن رزيك (٢) فأحسن صلته ، وأقام بمصر حتى شوال سنة ٥٥٠ في أرغد عيش وأعز جانب ، وعاد إلى مكة ، ومنها إلى زبيد فبلغها في صفر سنة ٥٥١ ه‍. ثم حج مرة أخرى في هذه السنة ، فأوفده صاحب مكة ثانية إلى مصر ، فبقي بها ولم يفارقها بعد ذلك.

ويقول ابن خلكان عنه (٣) ـ وكان شافعي المذهب ، شديد التعصب للسنة ، أديبا ماهرا مجيدا ، محدثا ممتعا ـ واحتفظ عمارة إلى آخر لحظة من حياته بمذهب أهل السنة ، ولكن لم يحل هذا دون أن تتوطد عرا الصداقة والمودة بينه وبين الحكومة في مصر ، التي كان يدين خلفاؤها ووزراؤها بالمذهب الفاطمي.

وكان الوفاء سجية هذا الشاعر ؛ وذلك لأن الفاطميين قد أسروه بإحسانهم ، فنظم في مدحهم الكثير من الشعر ، فأحسن الملك الصالح (٤) وبنوه وأهله إليه كل الإحسان ، وصحبوه مع اختلاف العقيدة لحسن صحبته. وله في الصالح وولده (٥) مدائح كثيرة.

__________________

(١) هو أبو القاسم عيسى تولى الخلافة في مستهل صفر سنة ٥٤٩ وتوفي في ١٧ رجب سنة ٥٥٥ (وفيات : ١ / ٣٩٥ بولاق ١٢٩٩ ه‍.).

(٢) هو الملك الصالح طلائع بن رزيك ، ولد سنة ٤٩٠ وتوفي في ١٩ رمضان سنة ٥٥٦ وتولى الوزارة من ربيع أول سنة ٥٤٩ إلى رجب سنة ٥٥٥ ه‍.

(٣) وفيات : ٣ / ١٠٩.

(٤) الملك الصالح طلائع بن رزيك (راجع هامش ٢ في نفس الصفحة).

(٥) هو أبو شجاع العادل محيي الدين رزيك بن طلائع ، تولى وزارة الخليفة العاضد الفاطمي في شهر رجب سنة ٥٥٥ إلى ٢٢ من المحرم سنة ٥٥٨ ه‍. حيث تولى بعده أبو شجاع شاور بن مجير بن نزار (زامباور / المترجم : ١ / ١٥٠).

١٠

وكانت بينه وبين الكامل بن شاور صحبة متأكدة قبل وزارة أبيه ، فلما وزر استحال عليه ، فكتب إليه قصيدة منها :

إذا لم يساعدك الزمان فحارب

وباعد إذا لم تنتفع بالأقارب

ولا تحتقر كيد الضعيف فربما

تموت الأفاعي من سموم العقارب

وظل على ولائه للفاطميين حتى بعد زوال دولتهم. فلما ملك السلطان صلاح الدين الأيوبي الديار المصرية (١) ، مدحه عمارة كما مدح جماعة من أهل بيته ، ويتضمن ديوانه جميع هذه القصائد.

وفي أثناء إقامته في مصر ألزمه القاضي الفاضل أبو علي عبد الرحيم بن القاضي الأشرف بهاء الدين أبي المجد علي البيساني (٢) ـ وكان رئيس ديوان الإنشاء في عهد الدولة الفاطمية ـ بتأليف كتاب عن أخبار جزيرة اليمن ، هو المعروف باسم : «مفيد عمارة» ، فبدأ تأليفه سنة ٥٦٣. وهذا الكتاب على صغره يعتبر عند المؤرخين من المراجع الأصلية في أخبار اليمن ، فنقل عنه كبار مؤرخي المسلمين : كابن الأثير (٣) ، وابن خلكان (٤) ، وأبي الفدا (٥) ، وابن الديبع (٦) ، ويحيى بن الحسين (٧) ، وإدريس عماد الدين (٨) ، وغيرهم. هذا الكتاب هو ما نحن بصدد تحقيقه ونشره.

ولعمارة اليمني ديوان شعر مشهور تضمن الكثير من الأشعار في مدح

__________________

(١) وذلك بعد أن خلع الخليفة العاضد آخر خلفاء الفاطميين في ٣ من المحرم سنة ٥٦٧ ه‍. حيث توفي هذا الخليفة في ١٠ منه (دائرة المعارف الإسلامية الطبعة الفرنسين ـ مادة العاضد).

(٢) راجع مقدمة (كاي) المترجمة فيما بعد والتعليق عليها ؛ خطط : / ٣٦٦٢ ـ ٣٦٧.

(٣) تاريخ الكامل.

(٤) وفيات الأعيان.

(٥) المختصر في أخبار البشر.

(٦) بغية المستفيد في أخبار زبيد ، قرة العيون في أخبار اليمن الميمون.

(٧) أنباء الزمن في أخبار اليمن.

(٨) عيون الأخبار ، نزهة الأفكار ، روضة الأخبار.

١١

خلفاء الفاطميين ، وجماعة من خاصة دولتهم : كبني رزيك ، وشاور. كما امتدح آل زريع وجماعة من دولتهم كالعيدي (١) ، وبلال (٢) ، وبعض آل أبي عقامة (٣).

وله كتاب «النكت العصرية في أخبار الديار المصرية» ومن حسن الحظ أن عني المستشرق الفرنسي ديرنبورج بنشر هذا الكتاب في مدينة شالون بفرنسا سنة ١٨٩٧. وله كتاب آخر يسمى «أخبار الشعراء» (٤) ، كذلك له كتاب «نموذج ملوك اليمن» (٥).

ولما كان عمارة متعلقا بحب الفاطميين فظهر من حبه هذا في فلتات لسانه ، وفي نظمه ونثره ما دعا إلى التحرز منه وإبعاده. وإذا كان قد مدح بني أيوب فإنه تكلف ذلك ، وصرح ، وعرض فيه بما في ضميره. وقد قال في كتابه النكت : «ذكر الله أيامهم بحمد لا يكل نشاطه ، ولا يطوى بساطه ، فقد وجدت فقدهم وهنت بعدهم» (٦).

وقد عرض عمارة حياته للخطر بسبب هذا الحب الدافق ، والوفاء التام للفاطميين (٧) ، فأوغر بذلك حفيظة الأيوبيين ، وكان كلما هم صلاح الدين بعقوبته دافع عنه القاضي الفاضل. ولما حانت منيته تجمعت عدة أسباب أدت إلى إدانته ، منها : ما ذكره ابن خلكان (٨) ، من أنه اتفق مع جماعة من كبار أهل مصر عددهم ثمانية على قلب نظام الحكم ، فلما أحس بهم صلاح الدين قبض عليهم في يوم ٢٦ من شعبان سنة ٥٦٩ ، وشنقهم بالقاهرة يوم

__________________

(١) الأديب الفاضل أبو بكر محمد بن العيدي (راجع الصفحة الأولى من هذه الترجمة).

(٢) هو بلال بن جرير المحمدي (راجع أخباره في الأصل والدور الذي لعبه في عهد دولة بني نجاح).

(٣) راجع حاشية ٦٩ (كاي) المترجمة والتعليق عليها ؛ قلادة : ٢ / ٢ ورقة : ٦٣٥.

(٤) راجع حاشية ٦٩ (كاي) المترجمة والتعليق عليها.

(٥) راجع «الصليحيون» ١٩٤ هامش ٤.

(٦) أبو شامة : الروضتين في أخبار الدولتين : ٢٢٢ ـ ٢٢٣.

(٧) النكت العصرية : ٥٤٥.

(٨) وفيات : ٣ / ١١٢.

١٢

السبت ثاني شهر رمضان من نفس السنة. قال صاحب الخريدة (١) : إنه صلب من جملة الجماعة الذين نسب إليهم التدبير عليه (أي على صلاح الدين) ومكاتبة الفرنج ، واستدعائهم لمصر ليجلسوا ولد العاضد ، ولم ينكر المتآمرون المؤامرة. هذا فضلا عن اتهامه بأنه هو الذي قال :

قد كان أول هذا الدين من رجل

سعى إلى أن دعوه سيد الأمم

فأفتى فقهاء مصر بقتله ، وحرضوا السلطان صلاح الدين على المثلة به وبأمثاله ، مع أنه من الجائز أن يكون هذا البيت مدسوسا عليه (٢).

__________________

(١) أبو عبد الله محمد بن أبي الرجاء ، الأصفهاني.

(٢) راجع مقدمة (كاي) المترجمة فيما يلي.

١٣

رموز واصطلاحات

إتحاف المهتدين إتحاف المهتدين بذكر الأئمة المجددين لمحمد بن يحيى زبارة.

افتتاح

 افتتاح الدعوة الزاهرة للقاضي النعمان.

أنباء/ دار

 أنباء الزمن مخطوط بدار الكتب المصرية.

أنباء / ماضي

 أنباء الزمن تحقيق محمد عبد الله الماضي.

بغية

 بغية المستفيد لابن الديبع.

تحفة الكرام

 تحفة الكرام في أخبار البلد الحرام لتقي الدين الفاسي.

ت

 توفي.

حور

 الحور العين لنشوان الحميري.

خ

الخزرجي ـ كفاية.

خلاصة الكلام

خلاصة الكلام في أمراء البيت الحرام لابن زيني دحلان.

الزينة

 كتاب الزينة في الأحرف ومعانيها للرازي.

السجلات

 مجموع السجلات المستنصرية.

سلوك / كاي

 السلوك للجندي ، مختصر (كاي).

ص

 صفحة.

صفة

 صفة جزيرة العرب للهمداني.

الصليحيون

 الصليحيون والحركة الفاطمية في اليمن.

عمارة / كاي

 تاريخ اليمن لعمارة مختصر كاي.

عيون

 عيون الأخبار لإدريس عماد الدين.

قرة

 قرة العيون لابن الديبع.

قلادة

 قلادة النحر لبا مخرمة.

١٤

كشف

 كشف أسرار الباطنية للحمادي.

كفاية

 الكفاية والإعلام للخزرجي.

المختصر

 المختصر في أخبار البشر لأبي الفدا.

نزهة

نزهة الأفكار لإدريس عماد الدين.

النكت

 النكت العصرية لعمارة اليمني.

نفسه

 المرجع نفسه.

Bultain of the school of oriental studies\'london

B. S. O. S.

 []

 الأرقام التي بينها هي أرقام حواشي (كاي).

«»

 الأرقام التي بينها أرقام حواشي جديدة.

١٥
١٦

ترجمة مقدمة (كاي) والتعليق عليها

يبدو لي أن تاريخ عرب اليمن في ظل الإسلام ، لم يلق حتى الآن من عناية العلماء الغربيين إلا نزرا مما هو جدير به ، فلا بدع أن تعترض سبيل الراغبين في الإستزادة من هذه المادة عقبات عسير اجتيازها. وقد ضمن مسترسر. لين بول فهرسه عن المسكوكات بالمتحف البريطاني قوائم بأسماء الأسر الحاكمة ، وألحق به شروحا موجزة بقدر ما سمح به الغرض الأصيل من هذا الفهرس. على أنه عدا هذا العمل يوشك ما كتب في الإنجليزية أن يكون خلوا من هذه المادة. وأما مؤلفات العلماء الأوروبيين في هذا الصدد فإنها حقا توشك ألا تحتوي معلومات ذات قيمة.

والسفر الفرد الذي يعرض في لغة أوروبية للتاريخ الإسلامي في اليمن ، كتيب باللاتينية ، بقلم س ت. جوهانسن ، نشر في مدينة بون سنة ١٨٢٨ ، هو خلاصة لمختصر تاريخ زبيد الذي وضعه الكاتب العربي الديبع. ولكنه يمدنا بموجز تاريخي عن البيوتات الحاكمة التي تعاقبت ملك المدينة منذ إنشائها حتى القرن العاشر الهجري. وإذن فكتيب جوهانسن يوجز لنا الحديث عن الأسر التي حكمت اليمن قبل القرن السادس عشر الميلادي ، وإن أورد بينها بضعة أسر لا تمت لزبيد بصلة ، كالحال في أمراء عدن من الزريعيين. وهذا الكتاب يكاد يندر الآن الحصول عليه (١).

__________________

(١) يتكلم kay عن سنة ١٨٩٢ التي نشر فيها الكتاب ، ولا شك اليوم أنه أكثر ندرة إن لم يكن معدوما.

١٧

ويسير علينا أن نعزو عدم العناية بشؤون دويلات هذا الإقليم وأسره الحاكمة إلى ضعف اتصالها بالتيارات الكبرى في التاريخ الإسلامي ، وإن يكن ليس بالغريب أن نراه يجتذب اهتمام العلماء ، إذ هو مقر ملك قديم ، وموطن لحضارة بائدة لا يعرف عنها سوى القليل. على أن تاريخ اليمن في ظل النفوذ الإسلامي ليس بالمادة التي تشوق ، ولا بالتي يعزو فيها تلمس المعلومات. زد على هذا أن اليمن في العصر الحاضر تطل على إحدى الطرق العالمية الكبرى ، وثغرها الرئيسي ظل طيلة نصف قرن في قبضة الإنجليز (١) ، الذين ارتضى سكان المقاطعات المتاخمة حكمهم طائعين. فلا غروّ إذن أن نعتبر دراسة هذا الموضوع مقبولة لدى قراء الإنجليزية.

وعمارة اليمني من كتاب اليمن العديدين الذين تناولوا تاريخها الإسلامي ، وهو أولهم في هذا الميدان ، ويبزهم أهمية في بعض نواحيه. ولعل شهرته بين بني جلدته ترجع إلى ملكته الشعرية ، وإن كان قد خلد في أذهانهم حتى اليوم أنه رائد مؤرخيهم ، والكاتب الذي يدينون له بكل ما يسعهم الإلمام به من تاريخ بلادهم ، في حقبة تزيد في القليل على قرنين ونصف قرن من الزمان ، ومع ذلك فلم يحسن خلفاؤه توفيته دينه ، إنما اقتصر جهدهم اليسير على إعادة نقل ما كتبه في صور موجزة ، على تفاوت ، وإن كانت في عمومها تلتزم نفس ألفاظه.

وإذا كان كتاب عمارة قد حوى عيوبا ، فلقد كنا نتوقع الحرص على نصه ، ولكننا مع هذا وإلى عهد قريب لم نعلم بوجود نسخة أصيلة منه. فليس ثمة نص تضمه مجموعة المخطوطات الهامة التي وردت لنا في السنوات الأخيرة من اليمن. بل لقد شاع اعتقاد راسخ ، كما أعلم ، يبين العثور على نسخة من تاريخ عمارة كضرب من المستحيل ، لكن هذا الاعتقاد ما لبث أن تهاوى لحسن الحظ. إذ احتوت مكتبة المتحف البريطاني نسخة منه ، يرجع

__________________

(١) يشير المؤلف إلى احتلال انجلترا لعدن منذ سنة ١٨٣٩ إلى وقت ظهور الكتاب سنة ١٨٩٢. وهي مدة تزيد على نصف قرن.

أما الآن (تاريخ نشر هذه الطبعة فقد خرج الاستعمار من جنوب الوطن اليمني ، عام ١٩٦٧ م وتحقق وجود اليمن في الثاني والعشرين من مايو ١٩٩٠ م. الناشر ٢٠٠٤ م).

١٨

تاريخ حصولها عليها إلى سنة ١٨٨٦ كما هو مدون بغلافها الخارجي.

ولقد نعجب حين نتبين أن الكتاب كان في حوزة أوروبي. فليس تجليده فحسب على النمط الغربي ، بل فيه سمات أخرى تؤكد لنا هذا الرأي مما لا يدع مجالا لشبهة ، منها شارات بقلم الرصاص على صفحاته ، وبطاقة بظهر غلافه عليها عبارة «وثائق عن اليمن» مكتوبة بالفرنسية ، ومنها بحق تلك الحالة الفذة التي عليها الجزء المتضمن «تاريخ عمارة» من المخطوط «فهي تبديه كأنه قد نسخ حديثا حتى لأستطيع أن أحكم من صفة ورقه وطريقة كتابته أن تاريخه لا يرجع إلى ما قبل القرن الماضي ، بل لعله يرجع إلى أوائل القرن الحالي».

والمخطوط (رقم ٣٢٦٥ القسم الشرقي ٣٠O) مجلد صغير في حجم الربع يشتمل على ثلاثة أجزاء منفصلة : الأول منها في ٨٥ ورقة ، ويشتمل على بيان بالحوادث التي وقعت في اليمن من سنة ١٢١٥ إلى سنة ١٢٥٨ ه‍. (١٨٠٠ ـ ١٨٤٢ م). أما الجزء الثاني فمن ٨٤ ورقة أو ١٦٨ صفحة ، وهو تاريخ عمارة. وليس في هذا القسم اسم الناسخ ، ولا تاريخ كتابة النسخة ، ولا يدلنا الخط على براعة الكاتب ، بل قد يسهل أن نتبينه كاتبا لا حظ له من العلم.

أما أخطاء الحذف والتعديل فإنها في الحق كثيرة. ولقد وضح لي أن قصر همي على ترجمة الكتاب لن يجنبني الصعاب ، وكان لدي من الأسباب ما أقنعني بأن الكثير من نقائصه يمكن سد ثغراته إذا استمددت مؤلفات الكتاب الذين أعقبوا عمارة. وقد صدق حدسي ـ كما سوف يظهر من بعد ـ ووجدت ميسورا طبع المتن الأصلي وترجمته سواء بسواء. وما كان هذا العمل ليتحقق ، ولا كنت بالذي أجترىء على القيام به لو لا الاستعانة بتلك المؤلفات.

وسيرة عمارة من بين السير التي كتبها ابن خلكان (١) ، وهو في حديثه عن السنوات المبكرة من حياة صاحب الترجمة ـ أعني إلى وقت ارتحاله

__________________

(١) طبعة دي سلان مجلد : ١ / ٣٦٧ ؛ طبعة مكتبة النهضة المصرية : ٣ / ١٠٧ ـ ١١٣.

١٩

نهائيا إلى مصر ـ يبدو وكأنما استقى معظم مادته من «تاريخ اليمن» الذي ضمنه عمارة إشارات إلى أحداث شتى في حياته. وقد أخبرنا بأنه ولد في الزرائب (١) وهي بلدة على الساحل الشمالي لليمن ، أو بالقرب منه ، في منازل قبيلة بني حكم ، تلك القبيلة التي ينتمي إليها عمارة ، كما يتضح في لقبه : الحكمي (٢) ، ويبدو أن اسمه ونسبه نجم الدين عمارة بن أبي الحسن علي بن أحمد بن محمد زيدان. وفي صحيفة العنوان من مخطوطة تاريخه بالمتحف البريطاني ، يلقب عمارة بالقاضي (٣) ، وإن لم يكن ثمة ما يدل على أنه تقلد وظيفة القضاء ، كما نجد إجماعا على تلقيبه بالفقيه.

وقد طلب العلم بمدرسة زبيد سنة ٥٣٠ ه‍ ، كما حكى عن نفسه ، ولعله ولد في سنة لا تسبق ٥١٥ ه‍ ، وهي السّنة التي ذكرها السيوطي (٤).

وقد رحل عمارة نهائيا عن اليمن سنة ٥٥٢ ه‍ ، حين مضى إلى مكة ومنها إلى مصر ، حيث كان الرئيس الروحي للدولة الفاطمية إذ ذاك الخليفة الفائز (٥) ، الذي ولي العرش وسنه خمس سنوات بعد مقتل أبيه الظافر (٦) سنة ٥٤٩ ه‍. حين كان للخلفاء مظهر الحكم ، بينما السلطة الفعلية في الدولة كانت ـ وبقيت طويلا ـ بأيدي وزراء لم يقتصر نفوذهم على امتلاك أعنة النفوذ السياسي ، بل لقبوا كذلك بالملوك. ولقد منح الخليفة الحافظ هذا اللقب لأول مرة سنة ٥٣٠ ه‍. لأول وزير من هؤلاء الوزراء (٧). وكان

__________________

(١) من أعمال سليمان بن طرف (الصليحيون : ٨٣).

(٢) يقول ابن خلكان (وفيات ٣ / ١٠٧): «إن عمارة ولد في بلدة مرطان في وادي وساع» ، وهو مكان لم أستطع التحقق منه وسنرى أننا سنذكر مرطان ، ولكن من الواضح أنها ليست المكان الذي ذكره ابن خلكان (كاي).

(٣) العبر / كاي : ١٢٢.

(٤) حسن المحاضرة : ١ / ٢٨٣.

(٥) هو أبو القاسم عيسى حكم من مستهل صفر سنة ٥٤٩ إلى أن توفي في ٧ رجب سنة ٥٥٥ (وفيات : ١ / ٣٩٥).

(٦) هو أبو المنصور إسماعيل تولى في ٦ جمادي الآخرة سنة ٥٤٤ إلى أن اغتيل في ٣٠ محرم سنة ٥٤٩ (نفسه : ١ / ٧٨).

(٧) خطط : ١ / ٤٤٠ ؛ الكامل : ١١ / ٣١ ؛ حسن المحاضرة : ٢ / ١٥٥ ـ ١٦٢.

٢٠