الرّحلة الحجازيّة

أوليا چلبي

الرّحلة الحجازيّة

المؤلف:

أوليا چلبي


المترجم: الدكتور الصفصافي أحمد المرسي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الآفاق العربيّة
الطبعة: ٠
ISBN: 977-5227-55-3
الصفحات: ٣٠٢

تعيينات أمراء مكة ومخصصاتهم :

كان بمجرد وفاة أمير مكة ، أو عزله يصبح مقام الإمارة شاغرا ، وبناءا عليه يتم إختيار الشريف الجديد من بين الأشراف وبتأييد من قاضي مكة ؛ وولاة كل من مصر ، والشام ، وجده (١) وتقاريرهم ، يصدر السلطان العثمانى فرمان التعيين.

وإذا ما ثارت العصبية ، واختلف الأشراف حول الأمير المنتخب ، كانت الحكومة تفاضل بين واحد من المرشحين الذين تم تزكيتهما من قبل قاضي مكة ، والولاة المشار إليهم. وكانت الصراعات حول هذا المنصب تخلق العديد من القلاقل فى الحجاز ، وصفحات التاريخ تسجل العديد من المصادمات بين الأشراف ، وبعضهم البعض ، من ناحية ، أو بينهم وبين الدولة العثمانية من ناحية آخرى.

عقب الإستقرار على الأمير المعيّن ، كانت ترسل إليه «برائة التعيين» أو «منشور التعيين» أو الفرمان المتضمن لقرار التعيين ، وتحديد مهام الشريف ـ الأمير الجديد ، واختصاصاته ، ومخصصاته المالية. وخلال القرنين السادس عشر ، والسابع عشر كان الفرمان مختصرا ، ولكن بداية من القرن الثامن عشر كان الفرمان أو المنشور يكتب بشكل مفصل ، ومنمق. فوق ورق آبادى مذهب ويحمل طغراء السلطان. ويوضع في كيس من الحرير الأخضر ، ثم يلف ويوضع داخل صندوق إسطوانى من الذهب ، أو الفضة أو أي معدن آخر ، ثم يختم بالشمع ولا يفتح إلا في الحرم وفى حضور ذوى الإختصاص ؛ من الأشراف ، والقضاة وشيخ الحرم ، وأمير قافلة الحج المصرى ، والشامي ، وقادة الجند ، ووالي الحجاز.

يخرج المنادون إلي الشوارع ، والطرقات ، والمدن الأخرى تنادي بالشريف الجديد ، وتطلق المدفعية تسع عشرة طلقة فى مكة المكرمة. وبعد قراءة المرسوم في الحرم وسط الحشد الكبير ، تتم بيعة الشريف المختار من طرف بقية الأشراف ، والقضاة ، والعلماء ، وسائر ذوى الإختصاص ، بينما يكون الشريف المختار ، واقف أمام المنبر النبوى ، أو على الدرجة الثالثة من المنبر. (٢)

__________________

(١) كانت مكة وضواحيها فى العصور الأولى خاضعة لنفوذ ولاة مصر ، ثم أصح ولاة جده هم آصحاب النفوذ والحكم ، ولما كان ولاة الشام هم أمراء الحج العثمانى فى نفس الوقت ، كان لكل هؤلاء رأي ، ووجهة نظر فى اختيار ، وتعيين الشريف ـ «المترجم».

(٢) امراء مكة المكرمة ، مرجع سبق ذكره ، ص ٢٢.

٤١

كانت تغير النوبة أمام أبواب قصر الأمير كل يوم عند صلاة العصر ، ويذكر إسمه فى الخطبة بعد السلطان ، ودرجته الإدارية تعلو درجة عن الوزراء (١).

كانت مخصصات الشريف ، والتى تحدد سنويا من طرف السلطان ، ووالي مصر ترسل إليه كجائزة للركاب الهمايوني ، (٢) وكذا العطية الهمايونية (٣) وقد استمرت منذ أن أقرها سليم الأول على هذا المنوال ، ثم أضيف إلي ذلك نصف واردات جمرك بندر جده. (٤) كما كانت هناك مخصصات آخرى تأتي إليه من والي مصر مباشرة ، وعند عزل الشريف ؛ كانت تخصص له أيضا تعيينات من واردات مصر تحت اسم بدل الإعاشة. وعند العزل ، أو النفى لأى سبب ، كانت الدولة تلتزم بتوفير المسكن ، ومعاش مرضى له ولمن فى معيته. (٥)

* * *

__________________

(١) خلاصة الأثر فى تراجم آعيان القرن الحادى عشر ، محمد أمين بن فضل الله حموى ، ج ١ ص ٤٤٨.

(٢) كانت تصل إلى خمسين ألف قرش.

(٣) كانت تصل إلي خمسة آلاف قرش ترسل سنويا.

(٤) خلاصة الكلام ، ص ٥٣.

(٥) امراء مكه ص ٢٤.

٤٢

مهام أمراء مكة وصلاحياتهم فى العصر العثمانى :

بعد أن دخلت منطقة الحجاز تحت النفوذ العثماني ؛ قبل الحكام العثمانيون بنفس الأصول ، والقواعد التى كان يحكم على منوالها الأشراف في العصر المملوكي ، وأبقوا على نفس صلاحياتهم ، ونفوذهم داخل المناطق التابعة لهم ، وأكتفوا فقط بإرسال قوة محافظة ، لحفظ الأمن والهدوء ترسل من مصر سنويا ، وتتواجد في كل من مكة المكرمة ، والمدينة المنورة بالتناوب ...

وإذا كان الأشراف قد بذلوا أقصى طاقاتهم ، لوضع هذه القوات المرابطة في مكة ، والمدينة تحت سيطرتهم لما لمسوه فيها من تهديد ، أو تحديد لنفوذهم ، إلا أن القادة العسكريون المرابطون هنالك لم يقبلوا بذلك. وكان كل منهما يحاول التأثير ، أو التقليل من نفوذ الأخر ، بل كان يصل الأمر أحيانا ، أن يسعى كل منهما لعزل الأخر (١).

وقد كان الأمراء يحتفظون لأنفسهم بقوات خاصة بهم من البدو ، والآعراب المرتبطين بهم. فقد كان الأشراف يحاولون أن يبدون كحكام مستقلين بالحجاز ، ولكن بدون عملة خاصة بهم ، وكان خوفهم من بعضهم البعض ، يفوق خوفهم من قوات الدولة العثمانية. (٢)

لم يضع العثمانيون قانونا خاصا بإدارة الحجاز ، بل كانوا يكتفون بما يتضمنه فرمان التعيين من تحديد للإختصاصات ، ومنح للصلاحيات وما كان يتضمنه المنشور ، أو الفرمان كان عبارة عن مجموعة من التوصيات ، والنصائح ، والتكليفات المحددة ؛ لما يجب عمله تجاه الحجاج ، وضرورة توزيع الصرة ، والظهيرة بشكل يتسم بالعدل ، والمساواة. والتشديد على الحيلولة دون البدو والأعراب ، ونهب أموال الحجيج ، وقوافل التجار. ولم تشغل السلطة المركزية بالها إلا بتأمين طرق قوافل الحج. والتى كانت تعتبره من أولويات مسئولياتها. وقد أشرفت الدولة اشرافا فعليا

__________________

(١) لقد أرسل أمير مكة أبو نمي سفيرا من طرفه هو قطب الدين المكي لكي يشكو من پيرى قائد قوات المدينة ، إلا أن السلطان سليمان القانوني الذي خشي من إزدياد نفوذ الأمير ، فرد السفير دون أن يعزل قائد حامية المدينة ، أنظر ؛ كتاب الإعلام بأعلام بيت الله الحرام. (المترجم).

(٢) انظر ، امراء مكة ، سبق ذكره ص ٢٥.

٤٣

على الحج ، واعتبرت هذا العمل واجبا يقع علي عاتقها ، باعتباره الركن الخامس من أركان الإسلام ، وأن عليها تيسير الحج أمام الراغبين فيه ، فأنشأت الآبار ، وآقامت الحصون ، وشجعت على إقامة الخانات ، وأقامت المخافر ، وكانت تشرف إشرافا مباشرا على قوافل الحج ، التى تخرج من كافة أنحاء الدولة فى مواعيد محددة ؛ وتضع لها قوة تحرسها ، يقودها أحد كبار العسكريين الذى كان يسمى سردار الحج (١) وكان على رأس كل قافلة أميرّ للحج يتولى قيادة الجيش وكثيرا ما كان امير الحج يتولى قيادة الجيش وبخاصة قافلة الحج الشامي. (٢) وتركت للآشراف ـ فى كثير من الآحيان. الأمر لكي يحلوا مشاكلهم فيما بينهم .. وإذا زادت الأمور عن الحد المسموح به كانت تكلف والي مصر ، أو والي الشام للتدخل ، وحسم الأمر.

ولكن .. لم تر الدولة بدا من الرقابة ، والمتابعة .. فاستحدثت إمارة سنجق جده ، ثم جعلته مرتبطا بالحبشة للسيطرة على مداخل البحر الأحمر ، ثم ربطت بين ولاية جده ، والحبش ، ومشيخة الحرم ، للحيلولة دون إنفراد آمراء مكة بالتجار والآهالي .. ولكن هذا بدوره لم يمنع النزاع ، والشقاق الذي كان يطل برأسه من حين لآخر بين قواد جده ، وأمراء مكة (٣).

ولما كانت منطقة الحجاز بعيدة عن مركز الدولة ؛ فقد ربطت أموره منذ آواخر القرن السادس عشر بوالى مصر الذى كانت تخبره بكل ما كانت تصدره بشأن الحجاز ، أو تبعث به إلي الأشراف في مكة. (٤) وكانت في نفس الوقت توصي والي جدة ، أو فيما بعد والي الحجاز (٥) بضرورة حسن التعايش مع

__________________

(١) سردار ـ سرعسكر ؛ مصطلح عسكرى يعنى رئيس الجيش ، قائد الجيش ، وكان يطلق على قائد الجيش العثمانى بعد تخلى السلطان عن قيادته. وتلقب قائد الجيش بهذا اللقب بعد إلغاء الإنكشارية ، وإذا ما عيّنه الصدر الأعظم كان يسمى «سردار أكرم» ، وكثيرا ما كان الصدر الأعظم يجمع بين اللقبين إذا ما قاد الجيش بنفسه ، وكان يطلق عليه آنذاك ؛ «وزيرى آعظم وسردار أكرم». انظر ؛ محمد ذكى باقآلين ، عثمانلى تاريخ ديملرى وتريملرى ، سوزلكى ، استانبول ، ١٩٧١ م. (المترجم)

(٢) الدولة العثمانية والولايات العربية ، د. الصفصافى احمد المرسى ، الدارة ، العدد الرابع ، السنة الثامنة رجب ١٤٠٣ ه‍ ـ ١٩٨٣ م.

(٣) آوليا چلبي سياحتنامه س ، مجلد ٥ ص ١٨٦.

(٤) يحتوى الفرمان المرسل إلى أمير مكة سنة ٩٨٦ ه‍ ـ ٥٧٨ م بضرورة اخبار بكوية مصر بما يدور فى مكة والمدينة آسوة بما يحدث من إخبار استانبول بنفس الأحداث. «مهمة دفترى ٣٤ ، ص ٣٦٧.

(٥) ان بندر جده من أهم الموانئ بالنسبة للحجاز عامة ، ومكة خاصة ، تفد إليه السفن التجارية ، وهو الميناء الذى

٤٤

الأشراف ، ولم تدخر وسعا في إقناع الأشراف كذلك بحسن مداراة الولاة والقادة العثمانيين في جده.

وبصرف النظر عن كل هذه النزاعات السياسية ، وتطاحن النفوذ بين الأشراف والولاة ؛ فقد كانت هناك قوة مكونة من حوالي ٥٠٠ إلي ٦٠٠ فرد تعمل جنبا إلي جنب مع سادة الديوان ، والقلم المخصوص ، أو مدراء التحريرات .. وقبيل نهايات القرن التاسع عشر كان هناك أفندي الديوان «ديوان أفنديسى» وكتبه عربي وكتبة تركي ، ومحاسب ، وأمناء مخازن ، وإمام ، وطبيب ، ومديرا لأمور الإمارة ، وحجّاب خواص ، وحامل علم ـ صنجقدار ، وأميرا للأسطبل الأميري ، ومتعهدا للجمالة ، ومهمندارا ، ومهتمرباشى ـ رئيسا للفرقة الموسيقية ، وفرقة عزف عسكرية ، ومتعهد شماسى ، وكلهم يكونون فى معية ، وخدمة الأمير ، ويعملون في دوائر الإمارة ... كما كان فى معيته ضابطين عسكريين ؛ أحدهما برتبة بكباشى ، والآخر بوزباش ، وجاوشين من النظامية (١).

ويحتوى كتاب منشآت فريدون ضمن الرسائل المتبادلة بين الأشراف والسلاطين ، والصدر الأعظم ، والوزراء ، والولاة العديد من الألقاب التى كانت تتغير من عصر إلي عصر .. مع مراعاة التقفية مع اسم الأمير .. وتحرص كل المراسلات على الإشارة إلي إنتسابهم إلي آل البيت النبوي الكريم (٢) وتصفهم ببعض الصفات مثل من لا يخلف الوعد شريف .. أو ذو القوة والأيد شريف ... أو المحفوف بصنوف عواطف الملك الآعلى ...» إلى جانب الآلقاب الأخرى.

__________________

يستقبل الظهيرة التي تأتي من مصر ، وحجاج البحر ـ كما كانت جده مطمعا للدول الأجنبية التى تحاول الولوج إلي البحر الأحمر ، فلم تر الدولة مفرا من انشاء قيادة سنجق فى جده ، وربطته بإمارة أمراء مصر في بادئ الأمر ، ثم جعلته إمارة عسكرية مستقلة ، ثم ربطت بين جده ، والحبشة ، وكانت تعين على هذه الولاية واليا بدرجة وزير ، وفى آواخر القرن السابع عشر ربطتها ب «ساليانه» سنوية. ثم خصصت جزءا من حاصلات جمرك جدة كمرتب لهذا الوالي. وكانت الدولة تعين ولاة جده بعد عزلهم آغوات لمكة ، أو در السعادة ، أو شيخا للحرم في المدينة وذلك لوقوفهم ، ومعرفتهم بآحوال منطقة الحجاز ، وكانت تضع تحت إمرة شيخ الحرم النبوي قوة كاملة السلاح. وكانت الدولة تتكفل بعلوفاتهم. «انظر. ، واصف ج ١ ، ص ٣٠٦) وبعد سنة ١٢٨٨ ه‍ ـ ١٨٧١ م بعد انفصال الوالى خورشيد باشا ، ألغيت ولاية جده ، وحوّلت إلى متصرفية ، ثم أعيدت مرة أخرى ١٢٨٩ ه‍ ـ ١٨٧٢ م وفى سنة ١٢٩٩ ه‍ ـ ١٨٨٢ م أطلق عليها ولاية الحجاز بدلا من ولاية جده والحبشه واليمن. انظر ؛ مكة أميرلرى س ٢٧ ، حاشية ٢). المترجم.

(١) مكة مكرمة أميرلرى ، ص ٣٠.

(٢) فريدون بك منشآتى ج ١ ص ٤٤٨ ، ج ١ ص ٤ ، ٥. وج ٢ ص ٦.

٤٥

أمين الصرة ، وموكبها :

اعتادت الدولة العثمانية أن تبعث في شهر رجب من كل سنة وقبيل نهاية القرن التاسع عشر الميلادي ، الثالث عشر الهجرى فى شهر شعبان ، من استانبول إلى الحرمين الشريفين مبلغا من المال ، وكمية من الهدايا تحت مسمىّ الصرة ، وأطلقت على الموظف المكلف بتوزيعها لقب «أمين الصرة ..

وكانت الصرة ترسل من مصر إلي المدينتين المقدستين حتى سنة (١١٢٦ ه‍ ـ ١٧١٤ م). ومنذ ذلك التاريخ ، صدرت الآوامر بأن ترسل من خزينة الحرمين فى الآندرون (١). وكانت هذه الصرة المرسلة إلي مكة ، والمدينة توزع وفق نظام خاص ، وتسجل في الدفاتر علي أنها المعلوم أو المعلومية المرسلة باسم الهمايون ..

يتم إلباس أمين الصرة «الخلعة» فى مقام ، وحضور الصدر الأعظم ، ثم يبعث به من الباب العالي برفقة (الملخص» إلى السراي ، فيخلع عليه بخلعة آخرى فى حضور آغادر السعادة وبعدها مباشرة تتم إجراءات إرسال الصرة على النحو التالي :

ـ خلال السنوات المعتاد إرسال الصرة فيها عن طريق البر ، وكانت تعد المذكرات والدعوات من طرف آغا دار السعادة إلي الدفتردار ، ورئيس الكتاب ، والنيشانجى ـ حامل الأختام ـ من أجل إعداد آلاي الصرة المعتاد خروجها سنويا من استانبول فى الثاني عشر من شهر رجب ، ثم يقوم معتمد الآغا ، ومعتمد الصدارة بالكتابة إلي من يهمهم الأمر بهذا الصدد ، ومن يجب تواجدهم في هذا الموكب ..

ـ ترسل مذكرة إلي قبطان البحرية لتوفير المعدّيات اللازمة فى مرفئ سيركه جى لنقل الصرة ، وموكبها إلي اسكدار فى اليوم المحدد ...

ـ يحضر المدعووين إلي السراي في يوم الموكب ، ويجلسون فى قاعة كاتب آغا

__________________

(١) ... «الحكم إلى الوزير يوسف باشا ، وإلي الشام ، والرقة .. وأمير حاج الشام هو أن : إن الصرة المعتاد إسالها ، إلي آهالي الحرمين المحترمين ، تعبيرا عن العواطف الحلية الخسراوية ، كان المعتاد في السنوات السابقة إرسالها من جانب مصر واعتبارا من هذه السنة الميمونة لن ترسل من جانب مصر ، بل ستسلم إلي أمين الصرة صاحب قدوة الآمائل ، والآعيان محمد زيد مجده بالفعل نقدا علي الوجه المعهود من خزينة الحرمين الشريفين الكائنة فى آعتابنا السعيدة .. سنة ١١٢٦ آواخر رجب) انظر مهمه دفترى ـ دفتر المهمة ١٢٢ ص ١٢٦). المترجم.

٤٦

دار السعادة التي أعدّت في الديوان ، وفيما بين بوابتي باب الهمايون والبوابة الوسطى ، .. وعقب وصول آغا دار السعادة ، تسلم إليه الرسالة التى قد أعدّت باللغة العربية ، والموجهة إلي أمير مكة المكرمة ، ثم يتم إلباس الخلع ، وتوزيعها علي المدعووين من طرف الآغا.

ـ خلال هذه المدة يقوم كاتب الآغا ، ومفتش الحرمين بختم دفاتر الصرة الهمايونية التى أعّدت ، ثم يوقعها الدفتردار بتوقيعه المزيّل ، ثم يقوم النيشانجي بوضع الطغراء السلطاني على الدفاتر .. وما أن تنتهي هذه الأعمال حتى يعود الدفتردار ، ورئيس الكتاب والنيشانجى ، ويسلمونها إلي آغا دار السعادة الذي يتوجه بها إلى الآندرون. «الداخل».

ـ تمد الموائد إلي المشايخ ، والعلماء ، والأئمة المدعووين جنبا إلي جنب مع طاقم الصرة .. وعقب الطعام تحضر هيئة الموكب إلي ميدان «قبة التى» حيث السرادق والصوان المقام ، وينتظرون جميعا خروج السلطان.

ـ وسط تصفيق جاوشية ديوان السلطان ، بطل السلطان من باب الآغوات البيض المسمى «باب السعادة» وهو على صهوة جواده الأبيض ، ثم يترجل ، ويجلسه النيشانجي حيث مكانه المعد لذلك .. وخلال هذه اللحظات ؛ وعلى الرغم من أن مربيه قد وقف ممسكا برسالة الهمايون ، وآغوات الحرم قد اصطفوا وعلى أكتافهم أكياس الصرة .. إلا أن الضباط حملة البلط ، من ذوي الذوائب ، يخرجون من باب حرم السلطان ، ويصطحبونه حتى مقامه المقام داخل الصوان .. ويقومون أمام السلطان بعدّ أكياس النقود ، وتسجيلها فى الدفاتر التى توضع فى الأظرف ، وتختم بالشمع ، وتوضع داخل العلب الإسطوانية المعدنية. ثم يعود آغوات الحرم.

ـ فى تلك الأثناء .. يستقبل آغا السعادة ، مربى السلطان الذي يكون قد اقترب بالفرمان السلطاني .. فيسلم الفرمان إلي السلحدار الذي يكون قد أخذ مكانه بجوار السلطان. ، فيقدمه بدوره إلي السلطان. وبعد أن يتم توقيعه ، يختم بخاتم السلطان ثم يسلم إلى آغا دار السعادة ، هو ودفاتر الصرة ، وأكياسها.

ـ وبينما آغا دار السعادة ، وآغوات الحرم يتجهون بها نحو الخيمة الرئيسية ،

٤٧

يستقبلهم أمين الصرة .. ويكون فى هذه اللحظات قد إرتدى ، هو ورئيس السقاة خلعتيهما. فتسلم إليه الرسالة السلطانية ، ويتم استعراض أكياس نقود الصرة أمام الخيمة. وخلال هذه اللحظة أيضا ، يتم إلباس اثنين من المبشرين الخلع الخاصة بهم.

ـ ثم يدعى آغا دار السعادة ليرتدى الخلعة الفرائية فى حضرة السلطان ، ويكون في نفس هذه اللحظات معتمد الإسطبل السلطاني يتجول أمام الحضور بالجمل الذي سيحمل المحمل الشريف .. وخلال ذلك يكون المنشدون يرددون المدائح ، والنعوت النبوية ، ويبتهلون بالدعاء إلى الله سبحانه وتعالى.

ـ يكون السلطان خلال هذه اللحظات قد ألبس آغا دار السعادة القفطان أو الفراء السمورى .. فيتوجه الآغا نحو أمير الاسطبل ، ويتسلم منه مقود الجمل الذى يحمل المحمل .. ويقوم بالطواف أمام الحضور مرتين بالجمل ، ثم يقوم بتسليم المقود الفضي إلى أمين الصرة ، ومقاود مطرزة بالذهب إلي الآغا السقاء ... ثم يتجه ناحية القبلة ، ويسير بضع خطوات تجاه السلطان ، ليقدم فرائض الشكر للسلطان ، ويقبل الأرض بين يديه ...

ـ عقب ذلك ، يتوجه آغا دار السعادة ، ومعه موظفو الأوقاف ، ويسيرون أمام الجمل الذي يحمل المحمل حتى يكونوا فى مقدمة الموكب .. ويخرجون من البوابة الوسطى ، ويتابعون السير مع الموكب ، حتى المستشفى القريب من باب الهمايون وبعد الدعاء بسلامة الوصول ، يعود آغوات ؛ دار السعادة ، وباب السعادة ، ومعتمد السراى ، ورئيس الخزينة الهمايونية إلي الداخل .. ثم يخرجون من باب الهمايون إيذانا بالإنصراف.

ـ أما جمل المحمل ، والقافلة التى تحمل أكياس النقود ، والصرة ، فتكون محاطة بضباط بلطجية ـ «حاملو بلط» السراي ، .. وما أن يخرج موكب الصرة من السراى حتى يتجه نحو مرفئ سركجي مارا من تحت قصر أو شرفة الإحتفال ، وهناك في المرفئ ، وبعد الإبتهالات ، والدعوات الصالحات ، تنقل المعديات المحمل ، وكتيبة الموكب إلي أسكدار. (١)

__________________

(١) انظر ؛ تشريفا تچيلق دفترى ، رقم ٦٧٦ مكرر ، وسراي تشكيلاتي ص ١٨١ ، وتشريفات قديمه ، ص ١٨.

٤٨

يمكث أمين الصرة مدة فى أسكدار ، لإستكمال نواقصه ، ثم يستأذن بالتحرك ، وبعد السماح ، والإذن من السلطان ، تتحرك القافلة. ومن أسكدار حتى الشام ، تلقى القافلة إحتراما ، ومساعدة ، وعونا ، وحفاظا على سلامتها وأمنها من سائر الوزراء ، والأمراء ، والقواد ، وقادة الصناجق ، والقضاة والمعتمدين ، وقادة الإنكشارية ، ورجالات الولايات التى تمر بها ؛ وذلك عقب تلقيهم الأوامر ، والرسائل والأحكام التى تبعث إليهم بهذا الصدد. وتأمرهم بتأمين سلامة الصرة ، وأمينها ، وقافلة الحجاج حتى تصل إلي الشام.

وعقب تحديد اليوم الذي سيتحرك فيه أمين الصرة ، والقافلة من استانبول تكتب الأوامر إلي متصرف صنجق إزميت الذي يستقبل هو والأهالي الصرة عند بداية حدود المتصرفية .. ويظل هو والخيالة ، والإنكشارية ، وحاملو البنادق في كل الآقضية فى حراستها حتى تم تسليمها إلي آقشهير ، وما أن تصل القافلة إلى هناك حتى تتم عملية التسليم ، والتسلم ، وهم مكلفون بأخذ السندات اللازمة.

وما أن يتسلم قائد صنجق آقشهير القافلة ، حتى يتولى هو ورجاله حراستها وتأمينها حتى يسلمها إلي والي قونية ، ويتسلم مستنداته ، ويعود ، وعلى نفس المنوال تتحرك القافلة في حراسة والي قونية ، أو ملتزمها ، أو متسلمها حتى آضنه ، وطوال الطريق ، ينضم إلي القافلة كل الحجاج الذين يتوجهون إلي الحجاز ، لإيفاء فريضة الحج. وهكذا ، تتحرك الصرة ، والقافلة من آضنة إلي حماه ، وتسلم القافلة التى تسير على هذا المنوال إلي والي الشام في دمشق.

وقبل أن يتحرك أمين الصرة ، وقافلة الحج من الشام بيوم واحد ، يشترك مؤذنو الجامع الأموي ، وكل الجنود والأهالي مع القافلة ، ويتوجهون جميعا وسط التكبيرات ، والتهليلات المدوية إلى حيث «لواء السعادة» المحفوظ بجوار مقام الصحابي أبى الدرداء ، فينضم حملة اللواء إلي القافلة ، ويتوجهون جميعا وسط التهليل ، والتحميد ، والتكبير ، والتلبية إلى أن يصلوا إلي قصر الحكم. وفى اليوم التالي يتحرك والي الشام ، وأمير الحاج علي رأس قافلة الحج الشامي متجهين جميعا إلي مكة المكرمة.

٤٩

وكان أمير مكة يقوم باستقبال القافلة فى مدائن صالح ، أو المدينة المنورة ، أو في أي منزل من منازل الحج ، ويتجهون سويا إلي مكة. (١)

إعتبارا من الشام ؛ كانت قافلة الحج سواء فى الذهاب أو الإياب تسير وفق نظام ، ونسق معين مع قواتها ، ومدافعها ولا يمكن أن يسمح بأي خلل من القائمين أو المنضمين إلى القافلة أو من مستقبليها.

يقدم أمين الصرة الفرمان الذي أحضره ـ باللغة العربية ـ وسط مراسم واحتفالات إلي أمير مكة المكرمة ، فيقبل الأمير الفرمان ، ويضعه على رأسه ثم تقرأ رسالة السلطان علنا فى منى .. ثم تقدم الدفاتر التى تحتوي على مقدار الصرة ، وكيفية توزيعها إلي الشريف .. وبناءا على ما هو مذكور فى هذه الدفاتر توزع «المعلومية» على الأهالي تحت نظارة ، وإشراف أمير مكة وشيخ الحرم ، وأمين الصرة ، وقاضي مكة. وتعاد أنصبة الذين توفاهم الله ، أو الغائبين إلي أمين الصرة ، حيث تعاد إلي استانبول. أما مستحقات أهل المدينة من الصرة ؛ فتوزع على آهالي المدينة المنورة تحت إشراف وكيل ، أو معتمد الشريف في المدينة ، وقاضيها ، وشيخ الحرم النبوي. وكاتب الصرة ، وتعلن الحكومة المركزية بالكيفية التى تم بها التوزيع.

يعود أمين الصرة أيضا مع قافلة الحج ؛ وفد حمل ردا على رسالة السلطان من أمير مكة ، وهدايا قيمة إلي السلطان ، والصدر الأعظم ، والوزراء ، وسائر رجالات الدولة. وما أن يصل إلى مشارف أسكدار حتى يعلن عن مقدمه إلى الصدر الأعظم ، الذي يستصدر له الإذن بالدخول من السلطان فيدخل إلي أسكدار.

يقوم الصدر الأعظم بتقديم رسائل الشريف فورا ، إلي السلطان ، وتترجم فورا فى قلم الديوان الهمايوني إلى اللغة التركية ، ويعرض الأصل العربي ، مع الترجمة ، وتقرير كامل إلى السلطان ...

كان أمراء مكة يرسلون هداياهم إلي السلطان ، والصدر الأعظم مع واحد من

__________________

(١) فى آواخر العصر العثمانى تقرر أن يستقبل أمير المحامل مكة الشريفة فى المدينة المنورة ، وكانت تصرف له مبالغ تصل إلي ثلاثين ألف قرش كمصاريف للطريق وأجرة الجمال ، انظر ؛ مرآت مكه ، ج ٢ ص ٢٩٥.

٥٠

أخلص رجالهم ، فيصل إلي الباب العالي مع هداياه .. ويتم استقباله في صالون الإستقبال .. ثم يمثل إلى جوار رئيس الكتاب ، ويسلم معروضاته ، وهداياه وعقب زيارته إلي كتخدا الصدر الأعظم ، والصدر الأعظم ، يرسل مع «الملخص» إلى السراي .. وعند استقبال الصدر الأعظم لمعتمد الشريف ، ورجاله ؛ كان يقدم لهم الشربات ، والقهوة ، والبخور ، ويخلع عليه خلعا من الفراء ، وعلى أربعة أو خمسة من رجاله بالخلع القيمة. ومن الأصول المرعية أن يقوم آغا دار السعادة بالباس معتمد أمير مكة المكرمة ، ومن هم فى معيته الخلع المختلفة. (١)

* * *

__________________

(١) التشريفات القديمة ص ٢٧ ـ ٢٨.

٥١
٥٢

ب ـ أوليا چلبي ، ورحلته إلي الحجاز

أوليا چلبي : آوليا تشلبي ـ شلبي

من هو هذا الأوليا .. أين ظهر .. وترعرع ..؟ ما كنيته وشهرته ..؟ ما هى الظروف ، والدوافع التي وقفت خلف رحلته هذه ..؟ ما قيمة هذه الرحلة تاريخيا ... وجغرافيا ...؟ وما مكانتها بين الرحلات الإسلامية ...؟ تساؤلات كثيرة تتابع إلي الذهن بمجرد سماع إسم هذا الرحّالة التركي المسلم.

فتجمع الأراء علي أن ميلاد آوليا چلبي هو العاشر من محرم سنة ١٠٢٠ ه‍ ـ الموافق ٢٥ من مارس سنة ١٦١١ م (١) في اونقپاني بمدينة استانبول (٢) وأطلق عليه والده إسم «أوليا چلبي» (٣) ، تيمنا بإسم صديق حميم له ، صار فيما بعد أستاذا لآوليا.

__________________

(١) انظر :

M. Cavid Baysun, Evliya Celebi Mad. Islam Ansik. ـ , Cafer Erkilic, Evliya celebi,

ـ ١ ، M.W.Ozun ,Evliya celebi Seyahatname ـ. ١٩٥٤.

Hayati, Sanati, Eserleri, Varlik Yayinevi, Ist Birincicilt.

وغير هؤلاء نهاد سامى بكارلى ، وبهجت نجاتى كيل ، ووصفي ماهر قوجه تورك واختلف مع هؤلاء ؛

١ ـ مؤلف كتاب Book Of Travels Of Evliya Celebi ,Turkey ـ إذ جعل التاريخ ٢٥ فبراير بدلا من مارس ، ٢ ـ استان فوردجى شو إذ جعل السنة ١٦١٤ م بدلا من ١٦١١ م. (المترجم)

٢ ـ Unkapani ؛ حي من آحياء مدينة استانبول القديمة ، ذات الطابع الإسلامي. وكانت سوقا رائجا للدقيق ، والحبوب ، وما زالت كذلك وإن كان الحي قد تغير إسمه إلى ياوزسنان ، «المترجم».

(٢) لميلاد آوليا چلبى قصة يذكرها فى المجلد الأول من سياحته ، مفادها [أنه في ليله ميلاده كان الشيخ صنع الله أفندي فى المنزل لحظة ميلاده ، فأذن بصوت عال فى أذنه .. وأمر الوالد بذبح الآضاحي «العقيقة» فذبح الشيخ اسماعيل أفندى المولوي أضحية .. وكان فى المنزل أيضا سبعون من العارفين بالله وأن الكسوه دار محمد أفندى هو الذى ربط قماطه ... وأخرج شيخ مولوية قاسم باشا كسرة خبز من فمه المبارك ، ووضعها فى فمه داعيا له. كما أخذ شيخ مولوية يكى قاپى ـ ينى قاپى الشيخ دوغاني دهده الطفل الصغير وقذف به فى الهواء .. متمنيا أن يكون هو طائر المولوية في الدنيا ..) سياحتنامه ج ١ ط ١ ص ٣٦١.

نخلص من هذه القصة بتصور الجو الصوفي ، والعرفاني ، والديني الذي ولد فيه الصبي .. وأن ذلك سيكون له أبلغ الأثر فى حياته. «المترجم»

(٣) آوليا چلبي ؛ كلمة آوليا ؛ هي تخفيف من الكلمة العربية أولياء وهى جمع كلمة ولي .. أما كلمة چلبي فهى مكونة من كلمة چلب التركية القديمة وتعنى «الله» و «ي» هى ياء النسبة العربية. فيكون المعنى العام هو الولي المنتسب إلي الله .. أو ولي الله .. وهذا هو الأرجح لمعنى الإسم الذى إختاره والد الطفل ، فقد أراد له أن يكون صوفيا ، يسلك طريق الصوفية المؤدى إلى الله.

كما أن من معاني هذه الصفة ؛ السيد ، الأفندي ، المهذب ، الرقيق الحال. حلو المعشر المتعلم ، الأصيل ، كما كان لقبا يلقب به أولياء العهد فى العصر العثماني ، وكذا يطلق على رئيس طائفة من المولوية ، أو على من ينحدر

٥٣

أما أبوه فهو درويش محمد ظلى (١) وجده دميرجى ، اوغلى قره أحمد ويوصل نسبه إلي الصوفي الشهير أحمد يسوي (٢) أما أمه فهى الأخرى ذات نسب ، وحسب تصل في قرابتها إلي الصدر الأعظم ملك أحمد باشا (٣). أما الجد الرابع لآوليا هو «مير عالم» ياوز أرسنان ، وكان من كبار حراس محمد الفاتح ، وله جامع بإسمه ، فى الحي الذي ما زال يحمل إسمه فى مدينة استانبول حتى الآن. حي «ياووزسنان». وكان للعائلة بيوت كثيرة فى هذا الحي ، وقد ولد آوليا فى آحدها. وقد إحترق وأعيد البناء فى حياة اوليا چلبي .. وقد تغيّر هذا الحي

__________________

من سلالة مولانا جلال الدين الرومى ، أو الولي حاجى بكطاش. ولقبا إداريا يمنحه السلطان لولي العهد الذى يتولى ولاية صنجق أو ولاية من ولايات الدولة. وكلها تنطبق على آوليا چلبى ، فهى أمنيات يتمناها الأب لولده. «المترجم»

(١) هناك أراء كثيرة بهذا الصدد ؛ فهناك من يجعله محمد ظلى بن درويش. ومن يجعله ؛ درويش محمد ظلي .. ومن يجعله ؛ درويش محمد آغا ظلى ، «المترجم».

(٢) أحمد يسوى ؛ صوفى كبير ، صاحب مذهب صوفي يحمل إسمه ، وقد ظهر فى التركستان فى محيط صوفي ، تتملذ على يد العالم المشهور آرسلان بابا ، ثم رحل إلى بخارى ليتلقى العلم على يدي الشيخ يوسف الهمزاني ، بعد أن أتم دراسته ، شكل طريقته الصوفية الخاصة به ، ونالت رواجا كبيرا فى بلاد ما وراء النهر ، توفى عن عمر ناهز الستين سنة (٥٦٢ ه‍ ـ ١١٦٦ م). وقد جمع آراءه الصوفية فى كتابه (ديوان حكمت) ـ ديوان الحكمة. «انظر د / عمرو عبد الباقى ، الرحالة التركى آوليا چلى ، مجلة كلية اللغات والترجمة ، العدد التاسع (، ١٤٠٩ ه‍ ـ ١٩٨٩ م) ، وتورك آدبياتنده ايلك متصوفلر ، محمد فؤاد كوبريلى ، استانبول سنة ١٩١٨. (المترجم).

(٣) ملك أحمد باشا : من الأشخاص البارزين فى الدولة العثمانية. تقلب فى مناصب كثيره حتى صار صدرا أعظم فى زمان السلطان محمد خان الرابع فقد شغل وظيفة سلحدار ١٠٤٨ ه‍ ثم عين واليا على ديابكر ، فأرضروم وبوصاية من (قيا) ابنة السلطان مراد الرابع شغل ولاية حلب لمدة تتراوح ما بين خمسة وستة أعوام ، ثم عين واليا على بغداد سنه (١١٦٠ ه‍) وفى العام نفسه ولى الصدارة العظمى ثم عزل بعد أن شغل هذا المنصب لمدة ثلاثة عشر شهرا وعين بعد ذلك واليا على ملسترة وكانت وفاته سنة (١٠٧٣ ه‍) (انظر قاموس الأعلام لشمس الدين سامى ج ١ ص ٧٩٢ ـ ٧٩٣) وانظر مقال موزتمان المنشور بدائرة المعارف الاسلامية التى سبقت الإشارة اليها. ويقول أوليا (ولما كان احمد باشا يمت بصلة القرابة لوالدتى فان الإنعام كان يصيبنى فى سهولة ويسر) سياحتنامه ج ١ ص ٢٤٥. وقد تناول أوليا قصة عزل ملك أحمد باشا (انظر سياحتنامه ج ١ ص ٢٧٨) ويعد المستشرق موزتمان من الباحثين القلائل الذين أبرزوا ملك أحمد باشا على أنه خال لأوليا چلبي فقد اكتفت مصادر أخرى كثيرة بالقول بأن أوليا يعد من أقارب ملك أحمد باشا الصدر الأعظم وأوليا چلبي نفسه هو أحد هذه المصادر (أنظر سياحتنامه ج ١ ص ٢٤٥) وأحمد وفيق باشا (انظر مقدمة المجلد الأول من سياحتنامه وقاموس الاعلام لشمس الدين سامى مادة أوليا چلبي وانظر كراتشكوفسكى : الأدب الجغرافى العربى ـ المجلد الثانى ترجمة صلاح الدين هاشم ص ٦٤٨ ويقول الدكتور : جاويد بايصون «والدى يمكن قوله فيما يتعلق بما بين آوليا وملك أحمد باشا من صلة قرابه هو أن أم ، آوليا چلبي ربما كانت اختا للصدر الأعظم ملك أحمد باشا وربما كانت من أقاربه أى أنه ليس هناك من الوثائق ما يعين الباحث على القطع بأنها كانت شقيقة هذا الصدر الأعظم (انظر ج بايصون ـ المصدر السابق ـ ص ٤٠١) + د. عمرو عبد الباقى ، الرحالة التركى آوليا چلبي مجلة كلية اللغات والترجمة ١٤٠٩ ه‍ ـ ١٩٨٩ م العدد التاسع عشر+ د. الصفصافى أحمد المرسى نفس المجلة العدد العاشر) (المترجم).

٥٤

الآن «آتاتورك بولوارى». ومن الطريف حسب قول آوليا نفسه أنه كانت للعائلة محلات دباغة تبلغ ثلاثة عشر محلا يعمل بها أكثر من مائة عامل. ولم يبق منها إلى الآن إلا الإسم فقط ، فما زال فى الحي شارعا يسمى «صاغريجى صوقاغى» أي شارع الدبّاغ.

حفظ آوليا القرآن ؛ فلقّب ب «حافظ» ، ولما كان إبن جواهرجي السراي ، وتعلم في القسم الداخلى بالسراي فلقّب ب «چلبي» أي المذهّب ، ولمتعلم ، ومن هنا فإن الإسم الكامل له هى «الحافظ آوليا چلبي بن درويش محمد ظلى». وحسب العادات ، والآعراف التركية العثمانية القديمة ؛ كانت هناك مراسم وإحتفالات تقام لتسمية المولود ؛ منها الاذان فى الأذن اليمنى ، وقد قام بهذا ـ كما سبقت الإشارة ـ شيخ الإسلام صنع الله أفندى (١) وهو الذى أطلق عليه لقب آوليا ، ثم إنضم إلي الحفل كيسوه دار محمد أفندى ، وكان شخصا محترما محبوبا من الجميع ، فاحتضن الوليد ، وأذن في أذنه اليسرى .. وهو الذى أطلق عليه إسم محمد. من هذا المنطلق يصبح «محمد آوليا چلبى بن درويش محمد ظلي».

أيا كانت الأسماء ، والآلقاب ، فقد وصلنا الإسم الذي عرف به وهو «آوليا چلبي». والده هو درويش محمد ظلي (٢).

__________________

(١) شيخ الإسلام صنع الله أفندى ؛ هو صنع الله أفندى ابن الحاج مصطفى بن جعفر أفندى ، ١٥٥٢ ـ ١٦٢١ م. وهو شيخ الإسلام الثالث والعشرين فى الدولة العثمانية. (المترجم)

(٢) درويش محمد ظلى ؛ والد آوليا چلبي وقد عاصر هذا الوالد تسعا من السلاطين العثمانيين اعتبارا من السلطان سليمان القانونى وتوفي عن مائة وتسعة عشر عاما .. بدأ منادما ، ومصاحبا للسلطان القانوني ، ولحسن صوته ؛ عمل مؤذنا أساسيا في جامع سليم الثاني فى أدرنه ؛ ولما كان فنانا ؛ أصبح رئيسا لجواهرجية السراي إعتبارا من عصر سليم الثاني هذا ، ثم تدرج ، وتدرب علي العديد من الآعمال التي طوّرت ، ونمّقت الفنون لديه .. كانت له محلاته التي تعمل في الجواهر ، فخرجرت من تحت يديه قطع فنية نادرة .. منها ساعة جميلة جعلها في خاتم السلطان محمد الثالث وباب الحرم المشغول خصيصا لجامع السلطان أحمد .. وأرسل به إلى مكة خصيصا لصنع المزراب الذهبي الذي صنعه بيديه لتصريف مياه الأمطار من فوق سطح الكعبة المشرفة ؛ والدولاب الذي صنعه من قنطار من الفضة ل «قدم النبي» ـ أثر النبي» (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) في مصر .. والبوابات ، والأبواب الفنية الرائعة التى صنّعها بنفسه لجامع «استركون» .. وخرجت من تحت يديه العديد من البسملات ، والآيات ، وآبيات من الشعر كتبها بالخط العربي الجميل لكي تزدان بها الأسبلة .. والمحاريب .. والمنابر في العديد من المدن ، والأحياء التي طاف بها آوليا فيما بعد ، وذكر أنها من إبداعات والده انظر : جعفر أرقليچ ص ٦) (المترجم).

٥٥

للوالد تأثير كبير ، وذكريات كثيرة ، ومآثر حميدة ؛ كانت تمنح آوليا الفرصة لكي يتحدث عن والده في ثنايا كتاب الرحلات التي قام بها فيما بعد.

وكلمة «درويش» التى تسبق ، أو تلحق باسم «محمد ظلي» لا بد أنه إكتسبها لمسلكه الديني ، أو الصوفى الذي لازمه ؛ وذلك لأنه كان من المداومين على حضور جلسات الذكر فى تكية الشيخ عزيز محمود خدائي (١) الذي كان من مشاهير مشايخ عصره. وكان الوالد ، دائما ما يصطحب ولده ، ويجعله يشارك في المراسم ، والتراتيل ، والإنشاد الديني ، ويجالس كبار المرشدين ، والمريدين في التكية.

لقد وفدت بدايات العائلة من آواسط آسيا ، وتوطنوا حي زره كان فى كوتاهية (٢). ثم شيدت العائلة بيوتا لها في كل من «برغامة» (٣) و «بورصة» (٤) ، وامتلكوا مزرعة فى صانديقلى (٥). وعند فتح استانبول ، بالرغم من أن العائلة قد انتقلت إليها ، إلا أنها لم تقطع صلاتها بما هو خارج العاصمة.

__________________

(١) مرجع سبق ذكره ص ٦Cafer Erkilic ـ ١.

(٢) عزيز محمود خدائي ؛ وهو من كبار مشايخ الطريقة الخلوتية ، اشتهر بكثير من أشعاره التى تدعو إلى الزهد ، والعبادة الخالصة لوجه الله. بعد أن أتم علومه ، سلك سلك القضاء ، انتسب فى بادئ الأمر إلى الطريقة المولوية ، وأخذ العهد على سيخها ، استقر بطريقته في اسكيدار ، وعمل بالوعظ والإرشاد فى اواخر أيامه ، توفى ١٠٣٨ ه‍ وضريحه من المزارات المفتوحة حتى العصر الحاضر ؛ انظر ، شمس الدين سامى ، قاموس الاعلام ج ٣) (المترجم).

(٣) كوتاهية : (مركز ولاية فى العصر العثماني ، وكانت تقع فى جنوب شرق ولايتى خداوندكار ، وبروسه. من المدن التى لعبت دورا مهما فى الحضارة الإسلامية على مر العصور. بها العديد من الآثار الإسلامية التى ترجع إلى العصور السابقة من السلاجقة والعثمانيين. وفى العصر الحديث هناك قضاء يحمل نفس الإسم. وتقع بالقرب من ولاية أنقرة. واراضيها تغطى حوالى ١٨٠٠٠ كم ٢ من مساحة تركيا المعاصرة ، تتمتع بطقس جميل ، وحركة سياحية نشطة. انظر : شمس الدين سامى ؛ قاموس الاعلام ج ٥) (المترجم)

(٤) برغامه ؛ إحدى المدن الصغيرة القريبة فى بورصه ، ومناخها معتدل ، وزراعية. «المترجم»

(٥) بورصه : إحدى أشهر المدن التركية المعاصرة. وكانت أول عاصمه للدولة العثمانية. ثم تلتها أدرنة ثم استانبول. لها مكانه مرموقة فى الحضارة التركية العثمانية حيث شيد بها العديد من المساجد والجوامع والمدارس والأضرحة العثمانية. وظلت إلى عهد بعيد من الفتح العثمانى لمدينة استانبول وهى المدفن الأساسى للسلاطين العثمانين. انظر ؛ للمترجم استانبول عبق التاريخ وروعة الحضارة ، القاهرة ١٩٩٩. ص ٢٣) (المترجم)

(٦) صاندقلى ـ صانديقلى ؛ مركز قضاء ، سكانها جميعا كانوا وما زالوا من المسلمين ، تابعة لولاية خداوندكار. وبها العديد من الاثار الإسلامية التى ترجع إلى العصور السابقة. ويقع فى شمالها الغربى سنجق كوتاهية. وفى جنوبها الشرقى قونية. تحوظ بها الجبال المرتفعة. كانت كثيرة المراعى فى العصر العثمانى ، ينبع منها نهر مندريس الكبير. فى جنوبها الغربي توجد بحيرة (آجى كول). متعددة المحاصيل فى العصر الحديث. تكثر بها المعادن الطبيعية. تربطها بالعديد من المدن الطرق الحديدية ، والطرق البرية الجيدة. بها مياه معدنية للإستشفاء. انظر : شمس الدين سامى ، قاموس الأعلام ، ج ٤) (المترجم)

٥٦

الأم ؛ والتى لم يشأ آوليا ذكر إسمها ـ كعادة الشرقيين ـ هي فتاة آباظية (١) وفدت هي الآخرى من قفقاسيا (٢). أضحت خالة ، أو إبنة خالة ملك أحمد باشا الذي صار وزيرا ، ثم صدرا أعظم ، في الدولة العثمانية. وقد تزوجها جواهرجي القصر درويش محمد ظلي ... ومن هنا كانت صلة آوليا چلبي بملك أحمد باشا ، وطيدة طوال حياته ، وبسط أحمد باشا عليه عطفه ، وحمايته .. كما حظي برعاية زوجته اسمهان قايا سلطان إبنة السلطان مراد الرابع (١٦٢٣ ـ ١٦٤٠ م). ولهذا ؛ كانوا ينسبون آوليا آحيانا إلي ملك أحمد باشا. كما كانت تربطه قرابة مع دفتردار زاده محمد باشا ، وإبشير باشا ، فقد كان الأخير يخاطبه دائما قائلا «آولياي الحافظ» أو «الحافظ آولياي» ، أما دفتردار زاده فقد كان يصطحبه ، ويجعله فى معيته آينما ذهب .. (٣).

إن آوليا ، بالرغم من ولعه بالحديث عن أسرته ، إلا أننا لا نجده يتحدث عن أمه إلا فى مناسبتين فقط ؛ عندما رأي الحناء في قدميها ، وأعجب بذلك ، وعند ما كان يراها ، وهى تطرز بخيوط الذهب المكرميات ، والملائات «الحراشف» وآغطية المخّديات .. وأنه ذكر ؛ أن من بين المحتويات التى تركتها جدته لأمه ما بين أربعين ، أو خمسين دينارا ذهبيا من سكة السلطان مراد الثالث ، ويتحدث أحيانا عن زوجة أبيه .. وربما يكون مرد ذلك إلى وفاة والدته ، وهو في سن صغير.

لم يذكر من الإخوة سوى أخا ، باسم محمود ، وبضع آخوات ، إحداهن ؛ تسمى «إينال» وهي تكبره ، وقد تزوجها «كل إيلياس پاشا ، أي ايلياس باشا الأقرع» صولاق اوغلى» الذى أعدم في سراي چنكل كوي ، خلال الثورة التى قام بها ، فى عهد مراد الرابع .. ويتضح من حكايات آوليا أنها لم تعش طويلا بعد إعدام زوجها

__________________

(١) آپاظة ـ أپازه ، تقع فى شمال قفقاسيا ، وفى الشمال الغربي من بلاد الچركس ؛ يمتاز مناخها بالإعتدال ، وأرضها خصبة رغم أنها جبلية ، ويعمل الأهالي بالرعي ، ومشهود لهم بالشجاعة. دخلت تحت سيطرة الروس ، لذلك اتفقوا مع الترك والتتار لمحاربتهم ، انظر. ش. سامى. الاعلام ص ٤٠٣ (المترجم).

(٢) قفقاسيا : بلاد القفقاز ـ القفقاس. وتقع بين آسيا وأوروبا ، وبين البحر الأسود ، وبحر الخزر ، تتكون من عشر ولايات. ظلت تابعة للحكم الروسى ، وتنقسم إلى إقليمين قفقاس الأدنى ، وما وراء القفقاس. سكانها يتصفون بالشجاعة وهم من المسلمين السنيين. وهى موطن الچركس ، والشيشان ، ويتصف رجالها ونساءها بالجمال ، ولذلك احتلوا مناصب حساسة فى الدولة العثمانية. (المترجم)

(٣) مرجع سبق ذكره ص ٦CaFer Erkilic ـ ١.

٥٧

الذى كان قد إختطفها من كوتاهية ، وأن إحداهن كانت في سراي قايا سلطان ، ولم يذكر شيئا عن الأخريات.

ينحدر أيضا إلى أسرة الأب ، والأم مجموعة من الشعراء ؛ كالشاعر موللا فيراقي ، وقول اوغلى محمد چلبي ، وابراهيم چلبي الكرمياني الذي كان يقرض الشعر متخلصا ب «شريفي» وعلمدار موللا محمد بن يعقوب. (١) كما لا يمل آوليا من الحديث عن عظماء العائلة ، ومدافنها التي تحتوي علي الكثيرين من المشاهير فى معظم مدافن كوتاهية ، وبورصة ، وشتى أحياء مدينة استانبول (٢).

طفولة آوليا وتعليمه :

مما سبق نلمح فى حياة الرحّالة آوليا چلبي الجو المترف الذي تربي فيه ، وعاش طفولته المبكرة .. ولقد مكنته مناصب الآقارب ، ووجود والده فى السراي من تعليم راقي.

درس آوليا چلبي في المدرسة الإبتدائية ، وكان طالبا فى مدرسة شيخ الإسلام حامد أفندى ، فى نفس الحي الذى ولد فيه ، وظل يتعلم لمدة سبع سنوات على المعلم أخفش أفندي. وكان يداوم على حفظ القرآن الكريم حتى أتقنه علي يد معلمه ، وشيخه آوليا محمد أفندي ، وحسب قوله هو ؛ ظل في كتاب سعدي زاده إحدى عشر سنة للدراسة ، والتعلم.

ودرس التجويد ، والقراءات ، وصمم على التفرغ للعلم. بينما كان يتعلم علي أبيه فن الخط ، وفنونا آخرى كصقل الآحجار الكريمة ، والكتابة عليها. (٣)

كانت لآوليا إهتمامات بالموسيقى ، والإنشاد ، ونراه فى سنة (١٠٤٥ ه‍ ـ ١٦٢٥ م) حافظا ، ومرتلا في جامع الآياصوفيا .. واجتذب إهتمام السلطان مراد ، والحاضرين فى إحتفال ليلة القدر ، فطلب السلطان أن يأتي إليه ، ولما استقبله فى مقصورته ؛ خلع عليه ، وقدّره ، وطلب أن يكون من مصاحبيه. (٤)

__________________

(١) مرجع سبق ذكره ص ٧Evliya Celebi Hayati ,Sanat ,Eserleri , ـ ١.

(٢) انظر مادة آوليا ، دائرة المعارف الإسلامية.Is.Andik.Evliya Celebi Mad. ـ ٢

(٣) مرجع سبق ذكره ؛ ص ٤٠١ : M.Cavid Baysun ـ ١

(٤) آوليا چلبي سياحتنامه س ؛ ج ١ ص ٢٤٤.

٥٨

ويروى آوليا چلبى هذه الواقعة المهمة فى حياته على النحو الاتى :

[كانت ليلة القدر من شهر رمضان لعام ١٠٤٥ ه‍ ـ الموافق ١٦٤٦ م ، وكما يحدث فى كل عام كان عدة آلاف من الحضور فى جامع الآياصوفيا .. وفى تلك الآثناء ، وبينما كان آستاذي آوليا محمد أفندي يختم القرآن الكريم ، وبسبب رغبة ، وإصرار والدي درويش محمد آغا وبعد صلاة التراويح في مقصورة المؤذنين الموجودة في المسجد ، وفي ليلة القدر تلك بدأت فى ختم القرآن الكريم .. وعند الإنتهاء من سورة الأنعام خرج كل من [قوزبكچى محمد آغا] ، و (سلحدار ملك أحمد آغا) من المقصورة ، وألبسوني تاج يوسف المقصّب بالذهب. وسط هذه الجموع الغفيرة ؛ وأمسكوني من يدي قائلين! «تفضل .. إن صاحب السعادة السلطان يريدكم ...) وأحضروني إلي مقصورة السلطان .. (١).

أدرك السلطان مراد انفعال آوليا فسأله : [فى كم ساعة تستطيع ختم القرآن .. فرد آوليا .. «مولاي السلطان لو شئت فإنني أختمه فى سبع ساعات ، ولكنني أختمه إن شاء الله في ثماني ساعات دون إفراط أو تفريط) فأحسن السلطان عليه بحفنة من الذهب قائلا : «إن شاء الله تكون مصاحبي». (٢)

وكان لا بد أن يتعلم في الأندرون ـ القسم الداخلي ، بالسراي (٣) ، وهنا تابع تعلم اللغة العربية ، والفارسية ، وفنون الخط العربي .. إلى جانب ذلك كان مغرما بقراءة التاريخ .. والإبتهالات الدينية .. ولهذا حفظ بعض المختارات من كلستان سعدى (٤)

__________________

(١). ـ ٧٧ ـ ١٠.Resad Ekrem Kocu.S

(٢) s : ، ١٩٥١Cilt ٢ ، aralik ٢٤ : Tarih Mev.Sa؟

Zuhuri Danisman : Evliya Celebi Nasil Musahip Oldu

+ ١١٦٨ ـ ١١٦٨

(٣) الآندرون : مصطلح عثمانى كان يطلق على مدارس السراى أو البلاط السلطانى ، ويعنى الأجهزة التعليمية ، أو المدارس والإدارات التى تعد الموظفين الذين سيعملون داخل القصر وفى البلاط المهمايونى ، ويمد السلطان والقصر بكل ما يلزمه من العلماء والقواد والاداريين والحرفيين وقد كانوا جميعا يتخرجون فى هذه المدارس ، وقد كان طلاب هذه المدارس يجمعون فى الحروب «الديوشيرمة» ويربون على تعاليم الاسلام وطاعة السلطان والعمل فى خدمته. وكذا من الشباب الأتراك والمسلمين النابهين. وقد كانت بحق مدارس نظامية داخلية محكمة التنظيم أنظر : المصدر السابق : محمد ذكى باقلين (المترجم)

(٤) كلستان سعدى : سعدى ؛ هو الشيخ مصلح الدين الشيرازى ، من آعاظم شعراء ايران وحكمائها المتصوفين. ولد فى آواخر القرن السادس الهجرى وفى عصر سعد بن زنكى بمدينة شيراز. ونسب لهذا الحاكم فاشتهر بسعدى ، عاش ١٠٣ سنة ، بعد سن الطفولة قضى ٣٠ عاما فى التعلم ، و ٣٠ سنة فى العسكرية والسياحة ، و ٣٠ فى

٥٩

ومثنوي جلال الدين الرومي (١) ، وكان يستشهد ببعضها فى كتاباته ، وخلال رحلاته التى دوّنها في سياحتنامته.

دخل آوليا القصر ، وسلموه إلى رئيس آغوات السراي واختاروا له غرفة بالقرب من الجناح السلطاني ، وألبسوه ملابس لائقة .. وعلموه كيفية التحرك ، والتصرف في حضرة السلطان .. ورويدا .. رويدا بدأ في حضور مجالس السلطان. وحسب رواية آوليا نفسه ؛ فقد كان يجيد الشيئ الكثير من فنون القول ، والشعر العربى ، والفارسي ، والسرياني ، واليوناني. وفنون الغناء الشعبي التركي ، والموسيقى .. والذكر والأدب ، ويحفظ الكثير من الشعر فى البحر الطويل ، ومن القصائد وترجيح بند ، وتركيب بند (٢) والمرثية ، والعيدية .. (٣).

يصف آوليا نفسه ، وهو فى مرحلة السراي ، بأنه كان فى حوالي العشرين من عمره ، وكان رشيدا ، نجيبا ، على علم بمجالس الأدب ، وحلقات الذكر ، والعلم. وأنه ، وهو فى حضرة السلطان كان حلو اللسان طليقه .. منادما خفيف الظل ... هذا وغيره مما جعله ينال رضاء السلطان ، ورعايته ، وشرف صحبته (٤).

__________________

الزهد والعبادة. كتب كتابه المشهور كلستان سعدى أي «حديقة سعدى» وهو فى سن ٦٧ من عمره نالت كتبه «بوستان» ، «كلستان» شهرة واسعة فى عالم الأدب ، أثر فى كل من أتى بعده من شعراء الفرس والترك. وانتشرت اشعاره فى هذه المناطق الشاسعة. وكان يحفظها كل من يشتغل بالفكر والأدب. أنظر : شمس الدين سامى ، قاموس الأعلام ج ٤) «المترجم»

(١) مولانا جلال الدين الرومى : (١٢٠٧ ـ ١٢٧٣ م) من أكبر شعراء التصوف فى العالم الإسلامى ، عالم ، وفيلسوف ومؤسس الطريقة المولوية. ولد فى منطقه بلخ فى خراسان. والده كان سلطان العلماء بهاء الدين ولد. والدته مؤمنة خاتون من عائلة الإمبراطورية الخارزمشاهية. ترك بلخ متوجها الى الأناضول إلى مكة سنة ١٢١٢ م ثم انتقل عن طريق الشام الى الأناضول وعند ما وصل إلى قونيه عاصمة الدولة السلچوقية كان على عرشها السلطان علاء الدين كيقوباد ، فاستقبله بحفاوة بالغة سنة ١٢٢٨ م. له كتب عديدة فى التصوف ولكن أشهرها قاطبة هو كتاب المثنوى المكون من ٧٠٠ ، ٢٦ بيتا وقد كتبه باللغة الفارسية ، وترجم بعض أجزاؤه د. محمد كفافى ثم أكملها وأعدها كاملة من جديد الصديق العزيز المرحوم الأستاذ الدكتور إبراهيم الدسوقى يوسف شتا. وله «ديوان كبير» الديوان الكبير. ومجالس سبعة ، أى المجالس السبعه وكلها تدور حول التصوف والعرفان وما يتعلق بهما من آداب ومراسم. وله مكتوبات وهى رسائل فى الوعظ والإرشاد ؛ انظر : د. الصفصافى أحمد المرسى ، استانبول عبق التاريخ وروعة الحضارة القاهرة ١٩٩٩ ص ١٤٤ هامش (المترجم).

(٢) ترجيح بند وتركيب بند ؛ من فنون الشعر الفارسي والتركي ، وقد حرص الشعراء الفرس والترك بأن يدلي كل منهم بدلوه فيهما. «المترجم».

(٣) ١١٦٩ ـ ـ ـ ـ ـ ١١٦٨Zuhuri Danisman.s ـ ٣

(٤) المرجع السابق ، ص ١١٧٠.

٦٠