الرّحلة الحجازيّة

أوليا چلبي

الرّحلة الحجازيّة

المؤلف:

أوليا چلبي


المترجم: الدكتور الصفصافي أحمد المرسي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الآفاق العربيّة
الطبعة: ٠
ISBN: 977-5227-55-3
الصفحات: ٣٠٢

الذهاب من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة وبيان ذلك

أمر حسين باشا قائد القافلة بالمدافع ؛ فأطلقت ، إعلانا بالتحرك. وبعد أن أدى جميع الحجاج زيارة الوداع خرجت القافلة من المدينة ، ميممة وجهها شطر المسجد الحرام .. نحو مكة المكرمة. وسارت القافلة ساعتين نحو الجنوب حتى وصلنا إلى أبار على.

آبار سيدنا على :

مكان مسطح واسع ، بالقرب من أودية كبيرة ، وقد قام سيدنا على ، كرم الله وجهه بحفر بئر واسع عذب المياه ، وأصبح وكأنه بستان ، يستخرج منه الماء ، بالدواليب والسواقى ، وحوله أحواض كبيرة يشرب منها الحجيج ويسقون دوابهم ، ويغتسلون فى مياهها ، ويحرمون اعتبارا من هذا الموقع. وداخل بساتين النخيل ، مكان جميل للتنزه ، والترويح عن النفس. وحول تلك الآبار المتناثرة ، وفى جميع نواحيها أقام أهل المدينة مزارعهم. وفى كل عام ، وخلال موسم الحج ، يقيم الآهالى حولها سوقا كبيرا ، يبيعون فيه للحجيج منتجاتهم ، ويتكسب فقراء المدينة ، من تعليم الحجاج شروط الإحرام ، وكيفيته.

ودعاء العمرة على النحو التالى :

(لبيك اللهم عمره .. فيسرها لى ..).

وهكذا يكون الإحرام ، ولبس الحرير محرم ، وعلى الحاج ، أو المعتمر ، ألا يلبس ثيابا مخيطة أو مطرزة. ويرى بعض الأئمة ؛ أنه من الممكن ، والجائز للفرد ؛ أن يحمل سلاحا فى ذلك الوقت ، بينما يرى البعض ، الآخر ، أن حمل السلاح ممنوع ، حيث أن الفسق ، والقتل ، وإثارة الشغب ممنوع ، ومحرم فى أشهر الحج .. وعلى الحاج ألا يرتدى الملابس حتى ينحر الذبائح فى منى .. وإن ارتدى ملابسه فعليه أن يذبح أضحية. وعلى من أراد الحج ينوى بالدعاء التالى :

(اللهم إنى نويت أداء الحج ، فيسره لي ، واقبله مني ..)

ويوجد فى مكان آبار على هذا ، مسجد علي كرم الله وجهه ، وله ثنتا عشرة قبة.

١٦١

ويؤدّى فيه الحجاج ركعتين سنة الإحرام ، والمسجد مفروش من الداخل بالرمل ، وفى هذه المنطقة ؛ يرتدى الجميع ملابس الإحرام البيضاء ، وتعلو أصواتهم بالتلبية «لبيك اللهم لبيك» ، وتعج الجبال ، والوديان بأناس وقد تدثروا ، في ملابس إحرامهم البيضاء ، وتصدح تلك الجبال والوديان بتلبياتهم.

أدينا فى نفس الموقع صلاة العشاء ، وأشعلنا المشاعل ، ثم بدأنا نسلك طرقا ، أكثر تعبيدا ، مارين من داخل القرى التابعة للمدينة. وبعد آبار على هذه ، تبدأ حدود مكة ، وقد مررنا بقرى ذات حدائق وبساتين ، وإستمرت مسيرتنا تنثا عشرة ساعة حتى وصلنا إلى :

منزل مقابر الشهداء :

فى هذا المكان كانت قد وقعت حرب ضروس بين المسلمين وكفار مكة فى عهد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، واستشهد فيها أكثر من ألف من الصحابة الكرام .. تنتشر فى المكان النباتات الشوكية .. وقد مكثنا فيه بعض الوقت حيث أحضر البدو ما فى حوزتهم مما يأكل ، أو يشرب ؛ لكي يبيعونه للحجيج.

عند السحر ، بدأنا المسير حتى وصلنا إلى «حوض إبن مسعود» الذى كان خاويا تماما من المياه ، ثم مررنا ببركة شيخ الحرم وسبيله. وفى وسط منطقة صخرية ملساء ، توجد قاعة صغيرة تسمى «مصطبة الغزال». حيث قد مر الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ، بهذه المنطقة ، فرأى صيادين ، وقد هموا بذبح غزال ليأكلوه ؛ فأنطق الله سبحانه وتعالى الغزال وقال :

«.. يا رسول الله ، لابد أنهم سيأكلوننى ، ولى صغار ينتظروننى ، ولا بد أنهم يتضورون جوعا ، وسيموتون إذا لم أعد ، فلأذهب إليهم ، وأشبعهم ، ثم أعود إلى هنا مرة أخرى ، وليذبحوننى عندئذ ويأكلوننى» .. فيقول المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وسلم للصيادين .. «اتركوا هذا الغزال ليرضع صغاره ، وأنا كفيل بعودته ، فإذا لم يعد إذبحوننى أنا. بدلا منه ..» وما أن سمع الصيادون الكفرة ذلك حتى أطلقوا سراح الغزال قائلين ، لنر كيف تكون النهاية.

يصل الغزال إلى صغاره. فيرضعهم حتى الشبع ثم يقول لهم .. [.. يا أولادى إن

١٦٢

سيد العالمين محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم حبيس من أجلى ، فلأخلصه من الكفالة ، ولا يجب أن أحنث فى عهدى .. فليأكلنى الصيادون ..] وينطلق الغزال ، بعد ذلك وما أن رأوه الكفار ، حتى أسلموا جميعا فى لحظة واحدة.

لهذا ، أطلق الآهالى على هذا المكان اسم «مصطبة الغزال». صلينا ركعتين فى هذا المكان أيضا ، ثم مضينا ثلاث عشرة ساعة ، من مقابر الشهداء حتى وصلنا إلى

منزل ال «جديده» :

هضبة صغيرة محصورة بين جبلين ، قصبة بها ستمائة حديقة من النخيل والأعناب ، خاضعة لحكم الشريف ، بها وادى ، وقد قام بتعميرها رضوان بك ، أمير الحج المصرى ، وفى هذا الوادى سبعة أنواع من أشجار النخيل ، منازلها متينة البناء. به العديد من الورود والمراعى ، وبهذا المكان مياه كثيرة ، أهلها أغنياء جدا. ويوجد جامع صغير لرضوان بك ، وله حمام عام ، كما يوجد سوق صغير ، وأمام الجامع عين ماء يسمونها [عين الزرقا] ، وتكثر العيون بهذه المنطقة ، كما أن بها عيون ساخنة المياه ، تبرد عندما يصبح الجو رطبا ، وتصير كالثلج ، وفى سوقها تقوم السيدات العربيات بالبيع والشراء ، وهن راضيات مبتسمات ، أغلبهن مليحات. وفى شرق ذلك المكان ، وبين الصخور يوجد مزار الشيخ سعد الدين الرومى (١). وعلى بعد ألف خطوة من هذا الوادى توجد قرية عربية بها أربعون أو خمسون منزلا ، كما أن بها حوض والدة السلطان مراد الرابع وبهذا المكان أيضا مزار الشيخ صالح. وقد أطلق الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم على هذا المكان إسم «وادى نخل حنين».

قضينا وقت الظهر فى موقع ال «جديده» هذا ، ثم ذهبنا بين الحدائق ، والبساتين ، وأحيانا ؛ بين وديان من الصخور ، متجهين نحو المشرق ، وأحيانا ، نحو المغرب ، بشكل متعرج ، حتى إقتربنا من «بدر حنين» وكان بالقرب من الطريق. «جبل صاجمان» :

__________________

(١) الشيخ سعد الدين الرومى :؟

هل هو سعد الدين أفندى زاده الذى تولى مشيخة الإسلام مرتين فى عصر كل من السلطان محمد الثالث والسلطان أحمد الأول. وابن الشيخ سعد الدين خواجه آفندى شيخ الإسلام ؛ الذى كان مدرسا فى بروسه عند ما ولد إبنه سعد الدين هذا .. وبعد أن اتم دراسته وتحصيل العلوم ، عيّن موللا على مكة المكرمة سنة ١٠٠٠ ه‍ ـ ١٥٩١ م؟ (المترجم)

١٦٣

وهو جبل مرتفع قرمزى أي أحمر اللون ، وعند ما كان النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم متوجها إلى غزوة الحديبية ، توقف فى هذا المكان ، ثم صعد إلى ذلك الجبل ، وتوجه إلى الله ، بالدعاء لنصرة جند الإسلام. ويكثر معدن الزمرد بهذا الجبل. فتح النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم هذه الديار ، وأرسل الرسل برسائل الفتح إلى حكام المناطق المتاخمة ومنهم «يرويز» شاه العجم ، وقد دعاهم جميعا إلى الإسلام ، وفى الجانب الغربي من هذا الجبل يوجد جبل عرج.

ثم مررنا بعد ذلك بكثير من القري ، التي تمر بها مياه عين الزرقاء ، وتكثر فيها الحدائق ، والبساتين الغناء. فحيثما كان يذهب الرسول ، أو يمضى كانت مياه عين الزرقاء هذه تسيل ، وتمضى إلى ذلك المكان ، من تحت سطح الأرض ، وأينما طلبها الرسول ، كانت تخرج المياه إلى وجه الأرض. «والله على كل شئ قدير».

قرية صاجمان :

قرية بها ثلاثمائة منزل ، بها حدائق ، وبساتين ، وجامع ، وحمام عام ، ومياهها من عين الزرقاء ، تبيع النساء فيها ما يملكون من فواكه ، أو تمور ، يستأجر فيها الحجاج ما يلزمهم من الجمال ، ويبيع أطفالها الخبز الأبيض ، والرقاق المعجون بالزبد ، أو العسل. وما أن تبعد عن الجديده مسيرة ثمان عشرة ساعة حتى تصل إلى قلعة بدر.

وصف قلعة بدر :

فتحها النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بنفسه فى السنة الثانية للهجرة ، حيث قتل أبى جهل ، ومعه سبعين رجلا ، من رجاله ، كما أسر كعب بن عمر سبعين مكيا ، وأحضرهم مكبلين فى الآغلال إلى مجلس النبى ، فأسلموا جميعا ، وألبس الرسول الأكرم عمامته السوداء لحضرة العباس ، وما أن وضعها صلى‌الله‌عليه‌وسلم على رأس العباس حتى قال الصحابة الكرام «لتكن مباركة للعباس» ، مجمل القول أن أبا جهل رأس الكفرة المشركين ، قد قتل ومعه سبعين نفرا من رجاله وقتل سبعة آلاف كافر؟! وأسلم ألف نفر ، وقد غضب أبو لهب عندما سمع ذلك فى مكة. وبينما كانت زوجته تحضر الخشب

١٦٤

والحطب إلى منزله ، جلست على صخرة لتلتقط أنفاسها ، وظنت أنها قد وضعت الحطب على الصخرة ، ولكن الحطب يسقط خلف الصخرة ، فيلتف الحبل المربوط به الحطب حول رقبتها ، فتخنق ، وتلفظ أنفاسها ، وهكذا أهلكت زوجة أبا لهب الذى نزلت فى حقهما سورة (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (١) ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ (٢) سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ (٣) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (٤) فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (٥))(١) وتحت رجاء ، وطلب الصحابة الكرام ، هدّمت القلعة لما عانوه من صعاب ، ومتاعب جامة فى الفتح.

وفى جنوب هذا الموقع ، تقام العبادة فى المحراب ، والصّفّة التى أقام الرسول الكريم خيمته بها. ونحو القبلة من هذا الموقع ، وعلى بعد خمسمائة خطوة ، وعلى جبل ، وعر ، منحدر ، يقع غار النبى.

غار النبى :

دخل الرسول الكريم هذا الغار ، وأخذ يدعو بالنصر المظفر لصحابته الميامين. وقد دفن بهذه المغارة كل من نال الشهادة ، وحظى بالإستشهاد فى معركة بدر من الصحابة. قام الرسول الأكرم ، بثمانية وعشرين غزوة ، وكانت غزوة بدر تلك ، وغزوة أحد ، هما أكبر هذه الغزوات جميعا.

وجنوب بدر حنين ، يوجد بئر بلا ماء ، وقد ألقيت فيه جثث الكفرة الفجرة الذين ماتوا فى هذه الحرب ، وكان ذلك بأمر الرسول الأكرم. وظلت جثة أبى جهل النتنة فى هذا البئر السحيق. ولا يطاق الوصول إليه لما ينبعث منه من رائحة كريهة. ويقال أن أنينا يصدر منه دائما ، ولكننى أنا العبد الحقير مررت من جانب هذا البئر ، ولم أسمع الأصوات.

وصف بدر حنين :

أطراف هذه المدينة الأربع صخور حمراء. خاضعة لقائمقامية (٢) الشريف على

__________________

(١) سورة المسد ، مكية.

(٢) قائمقامية الشريف ؛ قائم مقام ؛ معتمد أو وزير أو مسئوول يحل محل الصدر الأعظم أو الوزير أو الوالى فى الإدارة ، وكان هناك ديوان للقائمقامية وقائمقام فى الآستانه لإدارة الأمور السياسية والإدارية. كما كان القائمقام يتولى

١٦٥

مسافة من شاطئ البحر الأحمر مسيرة ما يقرب من خمس ساعات. بها نائب لموللا مكة (١) ، وأربعمائة بيت عربى ، وجامع من اللبن المتين البناء ، تتدفق مياه عين الزرقاء فى فناءه ، وبالقرب منه حوض كبير ، وناحية القبلة يوجد أيضا مسجد ذوقبة. وبها حمام عام ، ومئتا دكان. وفى هذه المدينة يلتقى طريق الحج المصرى (٢) بطريق الحج الشامى ويحتفل حجاج مصر ، بغزوة بدر ، فى هذا المكان حيث يشعلون المصابيح والمشاعل ، ويطلقون الفشنك «الأعيرة النارية». ولما كانت

__________________

الشئوون الإدارية وأمور الأوقاف. وفى التقسيمات الإدارية كانت السناجق ، والقصبات تقسم إلى قائمقاميات لتسهيل آعمال الادارة ، وأستتباب الأمن ، واحلال الربط والضبط. ومن هنا كانت قائمقامية الشريف فى مكة لمعاونة الوالى ، والسلطان فى تنظيم أمور الحج وإدارة الحجاز. (المترجم)

(١) موللامكة : منلا ؛ لقب علمي كان يطلق على من يحوز على رتبة واختصاصات المولوية ـ المشيخة. ثم أخذ يطلق على المتعلمين من أبناء الأصلاء والنجباء ، وآصحاب المراكز الإجتماعية الرفيعة. ثم أنحصر فيما بعد على العلماء والمشايخ فقط. كما كان يطلق على كبار المعلمين ، والمدرسين. فموللا مكة المكرمة هو المسئوول عن التعليم ، وأمور الدين ، والافتاء ، والقضاء فى مكة المكرمة .. وكان له مخصصاته الخاصة به. (المترجم)

(٢) طريق قافلة الحج المصري : وهو الطريق الذى كانت تسلكه قافلة الحج المصرى بعد أن ينضم إليها حجاج المغرب وشمال أفريقيا. وبعد إتمام المراسم المعتادة كانت القافلة تقطع المراحل التالية :

بركة الحاج :

وهى أول مراحل قافلة الحج المصرية :

جرت العادة منذ القدم أن يصحب أمير الحج المحمل المصرى الشريف ، وسط إحتفال كبير من مصر القاهرة ، ويتجه به إلى (بركة الحاج) ، وهناك يلتقى بقافلة الحج المصرية ، ثم ينضما إلى بعضهما البعض ، ويتجه الموكب بعد ذلك إلى (هدف البويب).

هدف البويب :

وهو ممر ضيق جدا محصور بين جبلين ، توجد فى طرفه الأيمن من ناحية الشرق هضبة مرتفعة.

ويتجه الموكب نحو منزل (الحمرا) ، بعد أن يغادر هدف البويب ، وقد أقامت السلطات المعنية فى هذا الموقع عدة أبنية وفسقية ماء من أجل الحجاج.

الحمرا :

تصل القوافل بعد الحمرا إلي (نخيل غانم) ، ثم إلى (بركة عجرود).

بركة عجرود :

تعتبر هذه المرحلة المنهل الأول. وفيها نهير يصب مياهه فى الوادى ، وبها خان كبير ينسب إلى السلطان قانصوه الغورى وثلاث فسقيات خصيصا من أجل الحجاج وهى تقع تجاه السويس ، وتسمى أيضا عيون موسى.

وتصل القافلة المصرية إلى (منصرف) بعد أن تتحرك بركة عجرود ، ثم تنزل فى استراحة قبيبات).

منصرف :

وتوجد بهذه المرحلة بعض المنخفضات ويظن البعض أن تلك المنخفضات كان قد حفرها الملوك السابقون فى العهود الغابرة ، للربط بين البحر الأبيض والبحر والأحمر ، وهى التى حفرت مكانها الآن قناة السويس.

وسبب تسمية قبيبات بهذا الاسم راجع إلى وجود عدة كثبان رملية صغيرة فى هذا الموقع.

١٦٦

قريبة من البحر ، فإنه يأتى إليها أشياء كثيرة من مصر ويعمها الرخاء. اشترى

__________________

قبيبات :

بعد أن يغادر الموكب قبيبات يصل إلي (أول التيه) ، وبعدها يحط رحاله فى الموقع المسمى (وسط التيه) الذى يدعى (روض الجميل) أيضا.

أول التيه :

هو بداية التيه لبنى إسرائيل ، والتيه المذكورة عبارة عن صحراء مترامية الأطراف على جانبها الأيمن جبل الطور ، وعلى جانبها الايسر جبل العريش. طوله وعرضه أربعون فرسخا ، شديد البرودة شتاءا ، مرتفع الحرارة صيفا. لا يوجد فيه ما يحتمى به من البرودة أو الحرارة ، ومياهه معدومة. وقد تاه فيه بنو إسرائيل مدة أربعين سنة ، وظلوا حيارى ذهابا وإيابا بين هاتين المرحلتين. ولذلك سميت تيه بنى إسرائيل. ويلى وسط التيه مرحلة (بطن النخيل) وبعدها (وادى التجر) ، وبه ينبوع ماء. وقد أمر السلطان قنصوه الغورى بإقامة حصن وفسقية فى هذا الموقع. وأخيرا قام أمير أمراء مصر على باشا بتوسيع الحصن والفسقية المذكورة.

ويقوم حراس الحصن المذكور بملء حوض الفسقية بمياه البئر قبيل وصول قافلة الحجاج ، ويدافعون عنه ضد هجمات الأعراب المنشقين الذين يريدون تفريغ هذا الحوض.

وتحط القافلة رحالها قليلا من الوقت فى (أبيار علايا) بعد مغادرة موقع وادى القريض ، وبعدها تصل إلى (عراقيب البغلة) ، ثم تتجه إلى استراحة (الملاحة) ومنها إلى (صقارات) ثم (رأس الركب) ف (سطح العقبة).

أبيار علايا :

وهذه المرحلة عبارة عن صحراء مسطحة واسعة تقع فى نهاية منحدر طويل ، وبها بئران : أحدهما ينسب إلى (بيره) والآخر إلى (علاتى). ويمتلئ البئران من مياه المطر ، كما يوجد بهذه المرحلة حوض ماء لا بأس به.

رأس الركب :

والقوافل المتحركة من هذه المرحلة تصل بعدها إلي (سطح العقبة) ومنها إلى (منزل). ومرحلة منزل هذه عبارة عن مطلع حجرى يؤدى إلى مرحلة (ظهر الحجار) ، ومنه إلى (الجرفين) ف (شرفة بنى عطية) التى تشتهر بكثرة أخشابها ورخصها ، وتتجه القوافل منها إلى (مطلات) ثم تحط الرحال للاستراحة (مغارة شعيب) ، كما يسمى سطح العقبة بعقبة (أيلة) ، وهناك أطلال قصبة كبيرة على أطرافها توجد قرية لبدو قبيلة (الحويطات).

وإذا كان الحجاج لا يجدون ماء يشربونه فى هذا المنزل الذى يحطون رحالهم فيه ، فهناك على بعد ميل واحد بئر عذب المياه حوله حديقة كثيفة الأشجار.

منزل :

وتمثل هذه المرحلة نهاية الربع الأول لطريق مصر ـ مكة المكرمة ، ومياهها كثيرة عذبة المذاق قريبة من ساحل البحر ، وتمتد نحو ميلين على الطرف الأيسر من جبل الطور. ويوجد فى نهاية هذا الجبل منحدران ومضيق ضيق ، إلا أن مياهها عذبة وآبارها كثيرة.

مطلات :

تقع هذه المرحلة بين جبلين ، ويقطنها طائفة من جماعة بنى لام.

مغارة شعيب :

وهى تتمتع بحفر ومنخفضات ذات مياه عذبة وأشجار كثيفة من تلك التى تسمى (أثل مقال). وفى هذا بعض اللوحات التى كتبت عليها أسماء الملوك القدماء. وبعد مغارة شعيب تصل القوافل إلى (قبر الطواشى) ، ف (عيون القصب).

عيون القصب :

وهو واد كثير المياه ، كثير الغابات ، شديد الحرارة ، ويحكى البعض أن الكثيرين ممن يتواجدون فى هذا المكان خلال

١٦٧

الحجاج ما يلزمهم ، وملأوا قربهم. وبعد الظهر تحركنا ، وكنا نمضى تارة إلى اليمين ، وتارة إلى اليسار حتى ترائى لنا البحر الأحمر بعد ثلاث ساعات.

__________________

أيام الصيف يتعرضون للموت الفجائى. وبهذا الوادى مكان قريب من الساحل ملئ بالقبور يزوره الناس. ويظن الأهالى أن أحد هذه القبور ينسب إلى أحد أبناء إبراهيم (عليه التحية والتكريم).

وبعد مغادرة عيون القصب تصل القوافل إلى منطقة (شرم) ومنها إلى مرحلة (مويلحة) ثم إلى (بطن كبريت) ثم تصل القوافل إلي (قبر الشيخ الكفافى).

شرم :

موضع قريب من البحر ، يسمى الجبل الواقع على طرفه الأيمن (إشارة).

مويلحة :

تميل مياهها إلى المرارة لوقوعها على ساحل البحر ، قد نزل السلطان قايتباى بهذا الموضع للاستراحة عند ما كان متوجها إلى الحج ، ولذلك يطلق عليه أيضا اسم (دار قايتباى). وما زالت قائمة إلى اليوم.

قبر الشيخ الكفافى :

وهو مدفن شخص يدعى مرزوق.

الشيخ الكفافى :

تصل القوافل إلى منزل (أزلم) بعد منزل الشيخ الكفافى ، ومنه إلى (سماق رخانين) ثم إلي (اسطبل عنتر) ف (شربت) حيث الصحراء الممتدة الواسعة ، ثم تصل القوافل إلى مرحلة (الوجه).

أزلم :

تمثل هذه المرحلة نهاية الربع الثاني من طريق مصر ـ مكة المكرمة وهى عبارة عن موقع منحصر بين جبلين أرضه سبخة ومياهه مالحة وأعشابه مسهلة.

رخانين :

ولما كان هذا الموقع قريبا من الحج ، فإن الحجاج المصريين يبدأون الإحرام من هذا الموقع.

اسطبل عنتر :

مرحلة صحراوية محصورة بين الجبال ، ذات مياه عذبة وأشجار ظليلة.

الوجه :

منزل يشبه الوادى ، به آبار عذبة المياه وحوض كبير. وقد قام إبراهيم باشا والى مصر بتجديد الحوض المذكور سنة ٩٣١ ه‍ ، وهذا الحوض يمتلئ بالمياه عند هطول الأمطار وتدفق السيول.

والوجه قصبة صغيرة تقع فى الجهة الغربية للمدينة المنورة وتحتوى على مائتى دار وعشرين دكانا وستة أقسام للحجر الصحى وجامع ودائرة حكومية ، وقلعة كانت تحت إدارة المدينة المنورة. وقد انتقلت إدارتها مؤقتا إلى الخديوية المصرية لوقوعها فى طريق المحمل المصرى ، وتوجد الأن فى حوزة قائمقام مصرى. يستعين بطابور من الجنود النظامية الموجودة فى ينبع البحر وخمسة عشر نفرا من المدفعية للمحافظة عليها.

تصل القوافل المتحركة من الوجه إلى (بئر القروى) ومنها إلى (حرير) ف (حورا) المشهورة بجفافها وانعدام مائها. ثم تواصل القافلة سيرها إلى (عقيق) وبعدها تنزل فى (صحن بياض) أى الصحن الأبيض.

صحن بياض :

هو منزل رملى كثير الثعابين والحيات مخيف الأطراف.

وبعد هذا الموضع المخيف تتجه القوافل إلى (نبعا) ومنه إلى (طراطير الراعى) ف (وادى النار).

وادى النار :

هو وادى رملى وحجرى بين الجبال ، ويطلق الناس على هذه المرحلة (السبع الوعرات) لوجود سبع صخور خطرة وكبيرة فيها.

١٦٨

صحراء ميمون :

صحراء مترامية الأطراف ، شاسعة لا نهاية لها ، لو تخلف فيها إنسان عن قافلته ، فإنه يمضى ، ثم يمضى ، وتكون عودته منوطة بحظه الميمون ، لذلك أطلقوا عليها وادى ميمون ، تشرق الشمس ، وتغرب فى تلك البيداء ، أشعتها تحرق الإنسان من قمة رأسه إلى أخمص قدميه ، وفى الأثر ؛ أن حجاجا تحولوا كالفحم ، أو الشواء وهم فى إحرامهم. وعلى المشارف الشرقية لهذه الصحراء يعيش العديد من عشائر البدو وقبائلهم كبنى موال وبنى جان وغيرهم وغيرهم الكثير وبقدرة الخالق ، تتحول جمال الحجيج ، فى هذه الصحراء ، وكأنها التنين ، أو كحيات من ذوات الرؤوس السبع ، تخوض فى رمالها ، متخطية كل الصعاب ، قافذة كالغزلان .. وبعد أربع عشرة ساعة وصلت القافلة إلى :

سبيل ميمونة بنت الحارث :

وهى من أهل بيت رسول الله ، ولما كانت هذه الصحراء تعود إلى عائلة ميمونة تلك ، فقد أطلقوا عليها وادى ميمونة ، وما زالت معمورة السبيل تخضع لإشراف ونظارة من يتولى الشرافة فى مكة. ولا تطل استراحة القافلة ها هنا ، بل تحركنا نحو القبلة عقب إطعام الجمال ، والدواب .. يا لها من صحراء خطرة لا أمن ، ولا أمان فيها ، ولكن كانت أوامر الشريف وتحذيراته للبدو واضحة حيث حذرهم [.. لوضاع للحجاج فى هذه الصحراء شيئ فلسوف أسلخ جلودكم ..] لذلك مضينا بسلامة الله ، وقضينا سبع ساعات حتى وصلنا إلى قرية ........ وهى قرية معمورة

__________________

نبعا :

وهذه المرحلة ذات مياه عذبة وفيرة ويطلق عليها أيضا : (فقاع الحجار).

وتتجه القوافل من وادى النار إلى (حجرا) إحدى توابع ينبع ، ومنها إلى (جبل حمر) فوادى تيما. ثم تصل المواكب إلي جبل الزيت.

جبل الزيت :

يطل جبل الزيت على ينبع ، ولهذا يستقبل حاكم ينبع المحمل الشريف فى هذا المكان ويتقدم جمل المحمل حتى السجادة المفروشة ثم تؤدى ركعتان للصلاة حسب العادة.

وتتجه القافلة التى تخرج من جبل الزيت إلى (ينبع) ومنها إلى قرية (عديبية) فأول (دهنا). ومن هناك إلي (واسط) ومنها إلى بدر ، ومن بدر إلي صحراء (خيب البز) الواسعة ، ثم إلي (عتيق) القريبة من ساحل البحر ، ومنها إلى عقبة (ودان). وتستمر القوافل من عقبة إلى (رابغ) ثم تواصل سيرها فى الطريق المعروف تجاه مكة المكرمة. «المترجم»

١٦٩

تسقى من عين الزرقاء ، بها مائتين منزلا ، وبساتين ، وحدائق غناء ، يبيع سكانها منتجاتهم على قارعة الطريق ؛ تمورها ، وشمّامها ، وبطيخها كثير. لم نتوقف هنا ، بل تابعنا سيرنا ، ومن الطريف أن النعام ، والغزلان ، والآرانب البرية ، كانت تدخل بين الحجاج ، ونحن فى هذه الصحراء ، فيصطادونها فى سهولة ، ويسر ، وكأنها هدية من الله .. وفى نهاية هذه الصحراء يوجد :

جبل طيبة سلطان :

منطقة عذبة المياه ، معتدلة الهواء ، كثيرة المرعى ، لم نتوقف بل مضينا ، واستمرت مسيرتنا وسط الصحراء يومين ، وكان هذا الجبل ما زال باديا لنا. وقد نفقت جمال كثيرة ، وتركت غيرها بعد أن أصابها الإرهاق ، والتعب فى هذه الصحراء ، كما أصيب كثير من الحجاج بالإرهاق ، وحل بهم التعب ، من جراء شدة الحرارة. وحمدا لله ، وشكرا فقد وصلت قافلة الحج الشامى سالمة إلى قرية ...... بها مائتان وتسعون منزلا ، وحماما عاما ، وحدائق نخيل ، وبساتين وفيرة الإنتاج. أقبل إليها جميع الآعراب ، المحيطين ، لبيع منتجاتهم. وأخيرا ، وبعد ثمان عشرة ساعة وصلنا إلى :

منزل قصبة ربيعة :

وهى تحت حكم الشريف ، وبها نائب عن موللا مكة ، وبها جامع ، وخان ، وأكثر من مائة بئر ماء ، وبسبب قربها من البحر فإن مياهها تميل إلى الملوحة .. ولا تصل مياه عين الزرقاء إلى هنا. ويحرم حجاج القافلة المصرية فى هذا المكان. وقد مروا قبلنا بثلاثة أيام. ولما كانت القافلة تسير بدون توقف قط ، فقد نفق سبعون جملا ، وعشرة خيول من التعب ، والإرهاق ، وعدم النوم ، أو تركها الحجيج ، لعدم مقدرتها على السير.

قاع البرو أو عقبة السويق :

غرقت كل الحيوانات فى الرمال ، وغمرها العرق ، وترجل الجميع ، وأخذوا فى السير فى بحر الرمال ؛ خطوة يصعدوا فيها مطلعا ، وأخرى ينزلوا فيها منزلا ، وكبّر

١٧٠

الجميع «الله اكبر .. الله اكبر» حتى تجاوزوا العقبة» (١) ، ولكن بقى بين الرمال ما بين سبعين ، أو ثمانين حيوانا ؛ فكان البدو يأخذونها على الفور من بعدنا ، ولكن من كان ينظر إلي ذلك!! فلم يبق سوى أربعة أيام للوصول إلى عرفات ، بينما بقيت أمامنا خمس مراحل. وبالرغم من أن رضوان بك أمير الحج المصرى قد أوقف ألف قرش لإزالة رمال تلك «العقبة» إلا أنها ما زالت منطقة مخيفة. فيها هلاك الحيوانات.

وعلى يمين هذا الطريق ، جدار أو نصب مكتوب عليه العبارة التالية : (جدد هذا المضيق ونظف فى زمن السلطان مراد خان ابن السلطان أحمد خان سنة ١٠٤٨) وقد أقام هؤلاء السلاطين جداران على جانبى هذا الممر الضيق مسافة سير ساعتين لحجز الرمال ، ولكن بالرغم من ذلك لم تسلم الجمال من مخاطر الرمال ، ويبقى بها سنويا مئات منها ، وتاريخ الحائط (بنى على يد أمير الحج رضوان باشا سنة ١٠٥٦ بأمر من السلطان ابراهيم خان) (٢).

وعبرنا أيضا هذا المكان ، وعلى مسافة أربع عشرة ساعة من «حفرة رابعة» وصلنا إلى :

قلعة البركه :

توقفت القافلة هنا. وهى قلعة جميلة مربعة الشكل مقامة على صخور مستوية على مسيرة نصف ساعة ناحية الشرق. بناها سلطان بنى هلال سنة ٨٧١ فى زمن الإسكندر. وقد خاض «مالك صمحان» "Malik Sumhan " من بنى

__________________

(١) مطلع خطر محاط بالصخور من كل جانب ، حتى أصبح كالممر ، أو المضيق الضيق ، تملئه الرياح ، بالرمال ، مما يجعل السير فيه صعبا. «المترجم»

(٢) السلطان ابراهيم خان : [١٠٢٤ ـ ١٠٥٨ ه‍ ـ ١٦١٥ ـ ١٦٤٨ م]

كان هو ولي العهد الذكر الوحيد فى العائلة العثمانية عند وفاة السلطان مراد الرابع ، وهو شقيق السلطان مراد الرابع هذا ؛ وهما ولدي السلطان أحمد الأول والسلطانه مهبيكر. كان فى الخامسة والعشرين من عمره عندما جلس على كرسي الحكم.

ولد سنة ١٦١٥ م ـ ١٠٢٤ ه‍ فى مدينة استانبول. وقد قضى عمره فى جناحه محبوسا حتى توليته العرش .. ولهذا كان عصبى المزاج ، اعتلى السلطنة سنة ١٦٤٠ م ـ ١٠٥٠ ه‍ وفى سنة ١٦٤٤ ـ ١٠٥٤ ه‍ عزل الصدر الأعظم قره مصطفى باشا وعيّن مكانه محمد باشا. ثم قتل فى ١٨ آغسطس سنة ١٦٤٨ م بعد أن أنزل عن العرش فى الثامن من نفس الشهر. رغم عصبيته كان محبا للخيرات. (المترجم)

١٧١

عنتر حربا ضروس فى هذه القلعة ، ثم انتقلت القلعة إلى أيدى بنى هاشم «الهاشميين» ثم فتحها سيدنا على كرم الله وجهه فى السنة الثالثة للبعثة. وفى غرب المكان حوض كبير تقدر أطرافه بستمائة خطوة ، ولا مثيل لهذه البركة فى طريق الحج ، مياهها تأتي من عين الزرقاء ، وناحية القبلة من هذا الحوض يوجد مسجد منخفض القبة ، على محرابه نقشت العبارة التالية : (أمر السلطان مراد بن السلطان أحمد بإنشاء هذه البركة سنة ١٠٤٨ ، فلتقرأ الفاتحة من أجل رضاء الله ....).

وبالقرب من هذا المكان قرية ، يحضر جميع البدو إليها كل ما يملكون ويبيعونه فى مزاد علنى ، وهى مطروقة من الحجاج ، تحركنا من هنا ، ومضينا سبع ساعات تارة بين الرمال ، وتارة أخرى بين الغابات حتى وصلنا إلى «عسفان». ولم نتوقف ، بل مررنا ، وهكذا بعد أن قضينا إحدى وعشرين ساعة من البركة الجميلة دخلنا إلى قصبة وادى فاطمة.

منزل قصبة وادى فاطمة :

قصبة تقع أسفل سفح ، بها مائتان بيت عربي ، بها جامع على حافة الوادى ، أطرافه محاطة بالأشجار السامقة الطول ، تتدفق مياه عين الزرقاء فى فنائه فقط ثم تختفى. وقد تدفقت مياه عين الزرقاء هذه بين مكة والمدينة على إثر دعوة الرسول الأكرم. فبينما كان النبى الأمين متوجها إلى الشام للتجارة ، كانت عين الزرقاء تتدفق فى طريقه وأينما إتجه ، وهى فى الحقيقة معجزة كبيرة ؛ لإنها تدفقت بناءا على رغبة النبى الكريم ، متخطية الكثير من الجبال ، والصخور ، والصحارى ، وقد قدّم الرسول الكريم صلى‌الله‌عليه‌وسلم هذه الصحراء كجهاز للسيدة فاطمة ، فى السنة الثانية للهجرة. ومن هنا أخذت هذا الإسم. ويستقر الحجاج الذين يفدون من شتى بقاع الدنيا شهرا فى مكة المكرمة ، فينسون متاعب الطريق ، ومصاعبه. وعشرات الآلاف من الحيوانات الخاصة بالحجاج ، ترعى وتتغذى على أعشاب هذه الصحراء ، ولو تغذى أي حيوان على أعشاب هذه الصحراء عشرة أيام فقط ، فإنه يصبح سمينا ، فوادى فاطمة واد مثمر معطاء.

١٧٢

صفة النجاة ساحة النجاة :

قاعة صغيرة مبنية من الحجر ، فبينما كان الرسول الحبيب متجها نحو الشام هو ، وبعض أصدقائه ، لما لقيه من عناء على يد المشركين ، أرسل المشركون أمثال أبو لهب ، وأبو جهل ، رجلا يدعى «سراقة» خلفه لقتله وأعطوه ما طلب ، من مال مقابل ذلك. وبينما كان سراقة يود أن يجهز على النبى الأمين بسيفه فى هذا المكان ، فيسقط سراقة على الأرض بحصانه ولكن بدعاء النبى يغوص الفرس فى الرمال ، عندئذ يتوجه سراقة إلى الرسول بالرجاء أن يدعو الله له بالنجاة قائلا ، [ولأحارب أعداءك فى مكة ، وأعمل فيهم سيفى] ولما نجاه الله بدعاء الرسول ، أسّلم على الفور ، وما أن عاد إلى مكة فى معية الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ، تعجب الكفار وسألوه قائلين :

(ما هذا الحال ، أين رأس محمد؟) فيرد عليهم قائلا : «أيها الملاعين إن رأسى أنا فداء رأس محمد وقد جئت لأطيح برؤوسكم» ، وقتل سبعة منهم ، وأحضر رؤوسهم إلى الرسول الحبيب هنا فى وادى فاطمة هذا ، وأصبح ملازما للرسول ، ولم يفارقه لحظة .. وقام سراقة ببناء هذه الصفة قائلا ؛ لقد نجوت من غضب الله. وقمت أنا آوليا العبد الحقير بالتجول والطواف بهذه المنطقة مع عبدين من عبيدى ، بعد أن استأذنت من حسين باشا. وبعد ست عشرة ساعة وصلنا إلى :

منزل مقام العمرة :

يتوقف الحجاج هنا دون أن ينزلوا أحمالهم. عبارة عن عشر منازل وعشر دكاكين تبدو عليها معالم الفقر ، يخرج كل آهالى مكة لاستقبال الحجيج ها هنا ، ويشرحون لهم شروط الإحرام والعمرة. وهنا يجب الاغتسال أولا. ولتسهيل اغتسال الحجاج ، أمر عمر باشا والى مصر سنة ١٠٧٣ ه‍ ـ ١٦٦٢ م بإنشاء بركة كبيرة لدرجة أن القوارب تتجول بها. كما أمر ببناء حمامات ، وميضات ، وأسبلة واستراحات. ويملئ هذا الحوض بالمياه التى تسحب عن طريق الدواليب ، والسواقى التى تجرها الثيران. وعلى الذين أحرموا فى بئر على ، ثم ارتدوا ملابسهم ، مزمعين ذبح الأضاحي ، عليهم أن يغتسلوا هنا. كما أنه من السنة المرعية صلاة ركعتين هنا. بعد

١٧٣

ذلك على المحرم ألا يقتل قملا ، أو برغوثا ، وألا يحك جسمه بأظافره ، فتلك سنة. ويحرم الفسق ، أو القتل ، أو الشجار تحريما قاطعا ، وإذا لم يغتسل الحاج المحرم فيجب عليه تجديد وضوءه ، وهذا فرض. وبمجرد لبس الإحرام يجب على المحرم أن ينوى قائلا .. «اللهم إنى نويت العمرة ..» وإذا كان مقصده الحج فقط ، فيقول .. «اللهم إنى نويت الحج ..» وتستغرق المسيرة إلى الكعبة الشريفة ، مدة ساعة واحدة. ويتوجه القادم لأداء طواف القدوم الذى يعد الفرض أو النسك الأول. وبقدر طاقة المرء ، يؤدى العمرة ، فكلما أكثر من الأداء نال الثواب وأتم الحج. والسعى بين الصفا والمروة ، واجب ، ويحل بعده حك الرأس ، وتقصير الشعر ، وبعد النزول من عرفات وذبح الآضاحى ، والقيام بالطواف الأخير ، يجب عندئذ الحلق ، وتقصير الشعر ، وهناك من يتمسك بعدم القص على أنه سنة. وعلى طريق العمرة ؛ يوجد عمودان كبيران على جانبى الطريق ، وعلى كل عمود ثلاث قباب صغيرة مكتوب عليها بالخط الكوفى «إنها من بناء أبى بكر» ، ومن يدخل من هذين العمودين ، يكون قد دخل حرم مكة المكرمة.

وعند هذا الموقع ينتظر حسين باشا ، وشيخ مكة ، وقد إمتطى كل منهما صهوة جواده ، وقد مر من أمامهما : أولا ؛ خارموش باشا أمير الحاج الشامى ثم جند الشام ، ثم جنود الباشا ، وهذه هى الأصول ، والقواعد المرعية ، منذ القدم وقد قامت الفرقة الموسيقية ، المرافقة للباشا ، بالعزف لمدة نصف ساعة ، متواصلة واستغرقت هذه المراسم ساعتين ، وكنا أحيانا نسير فوق الرمال وأحيانا فوق الحصى والحجارة.

مرحلة وادى فاه Fah :

ولما كنا قد دخلنا مكة ، قبل عرفة بيومين ، فنزلنا فى معسكر الباشا المقام هنا وقضينا به اليوم الثامن ، وقد أمر بنحر سبعة جمال ، وأربعين رأسا من الضأن قربانا ، حيث كان جميع الحجاج ، قد فقدوا الأمل فى الوصول ، قبل حلول الموعد لهذا العام.

وقد قدم جماعات ، وأفواج عديدة ؛ من العلماء ، ومشايخ مكة ، وأشرافها والتقوا بالباشا ، وقد لقى كل منهم من الإحترام ، والتبجيل حسب مقامه ،

١٧٤

ومكانته. ثم قدم بعد ذلك أوزبك بك (١) ، أمير الحج المصرى ، وأمير جده ، بقلاجى محمد بك (٢) ، وقواد المعسكرات (٣) السبعة الكبار ، ومعتمدوها (٤) ، وجاوشيتها (٥) وقواد المعسكرات السبعة الكبار (٦) ، وچوربا جيوها (٧) ، واوداباشيوها (٨) ، ودخلوا عليه ، فرقة ، فرقة ، وشربوا الشربات.

__________________

(١) اوزبك بك : كان قائدا للقوات العسكرية المصرية التى توجهت إلى الحجاز لقمع الفتن التى قام بها الشريف سعد عقب توليه ولاية جدة سنة ١٦٦٩ م ـ ١٠٨٠ ه‍ وعندما اشتدت القلاقل صدرت الآوامر إلى والى الشام صارى حسين باشا بالتوجه إلى الحجاز وتولى قيادة الجيوش العثمانية والقضاء على هذه التحركات ، وتأمين قوافل الحج وقد تمكن حسين باشا من احتواء الشريف أولا حتى انتهاء موسم الحج .. ولكن الشريف تمكن من الهرب عندما شعر بما يدبر له. «المترجم»

(٢) بقلاجى محمد بك أمير جده : عمل أميرا على جدة. وكان له قصره في القاهرة. رآه آوليا چلبي عند ما زار القاهرة وتحدث عنه عند ما تحدث عن القصور التى تحيط بالأوزبكية. (المترجم)

(٣) آغوات المعسكرات ـ اوجاق آغالرى ؛ مصطلح عسكرى يطلق على قادة معسكرات الإنكشارية ، ورئيسهم يطلق عليه آغا الانكشارية وكان يستخدم بدلا منه فى بعض الأحيان «أركان المعسكر» أى أركان قوات الإنكشارية ، وكانت الرتب التى تلى آغا الانكشارية كما يلى :

١ ـ سكبانباشى. ٢ ـ كاتب الإنكشاريه. ٣ ـ معتمد كتخدا الانكشارية ، أى وكيلها. ٤ ـ آغا استانبول. ٥ ـ آغوات الأناضول والروميلى ، ٦ ـ كاتب الفضلاء. ٧ ـ إمام الآغا. ٨ ـ قواد الميسرة.

٩ ـ قواد المشاة ، ١٠ ـ قواد كلاب الصيد الفرسان. ١١ ـ فرسان الكيان. ١٢ ـ معتمد الميسرة.

١٣ ـ قائد حاملى الرسائل والبريد. ١٤ ـ معتمد أى كتخدا البريد. ١٥ ـ رؤوساء البلوكات.

١٦ ـ رؤوساء العنابر. ١٧ ـ ضباط الخدمات.

وكانوا يعينون جميعا بناءا على تقرير وتوصية آغا ـ قائد الانكشارية. «المترجم»

(٤) الكتخدا ؛ كتخدا : Kethuda : مصطلح يطلق على المعتمد أو الوكيل الذى كان يرعى شئوون الوزراء أو كبار رجال الدولة ، أو الأغنياء نيابة عنهم ... معتمد وكيل وفى النواحى الإدارية كان يعاون الصدر الأعظم أو الوزير أو الناظر المختص فى تسيير أمور الدولة. فى البداية كان من خواص الصدر الأعظم ورجاله ، ثم أصبح من رجال الدولة وموظفيها وكان يطلق عليه كتخدا بك ، وفى عهد السلطان أحمد الثالث تولى نظارة الداخلية ، وعاون الصدر الأعظم فى أمور الدولة.

تم إلغاء هذا المنصب فى عهد السلطان محمود الثانى ١٢٤٤ ه‍ ـ ١٨٢٨ م. وأحل محله نظارة الملكية فى سنة ١٢٥١ ه‍ ـ ١٨٣٥ م.

أما فى المعسكرات ؛ فكان عنوانا أو رتبة تمنح لكبار ضباط الإنكشارية ، وكان لكل سلاح معتمد. وهو ما يوازى فى العصر الحديث «قائد السلاح». وكان يعاون آغا الإنكشارية فى الأمور العسكرية. ولما كان تنشئته وتعليمه يتم داخل المعسكرات ، ففى بعض الفترات التاريخية فاق نفوذه نفوذ آغا السلاح نفسه. يعمل له حساب من قبل كل قواد المعسكر الأخرين. وهو واحد من ديوان قائد عام قوات الإنكشارية. «المترجم»

(٥) چاووشلر ـ الجاويشية"Cavuslar " مفردها چاوش. وهو إسم كان يطلق على أحد الموظفين الذين يستخدمون فى الأعمال المختلفة. وهو مصطلح إدارى فى بادئ الأمر ، وكان يطلق عليهم «چاوشان اركان عالى».

هذه وظيفة قديمة فى التاريخ العثمانى ، وكانت مهمة الجاوشية موجودة لدى البيزنطيين والسلاچقة وفى بداية الدولة العثمانية كانوا الچاويشية هم الذين يكلفون بالمراسلات ، والمباحثات السياسية من قبل سفراء الدولة. كما كانوا

١٧٥

ثم جاء كتخدا الشريف سعد (١) بحصانين مطهمين ، وستة من الغلمان الحبشيين ، الحسان ، والجواهر النفيسة ، والأقمشه النادرة ، والعود ، والعنبر ، وحمولة خمسين جملا من المأكولات ، والمشروبات ، وقبل يد الباشا ، فأشار له ، إلي مكانه طالبا منه الجلوس ثم قال :

__________________

يكلفون بالنفتيش وكتابة التقارير عن أمور الدولة. ثم أنتقلت هذه المهام فيما بعد إلى رؤوساء الحجاب. وأسندت المراسلات إلى وظائف أخرى. وأصبحت مهمة الجاويشية فيما بعد محصورة على الخدمة فى ديوان السلطان فقط ؛ بحيث كانوا يتقدمون ركب السلطان وموكبه وهو يتفقد شئوون المدينة ، ويقومون بالوقوف أمام خيمة السلطان عند الخروج إلى الحرب ، وأثنائها .. أو يقفون فى إحترام بالغ عند عزف النوبة أمام معسكر السلطان.

كان الچاوشية يحتلون المرتبة الثانية بعد التشريفاتية فى قانون محمد الفاتح.

كان يطلق علي رئيسهم «چاويش باشى» أى الباشچاويش أى رئيس الجاوشية. وقد ألغى هذا اللقب سنة ١٢٥٢ ه‍ ـ ١٨٣٦ م وأحل محله لقب «ناظر دعاوى الديوان». وكانوا ضمن تشكيلات السراى العثمانى. «المترجم»

(٦) المعسكرات السبعة : ويقصد بها معسكرات الإنكشارية السبعة ، وكانت كل أورطة تتكون من سبعة ضباط يسيّرون أمورها وهم ؛ جورباجى ، أوضه باشى ، وكيل خرج ، بايراقدار ، حامل العلم ، أقدم القادة ، رئيس الطهاة ، رئيس السقاة. «المترجم»

(٧) چورباچيلر ؛ مفردها چورباجى ؛ ـ "Corbaci " : لقب عسكرى يطلق على ضباط البلوكات التى تكون الجيش العثمانى. وكانوا من المشاة فى الجيش ، وكانوا عبارة عن واحد وثلاثين بلكا يكونون سلاح العجمى أوغلان أى سلاح أولاد العجم أى أولاد غير الترك. وكان يطلق عليهم آحيانا لقب البيادة ، أو الييا ، وعلى رئيسهم ياياباشى أى باشيايا أو باشبياده أو سربياد كان.

كما كان يطلق على رؤساءهم أيضا بلوكباشى أى رئيس البلوكات. كما كان يطلق عليهم أحيانا «صوباشى». وكانت لهم خيولهم الخاصة بهم ، وملابسهم الخاصة بهم أيضا.

ولا علاقة لهم بالچوربة أى الحساء على الاطلاق بل هى عادة شرقية قديمة أن يتسمى ضباط الجيش بمسميات أدوات الطبخ دون أن يكون لهم علاقة بها ؛ فمدير الأمن هو الصوباشى أى القيم على أمور المياه .. وقد تبدل هذا اللقب سنة ١٢٤١ ه‍ ـ ١٨٢٥ م عقب الغاء الانكشارية وحلّ محله «آغا الأورطة».

وظل يطلق هذا اللقب على الأشخاص المكلفين بتسيير أمور الولايات التى كانت مرتبطة بقوات الإنكشارية ، .. كما كان يطلق على كبار التجار المسيحيين ، وخاصة فيما بين الشعب. «المترجم»

(٨) أوضه باشيلر ـ اوضه باشى ـ "Odabasi " : مصطلح عسكرى كان يطلق على واحد من ضباط الانكشارية ، وكان يعاون الچورباجى فى ادارة مهام فرقته. ويعادل رتبة ملازم فى العصر الحديث وهو المنوط به حفظ الأمن داخل المعسكر ، وبين عنابر الجنود. وهم الذين يقومون بمهمة أداء التعظيم والتحية فى العروض العسكرية ، وينام فى نفس العنبر مع جنوده ، وعند الحرب تكون خيمتهم فى وسط المعسكر العام. ويجلسون فوق السجادة الملاصقة للعمود الأساسى فى الخيمة ، ويجلس بقية الأفراد حولهم فى حلقات مستديرة.

أما داخل السراى ؛ فيطلق هذا اللقب على رئيس آغوات القصر الداخلين ، هو المكلف بخلع ملابس السلطان ، وإلباسه إياها. ولذلك فهو يعتبر واحد من المقربين جدا من السلطان. وهم يتبعون رئيس حرس السلطان. ويختار بدقة من بين خدم السراى ، وخصيانه أي من الطواشية. له مخصصاته اليومية ، والسنوية ضمن خزينة ملابس السلطان. بالرغم من أنه من بين أصحاب العرضّ ، أى من بين الذين لهم حق المثول بين يدى السلطان وعرض بعض الأمور عليه. ألغى هذا اللقب مع التغييرات التى تمت على السراى مع عهد التنظيمات الخيرية سنة ١٢٥٥ ه‍ ـ ١٨٣٩ م.

(١) كتخدا الشريف سعد : أى معتمد ، ووكيل الشريف سعد الذى تولى الشرافة أربع مرات متقطعة منذ ١٠٧٧ ـ ١٠٨٤ ؛ ١١٠٣ ـ ١١٠٥ ؛ ١١٠٦ ـ ١١١٤ ، ١١١٦ ـ ١١١٦ ه‍.

١٧٦

(لما لم يحضر جناب الشريف ، فما حال حضرته؟) فاعتذر المعتمد قائلا : (إنه يدعو لكم بالخير.) فقبل الباشا ، هداياه ، وودع الكتخدا قائلا : «بلغ جنابه سلامنا». ثم أصدر آوامره قائلا :

«ولتكن قوات البيادة (١) ، والخيالة (٢) ، والسكبان (٣) ، والصاريجة (٤) ، على أتم الإستعداد. فليؤدى آغوات الداخل (٥) وآغوات الخارج (٦) التحية).

__________________

(١) الپياده : "Piyade " : قوات المشاه فى الإنكشارية العثمانية. ثم تم تجهيزها بالبنادق. وكانت تشكل عنصرا مهما فى القوات النظامية فى العصر العثمانى. (المترجم)

(٢) الخيالة : الفرسان.

(٣) السكبان : "Sekban " : فرقة من فرق الجيش الإنكشارى ، كانوا فى بداية تكوينهم فى عهد السلطان محمد الفاتح برعاية ، وتدريب ، وتربية كلاب الصيد. ثم انخرطوا فى صفوف الجيش المذكور ، وآضحوا من عمدة المشاة فى الجيش العثماني ، وكانت اورطتهم موزعة على ٢٥ بلوكا. وعلى رأس كل بلوك ضابط ، ورئيسهم كان يسمى سكبان باشى. (المترجم)

(٤) الصاريجة : "Sarica " ؛ مصطلح عسكرى كان يطلق على الجنود المتمردين الذين ظهروا فى الآناضول ، وينسبون إلى صاريحه باشا. كانوا سبب نكبة أحلت بالبلاد خلال فترة حكم السلطان محمد الفاتح ، ولهذا السبب أصبح هذا اللقب يطلق على كل الجنود الذين يرفعون راية العصيان والتمرد. (المترجم)

(٥) ايچ آغالر : Ig Agalari : مصطلح يطلق على الذين يعملون فى خدمة السلاطين العثمانين داخل قصورهم ، وسراياتهم وهم أنفسهم من يطلق عليهم (آغوات الآندرون) أى آغوات الداخل.

هم أربعة أنواع : ١ ـ رئيس الآغوات ، وكان بمثابة رئيس الحرس المكلف بحراسة بوابات السراى. وهو أعلى رتبة بين ضباط السراى. ، كان يختار فى بادئ الأمر من الطواشية البيض ، ويوجد تحت إمرته ما بين ٣٠ ـ ٤٠ غلاما من الذين يطلق عليهم «غلمان الباب». وهم يتلقون الأوامر من رئيس آغوات الأبواب الأربعة. وكان يطلق عليهم أيضا آغوات المفتاح. ثم آغا البشكير ، وآغا الشربات ، وآغا الابريق.

وهؤلاء أعلى الرتب داخل السراى ، وآغا الباب يكون فى رفقة السلطان دائمآ. ولا يتخلف عن مرافقة السلطان إلا إذا توجه إلى الصيد ، أو فى النزهات البحرية ، فيظل هو فى السراى للحراسة.

ثم يتلوه فى المرتبة رئيس خزينة السلطان وهو المكلف بوضوء السلطان ، وفرد سجادة الصلاة ، وتفقد نظافة المكان وأمنه قبل فرد السجادة ، والهدف من ذلك هو توقى وضع السم للسلطان. وفى نفس الوقت هو رئيس خدم الخزينة السلطانية.

أما ثالث آغوات السراى فى الكيلار باشى أى رئيس طباخى السراى. وهو المكلف بوضع الأطباق وأدوات المائدة للسلطان ويشرف على المجموعة التى تعمل على خدمة السلطان عند تناول الطعام.

أما الآغا الرابع الذى يعمل داخل السراى فهو آغا السراى وهو المكلف برعاية القسم الخاص فى السراى ، والغرف والصالونات وتحت إمرته ما لا يقل عن أربعين نفرا من الأغوات. وعلى هذا المنوال ؛ كانت طائفة منهم وعلى هذا النسق تعمل فى خدمة الصدر الأعظم ، والوزراء ، والولاة ، والقادة.

كما كان فى السراى أصحاب وظائف أخرى ممن يعملون على راحة السلطان ، وخدمته .. فهناك من يحافظ على ملابسه ، وقفاطينه ، وركابه ، وعدا معاشاتهم الشهرية ، فقد كانت لهم مخصصاتهم السنوية ، التى تعادل ما يقدم إلى آغوات الخدمة الخارجية. «المترجم»

١٧٧

ثم وصلوا إلى بيت الله محرمين ، وطافوا سبعة أشواط ، طواف القدوم ، ثم زاروا مقام ابراهيم ، وأتموا طواف القدوم بالسعى بين الصفا والمروة ، سبعة اشواط.

وفجأة وصل الباشا إلى مخيم الشريف سعد ، فأطار ذلك صواب الشريف. فقال سعادة الباشا مطيبا خاطره ، ومسريا عنه :

(لقد شرفتم مخيمنا صباحا .. ولكم خلعه سلطانيه (١) من سلطاننا صاحب السعادة وفرو سموري ، وخط شريف (٢) يتعلق ببقاءكم فى مكانكم ... فلندخل سويا إلى مكة بالموكب المحمدي ، ولنصعد إلى عرفات معا).

__________________

(٦) طيش آغالرى : Dis A\'galari : مصطلح ادارى يطلق على صنف من كبار رجالات الدولة وموظفيها. وكان يطلق عليهم أيضا «بيرون آغالر» أى آغوات الخارج. وهو يقابل أو يضاهى لقب آغوات الداخل. وكان على رأسهم آغا الانكشارية ثم يتلوه العزب ، والسباهية ، والسلحدار وصاحب العلوفة ، وآغوات قوات المقدمة أى القوة المهاجمة فى مقدمة الجيش. وهم من يمكن أن نطلق عليهم قوات الاستطلاع فى العصر الحديث ..

أهمهم هو آغا الانكشارية فهو بمثابة رئيس أركان الجيش ، وقوته الضاربة ، فهو قائد المعسكرو أعلاهم رتبة. ثم جاء منهم الوزراء. وكانت لهم أهميتهم الخاصة لموقعهم فى الجيش ، يومية الواحد منهم ٥٠٠ آقچه ، عدا المخصصات اللازمة لتربية وتدريب المئيات من الخيول اللازمة للجيش بفرسانها.

يتلوه فى الأهمية آغا الغرب ؛ وكانت قوات الغرب فى عصر السلطان محمد الفاتح وعند فتح القسطنطينية ١٤٥٣ م ما يزيد عن ثلاثين ألف مقاتل. كان لهم السباهية ، والسلحدارية ، والعلوفجية «التموينات» وجميعهم من فرسان الخياّلة. وكانوا عبارة عن أربعة طوابير ، العلوفية ، والغرباء «العزبان» عن اليمين واليسار ، والأخرين فى الوسط. يوميه الآغا مائة آقچة. كما أن لهم مخصصات سنوية ما بين ١٦ ـ ١٧ ألف أقچة كعلوفة. «شعير»

أم الصنف أو الصف الثانى من آغوات الخارج ؛ منهم رئيس المدفعجية ، ورئيس الجبخانجيه ـ المسئوول عن الذخيرة والمفرقاعات ، ورئيس العربجية. أى المسئول عن عربات جر المدافع ، ورئيس الفرقة الموسيقية .. موسيقات المعسكر. وكانوا يبلغون جميعا اثنى عشر فردا ويعتبر أمير الأطبل. ومربى الصقور ، وكلاب الصيد أيضا من آغوات الخارج.

وبإختصار فإن كل من يعمل بالخدمة خارج السراى يمكن أن ينطبق عليه أى آغا الخارج. «المترجم»

(١) الخلعة السلطانية : مصطلح يطلق على الجبة ، أو القفطان الذى يلبس فوق الملابس. وهو فى الغالب قفطانا يقدم من السلطان إلى من قدّم خدمة خليلة للدولة من كبار موظفيها.

كما أنه يطلق على ما يلبس فى المراسم الرسمية من الملبوسات ، وكان يهدى من السلطان أيضا ، وممن كان السلطان يتطلطف عليهم بالخلع السلطانية ؛ الصدر الأعظم ، والوزراء ، ورؤساء الجند ، وشيخ الإسلام ، وشريف مكة.

كانت الخلع من الفراء الثمين ، أو الجوخ أو القماش الغالى القيمة .. وهى عادة اسلامية عرفتها الحضارة الإسلامية منذ صدر الإسلام.

ظلت هذه العادة معمول بها فى الدولة العثمانية حتى ألغيت فى عصر السلطان محمود الثانى وحلّ محلها تقديم ساعة مرصعة أو طبق من الذهب ، أو غليون مرصع وما شابه ذلك. (المترجم)

(٢) خط شريف : مصطلح إدارى كان يطلق على الأمر الصادر من طرف السلطان بصدد أمر معيّن أو بشأن تعيين شخص فى وظيفة معينة. فلم تكن هناك ضرورة أن تخرج جميع الأوامر بخط يد السلطان بل كان الكتبة أو الكتّاب هم الذين يحظون الأوامر ، ثم يوقع فقط من قبل السلطان. وكانت الأوامر تكتب على ورق خاص بالسراى ، وتكون عليها طغراء السلطان.

١٧٨

فعاد إلى الشريف هدوءه ، وصوابه. وبعد أن شربوا القهوة ، والشربات قدم الشريف إلى الباشا هدية عبارة عن ؛ عشر زجاجات من العنبر ، وثلاث مسبحات من اللؤلؤ ، وعلبه من الجواهر الصغيرة ، وعشرة بقشات «صرات» من الأقمشة ، وثلاثة غلمان حبشيين. فما كان من الباشا ، إلا أن أخرج من حزامه خنجرا ، مرصعا بالجواهر ، ومنطقة فى خصر الشريف سعد. وكان الشريف شخصية جذابة ، كريم جوّاد ، أسمر اللون ، وهنا ودّع الباشا ، ومكث هو فى خيمته.

موكب عساكر مصر والشام فى مكة المكرمة :

فيما يلى أسباب تعيين حسين باشا ، وزيرا ، وتحت إمرته ثمانية آلاف جندى :

قبل الآن بسنة ، وبالضبط فى سنة ١٠٨١ ه‍ ـ ١٦٧٠ م كان حسن باشا كتخدا عنكبوت أحمد باشا مكلفا بإعمار الحرمين الشريفين ، وتأمين أمنهما ، وجمع أموال الصرة ولم يستطع حسن باشا التعامل بحسم مع مواقف الأشراف ، أو التعامل والتعايش معهم ، وخلال السنة المذكورة وبينما حجاج المسلمين ، فى طوافهم حدث شغب مما دعى الحجاج للبقاء فى المسجد الحرام ، محتمين به ، وقد أغلقت كل الأبواب ، فصعد آلاف من أشقياء الأشراف المسلحين ، إلى جبل أبى قبيس ، ومنارات مكة ، ومدارسها ، الملتفه حول الحرم ، وأمطروا الحجاج بوابل من الرصاص ، فجرح سبعمائة حاج ، واستشهد مائتان ، وامتلئ الحرم الشريف بجثث القتلى ، وقتل حسن باشا نفسه. وسلبت أمتعة الحجاج ، والجند ، ونهبت حاجياتهم ، وبينما جند مصر ، وعساكرها عائدون إلى ديارهم قام الشريف حموده (١) بإعمال السيف فيهم فى مكان يدعى «نار» "Nar ".

وما أن سمع السلطان بهذه الكارثه الفاجعة ، حتى عيّن حسين باشا ، وزير الشام

__________________

وهناك بعض المعاهدات أو الأوامر التى كان السلطان يخط بيده ملخصها ، ثم يقوم الكتاب بكتابتها .. ويوقعها السلطان .. وكان من المعتاد ارسال خط شريف إلى شريف مكة سنويا لتثبيته فى مكانه ، أو تولية غيره .. «المترجم»

(١) الشريف حموده : هو الشريف حمود بن الشريف عبد الله الذى يبدأ به فرع العباد له كان يحكم مكة مع الشريف بن زيد سنة ١٠٧٧ ه‍ ـ ١٦٦٦ م. ولما نشب الخلاف بينه وبين الدولة العثمانية أقام فى ينبع ، وقام بمقاومة القوات المصرية التى بعثت بها الدولة ضده. ولما اشتد عليه الضغط فر فيما بين البدو ولكنه فى سنة ١٠٨١ ه‍ ـ ١٦٧٠ م عقد الصلح مع الشريف سعد ، وأنسحب الى الطائف. وتوفى هنالك سنة ١٠٨٥ ه‍ ـ ١٦٧٤ م. (المترجم)

١٧٩

قائدا لثمانية آلاف جندى ، ولم يجعل هذا الخبر ينتشر. وفى الصباح التالى خرج أمامه ثلاثة آلاف جندى مصرى. وقد كان العسكر جميعا ، مدرعين من رأسهم ، إلى أخمص أقدامهم ، وكانت الطبول المصرية تصدح ، من كل مكان. وبينما هؤلاء الجند يصطفون هكذا ؛ فى شكل بديع محتشم ، سار جند الشام ، فوجا ، فوجا ، وقد إمتطى الفرسان ؛ صهوة جيادهم العربية الأصيلة ، من الجلفة ، والطريفى والصقلاوى ، والمصفحة ، والكالفدانى. وقد تدثرت قوات المحمودية (١) بأطقمها المذهبة ، والمطرزة بالذهب ، وقد أمسك الفرسان ببيارقهم من ناحية ، ومن ناحية آخرى بألجمة خيولهم. ثم مر خارموش باشا ، بخمسمائة من فرسانه ، على نغمات فرقته الموسيقية ، ومن خلفهم الفرسان التتارية (٢) ، ثم أعقبهم الآغوات بملابسهم الناصعة ، وقد أمتطوا صهوة جيادهم الكحيلانيه ، ومن خلفهم رؤساء القاپجية (٣).

__________________

(١) قوات المحمودية : مصطلح عسكرى يطلق على القوات النظامية الجديدة التى تشكلت فى عهد السلطان محمود الأول. وتسلحت بالاسلحة الحديثة ، وقضى بها على الإنكشارية فيما بعد. (المترجم)

(٢) طاطار ـ تاتارTatar : مصطلح إدارى يطلق على حاملى رسائل البريد قبل تأسيس إدارة البريد والبرق فى الدولة العثمانية. وكان يطلق عليه «اولاق» ـ حامل الرسائل وموصلها. أيضا. وهذا يختلف عن «ساعى» البريد ، فالساعى هو الذى يقوم بتوصيل الرسائل والمكاتبات الخاصة. ثم حلّ مصطلح التاتار على كل من يقوم بآعمال البريد. وتطلق عليه بعض المعاجم العثمانية «ساعى سريع الحركة ينقل الرسائل».

كانت تشكيلات البريد ـ التاتار ، تنطلق من العاصمة استانبول إلى سائر الولايات والبلدان ، لنقل الرسائل ، وقد قسمت الطرق إلى مسافات ، ومراحل كانت فى كل مرحلة توجد «منزلخانه» يترك فيها التاتار حيوانه سواء أكان خيلا أو بغالا.

وكان فى كل دائرة ، أو نظارة ، أو وزارة عدد من التاتار ؛ قد وصل فى بعضها إلى ٥٠ ـ ٦٠ تاتاريا ..

وكان التاتار يتحرك من العاصمة استانبول بالفرمان الذى يصدر له من الباب العالى إلى حيث توجه الرسالة. فمن استانبول إلى بلغراد ومن اسكدار حتى بغداد. وكانت الآهالى تجتمع فى المحاكم الشرعية فى المدن التى يصل إليها التاتار لقراءه ، والسماع إلى الفرمان أو الأوامر ، والتعليمات التى أحضرها.

كما كان الولاة يرسلون معهم تقاريرهم وكذا الأموال التى يبعثون بها من الولاية إلى العاصمة أو العكس.

كانت أوامرهم مطاعة فى كل المنازل التى ينزلونها ، ولا مراد أو مخالفه لما يقولونه وكانت تنفق من سرعتهم بضع حيوانات ، كما كانت القطعان تجر تحت سياطهم. ولا مانع من شنق القيم على محطة البريد إذا ما تأخر من إعداد الدواب اللازمة.

كانت لهم ملابسهم وقيافاتهم الخاصة بهم والتى يتميزون بها ، وكانت أغطية الرأس ال «قلباق» الخاص بهم ممنوع على أى طائفة أخرى أن تلبسه.

وكان رئيسهم فى أي دائرة حكومية يطلق عليه «آغا التاتار». وهو المسئوول المباشر عن كل ما يتعلق بالبريد. «المترجم»

(٣) قاپجى باشى : قپوجى باشى ؛ رئيس حراس البوابات : مصطلح إدارى يطلق على آمر ، أو ضابط الحراسة المكلف بحراسة بوابات السراى. وكانوا يقسمون إلى قسمين ؛ «دركاه عالى ، أى الآعتاب العالية ، والتانى ، باب همايون» أى

١٨٠