الرّحلة الحجازيّة

أوليا چلبي

الرّحلة الحجازيّة

المؤلف:

أوليا چلبي


المترجم: الدكتور الصفصافي أحمد المرسي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الآفاق العربيّة
الطبعة: ٠
ISBN: 977-5227-55-3
الصفحات: ٣٠٢

١
٢

٣
٤

بسم الله الرّحمن الرحيم

(وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)

صدق الله العظيم

[سورة آل عمران آية ٩٧]

٥
٦

الإهداء

إلى

كل من تاقت نفسه

آداء فريضة الحج ..

ولم يستطعها ... أقدم

هذه الرحلة الحجازية

المترجم

٧
٨

المقدّمة

إن تاريخ البشرية ؛ إنما هو تاريخ لمحاولة الإنسان التعرف على العالم المحيط به ..

والغريب عنه .. لقد ناضل أولا ضد القوى الحيوانية التى تحول بينه وبين ذلك ، ثم أخذ يناضل القوى المماثلة له .. فتكونت القبيلة ، ثم الأمة ، واندفعت الأمم من آقاليمها إلى الآقاليم المجاورة تكتشفها آفاقا جديدة .. ثم بدأ ينطلق نحو الفضاء الخارجى عبر الكواكب ، ويغوص في آعماق البحار ، والمحيطات بحثا عن المعرفة .. ورغبة فى الإمتلاك ..

بدأت كل هذه الرحلات ضيقة ، ثم اتسعت آفاقها مع مرور الزمن ، فالإنسان ولد راحلا ، وإن أعجزته الرحلة .. تخيل رحلات غير محسوسة ؛ تخطى الجبال ، وعبر البحار .. وركب بساط الريح .. سجل لنا التاريخ رحلات ألف ليلة وليلة ، وحي بن يقظان ، والتوابع والزوابع ، ورحلة دانتي في الكوميديا الإلهية .. ورحلة الشاعر التركي العبقري الشيخ غالب إلي مدنية القلوب «حسن وعشق». كما نجد ذلك بين ثنايا الآساطير ، ودوافع الحروب ..

سجل المصريون رحلاتهم على جدران المعابد ، وخاض الفينيقيون عباب المحيط الآطلسي ، وخلّف الإغريق مستعمراتهم فى البحرين ؛ الأبيض والأسود ، وعنوا جميعا عناية واسعة بوصف البلدان ، والأقاليم التى رأووها ، وقدموا الكثير من المعارف الجغرافية.

زار هيرودوت مصر ، وقبرص ، وفنيقيا ، وآشور ، وإيران وتوغل فى الشمال ، وتخطى البوسفور ، وأودع مشاهداته فى هذه الزيارات أو الرحلات تاريخه الكبير .. ثم أعقبه «بلوتارك» الذى عنى بتاريخ اليونان ، والرومان .. ومنه استمد شكسبير الكثير من روائع مسرحياته ..

تصبح روما عاصمة العالم ، ويتوغل بحارتها ، وفرسانها فى ربوع إمبراطوريتها الشاسعة .. وتصل سفنهم إلي جزر الكاناريا في المحيط الأطلسي ..

ثم كان الفتح العربي للهند ، والصين ، وجبال البرانس .. ومن التركستان وجبال القوقاز إلى السودان ... وبلاد الحبش .... أصبح كل ذلك عالما موحدا مشتركا فى

٩

العقيدة .. واللغة ، وامتزجت الثقافات ، فخلقت نتاجا حضاريا مميزا ... وصف جغرافيوهم مدن هذا العالم ، وبلدانه ، وكذلك سكانه ، وعاداتهم ، وآعرافهم ..

عرفت حضارتنا ومكتباتنا العامة كتب المسالك والممالك ، وطرق الحج والقوافل .. وكثرت الرحلات بين المسلمين ، وعندهم ، وتنوعت بتنوع آسبابها ، وحوافزها .. ونشأت عند الكثيرين منهم محبة المجازفة ، والمغامرة فيما وراء المعروف .. وليس من العبث أن نجد فى تراثنا رحلات السندباد .. وابن ماجد ..

فتحت الحروب الصليبية آفاقا نحو الشرق ، فأخذ الأوربيون فى تسجيل أسفارهم ، ورحلاتهم ..

كانت الرحلة عنصرا مهما ، وقويا فى حياة المجتمع الإسلامي ، خلال عصور إزدهاره .. رحل الناس لزيارة مهبط الوحي .. ولقوا في ذلك الكثير من الصعاب ... وتحمّلوها راضين مسرورين .... رحل الناس فى طلب العلم حيث مراكزه المضيئة .. كان طلاب العلم يتحملون من المشاق فى سبيل الحصول عليه ، ما يحملنا على إحترامهم ، وإجلالهم .. ورحل القوم فى سبيل الإتجار ، وطلبا للربح ، والثراء .. فقد كانت الأسواق الإسلامية ، فى مشارق الأرض ، ومغاربها مفتوحة الأبواب ، مرتبطة ببعضها كل الإرتباط .. وتكمل بعضها بعضا .. وكان التجار يحملون مع بضائعهم ؛ أحلامهم ، وثقافاتهم ، ومعتقداتهم ..

رحل الناس كسفراء بين الملوك ، والحكام .. كما رحلوا طلبا ، ورغبة فى لذة السفر ، والرحلة فى حد ذاتها .. أو رحلوا طلبا للرزق إذ ضاقت بهم حدودهم ..

عرف المسلمون كل هذه النماذج من الرحلات .. وقد شجعهم على الإستزادة منها قلة الحدود المضروبة .. والعراقيل المفروضة ... فلما ذهبت الوحدة السياسية ، وضربت الحدود ، وشدّت الأسلاك الشائكة بقيت وحدة العقيدة .. ووحدة اللغة .. فربطتا الحجاج ، وطلاب العلم ، ورسل الحكام ، وحملة البضائع ، وزعماء الحرف ، والصنائع فاحتفظوا بالصلة ..

لقد دوّن الكثير من الرحّالة أسفارهم ، ومشاهداتهم .. فذكروا الأرض التى

١٠

زاروها .. والوديان التى نزلوها .. والجبال التى قطعوها .. والصعوبات التى واجهوها .. قيّدوا ما رأوا من آثار .. وسجلوا ما وعته الذاكرة من العادات والآعراف .. وسمات الثقافات ولطائف الأخبار ..

إن هذه اللفتات التى نعثر عليها فى كتب الرحلات هي التي تميز الرحّالة عن الجغرافي .. فالجغرافي ؛ يسأل ، ويستقصي ، ويقيس ويحقق ، ويحاول أن يحتوي كل جزء من المنطقة التى يعرض لدراستها ، أما الرحالة فيلتقط ما يشاهده من جزئيات .. ويرسم لنا منها صورة .. تتطابق .. وتتشابك آحيانا .. وربما تتنافر وتتباعد أحيانا أخرى .... ففيها ذاتية المشاهد .. وموضوعية الموجود ..

أدب الرحلات :

(لِإِيلافِ قُرَيْشٍ (١) إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ (٢))(١) فكان لقريش رحلتان ؛ رحلة الشتاء ، ورحلة الصيف .. وكانتا للتجارة .. ذلك لأن أهل مكة كانوا تجارا .. وكانت قوافلهم تنقل المتاجر من اليمن إلى الشام ، وتحمل بضائع الشام إلى اليمن ..

الفتوح العربية الإسلامية ، فتحت الأفاق ، وآتسعت رقعة الإتجار ، وتبادل السلع والمتاجر .. وكان التجار يتعرفون على اهل الديار وثقافاتهم ، وكانت هذه المعرفة تنتقل رواية ، وآخبارا حتى قيض الله لها من يدونها ، وتصبح جزءا من التراث الأدبي للرحلة.

رحل الناس فى طلب العلم من مكان إلي آخر ، فهذا بغدادى يشد الرحال إلى دمشق وهذا دمشقى يقصد بخارى ، وهذا تونسى إلى القاهرة وهذا قاهري يطلب العلم فى فاس ... وهذه الرحلة فى طلب العلم ؛ كانت أحرى بأن تدوّن أخبارها ، وتبقى آثارها من أخبار تنقل التجار ، وآصحاب الآعمال .. ومن هذه ، وتلك وصلت إلينا أخبار ، وأخبار هي من مفاخر التراث الإسلامي.

جاء الإسلام ، ففرض الحج علي المؤمنين ، ولو أنه جعل الإستطاعة شرطا ، والذين استطاعوا إلي الحج سبيلا ، فى هذا التاريخ الطويل ، كثر. ولم يكن جميعهم ممن

__________________

(١) سورة قريش الآيتان ١ ، ٢.

١١

يدون آخبار أسفاره .. ولكن حركة التنقل هذه حفزت الكثيرين من أهل العلم إلي تدوين مشاهداتهم ، فخرج من ذلك أيضا تراث في أدب الرحلات الإسلامي الشيئ الكثير ..

وإلى جانب التاجر ، وطالب العلم ، والحاج ، والسفير يقوم الرحّالة المحترف ، أو الهاوى برحلته من أجل الرحلة ذاتها .. ويدونها من وجهة نظره هو ..

ولما كانت الرحلة التى نحن بصددها ، تعتبر من رحلات الحج ، فيجدر بنا أن نلقي بعض من بصيص الضوء على رحلات الحج التي سبقت رحلة آوليا چلبى. والتى سوف نفرد لها الحديث فى حينه ، وعند الحديث عن كتابه الشهير «سياحتنامه». حتى تعم الفائدة.

رحلات الحج (١) :

لم تنل كتب الرحلات التى ألفت في وصف طريق الحج ومشاعره المقدسة وآثاره ، ووصف المدينتين الكريمتين [مكة] و (طيبة) ما تستحقه من الدراسة ، مع إعتبارها من أوفى المراجع وأوثقها ، وأشملها ، عما يتعلق بالحجاز من النواحي التاريخية ، والإجتماعية ، والاقتصادية والثقافية ، والجغرافية منذ تدوين تلك الرحلات إلى عصرنا الحاضر.

مكة المكرمة من الناحية الثقافية :

ولقد كانت مكة ـ وما تزال ـ نقطة التقاء ، مركز تجمّع ، لجميع المسلمين من مختلف الأقطار الإسلامية ، ولهذا كانت من أقوى مراكز نشر الثقافة بين تلك الأقطار ، وكانت صلة وصل بين علماء الأقطار الإسلامية ، في شرق البلاد وغربها ، وشمالها وجنوبها فى مختلف العصور الماضية ، ومع انصراف العلماء وغيرهم عن الجزيرة العربية بعد الهجرة بما يزيد على نصف قرن من الزمان ؛ أي منذ انتقال مركز الخلافة منها ، وبأنتقال الخلافة. والسلطان ، والدولة تنتقل الرغبات ، وتتجه الابصار

__________________

(١) آخذنا هذا العنوان ، وهذا الجزء بتصرف عن كتاب ؛ فى رحاب الحرمين (١) أشهر رحلات الحج ـ ١ ـ ملخص رحلتى ابن عبد السلام الدّرعي المغربي المتوفى سنة ١٢٣٩ ه‍ ـ تأليف ؛ حمد الجاسر ، الطبعة الأولى شوال ١٤٠٢ ه‍ ـ أغسطس ١٩٨٢ م منشورات دار الرفاعى للنشر ، والطباعة ، والتوزيع. بالرياض. م. ع. السعودية.

١٢

وتتركز الآمال حيث يوجد الملك والسلطان ، اللذان بهما تتيسر سبل الحياة وتحصل الطمأنينة والهدوء فى كنفهما ـ مع ذلك الانصراف فإنّ مكة المكرمة لها مكانة دينية فى نفس كل مسلم تجعلها دائما ـ ما بقى المسلمون ـ مطمح انظارهم فهي ـ فضلا عن كونها تضم مشاعر الحج ـ وفيها بيت الله المعظم ـ محط انظارهم وهم بحكم دينهم الحنيف ـ لا يمكن أن ينصرفوا عنها ، ولهذا فقد اصبحت منذ جاء الإسلام مركزا للثقافة الإسلامية العربية ، يجتمع فيها من العلماء في كل عام ما لا يجتمع في أية مدينة أخرى من مدن الإسلام.

وكان العلماء في العصور الأولى يقصدونها من مختلف أقطار العالم الإسلامي ليؤدّوا ركنا من اركان دينهم أداؤه فرض ، وليضيفوا إلى ذلك أمورا من أهمها التزود بزاد العلم والمعرفة ، فالعالم يفد إليها من أقصى المشرق أو المغرب فيلتقى بعالم آخر من بلاد بعيدة عن بلاده فيحصل من هذا الالتقاء تقارب وتفاهم ، واستزادة علم ، وامتداد لروافد المعرفة ، وانتشار للأفكار بين مختلف الأقطار الاسلامية ، ولقد كان علماء الاندلس يفدون إلى مكة المكرمة لا للحج وحده ولكن لينشروا علما ولستزيدوا منه ، وليكونوا صلة بين شرق البلاد وغربها بالعلم والثقافة.

ولو أراد باحث أو دارس أن يحاول التأليف عن صلة الأندلسيين بمكة من الناحية الثقافية لوجد الأمر أوسع مما يتصور ، ولنستعرض كتابين عن الأندلس احدهما ، «نفح الطيب» للمقّري ـ القاف مفتوحة مشددة ـ والثانى «فهرست ما رواه أبو بكر محمد بن خير الاشبيلي» استعراضا سريعا لمعرفة بعض العلماء الذين رحلوا من الأندلس إلى مكة فيما بين القرنين الثالث والسابع ممن كانوا رسل علم ، وحملة ثقافة ومعرفة ، وفى القرن الرابع : نجد من بين أولئك العلماء : ففي الثالث نجد من بين أولئك العلماء :

١ ـ يحيى بن يحيى الليثي (٢٣٤ ه‍ ـ ٨٤٨ م) راوى الموطأ تلقى العلم بمكة عن سفيان بن عيينة وغيره.

٢ ـ ثابت بن حزم السرقسطي وابنه قاسم سمعا بمكة سنة (٢٨٨ ه‍ ـ ٩٠٠ م) من الهجري وغيره.

٣ ـ زكريا بن خطاب التطيلّي : رحل من الأندلس سنة (٢٩٥ ه‍ ـ ٩٠٧ م) فسمع بمكة كتاب «النسب» لعالم الحجاز الزبير بن بكار المتوفي سنة (٢٥٦ ه‍ ـ

١٣

٨٦٩ م) سمعه من الجرجاني عن علي بن عبد العزيز عن مؤلفه ، كما سمع بمكة «موطأ مالك» من ابراهيم بن سعيد الحذاء ، وكلمة (سمع) باصطلاح المحدثين تعني انه تلقى واخذ سمع شيخه يحدث بذلك الكتاب.

٤ ـ يحيى بن عبد العزيز القرطبي (٢٩٥ ه‍ ـ ٩٠٧ م) سمع بمكة من علي بن عبد العزيز.

٥ ـ قاسم بن أصبغ (٢٤٧ / ٣٢٤ ه‍ ـ ٨٦١ م / ٩٣٥ م) تقريبا : هذا من أشهر العلماء ، وقد أخذ العلم بمكة عن محمد بن اسماعيل الصائغ وعلي بن عبد العزيز.

٦ ـ محمد بن عبد الله الخولاني (٩٠٧ م ٢٩٥ ه‍) سمع بمكة من علي بن عبد العزيز وغيره.

وفى القرن الرابع : نجد من بين أولئك العلماء :

١) محمد بن عبد الله بن يحيى (٢٨٤ / ٣٣٩ ه‍ ـ ٨٩٧ / ٩٥٠ م) وهو من أجلة علماء الأندلس وكبار قضاتها وممن أخذ العلم بمكة عن ابن المنذر والعقيلي وابن الأعرابي.

٢) محمد بن أحمد بن مفرج : سمع بمكة سنة ٢٣٧ ه‍ ـ ٨٥١ م من ابن الأعرابي وغيره وسمع بجدة وبالمدينة المنورة.

٣) عمر بن عبد الملك بن سليمان الخولاني ، ذكر ابن خير في «الفهرست» أنه روى سنن أبي داود بسنده اليه. وهذا رواها عن ابن الاعرابي بمكة سنة ٣٣٩ / ٣٤٠ ٩٥٠ / ٩٥١ م.

٤) عبد الرحمن بن خلف الاقليشي ، رحل إلى مكة سنة ٣٤٩ ه‍ ـ ٩٦٠ م فأخذ العلم عن أبي بكر الآجري وأبي حفص الجمحي.

٥) منذر بن سعيد البلوطي (... / ٣٥٥ ه‍ ـ ٩٦٥ م) تلقى العلم بمكة عن محمد بن المنذر النيسابورى ، وعنه روى كتابه «الاشراف» فى اختلاف العلماء.

٦) كما يروي ابن خير (صحيح البخاري) بسنده إلى محمد بن أحمد المروزي بمكة سنة ٣٥٣ ه‍ ـ ٩٦٤ م وهذا يرويه بسنده إلى البخارى.

١٤

٧) ويروي ابن خير «تاريخ البرقي فى رجال الموطأ» بسنده إلى علي بن أحمد بن شعيب بمكة سنة (٣٨٨ ه‍ ـ ٩٩٨ م) بسنده إلى المؤلف.

وفى القرن الخامس : نجد من بين العلماء الاندلسيين :

١ ـ عبد الوهاب بن محمد القرطبي المقرئ (٤٠٣ / ٤٦١ ١٠١٢ / ١٠٦٨ م) سمع بمكة على أبي العباس الكازريني.

٢ ـ عمر بن محمد السجزي الذي روى ابن خير بسنده اليه صحيح مسلم وقد حدث به بمكة سنة ٤٠٣ ه‍ ـ ١٠١٢ م.

٣ ـ ويروى ابن خير الاشبيلي «سيرة النبي» صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لابن طرخان التميمي بسند إلى محمد بن أحمد بن عيسى بن منظور وهذا يرويها عن أبي ذر عبد بن أحمد الهروى قراءه عليه فى المسجد الحرام عند باب الندوة سنة ٤٣١ ه‍ ـ ١٠٣٩ م.

٤ ـ ويروى «سنن الترمذي» بسنده إلى محمد بن أحمد الاردشتاني بمكة سنة (٤٥٥ ه‍ ـ ١٠٦٣ م) بسند إلى المؤلف.

٥ ـ ويروي كتاب «التلخيص فى القراءات الثمان» لعبد الكريم بن عبد الصمد الطبري المكي بسند إلى أحمد بن شعبان المقرئ عن المؤلف بمكة سنة (٤٧٣ ه‍ ـ ١٠٨٠ م).

٦ ـ محمد بن عبد الرحمن الاشبيلى (٤٥٠ ه‍ ـ ١٠٥٨ م تقريبا) تلقى العلم بمكة عن رزين بن معاوية إمام المالكية.

٧ ـ عمر بن حسن الهوزنى (٤٦٠ ه‍ ـ ١٠٦٧ م) سمع في طريقه إلى مكة كتاب «صحيح البخاري» وعنه أخذ كثير من علماء الأندلس روايته.

وفى القرن السادس نجد من بين اولئك العلماء :

١ ـ محمد بن الحسين الميورقي : قرأ بمكة سنة (٥١٧ ه‍ ـ ١١٢٣ م) على عبد الله بن محمد البيضاوي ، وعبد الملك ابن ابي مسلم النهاوندي.

٢ ـ محمد يوسف المرسي : سمع بمكة سنة (٥٢١ ه‍ ـ ١١٢٧ م) من رزين بن معاوية.

١٥

٣ ـ محمد بن عبد الله بن العربى (٤٦٨ / ٥٤٣ ه‍ ـ ١٠٧٥ / ١١٤٨ م) الإمام المالكي الجليل ، ذو التصانيف الكثيرة في الحديث وغيره ، سمع بمكة الحسين الطبري وابن طلحة وابن بندار وله رحلة إلى المشرق نقل عنه ابن رشيد الفهري وغيره. ومنها قطعة نشرها استاذنا الدكتور إحسان عباس فى مجلة «الابحاث» قبل ثلاث سنوات ، لا تختلف كثيرا عن القطعة التى ذكرها الكناني ، الموجود في مكتبته في خزانة الرباط.

٤ ـ أحمد بن عيسى : سمع بمكة سنة (٥٤٧ ه‍ ـ ١١٥٢ م) «جامع الترمذي» من أبي الفتح الكرخي.

٥ ـ طارق بن موسى بن يعيش (... / ٥٤٩ ه‍ ـ ١١٥٤ م) سمع بمكة من الحسين بن علي الطبري وعبد الباقي الزهري ، وعنه أخذ كتاب «الاحياء» عن مؤلفه الغزالي.

٦ ـ خلف بن فرج بن خلف : لقي بمكة سنة (٥٠٥ ه‍ ـ ١١١١ م) رزين بن معاوية الاندلسي ثم المكي ، فروى عنه كتاب «تجريد الصحاح» من تأليفه.

٧ ـ الحسين بن محمد بن الحسن الانصاري : (... / ٥٨٥ ه‍ ـ ١١٨٩ م) روى بمكة «صحيح البخاري» عن علي بن حميد الطرابلسي.

٨ ـ مساعد بن أحمد بن مساعد الاصبحي (٤٦٨ / ٥٤٥ ه‍ ـ ١٠٧٥ / ١١٥٠ م) لقى بمكة أبا عبد الله الطبرى فسمع منه صحيح مسلم .. ولقى أبا محمد بن العرجاء وأبا بكر بن الوليد الطرطوشى وأصحاب الإمام أبي حامد الغزالي وممن لقي امرأة تعرف بصباح ، عند باب الصفا ، وكان يقرأ عليها بعض التفاسير ، فجاء بيت شعر شاهد فسألت : هل له صاحب؟ فسألوا الشيخ أبا محمد بن العرجاء فقال الشيخ : لا أذكر له صاحبا فأنشدت :

طلعت شمس من أحبك ليلا

واستضاءت فمالها من مغيب

إن شمس النهار تغرب بالليل

وشمس القلوب دون غروب

٩ ـ محمد بن جبير (٥٤٠ / ٥٩٩ ه‍ ـ ١١٤٥ / ١٢٠٢ م) صاحب الرحلة المعروفة ومن رقيق شعره :

١٦

بدت لي أعلام بيت الهدي

بمكة والنور باد عليه

فأحرمت شوقا له بالهوى

وأهديت قلبى هديا اليه

وقد تحدث في رحلته عن مكة وعن علمائها.

١٠ ـ ابراهيم بن منبه الغافقى سمع بمكة سنة (٥٥٥ ه‍ ـ ١١٦٠ م) صحيح البخاري من سلطان بن ابراهيم المقدسي عن كريمة المروزية ، ونقل عن أبي ذر الهروي وهو من علماء مكة ، أنه قال عند موته : عليكم بكريمة ، فإنها تحمل كتاب البخارى من طريق أبي الهيثم ـ يقصد ترويه بإسناد عال ـ.

وفى القرن السابع من أشهر أولئك العلماء :

١ ـ محمد بن عمر بن محمد المعروف بابن رشيد ـ بضم الراء (٦٥٧ / ٧٢١ ه‍ ـ ١٢٥٨ / ١٣٢١ م) وهذا من أشهر علماء الاندلس وقد قام برحلة إلى بلاد المشرق ودوّن كثيرا مما شاهده بكتاب سماه «ملء العيبة» فى خمسة أجزاء ، بقي منها أربعة بخط المؤلف ، وقد خص الحجاز بقسم تحدث فيه عن كثير من أحواله وذكر من اجتمع به فيه من العلماء ، وقد نشرنا ذلك القسم في المجلد الثالث من مجلة «العرب».

٢ ـ محمد بن ابراهيم بن غصن الاشبيلي (٦٣١ / ٧٢٣ ه‍ ـ ١٢٣٣ / ١٣٢٣ م) من كبار علماء الأندلس ، وقدم مكة حلجا فتصدى للتعليم فأقرأ القرآن بها ، وممن قرأ عليه الشيخ خليل امام المالكية ، وشهاب الدين الطبري إمام الحنفية.

هذه اشارات ولمحات موجزة عن صلة علماء من أقصى الأقطار الإسلامية وأبعدها عن مكة المكرمة ، وسيقول قائل : وماذا عن علماء العراق والشام ومصر؟ فالجواب : (شبّ عمرو عن الطوق!!) فصلات هذه الأقطار بأم القرى مما لا تتسع له صفحات صحيفة بل تضيق عنه مجلدات الكتب. ولا بد من الإشارة ـ ولو بإيجاز ـ إلى أن هذه الأقطار الثلاثة ، وقد حفلت بالعلماء وبما يحتاج إليه أولئك مما ييسر لهم سبل الحياة الناعمة الهادئة ، قد اتجهوا اتجاها آخر يحتاج تفصيله إلى تطويل.

وعن جنوب الجزيرة التي هي أقرب فى حياتها الاجتماعية الى حياة سكان

١٧

الحرمين ، والقرب ـ دائما في نمط الحياة ـ من وسائل التقارب في الأفكار ، فماذا كان أثر هذا التقارب في الأفكار؟!

والجواب : لقد نبغ فى القرن الثالث والرابع فى اليمن علامة جليل لم يفارق تلك البلاد. ومع ذلك فقد بلغت مؤلفاته الأندلس في حياته ، وهو الحسن بن أحمد الهمداني (١) ...

ففي مؤلفاته إشارات ألقت الضوء على مالمكة المكرمة من أثر فى الحياة الثقافية ، فقد روى الهمداني «السيرة النبوية» التي ألفها محمد بن اسحاق عن عالم مكّي هو الخضر بن محمد بن داود ، والمعروف عند المشارقة رواية السيرة بطريق عبد الملك بن هشام عن البكائى عن المؤلف وعند المغاربة عن ابن بكير ، ولكن طريقة المكيين وروايتهم السيرة عن الخضر لم يذكرها سوى الهمداني فيما علمت ، مع أن لهم رواية أخرى أو روايات أخرى نجد إشارات عنها في كتابي الأزرقي والفاكهي عن مكة.

وهنا جانب عظيم الأهمية فى تاريخ نشر الثقافة الاسلامية وحفظها ، لم أر أحدا من الباحثين تعرض له وهو أن جزءا مهما من تراثنا لم نعرفه ولم يصل إلينا إلا بطريق علماء المغرب فقد قاموا بنقله إلى بلادهم بعد تلقيه أثناء قدومهم إلى مكة ، وتولوا حفظه بالرواية والنقل ، واستفادوا منه ، ثم عاد إلينا بطريق ما خلفوه لنا فى تراث ثقافى ضخم ، وحسبي الإشارة إلى ثلاثة أعلام من علماء الجزيرة عرفهم علماء الأندلس ، ونقلوا مؤلفاتهم. ولم يعرفهم علماء المشرق إلا بطريق أولئك وهم محمد بن اسحاق الفاكهي ، مؤرخ مكة ، وأبو على هارون بن زكريا الهجرى (٢) ، والحسن بن أحمد الهمداني. مؤرخ اليمن وعالمه.

ولقد برّز علماء المغرب على غيرهم فى تدوين الرحلات ، ولعل هذا يرجع إلى بعد ذلك القطر عن حواضر العلم ومراكز الثقافة في الحجاز والشام والعراق في العصور الأولى ثم مصر و (اسطنبول) في العهود المتأخرة ، ففي هذه الحواضر والمراكز نشأت

__________________

(١) انظر ترجمته في مقدمة كتاب «صفة جزيرة العرب» (دار اليمامة).

(٢) أنظر (العرب) ص ٨٤٣ س ٨.

(٣) أنظر (أبو علي الهجري) ص ١٠ ـ ٦٩ ـ ٩٦.

(٤) أنظر ص ٢١ مقدمة «صفة جزيرة العرب» نشر (دار اليمامة).

١٨

الثقافة العربية الاسلامية أول ما نشأت ، ثم ما زالت تنمو حتى تكاملت فروعها ، ورسخت أصولها. وبلاد المغرب ـ بمختلف أقطاره ومنه الأندلس ـ.

وإن كان في عصوره الزاهرة يمد تلك الثقافة بروافد قوية إلا أن علماءه كانوا ـ وما يزالون ـ يرون في تلك الحواضر. وخاصة مكة والمدينة ، مهوى لأفئدتهم ومطمحا لرغباتهم ، وملتقى روحيا تتطلع نفوسهم لبلوغه لا لأداء فريضة أوجبها الدين الحنيف فحسب ، ولكن للتزود من العلم ، وللالتقاء والاجتماع بالعلماء فى أحفل مجمع ، وأشمل ملتقى.

وللحديث عن عناية علماء المغرب بتدوين رحلاتهم إلى الحج مجال أوسع من هذا ، وحسبى أن أعرض الان إحدى الرحلات ، عرضا دعت المناسبة إليه.

ويلاحظ الباحث فى تاريخ الثقافة أن أدب الرحلات ازدهر فى العصور المتأخرة التي اعترى الجمود مختلف الجوانب الثقافية ، منذ القرن الحادي عشر الهجري حتى نهاية القرن الثالث عشر.

وما اخالني جانفت الحقيقة حين قلت فى حديثي في (ملتقى مؤرخ الأندلس ابن حيان) الذي أقيم فى الرباط في آخر شهر المحرم من هذا العام (١٤٠٣ ه‍ ـ ١٩٨١ م) ليست رحلتا ابن بطوطة وابن جبير ـ على جلالة قدرهما ـ يمدّان الباحث بفكرة كاملة عما تحويه غيرهما من رحلات علماء المغرب ، مما يتطلع إليه الدارسون لمختلف أحوال غرب الجزيرة ، من معلومات وافية.

وليس من المبالغة القول بأن في رحلات ابن رشيد الفهري والتجيبى والعبدرى والعياشي والدّرعيّين أحمد بن ناصر ، ومحمّد بن عبد السلام ، ومن بعدهم إلى نهاية القرن الثالث عشر الهجرى ـ في تلك الرحلات ما يعتبر من أوفى المصادر وأشملها وأوثقها في دراسة كثير من أحوال المدينتين الكريمتين مكة والمدينة ، من ثقافية واجتماعية واقتصادية. وهذا ما لم أر أحدا من الباحثين إتجه له باعتبار تلك الرحلات تكوّن وحدة متكاملة في موضوعها.

أشهر رحلات الحج :

ولا يتسع المجال لأكثر من ذكر أهم رحلات الحج ، التي في ميسور كل باحث

١٩

الاطلاع عليها ـ مما يعدّ مكملا لهذا البحث ـ وكثير من تلك الرحلات نشرت خلاصة ما يتعلق بالحج في مجلة «العرب».

١ ـ رحلة ابن جبير :

محمد بن أحمد بن جبير الكناني الأندلسي (٥٢٨ / ٦٠٧ ه‍ ـ ١١١٣ م).

كتب بعض مشاهداته في إحدي رحلاته إلى الشرق فيما بين سنتي (٥٧٨ / ٥٨١ ه‍ ـ ١١٨٢ / ١١٨٥ م) فتولى أحد تلاميذه ـ فيما يقال ـ الرحلة المعروفة باسمه وقد طبعت مرارا ونالت جانبا من الدراسة من بعض الباحثين. ومنهم الأستاذ الشيخ عبد القدوس الأنصاري ، حيث ألف عنها «مع ابن جبير في رحلته».

٢ ـ رحلة اپن رشيد :

هو محمد بن عمر بن رشيد ـ بضم الراء ـ الفهري السبتي الأندلسي (٦٥٧ / ٧٢١ ه‍ ـ ١٢٥٨ ـ ١٣٢١ م).

زار مصر والشام والحجاز ، بحيث وصل المدينة المنورة بطريق الحج الشامي في ٢٣ ذي القعدة سنة (٦٨٤ ه‍ ـ ١٢٨٥ م) وعاد منها بعد أن حج ـ عاد في ٢٨ ذي الحجة سنة (٦٨٤ ه‍ ـ ١٢٨٥ م) وعاد منها بعد أن حج ـ عاد في ٢٨ ذي الحجة سنة (٦٨٤ ه‍ ـ ١٢٨٥ م). بطريق الساحل مارا بالعقبة في ٢٥ محرم سنة (٦٨٥ ه‍ (١) ـ ١٢٨٦ م).

ومع عناية العلماء المتقدمين برحلة ابن رشيد ، التي دعاها «ملء العيبة ، فيما جمع بطول الغيبة ، في الوجهتين الكريمتين إلى مكة وطيبة» ـ إلا أنها لم تصل إلينا كاملة ، وهي من أحفل الرحلات ، وأشملها ، والأجزاء الباقية منها على ما يظهر ـ مسودة المؤلف بخطه.

ويقوم الصديق الأستاذ الشيخ محمد الحبيب بن الخوجة مفتى البلاد التونسية بتحقيق تلك الرحلة ، وقد أخبرني في ١٤ شهر ربيع الأول سنة (١٤٠٢ ه‍ ـ ١٩٨١ م) أنه تم طبع جزأين منها.

__________________

(١) وقع تطبيع فى مجلة «العرب» س (٣) ـ ص (٧٨٥).

٢٠