المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي

المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي

المؤلف:


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الرسالة
الطبعة: ٠
ISBN: 964-319-023-4
الصفحات: ١٨٤
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

وقد أخرج نعيم بن حماد بسنده عن علي عليه‌السلام انه قال : « المهدي رجل منّا من ولد فاطمة » (١) كما اخرج عن الزهري انه قال : « المهدي من ولد فاطمة » (٢) ، وعن كعب مثله أيضاً (٣).

هذا ، وقد ورد حديث جامع لمعظم الاخبار المتقدمة ، وهو المروي عن قتادة ، ـ كما تقدم ـ قال : قلت لسعيد : أحقٌ المهدي ؟ قال : نعم هو حق. قلت : ممن هو ؟ قال : من قريش ، قلت : من أي قريش ؟ قال : من بني هاشم. قلت : من أي بني هاشم ؟ قال : من ولد عبد المطلب. قلت : من أي ولد عبدالمطلب ؟ قال : من أولاد فاطمة (٤).

وعلى الرغم من الاقتراب بهذه النتيجة من جواب السؤال : مَنْ هو المهدي الموعود المنتظر ؟ إلاّ أنَّ العائق ما يزال موجوداً في تشخيص نسبه الشريف بنحو لا يقبل الترديد بين أولاد فاطمة عليها‌السلام ، لوضوح أنّ هذا النسب ـ بهذا الاطلاق ـ ينتهي إلى السبطين الحسن والحسين عليهما‌السلام.

ولهذا فنحن أمام احتمالات ثلاثة وهي :

الأول : أن يكون المهدي من أولاد الإمام الحسن السبط عليه‌السلام.

الثاني : أن يكون من أولاد الإمام الحسين السبط عليه‌السلام.

الثالث : أن يكون من أولاد السبطين معاً.

أما الاحتمال الثالث فلا يحتاج قبوله أو ردّه أكثر من النظر في نتائج البحث في الاخبار المؤيدة للاحتمالين الأولين.

__________________

(١) الفتن لنعيم بن حماد ١ : ٣٧٥ / ١١١٧ ، وعنه في كنز العمال ١٤ : ٥٩١ / ٣٩٦٧٥.

(٢) الفتن لنعيم بن حماد ١ : ٣٧٥ / ١١١٤ وعنه في التشريف بالمنن : ١٧٦ / ٢٣٧ باب ١٨٩.

(٣) الفتن لنعيم بن حماد ١ : ٣٧٤ / ١١١٢ ، وعنه في التشريف بالمنن : ١٥٧ / ٢٠٢ باب ١٦٣.

(٤) عقد الدرر : ٤٤ من الباب الاول ، والفتن لنعيم بن حماد ١ : ٣٦٨ ـ ٣٦٩ / ١٠٨٢ ، وعنه السيد ابن طاووس في التشريف بالمنن : ١٥٧ / ٢٠١ باب ١٦٣.

٦١

وأما فرض احتمال رابع ، وهو : كون المهدي من أولاد غير السبطين ، فهو باطل بالضرورة وغير معقول في نفسه ؛ لثبوت صحة أحاديث المهدي وتواترها بخصوص كونه من أهل البيت عليهم‌السلام ، ومن ولد فاطمة عليها‌السلام.

اذن لم يبقَ سوى التحقيق في مثبتات الاحتمالين الأولين. ويجب التنبيه قبل ذلك إلى أنه : لو ثبت كذب ما يؤيد الاحتمال الأول ، فلا نحتاج أصلاً إلى التحقيق في مثبتات الاحتمال الثاني ، اذ سيصدق بالضرورة ، ويكون هو المتيقن ، المقطوع به ، المطابق للواقع ، لما مرَّ من استحالة كذب الاحتمالين معاً ؛ لهذا سوف نستفرغ الوسع بدراسة وتحقيق مثبتات الاحتمال الأول ، فنقول :

حديث المهدي من ولد الإمام الحسن السبط عليه‌السلام :

لم أجد ما يدل على ان المهدي الموعود المنتظر هو من ولد الإمام الحسن عليه‌السلام في كتب أهل السنة غير حديث واحد فقط وربما لا يوجد في تراث الإسلام حديث غيره ، وهو ما أخرجه أبو داود السجستاني في سننه ، واليك نصه :

قال : « حُدِّثْتُ عن هارون بن المغيرة ، قال : حدثنا عمر بن أبي قيس ، عن شعيب بن خالد ، عن أبي إسحاق ، قال : قال علي رضي‌الله‌عنه ـ ونظر إلى ابنه الحسن ـ فقال : ( إنّ ابني هذا سيد كما سماه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم ، يشبهه في الخُلُق ولا يشبهه في الخَلْق ). ثم ذكر قصة : يملأ الأرض عدلاً » (١) انتهى بعين لفظه.

__________________

(١) سنن أبي داود ٤ : ١٠٨ / ٤٢٩٠ ، وأخرجه عنه في جامع الأصول ١١ : ٤٩ ـ ٥٠ / ٧٨١٤ ، وكنز العمال ١٣ : ٦٤٧ / ٣٧٦٣٦ ، كما أخرجه نعيم بن حماد في كتاب الفتن ١ : ٣٧٤ ـ ٣٧٥ / ١١١٣.

٦٢

بطلان الحديث من سبعة وجوه :

من دراسة سند الحديث ومتنه ، ومقارنة ذلك بأحاديث كون المهدي من ولد الحسين عليه‌السلام ، يطمئن الباحث بوضعه ، وذلك من سبعة وجوه وهي :

الوجه الأول : اختلاف النقل عن أبي داود في هذا الحديث ، فقد أورد الجزري الشافعي ( ت / ٨٣٣ ه‍ ) هذا الحديث بسنده عن أبي داود نفسه وفيه اسم : ( الحسين ) مكان ( الحسن ) ، فقال : « والأصح انه من ذرية الحسين بن علي لنصّ أمير المؤمنين علي على ذلك ، فيما أخبرنا به شيخنا المسند رحلة زمانه عمر بن الحسن الرّقي قراءة عليه ، قال : أنبأنا أبو الحسن بن البخاري ، أنبأنا عمر بن محمد الدارقزي ، أنبأنا أبو البدر الكرخي ، أنبأنا أبو بكر الخطيب ، أنبأنا أبو عمر الهاشمي ، أنبأنا أبو علي اللؤلؤي ، أنبأنا أبو داود الحافظ قال : حُدِّثْتُ عن هارون بن المغيرة ، قال : حدثنا عمر بن أبي قيس ، عن شعيب بن خالد ، عن أبي اسحاق قال : قال علي عليه‌السلام ـ ونظر إلى ابنه الحسين ـ فقال : « إنَّ ابني هذا سيد كما سماه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم ، يشبهه في الخُلُق ، ولا يشبهه في الخَلْق ». ثم ذكر قصة يملأ الأرض عدلاً.

هكذا رواه أبو داود في سننه وسكت عنه (١) ، انتهى بعين لفظه.

وأخرجه المقدسي الشافعي في عقد الدرر ص ٤٥ من الباب الأول ، وفيه اسم : ( الحسن ) ، وأشار محققه في هامشه إلى نسخة باسم : ( الحسين )

__________________

(١) اسمى المناقب في تهذيب اسنى المطالب / الجزري الدمشقي الشافعي : ١٦٥ ـ ١٦٨ / ٦١.

٦٣

ويؤيد وجود هذه النسخة نقل السيد صدر الدين الصدر عنها إذ أورد الحديث عن عقد الدرر وفيه اسم : ( الحسين ) (١).

وهذا الاختلاف ينفي الوثوق بترجيح أحد الاسمين ما لم يعتضد بدليل من خارج الحديث ، وهو مفقود في ترجيح ( الحسن ) ومتوفر في ( الحسين ).

الوجه الثاني : سند الحديث منقطع لأن من رواه عن علي عليه‌السلام هو أبو إسحاق والمراد به السبيعي ، وهو ممن لم تثبت له رواية واحدة سماعاً عن علي عليه‌السلام كما صرح بهذا المنذري في شرح هذا الحديث (٢) ، وقد كان عمره يوم شهادة أمير المؤمنين عليه‌السلام سبع سنين ؛ لأنّه ولد لسنتين بقيتا من خلافة عثمان في قول ابن حجر (٣).

الوجه الثالث : إن سنده مجهول أيضاً ؛ لأن أبا داود قال : ( حُدِّثت عن هارون بن المغيرة ) ولا يُعْلَم من الذي حدّثه ، ولا عِبرة في الحديث المجهول اتفاقاً.

الوجه الرابع : ان الحديث المذكور أخرجه أبو صالح السليلي ـ وهو من أعلام أهل السنة ـ بسنده عن الإمام موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمد الصادق ، عن جده علي بن الحسين ، عن جده علي بن أبي طالب عليهم‌السلام ، وفيه اسم : ( الحسين ) لا : ( الحسن ) عليهما‌السلام (٤).

الوجه الخامس : انه معارض بأحاديث كثيرة من طرق أهل السنة تصرح بأنّ المهدي من ولد الإمام الحسين منها حديث حذيفة بن اليمان

__________________

(١) المهدي / السيد صدر الدين الصدر : ٦٨.

(٢) مختصر سنن أبي داود / المنذري ٦ : ١٦٢ / ٤١٢١.

(٣) تهذيب التهذيب ٨ : ٥٦ / ١٠٠.

(٤) التشريف بالمنن للسيد ابن طاووس : ٢٨٥ / ٤١٣ ب ٧٦ ، أخرجه عن فتن السليلي باختلاف يسير.

٦٤

قال : « خطبنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فذكرنا بما هو كائن ، ثم قال : لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد ، لطول الله عزّ وجلّ ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاً من ولدي ، اسمه اسمي. فقام سلمان الفارسي رضي‌الله‌عنه فقال : يا رسول الله ! من أي ولدك ؟ قال : من ولدي هذا ، وضرب بيده على الحسين » (١).

الوجه السادس : احتمال التصحيف في الاسم من ( الحسين ) إلى ( الحسن ) في حديث أبي داود غير مستبعد بقرينة اختلاف النقل ، ومع عكس الاحتمال فإنه خبر واحد لا يقاوم المتواتر كما سنفصله في محلّه.

الوجه السابع : يحتمل قوياً وضع الحديث لما فيه من العلل المتقدمة ، ويؤيد هذا الاحتمال أن الحسنيّين وأتباعهم وأنصارهم زعموا مهدوية محمد بن عبدالله بن الحسن المثنى ابن الإمام الحسن السبط عليه‌السلام ، الذي قتل سنة (٤٥١ ه‍ ) في زمن المنصور العباسي ، نظير ما حصل ـ بعد ذلك ـ من قبل العباسيين وأتباعهم في ادعاء مهدوية محمد بن عبدالله المنصور الخليفة العباسي الملقب بالمهدي ( ١٥٨ ـ ١٦٩ ه‍ ) لما في ذلك من تحقيق اهداف ومصالح سياسية كبيرة لا يمكن الوصول اليها بسهولة من غير هذا الطريق المختصر.

__________________

(١) المنار المنيف لابن القيم : ١٤٨ / ٣٢٩ فصل / ٥٠ ، عن الطبراني في الاوسط ، عقد الدرر : ٤٥ من الباب الأول وفيه : ( أخرجه الحافظ أبو نعيم في صفة المهدي ) ، ذخائر العقبى / المحب الطبري : ١٣٦ ، وفيه : ( فيحمل ما ورد مطلقاً فيما تقدم على هذا المقيد ) ، فرائد السمطين ٢ : ٣٢٥ / ٥٧٥ باب / ٦١ ، القول المختصر لابن حجر : ٧ / ٣٧ باب / ١ ، فرائد فوائد الفكر : ٢ باب / ١ ، السيرة الحلبية ١ : ١٩٣ ، ينابيع المودة ٣ : ٦٣ باب / ٩٤ ، وهناك أحاديث أُخرى بهذا الخصوص في مقتل الإمام الحسين ٧ للخوارزمي الحنفي ١ : ١٩٦ ، وفرائد السمطين ٢ : ٣١٠ ـ ٣١٥ / الاحاديث ٥٦١ ـ ٥٦٩ ، وينابيع المودة ٣ : ١٧٠ / ٢١٢ باب ٩٣ وباب ٩٤.

ومن مصادر الشيعة أُنظر : كشف الغمة ٣ : ٢٥٩ ، وكشف اليقين : ١١٧ ، واثبات الهداة ٣ : ٦١٧ / ١٧٤ باب ٣٢ ، وحلية الابرار ٢ : ٧٠١ / ٥٤ باب / ٤١ ، وغاية المرام : ٦٩٤ / ١٧ باب / ١٤١ ، وفي منتخب الأثر الشيء الكثير من تلك الاحاديث المخرجه من طرق الفريقين ، فراجع.

٦٥

الحديث غير معارض لأحاديث : المهدي من ولد الحسين عليه‌السلام :

مع فرض صحة الحديث ـ على الرغم مما تقدم فيه ـ فإنّه لاتعارض بينه وبين الاحاديث الاَُخرى المصرحة بكون المهدي من ولد الإمام الحسين عليه‌السلام ويمكن الجمع بينه وبينها ، بأن يكون الإمام المهدي عليه‌السلام حسيني الأب حسني الاَُم ؛ وذلك لأن زوجة الإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام ، أُم الإمام الباقر محمد بن علي بن الحسين عليهم‌السلام هي فاطمة بنت الإمام الحسن المجتبى عليه‌السلام.

وعلى هذا يكون الإمام الباقر عليه‌السلام حسيني الأب حسني الاَُم ، وذريته تكون من ذرية السبطين حقيقة.

وهذا الجمع له مايؤيده من القرآن الكريم قال تعالى : ( ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلاً هدينا ونوحاً هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان ... وعيسى وإلياس كل من الصالحين ) الانعام : ٦ / ٨٤ ـ ٨٥.

فعيسى عليه‌السلام أُلحق بذراري الانبياء من جهة مريم عليها‌السلام ، فلا مانع اذن في ان تُلحق ذرية الإمام الباقر بالامام الحسن السبط من جهة الاَُم كما أُلحق السبطان برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من جهة فاطمة الزهراء عليها‌السلام.

وهذا الجمع بين الاخبار لا ينبغي الشك فيه مع افتراض صحة حديث أبي داود وان كان مخالفاً للصحة من كل وجه كما تقدم.

وإلى هنا اتضح لنا أن الاحتمال الثاني ـ أعني كون الإمام المهدي من ولد الإمام الحسين عليه‌السلام ـ لم يكن مجرد احتمال ، وإنما هو الواقع بعينه ، سواء قلنا بصحة حديث كون المهدي من ولد الإمام الحسن السبط عليه‌السلام أو لم نقل بذلك.

أمّا مع فرض القول بصحة الحديث ، فلا تعارض بينه وبين أحاديث كون المهدي من ولد الإمام الحسين عليه‌السلام ، بل هو مؤيد لها كما تقدم.

وأمّا مع القول بعدم صحته ـ وهو الحق لما تقدم في الوجوه السبعة

٦٦

ـ فالحال أوضح من أن يحتاج إلى بيان ؛ لما قلناه سابقاً من أن إثبات بطلان أحد الاحتمالين يعني القطع بمطابقة الآخر للواقع لاستحالة بطلانهما معاً ، إذ المتيقن هو كون المهدي الموعود من ولد فاطمة عليها‌السلام حقاً.

ما ورد معارضاً لكون المهدي من أولاد الحسين عليه‌السلام :

لقد اتضح من خلال البحث في طوائف أحاديث نسب الإمام المهدي ، أنه لابدّ وأن يكون من أولاد الإمام الحسين عليه‌السلام ، وقبل بيان مثبتات هذه النتيجة ـ التي يترتب عليها اعتقاد الشيعة الامامية بأنّ المهدي هو التاسع من صلب الإمام الحسين عليه‌السلام ، وأنه قد وُلد حقاً وهو محمد بن الحسن العسكري عليه‌السلام ، لابدّ من التوقف برهة مع ما ورد معارضاً لذلك في لسان بعض الروايات ـ من طريق أهل السنّة ـ التي عينت اسم أبي المهدي ب‍ : ( عبدالله ) ، مما نجم عنها اعتقاد بعضهم بأنّ المهدي هو محمد بن عبدالله ، وأنه لم يولد بعد ، وإنما سيولد قبيل ظهوره في آخر الزمان.

ولما كان التواتر حاصلاً لمهديٍّ واحد ، فلابدّ وأن يكون أحد الفريقين ينتظر مهدياً لا واقع له ، وهذا ما يستدعي وجوب مراجعة كل فريق لأدلّته بمنظار أنها خطأ يحتمل الصواب ، والنظر لما عند الآخر باعتبار انه صواب يحتمل الخطأ ، وهذا وإن عزّ ، فلا يعدم عند من يسعى لادراك الصواب ـ قبل فوات الأوان ـ أينما كان.

ولأجل معرفة الصحيح في اسم أبي المهدي أهو : عبدالله ، أو الحسن ؟ نقول :

أحاديث : « اسم أبيه اسم أبي » ( عبدالله ) :

نودُّ الاشارة قبل دراسة هذه الأحاديث إلى أنّ بعض علماء الشيعة

٦٧

أوردوا بعضها ، لا إيماناً بها ، لمخالفتها لاُصول مذهبهم ، وإنما لأمانتهم في نقلها من كتب أهل السنة دون تحريف أو حذف ؛ إمّا لإمكان تأويلها بما لا يتعارض وأُصول المذهب ، وإمّا للبرهنة على الاَمانة في النقل ، وإيقاف المسلمين على مناقشاتهم لها ، وهي :

١ ـ الحديث الذي أخرجه ابن أبي شيبة ، والطبراني ، والحاكم ، كلّهم من طريق عاصم بن أبي النجود ، عن زرّ بن حبيش ، عن عبدالله بن مسعود ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : « لا تذهب الدنيا حتى يبعث الله رجلاً يواطئ اسمه اسمي ، واسم أبيه اسم أبي » (١).

٢ ـ الحديث الذي أخرجه أبو عمرو الداني ، والخطيب البغدادي كلاهما من طريق عاصم بن أبي النجود ، عن زرّ بن حبيش ، عن عبدالله بن مسعود عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : « لا تقوم الساعة حتى يملك الناس رجل من أهل بيتي ، يواطئ اسمه اسمي ، واسم أبيه اسم أبي » (٢).

٣ ـ الحديث الذي أخرجه نعيم بن حماد ، والخطيب ، وابن حجر ، كلهم من طريق عاصم أيضاً ، عن زرّ ، عن ابن مسعود ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه قال : « المهدي يواطئ اسمه اسمي ، واسم أبيه اسم أبي » (٣).

٤ ـ الحديث الذي أخرجه نعيم بن حماد بسنده عن أبي الطفيل قال :

__________________

(١) المصنف لابن أبي شيبة ١٥ : ١٩٨ / ١٩٤٩٣ ، المعجم الكبير للطبراني ١٠ : ١٦٣ / ١٠٢١٣ و ١٠ : ١٦٦ / ١٠٢٢٢ ، مستدرك الحاكم ٤ : ٤٤٢. وأورده من الشيعة المجلسي في بحار الانوار ٥١ : ٨٢ / ٢١ ، عن كشف الغمة للاربلي ٣ : ٢٦١ ، والاخير نقله عن كتاب الاربعين لابي نعيم.

(٢) سنن أبي عمرو الداني : ٩٤ ـ ٩٥ ، تاريخ بغداد ١ : ٣٧٠ ولم يروه احد من الشيعة.

(٣) تاريخ بغداد ٥ : ٣٩١ ، كتاب الفتن لنعيم بن حماد ١ : ٣٦٧ / ١٠٧٦ و ١٠٧٧ وفيه يقول ابن حماد : « وسمعته غير مرّة لا يذكر اسم ابيه » ، وأخرجه في كنز العمال ١٤ : ٢٦٨ / ٣٨٦٧٨ عن ابن عساكر ، ونقله السيد ابن طاووس في التشريف بالمنن ١٥٦ / ١٩٦ و ١٩٧ باب / ١٦٣ عن فتن ابن حماد ، كما أورده ابن حجر في القول المختصر : ٤٠ / ٤ مرسلاً.

٦٨

« رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : المهدي اسمه اسمي ، واسم أبيه اسم أبي » (١).

حقيقة هذا التعارض وبيان قيمته العلمية :

هذه هي الأحاديث التي جعلت مبرراً لاختيار ( محمد بن عبدالله ) كمهديٍّ في آخر الزمان ، وكلها لا تصحّ حجة ومبرراً لهذا الاختيار. وقد علمت أن الثلاثة الاُولى منها كلّها تنتهي إلى ابن مسعود من طريق واحد وهو طريق عاصم بن أبي النجود. وسوف يأتي ما في هذا الطريق مفصّلاً.

وأما الحديث الرابع ، فسنده ضعيف بالاتفاق اذ وقع فيه رِشْدِينُ بن سعد المهري وهو : رِشْدِينُ بن أبي رِشْدِين المتّفق على ضعفه بين أرباب علم الرجال من أهل السُنّة.

فعن أحمد بن حنبل : أنه ليس يبالي عمّن روى ، وقال حرب بن إسماعيل : « سألت أحمد بن حنبل عنه ، فضعّفه » ، وعن يحيى بن معين : لا يكتب حديثه. وعن أبي زرعة : ضعيف الحديث ، وقال أبو حاتم : منكر الحديث ، وقال الجوزجاني : عنده معاضيل ، ومناكير كثيرة ، وقال النسائي : متروك الحديث لا يُكتَب حديثه.

وبالجملة فإنّي لم أجد أحداً وثّقه قطّ إلاّ هيثم بن ناجة فقد وثّقه وكان أحمد بن حنبل حاضراً في المجلس ، فتبسّم ضاحكاً ، وهذا يدلّك على تسالمهم على ضعفه (٢).

__________________

(١) الفتن لنعيم بن حماد ١ : ٣٦٨ / ١٠٨٠ وعنه السيد ابن طاووس في التشريف بالمنن : ٢٥٧ / ٢٠٠.

(٢) راجع : تهذيب الكمال ٩ : ١٩١ / ١٩١١ ، وتهذيب التهذيب ٣ : ٢٤٠ ففيهما جميع ماذكر بحق رِشْدِين بن أبي رِشْدِين.

٦٩

ولا شك ، أنَّ من كان حاله كلما عرفت فلا يؤخذ عنه مثل هذا الامر الخطير.

وأما الأحاديث الثلاثة الاُولى ، فهي ليست بحجة من كل وجه ، ومما يوجب وهنها وردها هو ان عبارة : ( واسم أبيه اسم أبي ) لم يروها كبار الحفّاظ والمحدّثين ، بل الثابت عنهم رواية : ( واسمه اسمي ) فقط من دون هذه العبارة كما سنبرهن عليه ، هذا مع تصريح بعض العلماء من أهل السنة الذين تتبعوا طرق عاصم بن أبي النجود بأن هذه الزيادة ليست فيها ، كما سيأتي مفصلاً.

ومن ثم ، فإن إسناد هذه الأحاديث الثلاثة ينتهي إلى ابن مسعود فقط ، بينما المروي عن ابن مسعود نفسه كما في مسند أحمد ـ وفي عدة مواضع ـ ( واسمه اسمي ) فقط (١) ، وكذلك الحال عند الترمذي فقد روى هذا الحديث من دون هذه العبارة ، مشيراً إلى أنّ المروي عن علي عليه‌السلام ، وأبي سعيد الخدري ، وأُم سلمة ، وأبي هريرة هو بهذا اللفظ ( واسمه اسمي ) ثم قال ـ بعد رواية الحديث عن أبن مسعود بهذا اللفظ ـ : « وفي الباب : عن علي ، وأبي سعيد ، وأُم سلمة ، وأبي هريرة. وهذا حديث حسن صحيح » (٢).

وهكذا عند أكثر الحفاظ ، فالطبراني مثلاًأخرج الحديث عن ابن مسعود نفسه من طرق أُخرى كثيرة ، وبلفظ : ( اسمه اسمي ) ، كما في أحاديث معجمه الكبير المرقمة : ١٠٢١٤ و ١٠٢١٥ و ١٠٢١٧ و ١٠٢١٨ و ١٠٢١٩ و ١٠٢٢٠ و ١٠٢٢١ و ١٠٢٢٣ و ١٠٢٢٥ و ١٠٢٢٦ و ١٠٢٢٧ و ١٠٢٢٩ و ١٠٢٣٠.

__________________

(١) مسند أحمد ١ : ٣٧٦ و ٣٧٧ و ٤٣٠ و ٤٤٨.

(٢) سنن الترمذي ٤ : ٥٠٥ / ٢٢٣٠.

٧٠

وكذلك الحاكم في مستدركه أخرج الحديث عن ابن مسعود بلفظ : ( يواطئ اسمه اسمي ) فقط ، ثم قال : « هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه » (١) وتابعه على ذلك الذهبي ، وكذلك نجد البغوي في مصابيح السنّة يروي الحديث عن ابن مسعود من دون هذه الزيادة مع التصريح بحسن الحديث (٢).

وقد صرح المقدسي الشافعي بأن تلك الزيادة لم يروها أئمة الحديث ، فقال ـ بعد أن أورد الحديث عن ابن مسعود بدون هذه الزيادة ـ : « أخرجه جماعة من أئمة الحديث في كتبهم ، منهم الإمام أبو عيسى الترمذي في جامعه ، والإمام أبو داود في سننه ، والحافظ أبو بكر البيهقي ، والشيخ أبو عمرو الداني ، كلهم هكذا » (٣) أي : ليس فيه : ( واسم أبيه اسم أبي ) ثم أخرج جملة من الأحاديث المؤيدة لذلك مشيراً إلى من أخرجها من الأئمة الحفاظ كالطبراني ، وأحمد بن حنبل ، والترمذي ، وأبي داود ، والحافظ أبي داود ، والبيهقي ، عن عبدالله بن مسعود ، وعبدالله بن عمر ، وحذيفة (٤).

هذا زيادة على ما مرّ من اشارة الترمذي إلى تخريجها عن علي عليه‌السلام ، وأبي سعيد الخدري ، وأُم سلمة ، وأبي هريرة ؛ كلهم بلفظ : ( واسمه اسمي ) فقط.

ولا يمكن تعقّل اتفاق هؤلاء الأئمة الحفاظ بإسقاط هذه الزيادة ( واسم أبيه اسم أبي ) لو كانت مروية حقاً عن ابن مسعود مع أنّهم رووها من طريق عاصم بن أبي النجود ، بل ويستحيل تصور إسقاطهم لها لما فيها من أهمية

__________________

(١) مستدرك الحاكم ٤ : ٤٤٢.

(٢) مصابيح السنة ٤٩٢ / ٤٢١٠.

(٣) عقد الدرر : ٥١ / باب ٢.

(٤) عقد الدرر : ٥١ ـ ٥٦ / باب ٢.

٧١

بالغة في النقض على مايدعيه الطرف الآخر.

ومن هنا يتضح أنّ تلك الزيادة قد زيدت على حديث ابن مسعود من طريق عاصم إما من قِبَل أتباع الحسنيين وأنصارهم ترويجاً لمهدوية محمد بن عبدالله بن الحسن المثنى ، أو من قبل أتباع العباسيين ومؤيديهم في ما زعموا بمهدوية محمد بن عبدالله ـ أبي جعفر ـ المنصور العباسي.

وقد يتأكد هذا الوضع فيما لو علمنا بأنّ الأول منهما كانت رتّة في لسانه ، مما اضطر أنصاره على الكذب على أبي هريرة ، فحدّثوا عنه أنه قال : « إن المهدي اسمه محمد بن عبدالله في لسانه رتّة » (١).

ولما كانت الأحاديث الثلاثة الأولى من رواية عاصم بن أبي النجود ، عن زرّ بن حبيش عن عبدالله بن مسعود ، مخالفة لما أخرجه الحفاظ عن عاصم من أحاديث في المهدي ـ كما مر ـ ، فقد تابع الحافظ أبو نعيم الأصبهاني ( ت / ٤٣٠ ه‍ ) في كتابه ( مناقب المهدي ) طرق هذا الحديث عن عاصم حتى أوصلها إلى واحد وثلاثين طريقاً ، ولم يُرْوَ في واحد منها عبارة ( واسم ابيه اسم أبي ) بل اتفقت كلها على رواية ( واسمه اسمي ) فقط. وقد نقل نص كلامه الكنجي الشافعي ( ت / ٦٣٨ ه‍ ) ثم عقّب عليه بقوله : « ورواه غير عاصم ، عن زر ، وهو عمرو بن حرة ، عن زر كل هؤلاء رووا ( اسمه اسمي ) إلاّ ما كان من عبيدالله بن موسى ، عن زائدة ، عن عاصم ، فإنّه قال فيه : ( واسم أبيه اسم أبي ). ولا يرتاب اللبيب أن هذه الزيادة لا اعتبار بها مع اجتماع هؤلاء الأئمة على خلافها ـ إلى أن قال ـ والقول الفصل في ذلك : إن الإمام أحمد ـ مع ضبطه وإتقانه ـ روى هذا

__________________

(١) هذا الحديث الموضوع منقول في معجم أحاديث الإمام المهدي عن مقاتل الطالبيين : ١٦٣ ـ ١٦٤.

٧٢

الحديث في مسنده [ في ] عدة مواضع : واسمه اسمي » (١).

ومن هنا يُعلم أنّ حديث : ( .. واسم أبيه اسم أبي ) فيه من الوهن ما لا يمكن الاعتماد عليه في تشخيص اسم والد المهدي المباشر.

وعليه ، فان من ينتظر مهديّاً باسم ( محمد بن عبدالله ) إنما هو في الواقع ـ وعلى طبق ما في التراث الاسلامي من أخبار ـ ينتظر سراباً يحسبه الضمآن ماء.

ولهذا نجد الاستاذ الأزهري سعد محمد حسن يصرّح بأن أحاديث ( اسم أبيه اسم أبي ) أحاديث موضوعة ، ولكن الطريف في تصريحه أنّه نسب الوضع إلى الشيعة الامامية لتؤيد بها وجهة نظرها على حد تعبيره (٢) !!

ويتضح مما تقدم أنَّ نتيجة البحث في طوائف أحاديث نسب الإمام المهدي ، قد انتهت إلى كونه من ولد الإمام الحسين عليه‌السلام؛ لضعف سائر الأحاديث التي وردت مخالفة لتلك النتيجة ، مع عدم وجود أية قرينة تشهد بصحة تلك الأحاديث ، بل توفرت القرائن الدالة على اختلاقها.

واذا عدنا الى نتيجة البحث في الطوائف المتقدمة نجدها مؤيدة بما تواتر نقله عند المسلمين.

مؤيدات كون المهدي من ولد الحسين عليه‌السلام

هناك أحاديث كثيرة عند الشيعة الامامية عيّنت الأئمة الاثني عشر بأسمائهم واحداً بعد آخر ابتداءً بالامام علي وانتهاء بالمهدي عليهم‌السلام ، مع مجموعة من الأحاديث في تعيين كل إمام لاحق بنصّ من الإمام السابق.

__________________

(١) البيان في أخبار صاحب الزمان / الكنجي الشافعي : ٤٨٢.

(٢) المهدية في الإسلام / الاستاذ الازهري سعد محمد حسن : ٦٩.

٧٣

وأُخرى عند أهل السنة مصرحة بعدد الأئمة تارة كما في الصحاح ، ومشخصة لأسمائهم كما في كتب المناقب وغيرها وإلى جانب هذا توجد جملة من الأحاديث المتّفق على صحّتها تدلّ على حياة المهدي ما بقي في الناس اثنان ، وهذا لا يتمّ إلاّ بتقدير كونه التاسع من ولد الإمام الحسين عليه‌السلام. وسوف لن نذكر من تلك الاحاديث إلاّ ما احتُجَّ به في كتب الفريقين.

حديث الثقلين :

مما لا شكّ فيه أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد انتقل إلى الرفيق الأعلى والسنة لم تدوّن بكل تفاصيلها في عهده ، وهو منزّه عن التفريط برسالته المحكوم ببقائها إلى يوم القيامة ، ومنزّه أيضاً عن إهمال أُمته مع نهاية رأفته بهم وشفقته عليهم ، فكيف يوكلهم إلى القرآن الكريم وحده مع ما فيه من محكم ومتشابه ، ومجمل ومفصّل ، وناسخ ومنسوخ ، فضلاً عمّا في آياته من وجوه ومحامل استخدمت للتدليل على صحة الآراء المتباينة كما نحسّ ونلمس عند أرباب المذاهب والفرق الاسلامية.

هذا ، مع علمه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنه قد كُذِب عليه في حياته فكيف الحال إذن بعد وفاته ، والدليل عليه قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي اتخذ بكتب الدراية مثالاً على التواتر اللفظي : « من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ».

فمن غير المعقول إذن أن يدع النبي شريعته مسرحاً لاجتهادات الآخرين من دون أن يحدد لهم مرجعاً يعلم ما في القرآن حق علمه ، وتكون السنة معلومة بكل تفاصيلها عنده.

وهذا هو القدر المنسجم مع طبيعة صيانة الرسالة ، وحفظها ، ومراعاة استمرارها منهجا وتطبيقاً في الحياة.

٧٤

ومن هنا تتضح أهمية حديث الثقلين ( القرآن والعترة ) ، وقيمة إرجاع الأمّة فيه إلى العترة لأخذ الدين الحق عنهم ، كما تتضح أسباب التأكيد عليه في مناسبات مختلفة ونُوَب متفرقة ، منها في يوم الغدير ، وآخرها في مرضه الأخير.

فعن زيد بن أسلم ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « كأنني قد دُعِيت فأجبت ، إني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ، إنّ الله مولاي ، وأنا ولي كل مؤمن. من كنت مولاه فعليٌّ مولاه ، اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه » (١).

وعن أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « إنّي تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلّوا بعدي ، أحدهما أعظم من الآخر : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الارض ، وعترتي أهل بيتي ، ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما » (٢) ، هذا فضلاً عن تأكيده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المستمر على الاقتداء بعترته أهل بيته ، والاهتداء بهديهم ، والتحذير من مخالفتهم ، وذلك بجعلهم تارة كسفن للنجاة ، وأُخرى أماناً للاَُمّة ، وثالثة كباب حطّة.

وفي الواقع لم يكن الصحابة بحاجة إلى سؤال واستفسار من النبي لتشخيص المراد بأهل البيت ، وهم يرونه وقد خرج للمباهلة وليس معه غير أصحاب الكساء وهو يقول : « اللّهم هؤلاء أهلي » وهم من أكبر الناس معرفة بخصائص هذا الكلام ، وإدراكاً لما ينطوي عليه من قصر

__________________

(١) مستدرك الحاكم ٣ : ١٠٩.

(٢) سنن الترمذي ٥ : ٦٦٢ / ٣٧٨٦ ، وحديث الثقلين قد روي عن أكثر من ثلاثين صحابياً ، وبلغ عدد رواته عبر القرون المئات. راجع حديث الثقلين تواتره ، فقهه ، للسيد علي الحسيني الميلاني : ٤٧ ـ ٥١. فقد ذكر فيه بعض الرواة وفيه الكفاية.

٧٥

واختصاص. وإلا فتسعة أشهر وهي المدّة التي أخبر عنها ابن عباس في وقوف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على باب فاطمة صباح كل يوم وهو يقرأ : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) (١) كافية لأن يعرف الجميع من هم أهل البيت عليهم‌السلام.

ومع هذا فلا معنى لسؤالهم واستفسارهم من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عمّن يعصموا الأمّة بعده من الضلالة إلى يوم القيامة فيما لو تمسكت بهم مع القرآن.

فحاجة الأمّة ـ والصحابة أيضاً ـ ليس أكثر من تشخيص أولهم ليكون المرجع للقيام بمهمته بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى يأخذ دوره في عصمة الأمّة من الضلالة ، وهو بدوره مسؤول عن تعيين من يليه في هذه المهمة ، وهكذا حتى يرد آخر عاصم من الضلالة مع القرآن على النبي الحوض.

وإذا علمت أن علياً عليه‌السلام قد تعيّن بنصوص لاتحصى ، ومنها في حديث الثقلين نفسه ، فليس من الضروري إذن أن يتولّى النبي بنفسه تعيين من يلي أمر الأمّة باسمه في كل عصر وجيل ، إن لم نقل إنه غير طبيعي لولا أن تقتضيه بعض الاعتبارات.

فالقياس إذن في معرفة إمام كل عصر وجيل : إمّا أن يكون بتعيينهم دفعة واحدة ، أو بنص السابق على إمامة اللاحق وهو المقياس الطبيعي المألوف الذي دأبت عليه الأنبياء والأوصياء عليهم‌السلام ، وعرفته البشرية في سياساتها منذ أقدم العصور وإلى يوم الناس هذا.

وإذا ما عدنا إلى واقع أهل البيت عليهم‌السلام نجد النصّ قد توفر على إمامتهم بكلا طريقيه ، ومن سَبَر الواقع التاريخي لسلوكهم علم يقيناً بأنهم ادعوا لانفسهم الإمامة في عرض السلطة الزمنية ، واتخذوا من أنفسهم كما

__________________

(١) الاحزاب : ٣٣ / ٣٣. وانظر روايات وقوف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على باب فاطمة وهو يقرأ الآية في تفسير الطبري : ٢٢ / ٦.

٧٦

اتخذهم الملايين من أتباعهم أئمة وقادة للمعارضة السلمية للحكم القائم في زمانهم ، مع إرشاد كل إمام أتباعه على من يقوم بأمر الإمامة من بعده ، وعلى هذا جرت سيرتهم ، فكانوا عرضة للمراقبة والسجون والاستشهاد بالسم تارة ، وفي سوح الجهاد تارة أُخرى وعلى أيدي القائمين بالحكم أنفسهم.

ثم لو فرض أنّ أحدهم لم يعيّن لاَتباعه من يقوم بأمر الإمامة من بعده ، مع فرض توقف النص عليه ، فإنّ معنى ذلك بقاء ذلك الإمام خالداً مع القرآن في كل عصر وجيل ؛ لأن دلالة « لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض » على استمرار وجود إمام من العترة في كل عصر كاستمرار وجود القرآن الكريم ظاهرة واضحة ، ولهذا ذهب ابن حجر إلى القول : « وفي أحاديث الحث على التمسك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع متأهل منهم للتمسك به إلى يوم القيامة ، كما أنّ الكتاب العزيز كذلك ، ولهذا كانوا أمانا لأهل الأرض ، ويشهد لذلك الخبر : « في كلِّ خَلَفٍ من أُمتي عدول من أهل بيتي » (١).

حديث : ( من مات ولم يعرف إمام زمانه ) :

سُجّل هذا الحديث ـ بألفاظٍ مختلفةٍ وكلّها ترجع إلى معنىً واحدٍ ومقصدٍ فارد ـ : في أُمهات كتب الحديث السنية والشيعية ، ويكفي على ذلك اتفاق البخاري ومسلم ـ من أهل السنة ـ على روايته (٢) ، والكليني ، والصدوق ، ووالده ، والحميري ، والصفار ـ من الشيعة الإمامية ـ على

__________________

(١) الصواعق المحرقة : ١٤٩.

(٢) صحيح البخاري ٥ : ١٣ باب الفتن ، صحيح مسلم ٦ : ٢١ ـ ٢٢ / ١٨٤٩.

٧٧

روايته أيضاً (١) ، وقد أخرجه كثيرون بطرق لا طاقة على استقصائها (٢).

اذن الحديث مما لا مجال لاحد ان يناقش في سنده ، وان توهم الشيخ أبو زهرة فعدّه من روايات الكافي فحسب ! (٣).

والحديث كما ترى في تخريجه لا يبعد القول بتواتره ، وهو لا يحتمل التأويل ولاصرف دلالته الواضحة على وجوب معرفة الإمام الحق على كل مسلم ومسلمة ، وإلاّ فإنّ مصيره ينذر بنهاية مهولة.

ومن ادعى ان المراد بالامام الذي من لا يعرفه سيموت ميتة جاهلية هو السلطان أو الحاكم ، أو الملك ، ونحو ذلك وان كان فاسقاً ظالماً !! فعليه ان يثبت بالدليل ان معرفة الظالم الفاسق من الدين أولاً ، وان يبين للعقلاء الثمرة المترتبة على وجوب معرفة الظالم الفاسق بحيث يكون من مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية.

وعلى أية حال ، فالحديث يدل على وجود امام حق في كل عصر وجيل ، وهذا لا يتم إلاّ مع القول بوجود الإمام المهدي الذي هو حق ومن ولد فاطمة عليها‌السلام كما تقدم. ومما يؤيده :

__________________

(١) أُصول الكافي ١ : ٣٠٣ / ٥ و ١ : ٣٠٨ / ١ ـ ٣ و ١ : ٣٧٨ / ٢ ، وروضة الكافي ٨ : ١٢٩ / ١٢٣ ، كمال الدين ٢ : ٤١٢ ـ ٤١٣ / ١٠ و ١١ و ١٢ و ١٥ باب ٣٩ ، الإمامة والتبصرة : ٢١٩ / ٦٩ و ٧٠ و ٧١ ، قرب الاسناد : ٣٥١ / ١٢٦٠ ، بصائر الدرجات : ٢٥٩ و ٥٠٩ و ٥١٠.

(٢) انظر : مسند احمد ٢ : ٨٣ و ٣ : ٤٤٦ و ٤ : ٩٦ ، مسند أبي داود الطيالسي : ٢٥٩ ، المعجم الكبير للطبراني ١٠ : ٣٥٠ / ١٠٦٨٧ ، مستدرك الحاكم ١ : ٧٧ ، حلية الاولياء ٣ : ٢٢٤ ، الكنى والاسماء ٢ : ٣ ، سنن البيهقي ٨ : ١٥٦ ، ١٥٧ ، جامع الاصول ٤ : ٧٠ ، شرح صحيح مسلم للنووي ١٢ : ٤٤٠ ، تلخيص المستدرك للذهبي ١ : ٧٧ و ١٧٧ ، مجمع الزوائد للهيثمي ٥ : ٢١٨ و ٢١٩ و ٢٢٣ و ٢٢٥ و٣١٢ ، تفسير ابن كثير ١ : ٥١٧. كما أخرجه الكشي في رجاله : ٢٣٥ / ٤٢٨ في ترجمة سالم بن أبي حفصة.

(٣) الإمام الصادق / أبو زهرة : ١٩٤.

٧٨

حديث : ( إنَّ الارض لا تخلو من قائم لله بحجة ) :

وهذا الحديث قد احتج به الطرفان أيضاً وأوردوه من طرق عدّة (١).

وقد رواه كميل بن زياد النخعي الجليل الثقة عن أمير المؤمنين عليه‌السلام كما في نهج البلاغة ، قال عليه‌السلام ـ بعد كلام طويل ـ : « اللّهم بلى ! لا تخلو الارض من قائم لله بحجة ».

وعدم خلو الارض من قائم لله بحجة لايتم مع فرض عدم ولادة الإمام المهدي عليه‌السلام ، وقد تنبه لهذا ابن أبي الحديد حتى قال في شرح هذه العبارة : ( كي لا يخلو الزمان ممن هو مهيمن لله تعالى على عباده ، ومسيطر عليهم. وهذا يكاد يكون تصريحاً بمذهب الامامية ، إلاّ أن اصحابنا يحملونه على ان المراد به الابدال ) (٢).

وقد فهم ابن حجر العسقلاني منه انه اشارة إلى مهدي أهل البيت عليهم‌السلام فقال ما نصه : « وفي صلاة عيسى عليه‌السلام خلف رجل من هذه الأمّة مع كونه في آخر الزمان ، وقرب قيام الساعة دلالة للصحيح من الاقوال : ان الأرض

__________________

(١) أورد هذا الحديث الاسكافي المعتزلي في المعيار والموازنة : ٨١ ، وابن قتيبة في عيون الاخبار : ٧ ، واليعقوبي في تاريخه ٢ : ٤٠٠ ، وابن عبد ربه في العقد الفريد ١ : ٢٦٥ ، وأبو طالب المكي في قوت القلوب في معاملة المحبوب ١ : ٢٢٧ ، والبيهقي في المحاسن والمساوئ : ٤٠ ، والخطيب في تاريخه ٦ : ٤٧٩ في ترجمة اسحاق النخعي ، والخوارزمي الحنفي في المناقب : ١٣ ، والرازي في مفاتيح الغيب ٢ : ١٩٢ وابن أبي الحديد في شرح النهج كما سيأتي ، وابن عبد البر في المختصر : ١٢ والتفتازاني في شرح المقاصد ٥ : ٢٤١ وابن حجر في فتح الباري شرح صحيح البخاري ٦ : ٣٨٥.

وقد أخرجه الكليني من طرق عن أمير المؤمنين ٧ في أُصول الكافي ١ : ١٣٦ / ٧ و ١ : ٢٧٠ / ٣ و ١ : ٢٧٤ / ٣ ، والصدوق في كمال الدين ١ : ٢٨٧ / ٤ ب ٢٥ و ١ : ٢٨٩ ـ ٢٩٤ / ٢ ب ٢٦ من طرق كثيرة و ١ : ١٠٣٠٢ ب ٢٦.

(٢) شرح نهج البلاغه لابن أبي الحديد ١٨ : ٣٥١.

٧٩

لا تخلو من قائم لله بحجة ) (١).

أقول : ومما يقرب دلالة العبارة في النهج على الإمام المهدي هو ما اتصل بها من كلام أمير المؤمنين عليه‌السلام. وهذا نصه : « يا كميل بن زياد ، ان هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها ، فاحفظ عني ما أقول لك : الناس ثلاثة : فعالم ربانيّ ، ومتعلم على سبيل النجاة ، وهمج رعاع اتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم ، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق ـ إلى ان قال عليه‌السلام ـ اللّهم بلى ! لا تخلو الارض من قائم لله بحجة ، إمّا ظاهراً مشهوراً ، واما خائفاً مغموراً ؛ لئلا تبطل حجج الله وبيناته » (٢).

ومن هنا جاء في الحديث الصحيح عن الحسين بن أبي العلاء الخفاف قال : « قلت لابي عبدالله عليه‌السلام : تكون الارض ليس فيها امام ؟ قال : لا ... الحديث » (٣).

واذا ما أضيف هذا إلى حديث الثقلين ، وحديث من مات ، وحديث ( الخلفاء اثنا عشر ) الآتي ، علم ان الإمام المهدي لو لم يكن مولوداً حقاً لوجب ان يكون من سبقه حيا إلى قيام الساعة ، ولكن لا أحد يقول من المسلمين بحياة امام غير المهدي عليه‌السلام ثاني عشر أهل البيت وهم من عينت الصحاح عددهم ، وبينت كتب المناقب اسماءهم.

أحاديث : (الخلفاء اثنا عشر) :

أخرج البخاري بسنده عن جابر بن سمرة قال : « سمعت النبي

__________________

(١) فتح الباري شرح صحيح البخاري ٦ : ٣٨٥.

(٢) شرح نهج البلاغة / الشيخ محمد عبده ٤ : ٦٩١ / ٨٥ ، وشرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٣٥١.

(٣) أُصول الكافي ١ : ١٣٦ / ١ باب ان الارض لا تخلو من حجة وسند الحديث هو : « عدة من اصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن أبي عمير ، عن الحسين بن أبي العلاء عن الإمام الصادق عليه‌السلام ».

٨٠