المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي

المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي

المؤلف:


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الرسالة
الطبعة: ٠
ISBN: 964-319-023-4
الصفحات: ١٨٤
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

منكم ؟ » (١).

وفي صحيح مسلم بسنده عن جابر بن عبدالله قال : « سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم [ يقول ] : لا تزال طائفة من أُمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة ، قال : فينزل عيسى بن مريم عليه‌السلام ، فيقول أميرهم تعال صلِّ لنا فيقول : لا ، إنّ بعضكم على بعض أمراء تكرمة لهذه الاَُمّة » (٢).

وإلى هنا يتضح ان امام المسلمين الذي سيكون موجوداً عند نزول عيسى بن مريم عليه‌السلام كما في الصحيحين انما هو أمير الطائفة التي لا تزال تقاتل على الحق إلى يوم القيامة كما في صحيح مسلم ، بحيث يأبى عيسى من إمامة تلك الطائفة وأميرها في الصلاة تعظيماً واجلالاً وتكرمة لهم وهذا هو صريح حديث مسلم من غير تأويل.

واذا ما عدنا إلى كتب الصحاح الاَُخرى والمسانيد وغيرها نجد الروايات الكثيرة جداً التي تصرح بأنّ هذا الإمام ـ أمير الطائفة التي تقاتل على الحق إلى يوم القيامة ـ هو الإمام المهدي عليه‌السلام لا سواه.

منها : ما أخرجه ابن أبي شيبة عن ابن سيرين : « المهدي من هذه الأُمة وهو الذي يؤم عيسى بن مريم » (٣).

ومنها : ما أخرجه أبو نعيم عن أبي عمرو الداني في سننه بسنده عن حذيفة انه قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ... يلتفت المهدي وقد نزل عيسى ابن مريم كأنما يقطر من شعره الماء ، فيقول المهدي : تقدم صلِّ بالناس ، فيقول عيسى : انما اقيمت الصلاة لك ، فيصلي خلف رجل من

__________________

(١) صحيح البخاري ٤ : ٢٠٥ باب ماذكر عن بني اسرائيل ، وصحيح مسلم ١ : ١٣٦ / ٢٤٤ باب نزول عيسى بن مريم عليه‌السلام ، وقد وردت أحاديث اخرى بهذا المعنى في كل من البابين المذكورين.

(٢) صحيح مسلم ١ : ١٣٧ / ٢٤٧ باب نزول عيسى عليه‌السلام.

(٣) المصنَّف / ابن أبي شيبة ١٥ : ١٩٨ / ١٩٤٩٥.

١٤١

ولدي » (١)‌.

وبعد فلا حاجة للاطالة في ايراد الاحاديث الاَُخرى الكثيرة المبينة بأنّ المراد بالامام في حديث الصحيحين هو الإمام المهدي عليه‌السلام (٢).

وقد جمع معظم هذه الاحاديث السيوطي في رسالته ( العرف الوردي في اخبار المهدي ) المطبوعة في كتابه الحاوي للفتاوى ، أخرجها من كتاب الاربعين للحافظ أبي نعيم وزاد عليها ما فات منها على أبي نعيم كالاحاديث التي ذكرها نعيم بن حماد الذي قال عنه السيوطي : « وهو أحد الأئمة الحفاظ ، وأحد شيوخ البخاري » (٣).

أقول : ومن راجع شروح صحيح البخاري يعلم بأنهم متفقون على تفسير لفظة ( الامام ) الواردة في حديث البخاري بالإمام المهدي.

فقد جاء في فتح الباري بشرح صحيح البخاري التصريح بتواتر أحاديث المهدي اثناء شرحه لحديث البخاري المتقدم حتى قال : « وفي صلاة عيسى عليه‌السلام خلف رجل من هذه الأمّة ، مع كونه في آخر الزمان ، وقرب قيام الساعة ، دلالة للصحيح من الاقوال : إن الارض لا تخلو من قائم لله بحجة » (٤).

كما فسره في ارشاد الساري بشرح صحيح البخاري بالمهدي ، مصرحاً باقتداء عيسى بالامام المهدي عليهما‌السلام في الصلاة (٥).

كما نجد هذا في عمدة القاري بشرح صحيح البخاري (٦) ، وأما في

__________________

(١) الحاوي للفتاوى / السيوطي ٢ : ٨١.

(٢) راجع سنن الترمذي ٥ : ١٥٢ / ٢٨٦٩ ، مسند أحمد ٣ : ١٣٠ ، الحاوي للفتاوى ٢ : ٧٨ ، فيض القدير للمناوي ٦ : ١٧.

(٣) الحاوي للفتاوى ٢ : ٨٠.

(٤) فتح الباري شرح صحيح البخاري ٦ : ٣٨٣ ـ ٣٨٥.

(٥) ارشاد الساري ٥ : ٤١٩.

(٦) عمدة القاري بشرح صحيح البخاري ١٦ : ٣٩ ـ ٤٠ من المجلد الثامن.

١٤٢

فيض الباري فقد أورد عن ابن ماجة القزويني حديثاً مفسراً لحديث البخاري ثم قال :

« فهذا صريح في أن مصداق الإمام في الاحاديث ، هو الإمام المهدي ـ إلى أن قال : ـ وبأيّ حديث بعده يؤمنون ؟ » (١).

وأما في حاشية البدر الساري إلى فيض الباري فقد اطال في شرح الحديث المذكور مبيناً ضرورة رجوع شارح الأحاديث إلى أحاديث الصحابة الآخرين في كتب الحديث ذات الصلة بالحديث الذي يراد شرحه ، وقد جمع من تلك الاحاديث المبينة لحديث البخاري ما حمله على التصريح بأن المراد بالامام هو الإمام المهدي عليه‌السلام قال : « وقد بين هذا المعنى حديث ابن ماجة مفصلاً ، واسناده قوي » (٢).

٣ ـ أحاديث من يحثي المال في صحيح مسلم :

أخرج مسلم في صحيحه بسنده عن جابر بن عبدالله انه قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يكون في آخر أُمتي خليفة يحثي المال حثياً ، لا يعدّه عداً » (٣).

وقد رواه من طرق أُخرى عن جابر ، وأبي سعيد الخدري ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤) ، وصفة إحثاء المال ( مبالغة في الكثرة ) ليس لها موصوف قط غير الإمام المهدي عليه‌السلام في كتب أهل السنة ورواياتهم.

منها : ما أخرجه الترمذي وحسنه بسنده عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « إنَّ في أُمتي المهدي ـ إلى ان قال ـ :

__________________

(١) فيض الباري على صحيح البخاري ٤ : ٤٤ ـ ٤٧.

(٢) حاشية البدر الساري إلى فيض الباري ٤ : ٤٤ ـ ٤٧.

(٣) صحيح مسلم بشرح النووي ١٨ : ٣٨.

(٤) صحيح مسلم ١٨ : ٣٩.

١٤٣

فيجيء اليه الرجل فيقول : يا مهدي اعطني اعطني فيحثي المال له في ثوبه ما استطاع أن يحمله » (١).

وهذا هو المروي أيضاً عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري أيضاً ومن عشرات الطرق (٢).

٤ ـ أحاديث خسف البيداء في صحيح مسلم :

أخرج مسلم في صحيحه بسنده عن عبيدالله بن القبطية انه قال : « دخل الحارث بن أبي ربيعة ، وعبدالله بن صفوان ، وانا معهما على أُم سلمة أُم المؤمنين ، فسألاها عن الجيش الذي يخسف به ـ وكان ذلك في أيام ابن الزبير ـ فقالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يعوذ عائذ في البيت ، فيبعث اليه بعث ، فاذا كانوا ببيداء من الارض خسف بهم » (٣).

وقد يظن بعض الجهلاء ان هذا الحديث من وضع الزبيريين أبّان ما كان من أزمة عبدالله بن الزبير مع الامويين التي انتهت بقتله. ولكن الواقع ليس كذلك اذ روي الحديث من طرق شتى عن ابن عباس ، وابن مسعود ، وحذيفة ، وأبي هريرة ، وجد عمرو بن شعيب ، وأُم سلمة ، وصفية ، وعائشه ، وحفصة ، ونفيرة امرأة القعقاع وغيرهم من كبار الصحابة ، مع تصحيح الحاكم لبعض طرقه على شرط الشيخين (٤).

__________________

(١) سنن الترمذي ٤ : ٥٠٦ / ٢٢٣٢.

(٢) المصنف لابن أبي شيبة ١٥ : ١٩٦ / ١٩٤٨٥ و ١٩٤٨٦ ، ومسند أحمد ٣ : ٨٠ ، والمصنف لعبد الرزاق ١١ : ٣٧١ / ٢٠٧٧٠ ، ومستدرك الحاكم ٤ : ٤٥٤ ، ودلائل النبوة للبيهقي ٦ : ٥١٤ ، وتاريخ بغداد ١٠ : ٤٨ ، وعقد الدرر للمقدسي الشافعي : ٦١ باب / ٤ ، والبيان للكنجي الشافعي : ٥٠٦ باب / ١١ ، والبداية والنهاية ٦ : ٢٤٧ ، ومجمع الزوائد ٧ : ٣١٤ ، والدر المنثور ٦ : ٥٨ ، والحاوي للفتاوى ٢ : ٥٩ و ٦٢ و ٦٣ و ٦٤.

(٣) صحيح مسلم بشرح النووي ١٨ : ٤ و٥ و٦ و٧.

(٤) مسند أحمد ٣ : ٣٧ ، سنن الترمذي ٤ : ٥٠٦ / ٢٢٣٢ ، ومستدرك الحاكم ٤ : ٥٢٠ وتلخيص المستدرك للذهبي ٤ : ٥٢٠ ، وأخرجه أبو داود في سننه بسند صحيح كما نص على ذلك في عون المعبود شرح سنن أبي داود ١١ : ٣٨٠ شرح الحديث ٤٢٦٨.

وقد جمع السيوطي الكثير من طرق الحديث ومن رواه من الصحابة في الدر المنثور ٦ : ٧١٢ ـ ٧١٤ في تفسير الآية ٥١ من سورة سبأ.

١٤٤

وبالجملة فإنّ خسف البيداء يكون بالجيش الذي يقاتل الإمام المهدي في لسان جميع الاحاديث الواردة في هذا الشأن وهي تكفي لتوضيح المراد بحديث مسلم ، قال في غاية المأمول : « وما سمعنا بجيش خسف به للآن ، ولو وقع لاشتهر أمره كاصحاب الفيل » (١).

اذن ، لابدّ من وقوع الخسف بأعداء المهدي ان عاجلاً أو آجلاً وهنالك سيخسر المبطلون.

التذرع بتضعيفات ابن خلدون لأحاديث المهدي

تذرع منكرو عقيدة ظهور الإمام المهدي عليه‌السلام بتضعيفات ابن خلدون لبعض أحاديث المهدي ، وللأسف إنهم لم يلتفتوا إلى ردود علماء الدراية من أهل السنة على ابن خلدون ، وتناسوا أيضاً تصريح ابن خلدون نفسه أثناء تضعيفه لبعض الأحاديث الواردة في الإمام المهدي بصحة بعضها الآخر.

قال الاستاذ الازهري سعد محمد حسن ـ تلميذ الاستاذ أحمد أمين ـ عن أحاديث المهدي : « ولقد أوسع علماء الحديث ونَقَدَتِه هذه المجموعة نقداً وتفنيداً ، ورفضها بشدة العلاّمة ابن خلدون » (٢).

ومثل هذا الزعم نجده عند اُستاذه أحمد أمين (٣) ، وكذلك عند أبي

__________________

(١) غاية المأمول شرح التاج الجامع للاصول ٥ : ٣٤١.

(٢) المهدية في الإسلام : ٦٩.

(٣) المهدي والمهدوية : ١٠٨.

١٤٥

زهرة (١) ، ومحمد فريد وجدي (٢) ، وآخرين كالجبهان (٣) ، والسائح الليبي الذي قال : « وقد تتبع ابن خلدون هذه الأحاديث بالنقد ، وضعفها حديثاً حديثاً » (٤).

حقيقة تضعيفات ابن خلدون :

مما لا شكَّ فيه ، أنَّ ابن خلدون نفسه من القائلين بصحة بعض أحاديث المهدي وضعف بعضها الآخر ، وهذا لم يكن اجتهاداً منا في تفسير كلام ابن خلدون بل الرجل صرّح بهذا في تاريخه كما سنوافيك بنقل نص كلامه. ويبدو لنا أن الاُستاذ أحمد أمين لم يرَ تصريح ابن خلدون بصحة بعض الأحاديث ، فأشار إلى تضعيفاته فقط ، ثم نقل هؤلاء عنه ذلك مع صياغة جديدة في التعبير من دون مراجعة تاريخ ابن خلدون !

ثم لو فرضنا أن ابن خلدون لم يصرّح بصحة شيء من أحاديث المهدي ، أفلا يكفي تصريح غيره من علماء الحديث والدراية بصحة أحاديث المهدي وتواترها ؟ مع أن اختصاص ابن خلدون هو التاريخ والاجتماع !! ثم ما هو المقدار الذي ضعّفه ابن خلدون حتى يُضخّم عمله بهذه الصورة ؟

إنه لم يضعّف سوى تسعة عشر حديثاً فقط من مجموع ثلاثة وعشرين حديثاً فقط ، وهو المجموع الكلّي الذي تناوله ابن خلدون بالدراسة والنقد ، لا أكثر ، وهو لم يذكر من الذين أخرجوا أحاديث المهدي غير

__________________

(١) الإمام الصادق : ٢٣٩.

(٢) دائرة معارف القرن العشرين ١٠ : ٤٨١.

(٣) تبديد الظلام للجبهان : ٤٧٩ ـ ٤٨٠.

(٤) تراثنا وموازين النقد / علي حسين السائح الليبي : ١٨٥. مقال منشور في مجلة كلية الدعوة الاسلامية في ليبيا ، عدد / ١٠ لسنة ١٩٩٣ م ـ طبع بيروت.

١٤٦

سبعة فقط وهم :

« الترمذي ، وأبو داود ، والبزّار ، وابن ماجة ، والحاكم ، والطبراني ، وأبو يعلى الموصلي » (١) ، تاركاً بذلك ثمانية وأربعين عالماً ممن أخرج أحاديث المهدي أولهم ابن سعد صاحب الطبقات ( ت / ٢٣٠ ه‍ ) وآخرهم نور الدين الهيثمي ( ت / ٨٠٧ ه‍ ).

كما لم يذكر من الصحابة الذين اُسندت إليهم أحاديث المهدي إلاّ أربعة عشر صحابياً (٢) ، تاركاً بذلك تسعة وثلاثين صحابياً آخر كما فصّلنا ذلك في الفصل الأول.

علماً بأنه لم يذكر من أحاديث الصحابة الأربعة عشر إلاّ اليسير جداً ، في حين تتبعنا مرويات أبي سعيد الخدري وحده ـ وهو من جملة الاربعة عشر ـ فوجدناها أكثر من العدد الكلي الذي تناوله ابن خلدون. بل وحتى الذي اختاره من أحاديث أبي سعيد الخدري لم يذكر سائر طرقه بل اكتفى باليسير منها لعدم علمه ببقية طرق الحديث الاَُخرى ، ومن راجع ما ذكرناه من طرق أحاديث المهدي وقارنه بما في تاريخ ابن خلدون ـ الفصل ٥٢ من المجلد الأول ـ عَلِمَ علم اليقين بصحة ما نقول.

ومن هنا تعرض ابن خلدون إلى مؤاخذات عنيفة ، وردود مطوّلة ومختصره ، وفي هذا الصدد يقول أبو الفيض الشافعي في ( ابراز الوهم ) في الرد على من تذرع بتضعيفات ابن خلدون : « في الناس اليوم ممن يخفى عليه هذا التواتر ويجهله ويبعده عن صراط العلم جهله ، ويصدّه من ينكر ظهور المهدي وينفيه ، ويقطع بضعف الأحاديث الواردة فيه ، مع جهله بأسباب التضعيف ، وعدم إدراكه معنى الحديث الضعيف ، وتصوره

__________________

(١) تاريخ ابن خلدون ١ : ٥٥٥ الفصل ـ ٥٢.

(٢) تاريخ ابن خلدون : ٥٥٦.

١٤٧

مبادئ هذا العلم الشريف ، وفراغ جرابه من أحاديث المهدي الغنية ـ بتواترها ـ عن البيان لحالها والتعريف ، وإنما استناده في إنكاره مجرد ما ذكره ابن خلدون في بعض أحاديثه من العلل المزوّرة المكذوبة ، ولَمَزَ به ثقات رواتها من التجريحات الملفقة المقلوبة ، مع أنّ ابن خلدون ليس له في هذه الرحاب الواسعة مكان ، ولا ضرب له بنصيب ولا سهم في هذا الشأن ، ولا استوفى منه بمكيال ولا ميزان. فكيف يعتمد فيه عليه ، ويرجع في تحقيق مسائله اليه ؟! فالواجب : دخول البيت من بابه ، والحق : الرجوع في كل فن إلى أربابه ، فلا يقبل تصحيح أو تضعيف إلاّ من حفّاظ الحديث ونقّاده » (١).

ثم نقل بعد ذلك عن جملة من حفّاظ الحديث ونقّاده قولهم بصحة أحاديث المهدي وتواترها.

وقال الشيخ أحمد شاكر : « ابن خلدون قد قفا ما ليس له به علم ، واقتحم قحماً لم يكن من رجالها ، انه تهافت في الفصل الذي عقده في مقدمته تهافتاً عجيباً ، وغلط أغلاطاً واضحة. إنّ ابن خلدون لم يحسن فهم قول المحدّثين ، ولو اطّلع على أقوالهم وفقهها ما قال شيئاً مما قال » (٢).

وقال الشيخ العباد : « ابن خلدون مؤرخ وليس من رجال الحديث فلا يعتد به في التصحيح والتضعيف ، وإنما الاعتماد بذلك بمثل البيهقي ، والعقيلي ، والخطابي ، والذهبي ، وابن تيمية ، وابن القيّم ، وغيرهم من

__________________

(١) إبراز الوهم المكنون : ٤٤٣.

(٢) الرد على من كذب بالاحاديث الصحيحة الواردة في المهدي : مقال للشيخ عبد المحسن بن حمد العباد ، منشور في مجلة الجامعة الاسلامية في المدينة المنورة العدد / ١ السنة / ١٢ برقم (٤٦) سنة ١٤٠٠ ه‍.

١٤٨

أهل الرواية والدراية الذين قالوا بصحة الكثير من أحاديث المهدي » (١).

وعلى أية حال فإنّ حجة المتمسكين بتضعيفات ابن خلدون حجة داحضة لاعتراف ابن خلدون نفسه بصحة أربعة أحاديث من مجموع ما ذكره وهي :

١ ـ ما رواه الحاكم من طريق عون الاعرابي عن أبي الصديق الناجي ، عن أبي سعيد الخدري. فقد سكت عنه ابن خلدون ولم ينقده بحرف واحد لوثاقة جميع رجاله عند أهل السنة قاطبة. وهو وإن لم يصرح بصحته إلاّ ان سكوته دليل على اعترافه بصحة الحديث (٢).

٢ ـ ما رواه الحاكم أيضاً من طريق سليمان بن عبيد ، عن أبي الصديق الناجي ، عن أبي سعيد الخدري. قال عنه ابن خلدون : « صحيح الاسناد » (٣).

٣ ـ ما رواه الحاكم عن علي عليه‌السلام حول ظهور المهدي وصححه الحاكم على شرط الشيخين. قال ابن خلدون : « وهو إسناد صحيح كما ذكر » (٤).

٤ ـ ما رواه أبو داود السجستاني في سننه من رواية صالح بن الخليل ، عن أُم سلمة. قال ابن خلدون عن سنده : « ورجاله رجال الصحيح لا مطعن فيهم ولا مغمز » (٥).

تضعيفات ابن خلدون بلغة الأرقام :

إنَّ لغة الارقام الحسابية لا تقبل نقاشاً ولا جدلاً ، وسوف نُخضع نتائج

__________________

(١) مقال الشيخ عبد المحسن العباد الآنف الذكر.

(٢) تاريخ ابن خلدون ١ : ٥٦٤ من الفصل ـ ٥٢.

(٣) تاريخ ابن خلدون ١ : ٥٦٤.

(٤) تاريخ ابن خلدون ١ : ٥٦٥.

(٥) تاريخ ابن خلدون ١ : ٥٦٨.

١٤٩

البحث في تضعيفات ابن خلدون إلى تلك اللغة لنرى القيمة العلمية لعمله على جميع الافتراضات المحتملة ، وذلك بعد تصنيف أحاديث المهدي عليه‌السلام واستقرائها من ألف مجلد كما في ( معجم أحاديث المهدي ) ويقع في خمسة مجلدات اشتملت على ما يأتي :

١ ـ المجلدان الاول والثاني : اشتملا على (٥٦٠) حديثاً من الاحاديث المروية بطرق الفريقين والمسندة جميعها إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٢ ـ المجلدان الثالث والرابع : اشتملا على (٨٧٦) حديثاً ، اسندت إلى الأئمة من أهل البيت عليهم‌السلام ، واشترك أهل السنة برواية الكثير جداً منها مع الشيعة الامامية.

٣ ـ المجلد الخامس : اشتمل على (٥٠٥) أحاديث ، وكلها من الاحاديث المفسِّرة للآيات القرآنية ، وفي هذا المجلد تغطية وافية لجميع ما أورده المفسرون ـ من أهل السنة والشيعة ـ من أحاديث تفسيرية في الإمام المهدي عليه‌السلام.

وبهذا يكون مجموع الاحاديث غير المفسرة للآيات (١٤٣٦) حديثاً ومع المفسِّرة سيكون المجموع (١٩٤١) حديثاً.

اما عن طرقها جميعاً فلعلها تقرب من أربعة الاف طريق.

فاذا علمت هذا ، فاعلم أخي المسلم ان :

١ ـ مجموع أحاديث المهدي عليه‌السلام التي تناولها ابن خلدون بالنقد هي (٢٣) حديثاً فقط.

٢ ـ اسانيد هذه الاحاديث (٢٨) اسناداً فقط.

٣ ـ الصحيح منها باعتراف ابن خلدون كما مر أربعة أحاديث.

٤ ـ الضعيف منها (١٩) حديثاً فقط.

اذن : فأحاديث المهدي عليه‌السلام التي لم تتناولها دراسة ابن خلدون هي

١٥٠

(١٩١٨) حديثاً منها (٥٣٧) حديثاً مسنداً إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و (٨٧٦) حديثاً مسنداً إلى أهل البيت عليهم‌السلام و (٥٠٥) حديثاً مفسِّراً للآيات الكريمة في المهدي عليه‌السلام.

وبهذا يعلم ان العدد (٢٣) لايشكل في الواقع إلاّ النسب التالية :

١ ـ ٤.١٠٧ % من مجموع الاحاديث المسندة إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٢ ـ ١.٦٠١ % من مجموع الاحاديث المسندة إلى النبي وأهل البيت عليهم‌السلام.

٣ ـ ١.١٨٤ % من مجموع سائر الاحاديث.

أما لو كان ابن خلدون قد تناول بالنقد جميع أحاديث الإمام المهدي عليه‌السلام لارتفع عدد الاحاديث الصحيحة ( وهو أربعة عنده من مجموع ٢٣ ) إلى الارقام التالية طبقاً للغة التناسب :

١ ـ (٩٨) حديثاً صحيحاً ، لو كان تناول بالنقد جميع ما أُسند إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٢ ـ (٢٥٠) حديثاً صحيحاً ، لو كان تناوله لما أُسند إلى النبي وأهل بيته عليهم‌السلام.

٣ ـ (٣٣٨) حديثاً صحيحاً ، لو كان تناوله لسائر الاحاديث.

ولا يخفى بأنّ العدد الاول منها يكفي للحكم بتواتر احاديث المهدي عليه‌السلام.

وأما عن الاحاديث المردودة عند ابن خلدون ، فلو قيست بما لم يتناوله منها ، لكانت بالقياس إلى مجموعها تمثل النسب التالية :

١ ـ ٣.٣٩٢ % من مجموع الاحاديث المسنده إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٢ ـ ١.٣٢٠ % من مجموع ما أُسند إلى النبي وأهل بيته عليهم‌السلام.

٣ ـ ٠.٩٧٨ % من مجموع سائر الاحاديث.

١٥١

وبعد .. فكيف يدّعى بأنّ ابن خلدون قد ضعف جميع أحاديث المهدي عليه‌السلام ؟ هذا مع ما تقدم عنه بأنّه من المصرحين بصحة بعض الأحاديث على الرغم من قلة ما تناوله منها.

حصر المهدي بعيسى بن مريم

ربما قد تذرع المنكرون من المستشرقين وغيرهم لظهور الإمام المهدي عليه‌السلام في آخر الزمان بحديث محمد بن خالد الجندي الذي حصر المهدي بنبي الله عيسى عليه‌السلام ، ولم أجد أحداً تعرض لهذا الحديث من علماء الإسلام إلاّ وقد سخر منه وانتقده ، فهو مردود بالاتفاق ، ولكي لاينطلي زيفه على أحد لابدّ من بيان حقيقته ، فنقول :

الحديث أخرجه ابن ماجة عن يونس بن عبد الأعلى ، عن الشافعي ، عن محمد بن خالد الجندي ، عن أبان بن صالح ، عن الحسن البصري ، عن أنس بن مالك ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : « لا يزداد الأمر إلاّ شدّة ، ولا الدنيا إلاّ إدباراً ، ولا الناس إلاّ شُحّاً ، ولا تقوم الساعة إلاّ على شرار الناس ، ولا مهدي إلاّ عيسى بن مريم » (١).

وهذا الحديث لا يحتاج في رده وإبطاله إلى عناء ، اذ تكفي مخالفته لجميع ما تقدّم من الأحاديث المصرّح بصحّتها وتواترها ، ولو صحّ الاستدلال بكل ما يروى على علاّته ، لكان علم الرجال وفن دراية الحديث لغواً يجلّ عنه علماء الاسلام ، وكيف لا يكون كذلك ومعناه تصحيح الموضوعات ، والحكم على الكذابين بأنّهم من أعاظم الثقات ،

__________________

(١) سنن ابن ماجة ٢ : ١٣٤٠ / ٤٠٣٩ ، وقد أخرج ابن ماجة نفسه حديث : « المهدي حق وهو من ولد فاطمة » ٢ : ١٣٦٨ / ٤٠٨٦ ، وقد سبق وان ذكرنا من صححه أو من صرح بتواتره من أهل السنة.

١٥٢

وعلى المجاهيل بأنّهم من مشهوري الرواة ، وعلى النواصب بأنّهم من السادات ؟! ولما كان في الإسلام حديث متواتر قط بعد خلط الثقة المأمون بالمجروح والمطعون ، ومزج الحابل بالنابل ، والسليم بالسقيم.

وهل لعاقل مسلم ان يصدق بدجّال من دجاجلة الرواة اسمه محمد بن خالد الجندي ؟ وهو الذي وضع إلى الجند ـ مسيرة يومين من صنعاء ـحديث الجند المشهور وضعه ، وهو : « تعمل الرحال إلى أربعة مساجد : مسجد الحرام ، ومسجدي ، ومسجد الأقصى ، ومسجد الجند » (١). فانظر كيف حاول استمالة قلوب الناس إلى زيارة معسكر الجند بعد أن مهّد له بشدّ الرحال إلى المساجد الثلاثة المقدسة عند جميع المسلمين ؟!

والعجب من الحافظ ابن ماجة كيف انطلت عليه زيادة محمد بن خالد الجندي عبارة : ( ولا مهدي إلاّ عيسى بن مريم ) في هذا الحديث ، مع أن نفس هذا الحديث له طرق صحيحة اُخرى لا توجد فيها تلك الزيادة ، منها ما أخرجه الطبراني والحاكم بسندهما عن أبي اُمامة وبنفس ألفاظ حديث ابن ماجة لكن من غير عبارة « ولا مهدي إلاّ عيسى بن مريم » وقد صححه الحاكم فقال : « هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه » (٢).

نعم أورد الحاكم حديث ابن ماجة مع زيادته أيضاً لكنه صرّح بأنّه إنما أورده في مستدركه تعجّباً لامحتجّاً به على الشيخين : البخاري ومسلم (٣).

وقد تناول ابن القيم في ( المنار المنيف ) حديث : « ولا مهدي إلاّ عيسى بن مريم » ونقل كلمات علماء أهل السنة بشأنه ، وأنه مما تفرد به محمد بن خالد الجندي ، ونقل عن الآبري ( ت / ٣٦٣ ه‍ ) قوله : « محمد بن خالد ـ هذا

__________________

(١) تهذيب التهذيب ٩ : ١٢٥ / ٢٠٢.

(٢) مستدرك الحاكم ٤ : ٤٤٠ كتاب الفتن والملاحم ، وانظر المعجم الكبير للطبراني ٨ : ٢١٤ / ٧٧٥٧.

(٣) مستدرك الحاكم ٤ : ٤٤١ ـ ٤٤٢ ، كتاب الفتن والملاحم.

١٥٣

ـ غير معروف عند أهل الصناعة من أهل العلم والنقل » وعن البيهقي : « تفرد به محمد بن خالد هذا ، وقد قال الحاكم أبو عبدالله : مجهول ، وقد اختلف عليه في إسناده ، فروي عنه ، عن أبان بن أبي عياش ، عن الحسن ـ مرسلاً ـ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. قال : فرجع الحديث إلى رواية محمد بن خالد وهو مجهول ، عن أبان بن أبي عياش وهو متروك ، عن الحسن ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو منقطع. والأحاديث على خروج المهدي أصح إسناداً » (١).

ونقل ابن حجر قدح أبي عمرو ، وأبي الفتح الأزدي بمحمد بن خالد (٢).

وقال الذهبي : « قال الأزدي : منكر الحديث ، وقال أبو عبدالله الحاكم : مجهول ، قلت : حديث ( لا مهدي إلاّ عيسى بن مريم ) ، وهو خبر منكر أخرجه ابن ماجة » (٣).

وقال القرطبي : « فقوله : ولا مهدي إلاّ عيسى ، يعارض أحاديث هذا الباب ـ ثم نقل كلمات من طعن بمحمد بن خالد وأنكر عليه حديثه إلى أن قال ـ : « والأحاديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في التنصيص على خروج المهدي من عترته من ولد فاطمة ثابتة أصح من هذا الحديث ، فالحكم لها دونه » (٤).

وقال ابن حجر : « وصرح النسائي بأنّه منكر ، وجزم غيره من الحفاظ بأنّ الأحاديث التي قبله ـ أي الناصّة على أنّ المهدي من ولد فاطمة ـ أصح

__________________

(١) المنار المنيف : ١٢٩ / ٣٢٤ و : ١٣٠ / ٣٢٥.

(٢) تهذيب التهذيب ٩ : ١٢٥ / ٢٠٢.

(٣) ميزان الاعتدال ٣ : ٥٣٥ / ٧٤٧٩.

(٤) التذكرة ٢ : ٧٠١.

١٥٤

إسناداً » (١) ).

كما وصف أبو نعيم في الحلية هذا الحديث بالغرابة ، وقال : « لم نكتبه إلاّ من حديث الشافعي » (٢).

وقال ابن تيمية : « والحديث الذي فيه : ( لا مهدي إلاّ عيسى بن مريم ) رواه ابن ماجة ، وهو حديث ضعيف رواه عن يونس ، عن الشافعي ، عن شيخ مجهول من أهل اليمن ، لا تقوم باسناده حجّة ، وليس هو في مسنده بل مداره على يونس بن عبد الأعلى ، وروي عنه أنّه قال : حُدّثت عن الشافعي ، وفي الخَلَعِيّات وغيرها : حدثنا يونس ، عن الشافعي. لم يقل : حدثنا الشافعي ، ثم قال عن حديث محمد بن خالد الجندي : وهذا تدليس يدل على توهينه ، ومن الناس من يقول : ان الشافعي لم يروه » (٣).

ولكثرة ما طُعن به محمد بن خالد الجندي حاول بعض أنصار الإمام الشافعي أن يدرأ عن الشافعي رواية هذا الحديث متهماً تلميذ الشافعي بالكذب في رواية هذا الخبر عنه ، عن محمد بن خالد الجندي ، مدّعيا أنّه رأى الشافعي في المنام وهو يقول : «كذب عليَّ يونس بن عبد الأعلى ، ليس هذا من حديثي » (٤).

وقد فنّد أبو الفيض الغماري حديث : ( ولا مهدي إلاّ عيسى بن مريم ) بثمانية وجوه هي في غاية الجودة والمتانة (٥).

__________________

(١) الصواعق المحرقة : ١٦٤.

(٢) حلية الاولياء ٩ : ٦١.

(٣) منهاج السنّة / ابن تيمية ٤ : ١٠١ ـ ١٠٢.

(٤) الفتن والملاحم / ابن كثير : ٣٢.

(٥) إبراز الوهم المكنون : ٥٣٨.

١٥٥

التذرع بدعاوى المهدوية السابقة

احتج اللامهدويون بدعاوى المهدوية السابقة في إنكار عقيدة ظهور الإمام المهدي عليه‌السلام في آخر الزمان ، كادعاء الحسنيين مهدوية محمد بن عبدالله بن الحسن ، والعباسيين مهدوية المهدي العباسي ، ونحو ذلك من الادعاءات الاَُخرى كادعاء مهدوية ابن تومرت ، أو المهدي السوداني ، أو محمد بن الحنفية رضي‌الله‌عنه.

وهذا الاحتجاج يبتني بالدرجة الاساس على قياس فكرة ظهور المهدي بتلك الدعاوى المهدوية الباطلة ، وليس هناك من ريب في ان هذا الادعاء هو مجرد اصطناع موازنة خادعة بين الباطل من جهة والحق من جهة أُخرى ، ثم الخلط بين هذا وذاك.

أما أولاً : فانه لم تحصل أية علامة من علامات ظهور المهدي في حياة فرد واحد من أولئك الذين ادُّعِيَ لهم المهدوية ، وقد مر بعض هذه العلامات بروايات الصحيحين.

وأما ثانياً : فلثبوت وفاة هؤلاء جميعاً ، ولا يوجد أحد من المسلمين يعتقد بحياتهم.

وأما ثالثاً : فانهم لم يكونوا في آخر الزمان ، وهو شرط ظهور الإمام المهدي عليه‌السلام ، ولا يعرف أحد منهم قد ملاَالدنيا قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.

وأما رابعاً : وهو الأهم ، فانه لو صح هذا الاحتجاج لبطلت العدالة ، اذ ادعاها طواغيت الارض كلهم من فرعون مصر إلى فراعين عصرنا ، ولحكمنا على العلماء بالجهل بدعوى أدعياء العلم من الجهلاء على طول

١٥٦

التاريخ ، ولصار الشجاع في نظرنا جباناً والكريم بخيلاً ، والحليم سفيهاً ، اذ ما من صفة كريمة إلاّ وقد ادّعاها البعض فيه زوراً.

وإذا ما عدنا إلى قضية ( المهدي ) نجدها واحدة من أهم القضايا التي دوّخت بصداها ذوي الأطماع السياسية ، فلا جرم أن يدّعيها البعض لأنفسهم أو يروّجها لهم أتباعهم لتحقيق مآربهم.

وكما ان العاقل لا ينكر وجود الحق بمجرد ادّعاء من لا يستحقه ، فكذلك ينبغي عليه أن لا ينكر ظهور المهدي المبشّر به في آخر الزمان على لسان أكرم ما خلق الله عزّ وجل ، نبينا الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بمجرد دعاوى المهدوية الباطلة ، هذا مع تصريح علماء الإسلام بصحة الكثير من أحاديث المهدي المروية بطرق شتى بما يفيد مجموعها التواتر ، كما ارسل بعضهم تواترها ارسال المسلّمات كما تقدم في هذا البحث.

وبعد أن انكشف واقع هذه الشبهات ، وأصبح ساقها هشيماً ، وعودها حطاماً ، وبناؤها ركاماً ، بقيت شبهة أُخرى ، خلاصتها معارضة طول عمر الإمام المهدي للعقل والعلم.

وهذه الشبهة هي من أهم ما تمسكوا به في المقام ، وسوف نقف عندها بالمقدار الذي يسمح به البحث في فصله الأخير ، لكي يتضح بجلاء أن تلك الشبهة مخالفة لمنطق العقل والعلم ، مؤكدين على ان للعقل حدوداً تستقل عن رغبات الفرد وأهوائه الشخصية وميوله واتجاهاته ، واحكاماً يستسيغها جميع العقلاء ولا يقتصر قبولها على عقل زيد أو عمرو.

فهناك فارق كبير جداً بين ما هو ممتنع الوقوع في نفسه بحيث لا يمكن ان يقع في أي حال من الاحوال حتى على أيدي الانبياء والاوصياء عليهم‌السلام ، كاجتماع النقيضين ، وبين ما هو ممكن الوقوع في نفسه

١٥٧

وان لم تجرِ العادة بوقوعه ، مع التأكيد أيضاً على أنَّ المحال العقلي ليس كالمحال العادي من حيث الوقوع وعدمه ، ولكن خلط هؤلاء بين المحالين أدى إلى الزعم بأنّ كل ما لم يجرِ في العادة انما هو من المحال العقلي لعدم قدرتهم على التمييز بينهما.

وسوف نبرهن في الفصل الآتي على ان ما تمسكوا به لا يصح حجة لا في منطق العقل ولا في منطق العلم على حدٍ سواء.

١٥٨

الفصل الرابع

المهدي ومنطق العقل والعلم

١٥٩
١٦٠