تأريخ بيهق

فريد خراسان علي بن زيد البيهقي

تأريخ بيهق

المؤلف:

فريد خراسان علي بن زيد البيهقي


المحقق: يوسف الهادي
المترجم: يوسف الهادي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار إقرأ للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٧٢

والبقر وبيض الدجاج ، وكانت هذه عزيزة الوجود أيضا ، كما كانت الحبوب والتبن والنباتات عزيزة أيضا ، وكانت ملكية ذلك منحصرة في داخل شاه ديوار في الحدائق والبساتين وأمثالها.

واقعة : حدوث حرب وسط سوق القصبة بين أهالي محلتي الميدان وأعلى القرية ، حيث وقف أهالي أسفريس والميدان وسكة سيّار في جانب ، بينما وقف أهالي محلة أعلى القرية وشادراه وسراشغمبر ونوقابشك في الجانب الآخر ، وقد قتل كثير من الناس من الجانبين ، ووضعت الحرب أوزارها عند باب مسجد الجمعة في شهور سنة ست وثمانين وأربع مئة ، وقام الناس عند توقف الحرب بتعزية بعضهم البعض الآخر ، والصلاة على جنائز القتلى ، وكانت هذه الحرب قد نشبت بسبب شاب أسمه أبو الحسن الفوجانيّ.

واقعة : كما وقعت حرب بسبزوار وسط السوق أيضا بين خدم سديد الدين مسعود المختار ، وخدم الأجل جمال الدين الحسين بن علي البيهقيّ من أولاد الكسائيّ النحوي ، قتل فيها خلق كثير من الجانبين يوم الأربعاء الثالث من ذي القعدة سنة اثنتين وثلاثين وخمس مئة.

واقعة : حدوث خصومة بنيسابور بين طائفة الكراميين (١) والطوائف الأخرى يوم

__________________

(١) هم أتباع محمد بن كرام ويدعون «مجسّمة خراسان» (الفرق بين الفرق ، ١ / ٩ ؛ إيضاح الدليل ، ٣٣) ، وشاع مذهبهم فيها ، ويقوم بالدرجة الأساس على القول بأن الله سبحانه أعضاء وجوارح (بيان تلبيس الجهمية ، ١ / ٣٩٦ ، ٥١٠) من يد وعين ورجل ، استند محمود الغزنويّ في أوائل حكمه إلى ميليشياتهم في تدعيم حكمه ثم حدّ من نفوذهم بشكل كبير فيما بعد. وقد استفادوا بدورهم من دعم محمود لهم في تدعيم مواقعهم السياسية والمالية ، ولإلقاء الضوء على الصدام المسلح الذي يذكره المؤلف أعلاه والذي خاض فيه الحنفيّة والشافعية القتال ضدهم ، نعود إلى مؤرخ البلاط الغزنويّ عبد الجبار العتبيّ وهو يتحدث عنهم وهم في أوج قوتهم بقيادة زعيمهم أبي بكر محمد بن إسحاق بن محمشاد فيقول إن الرئاسة انعقدت له وهو يرتدي الصوف [للدلالة على الزهد] ، وقام اتباعه بابتزاز الناس وأخذ الإتاوات منهم ، ومن رفض

٤٨١

الثلاثاء الرابع عشر من صفر سنة تسع وثمانين وأربع مئة ، اتحد فيها أصحاب الإمام أبي حنيفة وأصحاب الإمام الشافعي مع بعضهما ، وكان مقدم الحنفيّين قاضي القضاة أبا سعيد محمد بن أحمد بن [٢٦٩] محمد بن صاعد ، بينما كان مقدم الشافعيين فخر الإسلام أبا القاسم ابن إمام الحرمين أبي المعالي الجوينيّ ، وقد طلبوا مددا من ناحية بيهق ، فذهب جماعة إلى هناك ، وبسبب ذلك وقع كثير من البلايا والمصائب على أهل القصبة ، وقعت تلك الحرب في ميدان رجاء.

واقعة : نهب القصبة وتخريب قصبة شاه ديوار ، بأمر الملك عضد الدين أرسلان أرغو بن ألب أرسلان في محرم سنة تسعين وأربع مئة ، وكان سبب ذلك ، أن السيد الأجل الزاهد فخر الدين أبا القاسم الفريومديّ (١) ، غادر القصبة ذاهبا إلى فريومد ، فوصل خسروجرد عند صلاة العتمة ، وكان هناك شبان سكارى جالسين على الطريق ، فأراد الحاجب أن يزحزحهم عن الطريق ، فلم ينهضوا لانشغالهم بالشرب وحدثت خصومة بين الفريقين ، رمى الشبّان خلالها فخر الدين بحجر ، ثم إن فخر الدين جاء إلى القصبة في اليوم التالي ، فاجتمع ابنه السيد الرئيس عز الدين زيد مع السادات الآخرين واتجهوا إلى خسروجرد ، وأعلنوا الحرب ، وأحرقوا بوابة خسروجرد ونهبوا إحدى محلاتها ، فجاء الملك أرغو إلى سبزوار فنهب إحدى محلاتها على جهة التأديب ، وخرب شاه ديوار والقلعة ، وكانت حرب خسروجرد في شهور سنة ثمان وثمانين وأربع مئة.

__________________

إعطاءهم ما يطلبون اتهموه بأنه مبتدع فاسد المعتقد ، ويضيف : وغبرت على هذه الحملة سنون (اليميني ، الورقة ١٩٢ ب) ، ولذا فإن ظهورهم على مسرح الأحداث بعد ما يزيد على نصف قرن من وفاة محمود الغزنويّ ، وبهذا الشكل الذي يواجهون به أتباع مذهبين في آن واحد ، دال على قوة نفوذهم آنذاك.

(١) في لباب الأنساب (٢ / ٥٠٤): «علي بن زيد بن محمد ... حج بيت الله مرارا وأجرى نهرا من الفرات إلى مشهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ... انتقل إلى جوار رحمة الله تعالى في شهور سنة ٥٢٢ ه‍». وذكر في نفس الصفحة نجله عز الدين زيدا وقال إنه مات فجأة وهو يتوضأ سنة ٥١٤ ه‍.

٤٨٢

واقعة : كان الزّكيّ أبو سعد علي الجرجانيّ رجلا من جرجان يشتغل بالتجارة ، اتصل بخدمة الأجل جمال الدين الحسين البيهقيّ ، وهو الذي بنى هذه القلعة في سنة إحدى وثلاثين وخمس مئة.

واقعة : أمرت الخاتون الملكة تركان زوج السلطان سنجر رحمها الله ، بتخريب هذه القلعة في شهور سنة ثلاث وأربعين وخمس مئة ، ثم عمّرت في شهور سنة ثمان وأربعين وخمس مئة.

واقعة : قام غلمان ووكلاء السلطان الأعظم السعيد سنجر رحمه‌الله ، عند أول مجيئه إلى خراسان سنة خمس وتسعين وأربع مئة ، بتحصيل عشرين ألف دينار بالعنت والإرهاق من أهالي الناحية من غير أن يعفو عن أحد.

[٢٧٠] واقعة : نزول السلطان الأعظم سنجر مع جيشه هنا خمسة عشر يوما بين خسروجرد والقصبة ، عند ما كان ذاهبا لحرب قراجة ، حيث أقام إلى الأحد الخامس والعشرين من صفر ، وكانت الخاتون تركان تحلّ ضيفة على سديد الدين مسعود المختار (١) يوما ، وضيفة على جمال الدين الحسين البيهقيّ في اليوم الآخر.

واقعة : وصول الملك أرسلان أرغون (٢) ، وأخيه جلال الدين بوري برس هنا ، كلا على حدة ، في سنة سبع وفي سنة ثمان وثمانين وأربع مئة.

واقعة : عند عودة الأمير قزل سارغ من حرب أهل نيسابور ، يوم الثلاثاء منتصف محرم سنة تسع وثمانين وأربع مئة ، ذهب إلى جوين ، ومنها جاء إلى بيهق ، وبقي فيها عشرة أيام حارب فيها هنا [في بيهق] ، إلا أن الناس لم يتضروا كثيرا ، ثم ذهب حيث

__________________

(١) عرّف به المؤلف ضمن تعريفه بأسرة المختار ، وهو سديد الدين أبو الفتح مسعود بن عبد الله المختار المتولي لإدارة بيهق وجباية أموالها ، توفي سنة ٥٣٥ ه‍. أمّا جمال الدين حسين فهو من السادة العلوية في بيهق.

(٢) عن الحروب التي جرت بين هذين الأخوين وانتهت بأسر بوري برس وخنقه على يد أخيه أرسلان أرغون ، انظر : أخبار الدولة السّلجوقيّة ، ٨٥ ـ ٨٦.

٤٨٣

هزم على يد ابن الأمير حبشي بن التونتاق ، فقال أبو المعالي القومسيّ في ذلك قصيدة مطلعها :

جرّد السيف أيها الملك المظفر

ولتحارب قزل سارغ ، الله أكبر

الوقائع التي حدثت قديما :

نزول أمير خراسان نصر بن سيار ـ عند هزيمته ـ على مشارف القصبة ، ومجيء حميد بن قحطبة بأمر من أمير آل محمد أبي مسلم [الخراسانيّ] على أثره ، وقد قتل آنذاك كثيرا من جيش نصر ، وذلك في آخر عهد بني أمية وأول عهد بني العباس ، في موضع يقال له أشتر سراي.

واقعة : وقوع فتنة بواسطة غلمان الأجلّ بعد قتله في شهور سنة أربع وثلاثين وخمس مئة ، وكان قتل الأمير الأجلّ جوهر في شوال من هذه السنة.

واقعة : حدوث خصومة بين أهل خسروجرد ، وأهل القصبة حول رؤية [٢٧١] هلال العيد ، وكانت العادة أن يذهب أهل القصبة إلى قصبة خسروجرد لأداء صلاة العيد ، ثم إنه بأمر من الخليفة المنتصر والأمير أحمد الخجستانيّ تم بناء المسجد الجامع في القصبة في شهور سنة ثمان وثمانين ومئتين. وقد جدد بناء المسجد على يد الأمير أبي الفضل الزّياديّ في سنة أربع وستين وأربع مئة.

أما المسجد الأخضر ، فقد بناه الشيخ أميرك النّزلاباديّ في سنة أربع وستين وأربع مئة ، وكان قبل ذلك فضاء مفتوحا تتخلله الأشجار ، فأمر الشيخ أميرك أن يبنى على تلك الهيئة ، وأصل الوقف فيه لأصحاب الإمام أبي حنيفة ، وشعار أصحاب الإمام أبي حنيفة موجود في ذلك المسجد.

واقعة : مجيء أمير الجيش الجلاليّ إلى الناحية ، عند ذهابه لقتال أهل طزر في سنة إحدى وعشرين وخمس مئة.

واقعة : مجيء ينالتكين بن محمد ، ومحاصرته القصبة وتواتر الحرب وتخريب النواحي

٤٨٤

وإزعاج الناس من الرساتيق ، من غرة شوال سنة ثمان وأربعين إلى منتصف صفر سنة تسع وأربعين وخمس مئة ، وقد كان القتال في هذه المدة متواترا ، والقحط متقاطرا ، والبلاء متراكما ، وقد هلك ثلثا الناس من أعلى الناحية في هاتين السنتين ، حتى إنه لم يبق أكثر من سبعة عشر رجلا في قرية راز التي كان فيها ألف شخص ، وكذلك الأمر في قرية باغن ، وقرية ششتمد في ربع زميج.

ثم إنه حدث بعد ذلك في سنة تسع وأربعين وسنة خمسين وخمس مئة قحط ووباء ، وأصبح الطعام عزيزا ، وقد ذكر لي ـ وكنت آنذاك غائبا عن الناحية ومقيما بنيسابور (١) ـ أنهم كانوا يحملون إلى المقابر ما يزيد على خمسين جنازة في كل يوم ، وما زالت آثار الخراب وقلّة الناس ظاهرة في المدينة ونواحيها.

واقعة : مجيء أمراء الغزّ بالجيش الجرار بقيادة الملك المعظم جلال الدين محمد بن السلطان محمود بن محمد بن بغراخان إلى القصبة ، ووقوع الحرب والقتال وبين العشرين من جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وخمس مئة حتى السابع والعشرين منه ، وكانوا قد [٢٧٢] جاءوا قبل هذا التاريخ ، إلا أن الحرب كانت متواصلة في تلك الأيام السبعة.

واقعة : ورود الأمير بوري برس بن قاريغ حاكما للناحية من قبل خوارزم شاه الملك العادل آتسز بن محمد ، وتغيير الخطبة والنقود ، من يوم الجمعة غرة ذي القعدة سنة ست وثلاثين وخمس مئة إلى الحادي والعشرين من ذي الحجة.

واقعة : وصول خوارزم شاه ينالتكين بن محمد إلى قصبة فريومد ، وإغارته عليها ، وإحراقه الشجرة التي كان زردشت صاحب المجوس قد زرعها بموجب الطالع ، والتي لم يكن باستطاعة الملوك النظر إليها ، وكل من نظر إليها ، لم يعمر بعدها طويلا ،

__________________

(١) في معجم الأدباء (٤ / ١٧٦٢) قول البيهقيّ نفسه : «فألقيت العصا بنيسابور وأقمت بها إلى غرّة رجب سنة تسع وأربعين وخمس مئة ، ثم ارتحلت عنها لزيارة والدتي».

٤٨٥

وذلك في شهور سنة سبع وثلاثين وخمس مئة بجمادى الآخرة ورجب ، ومقتل خمسة عشر شخصا من قرية داورزن ، ثم فك الحصار بعد ذلك ، ومن هناك جاء إلى ديوره ، وظل فيها ثلاثة أيام نهب فيها الأموال وسبى الذراري ، ثم ذهب إلى طرف طريثيث وأقام في طبس الكيلكية ، ثم عاد إلى الناحية [بيهق] مرة أخرى ، فاستدعى السيد الأجل جلال الدين سيد النقباء محمد بن يحيى العلوي الحسينيّ رحمه‌الله ، الأمير إيلتت ـ وكان شحنة نيسابور ـ فجاء بالخيل والأتباع ومتجندة نيسابور فوصلوا بقضّهم وقضيضهم إلى الناحية ، وظلوا هناك خمسة عشر يوما ، وعاد خوارزم شاه عنها ، وكفى الله المؤمنين القتال.

واقعة : كان في القصبة أيام الملوك السامانيين عامل من قصبة مزينان يدعى أبا سعيد ، وكان من ندماء الأمير حميد ، وكان الناس في القصبة منه في عذاب وبلاء ، وقد بلغ أقصى جهده في تمهيد قواعد الظلم على الجميع ، وبينما كان نائما ذات ليلة ، هجم عليه شباب الرستاق وقتلوه ، وهو واحد من ثلاثة من عمال بيهق يحملون اسم أبي سعيد قتلوا فيها.

واقعة : ومن عمال بيهق ، رجل آخر يدعى أبا سعيد الفاريابيّ ، وكان بينه وبين رؤساء الناحية نزاع [٢٧٣] وخصومة كان سببها أن العامل هذا قد أختار أربعين رجلا من مشايخ الناحية جعل منهم عشرين في الديوان لينظروا في الشكايات ورفع الظلامات ، بينما أوكل إلى العشرين الآخرين أمر العناية بأموره وأولاده. وكان كلما انقضت ستة شهور ، جاء بالعشرين الذين في الديوان للعناية بأموره ، وأرسل العشرين الذين لديه إلى الديوان لينظروا في الشكايات والظلامات.

وكان ذلك في بداية دولة السلاجقة ، وكان أول مرة خطب فيها للملك صاحب جيوش المسلمين جغر بيك داود بن ميكائيل بمدينة مرو ، هو في يوم الجمعة ، غرة رمضان سنة ثمان وعشرين وأربع مئة ، وقد حدثت حادثة بسبب بلوغ هذا التظلم إلى مسامع الرئيس أبي عبد الله وحاشيته ، وكان قتل أبي سعيد الفاريابيّ البيهقيّ لأجل الانتقام لذلك ، في شهور سنة خمسين وأربع مئة.

٤٨٦

واقعة : لما وصل سباشي ـ الذي كان أمير خراسان من قبل السلطان مسعود بن محمود ـ مع مئة ألف فارس ومئتي فيل إلى خراسان التي كان فيها آنذاك قحط أدى إلى انعدام العلف والمحاصيل ، وهاجمه الإخوة الثلاثة جغري وطغرل ويبغو ، ذهب من هناك إلى جرجان لأجل الحصول على العلف ، وقد ذكر أنه مرت سنوات على بيهق لم يكن فيها زراعة ولا حصاد ، ثم إن سباشي هزم على يد جغري في الخامس والعشرين من شعبان سنة ثمان وعشرين وأربع مئة ، فأرسل السلطان مسعود حاجبا مع تمام العدة والعدد ، فجاء هذا الحاجب وعسكر في أعلى رستاق بيهق ، وكانت هناك أشجار كثيرة للفستق في قرى إيزي وجلّين ونوقاريز ، وكان الفصل شتاء ، فاستخدم الحاجب خشب تلك الأشجار للوقود ، وامتدت أيدي جنوده بالنهب والإغارة ، بعد أن أصدر أوامره بقلع تلك الأشجار قائلا إن في خشبها دهنا يجعلها تحترق جيدا ، ثم حملت حزم تلك الأخشاب على ظهور الإبل إلى غزنة ، وقد أطلق أهل خراسان لقب الحاجب الكنّاس عليه.

[٢٧٤] حكاية : روى جدي شيخ الإسلام أميرك : ذهبت يوما إلى سباشي ، وكان في دار الإمارة بشادياخ نيسابور وكان تحت إمرته مئة ألف فارس ومئتي فيل ، فجاء صاحب الخبر وأنهى إليه أنه قد شوهد عشرة فرسان من التّركمان في ناحية تكاب ، فأمر سباشي بقرع الطبول والنفخ في البوق الذهبي ، وترتيب الجيش ، وحمل التعاويذ والمصاحف ، وقراءة الأدعية والنفخ ، ثم قال لي : أيها الشيخ الإمام لا تضنّ عليّ بالدعاء والتضرع لكي أعود بالسلامة ولا أراهم.

فقلت له : أيها الأمير! إن المبالغة في الحذر والتوجّس لا يليقان بك ، ولن يكون إلا ما فيه الخير ونفعك ، ثم انصرفت من عنده ، وقد قال الناس آنذاك : إن شمس تلك الدولة قد شارفت على الغروب.

حكاية : ذكروا أنه لدى نزول السلطان شهاب دين الله سيد سلاطين العرب

٤٨٧

والعجم مسعود بن محمود في القصبة ، جاءت إليه امرأة عجوز شاكية ـ في الوقت الذي كان فيه بكتغدي الحاجب قد جاء هاربا من السلاجقة ـ وقالت له إن الشحنة قد أخذ منها ثلاثة دنانير ، بسبب قيام خصومة بينها وبين جارة لها ، أدت إلى اللجاج والمكالمة ، وانتهت بتمزيق الثياب والملاكمة ، فاستدعى السلطان الشحنة وقال له إن جزاء هذه الجنايات هو أرش الزجر ، ومقداره عشرة دراهم مع تغريمها ثوبا ، ولذا يجب عليك إعادة الدنانير الثلاثة إلى المرأة العجوز ، وأمر بتقطيع الشحنة إلى ثلاثة أقسام وتعليقه على ساباط لوش هون :

ذي المعالي فليعلون من تعالى

هكذا هكذا وإلا فلا لا

واقعة : بعد دس السم للسلطان ملك شاه (١) وموته في الثاني عشر من شوال سنة خمس وثمانين وأربع مئة ، ظهرت الفترة واستولى العيارون على القصبة ، فجاء السيد الأجل الزاهد فخر الدين أبو القاسم الفريومديّ (٢) قدس الله روحه ، من فريومد ، وظل في القصبة خمسة أشهر متواصلة يطوف فيها مع أهل السلاح والخدم والفرسان إلى الصبح بالشموع والمشاعل ، [٢٧٥] ليحموا أموال وحرم المسلمين من أي اعتداء قد يقوم به المعتدون والفسقة ، وقد كانت نفقة أولئك الخدم والأتباع بأسرها من خالص أمواله ، وهذا هو السعي المشكور ، والعمل المبرور.

واقعة : قبل أن يقدم السيد الأجل فخر الدين أبو القاسم من فريومد إلى القصبة ، حدث أن قتل السيد أبو سعيد عبد الله بن محمد بن جمعة البندار (٣) ، واحدا من شباب المشايخ المدعو محمد بن أبي سعد بن عليك في ذي القعدة سنة خمس وثمانين وأربع مئة ، وهرب قاتله إلى العراق ، وصار بعد ذلك في خدمة السلطان محمد بن ملك شاه

__________________

(١) هو ملك شاه بن ألب أرسلان.

(٢) مرّ التعريف به آنفا.

(٣) هو من آل المختار الذين عرف بهم المؤلف فيما مضى.

٤٨٨

ووجد لديه حظا من الاحترام والقبول ، ثم إنّ سبطه من قبل بنته أبا سعيد الدّاري ، وهو عبد الله بن أحمد بن الحسين الدّاري ، قد خاض بعد ذلك في غمرات الجنايات والأعمال الذميمة ، واجتمع حوله الغوغاء ، وقد قتله الشيخ الأمير علي بن حيدر ـ أحد مشايخ الناحية ـ في يوم السبت الثاني عشر من ذي القعدة سنة اثنتين وأربعين وخمس مئة ، وكان سكران حيران ، المريخ ذلك اليوم في الثور ، بحسب درجة طالع بيهق.

واقعة : عند ما ذهب السلطان طغرل لحرب أخيه من أمه ، إبراهيم بن ينال (١) ، اجتاز بالقصبة.

وإلى الوقت الذي ظلت فيه دار الملك بأصفهان ، كان السلطان ملك شاه يمر بالقصبة ، ويذهب إلى القلعة ويضع عليها العرّادة ويرمي بالأحجار منها.

وكان السلطان ألب أرسلان قد اجتاز بالناحية لدى ذهابه لغزو الروم ، إلا أن السلطان سنجر رحمه‌الله لم يمرّ بهذه الناحية أكثر من مرتين ، كانت الأولى عند ما عاد من بغداد وقد عين ملكا ، والأخرى ، عند ما ذهب لمصاف قراجه الساقي (٢).

واقعة : حدوث خصومة في قرية رزقن من ربع القصبة ، بين خدم السيد جلال الدين محمد ، وعز الدين أبي نعيم (٣) وغلمان أبيه شهاب الدين ، في يوم الأحد ، الثاني

__________________

(١) إبراهيم بن ينال هو الملك إبراهيم بن ميكائيل السّلجوقيّ ، خرج على أخيه طغرل بك وتوجه بجيشه إلى الري فحارب أخاه ثم تفرق عنه جيشه وأخذه أخوه طغرل أسيرا وخنقه بوتر سنة ٤٥١ ه‍ (أخبار الدولة السّلجوقيّة ، ١٩ ـ ٢٠ ؛ بغية الطلب ، ٣ / ١٣٥١ ؛ سير أعلام النبلاء ، ١٨ / ١١٢).

(٢) تمكن سنجر من إلحاق الهزيمة بقراجه الساقي وأسره وقتله في الحرب التي وقعت بينهما في آذربايجان سنة ٥٢٦ ه‍ (أخبار الدولة السّلجوقيّة ، ١٠١).

(٣) جلال الدين محمد من السادة العلوية وقد مرّ به التعريف فيما مضى ، أمّا عز الدين فهو أبو نعيم عبد الله بن محمد بن مسعود المختار ، وعرف به أيضا.

٤٨٩

والعشرين من صفر سنة خمس وثلاثين وخمس مئة ، ونشأت من ذلك أمور عظيمة ، وذهب على إثر ذلك المشايخ والسادات [٢٧٦] إلى الحضرة وظلوا هناك مدة ، لأجل تفويض ولاية بيهق إلى السيد الأجل جلال الدين محمد رحمه‌الله.

واقعة : مجيء الأمير أرقش الخاتونيّ وقتله لأهل طزر ، وإلقاء رئيسهم المعروف بالحسن بن سيمين من مئذنة القصبة ، في شوال سنة إحدى وعشرين وخمس مئة (١).

واقعة : مجيء الأمير قجق السّلطانيّ إلى الناحية ، وتخريبه قرية طزر ، وقتله جماعة من أصحاب القلاع ، ومجيء الأمير آق سنقر إلى مزينان في شهور سنة ست وثلاثين وخمس مئة.

واقعة : مجيء آق سنقر بخيل الأمير روسبه السّلطانيّ ، وقتله أهل طريثيث بقرية ميج ، في أواخر رمضان سنة خمس وثلاثين وخمس مئة.

واقعة : وقوع الحرب بين أهل سبزوار ، وأهل قصبة جشم ، في الخامس والعشرين من ذي القعدة سنة سبع وثلاثين وخمس مئة ، كما وقع قتال آخر بينهما في الرابع والعشرين من رجب سنة ثمان وثلاثين وخمس مئة.

__________________

(١) ضمن حوادث ٥٢٠ ه‍ من الكامل في التاريخ نقرأ ما يلي : «أمر الوزير المختص [معين الملك] أبو نصر أحمد بن الفضل وزير السلطان سنجر بغزو الباطنية وقتلهم أينما كانوا وحيثما ظفر بهم ونهب أموالهم وسبي حرمهم ، وجهز جيشا إلى طريثيث وهي لهم ، وجيشا إلى بيهق من أعمال نيسابور. وكان في هذه الأعمال قرية مخصوصة بهم اسمها طزر ومقدمهم بها إنسان اسمه الحسن بن سمين ، وسير إلى كل طرف من أعمالهم جمعا من الجند ووصاهم أن يقتلوا من لقوه منهم. فأما القرية التي بأعمال بيهق فقصدها العسكر فقتلوا كل من بها وهرب مقدمهم وصعد منارة المسجد وألقى بنفسه منها فهلك. وكذلك العسكر المنفذ إلى طريثيث ، قتلوا من أهلها فأكثروا ، وغنموا من أموالهم وعادوا» (٩ / ٢٤٥).

٤٩٠

القسم الخامس

في غرائب الأمور التي انفردت

بها بيهق عن سائر البقاع والنواحي ،

مع ذكر السادات المدفونين في

خسروجرد وغيرها

٤٩١
٤٩٢

في غرائب الأمور التي انفردت بها بيهق عن سائر البقاع والنواحي

الأول : الفضلاء والأدباء ، حيث قيل إن بيهق كانت تدعى في تلك الأيام تهامة الصغرى لكثرة الفضلاء والأدباء الذين كانوا فيها ، واليوم حيث أصبحت رسوم نضارة العلم منسوخة ، وتردّت همم طلاب الأدب في مهاوي القصور والنقصان ، فلا يزيد عدد من صناعتهم الأدب ، والمعرفة التامة بلغة العرب ، على ثلاثين شخصا يجيدون النظم والنثر.

الثاني : إن خطّاطيها نسّاخ ، وذلك من الغرائب ، حيث يستطيع الخطاط النّسخ ، وهو من عجائب الدهر ، حتى أن بديع الكتبة علي بن إسماعيل الكاتب ـ ويقال لأهل بيته بنق ـ لقب بابن البواب الثاني وابن مقلة (١) وصهره هو معين الأفاضل محمد بن علي بن حيدر الأحنف الأخوينيّ المقرئ ، وكان جدّ أبيه الفقيه محمد الأحنف الأخوينيّ [٢٧٧] فقيها وشاعرا ، وهو من أطراف دهستان ، وقد ذكرت شعره في وشاح دمية القصر ، وكان خطاطا وناسخا ، وكان يكتب في اليوم ما يزيد على طبقين من الكاغذ بالخط المنسوب.

وأرباب الخطوط الجميلة كثيرون في هذه البلاد ، إلّا أن العادة قد جرت أن يقوم شمس الأئمة ، والحاج محمد بن الفقيه أبي علي يحيى بن علي المؤذن بترسيس وتسريش ما يكتبه بديع الكتبة بخطه ، وكان ذلك التجليد أعجوبة إلى الدرجة التي يصعب معها أن يوجد مثل ذلك الخط وذلك التجليد في هذه الأقاليم ، وقد جلّد الفقيه الحاج محمد المؤذن في هذه السنة مصحفا باهض التكاليف لصلاح الدين صالح

__________________

(١) الأول منهما هو علي بن هلال البغداديّ المعروف بابن البواب المتوفى سنة ٤١٣ ه‍ ، والثاني هو الوزير والشاعر والأديب محمد بن علي المعروف بابن مقلة المتوفى سنة ٣٢٨ ه‍ ، وكلاهما خطاط ضرب بجمال خطه المثل.

٤٩٣

الخاتونيّ ، أخذت عليه أجرة قدرها عشرون دينارا لتصحيفه وتجليده. فليهبه الله غاية الكمال.

الثالث : ظهر في هذه الأرض علماء كبار في أنواع العلوم ، إلّا أنهم لم يجدوا الرتبة والرفعة ما داموا في أرض بيهق ، فآثروا الغربة والسفر عن الوطن ليتمتعوا بعلومهم.

الرابع : يوجد في قريتي جلّين وقاريز ، فستق لا يوجد نظيره في نواحي نيسابور.

الخامس : يوجد في قريتي باغن وإيزي دجاج داجن مسمّن كالدجاج الكسكري الموجود في حدود بغداد ، ولا يوجد مثله في نواحي نيسابور وطوس وسرخس ومرو وهراة.

السادس : وجود ست عشرة قناة للماء في قصبة سبزوار يجري أكثرها في داخل القصبة.

السابع : فيما مضى كانت صلاة الجمعة والخطبة تقام في خمسة عشر موضعا من هذه الناحية : قرية جلّين ، قصبة سبزوار ، خسروجرد ، كسكن ، سدير ، كرّاب ، باشتين ، نامن (نامين) ، ديوره ، جشم ، خسروآباد ، مزينان ، بهمناباد ، فريومد ، قرية بيشين ، فيما مضى ، وهي الآن تقام في ثمانية مواضع.

الثامن : فيها قرية تدعى كروزد تقع في أعلى الرستاق ، لا يوجد في كل خراسان مثل مائها في خفة الوزن ، وقد علم ذلك بالتجربة حيث وزنه الأطباء ، وحكموا له بالخفّة والرّقّة.

[٢٧٨] التاسع : أعجوبة في ماء قصبة سبزوار ، وماء عبد الرحيمي ـ وكلا الماءين كبريتي ـ إذ لا ينشأ منهما الفساد الذي ينشأ من المياه الكبريتية الأخرى ، إلّا حالات نادرة من مرض البواسير.

العاشر : فيها الإسكافيون صانعو الصنادل الفضية وأمثالها من خفاف النساء والرجال ، مما لا يوجد مثله في نواحي نيسابور.

٤٩٤

الحادي عشر : في قرية ششتمد يوجد ماء حلو ثقيل لا يقربه الفساد لمدة طويلة ، وفيها التين الرقيق الأصفر ، الذي لا يجفّ لرقّته ، بينما يجف تين فريومد الأبيض والأصفر.

الثاني عشر : في قرية كيذر ، يوجد الرمان الذي في غاية الجودة ، من رقة القشرة وكثرة الماء وصغر الحبّة.

الثالث عشر : في قرية أشتر يوجد العنب الذي يدعى السروستاني ، ويكون في ششتمد في غاية الرقة أيضا ، لرقة في قشرته ، وصغر في حبّته ، ويستفاد منه كثيرا ، ويوجد في قرية ثرد (بزد) أفرود التي على حدود نيسابور مثل هذا العنب يدعى العنب السرابي.

الرابع عشر : يوجد في قرية كهناب ، الشيراز (١) والجبن اللذان هما أكثر حلاوة مما في ناحية أستوا.

الخامس عشر : في ربع طبس ، يوجد الكمثرى الحلو الذي يسمونه ماول ومنه الصيفي ، ومنه الشتوي ، ولا يوجد مثله في نواحي نيسابور.

السادس عشر : في قرية طبس من الناحية ، الجوز الذي قال الفقيه ابو العباس القطنيّ المعروف ب «التّرك» بأنه يستخرج من شجرة واحدة خمس مئة منّ من دهن الجوز ، وكل شخص من أهل القرية مستعد لأن يشهد على ذلك.

السابع عشر : في قرية طبس نوع من التفاح يقال له الرازيان ، وهو شبيه بالأجاص الجرجانيّ [٢٧٩] بل أكثر جودة منه ، وله من جهة الطب منافع وفوائد كثيرة ، وهي أكثر من منافع وفوائد الأجاص.

الثامن عشر : إذا نبت الريباص في جبل رزمن ، وجبل شاره ودربر ، فإنه يكون

__________________

(١) الشيراز : اللبن الرائب المستخرج ماؤه (تاج العروس : شرز).

٤٩٥

أحسن من ذلك الذي في جبل نيسابور.

التاسع عشر : يوجد في جبل طبس عند حدّ بازقن ، معدن الجمست ، وفي جبل شاره معدن الذهب ومعدن النحاس وهما في غاية الجودة.

العشرون : يوجد في قصبة خسروجرد ، وقرية أباري أنواع من الفاكهة ، من المشمش الفارسيّ الأحمر والأبيض والبلبلي والسّعيديّ ، والكرمه ، والبوعمري والميوي والفضلويّ وغير ذلك.

كما يوجد الكمثرى الصيفي والشتوي ، والعنب الزبيبي (١) والسبيدشي والطائفي والخسرواني والبرنياني والملاحي والزورابدي (والروراندي) والكيذكاني والكاولستاني (الكارستاني) والأبيض البلخيّ والأسود اللشي (اللشتي) والبطيخ الباكورة من كنارزي ، وفانيذ العنب ، والهراتي ، والأسود الهراتي والسليماني والرازقي الذي لا يوجد في نواحي نيسابور فاكهة في لذته ومذاقه.

الحادي والعشرون : في قرية كيذقان يوجد خوخ شبيه بخوخ خرو ، وخوخ شتوي كذلك الذي رأيته في الري.

الثاني والعشرون : في قريتي مهر وششتمد يوجد القلم الذي لا يوجد مثله في هراة وبادغيس وعموم بلاد خراسان ومازندران. ومن أقلام التحرير في خراسان ومازندران فإن أفضلها تلك التي ترتفع من قرية مهر ببيهق ، ثم تلك التي تنبت بقرية ششتمد. والأقل جودة منها القلم الجرجانيّ. أما أردأ أنواعها فهو الذي بنواحي هراة.

الثالث والعشرون : في قرية خسروآباد توجد الثياب التي نسجها على نمط السجاد ، التي لا يوجد مثلها في خراسان.

[٢٨٠] الرابع والعشرون : في داخل حدود مزينان تحاك ثياب من الحرير في غاية الحسن لا يحاك مثلها في نواحي نيسابور.

__________________

(١) في الأصول : الرئيسي ، الربيبي.

٤٩٦

الخامس والعشرون : ينبت في دويين ونواحيها الحرض ـ الذي هو من أركان حوائج الخلق ـ مما لا يوجد في النواحي الأخرى ، وكذلك القلي ، وقد روى لي الشيخ الزّكيّ علي بن الفضل الباسنقانيّ رحمه‌الله ، أن الأمير الرئيس الأجل الشهيد أبا الحسن علي بن الحسين بن المظفر الجشميّ رحمه‌الله طلب إليّ أن اشتري له من نيسابور ثيابا عتابية وآمدية وقلنسوة بما يزيد على مائة دينار وأبعثها مع غلمانه ، ثم أمر جمّاليه فحمّلوا جمالهم بالأشنان وجاءوا به إلى نيسابور عدة مرات ، عوضا عن ذلك الثمن ، وكتب إليّ رسالة قال فيها : أنا معذور ، فإن لي قدما راسخة في الدّهقنة (١) ، ورزقي من الحلال الذي لا شبهة فيه ، وقد وجدت أسلافي على هذه الهيئة والصفة.

السادس والعشرون : في قرية فريومد ، يوجد التين الأحمر والتين الأصفر الذي يمكن أن يجفّف.

وقد ورد في كتاب القانون (٢) ، أن أفضل أنواع التين وأكثرها ملائمة لطبائع الناس هو ما وجدت أوصافه في التين الفريومديّ.

وتوجد هناك قنوات كثيرة للماء ، وهواؤها سهلي وجبلي ، وفاكهتها ملائمة ، ولا ينشأ من تناولها إلّا القليل من الأمراض.

السابع والعشرون : في فريومد وحدودها توجد خلايا نحل العسل ، الذي هو في غاية الجودة ، مما لا مثيل له في نواحي نيسابور.

الثامن والعشرون : في قرية سدير وغيرها ، يوجد البطيخ الملاقي المسمى بالتّركماني ، الذي يزرع في حدود مرو ، وبطيخ المليون المأموني ، والعبدلكي [٢٨١] ـ وهذا نوع من المليون ـ وقريب منه الحمشادي ، والبطيخ الشتوي الجعد الذي ينبت في

__________________

(١) الدّهقان : التاجر وزعيم فلاحي العجم ورئيس الإقليم ، معرّب ، جمعه : دهاقنة ودهاقين ، والاسم : الدهقنة ، (القاموس المحيط ، الدّهقان).

(٢) كتاب شهير في الطب لأبي علي ابن سينا.

٤٩٧

قرية أفجنك وغيرها ، الدّلّاع الذي ينبت في قريتي باغن ودلقند ، وأما في قريتي راز وكهناب فينبت البطيخ البخاريّ واللاري والطّبريّ ، وفي دلقند البطيخ الكرنبي وهو نوع من البطيخ الأحمر الخريفي.

قصة شجرتي السرو اللتين في قريتي كشمر وفريومد

كان زردشت صاحب المجوس ، قد اختار طالعين زرع بموجبهما شجرتي سرو ، واحدة في قرية كشمر طريثيث ، والأخرى في قرية فريومد ، وقد ورد في كتاب ثمار القلوب (١) للشيخ أبي منصور الثّعالبيّ ، أن الملك يستاسف أمر بزرعهما ، ووصفوا للخليفة المتوكل على الله جعفر بن المعتصم تلك الشجرة [التي في كشمر] وكان قد بدأ ببناء الجعفريّة (٢) فكتب إلى عامل نيسابور الشيخ أبي الطيب ، وإلى الأمير طاهر بن عبد الله بن طاهر يأمره أن يقطعها ويبعث بأقطاع جذعها وأغصانها كلّها في اللبود إلى بغداد ، لينصبها النّجّارون هناك ويوصلوا أغصانها بالمسامير لكي لا يضيع أي غصن من أغصانها وفروعها ، وليضعها من ثمّ في ذلك البناء [الجعفريّة].

فاجتمع المجوس وقالوا للشيخ أبي الطيب : إننا مستعدون لدفع خمسين ألف دينار من الذهب النّيسابوريّ إلى خزانة الخليفة ، ليتخلى عن قطع هذه الشجرة ، فقد مضى على زرع هذه الشجرة أكثر من ألف سنة ، ونحن الآن في سنة اثنتين وثلاثين ومئتين ،

__________________

(١) ثمار القلوب (ص ٥٩٠ ـ ٥٩١) ، حيث ورد خبر شجرة واحدة فحسب هي سروة بست. بينما ذكر مؤلفنا شجرتين وقدّم تفاصيل وافية غير موجودة لدى الثّعالبيّ وبخاصة في أسماء أبطال الخبر وتاريخ السروة الثانية والمقطعات الشعرية التي قالها الشعراء بهذا الشأن. ويمكن القول إن الخبر هنا يبلغ ضعفي حجمه الوارد في ثمار القلوب.

(٢) هو قصر الجعفريّ الذي بناه الخليفة العبّاسيّ المتوكل على الله (حكم خلال السنوات من ٢٣٢ حتى ٢٤٧ ه‍) قرب سامراء ، قال ياقوت إن المتوكل استحدث عنده مدينة وانتقل إليها وأقطع القواد منها قطائع فصارت أكبر من سامراء (معجم البلدان ، ٢ / ٨٦).

٤٩٨

فيكون قد مضى على زراعتها ألف وأربع مئة وخمس سنوات ، ثم إن في قطعها طيرة ، ولا ينتفع بها ، فقال عامل نيسابور ليس المتوكل من أولئك الخلفاء والملوك الذين يستطيع أحد ردّ أوامرهم ، ثم إن الشيخ أبا الطيب نصب الأمير عتاب بن ورقاء الشاعر الشّيبانيّ ـ وهو من أولاد الشاعر عمرو بن كلثوم ـ لهذا العمل ، فأوكل هذا الأمر إلى نجار ماهر لم يكن له نظير بنيسابور ، يدعى حسين النّجّار ، فأنفق وقتا طويلا في إعداد المنشار المناسب وبقية الأسباب [٢٨٢] وكانت استدارة ساق تلك الشجرة ـ كما ورد في الكتب ـ سبعة وعشرين عصا ، كل عصا رشو وربع بالذراع الشاهي ، وقيل إنه كان يتفيأ ظلالها ما يزيد على عشرة آلاف نعجة ، وحين لا يكون هناك آدمي أو نعاج وراع ، فإن الوحوش والسباع تستقر عندها ، وتأوي إلى أغصانها جموع لا يحصيها العدّ من الطيور المختلفة ، فلما سقطت تلك الشجرة ، اهتزت الأرض في تلك النواحي ، وأصيب كثير من القنوات والأبنية بالخلل ، وغطّت السماء ـ وقت صلاة العتمة ـ أنواع من الطيور كانت تنوح وتعول بأصوات مختلفة ، بهيئة جعلت الناس يتعجبون من ذلك ، كما ناحت وأعولت النعاج التي كانت تتفيأ ظلالها.

أنفق على حمل الشجرة بساقها وأغصانها وفروعها من كشمر إلى الجعفريّة خمس مئة ألف درهم ، وحملت فروعها وأغصانها على ألف وثلاث مئة بعير ، وحدث أن المتوكل قد قتل في تلك الليلة بأيدي غلمانه ، بينما كانت الشجرة قد وصلت إلى أحد منازل الجعفريّة ، ولم يرها أو يتمتع بها ، قال علي بن الجهم في قصيدة له :

فأل سرى بسبيله المتوكّل

فالسرو يسري والمنية تنزل

ما سربلت إلّا لأنّ إمامنا

بالسيف من أولاده متسربل

وكان ذلك في ليلة الأربعاء لثلاث خلون من شوال سنة اثنتين وثلاثين ومئتين (١)

__________________

(١) هذا التاريخ (٣ شوال ٢٣٢ ه‍) هو التاريخ الذي تولى به المتوكل الحكم (انظر : مروج الذهب ، ٤ / ٤ ؛ ثمار القلوب ، ١٩٠ تحت عنوان : ليلة المتوكل) ، وينبغي أن يكون الصواب ٢٤٧ ه‍.

٤٩٩

حيث هجم باغر التّركي مع مجموعة من الغلمان بإشارة من المنتصر على المتوكل الذي كان جالسا في مجلس لهو ، وكان البحتريّ حاضرا هناك ، فقال قصيدة منها :

لنعم الدم المسفوح ليلة جعفر

هرقتم وجنح الليل سود دياجره

فلا ملأ الباقي تراث الذي مضى

ولا حملت ذاك الدعاء منابره

وقال أحمد بن إبراهيم الأسديّ (١) :

هكذا فلتكن منايا الكرام

بين ناي ومزهر ومدام

بين كأسين أروتاه جميعا

كأس لذّاته وكأس الحمام

[٢٨٣] وقال (٢) :

كم آمن متحصّن في جوسق

قد آب منه بليلة المتوكّل

وقد بقيت الشجرة في واحد من منازل الجعفريّة إلى عهد قريب.

ولم يحل الحول حتى كان جميع الذين سعوا في ذلك الأمر ـ أمر الشجرة ـ قد ماتوا :

وإلى نيسابور الذي أمر بذلك ـ أبو الطيب طاهر ـ والنّجّار والحدّاد ومن كان يعمل معهم ، والنظارة وحاملو الخشب ، وهذا من الاتفاقات العجيبة. أما شجرة السرو التي في فريومد فقد كان عمرها أطول من ذلك ، إذ بقيت إلى سنة سبع وثلاثين وخمس مئة ، أي بعد مئتين وواحد وتسعين عاما على قطع الشجرة التي في كشمر ، حيث أمر الأمير الإسفهسالار ينالتكين بن خوارزم شاه بإحراقها ، وكان بقاء تلك الشجرة في فريومد ، ألفا وست مئة وواحدا وتسعين عاما (٣) ولم يقع عليه

__________________

(١) ثمار القلوب (ص ١٩٠).

(٢) نسب الثّعالبيّ (ثمار القلوب ، ١٩١) الشعر لأبي القاسم الزعفراني.

(٣) بعملية حسابية قام بها أحمد بهمنيار محقق الطبعة الفارسيّة للكتاب آخذا بنظر الاعتبار أن وفاة المتوكل حدثت في ٢٤٧ ه‍ وليس كما ذكر المؤلف سنة ٢٣٢ ه‍ ، أثبت أن الرقم الصحيح أعلاه هو ١٦٩٦ سنة.

٥٠٠