تأريخ بيهق

فريد خراسان علي بن زيد البيهقي

تأريخ بيهق

المؤلف:

فريد خراسان علي بن زيد البيهقي


المحقق: يوسف الهادي
المترجم: يوسف الهادي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار إقرأ للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٧٢

الفقيه العابد الحسين بن أحمد دلبر (١)

كان رجلا متكلما وعابدا ، ينظم الأشعار في المواسم ، منها هذه القطعة من قصيدة له :

سجد في حضرتك أشخاص كثيرون

وضعوا وجوههم على العتبة وكفّروا أيديهم

[٢٥٨] يدك كالسحاب ولسانك كذي الفقار

عقلك كالبحر الأخضر ولفظك كالدر الثمين

الذئاب والخنازير الوحشية الرابضة في البيداء

يصبح حظها سيئا عندما يطلع الأسدمن عرينه

تودّ السماء لو تصبح بلون فص خاتمه

لكنها لا تستطيع لأن السماء تحت أمره

الحكيم أبو العلاء حمزة بن علي المجيريّ (٢)

كان من قصبة فريومد ، والنسبة في لقبه للوزير مجير الدولة ، وله أشعار وقصائد كثيرة ، منها هذان البيتان :

لا تتأفف دائما من دهرك

ولا تتذمر لأحد من نوائبه

إنها مرحلة ونحن فيها قافلة

أكان خيرا أم شرا فللقافلة مرحلة

__________________

(١) لم نجده في المصادر التي بين أيدينا.

(٢) لم نجد مصدر ترجمته. أمّا مجير الدولة فهو أبو القاسم علي بن فخر الدولة ، عينه الخليفة المستظهر بالله وزيرا في رمضان ٤٩٩ ه‍ وبقي في منصبه حتى وفاته في صفر سنة ٥٠٨ ه‍ (لغت نامه دهخدا ؛ مجمل فصيحي ، ٢ / ٢١٤).

٤٦١

الحكيم تاج الحكماء الموفق بن المظفر القواميّ (١)

من قصبة فريومد أيضا ، من تلاميذ الحكيم المجيريّ ، وله قصائد قوامية كثيرة ، نسبته إلى قوام الدين أبي القاسم الأنساباديّ وزير العراق وخراسان ، ومن أشعاره :

من أجل تزيين العالم يستعد الفلك دوما

لتزيين عروس الروضة وعروس البستان

ينثر من شفتيه الضاحكتين البيجاذي

ويعلق­السحاب­من­عينيه­الدامعتين­عقدجوهر

ولكثرة ما ينسج من الديباج المتنوع ببعضه

ولكثرة ما يعقد من اللؤلؤ المتنوع مع بعضه

عادت شقائق النعمان فاتنة

وتوجت رأسها بكأس من البيجاذي

الحكيم يحيى بن محمد الضّيائيّ الفريومديّ (٢)

رأيت من أشعاره هذه القصيدة [٢٨٩] :

ما أن أنظر إلى ضفيرتها السوداء المعقودة

فإن حالة من الهجر تسلبني القلب والروح

ويختطف قلبي كلما أطلّ وجهها

تسلب روحي من بدني متى ما نثرت شعرها

__________________

(١) لم نجد مصدر ترجمته ، أمّا ممدوحه فهو أبو القاسم ناصر بن علي الدّركزيني وزير السلطان محمود بن محمد السّلجوقيّ وأخيه طغرل وقد صلبه هذا سنة ٥٢٥ ه‍ (مجمع الآداب ، ٣ / ٥٤٦). وفي تاريخ دولة آل سلجوق أنه القوام الأنساباذي ، وأنساباد هذه ضيعة من إقليم الأعلم قريبة من دركزين فنسب نفسه إلى دركزين لأنها أكبر قرى تلك الولاية ، وأن وزارته بدأت سنة ٥١٨ ه‍.

(٢) لم نجد مصدر ترجمته.

٤٦٢

أقول حينما أرى وجه و­ضفيرة حسنائي :

أرأيتم سلسلة نسجت من سنبلة على سنبلة ؟

لقد تحول­كل ­حزني إلى سرور من تلك السلسلة

وأصبح كل حقي باطلا من تلك السنبلة

الحكيم محمد بن عيسى النّجيبيّ الباشتينيّ (١)

نسبته إلى نجيب الملك المطّيبيّ الذي كان مشرف الممالك ، وكان هذا الشيخ شاعرا حكيم الطبع ، ولم أر في شعراء بيهق من هو أكثر رقة منه في الكلام ، أو أشد ذكاء وعلما في العروض وأوصاف الشعر ، وكان حسن المحاورة والأخلاق ، ومن شعره هذه القصيدة :

أنت يا روح العالم كل لحظة في شأن معي

فتارة تسلبينني الروح وأخرى تهبينها

لست الفلك الدوار ، ولكنني مندهش

لأنك تغدين حنظلا مرة وأخرى سكرا

ولست الدهر الجافي ، وأنا عاجز عن فهم فعالك

فتارة أنت آمرة وأخرى مطيعة

والأعجب من­كل شيء هو أنك في آن واحد

تغدين­خصما وتتوسطين مرتدية ثوب القاضي

ألا تفكرين أنه عندما ترفعين النقاب عن وجهك

تصبحين في قلبي مئات الآلاف من آلهات الجمال

__________________

(١) لم نجد مصدر ترجمته.

٤٦٣

تجسمين الجمال في القلب و تنيرين السحر في الروح

تخاصمين العقل وتصادقين الهوى

ثم اختبروا الحكيم النّجيبيّ وطلبوا إليه أن يتحول من هذا البحر إلى المديد فقال على البديهة :

الغريب أن ينظم لدى العجم من هذا الوصف في بحر المديد

فمن السعادة أن تصبح من هذا المديح في مصاف الشعراء

فاعلاتن فاعلان فاعلاتن فاعلان

لأنك ستتزين بجمال جميع كل هذا المديح

لو كنت فلكا لأصبحت في القياس بحرا

ولو كنت تحت الفلك فستكون سماء زرقاء

وما دامت السماء والأرض بهذه الصفات

فأنا أودّ أن تكون سيّدا على العالم

الحكيم محمد المفخريّ (١)

كان يقرأ القرآن بالألحان ، وهو راوي أشعار الحكيم الصّوابيّ ، وكان يقال له محمد حسن ، وهو جهوري الصوت ، وكان في أول أمره ناسخ كتب أبي [٢٦٠] وذهب معه إلى بخارى ، ثم انتقض عمله ، فأصبح يوفر أسباب عيشه من الوراقة والنسخ.

قال في رثاء جدي شيخ الإسلام أميرك :

أصبح الإيمان ضعيفا واضطرب أمر الدين

يوم شيّعنا جنازة شيخ الإسلام

__________________

(١) يوجد ما يدل على كونه حيا في سنة ٥٠١ ه‍ وذلك لرثائه في هذه السنة جدّ المؤلف شيخ الإسلام أميرك.

٤٦٤

ينشق الصدر كل حين من الألم واللوعة

والدهر النائح واجم يفكر في هذه المصيبة

بفقد فخر الحرية ­الإمام الشيخ شمس الدين محمد

سماء الفضل وبحر العلم وأس الفن

كيف يمكن القول إن شمس الكرم غابت تحت الغمام

وكيف يمكن القول إن بحر ­السخاء غار تحت التراب

لم يشاهد من هو نظيره في كل خراسان

في الكلام والأدب والفقه والتفسير واللغة

صار عرش الحكم بموته وفراقه خاويا

وضعفت هيبة الدين من ذل الحداد عليه

اسودّت أيام البيهقيّين لألم فراقه

فلم يروا يوما أكثر أسى ولوعة من هذا

الحكيم علي بن أبي القاسم بن أبي حفص الجلاليّ المكفوف (١)

له أشعار مطبوعة ، وللإيجاز نكتفي بهذين البيتين :

إن العمر الذي أمضيته أملا فيك

لم يكن ـ والله ـ كما ظننته

وأصبحت الآن فارغ البال إذ قطعت الأمل من

نيل ما في إنائك وما في كيسك

__________________

(١) لم نجد مصدر ترجمته.

٤٦٥

الحكيم المتكلم علي بن أحمد بن علي بن العباس الصّوابيّ (١)

هو والد الإمام فخر الزمان مسعود الصّوابيّ ، وله قصائد ومثنويات كثيرة ، وكان ماهرا في علم الكلام ، ومن رباعياته :

لا تنظري إليّ حين أبكي

ذلك أني أبكي أبدا لهجرك

في كل يوم أذرف أكثر من ألف دمعة

كل دمعة أذرفها بنوح جديد

وله :­

أواه! ها قد رحلت وكان رحيلك مفاجئا

إذ أفل سريعا ذلك الوجه الذي كان كالقمر

كان كل الحسن مرافقا لجمال وجهك

لماذا كان عمر من هو مثلك قصيرا هكذا؟

الحكيم المقرّب محمد بن أبي القاسم بن محمد المعلم (٢)

كان من القصبة ، ولم يعمّر طويلا ، من شعره هذا الدوبيت [٢٦١] :

عناء ليس له نهاية حتى يوم الحشر

وحينذاك أيضا فمفتاح باب الحشر مفقود

ترى أ لم نهرول عبثا وبلا جدوى؟

وا حسرتاه! لأننا لن نبلغ ذلك الباب

__________________

(١) تعليقات النقض ، ١ / ٥٥٥. وقد مرّ التعريف بابنه مسعود المتوفى سنة ٥٤٤ ه‍.

(٢) لم نجده في المظان المتوفرة.

٤٦٦

علي بن محمد بن جعفر الملقب بالمجيدي (١)

نسبته هو الذي اختارها ، وكان خبازا ، توفي في عهد شبابه في سنة إحدى وستين وخمس مئة ، له أشعار كثيرة ضمت الغث والسمين ، منها هذان البيتان المشهوران :

كيف أمدحك بما يليق بمقامك

فكل ما أقول أنت جدير بما هو خير منه

عظمتك أغلقت الباب بوجه كلماتي

إلا أن يفتح الله ـ بفضله ـ بابا أخرى

الحكيم أبو الفضل البيهقيّ (٢)

كان من آخر الناحية ، وهو قريب العهد ، معاصر لي ، له أشعار كثيرة ، منها :

في كل آن يبدأ الصراع مع نفسي

ويصبح وجهي لخوف هجره مصفرا

لوصعد حبيبي الفاتن الوجه إلى السطح ليلا

لأضاء العالم بأسره من نور وجهه

ولوضحك ذوالمراشف­اللعس والعذار الذهبي

لامتلأ حضنه بسكر شفتيه الحلوتين

لا شك أن من تنفس نفسا خلاف إرادته

أصبح نفسه في فمه أكثر حدة من الخنجر

__________________

(١) لم نجد له ذكرا في المصادر.

(٢) لم نجده في المظان المتوفرة.

٤٦٧

إذا وضع ذلك المبارك الخطى قدمه على التراب

تحول التراب تحت قدمه ـ بهمته ـ عنبرا

الشيخ الرئيس تاج الرؤساء الحسين بن أحمد الدّاريج (١)

لم يكن له حظ كبير من العقل والعلم ، إلا أنه طبقا لقانون أسلافه كان ينظم قصيدة في المواسم ، وله قصيدة هي من أمهات قصائده في رثاء والدي قدس الله روحه ، مطلعها :

وداعا أيها العيش الهنيء من دهرنا

فما أسرع ما اضطربت أحوالنا

الحكيم أبو القاسم المفخريّ (٢)

ابن المقرئ محمد المفخريّ الذي كان يدعى المقرئ محمد حسن ، وقد تقدم ذكر أبيه [٢٦٢] ، ومن قصيدة له قالها عندما ارتقى والدي المنبر حديثا :

دار الفلك فأصبح كله سعادة

وأصبحت الأرض كلها عزا وفخرا

وأصبحت كل أحكام القضاء مفاخرا

وقدرت مقادير المكارم بلا نقص

حيث وضعوا لإمام دين الله

في هذا اليوم منبرا جديدا

__________________

(١) هو نجل بدر الرؤساء أحمد بن الحسين بن أحمد بن الحسين الدّاريج وقد مر التعريف بأسرة الدّاريج. وذكر المؤلف هناك أن حسينا هذا مات من الجوع سنة ٥٥٦ ه‍. ونذكر بأن وفاة والد المؤلف وهو شمس الإسلام أبو القاسم زيد بن محمد قد حدثت في ٥١٧ ه‍.

(٢) من التعريف قبل قليل بوالده محمد المفخريّ.

٤٦٨

ليس منبرا بل هو شمس عين العلم

وليس منبرا بل هو كوثر لتخليد الفضل

إن التراب الذي وطأه بقدمه

أصبح مسكا تبتيا وعنبرا أذفر

وقد أضمرت في خاطره

كل أسرار علوم العالم العلوي

فيا وارث الأنبياء في حل كل معضلة

ونائب الأتقياء في الدين

رأيك هو أس قصر المجد

ولفظك زينة عروس الشعر

باسمك تطلع السنابل من الحديد

وبمحبتك تزهر شقائق النعمان من المرمر

لم يخطر ببال أي إنسان

أن يغامر بخوض بحر فضائلك

ومن الشباب الذين نبغوا الآن : خواجكك بن شرف الرؤساء علي بن مؤتمن الملك أبي جعفر محمد بن علي المستوفي (١) ، وهو مطبوع في الشعر ، وشعره يستقيم بإقبال الممدوح عليه.

__________________

(١) لم نجد له ذكرا في المصادر سوى أن أباه أبا الحسن علي بن محمد بن علي الخراساني المستوفي (مجمع الآداب ، ٤ / ٢٤) قد توفي سنة ٥٧٧ ه‍ (المختصر المحتاج إليه ، ٣١١).

٤٦٩

فصل في ذوي اللسانين

والفضلاء من ذوي اللسانين هم (١) : السيد الأجل جلال الدين العزيز بن هبة الله.

وأخوه السيد الأجلّ العالم الزاهد عماد الدين يحيى.

وأبو علي الجعفريّ البيهقيّ.

والشيخ أبو المظفر عبد الجبار بن الحسن الجمحيّ.

وأخوه الحاكم أبو القاسم المختار بن الحسن الجمحيّ الملقب بأميرك.

والسيد أبو سعيد زيد بن محمد بن ظفر العلوي الحسينيّ.

والشيخ أبو عبد الله أحمد بن محمد بن عبد الله البيهقيّ الزّياديّ المعروف بخواجكك الزّياديّ.

والشيخ العالم علي بن محمد الشّجاعيّ.

ونادر الدهر [٢٦٣] جعفر الحاكم الزّياديّ ، وله أشعار بالعربيّة والفارسيّة ، وله أيضا شعر يمزج فيه العربيّة بالفارسيّة ، كما في قصيدته التي قالها في هجاء أهل جلّين ، ومطلعها :

يا أهل جلّين احفظوا آيينكم

وذروا التبختر وانقلوا سرقينكم (٢)

ومن ذوي اللسانين أيضا :

__________________

(١) ترجم المؤلف وسيترجم لأغلب هؤلاء المذكورين في هذا الفصل. وذو اللسانين ، هو كل من كتب أو نظم باللغتين العربيّة والفارسيّة معا.

(٢) الآيين : فارسية وتعني العادات والتقاليد. أمّا السركين أو السرقين ـ بفتح السين وكسرها ـ فهي فضلات الدواب كالبقر ونحوه وتستخدم سمادا ووقودا بعد تجفيفها. ورد في لسان العرب (سرقن) أن السرقين معرب ويقال سرجين أيضا.

٤٧٠

الشيخ محمد بن عميرة الجشميّ البيهقيّ.

والشيخ الحسين بن أحمد الدّاريّج.

وابنه الشيخ أحمد.

والأديب أبو الفضل الحسن بن علي البحرويّ ، وله أيضا قصائد ذات مصاريع بالعربيّة وآخر بالفارسيّة ، مثل مطلع أحد قصائده :

زدي أندر دلم آتش نكارا (١)

ولم ترحم فؤادا مستطارا (٢)

ومن ذوي اللسانين أيضا : الشيخ أبو القاسم البرزهيّ.

وشرف الدين ظهير الملك علي بن الحسن البيهقيّ ، وله قطعة عجيبة بالفارسيّة ، هذا مطلعها :

إن من جاء ليسلب قلوب العالمين

هو روحي وبسببه بلغت روحي التراقي

ونجم الأئمة جعفر بن ناصح الدين محمد القاضي.

وكمال الدين ، وأخوه ضياء الدين أبو الحسن علي ، وهما أبنا محمد بن أبي القاسم علي الزّبارة.

والحكيم علي بن محمد الحجازيّ القائنيّ ، وهو وإن كان مشهورا بعلم الطب ، إلّا أن له شعرا كثيرا بالعربيّة والفارسيّة ، فمن الفارسيّ :

أهيّئ وسائل البقاء وأنا على سفر

ولم يصبني من إعدادها سوى الأسى

أنا الذي تحملت المشاق وغيري انتفع

يحترق كبدي من هذه الحسرة وهذا العناء

ومن ذوي اللسانين السيد الإمام الرئيس مجد الدين أبو البركات الفضل بن علي

__________________

(١) ترجمة صدر هذا البيت هي : لقد أشعلت تحت القلب نارا.

(٢) في الأصول : فؤادا مستعارا ، فارتايناه «مستطارا» ، لكون المستطار هو الهائج والمتشتت ، ويقال : استطار هذا الأمر فلانا ، إذا جعله متطيرا مهتاجا.

٤٧١

العلوي الحسينيّ الأصغريّ ، وشعره بالعربيّة والفارسيّة مطبوع وفي منتهى الكمال ، ولم يكن له نظير في هاتين الصناعتين.

والسيد الزّكيّ علم الهدى أبو سعيد زيد العلوي الماشدانيّ.

[٢٦٤] ولم يكن في الإقليم هذا العدد من الفضلاء الذين ظهروا في هذه الناحية.

حكاية : سمعت من كبار السن ، أنه كان في قرية ريود ناطور غاب مدة ، فلما عاد سئل عن سبب غيبته ، فقال : كنت أستذكر كتاب العين في لغة العرب من تصنيف الخليل ، إذ مرّ عليّ وقت لم أتفرّغ فيه له ، فكنت أكرره عدة مرات في اليوم كي لا أنساه.

وهذه حالة من عجائب الدنيا.

٤٧٢

القسم الرابع

فصل في ذكر المشاهير الذين نبغوا في بيهق ،

والوقائع العظام التي حدثت في هذه الناحية

٤٧٣
٤٧٤

كانت سبزوار في زمن ما عامرة أكثر من القلعة ، يقول عبد الله بن فارس (١) : لم أر في جامع القلعة بنيسابور يوم الجمعة أكثر من بضعة وسبعين مصليا ، فما كان الناس هناك كثيرين ، وقد بنى أمير خراسان يزيد بن المهلب آنذاك منارة للجامع ، وأجلس عكرمة مولى ابن عباس وشهر بن حوشب للفتوى هناك ، وكان شهر بن حوشب هذا يقيم مدة في القلعة وأخرى في بيهق. وليس عجيبا أن يظهر المشاهير من الرساتيق والنواحي فالأميران أبو طلحة شركب (٢) ، وإبراهيم بن شركب كانا من قرية إسفند وقد ملكا.

وكان القائد ساوتكين من خاكستر (٣).

وأبو قابوس (٤) ملك الشام والروم من قرية سلومة من ناحية خواف.

وسكن إمام العصر سفيان الثّوريّ مدة في قصبة بيشك من كورة رخ ، واستقر هناك وعنه روى المحميّون الحديث حينما كان مقيما ببيشك. وفي ناحية بست وقعت الحرب بين منوجهر وأفراسياب (٥) ، وكان كلا الملكين مقيما هناك قبل ذلك.

__________________

(١) أبو ظهير عبد الله بن فارس بن محمد بن علي البلخيّ ، شيخ من أهل بلخ توفي سنة ٣٤٦ ه‍ (لسان الميزان ، ٣ / ٣٢٥ ؛ تاريخ نيسابور ، ١٦٥).

(٢) في حوادث ٢٥٩ ه‍ من تاريخ الطّبريّ «فيها غلب شركب الجمال على مرو وناحيتها وأنهبها» (٨ / ١١ ؛ انظر أيضا : البداية والنهاية ، ١١ / ٦٢ ، حيث ورد ذكره ضمن حوادث ٢٧٤ ه‍ في الحرب التي نشبت بين أبي أحمد الموفق وبين عمرو بن الليث وكان أبو طلحة مقدم جيش الليث).

(٣) ويكتب سوتكين أيضا ، وهو عماد الدولة الذي يشار إلى مولده في قرية خاكستر : أحد القادة العسكريّين للسلطان ألب ارسلان بن داود وابنه ملك شاه ، توجد أخبار نشاطاته العسكريّة في أخبار الدولة السّلجوقيّة وكان أحدها في بلخ سنة ٤٦٧ ه‍ عندما بعثه ملك شاه لقمع تمرد عسكري حدث هناك (انظر الصفحات ٣٠ ـ ٣١ ، ٦١ ، ٦٣).

(٤) في حوادث ٢٨٨ ه‍ من تاريخ ابن خلدون (٤ / ٣٢٨) ورد ذكره بوصفة قائدا لقوات الأمير طاهر بن محمد بن عمرو.

(٥) من أبطال الملاحم في التاريخ الأسطوري لإيران.

٤٧٥

وجرى هنا مصاف بين بلاش بن فيروز ـ الذي بنى بلاشاباد في ناحية بيهق ـ وأخيه قباد بن فيروز والد انوشروان واستولى على الملك وطرد أخاه (١).

[٢٦٥] ومن منطقة قناة محمد من ربع ريوند ، ظهر الغطريف ومحمد والمسيّب ـ ملوك ما وراء النهر ـ الذين تعزى إليهم الفضة الغطريفية والمسيّبيّة (٢).

ومن المشاهير الذين نبغوا من بيهق : الوزير أبو العباس جعفر بن محمد الخيّر ، الذي كان وزير السامانيين ، وأصله من قرية إيزي ، وهو الذي وقف الأوقاف التي تدعى أسباب الإجارة هناك ، وبعض أرباب الوقف من أولاد ابنته فاطمة كالذين في دلقند ، وبعضهم من آزاد منجير ، وآخرون من قرية باغن ، وبعضهم من قرية راز.

ومن المشاهير الذين برزوا من بيهق أيضا :

الشيخ أبو الحسن البندار ، والد نظام الملك ، وقد تقدم ذكره.

الأمير أبو الفضل الزّياديّ ، والأمير أبو جعفر الزّياديّ ، والأمير زياد الزّياديّ.

أبو سعيد الفاريابيّ وهو أول من تولى عملا للسلطان وقتل في هذه الناحية.

معين الملك أبو القاسم علي بن سعيد الخسروآباديّ (٣) ، الذي كان نائب الوزير على

__________________

(١) من الملوك الساسانيين.

(٢) الغطريف بن عطاء الكندي والي بخارى ، قدم بخارى واليا سنة ١٧٥ ه‍ في خلافة الرشيد ، وقد أدى ارتفاع سعر الفضة آنذاك إلى أن يتفق الغطريف مع الأهالي على سك عملة من خليط مركب من ستة معادن هي الذهب والفضة والرصاص والقصدير والحديد والنحاس. وقيمتها بحسب التسعير الرسمي آنذاك هي أن كل ستة دراهم غطريفية تساوي درهما واحدا من الفضة الخالصة (تركستان ، ٣٢٦ ؛ الأنساب ، ٤ / ٣٠٢) وقال ياقوت إن هذه الدراهم لا يتعامل بها إلّا في بخارى ونواحيها (معجم البلدان ، ١ / ٥١٩) ، وأضاف : «وكانت لهم دراهم أخر تسمى المسيبية والمحمدية» ، قال ابن قدامة في وصفها إنها دراهم «عامتها نحاس إلّا شيئا فيها فضة» (المغني ، ٤ / ١٧٦).

(٣) مرّ تعريف المؤلف به فيما مضى ضمن أسرة العميديين ، وهو معين الملك مؤيد الدين أبو القاسم علي بن سعيد بن أحمد ، وقد ناب عن الوزير صدر الدين محمد بن فخر الملك المظفر بن نظام الملك الذي تولّى الوزارة لسنجر خلال السنوات من ٥٠٠ ـ ٥١١ ه‍ (فرهنك فارسي ، مادة «فخر الملك»).

٤٧٦

عهد السلطان سنجر رحمه‌الله ، وقد ذكرنا تلك القصة.

ابن أخيه شهاب الملك أبو منصور أحمد بن الحسين بن سعيد (١) ، وقد توفي شهاب الملك هذا يوم الأربعاء الخامس والعشرين من ربيع الأول سنة إحدى وأربعين وخمس مئة.

والشيخ أميرك الكاتب وأخوه الشيخ أبو نصر الكاتب الذي كان عامل الري ، ووزير السلطان مسعود (٢) ، كما تقدم.

الأمير الإسفهسالار سيف الدين أبو نصر محمد بن أبي الخير (٣) ، وهو من خسروجرد ، بنى بنيسابور مدارس ومساجد ، وبنى بخسروجرد ونيسابور رباطات وعمارات كثيرة ، توفي سنة عشر وخمس مئة.

الوزير تاج الدولة أبو القاسم أحمد بن عبد الله البيهقيّ (٤) الذي كان الوزير بخوارزم ، وقد بنى هناك عمارات وجامعا وآثارا كثيرة ، وهو الذي بنى من مال غزّ خوارزم البهو المقام في جامع القصبة أمام القبلة.

[٢٦٦] الأجل شرف الدين ظهير الملك علي بن الحسن البيهقيّ (٥) ، وقد تقدم ذكره.

ابن أخيه من أولاد الكسائيّ النحوي (٦) : الأجل جمال الدين الحسين بن علي البيهقيّ ، وقد تقدم ذكره ، وكان من ذوي الثروة في خراسان ، وسخيا وخيّرا ومن أهل الصلاح.

__________________

(١) ذكره المؤلف فيما مضى ضمن أسرة العميديين وذكر خلفه.

(٢) يرد ذكرهما بكثرة في تاريخ البيهقيّ (انظر : فهرس الكتاب ، ٧٦٢ ، وعن أخيه أبي نصر ، ٤٩٨).

(٣) لم نجد له ترجمة.

(٤) لم نجد له ترجمة.

(٥) مرّ التعريف به فيما مضى.

(٦) مرّ التعريف به فيما مضى.

٤٧٧

شهاب الدين محمد بن مسعود المختار (١) ، الذي كان والي الري ودهستان ، ثم أصبح بعد ذلك مشرف المملكة ، وقد تولى ابنه عز الدين أبو نعيم (٢) مدة ديوان الوكالة للسلطان الأعظم السعيد سنجر رحمه‌الله ، وكان برسمه ، وتولى مدة ديوان عرض الجيوش (٣).

موفق الدين عثمان بن أبي زيد البيهقيّ المغيثيّ (٤) من ربع كاه ، وكان عميد بغداد مدة ومقربا من دار الخلافة ، وقد التحق برحمة الحق تعالى في همذان ، وقيل إنه سقي السم ، والله أعلم.

وكان عميد بغداد على عهد المقتفي لأمر الله بن المستظهر بالله.

أمين الدين حمزة بن علي بن أحمد البيهقيّ المعلم والي هراة (٥) ، وقد قتله الأمير علي بن سبكتكين الجتري في شهور سنة تسع عشر وخمس مئة ، وله هناك ضريح يزار لحسن سيرته.

__________________

(١) ترجم له المؤلف بشكل واف فيما مضى وقال إنه تولى حكم بلاد الري خلال السنوات بين ٥٢٦ و٥٢٨ ه‍ كما حكم لفترة دهستان ، وقتل في حرب قطوان سنة ٥٣٦ ه‍.

(٢) ترجم له المؤلف ضمن تعريفه بأسرة أبي نعيم المختار ، وقال إنه قتل سنة ٥٥١ ه‍. وقد ترجم له ابن الفوطي في مجمع الآداب (١ / ٢٠٧) ، وفيه : عز الدين أبو نعيم عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن مسعود بن المختار البيهقيّ الكاتب.

(٣) يسمى من يتولى هذا الديوان ، العارض وهو منصب يشمل إدارة عرض الجيش وكتابة سماء أفراد الجند والضباط وتعيين رواتبهم وتحديد مراتبهم ، ويمكن مقارنته بما نسميه اليوم وزارة الدفاع. (اصطلاحات ديواني دوره غزنوي وسلجوقي ، ١١٦ ـ ١٢٠).

(٤) هو عثمان بن علي بن الحسن ، موفق الدين أبو سعيد ، كما في معجم الألقاب ، ٤ / ٦٣١. وقد حكم المقتفي لأمر الله العبّاسيّ خلال السنوات من ٥٣٠ حتى وفاته سنة ٥٥٥ ه‍.

(٥) ذكره في لباب الأنساب (٢ / ٦٦٦) ولم يزد شيئا على وصفه إياه بأنه «عامل هراة». أمّا قاتله فقد كتب في الأصل «الختري» وأخذنا بما ورد في تاريخ دولة آل سلجوق ، ٢٥٢ ، وتاريخ الوزراء ، ٤ ، ٥ ، ويبدو أنه منسوب إلى الجتروهي الشمسية.

٤٧٨

إن هذه الجماعة هم أولئك الذين كانت لديهم مناصب الولايات والوزارات ونيابات الوزارات ، أما الذين كانت درجاتهم أقل منهم ، والذين كان لهم حظوظ في الدنيا وأعمال السلاطين ، فلا يحصيهم العد ، غفر الله لهم ولجميع المسلمين والمسلمات.

الوقائع العظام التي حدثت في هذه الناحية

ذكروا أن منجّما هرويّا نزل برستاق سجستان ، وكان أحد الفلاحين منشغلا بالزراعة ، واسمه آذرك ، وآذر تعني النار ، وآذرك تصغيرها ، أي النويرة ، فجاء أحد وزف إليه بشرى ولادة ابن لذلك الفلاح (آذرك) ، فقام المنجم باستخراج طالع المولود ، وقال : يكون هذا الوليد قائدا للجند سفّاكا (١) ، ثم كتب زايجة (٢) الطالع تلك على ورقة [٢٦٧] وأعطاها لآذرك ، وقد كان ذلك الولد هو حمزة الذي أراق الدماء مرات كثيرة ، جاء بالعسكر من سجستان إلى أطراف خراسان ـ وقد نجا أولاد ذلك المنجم بسبب تلك الورقة التي كتب فيها زايجة الطالع ـ وكما ذكرنا فيما مضى فقد جاء حمزة إلى سبزوار وقتل خلقا كثيرا من البالغين والأطفال الذكور في جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة ومئتين. ومن هناك ذهب حمزة إلى قرية طبرزندجان التي يقال لها نورندكان ، فجاء زعيم تلك القرية وأظهر له الطاعة وقبل مذهبه ـ وكانت خطّة القرية كبيرة آنذاك ـ فنزل عسكره في بيوت الناس ، فأمر زعيم القرية أن يقتل كل أصحاب البيوت ضيوفهم ، ففعلوا ذلك ، إلا أن حمزة بن آذرك نجا من القتل وهرب إلى سجستان وجاء بجيش هاجم به تلك القرية وأحرقها وخربها ، وقد قتل في حدود برغمد خلقا من أطفال وبالغين ، وآثار تلك المقابر ظاهرة.

__________________

(١) مر التعريف به في الهوامش بحمزة بن آذرك.

(٢) لوحة مربعة أو مدورة الشكل تحدد عليها مواقع النجوم في الفلك مع الطوالع ليستعان بها في تحديد طالع المولود من نحس وسعد. (المدخل إلى علم أحكام النجوم ، الورقة ٩٢ ب وما بعدها).

٤٧٩

واقعة : وقوع زلزلة وخراب المساكن في الناحية ، انتقل الناس بسبب ذلك إلى الصحراء وأقاموا هناك أربعين يوما بلياليها ، في سنة أربع وأربعين وأربع مئة.

واقعة : إغارة أهل أسفرايين وجوين على هذه الناحية في سنة ثمان وسبعين وثلاث مئة.

واقعة : مجيء أحمد توانكر ـ وكان راميا للسهام ـ بالجيش الجرّار ، فهرب أغلب الناس إلى القلعة ، فرمى غلام لأميرك الكاتب بسهم أصاب أحمد توانكر في حلقه فقتل ، وعاد جيشه مهزوما ، وأما هو فقد دفن في سرإيزي في سنة ست وتسعين وثلاث مئة.

واقعة : توفي السلطان محمود بن سبكتكين بغزنة في شهور سنة إحدى وعشرين وأربع مئة ، وجلس مكانه ابنه السلطان محمد بن محمود ، وكان أخوه السلطان مسعود على باب أصفهان ، إلا أنه لم يخطب للسلطان محمد في نيسابور وبيهق ، وخطبوا لأخيه السلطان مسعود ، فبعث السلطان محمد أحدا لإلقاء القبض على حاكم نيسابور [٢٦٨] ، فأرسل هذا رسولا إلى السلطان مسعود ، الذي جاء مسرعا إلى بيهق ، فغادرها جيش السلطان محمد الذي كان قد جاء إلى نيسابور من مرو الرّود.

واقعة : في شهور سنة تسع وعشرين وأربع مئة بعد الغارات الكثيرة ، لم يذبح أحد [خروفا] خارج القصبة لمدة سبع سنوات ، وإنما كان الذبح في داخل قصبة شاه ديوار ، وقد كانت الخطبة باسم السلطان طغرل السّلجوقيّ (١) ، فلم يأكلوا في السبع سنوات تلك لحم خروف.

ثم إن حملا وقع بيد الشيخ أبي سعيد ، فذبحه ، وأرسل إلى أهل الناحية لحمه ومرقه في داخل البساتيق ، وقد كانوا يأكلون في تلك السنوات السبع لحوم الظّباء

__________________

(١) محمد طغرل بك بن ميكائيل ، أبو طالب ، أول السلاطين السلاجقة ، حكم بين ٤٢٩ و٤٥٥ ه‍.

٤٨٠