تأريخ بيهق

فريد خراسان علي بن زيد البيهقي

تأريخ بيهق

المؤلف:

فريد خراسان علي بن زيد البيهقي


المحقق: يوسف الهادي
المترجم: يوسف الهادي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار إقرأ للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٧٢

السليمة للرسول ليعيدها إلى تلك المرأة بينما أعطى الصحفة المكسورة للمرأة التي كسرتها. فصلوات الله عليه (١).

[٢٠٧] الدّلشاديّون

كانوا بيتا زكيا ، وبيتهم قديم في نيسابور ، وكان للشيخ أبي علي السالار اتصال بهم ، وما يزال ناصح الدين أبو علي الدّلشاديّ مقيما في قرية أباري إلى يومنا هذا ، وجدهم هو أبو يحيى زكريا بن دلشاد بن مسلم بن العباس الفرهادجرديّ ، وكان منهم في قرية بزديغر تكاب أبو محمد عبد الله بن دلشاد البزديغريّ (٢) ، وكان سماعه من الإمام محمد بن يحيى. ومات ابن دلشاد هذا سنة ست عشرة وثلاث مئة.

الإمام المفتي أحمد بن علي البيهقيّ الخسروجرديّ المعروف بابن فطيمة (٣)

كان يدعى الإمام أحمد بن فطيمة ، وقد دعاه نظام الملك (٤) من خسروجرد للإقامة بسبزوار ، واتخذ له مأوى في مدرسة الشيخ أميرك النّزلاباديّ ، وهو من فحول تلاميذ الإمام أبي محمد عبد الله بن يوسف الجوينيّ (٥) ، وكان عالما حافظا ، وكل فتوى

__________________

(١) صحيح البخاريّ ، ٣ / ١٠٨ ؛ سنن ابن ماجه ، ٢ / ٧٨٢ ؛ سنن أبي داود ، ٢ / ١٥٦ ؛ سنن الترمذي ، ٢ / ٤٠٦ ؛ سنن البيهقيّ ، ٦ / ٩٦ ؛ سنن النسائي ، ٧ / ٧٠ ؛ مسند أحمد ، ٦ / ١١١ ؛ سنن الدارمي ، ٢ / ٢٦٥ ، ومصادر أخر.

(٢) نسبة إلى بزديغر وهي من قرى نيسابور كما في الأنساب (١ / ٣٤٠) حيث ذكر السمعاني أبا محمد عبد الله بن دلشاد هذا ، وشيخه هو محمد بن يحيى الذّهليّ.

(٣) يستفاد من ترجمة ولده الحسين في طبقات الشافعية الكبرى (٧ / ٧٣) أن اسمه الكامل هو أحمد بن علي بن الحسن ، ولم نجده في المصادر المتوفرة لدينا.

(٤) من مشاهير الوزراء في العصر السّلجوقيّ ، تولي الوزارة سنة ٤٥١ ه‍ وقتل سنة ٤٨٥ ه‍.

(٥) قال عنه السمعاني في الأنساب (٢ / ١٢٨) إنه إمام عصره بنيسابور وتوفي فيها سنة ٤٣٨ ه‍.

٣٨١

عرضت على إمام الحرمين (١) وهي مرسلة من بيهق ، كان لا يكتب جوابها ويقول : في فتواه غنية عن فتوى من سواه.

قال والدي الإمام أبو القاسم : عندما عدت من بخارى حصل بيننا اجتماع دارت فيه مسألة قسمة الغنائم في دار الحرب ، وجرى الخوض فيها ، وكان الإمام أحمد قد سمع بطريقة القاضي أبي زيد ، فأعجب بطريقته وبياني ، وأظهر الثناء.

وكان للإمام أحمد هذا اختلاف إلى الأمير أبي الفضل الميكالي (٢).

من الأسانيد العالية للإمام أحمد هذا : قال الإمام أبو حامد أحمد بن أبي الحسن علي البيهقيّ ، حدثنا أبو منصور عبد القاهر بن طاهر البغداديّ ، قال : حدثنا أبو سهل بشر بن أحمد الإسفرايينيّ ، قال : حدثنا أبو محمد الهيثم بن خلف الدّوريّ ، قال : حدثنا الأعرج أبو إبراهيم إسماعيل بن عبد الرحمن ، قال : حدثنا خالد بن زيد ، عن الحسن ، قال سمعت أنس بن مالك يقول : قال رسول الله صلى الله عليه : «ما من امرأة تخرج بغير إذن زوجها من بيتها ، إلّا لعنتها الملائكة حتى تعود إلى بيتها» (٣).

وقد روى هذا الإمام ، هذه الأبيات عن الأمير أبي الفضل ، الذي كان قد نظم فيها

__________________

(١) هو أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف إمام الحرمين (٤١٩ ـ ٤٧٨ ه‍) ، جاور بمكة أربع سنين ثم عاد إلى نيسابور فبنى له الوزير نظام الملك المدرسة النظامية ، توفي بنيسابور (الأعلام ، ٤ / ١٥٩) وهو نجل المذكور في الهامش السابق.

(٢) هو أبو الفضل عبيد الله بن أحمد الأمير الأديب ، عقد له مجلس الإملاء في رجب ٤٢٢ واستمر ذلك إلى حين وفاته في ٤٣٦ ه‍ (الأنساب ، ٥ / ٤٣٢).

(٣) إسبال الكساء ، ٣٨ ؛ مجمع الزوائد (٢ / ٣٥) ، وفيه : «ما من امرأة تخرج في شهرة من الطيب فينظر الرجال إليها إلّا لم تزل في سخط الله حتى ترجع إلى بيتها» وعلق الهيثمي على ذلك أن في سند الحديث موسى بن عبيدة وهو ضعيف. والحديث بنصه الوارد في مجمع الزوائد موجود في الآحاد والمثاني (٦ / ٢١٠) وفي المعجم الكبير للطبراني (٢٥ / ٣٩) وفي كنز العمال (١٦ / ٣٨٧).

٣٨٢

قول الحكماء : أرباب الدنيا كأمثال الغذاء والدواء والداء ، إذ قال الأمير أبو الفضل الميكالي رحمه‌الله :

[٢٠٨] طبقات الإخوان فينا ثلاث

نبتلي ودّهم على العلّات

فأخ كالغذاء لا بدّ منه

كلّ وقت مثل اللبيب المواتي

فاتّخذه للدين ثم لدنيا

ك تفز منهما بحسن النجاة

وأخ كالدواء يسقى لدى

الحاجة مثل الصديق في النائبات

وأخ ثالث كداء عياء

وهو الأحمق القليل الثبات

فاجتنبه وارغب بنفسك عنه

إنه لا يسوغ في اللهوات

والعقب منه : القاضي الإمام موفق الدين الحسين (١) ، والحاكم علي ، وكان القاضي الإمام الحسين هذا فريد عصره في الفضل والإفضال ، وله اتصال بوالدي من طريق الأم ، ويقال لبيته بيت الضيافة ، حيث إن المروءة التي كانت في بيته ذلك العصر ، لم يكن مثلها في أي بيت آخر من بيوت العلماء والأئمة (٢).

توفي القاضي الإمام موفق الدين الحسين بن الإمام أحمد بن علي المفتي البيهقيّ ، في يوم السبت الثاني عشر من رمضان سنة ست وثلاثين وخمس مئة ، وكان مأتمه

__________________

(١) التحبير ، ١ / ٢٢٢ ـ ٢٢٥ ؛ منتخب معجم شيوخ السمعاني ، ٨٦ أ ، وفيهما : أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن علي بن الحسن بن فطيمة البيهقيّ من أهل خسروجرد وهو قاضيها ، ولادته قبل ٤٥٠ ه‍ ووفاته في ١٣ رمضان ٥٣٦ ؛ طبقات الشافعية الكبرى ، ٧ / ٧٣ ؛ معجم شيوخ ابن عساكر ، ١ / ٢٧٠ ؛ كتاب الأربعين لابن عساكر ، ١٠٦ ؛ تاريخ الإسلام ، ٤٢٠ (حوادث ٥٢١ ـ ٥٣٠ ه‍) ، وفيه أنه توفي سنة ٤٢٣ ه‍ ؛ معجم البلدان ، ١ / ٨٠٥ ؛ سير أعلام النبلاء ، ٢٠ / ٥٨ ، ٦٠ ؛ طبقات الفقهاء الشافعيين ، ٢ / ٥٩٥ ، وفيه وفاته في ١٣ رمضان ٥٣٦ ؛ تذكرة الحفاظ ، ١ / ٢٧٨.

(٢) عن سخاء هذا القاضي وكرم ضيافته وحسن خلقه تحدث السمعاني في التحبير ، ١ / ٢٢٢ ـ ٢٢٥ وفي منتخب معجمه ، ٨٦ أ ، بشكل واف.

٣٨٣

كمأتم زياد (١) من كثرة البكاء والنياحة ، وقد نظمت في رثائه أشعارا كثيرة وضعتها في ديواني ، منها هذان البيتان اللذان ذكرتهما في كتاب الوشاح :

وإني إذا مات الحسين كقالب

وقد زال عنه قلبه وحياته

وألّف ربي بين روحي وروحه

فمحياي محياه وموتي مماته

وقد بقي منه عقب هو القاضي الإمام أبو منصور أحمد ، وهو الخلف الصالح عن السلف ، إلا أن الدهر لم ينصفه ، وكان لي معه رفقة وممالحة ومجالسة زمنا طويلا ، فلما أسخن الدهر بأقذاء صروفه عيني ، فرّق بينه وبيني ، وأنا أنشد :

فراق أخلائي الذين عهدتهم

يعذّب قلبي بالهموم اللوازم

وما ذا أرجّي من حياة تكدّرت

ولو قد صفت كانت كأضغاث حالم

ومن منظوم القاضي الإمام أبي منصور أحمد بن القاضي الإمام موفق الدين الحسين بن [٢٠٩] الإمام المفتي أحمد بن علي البيهقيّ (٢) هذه الأبيات التي كتبها في عهد الصبا لي جوابا على قطعة كتبتها له :

ألحّ عليّ عذل العاذلين

وغادرني الحبيب صريع بين

أفيقا لائميّ فلست ممن

يؤثّر فيه لوم اللائمين

فإن هوى سليمى قيدتني

قيودا ما بها لي من يدين

سقى الله الحيا ودقا رهاما

عهودا بينها كانت وبيني

فما للجود من يده تراخ

هما والله مثل التوأمين

__________________

(١) نرجح أنه زياد بن عبد الرحمن ، أبو محمد المنسوب إليه ميدان زياد بنيسابور ، إمام أصحاب الحديث بخراسان وفقيههم.

(٢) لم نهتد إليه في المصادر.

٣٨٤

تراه عند بذل المال سمحا

ضحوك السّنّ طلق الحاجبين

وعفو نواله من غير كد

على ما فيه أعدل شاهدين

قرأت كتابه لمّا أتاني

فكان به جلاء الناظرين

وجاوز شعره الشّعرى محلا

ودون علاه أوج المرزمين

بأبيات لطاف معجزات

بها شرفي ومفتخري وزيني

وألفاظ عذاب زاهرات

عذوبتها كنجوى العاشقين

وفاق أكابر الدنيا جميعا

إذا عدّ امرؤ بالأصغرين

الإمام أبو علي الحسين بن علي شقيق الإمام المفتي أحمد بن علي (١)

كانت له مسموعات كثيرة ، وكان ولده الإمام أبو عبد الله فقيها زاهدا ، انتقل إلى جوار رحمة الحق تعالى في شرخ الشباب. روى الإمام أبو علي عن الإمام أبي الحسين الفارسيّ (٢) عن الثقات أنه سئل رسول الله صلى الله عليه عن الصلاة في ثوب واحد ، فقال عليه‌السلام : «أو لكلكم ثوبان؟» (٣).

الإمام الأديب أبو الفضل الحسن بن علي البحرويّ (٤)

كان جده من قرية بحرو من حدود نيسابور ، أما ولادته ونشأته ففي قرية صدخرو (٥) ـ وقد رأيت أنا ابنه يحيى ـ والأديب الحسن البحرويّ هذا كان تلميذ الإمام

__________________

(١) هو شقيق ابن فطيمة الذي مرت ترجمته آنفا.

(٢) هو أبو الحسين عبد الغافر بن محمد بن عبد الغافر الفارسيّ النّيسابوريّ المتوفى سنة ٤٤٨ ه‍ (المنتخب من السياق ، ٣٩٥).

(٣) مسند أبي حنيفة ، ٣٥ ؛ المبسوط للسرخسي ، ١ / ٣٤ ؛ مسند أحمد ، ٢ / ٢٣٩ ؛ سنن الدارمي ، ١ / ٣١٨ ؛ صحيح البخاريّ ، ١ / ٩٥ ؛ صحيح مسلم ، ٢ / ٦١ ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ٢ / ٢٣٧ ؛ صحيح ابن حبان ، ٦ / ٧٣ ؛ كنز العمال ، ٧ / ٣٣٢ ، ٣٣٦ ؛ سير أعلام النبلاء ، ١٢ / ١٤٢ ، ومصادر أخر.

(٤) سيذكره المؤلف لاحقا ، أما بحرو فقد قال بهمنيار إنه توجد بهذا الاسم محلتان في نيسابور.

(٥) صدخرو : من قرى سبزوار على بعد أربعة فراسخ من مزينان (تعليقات بهمنيار على تاريخ بيهق).

٣٨٥

عبد القاهر (١) في النحو ، ذكره الأستاذ يعقوب (٢) في كتاب لباب الألباب [٢١٠] فقال : بشره أصدق بشير ، بأنه خير عشير.

دعاه الفقيه الأجل أخو نظام الملك (٣) إلى نيسابور لتأديب ابنيه الأمير أبي الحسن طاهر ، والوزير الإمام شهاب الإسلام عبد الرزاق ، وله ديوان شعر ، ومن منظومه هذه القصيدة التي كتبها للأستاذ يعقوب :

هذا جواب محبّ غير محبوب

وخطّ طالب ودّ غير مطلوب

أقول والقلب يغلي في تقلّبه

والعين تسكب ماء غير مسكوب

ما نال يعقوب من فقدان يوسف ما

قد نلت أضعافه من بين يعقوب

شيخ الأئمة مقدام أخو كرم

مبجل بنساب الفضل منسوب

لو لا المشيب ولو لا ريثة عرضت

في ركبتيّ وفي بعض العراقيب

لزرته كلّ يوم غير مقتصر

على السلام بودّ جدّ مربوب

وكنت فيه بإسماعيل مقتديا

إذا كان صاحب وعد لا كعرقوب

الأديب أبو سعيد محمد بن إبراهيم بن أحمد الخسروآباديّ (٤)

اختلف إلى جدّ جدّي الإمام أبي القاسم عبد العزيز بن يوسف ، وله تصانيف

__________________

(١) عبد القاهر بن طاهر بن محمد ، أبو منصور البغداديّ ، ترجم له في المنتخب من السياق (ص ٣٩٤) وفيه : ورد نيسابور مع أبيه ... خرج من نيسابور في أيام التّركمانية وفتنتهم إلى أسفرايين فمات بها سنة ٤٢٧ ه‍.

(٢) يعقوب بن أحمد البارع الكرديّ صاحب جونة الند أيضا.

(٣) هو أبو القاسم عماد الملك شقيق الوزير المعروف نظام الملك ، قال فصيح الخوافيّ إن أولاده كانوا في طوس (مجمل فصيحي ، ٢ / ٢٠١).

(٤) تاريخ نيسابور ، ١٧٩ ؛ معجم الأدباء ، ٥ / ٢٢٩٧ ؛ كشف الظنون ، ٢ / ١٢١٢ حيث ذكر كتابه الغنية في اللغة ، ٢ / ٢٠٤٠ حيث ذكر كتابه الهداية في اللغة.

٣٨٦

وأشعار كثيرة ، وهو وإن كان مولده في قرية خسروآباد ، إلا أن موطنه ونشأته بنيسابور ، وهو رجل ورع متحرج ، قيل إنه لأربعين عاما كان يرتدي ثوبا يحتفظ به مكوّرا في صندوق لصلاة الجمعة فقط ، وعندما يعود من الصلاة يضعه في الصندوق ، ولم يذهب بثوب صلاة الجمعة لزيارة أي مخلوق.

من تصانيفه : كتاب الهداية ، وكتاب الغنية في التصريف.

وكان له اختلاف إلى الأستاذ الإمام إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني (١) ، وقال : حدثنا إسماعيل بن عبد الرحمن ، قال : حدثنا أبو محمد عبد الله بن حامد الأصفهانيّ ، قال : حدثنا أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم الحافظ ، قال : حدثنا هلال بن العلاء الرقي ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا إسماعيل بن عباس ، عن سفيان ، عن الليث ، عن عبد الله بن عمر ، أن النبي صلى الله عليه ، قال : «للمؤمن عند إفطاره دعوة مستجابة» (٢).

[٢١١] الشيخ أبو القاسم يوسف بن يعقوب البيهقيّ الجشميّ (٣)

من قصبة جشم ، ومن أقارب الأمراء والرؤساء ، قال الأستاذ يعقوب (٤) في حقه : أخذ بقسم وافر من الأدب ، حتى صار طرازا لبرديه الحسب والنسب.

ورث نعمة من الحلال والمباح من أسلافه ، كتب إلى الأستاذ يعقوب بن أحمد

__________________

(١) أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني المعروف بشيخ الإسلام المتوفى سنة ٤٥٠ ه‍.

(٢) الجامع الصغير ، ٢ / ٤١٥ ؛ كنز العمال ، ٨ / ٤٤٨ ؛ مسند الطيالسي ، ٢٢٩ ؛ شعب الإيمان ، ٣ / ٤٠٨ ؛ نوادر الأصول ، ١ / ٢٩٨.

(٣) المنتخب من السياق (ص ٥٣٩) ، وفيه : الأديب الساكن قرية فارياب جشم ، فاضل شاعر مشهور.

(٤) يعقوب بن أحمد البارع الكرديّ ، والنص أعلاه إما من كتابه جونة الند أو لباب الألباب اللذين دأب المؤلف على الاقتباس منهما.

٣٨٧

النّيسابوريّ (١) :

أبو يوسف صدر الأفاضل كلّهم

وبدرهم ما بين شرق إلى غرب

أقلّب طرفا لا أرى ثانيا له

ولا من يدانيه من العجم والعرب

ولم تكتحل عيني بلقياه ساعة

ولكنني أهواه في البعد والقرب

الشيخ العالم أبو القاسم حمزة بن الحسين البرزهيّ البيهقيّ (٢)

ولد في قرية برزه ، التي يسمونها قرية بيزك ، وله تصانيف كثيرة ، منها كتاب الفصول ، وكتاب محامد من يقال له أبو محمد ، وكتاب محاسن من قيل له أبو الحسن ، وذكره واشعاره موجودة في كتاب دمية القصر ، قال الإمام علي بن أبي صالح الخواريّ (٣) بحقه :

قل لأبي قاسم المرجّى

سواد عين السّراة حمزه

ضاعف قرب المزار شوقي

واعتلّ جسمي فصار همزه

لو كان شخص يطيع قلبي

لزرت لكن علمت عجزه

يا سيّدا منعما أخاه (٤)

لخائف رام منك حرزه

لا زلت في حومة المعالي

يا برزهيا أبا لبرزه

__________________

(١) هو نفسه المذكور في الهامش السابق.

(٢) دمية القصر ، ٢ / ١١٢٧ ؛ مجمل فصيحي ، ٢ / ٢٠٥ ؛ المنتخب من السياق ، ٢٢٣ ، وفيه : «الدرهمي» بدلا من «البرزهيّ» ولا شك في كونه تصحيفا ؛ التدوين ، ٢ / ٣٤ ، وفيه : أبو القاسم حمزة بن يوسف ، وهو غلط بيّن ؛ معجم البلدان ، ١ / ٥٦٣ ، وفيه : كتاب محامد من يقال له محمد وكتاب محاسن من يقال له أبو الحسن ؛ نقل البيهقيّ من مؤلّفه المحامد (انظر : لباب الأنساب ، ٢ / ٤٧٧ ، ٤٨٢ ، ٤٩٦ ، ٤٩٨ ، ٥٠١).

(٣) يرد اسمه بكثرة في كتابنا وهو مؤلف تاريخ بيهق الذي اعتمد عليه مؤلفنا في تأليف كتابه.

(٤) في الأصول : أحبه ، أحيه ، ولا يستقيم بهما الوزن ، فرجحنا ما أثبتناه.

٣٨٨

فما سجى الليل أو تفرّى

صبح أدام الإله عزه

فأجابه البرزهيّ :

شعر علا الشّعريين عزّه

لو شاعر البحتريّ بزّه

أكرمني بارع خبير

به أدام الإله عزّه

رأيت نفسي وقد رأته

كثيّرا في وصال عزّه

خرجت أوكدت عن إهابي

لحسن ذاك القريض هزّه

[٢١٢] كأنني غيطل مضل

شاهد بعد الضلال فزّه

يفديك من كل ما يحاشى

صديقك البرزهيّ حمزه

ويزيد ديوان البرزهيّ على عشرة آلاف بيت.

وعلى خلاف عادة الفضلاء وسيرتهم فقد ألهاه المال والانغماس بقضاء الشهوة ، فكان فارغا من الخير والتجربة ، أسلم نفسه للهوى ، وابتعد عن مدرج الصواب ، انتقل من الدار الدنيا إلى الدار الآخرة وهو سكران ملتخّ في شهور سنة ثمان وثمانين وأربع مئة ، قال الإمام علي بن أبي صالح الخواريّ في رثائه :

توفي أبو القاسم البرزهيّ

وكان به بيهق قد زهي

فلم لا تنوح على فضله

وعقد دموعك لم لا يهي

لقد كنت صاحبه مدة

وقد فزت منه بما أشتهي

وضاعت تصانيفه بعده

وكانت تعزّ لديه فهي

وكان يبجّل عند السراة

وعمّا يحاول لم يجبه

فإما تناهى به عمره

فطيب مساعيه لا ينتهي

والعقب منه : أبو المعالي ، وكان رئيسا متجملا ذا مروءة ، والعقب منه : علي ،

٣٨٩

وسعد الملك أبو القاسم ، ولهما أعقاب بقرية برزه.

الحاكم الإمام أبو سعد المحسّن بن محمد بن كرامة البيهقيّ (١)

ولد ونشأ في قصبة جشم ، وله تصانيف كثيرة في الفقه والأصول ، مثل عيون المسائل ، وشرح العيون ، وأمثال ذلك مثل تحكيم العقول وغيره ، وقد صنف تفسيرا لطيفا يقع في عشرين مجلدا ، وله في الشروط تصنيف لطيف.

تفقه في مجلس القاضي أبي محمد الناصحي (٢) ، واختلف إلى الأمير أبي الفضل الميكالي ، وروى الأحاديث عن الإمام أبي عبد الرحمن السّلميّ ، والإمام أبي الحسين عبد الغافر بن محمد الفارسيّ.

قال الإمام علي بن أبي صالح الخواريّ في مدحه :

__________________

(١) ترجم له بشكل واف الزركلي في الأعلام (٥ / ٢٨٩) وقال إنه ولد في ٤١٣ ه‍ وتوفي سنة ٤٩٤ ه‍ ؛ ولقبه الجشميّ وكذلك البروغني (أو البروقنيّ) ، (نشير إلى أن البروغني وردت في مقدمة رسالة إبليس) ؛ المنتخب من السياق ، ٤٩٧ ؛ مقتل الحسين للخوارزمي ، ٢ / ٦٣ ، ٦٥ ؛ لباب الأنساب ، ٢ / ٤٩٨ ؛ معالم العلماء ، ١٢٨ ؛ كشف الظنون ، ١ / ٥١٧ ، حيث ذكر تفسيره التهذيب الذي قال إنه رأى نسخة منه مكتوبة في ٦٥٢ ه‍ ؛ وفي فهرست مخطوطات مكتبة الجامع الكبير بصنعاء ، بعض مؤلّفاته : التهذيب (ص ١٣٢) ؛ تنبيه الغافلين (ص ٣٢٤ ، ٥٧٦) ؛ شرح عيون المسائل (ص ٦٦٢) ، السفينة الجامعة (ص ١٣٤٩). قال الزركلي (٥ / ٢٨٩): «مفسر ، عالم بالأصول والكلام ، حنفي ثم معتزلي فزيدي ، وهو شيخ الزّمخشريّ. قرأ بنيسابور وغيرها. واشتهر بصنعاء وتوفي شهيدا مقتولا بمكة ، قيل لرسالة ألفها اسمها رسالة الشيخ إبليس إلى إخوانه المناحيس ؛ له ٤٢ كتابا ...». قلت طبع من مؤلفاته قطعة من شرح عيون المسائل ذات علاقة بطبقات المعتزلة ورسالة إبليس إلى إخوانه المناحيس ، وتنبيه الغافلين عن فضائل الطالبيين ، وقد ذكر محققه في مقدمته أن كتاب شرح عيون المسائل هو الآن قيد الإعداد للنشر في القاهرة (ص ١٠).

(٢) قاضي القضاة بخراسان وشيخ الحنفيّة في عصره أبو محمد عبد الله بن الحسين ، ولي القضاء للسلطان محمود بن سبكتكين الغزنويّ ، توفي سنة ٤٤٧ ه‍ (الأعلام ، ٤ / ٧٩).

٣٩٠

[٢١٣] ألا يا ضاربا في الأرض أقصر

فما تبغيه عند ابن كرامه

أقول لمن غدا يبغي مزيدا

عليه علمت أنك في الكرى ، مه

أليس يقابل الطلاب مهما

تلقّوه ببر أو كرامه

به جشم مبوّأ كلّ صدق

فذا كالريم وهي له كرامه

أبا سعد بقيت فكلّ شخص

يروم الفضل حقا منك رامه

وقال الإمام مسعود بن علي الصّوابيّ (١) في حقه :

أبا سعد جزيت بلا نهاية

أراك بلغت في التصنيف غايه

وخلّصت القلوب الغلف حقا

وأوضحت الشريعة والهداية

وفي سور المحامد والمساعي

مناقبك الشريفة صرن آيه

والعقب منه : الحاكم محمد ، وابن آخر صغير.

والعقب من الحاكم محمد : الحاكم عفيف القضاة هادي ، والحاكم الموفق ، وابن آخر ، وبنت في حبالة نجم الدين محمد العمّاريّ رحمه‌الله.

والعقب من الحاكم عفيف القضاة هادي : الحاكم أبو سعد المحسن. توفي الحاكم محمد في شهور سنة ثمان عشرة وخمس مئة.

توفي الحاكم هادي في شهور سنة خمس وخمسين وخمس مئة بدهستان بعد ابنه ، ولد بقصبة جشم ، وله : الحاكم الإمام معين الدين محمد (٢).

__________________

(١) سيترجم له المؤلف لاحقا ، وهو يحدث عن ابن كرامة ؛ قال أخطب خوارزم : «أخبرنا الشيخ الإمام مسعود بن أحمد فيما كتب إليّ من دهستان قال : أخبرنا شيخ الإسلام أبو سعد المحسن بن محمد بن كرامة الجشميّ قال ....» (مقتل الحسين لأخطب خوارزم ، ٢ / ٧١).

(٢) ذكره ابن الفوطي (٥ / ٤١٠) فقال : معين الدين أبو رشيد محمد بن المحسن بن الهادي البيهقيّ الأديب ...

٣٩١

وكان الحاكم أبو سعد بن هادي صاحب نظم ونثر ، وله أشعار كثيرة ، أفاد من الإمام إدريس بن علي البياريّ (١) ، وفي مرو من الإمام العالم أبي الفضل الكرمانيّ (٢) ، رحمة الله عليهم أجمعين.

والحاكم الإمام أبو سعد المحسن بن محمد بن كرامة بن محمد بن أحمد بن الحسن بن كرامة بن إبراهيم بن إسماعيل بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن الحنفيّة بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وهو البطن الثالث عشر من محمد بن الحنفيّة ، والرابع عشر من علي بن أبي طالب عليه‌السلام (من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب) ، وهم علويون ، إلا أنهم ما عرفوا بهذا النسب ، فما طلبوا الشهرة وما بلغوها.

[٢١٤] الحاكم أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن بهرام (٣)

كان من فقهاء العصر وفضلاء خوار ، اختلف إلى الإمام الشريف أبي الفتح ناصر بن الحسين العمريّ (٤) ، والإمام زين الإسلام أبي القاسم القشيريّ ، والإمام إسماعيل الصابوني ، وله أشعار كثيرة ، استشهد في قصبة خوار بيهق في رمضان سنة

__________________

(١) في التحبير (١ / ١٢٧): «أبو الفتح علي بن إدريس الأديب الحنيفيّ البياريّ ولد سنة ٤٥٧ وتوفي في ٥٤٠ ه‍». وفي معجم البلدان (١ / ٧٧٢): «بيار : مدينة لطيفة من أعمال قومس بين بسطام وبيهق». وفي المنتخب من السياق (ص ١٧٥): «إدريس بن علي بن إدريس ، أبو الفتح» ، وهو موافق لاسمه أعلاه.

(٢) أبو الفضل عبد الرحمن بن محمد بن أميرويه الكرماني ، شيخ الحنفيّة بخراسان ، توفي سنة ٥٤٣ ه‍ (طبقات المفسرين للسيوطي ، ٥٣ ؛ طبقات المفسرين للداوودي ، ١ / ٢٨٧).

(٣) في مجمل فصيحي (٢ / ٢٠٨) حوادث ٤٩٢ ه‍ «شهادة محمد بن إبراهيم بن بهرام ، أبو عبد الله الحاكم من فضلاء خوار بيهق».

(٤) قال عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء (١٧ / ٦٤٣): «الإمام الفقيه شيخ الشافعية ، أبو الفتح ناصر بن الحسين بن محمد بن علي القرشيّ العمريّ المروزيّ الشافعي ... مات بنيسابور سنة ٤٤٤ ه‍» ، وهو أحد شيوخ أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقيّ الذي روى عنه كثيرا في مؤلفاته.

٣٩٢

اثنتين وتسعين وأربع مئة ، قال الإمام علي بن أبي صالح الخواريّ رحمه‌الله في رثائه :

لقد نصحت ابن بهرام وقلت له

لا تمكثنّ بها أو غادر الغدره

هم الأجانب لا يغررك بارقة

من بشرهم واحترز واهرب من الشّر

لم يقبل النصح حتى اغتاله نفر

يقودهم أحمر العينين والشّعره

شيخ القضاة أبو علي إسماعيل بن الإمام المحدث أحمد بن الحسين البيهقيّ (١)

أكبر رواة الأحاديث في عصره ، وقد رأيته ، وأسمعني الأحاديث عندما جاء إلى قرية أباري في شهور سنة ست وخمس مئة ، وكنا قد ذكرنا مناقب أبيه الإمام أحمد البيهقيّ في تلك الطبقات ، تولى مدة قضاء خوارزم.

كان أخوه أبو عبد الله محمد (٢) من العلماء والمحدثين ، توفي في شعبان سنة اثنتين وثمانين وأربع مئة.

__________________

(١) هو نجل شيخ السنة أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقيّ الخسروجرديّ. ترجم له في الكثير من المصادر منها : طبقات الشافعية الكبرى ، ٧ / ٤٤ ، حيث ورد فيه أنه ولد سنة ٤٢٨ ه‍ ؛ التحبير ، ١ / ٨٣ ـ ٨٥ ، منتخب معجم شيوخ السمعاني ، ٣٩ أ ؛ تاريخ الإسلام ، ١٥٦ (حوادث ٥٠١ ـ ٥١٠ ه‍) ؛ التّقييد ، ٢٠٧ ؛ النجوم الزاهرة ، ٥ / ٢٠٥ ؛ طبقات الشافعية للإسنوي ، ١ / ٩٩ ؛ مجمل فصيحي ، ٢ / ٢١٨ ؛ الأنساب ، ٤ / ٥٤٠ ، وفيه ما يفيد انه كان ببلخ ؛ وقد ورد في التدوين ، ٢ / ٤٠٨ ، أنه كان ببلخ سنة ٥٠٦ ه‍ ؛ طبقات الفقهاء الشافعيين لابن كثير ، ٢ / ٥٢٢ ؛ وفي معجم الأدباء ، ٥ / ١٩٥٩ ، وفيه ما يدل على وجوده بمرو وسماع علي بن محمد بن أرسلان الكاتب منه ؛ سير أعلام النبلاء ، ١٩ / ٣١٤ ، وفيه أنه رجع إلى بيهق بعد غيبة ثلاثين سنة فأقام بها أياما يسيرة وأدركه الأجل ، وفيه أيضا أن عباس بن أرسلان وحفيده محمود رويا عنه في تاريخ خوارزم ؛ الوافي بالوفيات ، ٩ / ١٠٦ ، وفيه «ذكر البيهقيّ في كتاب الوشاح ...» ؛ المنتظم ، ١٠ / ٥٠٢٩ ؛ المنتخب من السياق ، ١٥٥.

(٢) محمد بن أحمد بن الحسين ، أبو عبد الله البيهقيّ ، ولد سنة ٤٢١ ه‍ (المنتخب من السياق ، ٧٢).

٣٩٣

مات شيخ القضاة إسماعيل بقرية أباري في جمادى الآخرة سنة سبع وخمس مئة ، والعقب منه ـ كما تقدم ـ القاضي أحمد ، وقد انقطع نسل ذلك البيت.

أبو سعد أحمد بن محمد بن يوسف العدل (١)

ولد في خوار بيهق ، وكان شيخا بهي المنظر ، طيب المخبر [٢١٥] وكانت له أسانيد عالية ، ومقامه بأسترآباد ، وكان له هناك أولاد وأسباب وأصحاب.

قال : حدثنا أبو محمد عبد الملك بن أحمد الرازي قراءة عليه بالري ، قال : حدثنا الصاحب كافي الكفاة أبو القاسم إسماعيل بن عباد بن عباس إملاء في داره سنة أربع وثمانين وثلاث مئة ، قال : حدثنا والدي عباد بن العباس ، قال : حدثنا جعفر بن محمد المستفاض الفريابيّ ، قال : حدثنا هشام بن عمار الدمشقي ، قال : حدثنا عمر بن واقد ، قال : حدثنا يونس بن ميسرة ، عن أبي إدريس الخولاني ، عن معاذ بن جبل ، عن النبي صلى الله عليه أنه قال : «نصر الله عبدا سمع كلامي ثم لم يزد فيه ، فرب حامل إلى من هو أوعى منه» (٢).

أبو الحسن علي بن أحمد بن حسنكا الفقيه الدّيوريّ (٣)

ولد في قرية ديوره ، قيل إنه كان فقيها متقيا ، وتلميذ الإمام إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني.

__________________

(١) ورد ذكره عرضا في التحبير (١ / ٢٩٨ ، ٢ / ٢٨١) بوصفه شيخا للقاضي سعد بن محمد بن عبد الملك الأسترآبادي المتوفى سنة ٥٥٥ ه‍ ، وبوصفه شيخا لأبي القاسم محمود بن سعد بن محمود الأسترآبادي المتوفى حوالي ٥٥٠ ه‍.

(٢) مسند الشاميين ، ٣ / ٢٦٠ ؛ والمشهور في المجاميع الحديثية هو : «نضر الله ...» ، انظر : المسند للإمام الشافعي ، ٢٤٠ ؛ مسند أحمد ، ٣ / ٢٢٥ ؛ سنن الدارمي ، ١ / ٧٤ ؛ سنن ابن ماجه ، ١ / ٨٦ ؛ المستدرك للحاكم ، ١ / ٨٧ ؛ مجمع الزوائد ، ١ / ١٣٧ ؛ الحد الفاصل ، ١٦٥ ؛ معرفة علوم الحديث ، ٢٦٠ ؛ الفائق في غريب الحديث ، ٣ / ٣٠٣ ، ومصادر أخر.

(٣) مجمع الآداب ، ٤ / ٣٤٢ ، حيث نص ابن الفوطي على أنه نقل ترجمته من تاريخ بيهق.

٣٩٤

قال : حدثنا إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني ، قال : حدثنا أبو نصر محمد بن علي بن فضلان ، قال : حدثنا محمد بن الحسين القطان ، قال : حدثنا محمد بن عبد الوهاب ، قال : حدثنا الحسين بن الوليد ، قال : حدثنا شعبة ، عن يعلى بن عطاء (١) عن أبيه ، عن عبد الله بن عمر أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه : «رضا الله في رضا الوالدين ، وسخط الله في سخط الوالدين» (٢).

الشيخ أبو بكر الربيع بن أبي سعد بن أبي علي (٣)

كان من قرية باغن ودلقند ، ومن علماء عصره البارزين. قال : حدثنا أبو حفص بن مسرور (٤) ، قال : حدثنا أبو عمرو إسماعيل بن نجيد السّلميّ ، قال : حدثنا أبو إسحاق عمران بن موسى السّختيانيّ (٥) الجرجانيّ قال : حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزاميّ ، قال : حدثنا حفص بن عمر ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه : «تعلموا الفرائض وعلموه ، فهو نصف العلم ، وهو أول ما ينتزع من أمتي» (٦).

__________________

(١) في الأصول : عن يعلى عن عطاء ، والصواب ما أثبتناه (انظر مثلا : المستدرك للحاكم ، ٢ / ٤٢٢ ، ٢٦٩ ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ٢ / ٣٠٠ ، ٤٨٧ ...).

(٢) الدر المنثور ، ٤ / ١٧٣ ؛ سبل السلام ، ٤ / ١٦٤ ؛ تحفة الأحوذي ، ٦ / ٢١ ؛ الجامع الصغير ، ٢ / ١٥ ؛ كشف الخفاء ، ١ / ٤٣٢ ؛ فيض القدير ، ٤ / ٤٤.

(٣) منتخب معجم شيوخ السمعاني ، الورقة ١٠٦ أ ؛ التحبير ، ١ / ٢٨٥ ، وفيه أنه من أهل نيسابور ، يحدث عن أبي حفص بن مسرور ، وقال السمعاني إنه ـ أي الربيع ـ كتب له إجازة سنة ٥١٠ ه‍.

(٤) أبو حفص عمر بن أحمد بن عمر بن محمد بن مسرور الفاميّ الماوردي (٣٥٨ ـ ٤٤٨ ه‍) (سير أعلام النبلاء ، ١٨ / ١٠ ؛ المنتخب من السياق ، ٤٠٢).

(٥) في الأصول : السجستاني والصواب ما أثبتناه (انظر مثلا : الأنساب ، ٣ / ٢٣٢ ، وفيه : أبو إسحاق عمران بن موسى بن مجاشع السّختيانيّ محدث جرجان في عصره.

(٦) الفرض في الشرع هو النصيب المقدر للوارث ويسمى العلم به علم الميراث وعلم الفرائض (فقه السنة ،

٣٩٥

وبهذا الإسناد عن النبي صلى الله عليه في قوله تعالى (وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما)(١) ، قال : «كان تحته صحف العلم» (٢).

أبو علي لا حق بن يوسف البيهقيّ (٣)

من قرية باغن ، توفي في شوال سنة خمس وخمسين وأربع مئة.

[٢١٦] وكان شيخه سعيد بن عباد (٤) ، وله أسانيد عالية ، وشعر بالعربيّة والفارسيّة.

ومن أشعاره السائرة هذان البيتان اللذان قالهما في الوداع :

ذهبت وينبغي أن أودّع من صميم القلب

وينبغي أن ينبت التراب زهرا من دماء عيني

إن أحسنت فيجدر الدعاء بالخير لي

وإن كنت سيئا فاجعلوا ذمتي في حلّ

الإمام أبو عبد الله محمد بن أحمد الفقيه من خوار الري ، هو الإمام أبو

__________________

٣ / ٦٠٤). والحديث في المستدرك للحاكم ، ٤ / ٣٣٢ ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ٦ / ٢٠٩ ؛ سنن ابن ماجه ، ٢ / ٩٠٦ ؛ كتاب الأوائل لابن أبي عاصم ، ١٠٥ ؛ سنن الدار قطني ، ٤ / ٣٥ ؛ الجامع الصغير ، ١ / ٥١١ ؛ الدر المنثور ، ٢ / ١٢٧ ، ومصادر أخر.

(١) سورة الكهف ، الآية ٨٢.

(٢) الدر المنثور ، ٤ / ٢٣٤ ، ٢٣٥ ؛ مفردات غريب القرآن ، ٤٤٢ ؛ مجمع البيان في تفسير القرآن ، ٦ / ٣٧٧ ؛ البرهان للزركشي ، ١ / ١٠٩ ؛ معاني القرآن للنحاس ، ٤ / ٢٨١ ، ومصادر أخر.

(٣) المنتخب من السياق ، ٥٢٧.

(٤) لعله سعيد بن عباد بن علي الهمداني المعروف بابن القلانسي الذي ذكره الرافعي في التدوين (٣ / ٤٤) وقال إنه «ممن سمع وطاف وتتبع الحديث ودخل قزوين ونسخ بها وسمع».

٣٩٦

عبد الله محمد بن أحمد بن خراسان (؟) الخواريّ (١)

من خوار الري ونشأ في خسروجرد ، اختلف إلى الإمام الحافظ أحمد البيهقيّ ، والشيخ أبي بكر بن الحارث الأصفهانيّ ، وقرأ عليه كتاب مولد النبي عليه‌السلام ، وسمع منه هذا الكتاب بنيسابور.

كان له ابنان : الإمام أبو محمد عبد الجبار (١) ، والحاكم الإمام عبد الحميد (٢) ، وقد اختلف كلاهما إلى إمام الحرمين (٣).

وكان الإمام عبد الجبار إمام الجامع المنيعي ، ومفتيا لنيسابور سنين طويلة بعد وفاة عمر السّديميّ (٤) ، توفي في حدود سنة أربعين وخمس مئة. والعقب منه :

الشيخ محمد ، والإمام الأجل ظهير الدين نادر الدهر عبد الجليل (٥) ـ وكان وحيد عصره في علوم الإسلام وعلوم الحكمة ، ومتخلقا بأخلاق الحكماء الكبار ـ والشيخ رشيد وغيرهم.

__________________

(١) ذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء (١٩ / ٣) ضمن ترجمة المتصوف الشهير أبي حامد محمد بن محمد الغزالي المتوفى سنة ٥٠٥ ه‍ وقال : «سمع من محمد بن أحمد الخواريّ والد عبد الجبار كتاب المولد لابن أبي عاصم ، بسماعه من أبي بكر بن الحارث». ولم يتسن لنا قراءة اسم جده فكتبناه كما ورد في الأصول.

(٢) سيترجم له المؤلف لا حقا ..

(٣) قال السمعاني في الأنساب (٢ / ٤٠٩) : أبو علي عبد الحميد بن محمد الخواريّ ، توفي في الحدود التي توفي فيها أخوه بيهق ، أي في ٥٣٣ أو ٥٣٤ ه‍ ؛ انظر عنه أيضا : معجم شيوخ ابن عساكر ، ١ / ٥٢٤ ؛ التحبير ، ١ / ٤٣٥ ؛ المنتخب من السياق ، ٣٧٧ ؛ تاريخ الإسلام ، ٣٧٨ (حوادث ٥٢١ ـ ٥٣٠ ه‍) ؛ معجم البلدان ، ٢ / ٤٧٩. نشير إلى أن أحد شيوخه هو أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي المتوفى سنة ٤٦٨ ه‍ (فرائد السمطين ، ١ / ٧٨).

(٤) أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف إمام الحرمين (٤١٩ ـ ٤٧٨ ه‍).

(٥) في مخطوطة برلين : السدمي ، وفي المنتخب من السياق (ص ٢٧٤) أن عبد الجبار هذا تقلد إمامة الجامع المنيعي بعد الحاكم عمر النوقاني.

(٦) ترجم له المؤلف في تاريخ حكماء الإسلام (ص ١٦٩) ، ولم نهتد لأخيه رشيد في المصادر.

٣٩٧

وقد تولى الإمام عبد الحميد مدة حكومة خسروجرد ، ثم استعفى منها ، وكلاهما قضى عمرا طويلا في العلم والطاعة والحرمة.

والعقب من الحاكم الإمام فخر القضاة عبد الحميد : شمس الدين أبو القاسم ـ وهو حي ـ أطال الله بقاءه.

مقدم الرؤساء منصور بن محمد بن إسحاق (١)

كان رئيسا كبيرا في ناحية بيهق ، عالما بأسباب السياسة والرئاسة [٢١٧] وهو فرع من دوحة نظام الملك ـ كما تقدم ـ وله أسانيد عالية.

قال : حدثنا أبو مسلم عبد الله بن المعتز بن منصور الساكن بقرية نزلاباد ، قال : حدثنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن أحمد الخفّاف ، قال : حدثنا أبو العباس محمد بن إسحاق بن إبراهيم الثّقفيّ السّرّاج ، قال : حدثنا أحمد بن موسى العسكريّ ، قال : حدثنا محمد بن سابق ، عن إبراهيم بن طهمان ، عن الحكم ، عن عبد الرحمن بن عوسجة ، عن البراء بن عازب ، عن النبي صلى الله عليه أنه قال : «إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول» (٢).

قال عزيز الملك أبو الفتح محمد بن محمد الخشّاب (٣) ، الذي كان كاتب السلطان

__________________

(١) ترجم له ابن الفوطي (مجمع الآداب ، ٤ / ٤٥٦) وفيه : مقدم الرؤساء أبو الشمس منصور بن محمد بن إسحاق البيهقيّ ، ولقبه في ٥ / ١٤٩ بمختص الدين وكناه بأبي نصر. وهو من أسرة الوزير نظام الملك ، وقد ذكره المؤلف فيما مضى عند حديثه عن أسرة نظام الملك ، المترجم له هنا فقال : مختص الدين مقدم الرؤساء ، توفي في رجب ٥٠٣ ؛ ترجم له أيضا فصيح الخوافيّ (مجمل فصيحي ، ٢ / ٢٢٦).

(٢) مسند أحمد ، ٤ / ٢٦٩ ، ٢٨٤ ، ٢٩٧ ... ؛ سنن الدارمي ، ١ / ٢٨٩ ؛ المستدرك للحاكم ، ١ / ٥٧٣ ؛ السنن الكبرى للنسائي ، ١ / ٥٠٢ ؛ صحيح ابن خزيمة ، ٣ / ٢٤ ؛ المصنف لعبد الرزاق ، ٢ / ٤٥ ؛ المصنف لابن أبي شيبة ، ١ / ٤١٣ ، ومصادر أخر.

(٣) في خريدة القصر (شعراء إيران ، ٢ / ٩٠) : محمد بن محمد بن عبد الرحمن ... ، وفيه أنه توفي سنة ٥٤٠ ه‍ ؛ الأنساب (٢ / ٣٦٦).

٣٩٨

ملك شاه ، وطغرائي السلطان سنجر رحمه‌الله ، في رثاء مقدم الرؤساء منصور :

صلى عليك الله من ماجد

بكلّ خير فيه مذكور

قبرت والمجد فقوموا بنا

نبك على المجد ومنصور

لله ذاك الحرّ من هالك

بالدين والعفة مشهور

إن أظلم العالم من فقده

وخيف فيه عوز النور

فثق بشبليه فقد أطلعا

شمسين في طخياء ديجور

وقال شرف الدين ظهير الملك بن الحسن (١) في رثائه :

ضاعت خراسان وانحلّ النظام بها

وبدلت من صفايا صدقها الزورا

بفقدها مجتبى السلطان سيّدها

مقدّم الرؤساء الشيخ منصورا

قد عاش بالعرف والمعروف مشتهرا

حتى ثوى في جوار الله مشكورا

ابنه الرئيس العالم المختص شمس الرؤساء أبو الحسن علي (٢)

تولى الوزارة نيابة عن فخر الملك المظفر بن نظام الملك ، وكان شيخا تام المروءة ، وكان يعطي كل فقير يفطر على مائدته في شهر رمضان ما يكفيه من المعاش حتى العالم القادم ، وقد آثر العزلة في آخر عمره ، وبنى له صومعة عند بداية ماء قصبة سبزوار ، وأقام في تلك الصومعة طائفة من صلحاء المتصوفة.

تقع مدائحه باللغتين العربيّة والفارسيّة في مجلّد منصّف ضخم.

من منظومه هذه الأبيات التي قالها في أبيه :

[٢١٨] رئيس نمت في كلّ فن وسؤدد

له همة فوق السّماكين والنّسر

__________________

(١) سيترجم له المؤلف لاحقا.

(٢) مجمل فصيحي ، ٢ / ٢٢٦ ، وفيه : «كان نائب الوزارة ، وتصوف في آخر عمره وانزوى عن الأعمال السّلطانيّة وانقطع من الأشغال الدّيوانيّة».

٣٩٩

توقّل طود المجد مذ كان يافعا

بعرض زكيّ طيّب الأصل والنّجر

أتيتك يا بدر الزمان وصدره

بعذراء من غرّ القصائد والشعر

إذا أنشدت في مجمع طار في الورى

وسار بها الركبان في البلد الفقر

تضوّع منها طيب لفظ كأنه

تضوّع مسك فائق العرف والقطر

وتوفي في رمضان سنة تسع عشرة وخمس مئة ، قال الإمام علي بن أبي صالح (١) في رثائه :

صبرا جميلا يا بني منصور

فلقد رأيتم يوم نفخ الصّور

بكسوف شمس المجد في رأد الضحى

من بعد تعميم الورى بالنور

من للفتوّة والمروءة والقرى

من للنّدى والبذل للميسور

يا آل منصور عليكم لم يعد

عيد الصيام ببهجة وسرور

ابنه الأوسط الرئيس العالم المحدث الحاجي محمد بن منصور (٢)

كان كبيرا ، ووحيدا في الفضل والمروءة والعفة ، نظم الأفاضل فيه المدائح الكثيرة التي لم يكونوا في أغلبها بحاجة إلى أن يستغفروا لأنفسهم. قال أقضى قضاة بغداد زين الإسلام أبو سعد محمد [بن نصر](٣) بن منصور في حقه مجيبا :

__________________

(١) الخواريّ مؤلف تاريخ بيهق الذي هو أحد مصادر مؤلفنا.

(٢) في الأصول : الحاجي بن محمد بن منصور ، والصواب ما أثبتناه ، فقد ترجم له المؤلف خلال حديثه عن أسرة نظام الملك في أول الكتاب وقال إنه بدر الدين محمد وإنه مات في طريق الحج سنة ٥٢٣ ه‍ ودفن ببغداد في مقابر قريش. وواضح أن كلمة (الحاجي) قد قليت لكونه ذاهبا للحج وإن لم يتمكن من أدائه ، وهي ليست اسمه. ترجم له في مجمل فصيحي (٢ / ٢٢٦) وفيه : بدر الرؤساء.

(٣) إضافة ليكمل بها اسم هذا الشاعر ، وهو أبو سعد محمد بن نصر بن منصور الهرويّ البشكاني.

٤٠٠