تأريخ بيهق

فريد خراسان علي بن زيد البيهقي

تأريخ بيهق

المؤلف:

فريد خراسان علي بن زيد البيهقي


المحقق: يوسف الهادي
المترجم: يوسف الهادي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار إقرأ للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٧٢

والعقب من حيدر : محمد ، وكان صاحب الخط ، قتل بمرو عند ورود الملك العادل خوارزم شاه آتسز بن محمد ، كورة مرو في شهور سنة ست وثلاثين وخمس مئة.

والعقب من الحسين المعتوه : مقبل الملك الحاجي الصائن علي بن الحسين بن أحمد الزّياديّ.

[١٩٣] وكان خواجكك الزّياديّ الذي هو جدهم الأعلى ، رجلا غازيا وشجاعا وعالما بآداب السلاح ، وقد شاع في تلك الأيام استعمال السوط المغولي الذي توضع في وسطه سكّين ، وبينما كان مسافرا في طريق ربع طبس ، أمسك الركابدار (١) بعنان فرسه ليترجل عنه ، ثم هجم عليه بسيفه ليقتله ، ولو لم يكن معه ذلك السوط الذي في وسطه سكين ، لقتل خواجكك.

وبهذا السلاح استطاع خواجكك الخلاص من الركابدار ، وذهب إلى القصبة مع حصانه.

وله ديوان شعر بالعربيّة والفارسيّة ، ومن منظومة ما قاله في الوزير شمس الكفاة أحمد بن الحسن الميمنديّ (٢) :

جدود الأماثل أهل النهى

قد استيقظت بعد طول الوسن

بشمس الكفاة جمال الورى

أبي قاسم أحمد بن الحسن

وقال في حق والدي الإمام شمس الإسلام أبي القاسم رحمه‌الله ، وهو يراعي اللزوم :

إذا نحن أثنينا عليك فإنّما

على الشمس نثني والنجوم الثواقب

__________________

(١) الركابدار : الخادم الذي يمسك ركاب الفرس ليركب سيده (فرهنك فارسي).

(٢) وزير السلطان محمود الغزنويّ حتى سنة ٤١٦ ه‍ حيث عزلته حاشية محمود وسجنته ، لكن اطلق سراحه بعد وفاة محمود سنة ٤٢١ ه‍ ، واستوزره مسعود بن محمود ، وبعد سنتين من عمله في الوزارة توفي سنة ٤٢٤ ه‍ (فرهنك فارسي ، مادة : ميمندي).

٣٦١

ونمدح من باء الزمان بفضله

وأصبح مختصّا بزهر المناقب

فما مثله في الشرق يبدو لطالب

وما مثله في الغرب يبدو لراقب

أبا قاسم أنت المراد بذكره

وقد حزت دون الخلق أعلى المراتب

وكان الأديب البارع أسعد بن علي الزّوزنيّ (١) قد قال في حق هذا الشيخ :

حبذا أحمد بن عبد الله

وعتاب له كشوك العضاه

حبذا لفظه كأن الأفاويه

بها أجريت على الأفواه

إن تكن غفلة فمن غير عمد

أو تكن فلتة فمن سهو ساه

يا زياديّ يا زياد دهاء

صرف الله عنك كلّ الدواهي

[١٩٤] لست ممن أنساك طول زمان

يا رئيسا أضحى بلا أشباه

إن تكن آمرا فأمرك جار

أو تكن ناهيا فمثلك ناه

أنت فخر الزمان نورا وقدرا

وضياء ، عليك عين الله

الشيخ الرئيس أبو القاسم علي بن محمد بن الحسين بن عمرو (٢)

كان من أكابر هذه الناحية ، ورجلا متموّلا وكريما ، وهو من بيت قديم ، منه الشيخ الرئيس أبو نصر حسينك ، وشيخ الملك أبو محمد زيد حسينك.

وأبوه أبو جعفر محمد بن الحسين بن عمرو ، وعمه أبو نصر أحمد بن الحسين بن عمرو ، والشيخ الحسن بن الحسين بن عمرو ، وشيخ الملك أبو محمد زيد بن أحمد بن الحسين بن عمرو ، والأمير أبو عبد الله الحسين شيخ الملك.

__________________

(١) أبو القاسم أسعد بن علي بن أحمد البارع الزّوزنيّ المتوفى بنيسابور سنة ٤٩٢ ه‍ (الأنساب ، ٣ / ١٧٥ ؛ معجم الأدباء ، ٢ / ٦٣٠).

(٢) لم نهتد إلى مصدر ترجمته. والرجل كان موسرا ومن أهل البر ، ولم يكن محدثا أو عالما لتدون له ترجمة في كتب التراجم.

٣٦٢

وهو من طريق الأم ميكالي ، وقد عرّف نفسه بهذه النسبة ، وعلماء الأنساب يقولون : إن أيّا من الأم أو الأب يكون أكثر شرفا ، فإن شرفه يغلب على الولد ، وينسبون الولد إليه.

وقد بنى هذا الشيخ أربع مدارس في القصبة لأربعة مذاهب : واحدة للحنفيين باسم جدي الإمام أبي القاسم عبد العزيز بن يوسف ، وهي عامرة إلى الآن.

وأخرى للشافعيين في محلة نوكوي باسم الإمام أبي الحسن الحنّانيّ الواعظ ، وهي اليوم عامرة.

وثالثة للكراميين في محلة شادراه ، ولم يبق منها أثر.

ورابعة للسادات وأتباعهم ، والعدليين ، والزيديين ، في محلة أسفريس باسم الإمام السعيد علي بن أبي الطيب ، وما زال أثرها باقيا إلى الآن.

وقد أنهى صاحب البريد هذا الأمر إلى السلطان محمود ، الذي أرسل غلاما ، فأخذ الشيخ إلى الحضرة بغزنة في جمادى الأولى سنة أربع عشرة وأربع مئة ، فلما وصل ، عاتبه السلطان قائلا : لماذا لم تنصر المذهب الذي هو معتقدك ، ولم تبن مدرسة لأئمة ذلك المذهب؟ [١٩٥] فمن بنى لجميع المذاهب مدرسة وخرّج فيها طلابا ، فقد عمل خلافا لمذهبه. ومن عمل خلافا لمذهبه كان ذلك منه رياء وتظاهرا لا تقرّبا إلى الحق تعالى. فتوسّط الشفعاء لإنقاذه ، فنجا.

وقد أنابه الشيخ الرئيس أبو نصر منصور بن رامش (١) عنه في ناحية بيهق ، وأرسل بذلك مثال في ذي الحجة سنة إحدى وعشرين وأربع مئة ، وقد كتب أهل الناحية رسالة بالعربيّة أرسلوها إلى دار رئاسة نيسابور ضمنوها شكرهم ، ومن تلك الرسالة هذا الفصل :

__________________

(١) منصور بن رامش بن عبد الله ، أبو نصر النّيسابوريّ ، تولى الرئاسة بنيسابور في أيام محمود الغزنويّ ، وتوفي سنة ٤٢٧ ه‍ (المنتخب من السياق ، ٤٧٨).

٣٦٣

وصل كتاب الشيخ الرئيس في معنى ما وفقه الله تعالى ، من تعيين الشيخ الفاضل أبي القاسم علي بن محمد بن الحسين للزعامة والنظر في أحوال الخاصّة والعامة ؛ فأوصل السرور ، ونظم الأمور ؛ وآثار هذا الشيخ بناحيتنا بيض ، وفعاله مستفيض ؛ وخيره شائع ، وبرّه جامع ، تشهد على محاسنه مدارس شريفة ، وتنادي بفضائله مساجد منيفة ؛ وتؤذن بمفاخره أوقاف فاخرة ، وصدقات بحارها زاخرة.

وكان نائب هذا الشيخ في الرئاسة ، الشيخ أبو علي أحمد بن إبراهيم بن علي ، وله بيت قديم في هذه الناحية ، غفر الله لهم ولجميع أمة محمد صلوات الله وسلامه عليه.

الشيخ العالم علي بن محمد الشّجاعيّ (١)

كان مولده في نيسابور ، ونشأ ببيهق ، وكان من أفاضل العالم ، وله وجه بلغ حدا من الجمال أن قيل فيه إنه أناب عن القمر ، وحكت شفتاه وأسنانه النجوم المتلألئة ، كانت محاسن الدهر من جماله ، وزينة المدينة من كماله ، وله خط كموشيّ الثياب ، لا بل كروضة مزينة بأزهار الألفاظ وثمار المعاني :

وخطّ كموشيّ البرود منظّم

أنيق لعين الناظر المتوسّم

نظم كنظام الدر والعقود على النحور ، ونثر مزين بالبيان الشافي ، والاختصار الكافي يطوف بالأرواح ، كأن أنفاس الرياحين جمّعت صوب فوائحه. [١٩٦] ذكره الأستاذ يعقوب وذكر شعره في كتاب جونة النّدّ (٢).

عرّب الشيخ علي الشّجاعيّ هذا بيتين من الفارسيّة هما :

وأغيد ساجي الطرف أغرى به الصّبا (٣)

وقصّر يومي في ليال أطالها

__________________

(١) استنادا إلى ترجمة واحد من أحفاده ، فينبغي أن يكون اسمه الكامل علي بن محمد بن علي بن شجاع (انظر : التحبير ، ١ / ٣٢٥ ؛ الأنساب ، ٣ / ٤٠٣). ولا نعلم عنه شيئا.

(٢) مرّ التعريف به وبكتابه فيما مضى.

(٣) في الأصول : أغرى بالصبي.

٣٦٤

رنا فسألناه أمالك من فم؟

فقال بلى ، قلنا فأين؟ فقال ها

وقد قال قصيدة في رثاء جدّ جدي الإمام أبي القاسم عبد العزيز بن يوسف ، مطلعها :

أميمة ذات الساعد العبل أنصفي

ولا تعنفي بالعاشق المتلهّف

فإني أخو الستين لو تعلمينه

قبيح إلى وصل الحسان تشوّفي

فإن الرزايا السود أنسينني الهوى

وألهين عن وصل الغزال المشنّف

ونغّص لذّاتي منّية عالم

منيف على ظهر السّماك مشرّف

إمام هو المشهور باسم وكنية

أبو قاسم عبد العزيز بن يوسف

مضى بعدما قد كان كالسيف ماضيا

على مفصل الآداب عند التصرّف

فوا حسرتا لو كان يجدي تحسّري

ووا أسفا لو كان يغني تأسّفي

ودفن أخي الآداب مثلك حجة

على أنّ هذا الدهر ليس بمنصف

عليك سلام الله ما لاح كوكب

وناح حمام من حمائم هاتف

ولا زال سمح الغيث يسقي ثراك من

غمام من المزن الربيعيّ أوطف

الحاكم أبو القاسم علي بن إبراهيم الزّياديّ الملقب بالحاكم أميرك (١)

كان يقال له الحاكم أميرك الزّياديّ ، وسماه الشيخ علي بن الحسن الباخرزيّ في كتاب دمية القصر علي بن إبراهيم السّبزواريّ ، وهو من أفاضل العصر وبلغاء خراسان.

والعقب منه : نادر الدهر جعفر الحاكم ـ ولا عقب له ـ والحاكم الزّكيّ أبو الفضل عبد الله ، ومجد الخطباء القاسم بن الحاكم.

__________________

(١) دمية القصر ، ٢ / ١١١٩.

٣٦٥

ولم يكن للشيخ جعفر (١) نادر الدهر عقب ، وقد غرق وهو يتوضأ في الماء سنة ثمان وخمس مئة. وتوفي الحاكم أبو الفضل عبد الله في شهور سنة [١٩٧] اثنتي عشرة وخمس مئة.

وتوفي قاسم بن الحاكم في شهور سنة أربع عشرة (أربع وعشرين) وخمس مئة ، وكان خطيب القصبة مدة مديدة.

والعقب من أبي الفضل الحاكم الزّياديّ : علم الدين أبو منصور علي ـ وهو حفيد جدي شيخ الإسلام أميرك ـ وسراج الدين مهدي ، والحاكم مسعود.

والعقب من علم الدين أبي منصور : أبو علي الحسين ، وأحمد.

توفي الحاكم أبو منصور في سنة سبع وعشرين وخمس مئة وتوفي ابنه أبو علي في شهور سنة تسع وعشرين وخمس مئة ، وكان مئناثا.

وتوفي الحاكم أحمد في شهور سنة ثمان وأربعين وخمس مئة. وقد تولى أهل هذا البيت القضاء في الناحية زمانا ، كما ذهبوا إلى الحج جميعا.

وكان الحاكم المهدي فقيها وقاضيا وموسرا ، توفي في سلخ ربيع الأول سنة خمسين وخمس مئة. ولم يبق من هؤلاء الأكابر عقب تتجدد به مآثر أسلافه ، ولعل الله يحدث بعد ذلك أمرا.

ومن أشهر أشعار الحاكم أميرك الزّياديّ هذه الأبيات :

ألمت بعيد الأربعين مفاصلي

وغدت تعاديني (٢) الطباع الأربع

عجل المشيب إليّ قبل أوانه

إنّ المشيب إلى المعنّى أسرع

__________________

(١) في الأصول : الحسين نادر الدهر. فصوبناه في ضوء ما مر إذ ذكر المؤلف لأبي القاسم علي ثلاثة أبناء هم جعفر وعبد الله والقاسم.

(٢) في الأصول وكذلك في دمية القصر (٢ / ١١١٩) : وغدا يعاديني.

٣٦٦

وروى الشيخ أحمد أميرك في كتاب مئة حادثة عن الحاكم أميرك علي بن إبراهيم الزّياديّ هذه الأبيات :

أصلّي عليها والفؤاد لها يصلى

وعيني كأن قد سلّ فيها الأسى نصلا

تمنّيت ـ إذ لم أفدها عند موتها

بنفسي ومالي ـ أنني لم أكن أصلا

ولما استوحش الشيخ الفقيه الرئيس أبو عبد الله محمد بن يحيى ـ وكان رئيس هذه الناحية ـ من الحاكم (أميرك الزّياديّ) هذا ، ووجدت سعاية الوشاة فيه لديه قبولا ، أمر بإجلاسه على حمار مقيدا حافيا ، واقتيد من سبزوار إلى دار الرئاسة بقصبة جشم ، فقال هذا الحاكم في وصف تلك الحالة :

[١٩٨] كفاني أني فوق ظهر أتان

أجرّ على رأس الملا بهوان

وإن قيّدت رجلاي من غير ريبة

سوى أن أبيت الضيم فعل هجان

وأني بين العالمين ممزق

أديمي ومقبوض يدي ولساني

وإن كان ذنبي كلّ ذنب جنيته

فما فوق ما عندي جناية جان

ومن أشعار حفيده علم الدين أبي منصور الزّياديّ :

عتابك يا مولاي هيّج أحزاني

وأقلقني جدا وزعزع أركاني

عتاب كسلسال صفاء ورقّة

وزهر رياض راضها صوب تهتان

ألذّ من السلوى وأحلى من المنى

وأعذب من راح وروح وريحان

ومالي بعتب الشيخ والله طاقة

وكيف وفي كلّ الورى ماله ثان

سما وحلا نبلا وارتفاعا وهمة

وفضلا وإفضالا على كل إنسان

٣٦٧

أبو الحسن علي بن أحمد البيهقيّ المعروف بالكرديّ (١)

ولد ونشأ في قصبة خسروجرد ، واختلف إلى أئمة مدينة بغداد ، ومن أبنائه : الإمام أبو القاسم فات ، وأحمد فات.

قال الكرديّ : حدثنا الحسن بن أحمد بن محمد بن موسى بن القاسم بن الصلت القرشيّ (٢) ببغداد ، قال حدثنا أبو إسحاق [١٩٩] إبراهيم بن عبد الصمد بن موسى بن محمد بن إبراهيم الهاشمي ، قال : حدثنا الحسن بن عرفة ، قال حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربيّ ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه أنه قال : «أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين ، وأقلّهم من يجاوز ذلك» (٣).

أبو علي بن أبي منصور بن عثمان الزاهد البيهقيّ (٤)

كان خسروجرديا ، روى عن المشايخ الكبار.

__________________

(١) كان حيا في رجب ٣٠٥ ه‍ ، حيث صلى على جنازة عمران السّختيانيّ الذي توفي في هذا التاريخ (انظر : تاريخ جرجان ، ٣٠١ ، ٣٢٢ ؛ الأنساب ، ٢٣٤١٣).

(٢) ذكره الخطيب البغداديّ (تاريخ مدينة السلام ، ٨ / ٢٢١) والمعروف أن أباه كان يحدث عن إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي (انظر مثلا : تاريخ مدينة السلام ، ٦ / ٢٧٠ ؛ الأنساب ، ٥ / ١٩٩) أمّا رواية الحسن عن الهاشمي ، فنقرأ في طبقات الشافعية الكبرى (٥ / ٣١٣): «... أخبرنا أبو عبد الله الحسين (كذا) بن أحمد بن الصلت قال : حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي لسبع بقين من جمادى الأولى سنة أربع وعشرين وثلاث مئة إملاء ...».

(٣) مسند أبي يعلى ، ١٠ / ٢٩٠ ؛ صحيح ابن حبان ، ٧ / ٢٤٦ ؛ المعجم الأوسط للطبراني ، ٦ / ٨٥ ؛ مسند الشهاب ، ١ / ١٧٤ ؛ الجامع الصغير ، ١ / ١٨١ ؛ كنز العمال ، ١٥ / ٦٧٧ ؛ تذكرة الموضوعات ، ٢١٥ ؛ موارد الظمآن ، ٦١١ ، ومصادر أخر.

(٤) لم نهتد إلى مصادر ترجمته. أمّا شيخه عمر بن عبد العزيز بن قتادة فهو أحد مشايخ شيخ السنة أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقيّ (٣٨٤ ـ ٤٥٨ ه‍) الذي روى عنه كثيرا في مؤلفاته وخاصة في السنن الكبرى. (انظر مثلا : ١ ، ١٣٨ ، ١٩٢ ، ٢ / ٤٣٩ ، ٣ / ٤١ ، ومواضع أخر ؛ إثبات عذاب القبر ، ٦٠ ؛ كتاب الأربعين الصغرى ، ٨٨).

٣٦٨

قال : حدثنا أبو نصر عمر بن عبد العزيز بن قتادة ، قال حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد السّرّاج ، قال حدثنا محمد بن عبد الله بن سليمان ، قال : حدثنا إبراهيم بن زياد ، قال حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن عاصم ، عن عبد الله أنه قال : سئل النبي صلى الله عليه وقيل : ما الغنى؟ فقال : «اليأس عما في أيدي الناس» (١).

ونظم الشاعر هذا المعنى وقال (٢) :

غنيّ بلا دنيا عن الخلق كلّهم

وإنّ الغنى الأعلى عن الشيء لا به

أبو علي الحسين بن أحمد بن محمد الفلوي البيهقيّ (٣)

هو أخو الشيخ [علي بن أحمد البيهقيّ] لأمّه (٤).

قال : حدثنا السيد أبو الحسن محمد بن الحسين العلوي ، قال : حدثنا أبو حامد أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ ، قال : حدثنا الإمام محمد بن يحيى الذّهليّ ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا سفيان ، عن عبد الله بن الحسن ، عن إبراهيم بن محمد بن طلحة ، عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه قال : «من أريد ماله بغير حق ، فقاتل فقتل فهو شهيد» (٥).

__________________

(١) تهذيب الكمال ، ١٩ / ٣٤٧ ؛ سنن ابن ماجه ، ٢ / ١٣٩٦ ؛ شرح نهج البلاغة ، ١٨ / ٨٤.

(٢) نسب في المستطرف (١ / ١٥٩) لمن سمي بالقهستانيّ.

(٣) في مخطوطة برلين : الفلفلي ، ولم نهتد إليه لكن شيخه أبا الحسن محمد بن الحسين بن داود العلوي هو أحد مشايخ شيخ السنة أبي بكر البيهقيّ (انظر : السنن الكبرى للبيهقيّ ، ١ / ٤٦٤ ، ٨ / ١٨٧).

(٤) في الأصول : أخو الشيخ أحمد البيهقيّ ؛ ولا يستقيم المعنى بذلك ، فهو سيترجم لاحقا لشقيقه علي بن أحمد هذا.

(٥) مسند أحمد ، ٢ / ١٩٤ ؛ سنن أبي داود ، ٢ / ٤٣٠ ؛ المستدرك للحاكم ، ١ / ٤٠٥ ؛ السنن الكبرى للبيهقيّ ، ٨ / ١٨٧ : «حدثنا أبو الحسن محمد بن الحسين بن داود العلوي (رحمه‌الله) إملاء قال : أنبأنا أبو حامد أحمد بن محمد بن الحسين الحافظ قال : حدثنا محمد بن يحيى الذّهليّ ... من أريد ماله ...» ؛ الجامع الصغير ، ٢ / ٥٦٤ ؛ المغني لابن قدامة ، ١٠ / ٣٥٢ ، ومصادر أخر.

٣٦٩

وهذا يوافق قوله صلى الله عليه : «من قتل دون ماله فهو شهيد».

الحسين الأديب البيهقيّ الخسروآباديّ (١)

ذكره الشيخ علي بن الحسن في كتاب دمية القصر فقال : شيخ غزير الفضل عزيز النفس.

وقد اختص الأديب الحسين هذا ، في قصر عميد خراسان محمد بن منصور النسوي بتأديب ابنه مشيد الملك أبي الفتح مسعود.

[٢٠٠] ومن منظومه ما قاله في مهدي بن أحمد الخوافيّ (٢)

بمهديّ بن أحمد تمّ أنسي

وكنت إليه كاللهج الحريص

ولمّا زرته شاهدت منه

خليلا والمبرّد في قميص

وقال في التهنئة بختان السيد الأجل ركن الدين أبي منصور هبة الله :

هبة الله من الله هبه

بارك الرحمن فيها ، وهبه

شذّبوه بارك الله له

ليس للتشذيب للنخل ببه

الأديب أبو جعفر القاسم بن أحمد بن علي أميرك المعروف بمؤدب جيلان (٣)

قال الأستاذ يعقوب : هذا الأديب حلو المعاشرة كثير الفضل ، يختلف أبناء المياسير

__________________

(١) دمية القصر (٢ / ١١٢٦) وفيه : «رأيته في دار عميد الحضرة يؤدب ولده الرئيس أبا الفتح مسعودا ؛ وحدثني الأديب أبو القاسم مهدي بن أحمد الخوافيّ ...». وقد سمى ابن الفوطي (٥ / ٢٣٩) مسعودا هذا : مشيد الدين ؛ وفي المنتخب من السياق ، ٤٧٦ : أنه ناب عن أبيه في أعمال نيسابور.

(٢) هو أبو القاسم مهدي بن أحمد الخوافيّ المعاصر لأبي الحسن الباخرزيّ المتوفى سنة ٤٦٧ ه‍ وروى عنه في الدمية وترجم له (٢ / ٤٩٩ ، ط العاني).

(٣) دمية القصر (٢ / ١١٢٨) وفيه : الأديب أبو جعفر القاسم بن ... السابزواري ؛ المنتخب من السياق (ص ٤٦١) وفيه : «قدم نيسابور وحدّث في نيف وثلاثين وأربع مئة ، وتوفي سنة ست وستين وأربع مئة» ؛ إنباه الرواة (٣ / ١٠).

٣٧٠

إلى مكتبه ، وكان مشغولا بالتذكير والوعظ في بعض الأوقات وليس على الدوام.

وقد رأيت أنا ابنه علي جيلان ، شيخا بهيا لطيفا فاضلا ، وقد اعتبط حفيده الشيخ محمد بن علي جيلان شابا ، في شهور سنة ست وخمس مئة ، والشيخ علي جيلان هو جد أولاد السيد الرئيس الجليل أبي عبد الله الحسين بن علي زبارة.

أما الشيخ محمد فهو جد الإمام منتجب الدّين أميرك بن محمد القاضي وسنذكرهم في موضعهم إن شاء الله تعالى.

كتب الأديب أميرك جيلان إلى الأستاذ يعقوب (١) :

قولا ليعقوب شمس الفضل والكرم

ومنبع المجد والآداب والحكم

مالي كتبت إلى مأنوس مجلسه

فلم يجبني بما يجلو صدى غممي

ما ضرّه لو سما بي رقم أنمله

أو أنه وسم الحسّاد بالرّقم

أنبوة عن خلالي بعد ما ظهرت

له خلالي ودلّته على شيمي

أ لم تكن نسبة الآداب تجمعنا

والفضل يوجب رعي العهد والذّمم

أصبحت والبين يذويني ويكلمني

فداو كلمي ـ فدتك النفس ـ بالكلم

يا حبذا معشر أضحوا وقد جمعوا

بنور وجهك بين الروض والديم

هم بقربك في روح وفي دعة

يا ليتنا معهم أو ليتنا بهم

[٢٠١] بليت بالحرفة الممقوت صاحبها

شوهاء طلعتها كالغول في الظّلم

إذا نسبت إليها ذبت من خجل

كأنني سارق الحجّاج في الحرم

__________________

(١) هو يعقوب بن أحمد البارع الكرديّ مؤلف جونة الند وقد عرّفنا به فيما مضى توفي سنة ٤٧٤ ه‍.

٣٧١

وهذه نفثة المصدور أرسلها

إليك صاحبها فاعذر ولا تلم

وله أيضا :

ولقد ظننت بأن هجوك منكر

وهجاء مثلك في الكرام عقوق

حتى بلوت ذميم فعلك مرة

فعلمت أنّك بالهجاء خليق

توفي الأديب أميرك جيلان بسبزوار في شهور سنة ست وستين وأربع مئة ، رحمة الله عليه.

أبو بكر أحمد بن علي بن الحسن المؤدب البيهقيّ المعروف بالاستوائيّ (١)

ولد في قرية باغن ودلقند ، ونشأ في ناحية أستوا ، وكان من مريدي شيخ المشايخ أبي سعيد بن أبي الخير ، قضى عمره في تأديب أولاده ، واختلف إلى الأستاذ الإمام أبي القاسم القشيريّ وكان له مريدون وتلاميذ كثيرون.

قال : حدثنا علي بن شجاع المصقلي الشّيبانيّ (٢) ، قال : حدثنا أبو علي الحسن بن أحمد بن ليث الحافظ بشيراز قال : حدثنا محمد بن يعقوب الأمويّ ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق الصّغانيّ قال : حدثنا إبراهيم بن عرعرة قال : حدثنا عبد الملك بن عبد الرحمن الذّماريّ ، عن سفيان ، عن الأوزاعيّ ، عن كثير بن قيس ، عن يزيد بن ميسرة ، عن أبي الدرداء ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه يقول : «فضل العالم على العابد كفضل ليلة القمر على الكواكب» (٣).

__________________

(١) لم نهتد لمصدر ترجمته ، أما شيخه فهو فضل الله بن أحمد بن محمد المعروف بأبي سعيد بن أبي الخيّر الميهني (٣٥٧ ـ ٤٤٠ ه‍) (دائرة المعارف الإسلامية الكبرى ، الطبعة العربيّة ، ٤ / ٦٤٧).

(٢) أبو الحسن علي بن شجاع بن محمد المصقلي الشّيبانيّ المتوفى سنة ٤٤٢ أو ٤٤٣ ه‍.

(٣) سنن الدارمي ، ١ / ٩٩ ؛ سنن ابن ماجه ، ١ / ٨١ ؛ سنن أبي داود ، ٢ / ١٧٥ ؛ كتاب الأربعين الصغرى للبيهقي ، ٢١ ؛ الرحلة في طلب الحديث ، ٧٩ ؛ الجامع الصغير ، ٢ / ٢١٣ ؛ مسند زيد بن علي ، ٣٨٤.

٣٧٢

ولما ذهب الملك الأجل شهاب الدولة تكش إلياس بن ألب ارسلان مهزوما من سرخس إلى بلخ (١) ، قال الإمام أبو بكر أحمد بن علي المؤدب هذا :

إنّ شين الشهاب أبدل ذالا

وكفى الله للأنام قتالا

نحمد الله طالما قد كفانا

حسبنا الله ربّنا وتعالى

الشيخ أبو عبد الله محمد بن عميرة البيهقيّ الجشميّ (٢)

ولد ونشأ في قصبة جشم ، وأفاد من الأديب علي بن [٢٠٢] الحارث البياريّ مصنف شرح الحماسة ، وقد اختلف إليه أناس كثيرون ، وكان ابنه الإمام أبو علي أحمد بن محمد بن عميرة مقيما بنيسابور (٣).

وكان لحفيده الشيخ علي بن عميرة بستان في أعلى أسفريس ؛ إلى أول عصر الفترة بنيسابور ، بنى فيه بيتا وحماما ، وانشغل بالفلاحة وكسب القوت من الرزق الحلال ، وافاه الموت سنة ثلاث وعشرين وخمس مئة ، وبقي له عقب ، رجل متدين وصالح ، قتل على عهد الفترة الأولى في سنة تسع وأربعين وخمس مئة ، وكان رجلا مميزا عالما حسن السيرة.

روى الشيخ محمد بن عميرة الأحاديث عن القاضي أبي نصر المحسّن بن أحمد الخالديّ المروزيّ (٤).

__________________

(١) كانت هذه الواقعة في ٤٦٧ ه‍ أو بعدها بقليل (أخبار الدولة السّلجوقيّة ، ٦٣ ـ ٦٤).

(٢) لم نهتد لمصدر ترجمته ، أمّا شيخه علي بن الحارث البياريّ فهو من تلامذة أبي سعيد الحسن بن عبد الله السّيرافيّ المتوفى سنة ٣٦٨ ه‍ ، وهو ـ أي البياريّ ـ مترجم في إنباه الرواة (٢ / ٢٧٤).

(٣) دمية القصر (٢ / ١١٣٦ ، ١١٤٠) ونقل مدح أبي محمد الحسين بن أحمد الزّياديّ له وهو :

إن الدراية والنباهة خاتم

حقا أقول ولست فيه بزاعم

وأبو عليّ أحمد بن محمد

بن عميرة الجشميّ فصّ الخاتم

وفي لباب الأنساب (٢ / ٦٧٨) أنه ورد نيسابور في ٤٦١ ه‍ ، ثم ذكر رسالة له وشعرا.

(٤) هو أبو نصر المحسن بن أحمد بن محمد بن يحيى الخالديّ المروزيّ المعروف بالقاضي الشهيد ، هكذا ذكره السمعاني في الأنساب (٣ / ٤٧٨) ولم يذكر سنة وفاته.

٣٧٣

قال الشيخ محمد بن عميرة (١) : حدثنا علي بن الحارث البياريّ ، قال : حدثنا القاضي أبو سعيد الحسن بن عبد الله السّيرافيّ بإسناد صحيح أن أبا الأسود الدؤلي قد ذهب للحج ، وزوجته معه ، وكانت قد بلغت الغاية بجمالها ، فصدغها سلسلة المسك ، يضوع منه المسك التبّتيّ والعنبر الشحري ، تحيي القلوب بدلالها ، أودع سحر بابل في غمزة عينها ، خطف القلوب عادتها ، نرجسها المريض أمرض القلوب ، وقوس حاجبها يسلم النفوس إلى الوسواس والجنون ، كأن سوالفها مصيدة الليل للنهار أو ستارة من دخان على مصباح ، وكأن فيها ألف نافجة مفعمة بالعنبر.

فلما وضعت هذه المخدرة رجلها في المسجد الحرام ، غازلها عمر بن أبي ربيعة المخزومي الذي كان آية في الغزل حتى قيل فيه المثل : أغزل من أبن أبي ربيعة ، فأخذت الحمية أبا الأسود وزجره ، وأنشأ قائلا :

وإني ليثنيني عن الجهل والخنا

وعن شتم أقوام خلائق أربع

حياء وإسلام وتقوى وإنني

كريم ومثلي قد يضرّ وينفع

روى الشيخ محمد بن عميرة (٢) أيضا بإسناده عن القاضي الخالديّ المروزيّ [٢٠٣] أن

__________________

(١) واقعة تحرش عمر بن أبي ربيعة بامرأة وردت بشكل مختصر جدا في ذيل تاريخ بغداد لابن النّجّار (٢ / ٩٩) ، ولم يرد في هذا المصدر اسم زوجها ؛ كما وردت بشكل مختصر أيضا في تاريخ مدينة دمشق (٤٥ / ١١٢) مع ذكر اسم أبي الأسود وشعره المذكور هنا مع إضافة بيت ثالث :

فشتان ما بيني وبينك إنني

على كل حال أستقيم وتظلع

(٢) قال الدميري في حياة الحيوان الكبرى (١ / ٦٣٧): «روى الدار قطني والبيهقيّ وشيخه الحاكم وشيخه ابن عدي عن ابن عمر ...» ثم أورد خبر الضب. وقد أبدى علماء الحديث رأيهم في هذه الأسطورة ، قال ابن عساكر بعد أن ذكرها : «هذا حديث غريب وفيه من يجهل حاله وإسناده غير متصل ، وقد روي أتم من هذا بإسناد ضعيف أيضا» ؛ وقد عنون ابن كثير (البداية والنهاية ، ٦ / ١٦٥ وما بعدها) خبر الضب هذا بقوله : «حديث الضب على ما فيه من النكارة والغرابة ؛ قال البيهقيّ : حدثنا أبو منصور أحمد بن علي الدامغاني من ساكني قرية نامين من ناحية بيهق ...» ، وبعد أن ذكره وذكر طرقا أخرى لإسناده قال : «وما

٣٧٤

المصطفى صلوات الله عليه ، كان في أحد الأيام بمجلس غاص بصدور الصحابة وصناديد العرب ، وبينهم شمس النبوة وشارح وشارع الشريعة المصطفى صلوات الله عليه ، الذي ارتفعت سماء الرسالة بهمته ، وصار قاب قوسين من مراكب الشرف ، فجاء أعرابي قد أطاع شيطان الشباب ، يجر ذيل الرعونة ـ وهو في خمار خمر الجاهلية ـ على بساط التجربة ، وطرح ضبّا بين يدي المصطفى عليه‌السلام قائلا : لن أعترف بنبوتك ، حتى ينطق هذا الضب كالبلبل بالتوحيد ويقرّ لك بالرسالة ، ويتلألأ نجم لفظه من أفق صوته ، ويشرب شراب الإيمان في كأس الفرح ، حيث إن هذا الحيوان الذي يسمع كلام الآدمي ، ولم ير المحافل والمجامع ، جرى على لوح وجوده هذا اليوم قلم التصرف الآدمي ، وعلى سرير حظه استقرت مسألته ، الذي لم تكن شمس حياته قد حملت على العمل ، ولم يرض مركب ألفته وأنسه مع الناس ، حتى ضربوا فيه المثل فقالوا : أعقّ من ضب (١) ، ولا يرد الضبّ الماء (٢) ، وأ تعلمني بضب أنا حرشته (٣).

__________________

ذكرناه هو أمثل الأسانيد وهو أيضا ضعيف». وقد جمع المتقي الهندي في كنز العمال آراء حشد من جهابذة علمي الحديث والرجال فقال بعد أن أورده (١٢ / ٣٥٨): «قال ابن دحية في الخصائص : هذا خبر موضوع ، وقال الذهبي في الميزان : هذا خبر باطل ، وقال الحافظ ابن حجر في اللسان : السّلميّ [هو أحد رجال سند هذا الحديث] روى عنه الإسماعيلي في معجمه وقال : منكر الحديث».

(١) في جمهرة الأمثال (٢ / ٦٩) «أعقّ من ضبّ» ، يريدون «من ضبة» فأسقطوا الهاء لكثرة الاستعمال ، وعقوقها أنها تأكل أولادها ، وذلك أنها إذا باضت حرست بيضها وقاتلت كل من أرادها من حية أو ورل ، فإذا خرجت أولادها وتحركت ظنتها شيئا يريد بيضها ، فوثبت عليها فقتلتها فلا ينجو منها إلّا الشريد».

(٢) في الأساطير العربيّة فإن الضب لا يشرب الماء أبدا (جمهرة الأمثال ، ١ / ٢٠١) ؛ فإذا عطش استقبل الريح ففتح فمه فيكون في ذلك ريّه (مجمع الأمثال ، ١ / ٣١٥).

(٣) أصل الحرش الأثر بالشيء وهو هنا بمعنى الإثارة وهو أن تثير الضب من جحره فتستخرجه ، يضرب لمن يخبرك بشيء أنت به منه أعلم (مجمع الأمثال ، ١ / ١٢٥ ؛ جمهرة الأمثال ، ١ / ٧٦).

٣٧٥

ثم إن المصطفى صلوات الله عليه قال بجواهر لفظه : يا ضبّ! فأنطق الحق تعالى ذلك الضب ليقول بلسان فصيح : لبيك يا زين القيامة ، لبيك يا شرف القيامة ، فقال للضب : من ربك؟ قال : الذي في السماء عرشه ، وفي الأرض سلطانه ، وفي الأرحام علمه ، وفي القبور قضاؤه ، وفي الجنة رحمته ، وفي النار عذابه ، فقال المصطفى : فمن أنا؟ فقال : أنت محمد رسول الله ، أفلح من صدقك ، وخاب من كذبك ، ثم تبسم الأعرابي ، فقال المصطفى : يا أعرابي ، إن الابتسام بهذا الموضع هو دليل الاستهزاء ، والاستهزاء دلالة عدم القبول ، فقال الأعرابي : لم يكن ذلك استهزاء ، فقد جئت إلى هذا المسجد وما على وجه الأرض أحد هو أبغض إليّ منك ، وأعود ولا أحد أقرب إليّ منك ، فأنا أشهد بالروح والقلب واللحم والدم والسمع والبصر والشعر والبشرة ، أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله.

[٢٠٤] أما ابنه الشيخ أحمد بن محمد بن عميرة ، فقد قال في مدحه الأستاذ يعقوب (١) في كتاب لباب الألباب : علت درجه فضله ، وأحمدت طريقته في نظمه ونثره ، وانقاد له نهج البلاغة ، فهو يسير فيه سير الجواد ، في الأرض الجهاد.

وعندما وصل العميد أبو بكر القهستانيّ (٢) الذي كان كاتب ومستشار السلاطين من العراق إلى نيسابور ، أرسل إليه الشيخ أحمد بن محمد بن عميرة قصيدة مطلعها :

بشرى بأن الدهر منجز وعده

للشيخ مولانا ومطلع سعده

فرد العميد أبو بكر القهستانيّ بأن نظم بين كل بيتين بيتا من عنده على البديهة ، ومما قاله الشيخ أحمد في تلك القصيدة :

__________________

(١) يعقوب بن أحمد المعروف بالبارع الكرديّ صاحب جونة الند الذي عرفنا به فيما مضى.

(٢) في مجمع الأمثال (١ / ١٩٧) : الشيخ أبو بكر علي بن الحسين القهستانيّ. وفي تتمة اليتيمة (ص ٢٦٤) : الشيخ أبو بكر علي بن الحسن.

٣٧٦

سترى على رغم العدوّ محلّه

من حاله كمحلّه من مجده

وكان مطلع جواب العميد القهستانيّ :

أرجو بحمد الله ليس بحمده

لطف اللطيف بسيّدي وبعبده

يا أحمد بن محمد بن عميرة

الجشميّ ما جشّمتنيه استأده

أوتيت سؤلك خذ رسولك إنه

معه بخاتم ربّه وبشدّه

من غير هذا الضرب كنت أحبّه

لكن دهري طعنة في كبده

ويزيد ديوان محمد بن عميرة وديوان ابنه أحمد ورسائلهما على خمسة مجلدات ، ومن منظوم علي بن أحمد بن محمد بن عميرة :

يا ناهجا طرق الآداب محتكما

على الكتابة إيضاحا وتبيانا

أنت الإمام لنا فيما نحاوله

ونحن طوعك إقرارا وإذعانا

الفقيه أبو الحسين محمد بن عبد الواحد البهمن آباديّ (١)

من أولاد سيف الله خالد بن الوليد ، وقد رأيت حفيده وسميّه الفقيه أبا الحسين البهمن آباديّ ، جاء إلى أبي في يوم عيد الأضحى سنة ثمان وخمس مئة [٢٠٥] وهو جد الإمام سديد الدين إبراهيم المغيثيّ (٢) من طريق الأم ، وكانت ولادة الفقيه أبي الحسين في ناحية بهمناباد ، وهو شريك الحاكم أبي سعد بن كرامة في الإفادة من قاضي القضاة أبي محمد الناصحي (٣) ، ومن الإمام أحمد النّجّار المتكلم (٤).

__________________

(١) لم نجده في المتوفر لدينا من المصادر.

(٢) هو إبراهيم بن علي بن حمك ، سديد الدين المغيثيّ.

(٣) أبو محمد عبد الله بن الحسين ، قاضي القضاة الناصحي الحنفيّ الخراساني ، كان قاضي السلطان محمود بن سبكتكين ، توفي سنة ٤٤٧ ه‍ (سير أعلام النبلاء ، ١٧ / ٦٦).

(٤) ذكره المؤلف فيما مضى وهو أبو حامد أحمد بن محمد بن إسحاق المتكلم النّجّار ، حدث عنه أبو سعد المحسن بن كرامة (٤١٣ ـ ٤٩٤ ه‍).

٣٧٧

وللفقيه أبي الحسين هذا شعر كثير ، ومن منظومه هذه الأبيات المشهورة :

ولو أني ملكت زمام أمري

لما قصّرت في طلب النجاح

ولكني وجدت الآن رأيي

كرأي البدن أيام الأضاحي

يسقن إلى الردى فيطرن طوعا

ولو يسطعن طرن مع الرياح

فذمّوني وقلبي مستباح

وما قلب العذول بمستباح

وكان للفقيه أبي الحسين البهمن آباديّ الذي هو حفيد الفقيه أبي الحسين محمد بن عبد الواحد ، أخ اسمه محمد ، والعقب من محمد هو الحاكم الإمام صفي الدين أبو صالح أحمد بن محمد حاكم مزينان ، وتاج الدين أبو القاسم وغيرهما.

الإمام أبو الحسن علي بن محمد الحنّانيّ الواعظ (١)

ولد ونشأ في سبزوار ، وكان من أئمة أصحاب الحديث ، وقد بقى له حتى يومنا هذا أعقاب ، وكما مرّ خلال الحديث عن الشيخ أبي القاسم عمرو ، فإنه بنى للحناني هذا مدرسة في نوكوي ، وما زالت هذه المدرسة عامرة إلى الآن.

وهو من أبناء الحنان بن محمد بن الحنان النّيسابوريّ الميداني (٢). قال الأستاذ أبو الحسن الواعظ الحنّانيّ. حدثنا أبو الحسن محمد بن الحسين السّمرقنديّ ، قال : حدثنا أبو يعقوب يوسف بن مكي الريحاني (٣) بهمدان ، قال : حدثنا أبو الحسن علي بن

__________________

(١) نرجح أنه هو الذي ذكره عبد الغافر في المنتخب من السياق (ص ٤١٩) باسم : علي بن محمد بن جعفر اللحساني (كذا) الصّوفيّ ، أبو الحسن ، وقال عنه : من شيوخ الصّوفيّة ، كثير الاستفادة من سكان ناحية بست.

(٢) هو المذكور في تاريخ نيسابور باسم حيان بن محمد بن حيان الميداني النّيسابوريّ (ص ١١٤).

(٣) نرجح أنه الجرجانيّ وليس الريحاني ، فقد ورد في تاريخ مدينة دمشق (٢٠ / ٢٣٦) أبو يعقوب يوسف بن مكي القاضي بأسترآباد (من أعمال طبرستان بين سارية وجرجان) وورد لقب الجرجانيّ ملحقا باسم حفيده محمد بن محمد بن يوسف بن مكي الجرجانيّ (انظر مثلا : تاريخ مدينة دمشق ، ٥٥ / ٢٠٩ ؛ بغية الطلب ،

٣٧٨

إبراهيم القطان بقزوين ، قال : حدثنا أبو حاتم محمد بن إدريس الرازي ، عن محمد بن كثير ، عن سفيان ، عن حبيب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه قال : «ثلاثة من أمتي تستغفر لهم السماوات والأرض والملائكة : العلماء والمتعلمون والأسخياء» (١) ، «وثلاثة من أمتي لا تردّ له لهم دعوة : المريض والتائب والسخي» (٢). في حديث طويل.

انتقل الأستاذ أبو الحسن الواعظ الحنّانيّ من المنابر إلى المقابر ، في شهور سنة ست عشرة وأربع مئة بسبزوار ، وقبره في مدرسته.

[٢٠٦] الحاكم أبو منصور محمد بن أحمد بن الحسين السّويزيّ (٣)

كان له بخسروجرد آثار ومبرّات ، روى عن المشايخ الأحاديث الكثيرة ، قال : حدثنا القاضي أحمد بن الحسن الحرشيّ (٤) ، قال : حدثنا حاجب بن أحمد الطّوسيّ ، قال : حدثنا عبد الرحيم بن منيب ، قال : حدثنا الفضل بن موسى ، قال : حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن نفيع ، عن أنس أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه :

__________________

١٠ / ٤٥٠٣ ؛ التّقييد ، ١٠٤ ؛ تاريخ جرجان ، ٩٩ ، ٤٢٧ ، ٤٢٨). وفي كشف الخفاء (١ / ٢٥٨) : مكي الزنجاني ، كما ورد اسم الأب في شواهد التنزيل (١ / ٧٧): «أبو يعقوب بن (كذا) بن يوسف بن مكي الزنجاني بهمذان».

(١) كنز العمال (١٥ / ٨٤٢).

(٢) لم نجده في المتوفر من المصادر الحديثية.

(٣) صحف لقبه أحيانا إلى «السّوريّ» في المصادر التي ذكرته أو ترجمت له (انظر : المنتخب من السياق ، ٦٥ ، وفيه : الخسروجرديّ وأنه توفي بعد ٤٦٠ ه‍ ؛ معجم شيوخ ابن عساكر ، ١ / ٣٠ ؛ سير أعلام النبلاء ، ٢٠ / ٦١ ؛ التحبير ، ١ / ٤٢٣ ، ٢ / ٤٢٧).

(٤) هو قاضي نيسابور أبو بكر أحمد بن الحسن بن أحمد الحيريّ الحرشيّ المتوفى سنة ٤٢١ ه‍ (الأنساب ، ٢ / ٢٩٨) ، وشيخه هو أبو محمد حاجب بن أحمد بن يرحم الطّوسيّ ، وشيخ هذا هو عبد الرحيم بن منيب المروزيّ (كتاب الأربعين البلدانية ، ١٠١).

٣٧٩

«ما من أحد يوم القيامة غني ولا فقير ، إلا وودّ أنه لم ينل من الدنيا إلا قوتا» (١).

وكان للحاكم أبي منصور هذا في مشهد خسروجرد مجلس قبل أن يبني مجد الملك القمّيّ (٢) هناك بناء ، وكان منبره من اللّبن والجص ، رأى الكثير من المشايخ ، وأفاد منهم ، وقدم في آخر عمره إلى خسروجرد.

قال : حدثنا القاضي أبو بكر أحمد بن الحسن الحرشيّ ، قال : حدثنا محمد بن يعقوب الأمويّ ، قال : حدثنا أبو محمد بن بكر بن سعد القرشيّ ، قال : حدثنا شعيب ابن يحيى ، قال : حدثنا يحيى بن أيوب ، عن حميد الطويل أنه سمع أنس بن مالك يقول : قال النبي صلى الله عليه : «إذا حضر العشاء والصلاة ، فابدأوا بالعشاء» (٣).

وروى أيضا بهذا الإسناد أن المصطفى صلوات الله عليه قد كان في بيت أحد نسائه ، فجيء بصحفة من طعام من بيت أحد أزواجه الأخر ، فغضبت هذه الزوجة ، وقالت إنها تتدخل في ليلتي ، وحملت ذلك على سوء الأدب ـ وأنا لا أعتقد بصحة هذه القصة ـ فكسرت الصحفة فتناثر الطعام ، فقام المصطفى صلوات الله عليه وأخذ قطعتي الصحفة بيده المباركة ـ وكانت من خشب أم غيلان ـ ووضع فيها اللحم وأبقى الرسول لديه إلى أن أتته تلك المرأة في ليلتها بالطعام فأكله المصطفى وأعطى الصحفة

__________________

(١) مسند أحمد ، ٣ / ١١٧ ؛ كنز العمال ، ٣ / ٣٩٥ ؛ مسند أبي يعلى ، ٧ / ٣٠٣ ؛ كشف الخفاء ، ٢ / ٣٠٣ ؛ ذيل تاريخ بغداد ، ١ / ١٢٩.

(٢) ورد في عدة مواضع من هذا الكتاب ، وهو أبو الفضل مجد الملك القمّيّ المقتول سنة ٤٩٢ ه‍ أحد وزراء الملك السّلجوقيّ بركيارق.

(٣) مصادر الحديث كثيرة منها : المصنف لابن أبي شيبة ، ٢ / ٣١٠ ؛ بغية الباحث ، ٥٠ ؛ الكامل في ضعفاء الرجال ، ١ / ٣٥٣ ؛ ذكر أخبار أصبهان ، ٢ / ٨٣ ؛ سنن الترمذي ، ١ / ٢٢٠ ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ٣ / ٧٣ ؛ مسند ابن راهويه ، ٤ / ٨٥ ؛ الجامع الصغير ، ١ / ٧٥ ؛ ناسخ الحديث ومنسوخه ، ٢١٩ ـ ٢٢٣ ، وقد علق مؤلفه بقوله : «إذا وضع العشاء فابدأوا بالعشاء ، إذا كان الوقت مبقي وإن الصلاة غير فائتة ، لا أن يبدأ بالعشاء وإن مع فوات الصلاة».

٣٨٠