تأريخ بيهق

فريد خراسان علي بن زيد البيهقي

تأريخ بيهق

المؤلف:

فريد خراسان علي بن زيد البيهقي


المحقق: يوسف الهادي
المترجم: يوسف الهادي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار إقرأ للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٧٢

قد قلت حين سئلت ما

فعل المشيب إذا نزل

جلّت إساءته إليّ

عن السؤال فلا تسل

لكن أريد بقاءه

وأجلّه مع ما فعل

فالشيب لي بدل الشباب

وليس من شيبي بدل

وقوله :

أفض الدمع أبا

يعلى على فقد شبابك

أيها العيش النضير

الغضّ من لي بإيابك

أيها الشيب ترفّق

وتلبّث في نصابك

لا ترعني بذهابي

فذهابي بذهابك

وقد نظم هذا الدوبيت (١) الفارسيّ بالعربيّة :

أنا من نديم السوء صرت مقيدا

وغدوت وعظا للأنام جميعا

سلّيت يا ملك الورى قلبي بأن

ذلّي وعزّك يمضيان سريعا

وله أيضا :

صن العرض بالمال لا المال به

نصحتك فاعمل به وانتبه

ترى ماء وجه الفتى ذاهبا

إذا صرف المال عن مذهبه

أبو محمد إسماعيل بن محمد بن جعفر الحنيفيّ (٢)

ولد ونشأ في قرية دويين ، وكان رجلا فقيها ووجيها ونبيها ، وهو خال الحاكم أبي

__________________

(١) الدوبيت من فنون الشعر الفارسيّ ، ويتضمن بيتين يحتويان مضمونا واحدا.

(٢) هو نجل محمد بن جعفر بن الحسين ، أبي حامد الحنيفيّ الذي مرّ التعريف به فيما مضى.

٣٤١

العلاء صاعد بن محمد الحنيفيّ (١) ، وله ديوان شعر بالعربيّة وتصانيف أخرى ، ومن شعره :

ينعى المشيب إليك نفسك فانتبه

فكأنه عما قليل قد ورد

وكفى بشيب الرأس وعظا فاتّعظ

فالموت مرتقب ليوم أو لغد

عش ما تشاء كما تشاء فإنه

لا بدّ من موت وإن طال الأمد

[١٨٢] إن لم يكن لك شيب رأسك واعظا

أو لم يكن لك واعظا شيب الولد

العمر لو أضحى حسابا مثبتا

في الكتب كان الشيب تاريخ العدد

لو كان يبقى في الورى حيّ إذن

يبقى للقمان بن شدّاد لبد

ويزيد ديوان أشعاره على مجلدين.

الشيخ الرئيس الوزير أبو العباس إسماعيل بن علي بن الطيب بن محمد بن علي العنبريّ (٢)

ولد ونشأ في قصبة سبزوار ، وكان له تصانيف كثيرة ، أحدها كتاب الفرح بعد الترح ، وقد تولى الوزارة لإيلك خان بما وراء النهر سنوات عديدة (٣) ، ثم إنه استقال منها ، ولما ورد السلطان محمود إلى خراسان عرض عليه وزارته ، فرفض ، فأمر السلطان بحبسه ، وهناك دس له سم في طباهجة (٤) ، وكنا قد تحدثنا قبل هذا عن بيت

__________________

(١) هو «صاعد بن محمد بن أحمد بن عبد الله عماد الإسلام الاستوائيّ قاضي نيسابور المتوفى في ذي الحجة سنة ٤٣٢ ، كان عالما فقيها حنفيا انتهت إليه رئاسة الحنفيّين بخراسان» (مجمل فصيحي ، ٢ / ١٦٢ ، تاريخ مدينة السلام ، ١٠ / ٤٧٠).

(٢) كان المؤلف قد عرّف به وبأخيه أبي محمد عبد الله ضمن ذكره أسرة العنبريّين.

(٣) لا ندري أي ملك من ملوك الإيلكخانية اتخذه وزيرا وقد نقل مؤلف لغت نامه دهخدا ترجمته بحذافيرها من تاريخ بيهق.

(٤) طباهجة : لحم يفرم ناعما مع البصل ويحمر بالسمن ويدعى الكباب الشامي أيضا ، ويطلق أيضا على نوع من الطعام يعدّ من اللحم والبيض ، والكلمة معربة من الفارسيّة : تباهه.

٣٤٢

العنبريّين.

وله من الشعر ما يزيد على خمسة مجلدات ، ويغلب عليه التجنيس ، قال :

إذا ما دعا الله عبدا له

وأخلص إيمانه مانه

ومن لزم الصدق في قوله

وثقّل ميزانه زانه

ومن شأنه ضيم جيرانه

يرى عاجلا شانه شانه

ومن رسائله هذا الفصل :

مثل الدنيا كمثل غادة فيها رعونة ، ولها عادة ملعونة ؛ تقتل بعلها ونخطبها ، وتهلك أبناءها ونطلبها.

ومن رسالة أخرى له : وصل لفلان كتاب أتقن كتاب الود ، وخطاب تضمن خطب العهد ؛ وكفى خطوب الجوى ، وفل غروب النوى ، وذكر أيام ترقيع الكوى بمحاجر الدمى ، وعهد تيماء باللوى ؛ والروض نضر والغمام سجام ، والعيش غض والزمان غلام. شمائله شمول ، شؤبوبها صوب مشمول.

والعقب من أبي الطيب محمد العنبريّ : علي بن الطيب العنبريّ ، والعزيز بن الطيب.

والعقب من علي بن الطيب العنبريّ : عبد الحميد بن علي بن الطيب ، والعالم الوزير الفاضل أبو العباس إسماعيل بن علي بن الطيب [١٨٣] وأبو جعفر محمد بن علي بن الطيب.

ومن أولاد محمد : مستوفي الناحية أبو سعد محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي العنبريّ ، وكان العميد تاج الأفاضل شاه ابنه (١).

__________________

(١) من بين جميع هؤلاء فإن المعروف هو شاه بن محمد هذا والذي سيترجم له المؤلف لاحقا.

٣٤٣

أبو محمد الحمداني البراكوهي (١)

كان من براكوه من قرية كيذر ، قصده المستفيدون من أطراف العالم ليستفيدوا منه ، سكن في العراق مدة ، ثم جاء إلى بيهق ، وأفاد ما استفاد.

كتب إلى عميد الحضرتين أبي الفتح المستوفي ، يعتذر له عن الحضور لخدمته ، بسبب ألم ألمّ بعينه :

أيها الصاحب العميد ومن لم

يؤت إدراك شأوه أحد

صوم وعين رمداء موجعة

وفوت رؤياك فوق ما أجد

فالعين لا تستطيع هائجة

تقابل الشمس حين تتّقد

الإمام الحافظ المحدث أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقيّ (٢)

لا ثاني له في علم الحديث ، تفقه على الإمام سهل الصّعلوكيّ (٣) ، ولم يكن في

__________________

(١) كيذر أو كيدر : من قرى بيهق. أمّا الحمداني فهو أبو محمد عبد الله بن محمد الحمداني الخوافيّ ، ترجم له الباخرزيّ في دمية القصر (ط العاني ، ٢ / ٣٣٨) وقال عنه : «صديقي الصدوق ومن جمعتني وإياه صحبتا السفر والحضر ، وتواردنا سنين على الصفو والكدر ... وقد أقام حينا بالعراق ولا غرض له إلّا أن يشرب ماء دجلة طبعه ، ويروّح بشمال بغداد شعره ...» روى عنه الباخرزيّ بكثرة (انظر فهرس دمية القصر ، ٢ / ٥٩٥). ويستفاد من الباخرزيّ أنه كان ببغداد في ٤٥١ ه‍ وفي أصفهان سنة ٤٥٥ ه‍ (انظر : ١ / ٢٦٠ ، ٣٣٨ ؛ انظر أيضا : مجمع الآداب ، ٢ / ٢٠٨ ؛ التدوين ، ١ / ٢٨٠).

(٢) الخسروجرديّ من كبار فقهاء ومحدثي الشافعية ، (٣٨٤ ـ ٤٥٨ ه‍) الملقب بشيخ السنة وشيخ الإسلام ، روي عن أبي المعالي الجوينيّ قوله : «ما من فقيه شافعي إلّا وللشافعي عليه منّة ، إلّا أبا بكر البيهقيّ ، فإن المنة له على الشافعي لتصانيفه في نصرة مذهبه» (سير أعلام النبلاء ، ١٨ / ١٦٤ ـ ١٧٠) وهو مترجم في عشرات المصادر فضلا عن سير أعلام النبلاء ، منها : تاريخ الإسلام للذهبي ، ٤٣٨ (حوادث ٤٤١ ـ ٤٥٠ ه‍) ؛ المنتخب من السياق ، ١٠٨ ؛ طبقات الشافعية الكبرى ، ٤ / ٨ ـ ١٦ ، طبقات الشافعية للإسنوي ، ١ / ٩٨ ؛ التّقييد ، ١٣٧ ؛ تذكرة الحفاظ ، ٣ / ١٣٢ ؛ طبقات الحفاظ ، ١ / ٤٣٣ ؛ الوافي بالوفيات ، ٦ / ٣٥٤ ؛ طبقات الفقهاء الشافعيين لابن كثير ، ٢ / ٤٢٩ ؛ مجمل فصيحي ، ٢ / ٩٨ ، ١٨١.

(٣) هو أبو الطيب سهل بن أبي سهل محمد بن سليمان الصّعلوكيّ المتوفى سنة ٣٨٧ ه‍.

٣٤٤

عصره بخراسان من له قدرته على إدراك أحاديث المصطفى صلوات الله عليه ، على أوجهها.

روى عن الحاكم أبي عبد الله الحافظ مصنف كتاب تاريخ نيسابور ، وعن الإمام أبي طاهر محمد بن محمد الزّياديّ ، والأستاذ الإمام ابن فورك ، وعن أبي عبد الرحمن السّلميّ.

وحدث مرة أنه كان في مجلس الحاكم أبي عبد الله الحافظ ـ وكان غاصا بجمع كثير من العلماء ـ أن روى الحاكم أبو عبد الله حديثا ، فأسقط أحد رواته ، فقال الإمام أحمد لقد تركت أحد الرواة ، ولما غضب الحاكم أبو عبد الله ، طلب إليه أن يحضر الأصل ، فأحضره ، فكان الأمر كما قال الإمام أحمد.

ومن مشاهير مصنفات الإمام أحمد البيهقيّ رحمه‌الله : كتاب المبسوط ، وكتاب السنن ، وكتاب دلائل النبوة ، وكتاب معرفة علوم الأحاديث ، وكتاب البعث والنشور [١٨٤] ، وكتاب الآداب ، وكتاب فضائل الصحابة ، وكتاب الاعتقاد ، وكتاب فضائل الأوقات (١).

وكان أصله من شامكان ونوبهار ، وكان أسلافه ينتسبون إلى شامكان ، أما هو فكانت ولادته ببيهق في خسروجرد وأباري.

كان الأستاذ أبو القاسم الفورانيّ (٢) ـ جد الإمام الحسين بن أبي العباس الفوران (٣) ـ أستاذه في الفقه ، وتلميذه في علم الحديث.

__________________

(١) ما ذكره المؤلف هنا هو بعض مؤلفاته وإلّا فهي كثيرة وقد طبع أغلبها.

(٢) أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن فوران المروزيّ الفورانيّ ـ نسبة إلى أحد أجداده ـ المتوفى سنة ٤٦١ ه‍ (الأنساب ، ٤ / ٤٠٥) ، وفي المنتخب من السياق (ص ٣٤٠) أنه قدم إلى نيسابور سنة ٤٥٧ ه‍.

(٣) هو أبو علي الحسين بن محمد بن الحسن الفورانيّ البيهقيّ المترجم له في المنتخب من السياق من غير ذكر لسنة وفاته (ص ٢١٨).

٣٤٥

قال أبو القاسم البرزهيّ (١) البيهقيّ في حق الإمام أحمد البيهقيّ :

يا أحمد بن الحسين البيهقيّ لقد

دوّخت أرض المساعي أيّ تدويخ

أنت المليّ بتقديم وتكرمة

أنت الحريّ بتأميم وتشييخ

هذا كتاب ولكن حشوه حجج

يغادر الكفر ممنوّا بتقليخ

«كدار بطيخ تحوي كلّ فاكهة

وما اسمها الدهر إلا دار بطيخ»

والعقب منه : شيخ القضاة إسماعيل (٢) ـ وكان قاضي خوارزم ، وقد رأيته وسمعت منه الحديث حين عاد إلى بيهق في شهور سنة ست وخمس مئة ـ وابن آخر.

والعقب من شيخ القضاة إسماعيل : القاضي أحمد المقيم بقرية أباري (٣) ، ومات في سنة خمس وعشرين وخمس مئة.

أبو الحسن علي بن محمد المؤذن (المؤدب) الخسروآباديّ (٤)

ولد ونشأ في خسروآباد ، وكان تلميذ الأستاذ الإمام أبي سعد الخركوشيّ ، وروى عنه الكثير من أحاديثه ومصنفاته.

قال : حدثنا الأستاذ الإمام أبو سعد عبد الملك الواعظ الخركوشيّ رحمه‌الله ، حدثنا محمد بن عبد الواحد الخزاعيّ بالري (٥) ، حدثنا أبو علي البلخيّ حدثنا الحسين

__________________

(١) هو حمزة بن الحسين المتوفى سنة ٤٨٨ ه‍ وسيترجم له المؤلف لاحقا. والبيت الأخير من قصيدته «كدار بطيخ ...» تضمين لبيت مشهور لمحمد بن لنكك البصري (انظر : يتيمة الدهر ، ٢ / ٤١٤).

(٢) سيترجم له المؤلف لاحقا.

(٣) لم نهتد إليه ، أمّا أبوه فهو إسماعيل (المتوفى سنة ٥٠٧ ه‍) نجل شيخ السنة أبي بكر البيهقيّ.

(٤) لا نعلم عنه شيئا إلّا أن شيخه هو أبو سعد عبد الملك بن محمد الخركوشيّ المتوفى سنة ٤٠٦ أو ٤٠٧ ه‍.

(٥) هو محمد بن عبد الواحد بن محمد بن زكريا الخزاعيّ ، أبو حاتم من أهل الري كان حيا في ٣٩٢ ه‍ (تاريخ مدينة السلام ، ٣ / ٦٢٤). أما بقية رجال السند فمن الصعب تحديدهم ، ذلك أن أبا علي البلخيّ أو الحسين بن محمد أو ابن أبي صالح (ربما كان النّيسابوريّ) أو إبراهيم الدّلّال ، مما يصعب العثور عليهم بهذه التسميات.

٣٤٦

ابن محمد ، حدثنا أحمد بن أبي صالح ، قال سمعت إبراهيم الدّلّال يقول : سمعت ابن عيينة يقول : رأيت سفيان الثّوريّ يقول لي : أقلّ من معرفة الناس ، أقلّ من معرفة الناس (١).

أبو الحسن علي بن محمد السّويزيّ المقيم بسبزوار (٢)

ولد في قرية سويز ، ونشأ وأقام في قصبة سبزوار ، وكانت وفاته في سنة عشرين وأربع مئة.

قال : حدثنا أبو عمرو محمد بن محمد بن صابر (٣) ببخارى سنة ثمان [١٨٥] وستين وثلاث مئة ، قال : حدثنا أبو علي صالح بن محمد البغداديّ ، قال : حدثنا محمد بن عبد الوهاب بن الزبير قال : حدثنا أبو شهاب عبد الله بن نافع ، عن داود بن أبي هند ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدريّ ، أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، اشتكى ، فرقاه جبرئيل وقال : بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك والله يشفيك من كل داء يوديك (٤).

__________________

(١) نسب هذا الكلام للثوري في العلل لأحمد بن حنبل (ص ٣٢٩) وفيض القدير (٣ / ٥٨٥) وسير أعلام النبلاء (٧ / ٢٧٦) ، ونسب لبشر بن منصور (٨ / ٣٦١) وتكملته : فإنك لا تدري ما يكون ، فإن كان يعني فضيحة غدا ، كان من يعرفك قليلا ، ولبشر أيضا في التواضع والخمول لابن أبي الدنيا (ص ٦٥) وتكملته : فإنه أقل لفضيحتك يوم القيامة.

(٢) المنتخب من السياق (ص ٤١٧) وفيه : «السويري ، وسور قرية بجنب مزينان» ويبدو أن الصواب هو السّويزيّ ، وسويز ، فالنسبة إلى هذه القرية ترد بكثرة في تاريخ بيهق.

(٣) في الأصل محمد بن صابر ، والتصويب من المنتخب من السياق (ص ٤١٧) ومن الأنساب (٣ / ٥٠٥ ، مادة الصابري) وغيرهما.

(٤) مسند أحمد ، ٣ / ٢٨ ، ٥٨ ، ٧٥ ؛ سنن ابن ماجه ، ٢ / ١١٦٤ ؛ سنن الترمذي ، ٢ / ٢٢٣ ؛ المصنف لعبد الرزاق ، ١١ / ١٧ ؛ صحيح ابن حبان ، ٣ / ٢٣٣ ؛ الأمالي للشيخ الطّوسيّ ؛ ٦٣٨ ، المصنف لابن أبي شيبة ، ٤٤٢ ، ومصادر جمة أخر.

٣٤٧

الإمام الزاهد المفسر علي بن عبد الله بن أحمد النّيسابوريّ المعروف بابن أبي الطيب (١) :

كان مولد هذا الإمام في نيسابور ، وأقام في قصبة سبزوار ، وقد بنى له الشيخ أبو القاسم علي بن محمد بن الحسين بن عمرو ـ وكان من دهاقين ومتموّلي (٢) القصبة ـ مدرسة في محلة أسفريس في رمضان سنة ثمان عشر وأربع مئة ، وما زال أثرها قائما إلى يومنا هذا.

وكان من تلاميذه ومريديه من مشايخ القصبة : الشيخ أبو القاسم علي بن محمد بن الحسين بن عمرو ، ومحمد بن الحسين بن عمرو ، جد الحسن بن الحسين بن محمد بن الحسين بن عمرو رحمهم‌الله.

ومن تلاميذه : الحاكم الإمام أبو سعد بن كرامة (٣) ، والإمام أبو حنيفة البوياباديّ النّيسابوريّ (٤) ، والإمام حمزة المقراضيّ المتكلم (٥).

وله عدة تفاسير : التفسير الكبير وهو في ثلاثين مجلدا ، والتفسير الوسيط في خمسة عشر مجلدا ، والتفسير الصغير في ثلاثة مجلدات ، وقد أملاها جميعها من حفظه ، وكانت مباحثه فيها معتبرة.

__________________

(١) معجم الأدباء ، ٤ / ١٧٨١ ونص ياقوت على أنه نقل ترجمة حياته من تاريخ بيهق ، ثم ذكر مؤلفاته ؛ مجمل فصيحي ، ٢ / ١٧٦ وقال إنه كان تلميذ أبي سليمان فندق بن أيوب ، ثم ذكر مؤلفاته وقال إنه توفي سنة ٤٥٢ ه‍ ؛ سير أعلام النبلاء ، ١٨ / ١٧٣ حيث وصفه الذهبي «بالمفسر الأوحد وأنه كان آية في الحفظ مع الورع والعبادة والتألّه» ؛ الوافي بالوفيات ، ٢١ / ٢٠٧ ؛ طبقات المفسرين للسيوطي ، ٦٥.

(٢) مفردها الدّهقان : تطلق على «من كان مقدم ناحية من القرى ، ومن يكون صاحب الضيعة والكروم» (الأنساب ، ٢ / ٥١٦) والمتمول : ذو المال الوافر.

(٣) سيترجم له المؤلف لاحقا ، واسمه المحسن بن كرامة.

(٤) هو عثمان بن علي بن الحسن وسيترجم له المؤلف لاحقا.

(٥) لا نعلم عنه شيئا.

٣٤٨

قيل إنه لما توفى رحمه‌الله ، وجد في مكتبته أربعة كتب : واحد في الفقه ، الثاني في الأدب ، وكتابان في التاريخ ، ولم يكن له من تركة غير ذلك.

توفي في الثامن من شوال سنة ثمان وخمسين وأربع مئة ، ومرقده في مقبرة قصبة سبزوار ، ومن المجرب أن كل حاجة تطلب من الحق تعالى هناك تكون مقرونة بالإجابة.

ولم يكن له عقب.

جيء به إلى السلطان محمود في جمادى الأولى سنة أربع عشرة وأربع مئة ، فروى خبرا عن المصطفى من غير أن يؤذن له ، فقال السلطان لأحد غلمانه : ناوله ، فضربه الغلام بقبضة يده على رأسه ، فضعف سمعه من أثر ذلك الجرح ، إلا أن السلطان اعتذر له بعد ذلك ، عند ما علم بعلمه وورعه وديانته ونزاهة نفسه ، وأعطاه مالا ، لكنه لم يقبله ، ولم يرض قلبه بالعذر الذي قدّمه ، وقال : لقد سلبت ظلما مني [١٨٦] الهدية التي وهبها لي الحق تعالى ، أعطني سمعي لكي أكون مسرورا ، ثم اتجه نحو السلطان وقال : الله بيني وبينك بالمرصاد ، إن رواية خبر عن المصطفى عليه‌السلام ووعظ الناس لا يحتاجان إلى إذن من الملوك ، وإن عقوبتك هذه ليست في موضعها ، فخجل السلطان وطأطأ رأسه ، فانصرف من عنده (١).

وقد أورد هذا الفصل في خطبة كتاب التفسير : الزمان زمان السفهاء السفل ، والقران قران انقلاب النحل ؛ والفضول في أبنائه فضول ، وطلوع التمييز فيهم أفول ؛ والدّين دين ، والدنيا عين ؛ وإن تحلّى في الندرة أحدهم بالعلوم ، وادعى أنه في الخصوص من العموم ؛ فغايته أن يقرأ القرآن وهو غافل عن معانيه ، وتحلى بالفضل وهو لا يدانيه ؛ ويجمع الأحاديث والأخبار ، وهو فيها كمثل الحمار يحمل الأسفار.

__________________

(١) روى هذه الواقعة ياقوت في معجم الأدباء (٤ / ١٧٨١) والذهبي في سير أعلام النبلاء (١٨ / ١٧٣).

٣٤٩

كان له ديوان شعر ، ذكر بعضه في رثاء الأمير زياد الزّياديّ ، ومن شعره أيضا هذه المقطعة التي كنت قد ذكرتها في كتاب وشاح دمية القصر :

فلك الأفاضل أرض نيسابور

مرسى الأنام وليس مرسى بور

دعيت «أبر شهر» البلاد لأنها

قطب وسائرها رسوم السور

هي قبة الإسلام نائرة الصوى

فكأنها الأقمار في الديجور

من تلق منهم تلقه بمهابة

وفّت عليه لفضله الموفور

لهم الأوامر والنواهي كلّها

ومدى سواهم رتبة المأمور

وكان لهذا الإمام الفريد اختلاف إلى جدّ جديّ إمام الآفاق أبي سليمان فندق بن أيوب في الفقه ، في المدرسة التي في وسط سوق القصبة ، وفي مدرسة الصّاعديّ بنيسابور.

السيد الرئيس الأجل أبو يعلى زيد بن السيد العالم علي بن محمد بن يحيى العلوي الحسينيّ زبارة الفريومديّ (١)

من بيت النقابة والسيادة ، ذكرت مفاخره ومفاخر آبائه في كتاب لباب الأنساب ، وكان سيدا منعّما متجملا وذا مروءة تامة ، وكانت إقامته في فريومد ، وله في تلك البقاع أملاك كثيرة ، روى [١٨٧] الأحاديث عن السيد أبي منصور ظفر (٢) ، والحاكم أبي القاسم الحسكانيّ الحذّاء (٣) الذي كان محدث خراسان ، ودّع نيسابور وانتقل إلى

__________________

(١) المنتخب من السياق (ص ٢٤١) لباب الأنساب (٢ / ٥٠٢).

(٢) هو ظفر بن محمد بن أحمد زبارة.

(٣) في الأصول : أبو القاسم جنكاني خدا. وهو «القاضي المحدث أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن حسكان القرشيّ العامري النّيسابوريّ ويعرف بابن الحذّاء ، وهو من ذرية الأمير عبد الله بن عامر بن كريز الذي افتتح خراسان زمن عثمان ، وكان معمرا عالي الإسناد ... ، توفي بعد ٤٧٠ ه‍» (تذكرة الحفاظ ، ٣ / ١٢٠٠ ؛ سير أعلام النبلاء ، ١٨ / ٢٦٨.

٣٥٠

قرية فريومد ، وسمع من هذا السيد الأحاديث ، ومن مسموعات هذا السيد ، ما روي من أن السيد أبا منصور قد روى ـ وكنا قد ذكرنا ذلك من قبل ـ عن رسول الله صلى الله عليه أنه قال : «من سمع منا حديثا فليبلغه كما سمعه ، فإنه ربّ مبلغ أوعى من سامع» (١).

روي أن ابنه السيد الأجل فخر الدين أبا القاسم علي ، لمّا خرج من القرار المكين إلى عالم التكوين كان هو آنذاك بقرية فيروز آباد ، مغادرا العراق إلى أصفهان ، وقد بلغ عمره معترك المنايا ، فلما بلغته البشارة بذلك المولود ، أطرق ساعة مفكرا ، ثم انهمرت الدموع على وجهه وقال : بالأمس كنت بحاجة إلى الولد ، إلا أن الحق تعالى لم يقدّر ذلك ، وغدا سيكون هذا الطفل بحاجة إلى الأب ، حيث لن أكون موجودا ، والفأل على ما جرى.

وقد ودع الدنيا في هذا السفر بأصفهان ، وانتقل إلى رحمة الحق تعالى في شهور سنة سبع وأربعين وأربع مئة.

أما ابنه فخر الدين أبو القاسم اليتيم هذا ، فقد أنبته الله نباتا حسنا ، حتى ضرب به المثل في العراق وخراسان والعرب والعجم في الزهد والحسب والنسب والسخاء ، وآثاره في طريق مكة ظاهرة ، وقد كتبت مفاخره بأقلام الدوام ، على صحائف الأيام.

توفي السيد الأجل فخر الدين أبو القاسم بقرية فريومد ، يوم الخميس الرابع من ربيع الأول سنة اثنتين وعشرين وخمس مئة (٢).

__________________

(١) مسند أحمد ، ٥ / ٣٩ ، ٧٣ مع اختلاف يسير في الألفاظ ؛ صحيح البخاريّ ، ١ / ٢٤ ، ٨ / ٩١ ؛ السنن الكبرى ، ٨ / ٢٠ ؛ مسند أبي يعلى ، ٩ / ١٩٨ ؛ الكفاية في علم الرواية ، ١٧٢ ؛ الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ، ٢ / ٣٠٠ ، ومصادر أخر.

(٢) مجمع الآداب (٣ / ٨٠) ، وهو علي بن زيد ، فخر الدين أبو القاسم العلوي الفريومديّ النقيب.

٣٥١

الإمام أبو جعفر محمد بن أحمد بن علي بن محمد بن علي بن مهران (١)

من مشايخ علماء بيهق ، وكان مفسرا ومحدثا ومذكرا ، وقد روى عن أبي محمد عبد الرحمن بن محمد الدّهّان (٢) ، وروى عنه الحاكم أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله الحذّاء الحسكانيّ (٣).

قال : حدثنا أبو محمد عبد الرحمن بن محمد الدّهّان التّميميّ قال : حدثنا ابن طرخان البلخيّ (٤) قال : حدثنا أبو القاسم عبد العزيز بن عبد الله الهاشمي قال : حدثنا عبد القدوس قال : حدثنا إبراهيم بن محمد بن كيسان ، عن خلاد بن منده ، عن سعيد بن جبير ، عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه [١٨٨] أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه : «من عكف نفسه ما بين المغرب والعشاء في مسجد جماعة لم يتكلم إلا بصلاة أو قرآن ، كان حقا على الله تعالى أن ينزله قصرين في الجنة ، مسير ما بين قصرين مئة عام ، ويغرس له بينهما أغراسا لو نزلها أهل الدنيا لوسعهم» (٥).

أبو عبد الله محمد بن أحمد بن معاذ البيهقيّ (٦)

مع أنه قد ولد في بيهق ، إلا أن إقامته كانت في نيسابور ، وكان مشهورا ومعتمدا في

__________________

(١) لم نهتد إلى مصدر ترجمته.

(٢) هو عبد الرحمن بن محمد بن محبور الدّهّان ، أبو سعيد النّيسابوريّ (الإكمال لابن ماكولا ، ٧ / ١٦٩).

(٣) مرّ التعريف به فيما مضى وذكرنا انه توفي بعد ٤٧٠ ه‍.

(٤) عبد الله بن محمد بن علي بن طرخان البلخيّ ، توفي سنة نيف وسبعين ومئتين (الإرشاد للخليلي ، ٣ / ٩٤١).

(٥) الحديث في تاريخ مدينة السلام (١٢ / ٢١٨) وفيه : «من أعكف نفسه ما بين المغرب والعشاء في مسجد جماعة لم يتكلم إلّا بصلاة وقرآن ، كان حقا على الله أن يبني له قصرا في الجنة». وبهامش الصفحة علق الدكتور بشار عواد معروف بقوله : «إسناد فيه عبد القدوس بن إبراهيم ، وقد تفرد به وهو ممن لا يحتمل تفرده» ونقل عن العراقي في تخريج أحاديث الإحياء (١ / ٣٥٢) قوله : «لم أجد له أصلا من هذا الوجه».

(٦) المحتمل أن يكون محمد بن أحمد بن معاذ ، أبا بكر الفاميّ النّيسابوريّ المذكور في تاريخ نيسابور (ص ١٩٥) وأن غلطا وقع في كنيته من النساخ.

٣٥٢

رواية الأحاديث.

قال وهو بنيسابور : حدثنا أبو عمرو بن حمدان الحيريّ (١) قال : حدثنا الحسن بن سفيان قال : حدثنا علي بن حجر قال : حدثنا إسحاق بن نجيح ، عن ابن جريج ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عباس أنه قال : قال رسول الله : «من حفظ على أمتي أربعين حديثا من السنّة ، كنت له شفيعا يوم القيامة» (٢).

شعيب بن محمد بن جعفر الحنيفيّ الواعظ البيهقيّ (٣)

كان مزينانيا ، وتقدم ذكر أبيه ، أناب عن والده في الوعظ والتذكير ، ولما عجز والده الهرم ، حيث تحدث عدة كلمات ، ارتقى هو المنبر وأكمل الخطبة عن طريق التذييل ، وكانت الكلمات التي قالها والده قد بلغت النهاية ، وكان رجلا عالما زاهدا لا يأكل إلا من الرزق الحلال ، وقد دعوه إلى نيسابور وولوه إمامة الجامع القديم فيها ، إلا أنه استقال وانتقل إلى بيهق ، حيث أزعجه حب الوطن من نيسابور ، وانتقل إلى جوار رحمة الحق تعالى.

الإمام أبو عبد الله محمد بن منصور بن أحمد بن حميد الأديب البيهقيّ (٤)

ولد ونشأ في قرية كرّاب ، وله تصانيف كثيرة منها كتاب زهرة معاني البيان في

__________________

(١) هو أبو عمرو محمد بن أحمد بن حمدان بن علي الحيريّ المتوفى سنة ٣٨٠ ه‍ (الأنساب ، ٢ / ٢٩٨).

(٢) قال أبو بكر البيهقيّ في كتاب الأربعين الصغرى (ص ٢٢): «ما روي بأسانيد واهية عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال من حفظ على أمتي أربعين حديثا ينتفعون بها ، بعثه الله يوم القيامة فقيها عالما» ؛ تذكرة الموضوعات للفتني (ص ٢٧) ؛ المحدث الفاصل (ص ١٧٣) ؛ الجامع الصغير (ص ٢ / ٥٩٥) ؛ الكامل في ضعفاء الرجال (١ / ٣٣٠ ، ٣ / ١٨ ، ٥ / ١٥٠).

(٣) المنتخب من السياق (ص ٢٧١) ، وأبوه : محمد بن جعفر بن الحسين ، أبو حامد الحنيفيّ (كان حيا في ٤٠٨ ه‍).

(٤) الكرّابيّ ، وكرّاب قرية على بعد ٢٥ كيلومتر إلى الشمال الغربي من سبزوار. ولم نجد عن الرجل شيئا في المصادر المتوفرة لدينا ، لكن الواضح أنه كان من الزهاد والمتصوفة.

٣٥٣

معاني القرآن ، وهو تلميذ الإمام أبي سهل الصّعلوكيّ (١) ، واتصل بخدمته سنة ستين وثلاث مئة.

روى الشيخ الزاهد الحسين الكرّابيّ ، أن قافلة للحجاج وصلت من بلاد ما وراء النهر إلى خسروجرد.

وكان إمام بخارى قد رأى في المنام أن المصطفى صلوات الله عليه قال له : إن أردت أن يقبل الحق تعالى حجك [١٨٩] ويجعل سعيك مشكورا ، فاقطع هذه الفراسخ الثلاثة الموصلة إلى مقبرة ذلك الأديب الكرّابيّ وزره ، فعرض ما رأى في المنام على من معه ، فهبّ كل من كان في القافلة لزيارة ذلك القبر ، وقد ظلت القوافل القادمة من ما وراء النهر ، الذاهبة لزيارة الكعبة ، تجتاز على قرية كرّاب وتتقرب إلى الحق تعالى بزيارة ذلك القبر ، وقد حكم بهذا الواجب تلك الرؤيا الصالحة.

قال أبو عبد الله محمد بن منصور البيهقيّ الكرّابيّ : حدثنا أبو نعيم المهرجانيّ (٢) قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن الحسن بن الشّرقيّ (٣) ، قال : حدثنا عبد الله بن هاشم ، قال ، حدثنا يحيى عن ابن جريج عن رجاله ، أن النبي صلى الله عليه قال : «إن أبغض الرجال إلى الله تعالى الألدّ الخصم» (٤).

__________________

(١) هو أبو سهل محمد بن سليمان الصّعلوكيّ (٢٩٦ ـ ٣٦٩ ه‍).

(٢) هو أبو نعيم عبد الملك بن الحسن المهرجانيّ كما في تاريخ مدينة دمشق (٢١ / ٢٩٩).

(٣) في الأصول : عبد الله بن الحسن الشّرقيّ ، والتصويب من الأنساب (٣ / ٤١٩) وفيه : أبو محمد عبد الله بن محمد بن الحسن بن الشّرقيّ النّيسابوريّ (٢٣٦ ـ ٣٢٨ ه‍).

(٤) صحيح البخاريّ ، ٢ / ٨٦٨ ، ٤ / ١٦٤٤ ، ٦ / ٢٦٢٨ ؛ صحيح مسلم ، ٤ / ٢٠٥٤ ؛ سنن الترمذي ، ٥ / ٢١٤ ؛ السنن الكبرى للنسائي ، ٣ / ٤٨٣ ، ٦ / ٣٠١ ؛ مسند أحمد ، ٦ / ٥٥ ، ٦٣ ، ٢٠٥ ؛ شعب الإيمان ، ٦ / ٣٤٠ ؛ شرح النووي على صحيح مسلم ، ١٦ / ٢١٩.

٣٥٤

ومن منظومه ، قوله وهو يناجي ربه :

فما شئت كان وإن لم أشأ

وما شئت إن لم تشأ لم يكن

خلقت العباد على ما علمت

ففي العلم يجري الفتى والمسن

فمنهم شقي ومنهم سعيد

ومنهم قبيح ومنهم حسن

قال الأديب الكرّابيّ : إن قول المرء مخبوء تحت لسانه (١) ، مأخوذ من قول الحق تعالى (إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ)(٢).

وروى الإمام الكرّابيّ هذا أنه كان لسفيان الثّوريّ مجلس ، كان الأخفش فيه حاضرا ، فقال الثّوريّ : ما ذا تقول في الفردوس ، أمذكر هو أم مؤنث؟ فقال الأخفش إنه مذكر.

فقال الثّوريّ : إن الحق تعالى يقول : (الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ)(٣) فقال الأخفش : إن المراد بذلك الجنة ، و (ها) عائدة إلى الجنة.

فقال الثّوريّ : ولماذا قيل الفردوس الأعلى ، ولم يقولوا الفردوس العليا؟

فقال الأخفش : أعلى على زنة أفعل ، وليس فعلى.

قال مصنف هذا الكتاب : رأيت كثيرا في الكتب أن فردوس ، معرّب كلمة بروست وفروست وهو بالفارسيّة نوع من أنواع البساتين (٤) ، والله اعلم.

__________________

(١) من أقوال الإمام علي (نهج البلاغة ، ٤ / ٩٤) ، وفيه : تكلموا تعرفوا ، فإن المرء مخبوء تحت لسانه ؛ الإرشاد للمفيد (١ / ٣٠١) ؛ عيون الحكم والمواعظ (ص ١٨ ، ٢٠١) ؛ المناقب للموفق الخوارزميّ (ص ٣٧٥) ؛ سبل الهدى والرشاد (١١ / ٣٠٠) ، ومصادر أخر.

(٢) سورة يوسف ، الآية ٥٤.

(٣) سورة المؤمنون ، الآية ١١.

(٤) الفردوس : فارسية معربة ، وردت في الأفستا الكتاب المقدس لدى المجوس ، وتعني البستان أو الحديقة (انظر : فرهنك فارسي ، فردوس).

٣٥٥

يقول الإمام الكرّابيّ : ثلاثة من الأقوال مشهورة ، إلا إن قائلها مجهول [١٩٠] ولا يعلم أحد من قالها : إذا لم تستح فاصنع ما شئت (١) ؛ وما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن (٢) ؛ ومن طلب وجدّ ، وجد (٣).

ويقول عجبت لمن تحمل مشقّة تحصيل النحو عمرا ليصون كلامه من الخطأ ، لكنه غافل عن صيانة أفعاله من الخطأ ، لأن صيانة الأفعال من الخطأ أولى من صيانة الأقوال ، ثم أنشد هذين البيتين (٤) :

لبسنا للجمال لنا ثيابا

وقد صدأت بقسوتها القلوب

وأعربنا الكلام فما لحنّا

ونلحن في الفعال فلا نصيب

حمزة بن أحمد بن سعيد بن محمد البلخيّ (٥)

جاء إلى هذه الناحية قادما من بلخ ، ذاهبا لزيارة الكعبة سنة إحدى وثمانين ومئتين ،

__________________

(١) صحيح البخاريّ (٤ / ١٥٢ ، ٧ / ١٠٠) وفيه : «قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن مما أدرك الناس من كلام النبوة ، إذا لم تستح فافعل ما شئت» (انظر أيضا : مسند أحمد ، ٤ / ١٢١ ؛ سنن أبي داود ، ٤٣٦١٢ ؛ مسند الشهاب ، ٢ / ١٨٧ ؛ تاريخ مدينة السلام ، ٧ / ٢٧ ، ١١ / ٦١٣ ، ١٢ / ٧٧ ؛ ومصادر أخر).

(٢) نسب هذا الكلام للنبي (ص) في سنن أبي داود (٢ / ٤٩٢) ؛ وفي كتاب الدعاء للطبراني (ص ١٢) ضمن دعاء يقال في الصباح والمساء للحفظ من المكاره (انظر أيضا : حز الغلاصم ، ١٨ ؛ الأذكار النووية ، ٨١ ؛ سبل الهدى والرشاد ، ١٠ / ٢٣١ ؛ كنز العمال ، ٢ / ١٣٩ ، ومصادر أخر).

(٣) في فيض القدير (٤ / ١٤٥): «وفي الإنجيل : سلوا تعطوا ، اطلبوا تجدوا ، اقرعوا يفتح لكم ، كل من سأل أعطي ، ومن طلب وجد ، ومن يقرع يفتح له».

(٤) لم نجد قائلهما ، لكن يوجد ما يشبه البيت الثاني من حيث المعنى في اقتضاء العلم للعمل (ص ٩٢) نسب لبعض الزهاد :

لم نؤت من جهل ولكننا

نستر وجه العلم بالجهل

نكره أن نلحن في قولنا

ولا نبالي اللحن في الفعل

(٥) لم نعثر على مصدر لترجمته.

٣٥٦

وعند ما عاد أقام في كرّاب ، وبقى له هناك أولاد وأعقاب.

فصل : كان من أرباب بيوتات بيهق (١) ، أميرك بن علي بن طيفور ، ومن أعقابه : الفقيه الأديب فقيه القوم الحسن بن محمد بن الحسن بن طيفور (٢) ، وسكة طيفور معروفة في باب معمر بنيسابور.

وإبراهيم بن الحسن بن علي.

والفقيه علي بن الحسن بن علي الدلقنديّ.

والشيخ الحسن بن الحسين بن علي الفاميّ ، والفاميّ هذه هي التي تلتبس بالتصريف مع كلمة القاضي ، كما أشرنا إلى ذلك.

والفقيه بهرام بن عبد الرحمن ، وكان من طبرستان وله بها أعقاب.

والفقيه علي بن الحسين اليعقوبي.

والفقيه علي بن أحمد القمّيّ ، رحمهم‌الله.

الأمير السيد أبو الحسن علي بن أحمد بن ظفر العلوي الحسينيّ زبارة (٣)

كان مقدّم السادات ببيهق ، ولم يكن في السادات من يتقدم عليه في كتابة فصول المحاضر [١٩١] ، والحلّ والترحال (٤).

وكان من علماء السادات ، وهو والد السيد أبي الحسن ، الذي ذكر في الطبقات ،

__________________

(١) لم نجد منهم في المصادر سوى علي بن الحسين اليعقوبي الصّوفيّ الفوشنجي (التحبير ، ١ / ٣٠٧ ، ٢ / ٩١ ، ٣٧٢) استنادا إلى اسم أحد أحفاده ، والحسن بن محمد الآتي.

(٢) كما في مجمع الآداب (٣ / ٢٥٨) فهو «فقيه القوم أبو محمد الحسن بن محمد بن الحسن بن محمد طيفور النّيسابوريّ الأصولي ، كان من أعيان أفاضل خراسان».

(٣) نسابة بيهق كما في لباب الأنساب (٢ / ٦٤١) وفيه : علي بن أحمد بن محمد بن ظفر ، وهو الصواب.

(٤) كذا في الأصل ، ولعله أراد : الحل والعقد.

٣٥٧

وللسيد أبي الحسن هذا ديوان شعر ، وروى الأحاديث عن أبي سعيد البصرويّ (١).

قال : حدثنا أبو سعيد البصرويّ قال : حدثنا أبو عمرو إسماعيل بن نجيد ، قال : حدثنا محمد بن عمار بن عطية ، قال : حدثنا حفص بن عمر قال : حدثنا يحيى بن سعيد قال : حدثنا عبد الله بن أبي الزناد ، عن الأعرج عن أبي هريرة ، عن النبي أنه قال : «من تقحّم في الدنيا فهو يتقحم في النار» (٢).

وهو ابن السيد أبي علي أحمد بن السيد أبي الحسن محمد بن ظفر العلوي الحسينيّ زبارة (٣) ، وقد ذكرت تفصيل هذا النسب في كتاب لباب الأنساب.

الشيخ الرئيس العالم طاهر بن عبد الله البيهقيّ (٤)

من دستجرد (٥) من ربع كاه ، وكان الشيخ عبد الله الدستجرديّ من أولاده ، وقد رأيت أنا هذا الشيخ وكان رجلا ذا فضل وكفاءة ، يسأل أدباء القصبة عن معاني الأبيات ، وكان كتاب إصلاح المنطق (٦) على طرف لسانه ، وقد ترجم الشيخ أبو منصور الثّعالبيّ في كتاب تتمة اليتيمة للشيخ طاهر بن عبيد الله (٧) ـ وهو جد هذا

__________________

(١) هو أبو سعيد عبد الرحمن بن حمدان البصرويّ (لسان الميزان ، ٦ / ٨٦).

(٢) الجامع الصغير ، ٢ / ٥٩١ ؛ كنز العمال ، ٣ / ١٩٧ ؛ فيض القدير ، ٦ / ١٠٨.

(٣) المعروف ببلاس بوش ، ترجم له في لباب الأنساب ٢ / ٦٩٧.

(٤) تتمة يتيمة الدهر (ص ٢١٨).

(٥) دستجرد ، معرب دستكرد ، توجد قرى كثيرة في إيران بهذا الاسم ، وتوجد في أطراف بيهق إلى الجنوب من مزينان ، دسكرة تدعى كلاته مزينان (وتعني دسكرة مزينان) ، كان اسمها الأصلي دستكرد (تعليقات أحمد بهمنيار على تاريخ بيهق). وفي فرهنك فارسي (مادة كلاته) : الدسكرة بناء شبه قصر حوله بيوت.

(٦) إصلاح المنطق لأبي يوسف يعقوب بن إسحاق بن السكيت المقتول سنة ٢٤٣ ه‍.

(٧) المترجم له لدى الثّعالبيّ في المطبوع من تتمة اليتيمة (ص ٢١٨) هو طاهر بن عبد الله البيهقيّ وليس جده طاهر بن عبيد الله.

٣٥٨

المترجم له هنا ـ كما ذكره الأستاذ يعقوب مع شعره في كتاب جونة النّدّ (١).

قال الشيخ طاهر الدستجرديّ لأحمد بن عثمان الخشناميّ (٢) :

يا ابن عثمان يا كريم السجايا

حاطك الله من جميع البلايا

أنت في الفضل والبلاغة والظرف

وزهر الخصال فقت البرايا

صحّ لّما رأيتك اليوم عندي

قولهم إنّ في الزوايا خبايا

كان له أعقاب من المشايخ من أهل الكفاية : الشيخ سديد الدين الحسين وتولى عمل طخارستان ، والشيخ أبو علي طاهر الذي كان بيده عمل نيسابور وبيهق.

توفي سديد الدين الحسين يوم السبت الثاني عشر من ذي القعدة سنة خمسين وخمس مئة بسبزوار.

وتوفي أخوه مجير الدين طاهر أبو علي يوم الاثنين الحادي والعشرين من ذي القعدة سنة خمسين وخمس مئة [١٩٢] ، أيضا بقصبة سبزوار ، وكانا في خدمة الأمير الإسفهسالار حسام الدين قزل السّلطانيّ (٣) ، رحمة الله عليهم أجمعين.

الشيخ أبو عبد الله أحمد بن محمد

__________________

(١) هو أبو يوسف يعقوب بن أحمد بن محمد بن أحمد القارئ الأديب البارع الكرديّ كما في المنتخب من السياق (ص ٥٣٦) الذي أضاف أنه «مشهور كثير التصانيف ... مخصوص بكتب أبي منصور الثّعالبيّ ... توفي في رمضان ٤٧٤ ه‍». وهو مؤلف البلغة في اللغة (خريدة القصر ، ٨٤١٢ ؛ كشف الظنون ، ١ / ٢٥٣ ؛ الأعلام ، ٨ / ١٩٤ ، الذي قال عنه إنه مخطوط). وقد عرّف ياقوت في معجم الأدباء (٥ / ٢١٦٧) بكتابه جونه النّد وأفاد منه ، كما اعتمد عليه مؤلفنا في كتابه هذا.

(٢) هو أبو مسعود أحمد بن عثمان الخشناميّ المتوفى سنة ٤٢٩ ه‍ كما في المنتخب من السياق (ص ١٠٦ ، انظر عنه أيضا : تتمة يتيمة الدهر ، ٥ / ١٩٨ ؛ دمية القصر ، ٢ / ٩٩١ ؛ الأنساب ٢ / ٣٧٢).

(٣) نرجح أنه هو نفسه قزل أمير آخور المتوفى قبل ٥٤١ ه‍ (أخبار الدولة السّلجوقيّة ، ١١٧).

٣٥٩

الزّياديّ البيهقيّ (١)

كان يقال له خواجكك الزّياديّ ، ومن أكابر الزّياديّين وأفاضل ناحية بيهق ، وخوطب من ديوان المحموديين ب «الشيخ العالم» ، ورأيت مثالا كتب له من ديوان السلطان طغرل السّلجوقيّ : «مع وافر الاحترام ، الشيخ الرئيس العالم». له نظم ونثر وتصانيف كثيرة ، ومن تصانيفه كتاب شرف المكلف ، كما كانت له مقامات على نمط مقامات بديع الزمان الهمذانيّ ، وروزنامجه كتبها نظما ونثرا وهي في غاية الفصاحة. والعقب منه : علي ، والحسين.

وشعر الحسين كثير ، والقليل منه في أيدي الخراسانيين ، لأن حسينا هذا قد انتقل إلى رحمة الله ببغداد ، ومن منظومه :

شعر أتى فحكى الروض المجود وقد

هبّت عليه الصّبا غنّاجة سحرا

لله أنت وطبع قد ملكت به

قياد كلّ مقال أعجز البشرا

بقيت للفضل ركنا لا انحلال له

ما كابد المدنفون الهمّ والسّهرا

وأما علي ، فقد كان معمرا وسافر كثيرا ، وصل في آخر عمره إلى القصبة ، وهناك توفي في شهور سنة ثلاث عشر وخمس مئة ، والعقب منه ببيهق : مقبل الملك خواجكك أبو عبد الله أحمد ، ومحمد بهراة ، ولمحمد بهراة عقب.

والعقب من مقبل الملك خواجكك أحمد بن علي بن خواجكك الزّياديّ : الشيخ الحسين المعتوه ـ وله مع عتهه خط كجناح الطاووس ـ وحيدر.

__________________

(١) إن كونه معاصرا للسلاطين الغزنويّين وطغرل السّلجوقيّ (حكم من ٤٢٩ ـ ٤٥٥ ه‍) لما يعين على معرفة الفترة التي عاش فيها. ولقبه «خواجكك» تصغير «خواجه» وتعني الكلمة «شيخ» فخواجكك تعني الشويخ. أما حفيده مقبل الملك أحمد الذي سيأتي بعد أسطر فقد ترجم له ابن الفوطي (٥ / ٤٥٠) ، ونص على أنه نقل ترجمته من تاريخ بيهق حيث ورد فيها : «كان صدرا كاتبا حاسبا ، وكان مستوفي الممالك في أيام السلطان سنجر». ولكننا لا نجد هذا الكلام هنا عند ذكر مقبل الملك أعلاه.

٣٦٠