تأريخ بيهق

فريد خراسان علي بن زيد البيهقي

تأريخ بيهق

المؤلف:

فريد خراسان علي بن زيد البيهقي


المحقق: يوسف الهادي
المترجم: يوسف الهادي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار إقرأ للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٧٢

أبو الحسن علي بن إبراهيم البيهقيّ (١)

ولد ونشأ في قرية كسكن ، وكان في عداد أبي حامد المقرئ الذي تقدم ذكره ، وقد دعي بالعربيّ.

قال : حدثنا [أبو بكر أحمد بن يعقوب بن] عبد الجبار بن بغاطر الأمويّ وقت وروده خسروجرد سنة ست وستين وثلاث مئة ، قال : أخبرنا عبد الحميد بن قيس بن عاصم ، قال : حدثنا جدي عاصم بن محمد بن علاثة ، عن المهدي ، عن آبائه ، عن جده الأعلى العباس بن عبد المطلب أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه : «من قال هذه الكلمات كان في حفظ الله وستره ، وهي : الله ربي لا شريك له صلى الله على محمد (وآل محمد) ، اللهم احرسني بعينك التي لا تنام ، اللهم لا تهلكني وأنت رجائي ، إنك على كل شيء قدير» (٢).

كانت إقامته في قرية سويز وقرية ماشدان من ربع مزينان.

__________________

(١) ورد في الأصول أن شيخه الذي يأتي بعد أسطر هو عبد الجبار بن بغاطر الأمويّ ، وقد صوبناه بما وضعناه بين عضادتين اعتمادا على ترجمته الواردة في المنتخب من السياق (ص ٥٦٨) وهي : «أبو الحسن علي بن أحمد بن إبراهيم المغربي الخسروجردي ، من سكانها ، شيخ سنة يعرف بالأعرابي ، سمع من أبي بكر أحمد بن يعقوب بن بغاطر القرشيّ ... وحدث بنيسابور سنة ٤٠٦ ه‍ وعاد إلى الناحية وتوفي». فقول الصريفيني هنا هو الأصوب ذلك أن أحمد بن يعقوب بن عبد الجبار بن بغاطر الأمويّ أقرب زمنيا إلى المترجم أعلاه من جده عبد الجبار ، ففي ترجمة أحمد بن يعقوب هذا الواردة في بغية الطلب (٣ / ١٢٤٨) وتاريخ مدينة دمشق (٦ / ١٠٢) ما يشير إلى ذهابه إلى خراسان وما وراء النهر وتحديثه بهما.

(٢) تاريخ مدينة دمشق ، ١٨ / ٨٧ ؛ تهذيب الكمال ، ٥ / ٩٦ ؛ سير أعلام النبلاء ، ٦ / ٢٦٦ ؛ العدد القوية ، ١٥٧ ، وفيه أنه يقال له «دعاء الفرج» ؛ وفي الصحيفة السجادية (ص ٣٦٧ ، ٣٦٩) أن الإمام علي بن الحسين دعا يوم استباح مسلم بن عقبة المري المدينة المنورة : «اللهم احرسني بعينك التي لا تنام ، واكنفني بركنك الذي لا يرام ، واغفر لي بقدرتك عليّ ، فلا أهلك وأنت رجائي».

٣٢١

بيت الحكام المزينانيّة

الحاكم أبو علي أحمد بن الحسن بن أحمد بن الحسن بن العباس

كان أبو علي الحسن بن العباس مروزيا سكن في مزينان (١) ، وقد أوكل إليه السلطان محمود بن سبكتكين رئاسة مزينان نيابة عن الشيخ الرئيس صاحب ديوان خراسان أبي الفضل سوري بن المعتز (٢) ، وكان أبناؤه حكام ذلك الربع ، وهم أهل فضل ومروءة.

السيد أبو الحسن محمد بن ظفر بن محمد بن أحمد الزّبارة العلويّ (٣)

وهو ابن السيد أبي منصور ظفر الذي ذكرناه آنفا ، كانت ولادته ونشأته في قرية سويز من حدود مزينان.

قال : حدثنا محمد بن الحسين التّميميّ قال : حدثنا هناد بن السري بن يحيى ، قال : حدثنا أبو سعيد الأشج قال : حدثنا أبو أسامة ، عن مجالد ، عن الشّعبيّ ، عن مسروق (٤) أنه قال : لأن أقضي يوما [١٧٠] بحق وعدل ، أحب إليّ من أن أغزو في سبيل الله سنة جرداء.

__________________

(١) في الأنساب (٥ / ٢٨١) : مزينان : بليدة من آخر حدّ خراسان إذا خرجت إلى العراق.

(٢) تم استيلاء محمود الغزنويّ على خراسان سنة ٣٨٩ ه‍ بعد إلحاقه الهزيمة بعبد الملك بن نوح الساماني ، وظلت تحت سلطته حتى وفاته في ٤٢١ ه‍. وفي أخبار الدولة السّلجوقيّة (ص ٥) أن مسعود بن محمود خلّف سنة ٤٢٦ ه‍ سوري بن المعتز مع الجند بنيسابور ، كما أمره سنة ٤٢٧ ه‍ بتجهيز الجيش.

(٣) بغية الوعاة ، ١ / ٢٢ ؛ تاريخ نيسابور ، ١٨٣ ؛ يتيمة الدهر ، ٤ / ٤٨٦ ـ ٤٨٧ ؛ الأنساب ، ٣ / ١٣٧ ؛ عمدة الطالب ، ١٨٣ ؛ لباب الأنساب ، ٢٥ / ٥١١ حيث ذكر أنه ولد في ٣٥١ وتوفي سنة ٤٠٣ ه‍ ، انظر أيضا : ٢ / ٥٩٧.

(٤) هو مسروق بن الأجدع بن مالك ، أبو عائشة الهمداني المتوفى سنة ٦٣ ه‍.

٣٢٢

أبو حامد محمد بن جعفر بن الحسين الحنيفيّ البيهقيّ (١)

ولد في قرية فريومد ، وكان له هناك أولاد وأحفاد ، منهم الحاكم الإمام محمد الحنيفيّ ، وكان رجلا عالما وورعا ومتقيا وحافظا للمذهب ، والعقب منه : الحسن ، والفقيه أبو صالح ، والحسين.

أما الحسن فقد كان حاكم وخطيب فريومد.

وقد ودع أبو صالح الحياة في طريق سمنان عند عودته من الحج في شهور سنة ست وأربعين وخمس مئة.

كان الحسين لمدة من الزمان مدرسا ومفتيا في مرو ، حيث وافاه الأجل هناك.

وكان جده أبو حاتم الحنيفيّ كاتب سلطان ذلك الزمان ، وكان من أفاضل عصره.

وكان له ابن يدعى شعيبا (٢) وحفيد يدعى مسعودا.

وكان مسعود بن شعيب بن محمد بن جعفر الحنيفيّ من العلماء ورواة الأحاديث ، وكانت إقامته في فريومد ومزينان. ومن بيتهم كان الحاكم أبو العلاء صاعد بن محمد الحنيفيّ (٣) ، وكان قاضي مزينان ومحدثا.

قال الإمام أبو حامد (٤) محمد بن جعفر الحنيفيّ في صفر سنة ثمان وأربع مئة بغزنة : قال حدثنا عبد الله بن علي القطان قال : حدثنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار

__________________

(١) وردت «الحنيفيّ» الواردة في أسماء الشخصيات المذكورة هنا في نسخة برلين : «الحنفيّ» ، فرجحنا الحنيفيّ لما سيرد في ترجمة ابنه شعيب الآتي ، ولم نجد في المصادر المتوفرة لدينا ترجمة له سوى قول الصريفيني إنه كان واعظا ببيهق (المنتخب من السياق ، ٣٩١).

(٢) في المنتخب من السياق ، ص ٣٩١ : «شعيب بن محمد بن جعفر الحنيفيّ الواعظ ، سكن ناحية بيهق ، كان ينوب عن أبيه في وعظه ثم نصب لإمامة الجامع القديم على كراهة منه ، استعفى».

(٣) هو القاضي أبو العلاء صاعد بن محمد الاستوائيّ الحنفيّ الذي كان قاضي نيسابور المتوفى سنة ٤٣١ ه‍ (المنتخب من السياق ، ٢٧٧).

(٤) في الأصول : أبو حاتم ، والصواب ما أثبتناه فالحديث عن المترجم له أبي حامد وليس عن جده أبي حاتم.

٣٢٣

الصّوفيّ ، قال : حدثنا أبو نصر التّمّار ـ وهو عبد الملك بن عبد العزيز ـ قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : كان رسول الله صلى الله عليه إذا أصبح قال : «اللهم بك أصبحنا وبك أمسينا وبك نحيا وبك نموت وإليك المصير» (١).

السيد أبو علي أحمد بن أبي الحسن محمد بن أبي منصور ظفر العلويّ الحسينيّ الزّبارة (٢)

وهو ابن السيد أبي الحسن وحفيد السيد أبي منصور.

قال السيد أبو علي : حدثنا أبو عمرو ويحيى بن أحمد بن محمد [عن أبي محمد] الحسن [بن أحمد بن محمد بن الحسن بن علي] بن مخلد بن شيبان المخلدي (٣) ، حدثنا المؤمل بن الحسن عيسى سنة ثمان عشرة وثلاث مئة ، حدثنا عباس بن محمد الدّوري [١٧١] ، حدثنا الوليد بن سلمة قاضي الأردن ، حدثنا معمر بن صهبان ، عن نافع ، عن ابن عمر أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه : «سرعة المشي تذهب ببهاء المؤمن» (٤).

__________________

(١) مسند أحمد ، ٢ / ٣٥٤ ، ٥٢٢ ؛ سنن ابن ماجه ، ٢ / ١٢٧٢ ؛ سنن أبي داود ، ٢ / ٤٩١ ؛ سنن الترمذي ، ٥ / ٢٤٥ ؛ الجامع الصغير ، ١ / ٧٢ ، ومصادر أخر.

(٢) لباب الأنساب ، ٢ / ٥١٢.

(٣) السند في الأصول المخطوطة هو : حدثنا أبو عمرو يحيى بن أحمد بن محمد بن الحسن بن مخلد بن سنان المخلدي. والصواب ما أثبتناه فهذان شقيقان أكبرهما هو أبو محمد الحسن المتوفى سنة ٣٣٩ ه‍ وهو الذي يروي عن المؤمل (الأنساب ، ٥ / ٢٢٧ ؛ تاريخ نيسابور ، ١٥٨) والآخر هو أبو عمرو يحيى المتوفى سنة ٣٨٣ ه‍ (الأنساب ، ٥ / ٢٢٨ ؛ تاريخ نيسابور ، ١٩١).

(٤) الجامع الصغير ، ٢ / ٥١ ؛ أدب الإملاء والاستملاء ، ٤٢ ، ١٣٢ ؛ كشف الخفاء ، ١ / ٤٥١ ؛ الكامل في ضعفاء الرجال ، ٥ / ١٣ ، ٧٢ ؛ فيض القدير ، ٤ / ١٣٧ ؛ مكارم الأخلاق ، ٢٥٨ ، ومصادر أخر.

٣٢٤

أبو الحسن علي بن سختويه البيهقيّ (١)

كان من خسروجرد ، ومن أفاضل ومشاهير الشعراء ، وله ديوان شعر يزيد على عشرة آلاف بيت من القصائد والمقطّعات ، ومن شعره :

أقول لنفسي ويك فوزي بدولة

أما أنا في الدنيا من الناس أحسب؟

فقالت كلاما ليس يخفى صوابه

يموت هزالا كلّ من ليس يرهب

فلا الفضل يجدي لا ولا العلم والحجى

ولا الضرب في أرض العدى والتقلّب

جوابي لها والوجد يلعب بالحشا

عليه ضياء الرأي والعقل ينقب

دعي عنك أمرا ليس يعرف كنهه

فلن يغلب الإنسان ما ليس يغلب

وقال أيضا :

لما رأيت العلم ضاع وأهله

والكتب والأشعار والآداب

والأرذلون قصورهم قد شيّدوا

والأكرمون يردّها الحجّاب

كبّرت تكبيرا وقلت لصاحبي

عزّ العزاء وجلّت الأوصاب

وجعلت بيتي كالقراب لمهجتي

إن السيوف تصونها الأقراب

نعم الجليس دفاتري ومحابري

ومقالمي والليل والمحراب

هي عالم الدنيا تراب كلّها

فتركتها وعلى التراب تراب

أبو الطيب محمد بن علي الكاتب البيهقيّ الفاضل المفضل (٢)

كان من قرية كرّاب ، ومن مفاخر بيهق ، بل من مفاخر خراسان ، مدحه أبو

__________________

(١) السنن الكبرى للبيهقي (١ / ٤٩ ، ٢٩٦ ، ٢٩٧ ، ٢ / ٣) وفيه : أبو الحسن علي بن محمد بن سختويه العدل ؛ تاريخ مدينة دمشق (١٥ / ٤٠٢ ، ١٩ / ١١٠ ، ٢٣ / ٨٩ ، ٢٤ / ٤٧٠ ، ٤٨ / ٣٦٣) وفيه أيضا علي بن محمد بن سختويه الراوي عن الفضل بن محمد بن المسيب الشّعرانيّ المتوفى سنة ٢٨٢ ه‍.

(٢) لم نعثر له على ترجمة في المصادر المتوفرة ، إلا أن كونه معاصرا للخوارزميّ المتوفى سنة ٣٨٣ ه‍ ولأبي الفتح علي بن محمد البستيّ المتوفى سنة ٤٠٠ ه‍ ، يمكن أن يحدد بشكل تقريبي الزمن الذي عاش فيه.

٣٢٥

الفتح البستيّ ، وكتب أبو بكر الخوارزميّ ـ مع جلاله وعظمته ـ باسمه كتابا وقال فيه مديحا. قال أبو الفتح البستيّ بحقه :

معاشر الناس ارعوا ما أبوح به

أسماعكم إنه من خير أقوالي

[١٧٢] محمد وعلي ثم بعدهما

محمد بن عليّ ركن آمالي

الإمام الجليل الدّيّن الخيّر أبو الحسن علي بن الحسين بن علي البيهقيّ (١)

كان إمام عصره ، ومدرسا بمدرسة سكة سيّار بنيسابور ، ولد في خسروجرد ، وطار اسمه في الدنيا وسار ، وكان أبوه أيضا إماما زاهدا.

ترجم له أبو حفص المطّوّعيّ (٢) في تصانيفه ، وقال إنه كان من خواص الوزير أبي العباس الإسفرايينيّ (٣) ، فقد كان مربيا لهذا الوزير المقرب لديه. قنع من دنياه بالقوت ، وكان مجتهدا في إحياء العلم والدين ، وهو الذي ارتبط الأستاذ أبا إسحاق

__________________

(١) في المنتخب من السياق (ص ٤١٣) «علي بن الحسين بن علي الموفق ، أبو الحسن البيهقيّ. كاتب من وجوه أصحاب الشافعي. سمع من أبي حفص عمر بن أحمد القرميسيني وتوفي في شوال سنة ٤١٤». ويشار إليه في مؤلفات أبي بكر البيهقيّ بوصفه «صاحب المدرسة بنيسابور» كما في السنن الكبرى (٧ / ٢٥٧) وشعب الإيمان (٤ / ٩٧) وكتاب الزهد الكبير (٢ / ١٠٣).

(٢) عمر بن علي الشافعي صاحب كتاب المذهب في ذكر شيوخ المذهب الذي ينقل منه مؤلفنا ونقل منه أيضا السبكي في طبقات الشافعية الكبرى (انظر : فهرس الكتاب ص ٥٣٦).

(٣) الفضل بن أحمد بن محمد الإسفرايينيّ : استوزره السلطان محمود الغزنويّ سنة ٣٩٩ ه‍ ، ثم عزله عن عمله وسجنه وطالبه بأموال وعذّبه ليعترف بجميع ما لديه من أموال وممتلكات ، فدلّ عليها لكنه مات تحت التعذيب (مجمل فصيحي ، ٢ / ٨٣ ، ١١٤ ـ ١١٥ ؛ انظر معلومات إضافية عن السبب المباشر لسوء العلاقة بينه وبين السلطان محمود في آثار الوزراء ، ١٥٠ ؛ دستور الوزراء ، ١٣٨ ؛ تاريخ كزيده ، ٣٩٦ ؛ نسائم الأسحار ، ٤٠ ؛ مقدمتنا لكتاب الجماهر ، ص ٣٨ ـ ٣٩).

٣٢٦

الإسفرايينيّ (١) والإمام أبا منصور عبد القاهر البغداديّ (٢) للتدريس في مدرسته ، وطلب إلى الوزير أن يهيئ أسباب معاشهم.

وكانت أوقات المقيمين بتلك المدرسة منقسمة على ثلاث أقسام : قسم منها للتدريس ، وآخر لإملاء الأحاديث ، والثالث لتذكير المسلمين ووعظهم.

وكان الشيخ أحمد بن الحسين البيهقيّ (٣) المحدث مصنف كتب الأحاديث ووحيد عصره تلميذا له ، وله اختلاف إليه.

ومن أشعاره :

تفكّرت طول الليل فيما جنيته

وذكّرت نفسي كلّ ذنب أتيته

وأنكرت فيها ما تعاطيت في الصّبا

كأن شبابي كان سهما رميته

فسوّد صحفي بالذنوب أوانه

وولى سريعا مثل حلم رأيته

ومن رسائله الرسالة التي كتبها إلى المقدم الرئيس أبي سعد محمد بن منصور (٤) والد الرئيس أبي المحاسن الجرجانيّ (٥) ، التي دأب أفاضل الكتّاب على استنساخها ، ولا يسع هذا الكتاب ذكرها.

__________________

(١) هو أبو إسحاق إبراهيم بن محمد المتوفى سنة ٤١٨ ه‍.

(٢) عاش بنيسابور ودرّس فيها سنين طويلة ثم خرج منها أيام هجوم الغز متوجها إلى أسفرايين فتوفي فيها سنة ٤٢٧ ه‍ (المنتخب من السياق ، ٣٩٤).

(٣) هو شيخ السنة أبو بكر وسيترجم له المؤلف لا حقا.

(٤) في الأصول : أبو سعيد ، والتصويب من تاريخ جرجان (ص ٤٥٤) والأنساب (٢ / ١٢٣) ، نقرأ في تاريخ جرجان : «أبو سعد محمد بن منصور بن الحسن بن محمد بن علي الجولكيّ ، رئيس جرجان في أيام فلك المعالي إلى أن توفي ... مات في ٨ شعبان سنة ٤١٠ ه‍ ، وكان مولده سنة ٣٥٢ ه‍».

(٥) أبو المحاسن سعد بن محمد ، ولي الرئاسة بعد أبيه ، وكان خليفة أبيه في الرئاسة وهو ابن ثماني عشرة سنة. ولد في ٣٨٨ ه‍ وتوفي سنة ٤٥٤ ه‍ (تاريخ جرجان ، ٢٢٦ ؛ الأنساب ، ٢ / ١٢٤ ؛ اليمني ، الورقة ٥٩ أ).

٣٢٧

الفقيه الرئيس أبو محمد المعلّى بن أحمد البيهقيّ (١)

هو جد القضاة الصّاعديّين بنيسابور من جانب الأم ، وكان من مفاخر بيهق ، ولد ونشأ في قرية كنبد من ربع زميج ، وعنه ورث قضاة نيسابور الضياع والأملاك ، وقد بقي منها بقية إلى الآن ، تولى رئاسة نيسابور مدة من الزمن ، وله آثار محمودة في ذلك الشغل الخطير.

ألّف الأفاضل في مدائحه [١٧٣] التصانيف.

قال سوري بن المعتز ـ الذي كان واليا على نيسابور ـ يوما على ملأ من الناس : لم أر من هو أكثر أريحية وعزة من المعلى البيهقيّ ، فقد أختلف إليّ زمنا طويلا كان في كل يوم يزورني ، فيأخذنا الانبساط ، ويبدأ بعرض مصالح المسلمين والشفاعة للمستضعفين عليّ ، إلا أنه لم يسمعني قط كلمة واحدة عن أشغاله هو.

كان للشيخ أبي منصور الثّعالبيّ معه مذاكرة وامتزاج ومؤانسة ومجالسة ، وقد ذكره كثيرا في تصانيفه.

روي عن الشيخ الفقيه الرئيس المعلى أنه قال : جلس مرة كردي وصائغ ومعلم وديلمي وعاشق في الصحراء ، وكان الجو قد لبس الرداء الأسود ، وفجأة طلع القمر مشرقا بشعاعه الذهبي على الأرض ، كانوا يجلسون وجها لوجه. فطلبوا إلى بعضهم أن يصف كل منهم ـ على سبيل التشبيه ـ القمر بقدر فهمه وخياله ، فتقدم الصائغ ـ لأن

__________________

(١) ترجم له الثّعالبيّ في اللطف واللطائف الذي ألفه بعد ٤٢٢ ه‍ (مقدمة الدكتور الجادر ، ص ١١) وترحم عليه مما يعني وفاته قبل هذا التاريخ. وأثنى عليه كثيرا ولقبه بالكرديّ وقال إنه من محلة الأكراد بين ربع الشامات ورستاق بست من نيسابور تدعى «كل». ثم أورد واقعة وصف البدر المذكورة هنا ولكن بشكل مختصر مع اختلاف في أبطالها حيث نقل عن المعلى هذا قوله : «جمعت محلتنا ، كرديا وصائغا ومعلما وديلميا وحاسبا ومتفقها ...» (ص ٣٠).

٣٢٨

عزة الذهب قدمته على غيره ـ وقال : إن هذا القمر هو كسبيكة الذهب الخالص التي خرجت لتوّها من بوتقة الصهر.

وقال الكرديّ إنه كالجبن الذي يحكي عطارد وقد خرج من القالب.

وقال العاشق : كأنه استعار من وجه حبيبي حسنه وجماله ، فحكى بهاءه وإشراقه.

قال المعلم : إنه مثل الرغيف الحواري الذي أرسل من بيت أحد المتمولين (١) يوم خميس إلى المعلم.

قال الديلمي : هو كالدرع المطلي بالذهب الذي قدّم أمام الملك عند الحركة للقتال.

ثم قال : كل يعمل على شاكلته ، وينفق على مقدار بضاعته ، ويسير براحلته ، ويرمي عن كنانته.

قال أبو منصور الثّعالبيّ مهنئا له بقدومه :

مرحبا مرحبا وأهلا وسهلا

بقدوم الفتى الأجلّ المعلّى

وقال أبو مسعود أحمد بن عثمان النّيسابوريّ الخشناميّ (٢) في مدحه :

[١٧٤] سهام الدهر ترمي بي إلى من

له في مجده السهم المعلّى

فهل يشفي لهيب صداي حر

إذا استسقى العطاش الهيم علّا

لعل الله يحدث بي لعلّا

بيمن رعاية الشيخ المعلّى

رعاه الله في الدنيا مصونا

عن الأقدار ذا قدر معلّى

وقد راعى في أبياته لزوم مالا يلزم.

__________________

(١) جمع متموّل وهو الثري.

(٢) في المنتخب من السياق (ص ١٠٦) : أحمد بن عثمان بن أحمد بن محمد بن خشنام بن باذان ، أخي منصور بن باذان أمير خراسان ، أبو مسعود الخشناميّ الأديب الشاعر ، معروف ، فاضل ... توفي يوم عيد الأضحى سنة ٤٢٩ ه‍.

٣٢٩

كان غض الشباب عند ما دهمه الأجل المسمى. وكان قاضي القضاة أبو الحسن إسماعيل بن صاعد وأخوه قاضي القضاة أبو سعيد محمد بن صاعد قد ذهبا لعيادته ، فرأوا على وجهه قطرات الحسرات ، فقالا بتململ وتذلل وتوجع وتفجع : «الموت باب وكلّ الناس وارده» ، فأجابهم الشيخ المعلى : نعم ، الموت منهل الكلّ وارده ، وبقاؤهم مرهون بأنفاسهم المعدودة ، إلا أن بالي منشغل ببناتي اللواتي أخشى أن يضعن بعدي (١) :

لو لا بناتي وسيّئاتي

لطرت شوقا إلى الممات

ثم أنشد هذه الأبيات (٢) :

لو لا أميمة لم أجزع من العدم

ولم أقاس الدجى في حندس الظّلم

وزادني رغبة في العيش معرفتي

ذلّ اليتيمة يجفوها ذوو الرحم

كان للقاضي أبي الحسن ابنان : القاضي منصور والقاضي أبو علي ، وأما القاضي أبو سعيد فكان له ابن واحد ، وهو رئيس الرؤساء أبو نصر أحمد.

فقال القاضيان : اعطنا وكالة بعقد نكاح هؤلاء المخدّرات الثلاث على أبنائنا الثلاثة ، فأوكل إليهم ذلك ، وعينوا مهورهن ، وأحضروا أبناءهم الثلاثة ، وجعلوا من مجلس العيادة ذاك مجلس عرس ـ وكانت إحدى بناته قد زوجت قبل ذلك للشيخ أبي الفتح المظفر بن أبي الحسن البازرقان ـ فقامت القرابة بينهم ، وهان على قلب هذا

__________________

(١) نسب إلى منصور بن إسماعيل الفقيه التّميميّ المتوفى سنة ٣٠٦ ه‍ كما في التدوين (١ / ٢٨٧) وفيه : لذبت شوقا. وبعده :

لأنني في جوار قوم

يبغضني قومهم حياتي

وصوابه ما ورد في نفح الطيب (٢ / ٨٤٤) : بغّضني قربهم حياتي. وقد نسبه المقري إلى محمد بن علي بن يوسف الشاطبي (٦٠١ ـ ٦٨٤ ه‍) وهو وهم.

(٢) الشعر لإسحاق بن خلف كما في شرح حماسة أبي تمام (٢ / ٦٩٢).

٣٣٠

الشيخ [المعلى] ألم مفارقة الدنيا ، وانقطاع علائقه ، وتوجّه تلقاء الآخرة بوجه مستبشر ، حيث لم يطل به العمر أكثر من أسبوع [١٧٥] ، انتقل بعده إلى جوار رحمة الخالق جلت عظمته ، رحمة الله عليه.

أبو المظفر إبراهيم بن محمد البيهقيّ (١)

ولد ونشأ في قصبة جشم ، وكان صاحب منصب في عصره ، كتب الشيخ أبو منصور الثّعالبيّ كتابا باسمه وسماه نهاية الصناعة في الحسن والبراعة ، قال الشيخ أبو منصور في هذا الكتاب : إن من الكبائر أن تسير مؤلفاتي ومصنفاتي في العالم كالأمثال ، وتسافر في البر والبحر كالخيال ، ولم أصنف كتابا باسم هذا الرئيس ، الذي ظهرت آثار أياديه وبرّه وإفضاله على صفحات أحوالي.

الشيخ أبو الفضل محمد بن الحسين الكاتب البيهقيّ (٢)

كان كاتب السلطان محمود نيابة عن أبي نصر بن مشكان ، وكاتب السلطان محمد بن محمود ، ثم كاتبا للسلطان مسعود ، أصبح بعدها كاتبا للسلطان مودود ، ثم للسلطان فرخزاد ، وعندما انتهى حكم السلطان فرخزاد ، اختار العزلة وانصرف إلى التأليف.

كان مولده في قرية حارث آباد ، ومن تصانيفه : كتاب زينة الكتّاب ، الذي لا نظير

__________________

(١) لم نهتد إليه.

(٢) أبو الفضل البيهقيّ (٣٨٥ ـ ٤٧٠ ه‍) من كتاب ديوان محمود الغزنويّ وابنه مسعود ، كما اصبح صاحب ديوان الإنشاء لدى عبد الرشيد بن محمود ، لكنه عزل عن عمله بسبب وشايات حاسديه وأودع السجن. وعند ما تمرد طغرل المعروف بكافر النعمة على عبد الرشيد وقتله سنة ٤٤٤ ه‍ ، أطلق سراح كثير من رجال البلاط المسجونين في القلاع وكان منهم أبو الفضل البيهقيّ حيث أرسل إلى سجن قلعة أخرى وبعد خروجه من السجن آثر العزلة حتى وفاته (فرهنك فارسي ، مادة : بيهقي). وفضلا عن مؤلفاته المذكورة هنا فإن له كتاب مقامات أبي نصر بن مشكان الذي نقل منه العقيلي فقرات في آثار الوزراء (ص ٨ ، ١٥٤ ...).

٣٣١

له في فنّه ، وكتاب التاريخ الناصري (١) الذي دوّن فيه التاريخ من أول أيام سبكتكين إلى أوائل أيام السلطان إبراهيم يوما فيوما ، يزيد حجمه على ثلاثين مجلدا منصّفا ، رأيت عدة مجلدات منه في مكتبة سرخس ، وعدة مجلدات في مكتبة مهد العراق (٢) رحمها الله ، وعدة مجلدات في أيدي الناس ، ولم أر منه نسخة كاملة.

ومع الفصاحة والبلاغة ، كان له نصيب وافر من استماع الأحاديث ، قال : حدثنا أبو عبد الرحمن السّلميّ (٣) في سنة إحدى وأربع مئة قال حدثنا جدي إسماعيل بن نجيد قال : حدثنا عبد الله بن حامد ، قال : حدثنا أبو بشر إسماعيل بن إبراهيم الحلوانيّ ، قال : حدثنا علي بن داود القنطريّ ، قال : حدثنا وكيع بن الجراح إنه قال : إذا أخذت فألا من القرآن ، فاقرأ سورة الإخلاص ثلاث مرات ، أو المعوذتين وفاتحة الكتاب مرة ، ثم خذ الفأل (٤).

وقال الشيخ أبو الفضل البيهقيّ : إن الثلج سقط في نيسابور سبعا وستين مرة في عام أربع مئة ، فكتب لي السيد أبو البركات العلوي الجوريّ (٥) آنذاك رسالة وفيها هذان البيتان : [١٧٦]

__________________

(١) هو نفسه تاريخ آل محمود الذي طبعت منه قطعة وترجمت إلى العربيّة تحت عنوان تاريخ البيهقيّ.

(٢) لقب أميرة سلجوقية ، وهي جوهر خاتون شقيقة السلطان سنجر وكانت تلقب بهذا اللقب في غزنة (أخبار الدولة السّلجوقيّة ، ١٦) ، تزوجها مسعود بن إبراهيم الغزنويّ (٤٥٣ ـ ٥٠٩ ه‍) عقب توليه الحكم في ٤٩٢ ه‍ لتعزيز حكمه (لغت نامه دهخدا ، مادة : مسعود غزنوي ، طبقات ناصري ، ١ / ٢٤٠). وقد أشار المؤلف إلى مكتبتها هذه وهي مكتبة عامة بنيسابور كما يستفاد من النصوص.

(٣) هو محمد بن الحسين بن محمد (٣٣٠ ـ ٤١٢ ه‍).

(٤) ينقل ابن طاووس في فتح الأبواب (ص ١٥٥) عن جعفر بن محمد المستغفري (٣٥٠ ـ ٤٣٢ ه‍) في كتاب الدعوات له ، قوله : «إذا أردت أن تتفأل بكتاب الله عزوجل فاقرأ سورة الإخلاص ثلاث مرات ، ثم صل على النبي (ص) ثلاثا ، ثم قل : اللهم إني تفألت بكتابك وتوكلت عليك ، فأرني من كتابك ما هو المكتوم من سرك ، المكنون في غيبك ، ثم افتح الجامع».

(٥) هو علي بن الحسين العلوي ، والبيتان في تتمة اليتيمة (ص ١٨١ ـ ١٨٢) وفيه : «خصصتم بها في الناس من هذه الدنيا».

٣٣٢

هنيئا لكم يا أهل غزنة قسمة

خصصتم بها فخرا ونلتم بها عزّا

دراهمنا تجبى إليكم وثلجكم

يردّ إلينا ، هذه قسمة ضيزى

وإن القحط الذي وقع بنيسابور سنة إحدى وأربع مئة ، إنما كان سببه تلف الغلال من ذلك البرد ، وقد عمّ ذلك القحط أيضا خراسان والعراق ، لكنه كان شديدا في نيسابور ونواحيها ، حتى إنه أحصي عدد الذين ماتوا بنيسابور من الناس فبلغوا أكثر من مئة ألف وسبعة ـ كما ذكر ذلك أبو النصر العتبيّ في كتاب اليميني (١) ـ وقيل إن عددا من المقابر قد فتحت وأخرجت العظام البالية منها للاستفادة منها ، وبلغ الحال أن الأمهات والآباء كانوا يأكلون أولادهم ، وقد ذكر الإمام أبو سعد الخركوشيّ في تاريخه (٢) ، أن كل محلة كانت تنقل في اليوم ما يزيد على أربع مئة جنازة إلى المقابر.

ولم يكن سبب ذلك القحط هو قلة الطعام فحسب ، بل استيلاء الجوع الكلبي على الناس.

ورد في كتاب اليميني بأنه كان هناك في تلك الأيام طباخ في السوق وضع عدة أمنان من أصناف من الخبز في دكانه ، إلا أن أحدا لم يشتر منها ، على الرغم من أن ثمن

__________________

(١) في اليميني «أن الموتى كانوا مائة ألف أو يزيدون ... ثم ترقى الأمر إلى أن أكلت الأم ولدها والأخ أخاه والزوج زوجته» (الورقتان ١٤٦ أ ـ ١٤٦ ب) ولا يخلو كلامه من مبالغة إذ أن العاطفة الإنسانية تأبى ذلك أشد الإباء. وبعد أن فصل العتبيّ الكلام فيما أنزله ذلك القحط بالناس من كوارث قال إن السلطان محمود الغزنويّ «أمر بالكتب إلى عماله بصبّ الأموال على الفقراء والمساكين ، فاستبقى الله بها مهجات قوم قد أشرفت على الهلاك» (الورقة ١٤٨ أ ، انظر أيضا : مجمل فصيحي ، ٢ / ١١٥).

(٢) هو عبد الملك بن محمد المتوفى سنة ٤٢٧ ه‍ ، وقد نقل من تاريخه هذا في لباب الأنساب (٢ / ٤٩٢) دون أن يحدد له عنوانا. ومع ذلك يوجد في اليميني نص يقول : «وحكي عن الأستاذ أبي سعيد عبد الملك بن [أبي] عثمان الواعظ ... أنه نقل من دار كان يسكنها المرضى والزمنى من الفقراء وأبناء السبيل في يوم واحد من أيام هذه السنة أربع مئة ميت من برح الجوع» (الورقة ١٤٧ ب). ويبدو أن تلك الدار هي التي كان قد بناها للمرضى ووقف عليها الأوقاف (سير أعلام النبلاء ، ١٧ / ٢٥٧ ، الأعلام ، ٤ / ١٦٣).

٣٣٣

سبعة عشر منا من الخبز كان ربع درهم ، كان الناس لا يشبعون مهما أكلوا من الطعام ، قال العبد لكاني الزّوزنيّ (١) في هذه الأبيات يصف ذلك القحط :

لا تخرجنّ من البيوت لحاجة ولغير حاجه

والباب أغلقه عليك موثّقا منه رتاجه

لا يقتنصك الجائعون فيطبخوك بشور باجه (٢)

يقول الشيخ أبو الفضل البيهقيّ : لا ينبغي لمن هو في خدمة السلطان أن يدخر الأموال ، لأن ذلك يجعله شريكا في الملك ، فتكديس الخزانة بالأموال والذخائر من [١٧٧] صفات وعادات الملوك ؛ كما لا ينبغي له أن يمتلك الضياع والعقارات ، لأن ذلك من أعمال الرعية ؛ وخادم السلطان له درجة هي بين الرعية والسلطان ، فهو فوق الرعية إلا أنه أدنى من السلطان ، ولا ينبغي لتشبهه بالسلطان أن يجعله يدخر الأموال ، ولا لتشبهه بالرعية أن يقتني الضياع والعقارات ، بل يكتفي بالأجر المقرر ، وأن يقتصد في التصرف به من خلال الجاه ونفاذ الأمر. والاقتصاد في خدمة السلاطين هو أن لا يصل حدّ الطمع ، أو أن يكسب الدنيا بهذا الجاه ، فالجاه إن أصبح سببا لكسب الدنيا ، سيؤدي إلى زوال الجاه والمال معا ، وربما أدى إلى هلاك النفس.

وحيثما كانت دار الملك فيجب على الملك أن يعمرها ، لكي لا يقع عبء ذلك على الرعية ، وحيثما أقام الملك أو سافر فإن من المصلحة أن يكون معه مجموعة من الأغنام ، تعطى إلى من سدت بوجهه باب المروءة والضيافة لضيق ذات يده ، وأن يزيد له السلطان شيئا على المقرر له ، ليظهر مروءته إضافة إلى سدّ النقص المبتلى به.

__________________

(١) هو عبد الله بن محمد بن يوسف الزّوزنيّ العبدلكاني (يتيمة الدهر ، ٤ / ٥١٧ ، تتمة يتيمة الدهر ، ٢١٦ ، الأعلام ، ٤ / ١٢١). وهو مؤلف حماسة الظرفاء من أشعار المحدثين والقدماء المطبوع. وشعره أعلاه موجود في اليميني (الورقة ١٤٧ ب).

(٢) الحساء أو المرق.

٣٣٤

وأن يكون (من كان في خدمة السلطان) أمينا في القول والكتابة ، ليأمن العزل ، وإن استخدم جاهه هذا في إغاثة الضعفاء وإعانه المحتاجين ، حصل على ركن من أركان السعادة الأخروية ، وعلى هذا يكون ممن دفع البلاء عن نفسه في الدنيا ، فضلا عن حصوله على الأمل الفسيح برحمة الحق تعالى.

ومن منظومة قوله :

جرمي قد أربى على العذر

فليس لي شيء سوى الصبر

فأسر عني خاطري كلّه

لأنفق الأيام بالشكر

وقد سجن في غزنة بأمر من القاضي (١) ، فلما استولى طغرل برار ـ وهو أحد الغلمان المحموديين الآبقين ـ على ملك غزنة ، وقتل السلطان عبد الرشيد ، وأرسل حاشية الملك إلى القلعة ، كان من بينهم أبو الفضل البيهقيّ الذي نقل من سجن القاضي إلى سجن القلعة ، وقد قال في تلك القلعة [١٧٨] :

كلما مرّ من سرورك يوم

مرّ في الحبس من بلائي يوم

ما لبؤسى وما لنعمى دوام

لم يدم في النعيم والبؤس قوم

فما انقضى وقت قصير حتى قتل طغرل برار على يد نوشتكين حامل المزراق ولم تزد مدة استيلائه على الملك أكثر من سبعة وخمسين يوما ، وعاد الملك للمحموديين ، ولم يكن خروجه على ولي نعمته مباركا ، ولم يمهله طويلا ، ومن سلّ سيف البغى قتل به.

__________________

(١) لا ندري من يكون القاضي هذا ، إلا أنه حدث في ٤٤٤ ه‍ وبعد أربع سنوات من تولي عبد الرشيد بن محمود الغزنويّ الحكم ، أن تمرد أحد غلمانه المدعو طغرل الملقب بكافر النعمة فقتل عبد الرشيد وتسعة من أفراد الأسرة الحاكمة ، ولم تطل فترة حكمه سوى ٤٠ يوما أو ٥٧ يوما كما يقول مؤلفنا حيث قتل وتولى السلطة فرخزاد بن مسعود (انظر : مجمل فصيحي ، ٢ / ١٦٩ ـ ١٧٠ ؛ مجمل التواريخ والقصص ، ٤٠٦ ؛ فرهنك فارسي ، مادة : عبد الرشيد) وفي أخبار الدولة السّلجوقيّة (ص ١٥) : طغرل نزان.

٣٣٥

توفي الشيخ أبو الفضل محمد بن الحسين البيهقيّ الكاتب في صفر سنة سبعين وأربع مئة.

الشيخ أبو المظفر عبد الجبار بن الحسن الجمحيّ البيهقيّ (١)

كان من أمراء بيهق ، ومولده في قصبة سبزوار ، وكان له في مجالس السلاطين والملوك نصيبه التام ، من الاحترام والإنعام. وكان من ذوي اللسانين (٢) ، وقد ذكره الشيخ أبو منصور الثّعالبيّ وقال فيه : فتى كثير المحاسن مليح الشعر ، يعيش في ظل الكفاية ، يخدم السلطان ويعاشر الإخوان.

وقال الشيخ الرئيس علي بن الحسن الباخرزيّ : نزل بناحيتنا وهو على البريد بخراسان عند اجتياز السلطان أبي سعيد مسعود بن محمود ، ومدحه والدي بقصيدة رويتها بين يديه تقربا إليه.

وكان له أهاج كثيرة بالعربيّة والفارسيّة بحق عميد خراسان سوري بن المعتز (٣) ، منها :

كأن الله من غضب وسخط

يقول لأرض نيسابور بوري

بقحط والجدوبة والمنايا

وكل هيّن في ظلم سوري

وقال أيضا :

__________________

(١) هو المتولي لبريد نيسابور في بلاط مسعود الغزنويّ كما قال أبو الفضل البيهقيّ في تاريخه (ص ٥٩٤ ، انظر أيضا : ٦٠٠ ، ٦٠٤ ، ٦٠٥ ، ٦٦٦ ، ٦٧٧ لمعرفة دوره في كتابة التقارير للسلطان خلال الاضطرابات) ، ترجم له الثّعالبيّ في تتمة اليتيمة (٥ / ٢٨٦) وأورد مقاطيع من شعره ، انظر أيضا : دمية القصر ، ٢ / ١١١٥.

(٢) هم الأدباء الذين يؤلفون آثارهم بالفارسيّة والعربيّة ، وسيخصص لهم المؤلف فصلا فيما بعد.

(٣) أبو الفضل سوري بن المعتز تولى حكم نيسابور سنة ٤٢٥ ه‍ من قبل الغزنويّين (معجم الأنساب والأسرات الحاكمة ، ٨٠ ، انظر أيضا : أخبار الدولة السّلجوقيّة ، ٥ ـ ٧).

٣٣٦

تنبّه أيها المغرور وانظر

إلى آثار مسعود وسوري

ولا تغترّ بالدنيا سرورا

فإنّ الموت يهدم كلّ سور

وقال :

بجور سوري وأفعاله

انقلبت دولة مسعود

جار على الناس فلم يبق في

بيوتهم عودا على عود

* * *

تطلع أيها الأمير صوب خراسان

فسوري أغار على كل الأموال

[١٧٩] وإن بقيت يده الظالمة طليقة

فسيجلب عليك داهية كبيرة

فسيكون حيثما أحللته منصبا

كالراعي الشرير الذي يكوي ماشيته

وكان له ديوان شعر كبير الحجم بالعربيّة ، وآخر أضعاف ذلك بالفارسيّة.

وكان لأخيه الحاكم أبي القاسم المختار بن الحسين الجمحيّ الملقب بأميرك (١) ، منصب كبير وجاه. وله أشعار كثيرة. وكان شيخ القضاة أبو علي إسماعيل بن الإمام المحدث أحمد بن الحسين البيهقيّ يختلف إليه ، وقد رأيت أنا شيخ القضاة هذا ، واستمعت منه الأحاديث.

ومن شعر الحاكم أبي القاسم الجمحيّ :

قل لمن رام عزة أو توقّى

ذله أو أحبّ أن لا يهونا

جانب الناس واعتزل ما أحبّوا

من حطام تعش عزيزا مصونا

واتق الله واسأل الفضل منه

فهو للخلق ضامن أن يمونا

__________________

(١) لم نعثر له على ترجمة في المصادر التي لدينا ، أما تلميذه شيخ القضاة فهو نجل شيخ السنة أبي بكر البيهقيّ ، وقد ولد سنة ٤٢٨ وتوفي في ٥٠٧ ه‍. سيترجم له المؤلف لاحقا.

٣٣٧

أبو الحسين علي بن عبد الله بن علي الخسروجرديّ (١)

ولد ونشأ في قصبة خسروجرد ، وقد روى عنه الإمام الحافظ أحمد البيهقيّ (٢) ، وله تصانيف كثيرة ، كما روى عنه الحاكم أبو منصور محمد بن أحمد بن الحسين (٣) ، كان رجلا معمرا ومبارك النفس لطيفا.

السيد أبو سعيد زيد بن محمد بن ظفر العلوي الحسينيّ (٤)

وهو ابن السيد أبي الحسن محمد بن ظفر ، وله أسانيد وروايات كثيرة عن جده السيد أبي منصور ظفر بن محمد بن زبارة. وقد روى عنه الإمام المحدث أحمد بن الحسين البيهقيّ.

توفي هذا السيد في جمادى الأولى سنة أربعين وأربع مئة.

روى عن الجوزقيّ (٥) مصنفاته ، كما روى عن النامي (٦) أشعاره ، ومن رواياته هذه القطعة :

سأصبر إن جفوت فكم صبرنا

لمثلك من أمير أو وزير

__________________

(١) دمية القصر (٢ / ١٠٠٢) حيث وصفه مؤلفه بأنه كاتب الحضرة الغزنويّة وفي أغلب المصادر التي ذكرته وردت كنيته «أبو الحسن» بدلا من أبي الحسين أعلاه (انظر : السنن الكبرى للبيهقي ، ١ / ٢٧٣ ، ٧ / ٣٦٩ ، ١٠ / ٥٥ ، تاريخ مدينة دمشق ، ٦ / ١٠٢ ، بغية الطلب ، ٣ / ١٢٤٨).

(٢) يبدو أن المقصود هو شيخ السنة أبو بكر أحمد بن الحسين المحدث الشهير (٣٨٤ ـ ٤٥٨ ه‍).

(٣) سيترجم له المؤلف لاحقا ، ولقبه السّويزيّ المتوفى بعد ٤٦٠ ه‍.

(٤) ترجم له بشكل واف في لباب الأنساب (٢ / ٥١٢ ، ٥١٥) وفي المنتخب من السياق (ص ٢٤٠).

(٥) المنسوب إلى جوزق نيسابور ، وهو أبو بكر محمد بن عبد الله بن زكريا (٣٠٦ ـ ٣٨٨ ه‍) (الأنساب ، ٢ / ١١٩).

(٦) هو أبو أحمد النامي البوشنجي من معاصري الوزير أبي الفضل محمد بن عبيد الله البلعميّ المتوفى سنة ٣٢٩ ه‍ وجلسائه. قال الثّعالبيّ في يتيمة الدهر ، ٤ / ١٠٦ إن «شعره مدوّن سائر» (انظر أيضا : خاص الخاص ، ١٨٠ ، حيث ورد لقبه النامي بشكله الصحيح ، بينما طبع في اليتيمة : اليمامي!).

٣٣٨

رجوناهم فلما أخلفونا

تمادت فيهم غير الدهور

[١٨٠] فبتنا بالسلامة وهي غنم

وباتوا في المحابس والقبور

ولمّا لم ننل منهم سرورا

رأينا فيهم كلّ السرور (١)

السيد أبو إبراهيم جعفر بن محمد بن ظفر العلوي الحسينيّ (٢)

هو أخو السيد أبي سعيد.

قال السيد أبو إبراهيم : حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن عبدوس المزكّيّ ، حدثنا أبو أحمد حمزة بن العباس البزّاز ، حدثنا عبد الملك بن محمد الرّقاشيّ ، حدثنا عمرو ابن العاص الكلابيّ ، حدثنا عمران القطان عن الشّيبانيّ ، عن ابن أبي أوفى أنه قال :

قال رسول الله صلى الله عليه : «إن الله تعالى مع القاضي ما لم يجر ، فإذا جار برئ منه ، ولزمه الشيطان» (٣).

كما روى بإسناد صحيح عن المصطفى صلوات الله عليه : «إن من أعظم الناس أجرا ، لوزير صالح مع أمير يطيعه في ذات الله» (٤).

روى بإسناد صحيح أيضا عن جابر بن عبد الله بأن رسول الله صلى الله عليه قال :

__________________

(١) في لباب الأنساب ، ٢ / ٥١٢ : «وباتوا في المجالس والقبور». ولما كان يرمي إلى الشماتة بهم فالأوفق هو : «في المحابس والقبور».

(٢) المنتخب من السياق ، ١٨٣ ، وفيه أنه توفي سنة ٤٤٩ ه‍ ، لباب الأنساب ، ٢ / ٥١٢ ؛ لسان الميزان ، ط حيدرآباد ، ٢ / ١٢٤ ؛ تاريخ مدينة السلام ، ٨ / ١٥٩ ، وفيه أنه ولد سنة ٣٨٦ ه‍ وقدم بغداد سنة ٤٤٤ ه‍. وأضاف : بلغني أنه مات بنيسابور سنة ٤٤٨ ه‍.

(٣) صحيح ابن حبان ، ١١ / ٤٤٩ ؛ الجامع الصغير ، ١ / ٢١٤ ؛ تهذيب الكمال ، ٦ / ٤٥٨ ؛ سبل الهدى والرشاد ، ١١ / ٣٢٦ ، وفيه : ما لم يحف ؛ شرح الأزهار ، ٤ / ٣٠٨ ؛ مسند أحمد ، ٥ / ٢٦ ؛ مسانيد أبي يحيى الكوفي ، ٥١ ، ومصادر أخر.

(٤) مسند الشهاب ، ١ / ٣٢١ ؛ السنن الكبرى للنسائي ، ٤٣٤١٤ ، ٥ / ٢٢٩ ؛ مسند أبي يعلى ، ٧ / ٤١٧ ؛ صحيح ابن حبان ، ١٠ / ٣٤٦ ؛ الجامع الصغير ، ١ / ٦٤ ، ومصادر أخر.

٣٣٩

«لكل بني آدم عصبة ينتمون إليهم سوى بني فاطمة ، فإني وليّهم وعصبتهم» (١).

قال السيد أبو الحسن محمد بن علي العلوي (٢) في رثائه :

أبى الدهر إلا أن يعود لنا حربا

فيسلب ما أسدى وينقص ما أربى

فوا أسفا وا جعفر بن محمد

وهل ينفعن والهف نفسا وواقلبا

أبيت إذا ما أسبل الدمع منشدا

فديناه مفقودا وإن زادنا كربا

فلا رمقت عين امرئ لم تفض دما

على ابن رسول الله إذ جاور التربا

ولا تربت أيدي التراب فقد حوت

به معقلا للعزّ بل للعلى تربا

ولا زال من نوء السّماكين عارض

يصبّ على ذاك الثرى لؤلؤا رطبا

الشيخ أبو يعلي البيهقيّ الحنيفيّ (٣)

كان صاحب ديوان الإنشاء على عهد السلطان مسعود بن محمود ، وكان أغلب مقامه في دار الملك بغزنة ، وله تصنيف اسمه السيرة المسعودية بلغ فيه حدا من الكمال أنه لم يؤلف مثله في حق أيّ من ملوك خراسان.

ومن أشعاره هذه الأبيات في وصف الشيب :

[١٨١] وكنت كرهت لفظ الشيب جدّا

وإن قالوا يكون الشيب زينا

فشين إن جعلت الباء نونا

وعيب إن جعلت الشّين عينا

وقوله :

__________________

(١) كشف الخفاء ، ٢ / ١٢٠ ؛ كنز العمال ، ١٢ / ١١٤ ، وفيه : لكل بني أم ؛ مسند أبي يعلى ، ١٢ / ١٠٩.

(٢) هو السّويزيّ ، وسيترجم له المؤلف لاحقا.

(٣) يحتمل أن يكون أبا يعلى الزّوزنيّ المترجم في تتمة يتيمة الدهر (ص ١٤٣). وقد بويع لمسعود بن محمود الغزنويّ بالسلطنة في غزنة سنة ٤٢٢ ه‍ وقتل في ٤٣٢ ه‍ (زين الأخبار ، ٤٢٦ ، ٤٤٠ ؛ مجمل فصيحي ، ٢ / ١٤٤ ، ١٦٣).

٣٤٠