تأريخ بيهق

فريد خراسان علي بن زيد البيهقي

تأريخ بيهق

المؤلف:

فريد خراسان علي بن زيد البيهقي


المحقق: يوسف الهادي
المترجم: يوسف الهادي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار إقرأ للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٧٢

قال مصنف هذا الكتاب : رأيت المصطفى صلوات الله عليه في المنام بنيسابور فقال لي : «من قال فيما لا يدري : لا أدري ، فهو أعلم الناس».

وفي ذلك سر عظيم ، فإن كل ضلالة تلقي بظلها على العالم ، إنما تأتي من عدم اعتراف الجاهل بجهله ، وقوله في الدين بما لا يعلم ، وخداع العوام عادة بتقوى ظاهري التقوى ممن لا علم لهم فيطلبون العلم منهم ، ويرى أولئك الجهلة الفضيحة والعار لو أنهم اعترفوا بجهلهم ، وأن الناس سيبتعدون عنهم ، لذا فهم يتكلمون بما لا يعلمون ، وبحكم صلاح ظاهرهم يتلقى الناس كلامهم ـ بحسن ظن ـ بالقبول والإصغاء ، لتجد الضلالات والبدع طريقها إلى عالم الوجود.

وإن أصل كل ضلالة دخلت أديان موسى وعيسى ومحمد ، صلوات الله عليهم ، هو من الجاهل الظاهر الصلاح الخالي من العلم [١٤٤] ومنذ أن خلق الله العالم ، كان عادة العوام في كل مكان أن يكونوا مريدين للجاهل الظاهر الصلاح الزاهد سليم القلب ، وكلامه أكثر إقناعا ، وأسرع قبولا لديهم ؛ وإن اقتلاع هذا البلاء من بين الناس صعب. ولقد عجز علماء الأمم عن أن يبعدوا العوام عن ظاهري الصلاح سليمي القلوب الجهلة ، فإن أرادوا يوما أن يظهروا بطلان عمل أولئك الجهلة من أهل الصلاح الظاهر ، راج سوقهم ، وازداد إقبال عوام الناس عليهم.

فلا ينبغي أن تعطى الأولوية للصلاح في أول صحيفة العلماء ؛ لأن الصلاح المطلق مدح للنساء ، قال الله تعالى : (وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ)(١) ، وقال الله تعالى : (مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ)(٢) ؛ فالنساء هن اللواتي يجب أن يتزّين بالصلاح والعفة ، وأما صفات النساء الأخرى فهي تبع للصلاح. وفي باب

__________________

(١) سورة النور ، الآية ٣٢.

(٢) سورة التحريم ، الآية ٥.

٢٨١

العلماء ، فالأصل للعقل ثم للعلم الكامل والتقوى. وحيثما وجد العقل والعلم والتقوى ، كان الصلاح والورع تبعا وفروعا له ، والله أعلم.

علي بن محمد الزّياد آبادي (١)

هو من أعلى ناحية زياد آباد ، اختلف إلى العلماء الكبار ، واقتبس العلماء الكبار من مصابيح علومه.

قال علي بن محمد الزّياد آبادي : حدثنا سفيان بن عيينة قال : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن أبيه أنه سمع أبا سعيد الخدريّ يحدث عن النبي صلى الله عليه أنه قال : «يوشك أن يكون خير مال مسلم ثلة من أغنام يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر ، يفر بدينه من الفتن» (٢).

وتوجد في حدود البصرة قرية تدعى قرية زياد ، أما لفظ آباد فهو لا يوجد إلا في قرى العجم.

[١٤٥] أبو سليمان داود بن الحسين بن عقيل بن سعيد الذّهليّ الباهليّ (٣)

ولد ونشأ في خسروجرد وكان تلميذ يحيى بن يحيى ، وتحمل أعباء الأسفار إلى

__________________

(١) تاريخ نيسابور ، ٩٢ وقال إن زياد آباد قرية ببيهق ؛ لسان الميزان ، ٤ / ٢٥٣. وروايته عن سفيان بن عيينة (١٠٧ ـ ١٩٨ ه‍) تشير إلى أنه قديم الموت.

(٢) مسند أحمد ، ٣ / ٦ ، ٣٠ ، ٤٣ ؛ صحيح البخاريّ ، ١ / ١٠ ، ٤ / ٩٧ ومواضع أخر منه ؛ سنن ابن ماجه ، ٢ / ١٣١٧ ؛ سنن النسائي ، ٨ / ١٢٣ ؛ منتخب مسند عبد بن حميد ، ٣٠٦ ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ٦ / ٥٣٨ ؛ مسند الحميدي ، ٢ / ٣٢ ؛ المصنف لابن أبي شيبة ، ٨ / ٥٩٢.

(٣) تاريخ الإسلام ، ١٤٤ (حوادث ٢٩١ ـ ٣٠٠ ه‍) ؛ تاريخ نيسابور ، ١١٥ وفيه وفي غيره : الخسروجرديّ ؛ الأنساب ، ٢ / ٣٦٤ ؛ سير أعلام النبلاء ، ١٣ / ٥٧٩ ؛ تاريخ مدينة دمشق ، ١٧ / ١١٤ ؛ تاريخ جرجان ، ٣٥٥ ؛ الأربعون البلدانية ، ١٦٣ ؛ معجم البلدان ، ٢ / ٤٤١.

٢٨٢

الشام واليمن والحجاز لطلب العلم. كانت ولادته في خسروجرد سنة مئتين من الهجرة ، ووفاته فيها أيضا سنة ثلاث وتسعين ومئتين.

قال الحاكم الإمام أبو سعد المحسن بن محمد بن كرامة الجشميّ البيهقيّ (١) : حدثنا أبو حامد أحمد بن محمد بن إسحاق النّجّار المتكلم (٢) قال : حدثنا أبو سهل بشر بن أحمد الإسفرايينيّ ، قال حدثنا أبو سليمان داود بن الحسين البيهقي الخسروجردي قال : حدثنا يحيى بن يحيى قال : حدثنا أبو عوانة ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه أنه قال : «من زرع زرعا أو غرس غرسا فأكل منه طير أو بهيمة ، كانت له صدقة» (٣).

وإسناد داود الخسروجرديّ هذا عال ، إذ ليس بينه وبين الرسول صلوات الله عليه في هذه الرواية أكثر من أربعة رواة.

أبو نعيم إبراهيم بن عبدوك البيهقي (٤)

كان مسكنه قرية ششتمد من ربع زميج.

__________________

أما شيخه فهو أبو زكريا يحيى بن يحيى بن عبد الرحمن التّميميّ النيسابوريّ (تاريخ مدينة دمشق ، ٩ / ٢٨٨).

(١) سيترجم له المؤلف لاحقا.

(٢) المعاصر لحمزة بن الحسين البرزهيّ المتوفى سنة ٤٨٨ ه‍ ، وقد حدث هذا عنه (لباب الأنساب ٢ / ٤٩٨).

(٣) مسند أحمد ، ٣ / ٣٩١ ؛ صحيح البخاريّ ، ٧ / ٧٧ ؛ المعجم الكبير للطبراني ، ٢٥ / ١٠١ ؛ مسند الشاميين ، ٣ / ٢٨٥ ؛ أحاديث الشاموخي ، ٢٩ ؛ تاريخ مدينة السلام ، ١٣ / ١٢٥ ؛ تاريخ مدينة دمشق ، ٦٨ / ١١٤.

(٤) لم نجد له ذكرا في المصادر المتوفرة. أما شيخه أبو عصمة البلخيّ فلا يكاد يعرف لو لا وروده أحيانا في بعض كتب الحديث (انظر مثلا : طبقات المحدثين بأصبهان ، ٣ / ٢٢٦ ؛ كتاب المجروحين لابن حبان ، ١ / ١٢٩ ؛ الموضوعات لابن الجوزي ، ٣ / ٧١) ، ولا تعرف سنة وفاته.

٢٨٣

قال إبراهيم بن عبدوك البيهقيّ : حدثنا أبو عصمة عاصم بن عبد الله البلخيّ قال حدثنا بجير بن نوح ، عن الإمام أبي حنيفة ، عن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب ، عن عبد الله بن مسعود أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه : «ما من ليلة جمعة إلا وينظر الله تعالى إلى خلقه ثلاث مرات ، فيغفر لمن لا يشرك به شيئا» (١).

علي بن الحسين بن عبد الرحيم البيهقيّ (٢)

وكان مسقط رأسه قرية ششتمد أيضا.

قال علي بن الحسين بن عبد الرحيم البيهقيّ : حدثنا الحسين بن منصور ، قال حدثني أبي ، قال أخبرنا نهشل بن سعيد الضّبّيّ ، عن الضحاك بن مزاحم ، عن ابن عباس رضي‌الله‌عنه أنه قال : سئل رسول الله صلى الله عليه عن قوله تعالى (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا)(٣) فقال صلى الله عليه : «قراءة هذه الآية أمان من السّرق» (٤).

ثم إن عبد الله بن عباس قال : قرأ أحد الصحابة هذه الآية ونام ، فجاء لص إلى البيت وجمع الأثاث ، إلا أنه حاول أن يهتدي إلى باب البيت فلم يجدها [١٤٦] ولكثرة حركته وطوافه استيقظ رب الدار ، فعلم الورطة التي وقع فيها اللص ، فناداه : إن

__________________

(١) شرح مسند أبي حنيفة ، ٤٣٣.

(٢) تاريخ مدينة دمشق ، ١٨ / ١٧٠ ، ٥٩ / ٣٨٢ ، وفيه : أبو أحمد. ورد ذكره عرضا في السنن الكبرى للبيهقي ، ٢ / ٢٢٢ ؛ الكامل في ضعفاء الرجال ، ٢ / ٣٨٠ ، ٤٠٠ ، ٧ / ٤٩ ، أما شيخه فهو الحسين بن منصور بن جعفر ، أبو علي السّلميّ النيسابوريّ المتوفى سنة ٢٣٨ ه‍ (سير أعلام النبلاء ، ١١ / ٣٨٣).

(٣) سورة الإسراء ، الآية ١١٠.

(٤) الدر المنثور ، ٤ / ٢٠٦ ؛ الأمان من أخطار الأسفار ، ١٣١ ؛ الدعوات ، ١٦٠.

٢٨٤

لبيتي بابا أقيمت من كتاب الله ، فأترك الأثاث واذهب بالسلامة. ففعل اللص ما أمره ولم يأخذ شيئا من الأثاث.

والأصل في هذه المسألة أن ذلك الأثاث كان من الحلال ، وأن الرجل التّقيّ الطاهر قد قرأ هذه الآية مؤمنا بها مع حاجته إلى ذلك.

الفقيه أبو دجانة البيهقيّ (١)

ولادته في قرية ششتمد أيضا ، وكان عالما وورعا وشاعرا ، إلا أنه كان فقيرا معدما ، وله ديوان شعر بالعربيّة ، من أشعاره :

أبا دجانة إن الرزق مقسوم

ومبتغي الرزق محدود ومحروم

وكلّ ما عمل المحروم من عمل

وإن تنوّق فيه فهو مذموم

وله كتاب نفيس في الفلاحة ، قال فيه : إذا أصبح الجو حارا وأكلت بهيمة رؤوس أغصان شجرة اللوز ، فإن الشجرة تكون عرضة للشمس المحرقة فيصيبها العطش ، ويصبح اللوز مرا ؛ وإذا اشتد عود الشجرة في الصيف ، وكانت زرعت حديثا ، وسقيت في فترات متباعدة ، كان اللوز مرا. وإذا لم يزرع اللوز في شهر آذر [ـ كانون الأول] ولم يقطف في ربيع السنة التالية ولم ينقل إلى مكان آخر ، ذهب الجهد المبذول سدى ولم تثمر شجرة اللوز (٢).

__________________

(١) لم نجده في المصادر التي بين أيدينا.

(٢) ذكر البيروني في الصيدنة (ص ٥٦٠) سببا لمرارة اللوز فقال : إذا قطعت أغصان اللوز الحلو بسكة من حديد ومرخت المقاطع بالدهن صار ثمره مرا لأن حرارتها لا تجد متنفّسا وذلك لسدّ الدهن المسامّ فيختنق.

٢٨٥

وقال في هذا الكتاب أيضا : ينبغي أن لا يزرع النيلوفر (١) في إقليم نيسابور ، فذلك لا يجدي نفعا. وقد أتي بالنيلوفر من بلخ إلى نيسابور مرارا ، وتحمّل لأجل ذلك عناء كبير ، ولم تتحقق من ذلك أية منفعة. وقال : عند حرث الأرض يجب أن يؤخذ مما مساحته ذراع في ذراع ما مقداره حملان من التراب. وكلما كان أكثر كان أفضل. وإن قلّ عن ذلك ذهب الجهد سدى. ويجب أن يوضع كومان من التراب تحت الغرسة الجديدة وكوم يحيط بها. ثم يسند ساقها الذي فوق الأرض بثلاثة أكوام لتحميها ما دامت ضعيفة. فإن اشتد عودها استمسكت بتلك الأرض بشدة. وإن لم تكن كذلك أصبح جذرها متشابكا وصارت الشجرة فارعة الطول. وإذا سقيت على الدوام اخضرت لكن عودها لا يشتد ولا تثمر.

الشيخ الرئيس العالم أبو الحسن المشطّب البيهقيّ (٢)

من قرية ديوره ، وكان من فحول شعراء العالم ، وكان سبب موته لسانه :

__________________

(١) النيلوفر : ويسمى أيضا بشنين ويسمى باليوناني لوطوس [لوتس] (شرح أسماء العقار ، ٢٨) ، قال عنه ديسقوريدس : «نبات ينبت في الآجام والمياه القائمة ... وهو يظهر على الماء ومنه ما يكون في داخل الماء ، ولكليهما ورق كبير على أغصان كثيرة من أصل واحد وزهر أبيض شبيه بالسوسن ووسطه زعفراني اللون ، وإذا طرح زهره كان مستديرا شبيها بالتفاحة في الشكل أو كالخشخاشة. وفي داخله ثمرة سوداء إلى العرض والكثافة ما هو. ومذاقته لزجة وساقه أملس كبير وليس بغليظ أسود شبيه بساق قيبوريون وهو القلقاس الذي يقال له الباقلاء المصري» (كتاب ديسقوريدوس ، الورقة ٣٣ أ ـ ٣٣ ب).

(٢) ليس في المصادر المتوفرة ما يشير إليه إلا كونه معاصرا للأمير رافع بن هرثمة (أمير خراسان المتوفى سنة ٢٨٣ ه‍) وكذلك علاقته بعمرو بن الليث الصّفّار خلال إمارته لخراسان.

٢٨٦

ولربما أردى اللبيب لسانه

إنّ البلاء موكّل بالمنطق(١)

قل الحديث الذي لا مفر من قوله

وسوف يعينك العقل والحكمة

حين تتفوه بالهراء ، يقع على رأسك

إن الأستاذ يدفع ثمن ما اقترفه الأجير

لقد سمعت المثل الذي سار في أفواه

اللسان الأحمر يذهب بالرأس الأسود

قتلوه في قرية ديوره ، ومرقده هناك ، وكان ملك نيمروز وخراسان عمرو بن الليث قد ارتبطه واختصه بأنواع الإحسان والإكرام ، وكان متصلا قبل ذلك بالأمير رافع بن هرثمة ، ثم هجا رافعا بقصيدة مطلعها :

بكيت شبابا فات والشيب شائع

ولم تك تبكيني الديار البلاقع

أ لم تر أن الله أهلك رافعا

ودارت عليه بالبوار الطوالع

[١٤٨] تأمّل بعينيك النحوس فإنها

ترى النحس جهرا حيثما حلّ رافع

يضنّ وكان البخل منه سجية

فإن رام جودا لم تدعه الطبائع

كما هجا أمير خراسان ونيمروز عمرو بن الليث ، وهجا وزيره أبا نصر أحمد بن أبي ربيعة (٢) ، وكان هذا الوزير أشتر ، بينما الملك عمرو بن الليث أعور :

زعم الوزير بأنه لي مكرم

كذب الوزير وعينه شتراء

__________________

(١) «البلاء موكل بالمنطق» من الأحاديث الشريفة كما في جمهرة الأمثال (١ / ٢٠٧) ؛ الأمثال في الحديث النبوي (١ / ٨٧ ، وقال مؤلفه إن إسناده ضعيف) ؛ فصل المقال (١ / ٩٤ وفيه : «وفي بعض الآثار» ، ولم يعزه لأحد).

(٢) يبدو أن بعض الشعراء أولعوا بهجو هذا الوزير ، فقد هجاه أيضا ، شهيد بن الحسين البلخيّ المتوفى سنة ٣١٥ ه‍ (معجم الأدباء ، ٣ / ١٤٢١).

٢٨٧

لا توحشنّك شترة في عينه

هذا الأمير وعينه عوراء

فأمر الأمير عمرو بن الليث ، الحسين بن داود ـ وكان والي بيهق من قبله ـ بقتل المشطّب البيهقيّ.

من أولاد الحسين بن داود : الشيخ علي بن داود ، الذي كان مقيما فيما مضى في قرية مغيثة ، وبقي له أولاد وأحفاد.

وإنّ ذمّ الناس عادة سيئة ، وأن يصاغ ذلك الذم شعرا ؛ فإن أنعم أحد على إنسان ، وجب على ذلك الإنسان أن يشكره قدر الاستطاعة ، وإن انقطع ذلك الإحسان ولم يستمر وجب عذر ذلك المنعم :

لعلّ له عذرا وأنت تلوم (١)

وأن يقرأ :

فلا الكرج الدنيا ولا الناس قاسم (٢)

ولقد جعل الله لعلماء الإسلام في مال الخراج حقا ، ولم يجعل للشعراء فيه شيئا لمجرد قولهم الشعر.

حكاية : ذهب جماعة من الشعراء يوما إلى عمر بن عبد العزيز ، وطلبوا إليه عطاء (٣) ، فأحضر المصحف أمامهم وقال : أخبروني أي نصيب لكم في هذه الآية (إِنَّمَا

__________________

(١) نسب في فصل المقال في شرح كتاب الأمثال (ص ٧٣) لمنصور النمري ، وعجزه : «وكم من ملوم وهو غير مليم». وفي البيان والتبيين (١ / ٣٩٢) من غير عزو ، وعجزه : وكم لائم قد لام وهو مليم.

(٢) لمنصور بن باذان كما في ثمار القلوب (ص ٢٠) ، وصدره : «فسر في بلاد الله والتمس الغنى». وفي وفيات الأعيان (٤ / ٧٦) أنه لمنصور بن باذان أو لبكر بن النطاح. وقاسم هو أبو دلف القاسم بن عيسى العجلي.

(٣) الواقعة في الأغاني (٨ / ٥٢) وفيه أن الشعر لجرير والبيت هناك :

٢٨٨

الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ)(١) ، وأخبروني هل في القرآن ما يجعل لكم نصيبا واجبا في أموال الناس؟ فبهتوا وقالوا نحن من ضمن الفقراء ، فقال إن الفقراء لا حاجة بهم إلى التوسل بالشعر ، فنهض الفرزدق وقال :

[١٤٩] رأيت رقى الشيطان لا تستفزّه

وإن كان شيطاني من الجنّ ماردا

وكان يقال للشعر : رقية الشيطان.

مسألة فقهية : إن وقف أو أوصى أحد لعلماء الإسلام مطلقا ، فلا يجعل للشعراء والأدباء في ذلك شيء ، وذلك بإجماع أهل القبلة (٢) ، فهذان النوعان ـ الأدب والشعر ـ ليسا علما ، والأدب آلة معرفة العلم ، وآلة العلم ليست علما ، وإنما وصل المصطفى عليه‌السلام الشعراء ، لأن شعر ذلك الزمان كان سببا في ترغيب الناس في قبول الإسلام ، وسببا في قهر الكفار.

فائدة : قال لي أحد أساتيذي : إن نظم أحد شعرا طمعا في ممدوحه ، وحصل على مراده ، وجب عليه شكره بالشعر والنثر ، وإن لم يعطه فلا يجوز للشاعر أن يذمه ، فالشاعر هو الأولى بالذم عقلا وشرعا ، لأنه طمع بأموال المسلمين بدون مسوغ عقلي وشرعي ، وإن ذلك الذي لم يعطه شيئا ممدوح عقلا وشرعا.

فالمدح والذم يجب أن يكونا بموضعهما ، ولذا قال المصطفى عليه‌السلام : «اذكروا

__________________

وجدت رقى الشيطان لا تستفزه

وقد كان شيطاني من الجن راقيا  

ونسب إلى جرير أيضا في ثمار القلوب (ص ٧٥).

(١) سورة التوبة ، الآية ٦٠.

(٢) لقد طال هذا النقاش مرة حتى كتبة الحديث حيث ورد في مسألة : إذا أوصى رجل بثلث ماله للعلماء والفقهاء ، هل يدخل كتبة الحديث تحت هذه الوصية؟ (وفيات الأعيان ، ٣ / ٢٨٧) ، فمن الطبيعي أن لا تشمل الوصية الشعراء.

٢٨٩

الفاسق بما فيه كي يحذره الناس» (١) ، وقال عليه‌السلام : «لا غيبة لفاسق» (٢).

الحسين بن معاذ البيهقيّ (٣)

كان من أكابر بيهق ، وكان أبوه قد بنى معاذ آباد بيهق التي في أعلى الناحية ، وكان حسين هذا مقيما في القصبة ، ومعاشه من فلاحة معاذ آباد ، ومنزله في القصبة على الطريق المتجه إلى نيسابور. وطلل ذلك الرباط ظاهر إلى يومنا هذا ، وكانوا طوال تلك السنين ينفقون على عمارة قرية معاذ آباد وقناة الماء فيها ، وكان السور والقناة مصنوعين على الغالب من الآجر.

وكان للحسين هذا ابن من أهل العلم أيضا ، وهو علي بن الحسين بن معاذ (٤).

[١٥٠] قال الحسين بن معاذ : حدثني والدي معاذ ، عن المبرّد ، عن عمارة بن عقيل ، عن أبيه ، عن جده ، عن بلال بن جرير بأنه قال : أعطى سليمان بن عبد الملك أثناء خلافته إمارة خراسان والعراقين ليزيد بن المهلب ، فأرسل يزيد رسولا إلى الخليفة ، فأكرمه الخليفة ، وسأله عن أحوال يزيد كثيرا ، فنهض جرير الشاعر وكان حاضرا ذلك المجلس وأنشأ قائلا :

__________________

(١) في الكامل في ضعفاء الرجال ، ٢ / ١٧٣ ، ٥ / ١٣٤ ، وفيه : اذكروا الفاجر بما فيه ، يحذره الناس ؛ الضعفاء للعقيلي ، ٢٠٢.

(٢) الفردوس بمأثور الخطاب ، ٣ / ٤١١ ؛ فيض القدير ، ٥ / ٣٧٧ ؛ الكامل في ضعفاء الرجال ، ٢ / ١٧٣ ؛ طبقات المحدثين بأصبهان ، ٣ / ٤٧٨ ؛ كنز العمال ، ٣ / ٥٩٥ ، وفيه «ليس للفاسق غيبة» ؛ وفي أمالي الصدوق ، ص ٣٤ وفيه : «إذا جاهر الفاسق بفسقه ، فلا حرمة له ولا غيبة له».

(٣) نرجح أنه الحسين بن معاذ بن مسلم النيسابوريّ الوارد في تاريخ نيسابور ، ص ٨٤ الذي اشتهرت مقبرته بنيسابور بوصفها مدفنا لجمهرة كبيرة من المشاهير (انظر تاريخ نيسابور ، ٧٨ ، ٨٤ ، ١٠٧ ، ١١١ ، ٢٢٠ ؛ سير أعلام النبلاء ، ١٣ / ٤١٤ ، ٥٥١ ؛ الجواهر المضيئة ، ١ / ٤٥١ ؛ طبقات الحنفيّة ، ١ / ١٦٦).

(٤) هو أبو الحسن علي بن الحسين بن معاذ السّختيانيّ (تاريخ نيسابور ، ١١٨).

٢٩٠

آل المهلب حذّ الله دابرهم

أضحوا رمادا فلا أصل ولا شرف

مع أبيات أخرى من هذا القبيل ، فذهب الرسول خجلا إلى يزيد بن المهلب وقص عليه الواقعة ، فأقسم يزيد بحق المهلب أن يعاقبه إن أظفره الله به ، وكان آل المهلب لا يحنثون إن هم أقسموا بحق المهلب.

وفي أحد الأيام كان يزيد ذاهبا للصيد ، فرأى على البعد قافلة وأرسل حاجبه ليستطلع الخبر ، فجاء وقال : بينهم ابن يربوع ـ يعني به جرير الشاعر ـ فامتشق الأمير حسامه واتجه نحوه ، فلما رآه أيقن بالموت ويئس من الحياة ، فقال الأمير يزيد : أنت القائل : «آل المهلب حذّ الله دابرهم» ، فقال معاذ الله ، لقد وقع الناقل في سهو فنقل للأمير خطأ ، لقد قلت :

آل المهلب قوم خوّلوا شرفا

ما ناله عربيّ لا ولا كادا

لو قيل للمجد حد عنهم وخلّهم

بما احتكمت من الدنيا لما حادا

إن المكارم أرواح يكون لها

آل المهلب دون الناس أجسادا

وقد قال جرير تلك الأبيات على البديهة ، فقال الأمير يزيد : أحسنت [١٥١] ، ولن أعاقبك على ما سلف ، كما لن أثيبك على ما قلته بديهة ، فالجزاء من موجبات الكرم ، هذا بذاك ، فامض بالسلامة ، فمضى جرير (١).

أبو إسحاق إبراهيم بن محمد البيهقيّ المغيثيّ (٢)

قال الشيخ أحمد بن عميرة إنه كان من قرية المغيثة ، وهي قرية قرب

__________________

(١) الموجود من هذه الواقعة ، الأبيات الثلاثة فقط في شرح ديوان الحماسة ، ٢ / ٩٠٠.

(٢) هو أستاذ مؤرّخ خراسان الحسين بن أحمد السّلّامي (معجم الأدباء ، ٣ / ١٠٢٩) ، كل ما نعرفه عنه ورد في ديوان ابن الرومي (٢٢١ ـ ٢٨٣ ه‍) الذي هجاه بمقطعات ومنها هذه الواردة هنا : «أيها البيهقيّ أحسنت في شعرك ...» (انظر : ديوان ابن الرومي ، ٤ / ١٦٦٩ ، أما بقية هجائه فوارد في ١ / ٤١١ ، ٢ / ٥٨١ ، ٨١٦ ، ١٢٥٤ ، ٣ / ١٢٥١ ، ١٢٥٧ ، ٤ / ١٤٣٥. ٥ / ١٨٧١ ، ٦ / ٢٥٣٧). كان معاصرا أيضا لابن الفقيه الهمذاني مؤلف كتاب البلدان الذي كان حيا في ٢٨٩ ه‍ (البلدان ، ٣٦٩).

٢٩١

جشم (١) ، وكان وزير كاشغر الفضل بن حمك منها ، وقد بنى هذا الوزير فيها رباطا ، وأرسل من مال الغزو من كاشغر مسكوكات ذهبا لإتمام بناء ذلك الرباط ، وإن هذا لهو الفوز العظيم.

وأبو إسحاق إبراهيم بن محمد المغيثيّ هذا ، هو جد الإمام الزاهد سديد الدين أبي إسحاق إبراهيم بن الإمام علي بن حمك بن إبراهيم بن الحسين بن حمك بن أحمد بن أبي إسحاق إبراهيم بن محمد البيهقيّ المغيثيّ (٢) ، وهو اليوم مفتي خراسان ، وقد وقف الإمام سديد الدين عند هذا النسب ، أما الإمام علي بن أبي صالح الخواريّ (٣) وغيره فقد ذكروا أن له عقبا في قرية مغيثة ببيهق ، والله أعلم.

ذكر الحاكم أبو عبد الله الحافظ في تاريخ نيسابور أن أهل نيسابور ونواحيها كانوا يدعون محمدا ذاك بحمك وحمش تعظيما وإجلالا (٤).

وكان الإمام إبراهيم المغيثيّ تلميذ أبي سعيد أحمد بن خالد الضرير بخراسان ، وتتلمذ ببغداد على أبي العباس المبرّد وثعلب والرياشي صاحب الأصمعيّ.

وكان الأمير أبو أحمد عبيد الله بن عبد الله بن طاهر قد ارتبطه ، وحصلت له معه مؤانسة ومنادمة ، وقد قطعها هذا الإمام من طرفه.

__________________

(١) في الأصل أحمد بن مغيرة ، فأخذنا بما في مخطوطة برلين. وهو أبو علي أحمد بن محمد بن عميرة (دمية القصر ، ٢ / ١١٣٦) ، ذكره المؤلف في لباب الأنساب (٢ / ٦٧٨) وفيه أنه قدم نيسابور سنة ٤٦١ ه‍ «ونزل وراء المدرسة المشطّبية في باغ أبي الفضل المشطّبي».

(٢) في التّقييد ، ص ٣٥ : «أبو المكارم ... المغيثيّ القاضي النيسابوريّ الحنفيّ ... عاش إلى حدود سنة ست مئة فيما بلغني» ؛ سير أعلام النبلاء ، ٢٣ / ٥٤ ؛ تكملة إكمال الإكمال ، ١ / ٤٨ وفيه : أبو الفضل إبراهيم ... ، ٢ / ١٥٦ وفيه : أبو المكارم ... الحكمي ؛ توضيح المشتبه ، ٢ / ٤٣٧ ، ٨ / ٢٣٧).

(٣) هو مؤلف تاريخ بيهق الذي اعتمد عليه مؤلفنا.

(٤) نص قوله هو : «إن أهل الثروة والشرف في بلاد خراسان وخصوصا بنيسابور ، يلقبون أولادهم لعزهم وشفقتهم عليهم ، فيقولون لمحمد : حمك أو حمش أو غير ذلك». (تهذيب الكمال ، ٢٦ / ٣٢).

٢٩٢

وللإمام إبراهيم المغيثيّ هذا مع ابن الرومي والبحتريّ مساجلات شعرية ، قال ابن الرومي جوابا على شعره :

أيها البيهقيّ أحسنت في شعرك

إحسان ذي طباع وحذق

قرّط الله بظر أمّك بالدّرّ

فقد أنجبت شاعر صدق

[١٥٢] وكان الهزل غالبا على طبع إبراهيم هذا.

حدث أن أخذ بيد أبي سعيد الضرير ليذهب به إلى قصر الطاهريين ، فلما وصلا قال لأبي سعيد : صن وجهك من الباب ـ وكان ذلك الباب من الارتفاع بحيث أن الفارس الذي يحمل علما يستطيع المرور من تحته دون أن ينكّس العلم ، لأن آل طاهر وبحسب الطالع لا يجيزون تنكيس العلم ـ فانحنى أبو سعيد عند دخوله ، مما أثار عجب الناس وتصاعد قهقهاتهم.

ولما ذهبا فوصلا قرب ساقية ، وكانت لما تزل مسافة بينهما وبين الساقية ، وعلم إبراهيم أن أبا سعيد سيقع فيها لو قفز ، فقال له : أيها الأستاذ! اقفز فجمع المسكين أبو سعيد ثيابه وقفز ، فوقع في وسط الساقية ، ومع كل ذلك لم يتعظ ب «لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين» (١) ، ومن جرّب المجرّب حلّت به الندامة (٢).

وكان إبراهيم المغيثيّ هذا غرس أيادي الطاهريين ، وعند ما أصيبت شمس دولتهم بالغروب ، وجاء دور آل الليث ، اشتغل المغيثيّ كاتبا لدى خلف بن الليث (٣).

طلب إليه أبو الحارث السّجزيّ يوما أن يكتب رسالة نيابة عنه إلى سجستان يأمر

__________________

(١) حديث شريف (انظر : صحيح البخاريّ ، ٧ / ١٠٣ ؛ صحيح مسلم ، ٨ / ٢٢٧ ؛ سنن ابن ماجه ، ٢ / ١٤١٨ ؛ السنن الكبرى للبيهقيّ ، ٦ / ٣٢٠ ، ٩ / ٦٥ ، ١٠ / ١٢٨ ؛ تاريخ مدينة السلام ، ٦ / ٤٦٦ ، ومصادر جمة أخر).

(٢) ذكره الميداني (مجمع الأمثال ، ٢ / ٣٢٩) ضمن أمثال المولدين.

(٣) هو خلف بن أحمد الصّفّار المتوفى سنة ٣٩٩ ه‍.

٢٩٣

فيها بإعطاء نصف خراج ضياعه صدقة للفقراء ، شكرا لله على تسليم الأمير يعقوب إقليم خراسان لآل الليث ؛ فكتب البيهقيّ رسالة أمر فيها ببيع جميع أملاكه وتوزيع ثمنها على الفقراء ، وعلّم الرسالة وختمها ، فأخذها الرسول ، وباع الوكيل جميع ضياعه ، وأعطى ثمنها للفقراء.

ولما جاء الجواب ، مزّق أبو الحارث ثيابه وذهب مولالا نادبا إلى يعقوب بن الليث ، وكان رجلا عبوسا ، فلما سمع الحكاية ، ضحك كثيرا ، ثم أخذ يتقلب على جنبيه من شدة الضحك ، حتى تعجب خاصته من ذلك.

ثم إن الأمير قال لأبي الحارث : سأعطيك من أملاكي ما يعوضك عن أملاكك وأعطيك نقدا من الخزانة لتستردّ به أملاكك ، وأدع يدك مبسوطة على البيهقيّ حتى تستردّ منه حقك.

[١٥٣] وتوارى البيهقيّ سنة كاملة عن الأنظار ، وفي ليلة ذهب إلى بيته ليأتي بكتاب يطالعه نهاره ، فلما وصل إلى حمام سكة حرب (١) ، خرج أبو الحارث السّجزيّ مع غلمانه من الحمام ـ وكان مع أبي الحارث كثير من الشموع والمشاعل ـ فرأى البيهقيّ الذي تملكه الخوف وارتعدت فرائصه ، فقال له أبو الحارث : يا عدوّ الله! ما ذا أنت صانع بأملاكي التي اشتريتها ثانية بأموال الأمير؟ هل ستكتب رسالة أخرى تأمر فيها ببيعها؟

فقال البيهقيّ : أيها الحاجب! أجرني وأعف عني ، فأنت لم تخسر شيئا ، لأن الله تعالى أعطاك أضعاف ذلك :

من كان يرجو عفو من هو فوقه

عن ذنبه فليعف عمّن دونه

فقال أبو الحارث : اذهب ، فلن يتعرّض لك أحد.

__________________

(١) سكة حرب إحدى سكك مدينة نيسابور (تاريخ نيسابور ، ٩٩ ، ١٤١).

٢٩٤

فقال البيهقيّ : كيف أمضي ، وليس في أعضائي قدرة على الحركة؟ فأمر أبو الحارث غلمانه بأن يصفعه كل واحد منهم صفعة ، لتستعيد أعضاؤه قوّتها ويذهب بالسلامة.

يقول البيهقيّ : فتوالت عليّ الصفعات ، وتطايرت أكف الرجال مع النعال من اليمين والشمال ، وعدت منهك القوى بعد أن أنقذت نفسي منهم بلطائف الحيل ، ونجوت من الخوف والخطر :

أما الزمان إلى سلمى فقد جنحا

وعاد معتذرا عن كلّ ما اجترحا

وقال إبراهيم البيهقيّ :

لا يسأل الناس ما مجدي ومجد أبي

الشأن في فضّتي والشأن في ذهبي

لو لم يكن لي مال لم يزر أحد

بيتي ولم يعرفوا مجدي ومجد أبي

كم سوّد المال قوما لا قديم لهم

وأخمل الفقر سادات من العرب

وقال في البحتريّ يهجوه :

[١٥٤] إن الوليد لشاعر في زعمه

وأرى شمائله شمائل حائك

ولم أورد البيت الثاني لفحش كان فيه.

وقال البيهقيّ أيضا يهجو معاذ آباد بيهق :

٢٩٥

معاذ آباد ناووس خراب

بمغناها الهموم لمن تأرّى

وجدولها كبول الضب نزر

وبول الفار أغزر منه نهرا

وأن يسلح على سكر ذباب

فبالسلح الذباب يسدّ سكرا

وقد اعتبر أبو القاسم الكعبيّ البلخيّ في كتاب مفاخر خراسان الإسهاب في حكايات وأشعار إبراهيم المغيثيّ البيهقيّ لازما ، وكذلك الشيخ أبو منصور الثّعالبيّ.

الشيخ أبو علي الحسين بن أحمد بن محمد السّلّاميّ البيهقيّ (١)

مولده ونشأته في خوار بيهق ، والسّلّاميّ هذا يجب أن يلفظ بفتح السين وتشديد اللام على وزن علّام وغفّار ، وقد أوضح ذلك هو نفسه في كتاب الثار الذي من تأليفه.

أما نسبة الشاعر السّلامي ـ بتخفيف اللام ـ فمنسوب إلى مدينة السلام يعني بغداد.

توفي أبو علي الحسين السّلّامي صاحب التاريخ في سنة ثلاث مئة ، وأخباره

__________________

(١) مؤرخ خراسان الذائع الصيت ، كان تلميذ إبراهيم بن محمد المغيثيّ ، كما كان شيخا لأبي بكر الخوارزميّ ، ترجم له ياقوت ونقل من كتابه النتف والطرف (معجم الأدباء ، ٣ / ١٠٢٩ ، ٦ / ٢٤٩٥) وقال إنه توفي سنة ٣٠٠ ه‍. كما ترجم له الثّعالبيّ وقال إنه منخرط في سلك أبي علي بن محتاج [الصّغانيّ] (يتيمة الدهر ، ٤ / ١٠٨). وقد نقل ابن خلكان في الوفيات مقاطع من كتابه تاريخ ولاة خراسان (انظر فهرس الكتاب ، ٨ / ٤٥٦). وقد سها قلم السمعاني في الأنساب (٣ / ٣٥٠) فنسب تأليف النتف والطرف إلى الشاعر أبي الحسن محمد بن عبد الله السّلامي ؛ تاريخ التراث العربيّ لسزكين ، ١ (٢) / ٢٢٥ وفيه أنه كان يعيش حوالي ٣٥٠ ه‍. وممن نقلوا من كتابه تاريخ ولاة خراسان ، أخطب خوارزم المتوفى سنة ٥٦٨ ه‍ في كتابه مقتل الحسين (١ / ١٧٠ ، ٢ / ٤٠ ، ١٨٣) ؛ والبيروني في الآثار الباقية (ص ٣٣٢). انظر عن السلّامي أيضا : علم التاريخ عند المسلمين لفرانز روزنثال. نشير إلى أن النسفي قد اقتبس كثيرا من تاريخ ولاة خراسان ، انظر : القند ، فهرس الكتاب ، ٨٦٣).

٢٩٦

وأحواله غنية عن الشرح ، وكتبه ناطقه بفضله ، ومن تصانيفه : تاريخ ولاة خراسان ، وكتاب النتف والطرف ، وكتاب المصباح ، وكتاب الثار (١).

وكان تلميذ إبراهيم بن محمد البيهقيّ ، وأشعاره في كتاب يتيمة الدهر وغيره وكان أبو بكر الخوارزميّ تلميذه.

أحمد بن فودكان (فوركان) البيهقيّ (٢)

كان من قرية راز ، وكان له ابن يدعى عبد الله ، وكان من أفاضل العصر أيضا ، ومن شعر أحمد بن فودكان (فوركان) قوله :

[١٥٥] الموت لا شكّ فيه

فانعم جنابك خفضا

وداوم اللهو فيها

لتمضي العيش غضّا

ولا تخلّف تراثا

لمن يعاديك بغضا

من أولاده : الفقيه سرور ، وإبراهيم بن سرور ، وكانا بقرية راز في مدخل سبزوار.

إبراهيم بن عبدش البيهقيّ (٣)

كان من قدماء فضلاء هذه الناحية ، وولادته في قرية ششتمد وله أشعار كثيرة ، وديوان شعره مقبول لدى أرباب هذه الصناعة ، وبقي من أولاده مجموعة في أسفل قرية زميج وقرية ششتمد ، ومن شعره هذه الأبيات التي يشكو فيها من أولاده :

__________________

(١) عنوانه الكامل : الثار في أخبار خوار ، والمقصود خوار من أعمال بيهق.

(٢) لم نجده في المتوفر من المصادر.

(٣) لم نجده في المتوفر من المصادر.

٢٩٧

ما ذا أؤمّل ممن همّه السّرف

العجب أبطره والتّيه والصّلف

أما الصغير فإني لا أعاتبه

وهل يعاتب ثور همّه العلف؟

ولما كان إبراهيم بن عبدش في مرو تكلم جماعة من الفضلاء على الصبر ، فقال هو :

هل الصبر إلا ترك شكوى وسترها

تعالج من همّ يكنّفه الصّدر

وإبداء بشر ظاهر وبشاشة

وقلبك يغلي مثل ما غلت القدر

فإن لم يكن هذا هو الصّبر نفسه

فليس إذا يدري المفسّر ما الصبر

داود بن موسى البيهقيّ (١)

كان من أفاضل بيهق ، وولادته ونشأته في قرية دويين ، وهو جد المعافى بن أحمد البيهقيّ الدّوينيّ ، ومن شعره قوله :

ارجع فساعد على قدر تعجّلها

صبيحة اليوم تنّوريّنا موسى

واشرب عليها ثلاثا لا ينهنهنا

عن شربها آدم يوما ولا عيسى

[١٥٦] فقال أبو علي الحسين بن أحمد البيهقيّ في إجازتهما :

ففي تناقلها أنس تلابسه

ونفي ما بك من شكوى ومن بوسى

تحتّ عنك هموم القلب سورتها

كما تحتّ شعور الجلد بالموسى

وقد قال نقاد الشعر في هذه الأبيات كلاما ، وبأن الشعر صناعة ذات دقائق كثيرة يجب أن يتأمل فيها ، وعيوب خفية كثيرة ، وأوصاف محمودة ومذمومة ، وهو على أنواع ، وأكثرها ذكرتها في كتاب أزهار أشجار الأشعار ، الذي هو من تأليفي.

__________________

(١) لم نجده فيما بين أيدينا من المصادر.

٢٩٨

محمد بن سعيد البيهقيّ المعروف بمحم (١)

هو من قصبة سبزوار ، وقد ترجم له أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن محمود البلخيّ الكعبيّ في كتاب مفاخر خراسان ، وله ديوان شعر ، ومن أشعاره السائرة ، الأبيات التي عاتب فيها قاضي نيسابور ياسر بن النضر :

قد كان غرثان فتمّت كسره

وكان عريان فتمّ وبره

وصار ذئبا فالنعاج تحذره

أبو صالح شعيب بن إبراهيم بن شعيب العجلي البيهقيّ (٢)

كان من العلماء الكبار ، وروى الحديث عن الإمام محمد بن يحيى الذّهليّ ، وروى عنه أبو زكريا العنبريّ.

قال أبو صالح هذا : حدثنا محمد بن إسماعيل الأخنس ، قال : حدثنا مفضل بن صالح ، قال : حدثني سماك بن حرب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أنه قال : لعلي بن أبي طالب عليه‌السلام أربع خصال ، هو أول هاشمي صلى وحج مع النبي عليه‌السلام وهو الذي كان لواؤه معه في كل زحف ، وهو الذي صبر معه يوم المهراس وانصرف الناس ، وهو الذي غسله وأدخله قبره (٣).

__________________

(١) ترجم له المؤلف فيما مضى وهذه الثانية وسيترجم له لا حقا ضمن الشعراء الناطقين بالفارسيّة ، والمشترك في هذه الترجمات هو اعتمادها على ما أورده الكعبيّ في كتابه الذي يسميه المؤلف مرة مفاخر خراسان وأخرى مفاخر نيسابور.

(٢) في الأصول : البجليّ ، وقد صوبناه إلى العجلي في ضوء ما ذكرته جميع المصادر التي ترجمت له ولابنه محمد الآتي. انظر : تاريخ نيسابور ، ١١٦ ؛ تاريخ جرجان ، ٢٤٠ ، وقال إنه يروي عن أحمد بن يحيى الذّهليّ وليس محمد بن يحيى كما ورد أعلاه ولقبه بالعجلي الجرجانيّ ؛ الأنساب ، ١ / ٤٣٩ ؛ طبقات الشافعية الكبرى ، ٣ / ٣٠٣ ؛ شعب الإيمان ، ٦ / ٥٧ ، ٩ / ٤٤١.

(٣) جواهر المطالب ، ١ / ٢٠٩ ؛ تاريخ مدينة دمشق ، ٤٢ / ٧٢ ؛ تهذيب الكمال ، ٢٠ / ٤٨٠ ؛ المناقب

٢٩٩

روى أبو صالح شعيب : ذهبنا إلى الشام ـ وكنا جماعة ـ لطلب علم الحديث ، وقد استولى علينا اختلال الحال وضيق ذات اليد وضنك المعيشة ، وبسبب تشتت البال [١٥٧] ـ وكما هي عادة الغرباء ـ ذهبنا إلى الصحراء ، فظهر علينا فارس شاب ، وعليه غلالة ، ومعه خادم ، فسألنا عن بلادنا التي جئنا منها وعن سبب ارتحالنا من أوطاننا فقلنا إننا خراسانيون جئنا لطلب علم الحديث النبوي ، فسألنا عن أحوال نفقتنا ، فقلنا في أسوأ الأحوال. فطلب إلى خادمه أن يعطي كل واحد منا ألف دينار صحيحة ، فانصرف الخادم وما عتم أن عاد في أسرع وقت ومعه أفراد آخرون ، ووضع قدّام كل واحد منا ألف دينار صحيحة كجمرات النار ، وقال : اذكروا الأمير بالأوراد والأدعية الصالحة. ثم إن الشاب ركض بفرسه وذهب. فسألنا : من يكون هذا الشاب المطبوع بمخايل الرجال والعقلاء ، وجماله عنوان كتاب الشرف ، وفضائله ترجمان مجد السلف ؛ الذي كتبت على وجهه آية سيادته ، وعجنت بعنبر السخاء طينته ؛ فكأنه قد شرب ماء من يد الشمس ، فبانت على وجهه علامة السيادة ، وعلى ألفاظه الجوهرية أمارة الإمارة والعظمة ، وقرأ العصر عنوان دولته ، وكتب قلم الإقبال بخط السعادة اسمه بدفاتر المفاخر :

لو لا عجائب صنع الله ما نبتت

تلك الفضائل في لحم ولا عصب

فقال : هو الأمير طاهر بن عبد الله بن طاهر بن الحسين ، أمير خراسان والشام وبغداد المستحق للمدح والثناء بالأيادي والإنعام ، واللائق للخدمة والدعاء بالفضل والإكرام ؛ صاحب الأصل الأصيل ، والرأي الجميل ، والحسب الحسيب ، والصورة القمرية ، والجمال بلا نهاية ، والجود بلا غاية :

__________________

للموفق الخوارزميّ ، ٥٨ ؛ شواهد التنزيل ، ١ / ١١٨ ؛ المستدرك للحاكم ، ٣ / ١١٠ ؛ ذخائر العقبى ، ٨٦.

٣٠٠