تأريخ بيهق

فريد خراسان علي بن زيد البيهقي

تأريخ بيهق

المؤلف:

فريد خراسان علي بن زيد البيهقي


المحقق: يوسف الهادي
المترجم: يوسف الهادي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار إقرأ للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٧٢

وإلى يومنا هذا ، يسمي الناس عديم الحياء الذي يريدون انتقاصه وتوبيخه ساسيا ، ويسمون الشحاذين «الساسيين» و «الساسانيين» (١).

فليغّيب في الثرى وليذهب إلى الجحيم

ذلك الفتى الذي لا يعبأ بأبيه

ومن ساسان (٢) هذا انحدر ملوك العجم ، وكان الملوك الآخرون يقرعونهم ويسمونهم أولاد ساسان الراعي ، وليس عجيبا أن مسخت دولة بني ساسان بهذا الإدبار ، ومسخت رقوم محاسنها ، وأصبح بدرها هلالا ، ونهارها ليلا.

وكان الأكاسرة ظالمين ـ إلا نوشروان ـ فلم يكن أحد من الناس يمتلك الجرأة ليطبخ طعاما طيبا لذيذا ، أو أن يخيط ثوبا جميلا ، أو أن يعلم ولده العلم والأدب ، أو أن تكون له دابة ثمينة ، حتى إن النبي الذي عاش في عهدهم عليه‌السلام قال : إلهي ، لم آتيت الأكاسرة [٤٣] ما آتيتهم؟ فأوحى الله تعالى إليه : «لأنهم عمروا بلادي ، حتى عاش فيها عبادي» (٣). وكانوا مولعين بعمارة العالم.

__________________

(١) عن كون (بني ساسان) وصفا للشحاذين ، ورد في ترجمة الأحنف العكبري من يتيمة الدهر (٣ / ١٣٧): «شاعر المكدين وظريفهم ... وهو فرد بني ساسان اليوم بمدينة السلام». وأشهر شعراء هذه الطائفة هو أبو دلف مسعر بن مهلهل الخزرجيّ صاحب القصيدة الساسانية التي ضمنها جميع حيل وأساليب الشحاذين في الكدية (انظر : يتيمة الدهر ، ٣ / ٤١٦ ـ ٤٣٦).

(٢) الساسانيون : سلالة قومية فارسية أنشأت إمبراطورية حول الهضبة الإيرانية استمرت من العام ٢٢٤ / ٢٢٦ إلى العام ٦٥١ م ، وشكلت هذه الإمبراطورية خلال حكم هذه السلالة تهديدا مستمرا للرومان والبيزنطيين من بعدهم ونازعت هاتين الإمبراطوريتين على حكم بلاد ما بين النهرين وسورية (معجم الحضارات السامية ، ٤٥٢ ـ ٤٥٣).

(٣) ورد هذا النص في ذكر أخبار أصبهان (١ / ١١) ، ونسبه السّرخسيّ في المبسوط (٢٣ / ١٥) للنبي (ص) فيما يأثر عن ربه وورد من غير عزو في فيض القدير (٣ / ٣١ ، ٦ / ٩٣).

١٤١

أما نوشروان بن كيقباد فقد كان الملك العادل من بينهم ، ولذلك قال النبي عليه‌السلام : «ولدت في زمن العادل نوشروان (١)». وعند مضي تسعة أعوام من حكمه ، ولد المصطفى عليه‌السلام.

وذكروا أن ساسويه بن شابور الملك هو الذي بنى سبزوار ، وسابور هو الذي بنى نيسابور ، وكان اسم هذه المدينة بناسابور ، إلا أن الألف والباء أسقطا ، وأبدل الألف ياء ، لأن ني باللغة البهلوية بناء ، ونيسابور ، تعني بناء نيسابور.

أما ساسان قاريز ، فقد كانت ساسوقاريز ، وسبزوار كان أصلها ساسويه آباد وقيل إن ابن ساسويه هذا هو يزد خسرو الذي بنى مدن : خسرو شير جوين وخسرو آباد بيهق وخسرو جرد وكان الحاكم بنيسابور في قديم الأيام من أبنائه ، وهو الحاكم أبو الحسين محمد بن محمد بن الحسن بن علي بن السري بن يزد خسرو بن ساسويه بن سابور الملك (٢) ، وله عقب بنيسابور ، وقد توفي الحاكم أبو الحسين بنيسابور في رمضان سنة سبعين وثلاث مئة وهو ابن تسعين سنة ، وكان أعقابه من المعمرين ، ولم يكن فيهم من عاش أقل من تسعين سنة ، وتجاوز الكثير منهم سن المئة سنة.

وقد أصبحت سبزوار مدينة كبير مكتظة بالأشجار المثمرة الوارفة الظلال ، والناس هناك يسمونها سابزوار ، أي الملائمة ، كما نسبوا نيسابور من حيث التأسيس إلى سابور الملك ، إلا أنهم سموها نيسابور كما أوردنا ذلك.

__________________

(١) من الأحاديث الموضوعة ، وقد نص على وضعه كل من الفتني في تذكرة الموضوعات (ص ٨٨) والعجلوني في كشف الخفاء (٢ / ٣٤١) والصالحي الشامي في سبل الهدى والرشاد (١ / ٣٤٤).

(٢) ورد اسمه في تاريخ نيسابور (ص ١٨٧) كما يلي : محمد بن محمد بن الحسن بن علي بن الحسين السري بن يزدجرد بن سيبويه بن شابور الذي بني نيسابور ، الفقيه الحاكم ، أبو الحسين الصّفّار النّيسابوريّ.

١٤٢

وقالوا : سبزوار ، كجنات تجري من تحتها الأنهار. وعمرانها وأسواقها ومحلاتها متصلة حتى قرية إيزي من طريق زورين ، وما زالت أطلال ذلك العمران باقية إلى الآن.

[٤٤] ولما وصل الأمير عبد الله بن عامر بن كريز إلى خراسان ، لم يحاربه أهل سبزوار ، وقالوا : إذا آمن أهل نيسابور ، فنحن نؤمن ، ولم يبدأوا جيش المسلمين بالحرب ، وقد رغبوا في الإيمان بعد فتح نيسابور ، تركوا هوى النفس والرياء ، ورفعوا علم قبول الإسلام إلى العلاء ، زرعوا في عراص الاختصاص بذور السعادة ، ليحصدوا ريع السعادة ، زينوها بحلية الشرع ، وأنبتوها في صدق السنة والحق.

وقد ظلوا على هذه القاعدة وهذا النسق إلى أن جاء حمزة بن آذرك الخارجي (١) من سجستان بجيشه في جمادى الآخرة سنة ثلاث عشر ومئتين ، حيث انحدر من جانب قهستان وترشيز فوصل أولا إلى ششتمد ـ المدينة التي كانت ولادتي بها ـ وكانت هناك آنذاك قلعة من غير ماء ، وقد حارب أربعين يوما ، فلم يتيسر له فتحها ، فقام بحفر قناة ششتمد وما تزال تلك القناة موجودة إلى الآن وتعطي قليلا من الماء ، وتسمى القناة السفلى.

ولم يرعو حمزة بن آذرك عن رعونته ، حيث استولى على رأيه شيطان هواه ، فمزق ثوب الصلاح ، ومحا من لوح أعماله رقوم الرحمة والشفقة ، وأدار برأسه خمار الحقارة وخبائث البدعة والضلالة :

على غير حزم في الأمور ولا تقى

ولا نائل جزل تعدّ مناقبه (٢)

__________________

(١) ضمن حوادث سنة ١٧٩ ه‍ من تاريخ الطبريّ (٦ / ٤٦٥) والبداية والنهاية (١٠ / ١٨٦) ورد أن حمزة بن أترك السجستاني خرج بخراسان ، وبعد شنه غارات واسعة عليها مارس فيها القتل والسبي وجباية الأموال إلى أن قتل سنة ١٩٤ ه‍ (العبر لابن خلدون ، ٣ / ٢٢٩) ؛ ولذا فإن القول إنه خرج سنة ٢١٣ ه‍ هو مما تفرد به المؤلف.

(٢) من قصيدة لأبي بكر العرزمي (الأمالي للمفيد ، ٣٠٠) ، وهو محمد بن عبيد الله بن أبي سليمان المتوفى سنة ١٥٥ ه‍ (الأعلام ، ٦ / ٢٥٨).

١٤٣

وعندما اتجه من هناك إلى القصبة ، صادف وقت ارتفاع الماء في نهر شور ، فخاف من عبور الماء ، وكان جيش سبزوار قد خرج من المدينة ووقف محاذيا لشط الوادي.

وحدث أن جاء حائك من أهل سبزوار ، فألقى بنفسه في الماء وعبر ، فتجرأ الخوارج على العبور :

نزو الفرار استجهل الفرارا (١)

وحملوا ، فقتلوا خلقا كثيرا ، ومن هناك ـ حيث رباط علي آباد ـ اتجهوا إلى مدخل القصبة [٤٥] فدخلوها ، وظلوا سبعة أيام بلياليها يقتلون الذكران من البالغين أو الأطفال ، لأن حكم الأطفال في مذهب الخوارج كحكم آبائهم وأمهاتهم (٢) ، وقد

__________________

(١) في جمهرة الأمثال (٢ / ٣٠٥): «يضرب مثلا للرجل الرديء تكره مصاحبته حذرا من أن يأتي صاحبه مثل فعله ، والفرار ولد البقر الوحشي وهو إذا شب وقوي أخذ في النزوان ، فمتى رآه غيره نزا معه». وقد ورد في بعض المصادر (نزو) على تقدير : نزا نزو الفرار.

(٢) الثابت في السنة النبوية الشريفة أن النبي (ص) نهى عن قتل النساء والصبيان ، وقد روى ابن تيمية في الصارم المسلول أن النبي (ص) «رأى امرأة في بعض مغازيه مقتولة فقال : ما كانت هذه لتقاتل ، ونهى عن قتل النساء والصبيان» ، ثم أضاف أن النبي حين بعث إلى ابن الحقيق بخيبر ، نهى عن قتل النساء والصبيان ، وأضاف ابن تيمية إلى ذلك قوله : إلا إذا مارسن القتال مما أدى إلى قتل نساء أو صبيان (٢ / ٢٥٥ ، ٢٥٨ ؛ انظر أيضا : المبسوط للسرخسي ، ١٠ / ٦ ؛ البحر الرائق ، ٥ / ١٤١). وفي مغني المحتاج (٤ / ٢٢٣) «نهي في الصحيحين عن قتل الصبيان والنساء وألحق المجنون بالصبي والخنثى بالمرأة لاحتمال أنوثته» ، وفي اللمعة الدمشقية «لا يجوز قتل الصبيان والمجانين والنساء وإن عاونوا إلا مع الضرورة ولا الشيخ الفاني والخنثى» (ص ٧٣ ؛ انظر أيضا : الروضة البهية ، ٢ / ٣٩٣) ، غير أن الأزارقة من الخوارج أبا حوا قتل النساء والصبيان الذين ألحقوهم بآبائهم في الشرك وأباحوا لأنفسهم حتى قتل الأجنة في بطون الحوامل ، فقد قتلوا عبد الله بن خباب بن الأرت الذي بعثه الإمام علي عاملا على النهروان بعد أن سألوه إن كان رضي بعملية التحكيم بين علي ومعاوية فقال نعم ، فذبحوه ثم ذبحوا زوجته وبقروا بطنها وكانت حاملا ، كما قتلوا أم سنان الصيداوية وثلاث

١٤٤

حوصر مجموعة من الأطفال مع معلمهم في أحد المساجد ، فهدّوا سقف المسجد على رؤوسهم ، حتى لم يبق في القصبة من الذكور أحد إلا الذي كان هاربا أو غائبا عنها.

وذكروا أن من قتل في أيام حمزة بن آذرك في سبزوار قد تجاوز الثلاثين ألفا من الرجال والأطفال.

ما ذا أؤمل بعد آل محرّق

تركوا منازلهم وبعد إياد

أهل الخورنق والسدير وبارق

والقصر ذي الشرفات من سنداد

أرض تخيّرها لطيب مقيلها

كعب بن مامة وابن أم دؤاد

ولقد غنوا فيها بأنعم عيشة

في ظل ملك ثابت الأوتاد

فإذا النعيم وكل ما يلهى به

يوما يصير إلى بلى ونفاد (١)

* * *

احترق العالم تحت أقدامهم

من بساتين وصحارى وجبال وسهول

وتحول لعاب السيوف الهندية نارا

وأصبح العيش مرّا على الناس

اضمحل الناس بعد صخبهم

ذابوا كالرصاص في النار الملتهبة

لم يشمل الأمان أحدا منهم

ولم ينج أحد منهم من القتل

وعندما غادر القصبة ، لم يكن هناك فيها ـ لمدة شهر ـ ولا رجل واحد ؛ حيث بدأ بعد ذلك بعض الضعفاء الذين كانوا قد آثروا السفر ، بالعودة إليها ، ولكن «بقية

__________________

نسوة من بني طيئ (البداية والنهاية ، ٤ / ٣١٨ ؛ الأخبار الطوال ، ٢٠٧ ؛ المبسوط للشيخ الطّوسيّ ، ٧ / ٢٧٠١ ؛ تاريخ الطّبريّ ، ٤ / ٦١).

(١) القصيدة للشاعر الجاهلي الأسود بن يعفر (معجم البلدان ، ٣ / ٦٠ ؛ الأمالي للشريف المرتضى ، ١ / ٢٧ ؛ تاريخ مدينة دمشق ، ٤ / ١١٠).

١٤٥

السيف أنمى عددا ، وأكثر ولدا» (١) ، فقد قدر الخالق في هذه الدنيا ، أن يتصل كل أول بآخر ، وكل عمران بالخراب ، وأن يمر قلم الفناء والزوال على ناصية كل نظام في العالم [٤٦].

إن كنت ذكيا فاكشف السر

وتحدث عن المخفي من أحوال العالم

فلطالما مرّ الزمان مسرعا

على الملك والجيش ، والجبل والسهل

وطالما تحول ذوو التيجان ترابا

وأصبح العالم خاليا منهم ومن آثارهم

وفي أي مكان وضعت قدمك

فإن تحتها ملكا مدفونا

وكان أهل هذه القلعة الواقعة في وسط القصبة ، المسماة سبيد دز (٢) ، يجصصونها من الخارج في كل عام بالكلس الأبيض ، ولم يبق في القصبة خلق أكثر من أولئك الذين اتخذوا من القلعة القديمة ومن هذه القلعة مسكنا :

خابوا جميعا بعد ما غنموا

قلّوا زمانا بعد ما كثروا

غابوا فما أبقوا لنا أثرا

ماتوا وعنهم ما لنا خبر

* * *

تعلم نظام هذا الفلك

حيث لم يكتب الخلود لأحد

تصعد به إلى العيّوق ليقع

وتحافظ عليه بمائة حيلة كي ينكسر

وكان يحيى بن زيد بن زين العابدين علي بن الإمام الشهيد المظلوم الحسين بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه (عليهم) السلام ، بعد مقتل أبيه زيد ، قد فرّ من

__________________

(١) من كلام للإمام علي (نهج البلاغة ، ٤ / ١٩ ؛ عيون الحكم والمواعظ ، ١٩٦ ؛ درر السمط ، ٦٥ ، وفيه : وأنجب ولدا).

(٢) تعني بالعربيّة : القلعة البيضاء.

١٤٦

المعركة وجاء إلى سبزوار ، وكان يحيى من أئمة الزيدية ، وقد نزل في مسجد شادان (١) ، وقد فصلنا فيما مضى خبر شادان هذا ، الذي هو من أولاد قنبر ، وكان مجيء يحيى سنة ست وعشرين ومئة وكان محمد بن علي بن موسى الرضا عليه (عليهم) السلام الملقب بالتّقيّ (٢) ، قد عبر البحر عن طريق طبس مسينا ، حيث لم يكن طريق قومس مسلوكا آنذاك ، إذ أصبح هذا الطريق مسلوكا منذ عهد قريب ، فوصل بيهق ونزل في قرية ششتمد ، ومن هناك ذهب لزيارة والده علي بن موسى الرضا ، وذلك في سنة اثنتين وثلاثين ومئتين.

[٤٧] وقد ذكر الحاكم أبو عبد الله الحافظ مؤلف كتاب تاريخ نيسابور ، أن هارون الرشيد لم يذهب إلى طوس عن طريق بيهق ، وإنما عن طريق أسفرايين أما بقية المؤرخين فقد قالوا إنه ذهب عن طريق بيهق.

وعندما وصل ـ هارون الرشيد ـ إلى قرية كهناب ، التي تدعى «لويد سي» ويسميها بعضهم «لوسي» ، و «لوسي» تعني الثعلب بلسان البيهقيّين ، وكان فيها قحط ، فنصب هناك ثلاثين قدرا «سي لويد» أطعم منها الفقراء ، وقال قوم غير هذا ، والله أعلم.

وكان دهقان كهناب حمّويه ، وهو أبو عبد الرحمن حمويه بن عباد النّيسابوريّ السراج الطّهمانيّ (٣).

ومن أولاده : أبو القاسم بن عبد الله بن أبي بكر محمد بن أحمد بن حمويه

__________________

(١) غادر بعد ذلك ـ بسبب مطاردة الحكومة الأمويّة له ـ إلى بلاد الجوزجان ، فتعقبوه وقتلوه وأنصاره وكانوا زهاء ٥٠٠ رجل وذلك سنة ١٢٥ ه‍ (سر السلسلة العلوية ، ٦٠) ، وصلبت جثته على باب مدينة الجوزجان (مقاتل الطالبيين ، ١٠٧ ، حيث ذكر قدوم يحيى إلى بيهق).

(٢) هو الجواد تاسع أئمة الشيعة الاثني عشرية.

(٣) تاريخ نيسابور (ص ١١٤) ولم يرد فيه : الطّهمانيّ.

١٤٧

السراج ، وقد توفي أبو القاسم هذا ، في ذي الحجة سنة ثلاث مئة وأربع وأربعين وهو البطن الرابع من حمويه الدّهقان الطّهمانيّ (١).

وكانت هناك قناة قديمة ، قام حمويه بعمارتها ، وأجرى فيها الماء ، ولذلك قيل لها «كهنه آب» (٢).

وعندما حلّ هارون الرشيد ضيفا لديه ، سأله : كم تستطيع أن تستضيفني في أيام القحط هذه؟

قال حمويه : إن كانت هناك عدالة ، فإلى ما تشاء.

قال : أي عدالة تريد؟

قال : أن لا يتعرّض للمزروعات والمحاصيل ، وأن تأمر الشحنة وأعوانه أن لا يسرفوا في القش والحطب ، لأن كلا الإتلاف والإسراف مضر بالمنافع :

ومن يجد الطريق إلى المعالي

فلا يذر المطيّ بلا سنام (٣)

وقد جعل هارون الرشيد حاجاته وطلباته ومقاصده ، مقرونة بالنجح والإجابة والإسعاف ؛ وقد أقام أربعة أشهر ، بسبب المرض الذي حلّ به.

وعندما أراد هارون الرشيد التوجه إلى طوس ، قال لوزيره الفضل بن الربيع ، لقد كان لهذا الدّهقان يد بيضاء في تشييد معالم الضيافة ، ولم يترك شيئا من أعمال المروءة ، لذا فقد أصبح لزاما علينا أن نكافئه ، وأن نصونه من العجب ، وأن لا نضيع

__________________

(١) تحت عنوان (الطّهمانيّ) ترجم السمعاني (الأنساب ، ٤ / ٨٨) لأبيه أبي بكر محمد بن حمويه بن عباد وقال إنه توفي سنة ٣١٣ ه‍ ، وذكر أنه نقل ترجمته من تاريخ نيسابور للحاكم (انظر أيضا : تاريخ نيسابور ، ١٤٢) وقد ترجم الحاكم كذلك (ص ١٦٥) لابنه المذكور هنا وأورده على الشكل التالي : عبد الله بن محمد بن محمد بن حمويه بن عباد ، أبو القاسم بن أبي بكر الطّهمانيّ.

(٢) ترجمتها قناة الماء القديمة.

(٣) لأبي الطيب المتنبي.

١٤٨

[٤٨] شيئا من أياديه وحسن خدمته.

وحدث أن حضر بختيشوع (١) الطبيب في حضرة الخليفة ، وأعلن عن احتياجه للفلفل الأبيض ، لعلاجه ، فاستدعى الخليفة حمويه للمثول في حضرته ، والوقوف خاشعا قرب سدّته ، وقال له ، أيها الدّهقان نحن بحاجة للفلفل الأبيض ، وإحضاره فرض عليك ، كي لا ينقص من ضيافتك لنا شيء.

ذهب حمويه وهو في حيرة من أمره إلى بيته ، وكان له بنت عاقلة ، فعرض الأمر عليها ، وكان لتلك الفتاة عقد لؤلؤ على جيدها كل حبة فيها تامة الوزن من اللؤلؤ الرطب القطري الذي وزن الحبّة الكبيرة منه تزن مثقالا ، والعمانيّ الذي قيمة حبته تعادل نصف قيمة القطري ، واللؤلؤ المقعد وخماناخ (٢) ، والأصفر القطري (٣) المدحرج واللازك والورديّ والمضرّس واللباني مما لم يشاهد مثله. فقطعت البنت عقدها هذا ووضعته في طبق وأعطته إلى أبيها قائلة : اذهب إلى الخليفة وبعد التمهيد وتقديم الاعتذار قل له : لقد كان في بيتنا فلفل أبيض ، لكن لما حل ظل راية الخليفة على هذه البقاع ، وتحول الليل إلى نهار ، وهزم الإقبال الإدبار ، تحول الفلفل الأبيض إلى لؤلؤ قطري رطب. حفظ حمويه وصية ابنته وذهب إلى الخليفة الذي رحب به وقال :

إذا الله سنّى عقد شيء تيسّرا (٤)

__________________

(١) بختيشوع بن جبرئيل بن بختيشوع بن جرجس : طبيب سرياني الأصل مستعرب قربه الخلفاء العبّاسيّون توفي سنة ٢٥٦ ه‍ (الأعلام ، ٢ / ٤٤).

(٢) في الأصول : صماناخ ، والتصويب من الجماهر (٣٥٧) ، وذكر البيروني نقلا عن حمزة الأصفهانيّ أن أصل الكلمة هو همانا وأنها عربت إلى خماناخ.

(٣) نسبة إلى بلاد قطر (الجماهر ، ٢٣٩ ، عن اللؤلؤ الوردي والمضرس انظر : ص ١٢٠ ، ٢١٤) ، أما اللازك فلم نهتد إليه.

(٤) صدره : «فلا تعجلن واستغور الله إنه» ، وفي رواية : «وأعلم علما ـ ليس بالظن ـ أنه» ، وقال ابن منظور : إن الزجاجي ذكره في أماليه. وسنّاه : فتحه وسهّله (لسان العرب مادة : غور ، سنا).

١٤٩

ولم ينقص من تلك الضيافة شيء وكان الختام أحلى من البدء ، وأمر الخليفة بوضع خراج كهناب وقرية عبد الرحيم عنه ، وكان عبد الرحيم هذا ابن حمويه ، كما كان لحمويه هذا قرية قرب نيسابور تدعى حمويه آباد.

وفي العام مئتين واثنتين من هجرة النبي عليه‌السلام ، عندما كان المأمون متوجها إلى بغداد ، قتل وزيره ذو الرئاستين ، الفضل بن سهل في الحمام بمدينة سرخس ، [٤٩] وسقي علي بن موسى الرضا (الإمام علي بن موسى الرضا عليه‌السلام) السم بسناباد طوس (١).

وقد قصد المأمون بغداد ، بعد أن بايع أهل بغداد ابن عمه إبراهيم بن المهدي ، بسبب تعيين المأمون عليّ بن موسى الرضا عليه‌السلام خليفة ووليا للعهد ؛ وقد اجتاز المأمون ببيهق ، وأقام فيها مدة ، حيث نزل بأعلى الرستاق في قرية نزل آباد ، وأنقص جزءا من خراج بيهق ، وتوجه من هناك إلى جرجان ، فحكم وعدل ، ولما رأى جرجان بلدة ممطرة موحلة ، قال : أخرجوني من هذه البقعة البوّالة الرشاشة ، وأنقص من خراجها ، وتوجه إلى الري ، وأسقط من خراجها ألف ألف درهم مرتين ، والله أعلم.

فصل : كان المسجد الجامع لقصبة سبزوار قد خرّب على عهد حمزة بن آذرك الخارجي ، وكان الناس يذهبون إلى خسروجرد لصلاة الجمعة والأعياد ، وكان في القصبة امرأة متمولة متوطنة فيها ، وحدث في يوم من الأيام أن تنازع أهل خسروجرد مع أهل قصبة سبزوار حول رؤية الهلال ، وقالوا : إن اليوم ليس عيدا لدينا ، فتشاور

__________________

(١) ينقل الشيخ الصدوق (عيون أخبار الرضا ، ١ / ١٧٦) عن السّلّامي أبي علي الحسين بن أحمد مؤرخ خراسان قوله إن «الفضل بن سهل قتله غالب خال المأمون مغافصة في شعبان سنة ٢٠٣ ه‍ ، واحتال المأمون على علي بن موسى الرضا عليه‌السلام حتى سم في علة كانت أصابته فمات وأمر بدفنه بسناباد من طوس. بجنب قبر أبيه وذلك في صفر سنة ٢٠٣ ه‍».

١٥٠

المشايخ وقالوا : ربما كان بستان هذه المخدرة المتموّلة يحل هذه المعضلة ، ونهضوا ، وذهبوا إلى باب قصرها ، فسمعوا صرير مغزلها ، فقالوا لبعضهم : إننا لن نغنم منها شيئا ، إلا أنهم عرضوا الأمر عليها ، فقالت تلك العجوز رحمها الله ؛ أخبروني كم سيكلّف بناء المسجد ، لكي أكتب ذلك في شهادة الوقف ، وكم سيقطع من أشجار هذا البستان لتشييد سقوف المسجد ، وعن مقدار أجور الأجراء والفعلة لأدفعها.

فقال القوم : شكر الله سعيك ، إن ديانتك هي التي جعلتك سخية ، وجودك قد أخذ المعنى من جود معن ، ولكن ما الذي دعاك إلى الغزل مع هذه الهمة والديانة التي جعلتك تقرئين الفاتحة على الشباب وتخلعين ثوب حب الدنيا وتختارين الآخرة لك عنوانا؟

فقالت : بلغني حديث عن المصطفى صلوات الله عليه [٥٠] ـ وكنا قد روينا هذا الحديث في بداية هذا الكتاب عن المهلب بن أبي صفرة (١) ـ ، وأنا أرى التبرك بهذا الحديث واجبا ، والأمر الآخر ، إن غاية صلاح المرأة في جلوسها ، وليس هناك من عمل يعين على الجلوس إلا الغزل.

وقد بنوا هذا المسجد في التاريخ الذي كان فيه المعتمد على الله خليفة ، وحاكم خراسان الأمير أحمد بن عبد الله الخجستانيّ. وقد رأيت المنبر الذي كتب عليه اسم أحمد الخجستانيّ وتاريخ سنة مئتين وست وستين ، وإلى عصرنا هذا كان هناك منبر أسود مصنوع من خشب الآبنوس ، وعضادتاه من خشب الجوز المصبوغ باللون الأسود ، وقد أخذ ـ بعد ذلك ـ العميد عبد الرحمن بن إسماعيل بن حسين الدّهّان ذاك المنبر ، ووضع بدلا منه المنبر الموجود الآن ، وذلك في شهور سنة خمس وخمس مئة.

وقد جدّد الأمير أبو الفضل الزّياديّ عمارة هذا المسجد بصورة لائقة ، في شهور

__________________

(١) هو حديث «أطولكن طاقة أعظمكن أجرا» الذي قلنا إنه من الأحاديث الموضوعة.

١٥١

سنة سبع عشرة وثلاث مئة ، وما زال أثر من تلك العمارة باقيا إلى الآن ، أما بناء منارته ، فقد أعطى السهم الأول من تكاليفها ـ وقدره ألف درهم ـ الشيخ أميرك الكاتب ، إلى الشيخ أبي نعيم أحمد بن علي (١) ، الذي تكفل بإعطاء الباقي من ماله الخاص ، وصك التسليم ، وورقة الحوالة المذكوران هما الآن عندي ، وكان إعطاء الشيخ أميرك المال المذكور في سنة أربع وأربعين وثلاث مئة ، ثم إن المنارة المذكورة سقطت مرة أخرى بعد ذلك في الزلزال الذي حدث عام أربع وأربعين وأربع مئة.

وكان بدء عمارة تلك المنارة ، أنهم بنوها حتى وصلوا بها إلى الحجرة ، ثم تركوها عاما كاملا ، وقيل إن السبب في ذلك ، أنهم أرادوا للمنارة أن تستقر وترسخ طيلة هذه السنة ، ولا يظهر فيها الخلل.

وقد قام الشيخ أميرك النّزلاباديّ في سنة أربع وستين وأربع مئة بتشجير المسجد ؛ وكان فضاؤه مفتوحا قبل هذا ، فأتم الشيخ أميرك [٥١] على هذه الهيئة عمرانه.

وكان الأمير أبو الفوارس شاه ملك بن علي البرّانيّ ، في بداية دولة آل سلجوق ، قد هاجم القصبة ـ قصبة سبزوار ـ بجيش جرار ، وأشعل فيها نيران الحرب ، وقد رأيت بنفسي أولئك الشيوخ الذي شهدوا تلك الحرب ، فذكروا أن شيخا له مئة عام من العمر يدعى أبو عليك الحذّاء ، ذهب مرة حافيا لقضاء حاجته ، وكان أحد العساكر التّرك كامنا برمحه الخطّيّ ، فرمى ذلك الشيخ برمحه ، فأصاب قدمه ، فهبّ الشيخ واقفا ، ولشدة فزعه ، سقط على الأرض ، فانكسر الرمح إلى قطعتين في قدمه ، فأمسك القطعة المكسورة وبقية الرمح ، وكرّ على التّركيّ الذي هرب إلى شاه ملك ، وشرح له ما وقع ، فقال شاه ملك ، إن أرضا يركل فيها شيخ عمره مئة عام رمحا خطيا فيكسره ، لا يمكن أخذها بالحرب ، وعاد يائسا دون أن يصل إلى هدفه :

__________________

(١) سيأتي التعريف بهما لاحقا.

١٥٢

وجيش تكون أميرا لهم

قصارى أولئك أن يهزموا (١)

وكان لقب شاه ملك هو خوارزم شاه حسام الدولة ونظام الملة ، وقد ورد القصبة وحاصرها بعد أن حلّت به الهزيمة على أيدي الخوارزميّة ، وذلك في سنة ثلاث وثلاثين وأربع مئة ، وفي شهور سنة ثمان وسبعين وثلاث مئة ، تجمّع لفيف من مدن طوس وأسفرايين وجوين ، واتجهوا نحو القصبة ، بعد أن تبايعوا على تخريب تلك البقعة ، وتدمير قنواتها ، إلا أن أهل القصبة بعثوا طالبين العون من أهالي ربع كاه ، وربع ديوره ، فهبوا لنجدتهم يتقدمهم رئيس المقاتلين ، الذي قاد جموع المحاربين الذين رضعوا الملاحم في المهد من ثدي الطعن والضرب ، ففرقوا جموعهم :

وإذا ما أتوك بالخيل فاعلم

أنّها عدّة ليوم الفرار

وفي شهور سنة ست وتسعين وثلاث مئة ، هاجم القصبة جيش من الرماة بقيادة أحمد توانكر ، حيث التجأ الناس إلى القلعة ، وتواصلت الحرب شهرا كاملا ، إلى أن رمى أحد غلمان الشيخ أميرك الكاتب البيهقيّ (٢) بسهم ، فأصاب أحمد توانكر فقتله [٥٢] ، فكان ذلك السهم ـ بتقدير الله ـ رسول أجله ، وقد دفنوه في أعلى قرية إيزي ، وتفرق جيشه.

ومن ظنّ ممن يلاقي الحروب

أن لا يصاب فقد ظنّ عجزا (٣)

وفي غرة صفر من سنة أربع وأربعين وأربع مئة ابتدأ وقوع الزلازل في بلدة بيهق وخاصة في ربعها ، وتواصلت طويلا ، بحيث لم يتمكّن الناس من الإقامة في مساكنهم

__________________

(١) الشعر للحسين بن علي المروروذي (يتيمة الدهر ، ٤ / ٩٧).

(٢) يرد اسمه بكثرة في تاريخ أبي الفضل البيهقيّ بوصفه أحد كبار موظفي البلاط الغزنويّ.

(٣) نسب للخنساء في اتفاق المباني وافتراق المعاني ، ٢١٥ ، وفيه : (بأن لا يصاب).

١٥٣

مدة أربعين يوما بلياليها ، وقد خرب كثير من المساكن والمواطن.

وكان زحل في تلك السنة في برج الدلو ، ودخل في برج الحوت ، وكان المشتري في الثور ، والجوزاء والمريخ في الأسد قبالة زحل ، وقال بعض الأفاضل في وصف تلك الزلزلة :

زلزلة زلزلت بها كبدي

حلّت بأعلى محلّة البلد

هم يرصدون الحياة دانية

لكن صرف الزمان في الرّصد

وقال نصر بن يعقوب (١) :

يا سعد إني أرّقتني رجة

ماجت بها الأرواح في الأجسام

ماجت بها الأرض الفضاء كأنها

فرس تنفّض بعد نزع لجام

وقال بعض فضلاء بيهق (٢) من قصيدة فيها :

تتابعت الأنباء من أرض بيهق

يحدث عنها طول ليلي سميرها

بأن مغانيها تداعت وزلزلت

وطحطح منها بالقبيل دبيرها

وأضحت بقيعا صفصفا بعد أنسها

وصارت خرابا دورها وقصورها

وقد خلت الأسواق من كل سوقة

ولم ينج في دار الأمير أميرها

__________________

(١) أبو سعد الدينوري ، أديب وكاتب معاصر للثعالبي الذي ترجم له في يتيمة الدهر ، ٤ / ٤٤٩ ، وذكر مؤلفاته ومختارات من أدبه (انظر أيضا : مقدمة الجماهر ، ١٤ ـ ١٥).

(٢) سيذكر المؤلف المؤلف لاحقا في ترجمة داود بن طهمان أن هذه الزلزلة حدثت في قومس ، وأن ابن طهمان نظم قصيدة فيها. وفي الكامل في التاريخ (٨ / ٣١٠) حوادث ٤٤٤ ه‍ : كان بخراسان زلزلة عظيمة وكان أشدها ببيهق ، فأتى الخراب عليها وخرب سورها ومساجدها ، ولم يزل سورها خرابا إلى ٤٦٤ ه‍ ، فأمر نظام الملك ببنائه فبني ، ثم خربه أرسلان أرغو بعد موت السلطان ملك شاه ، ثم عمره مجد الملك البلاستاني.

١٥٤

ولقد رأيت أنا كثيرا من الشيوخ الذين شاهدوا هذه الحادثة ، وأرخوها ، وقد دعيت تلك السنة بسنة الزلزلة.

[٥٣] وكان للقصبة سور ، ارتفاعه أقل من قامتين ، وكان الرمح يصل إلى أعلاه ، كما يصله سيف الفارس الممتطي صهوة جواده ، ولكنه كان محكما ومترسا ، وقد أمر الوزير الشهيد نظام الملك رحمه‌الله ، بالإبقاء على أسسه ، على أن يبنى بارتفاع أعلى ، وذلك في سنة أربع وستين وأربع مئة ، إلا أن الملك المعظم ، عضد الدنيا والدين ، أرسلان أرغون بن ألب أرسلان (١) أمر بتخريب ذلك السور في صفر من عام تسعين وأربع مئة :

وكل حصن وإن طالت سلامته

على دعائمه لا بدّ مهدوم

وقد بناه بعد ذلك الوزير مجد الملك ، مشيد الدولة ، أسعد بن محمد بن موسى القمّيّ رحمه‌الله (٢) ، على يد العميد صفي الدين أبو سعد الفضل بن علي

__________________

(١) في الأصول وكذلك في مجمل فصيحي ، ٢ / ٢٠٦ : أرسلان أرغو ، لكننا أخذنا بما في المصادر العربيّة وما ذكره المؤلف نفسه في لباب الأنساب ، ٢ / ٦٠٦. قال عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء ، ١٩ / ٢١٢ : «استولى على خراسان وتمكن وكان ظالما شرس الأخلاق كثير العقوبة لخاصكيته دخل عليه غلام له فأنكر أرغون تأخره عن الخدمة ، فاعتذر فلم يقبل له عذرا وكان وحده ، فشد الغلام عليه بسكين فقتله في المحرم سنة ٤٩٠ ه‍» ، كما ذكر الذهبي في نفس الصفحة تخريبه سور نيسابور وغيرها من المدائن (انظر أيضا تاريخ ابن خلدون ، ٥ / ١٧ ؛ أخبار الدولة السّلجوقيّة ، ٨٦). وتاريخ قتله في المحرم الوارد هنا ، يجعل تخريبه سور بيهق قد حدث قبل هذا التاريخ وليس في صفر كما هو أعلاه.

(٢) هو أبو الفضل الفراوستاني المقتول سنة ٤٩٢ ه‍ وكان ماهرا في الأعمال التي أوكلت إليه كما «كان ملجأ لفضلاء الزمان وموسعا عليهم بالإحسان» (تاريخ دولة آل سلجوق ، ٥٧) ؛ و «كان خيرا كثير الصلاة بالليل كثير الصدقة لا سيما على العلويين وأرباب البيوتات ، وكان يكره سفك الدماء» (ابن الأثير ، ١٠ / ٢٩٠ ؛ تاريخ الإسلام ، ١٣٥ ، حوادث ٤٩٢ ه‍). حسده أمراء الدولة وخصيانها وثاروا عليه (النقض ، ١٢٠) بعد أن قطع عنهم ما كانوا يحصلون عليه من امتيازات وأموال فقتلوه وقطعوه إربا (ابن الأثير ، ١٠ / ٢٩١ ـ ٢٩٨ ؛ حبيب السير ، ٢ / ٥٠٢).

١٥٥

المزينانيّ (١) ، بأن مضى به صعودا على نفس أسسه الأولى حتى بلغ به حد الكمال.

أما طالع بيهق فهو برج الثور ـ كما ورد في كتاب طوالع البلدان (٢) ـ الدرجة الثالثة عشر ، حيث زحل مع ذنبه في الدلو ، والمشتري في الحوت ، والمريخ في الجدي مع الشمس ، والقمر وعطارد مجموعان في الجدي ، والزهرة في الدلو ، والله أعلم.

فصل : وقد خطب داود بن ميكائيل بن سلجوق باسم السلطان ألب أرسلان محمد بن جغري (٣) بيك ، في القصبة ، يوم الجمعة ، العاشر من المحرم ، سنة خمس وخمسين وأربع مئة.

وكان ملك البلغار وتلك النواحي التي تدعى بمجموعها البلغر ، الأمير أبو إسحاق ، إبراهيم بن محمد بن يلطوار (٤) ، قد رأى في المنام ، وهو في بلدته ، في سنة خمس عشرة وأربع مئة من قال له : يجب عليك أن ترسل مالا إلى نواحي نيسابور ، إلى بيهق لكي ينفق على المسجد الجامع بسبزوار وخسروجرد ، ويصرف في عمران الجامعين المذكورين ، فأرسل مالا وافرا ، وقام ملك خراسان من جانبه بإرسال هدايا نفيسة له لم ير أحد مثلها ، وكانت من عجائب الدنيا ، كما أنفق ذلك المال في عمران الجامعين المذكورين في نفس التاريخ. رحمة الله عليهم أجمعين.

__________________

(١) سيترجم له المؤلف بشكل عرضي فيما بعد ، ولقبه تاج الدين.

(٢) لم نهتد إلى مؤلفه.

(٣) يصادف هذا التاريخ الوقت الذي تسنّم فيه ألب أرسلان العرش وظل فيه حتى ٤٦٥ ه‍.

(٤) في مخطوطة المتحفة البريطانية : بلطوار ، وفي مخطوطة برلين : قلطوار ، وأخذنا بما ورد في رسالة ابن فضلان (ص ٦٧ ، ١١٧) حيث ذكر اسم ملك البلغار هناك : ألمش بن يلطوار ، وهؤلاء هم بلغار نهر الفولغا.

١٥٦

القسم الثاني

باب في ذكر البيوت القديمة

والشريفة في هذه البلدة

١٥٧
١٥٨

[٥٤] لم يكن ذكر بيت الشرف ـ وذلكم هو بيت النبوة ـ هدفا لكتابنا هذا ، لأننا ألفنا في ذلك كتابا مستقلا ، قربة إلى الله تعالى ، وهو كتاب لباب الأنساب وألقاب الأعقاب ، وقع في مجلدين اثنين من القطع النصفي ، وقد ذكرنا فيه كل ما يتعلق بذكر شرف وتفاصيل نسب كل واحد منهم ومفاخره ، على حسب القدرة والعلم (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ)(١) :

كرام لهم علم وجاه ورفعة

ولا جزر في بحر الزمان لمدّهم

وقد كبروا عن طوق مدحي ومنطقي

أأمدح من جبريل مادح جدّهم؟

* * *

إن كل من كان جده محمدا

كان له العالم عزا سرمدا

إذا صنع شيئا بقدر الخاتم

فلن يكون فصه سوى كوكب المشتري

بيوت سادات بيهق أقر الله تعالى بهم عيون جدهم وأبيهم وأمهم يوم القيامة

لم يكن السادات مقيمين في هذه المدينة ، وأكثرهم انتقل إليها من نيسابور وغيرها ، وكان أول علوي انتقل إلى هذه البلدة هو السيد الزاهد أبا الحسن محمد بن أبي منصور ، ظفر بن محمد بن أحمد زبارة الغازي (٢) ؛ وكان يقال له بلاس بوش ، لأنه

__________________

(١) سورة يوسف ، الآية ٧٦.

(٢) تاريخ نيسابور ، ١٨٣ ، وفيه : المصنف العالم ؛ يتيمة الدهر ، ٤ / ٤٨٦ ؛ بغية الوعاة ، ١ / ٢٢ ، وفيه أنه توفي في شوال ٤٠٣ ، وشرح أحد أحفاده سبب تلقيب هذه الأسرة ب «زبارة» فقال : «كان جدي أبو الحسين محمد بن عبد الله من أهل المدينة ، وكان شجاعا شديد الغضب وكان إذا غضب يقول جيرانه : قد زبر الأسد فلقب بالزّبارة» (لباب الأنساب ، ٢ / ٤٩٢ ؛ الأنساب ، ٣ / ١٣٧). وقد ذكر ابن عنبة (عمدة الطالب ، ٣٤٧) أنه يلقب ب «بلاس بوش» وكذلك المؤلف في لباب الأنساب ، ٢ / ٦٩٧.

١٥٩

كان يرتدي ثوبا من الصوف ، وقد استوطن في أطراف مزينان ، وكان له ابنان : أبو سعيد زيد (١) ، وأبو علي أحمد (٢) ، وكان لهما أولاد وأعقاب ، سادات علماء صلحاء ، يعيشون من المال الحلال ، ولم يفتضحوا بالسلاطين وأموالهم ، وقد بقي بأسفل القصبة رهط منهم [٥٥] وأقربهم إلى المصطفى عليه‌السلام : جمال الدين حمزة (٣) بن أبي منصور ظفر بن محمد بن أحمد بن أبي الحسن الزاهد الغازي المعروف ببلاس بوش محمد بن أبي منصور ظفر بن محمد بن أحمد زبارة ، البطن الثامن من أولاد أبي جعفر أحمد زبارة.

ويليه : السيد الأجل العالم المحدث الزاهد ، أبو جعفر محمد بن السيد الأجل نقيب النقباء أبي علي محمد بن السيد الأجل نقيب النقباء أبي الحسين محمد بن نقيب النقباء شيخ العترة وسيد السادة أبي محمد يحيى ، بن السيد الأجل نقيب النقباء صاحب الأرزاق أبي الحسين محمد بن أبي جعفر أحمد الزاهد بن محمد زبارة بن عبد الله المفقود بالمدينة ، بن الحسن المكفوف بن الحسن الأفطس بن علي الأصغر بن زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.

وقد انتقل ـ أبو الحسين محمد ـ إلى بيهق في الوقت الذي انتقلت فيه نقابة نيسابور من أبيه السيد الأجل أبي علي ، إلى أخيه السيد الأجل أبي الحسن المحدث الحسنيّ الذي كان جد نقباء نيسابور ، وذلك في شهور سنة خمس وتسعين وثلاث مئة.

ثم جاء بعد مدة السيد الأجل أبو جعفر ، رئيس ونقيب مشهد طوس إلى القصبة

__________________

(١) المتوفى سنة ٤٤٠ ه‍ (لباب الأنساب ، ٢ / ٥١٢ ، ٥١٥ ، ٦٩٧ ؛ المنتخب من السياق ، ٢٤٠ ، وفيه : «أبو سعد» و «المظفر» وكلاهما تصحيف).

(٢) لباب الأنساب ، ٢ / ٦٩٧ ؛ الشجرة المباركة ، ١٨٧.

(٣) الشجرة المباركة ، ١٨٧.

١٦٠