تأريخ بيهق

فريد خراسان علي بن زيد البيهقي

تأريخ بيهق

المؤلف:

فريد خراسان علي بن زيد البيهقي


المحقق: يوسف الهادي
المترجم: يوسف الهادي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار إقرأ للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٧٢

وقد أقام الأمير يزيد بن المهلب مدة في بيهق وكان معه من علماء التابعين شهر ابن حوشب ، وعكرمة مولى عبد الله بن العباس رضي‌الله‌عنهما ، وسنذكر قصته وأولاده بعد هذا في موضعه إن شاء الله.

همام بن زيد بن وابصة (١)

[٢٥] كان من صحابة الرسول صلوات الله عليه ، وكان مقيما في قرية إيزي ، وكان معه قصعة للنبي المصطفى ، وقد دعاه الله إليه في هذه الأرض ، وله أولاد وأعقاب ينتسبون إليه.

العباس بن مرداس السّلميّ الشاعر

كان من صحابة المصطفى عليه‌السلام ، وهو الذي قال فيه الرسول صلوات الله عليه في غزوة حنين : «اقطعوا عني لسانه» (٢) ، وكان من المؤلفة قلوبهم ، وقبره في خسروجرد ، وله أولاد هناك ، يدعون أولاد مرداس ، وكان من أولاده الشيخ أبو علي الحسين بن أبي القاسم مرداس ، وكان محدث زمانه ، وقد روى أحاديث كثيرة عن شيخ السنة أحمد بن علي بن فطيمة البيهقيّ.

__________________

(٤ / ٣٣٠) وفيض القدير (٤ / ٣٦١) مع حديث «زينوا مجالس نسائكم بالمغزل» وقال الطبراني إنهما واهيان. وكما في مجمع الزوائد (٤ / ٩٣) فإن في سنده يزيد بن مروان الذي قال عنه ابن معين إنه كذاب. وذكره ابن حجر في الإصابة (٧ / ١٨٦) وذكر تفرد يزيد بن مروان به ، وقد ورد في جميع المصادر المذكورة آنفا أن قائلته هي هند زوجة الحجاج الثّقفيّ وليس عبد الملك بن مروان.

(١) قال الحاكم في تاريخ نيسابور (ص ٧٠) إنه جاء إلى نيسابور مع عبد الله بن عامر واستوطنها وتوفي فيها (انظر أيضا : الإصابة ، ٦ / ٤٣٣).

(٢) الطبقات الكبرى ، ٤ / ٢٧٣ ؛ تاريخ نيسابور (ص ٧١) وفيه أنه كان له أولاد بمرو.

١٢١

قنبر مولى وحاجب أمير المؤمنين علي

استوطن بيهق مدة ، وتزوج فيها ، وقبره بنيسابور حيث مسجد هاني ، وهاني الذي سمي ذلك المسجد باسمه ، هو من أولاد قنبر ، وهو هاني بن قنبر ، ومن عقبه علي بن جمعة بن هاني (١) ، والسليطيون بنيسابورهم من أولاده ، وهذا البيت معروف ، وقد ولد لقنبر في سبزوار ولد اسمه شادان بن قنبر ، وإليه ينسب مسجد شادان بسبزوار ، وقد ذكره الحاكم أبو عبد الله الحافظ في المجلد السادس من التاريخ ، وكان من أعقاب شادان ببيهق جعفر بن نعيم بن شادان بن قنبر (٢).

فصل في ذكر فتح بيهق

في سنة ثلاثين من الهجرة ، ورد عبد الله بن عامر بن كريز إلى ديورة عن طريق كرمان ، ومر على بيهق ، فقال أهل بيهق : إذا آمن أهل نيسابور فنحن نؤمن أيضا [٢٦] ولم يحاربوا عبد الله بن عامر بن كريز وجيش الإسلام (٣).

وصل عبد الله نيسابور ، وأقام أربعة اشهر فيها ، وأرسل الربيع الحارثي إلى سجستان ، والأحنف بن قيس إلى قهستان ، واتجه هو إلى سرخس ، إلا أن حلول الشتاء ، وتراكم الثلوج على جسر طوم ، جعلاه يرى المصلحة في العودة إلى نيسابور

__________________

(١) ترجم له الحاكم (تاريخ نيسابور ، ٩١) ، وفيه «وهو ممن ولد بنيسابور فإن هاني سكنها عند وروده مع جعدة بن هبيرة. وآل قنبر عندنا بنيسابور بيت كبير وخطتهم باب الري».

(٢) ذكره الحاكم في تاريخ نيسابور (ص ١٥٨) وكناه بأبي محمد ، وفي علل الشرائع (١ / ٦٧) : الحاكم أبو محمد ، وكذلك في عيون أخبار الرضا (١ / ١٩ ومواضع أخر منه حيث يروي عنه الشيخ الصدوق المتوفى سنة ٣٨١ ه‍ بشكل مباشر).

(٣) ورد في فتوح البلدان (٣ / ٥٠٠) : أن عبد الله بن عامر بن كريز أرسل «الأسود بن كلثوم العدويّ ـ وكان ناسكا ـ إلى بيهق فدخل بعض حيطان أهله من ثلمة كانت فيه ، ودخلت معه طائفة من المسلمين ، وأخذ العدو عليهم تلك الثلمة ، فقاتل الأسود حتى قتل ومن معه. وقام بأمر الناس بعده أدهم بن كلثوم ، فظفر وفتح بيهق».

١٢٢

كي لا يهلك العرب من البرد ، واتّجه نحو نيسابور ، واستعاد بالحرب المدينة والقلعة.

ثم أرسل يزيد الجرشي إلى جام وباخرز ليفتح تلك الناحيتين ، كما وفد إليه ملك نسا وأبيورد ، ووافق على دفع مال الصلح والجزية.

وأرسل عبد الله بن خازم السّلميّ إلى سرخس ، والأسود بن كلثوم العدويّ إلى ناحية بيهق ـ كما بين ذلك المعدانيّ في تاريخ مرو ـ إلا أن الأسود قتل في بيهق ، فقاتل بعده نائبه ، وكانت النهاية أن أهل بيهق صالحوا كما سيأتي (١).

وقبل هذه الحوادث بعامين ، كان ملك العجم يزدجرد بن شهريار ، آخر ملوك العجم ، قد وصل إلى بيهق ، وخيم قرب القرية ، فذهب إليه رئيس القرية ، فخلع عليه يزدجرد خلعة.

وكان يزدجرد شابا جميل الصورة ، أسمر اللون ، مقرون الحاجبين ، مجعد الشعر ، حلو الشفة والأسنان ، لطيف الحديث ، ومهابا ، وكل من رآه ، داخلته منه هيبة ، وكان من أعرق ملوك العجم.

باب في ذكر هواء بيهق

يقول الأطباء إنه كلما ارتفع المسكن ، كان هواؤه ملائما ، ونسيمه أشد طيبا ، وتنشقه أسهل ؛ وكلما كان المسكن منخفضا ، كان هواؤه أكثر حرارة ، وأبخرته كثيفة ، والتنفس فيه غير مريح.

وكل مسكن يقع الجبل في جهة منه ، والبحر في جهته الأخرى ، يكون هواؤه رطبا ، ويكثر فيه سقوط الأمطار.

[٢٧] وكلما كانت أرضه صلبة جافة ، وجبله صخريا كان ضرره أقل ؛ وإذا كان الجبل طينيا والأرض رخوة ، كانت رطوبة ذلك الهواء أكثر ضررا.

فإن كان جو المدينة حارا ، انتشرت فيها العفونة والأوبئة ، خاصة إذا وقعت في

__________________

(١) مر تفصيل فتح المدينة في الهامش السابق.

١٢٣

مكان منخفض.

وإذا كانت البلاد حارة وفي منخفض ، لا تصلها ريح الشمال ، وتقع في الجنوب ، فإن الأمراض والأوبئة تكثر فيها.

وكل مسكن يقع بين السباخ ومعدن الكبريت والنفط ، يكون هواؤه بعيدا عن الاعتدال.

أما المساكن الصحراوية ـ كما في مرو وسرخس ـ فتكون صحيحة يابسة ، وسرخس أكثر صحراوية من مرو.

ويكون هواء مساكن البحر مرطوبا.

ومساكن الجبال ـ خاصة إذا كان الجبل مقابلا للمشرق ، ومفتوحا من جانبه أي من جانب الشرق ـ يكونه هواؤها صحيحا ، وسكانها أقوياء ومعمرين ، ومزاجهم حسنا.

والمسكن الذي تكون أرضه طينا نقيا ، ويكون الجبل والبحر بعيدين عنه ، يكون هواؤه لطيفا معتدلا.

والمسكن الذي يقع وسط الغابة يكون رديئا ، وتكثر فيه الحشرات المائية وغيرها.

وكل مسكن يقع على ساحل البحر ، يكون هواؤه أصح ، لأن البحر لا يتعفن.

وإذا كان موقع المدينة رديئا ، وأراد أحد أن يبني بيتا في موقع حسن فيها ، فعليه أن يتجه إلى المشرق ، وأن يكون مفتوحا على الشمال ، بحيث تبلغ فيه أشعة الشمس أقصى ما يمكن من البناء ، وأن يجعل سقف البناء عاليا ، وأبوابه واسعة متماثلة.

ولا يوجد ما هو أهم للإنسان والحيوانات البرية من الهواء ، فإذا منع عنهم ـ عن الإنسان والحيوان ـ الطعام والماء يوما أو أكثر فإنهم لا يموتون ، أما إذا منع الهواء عنهم ولو لربع ساعة يموت أغلبهم.

وإذا كان التراب رديئا فإن الماء المجاور له سيغدو مرا أو ملحا أو آسنا ، وسيفسد الهواء تبعا لذلك.

١٢٤

وسمي الإقليم الرابع ب «سرة الأرض» ، إذ ليس هناك إقليم في الربع المعمور أكثر اعتدالا منه [٢٨] قال الجاحظ : «الإقليم الرابع : واسطة القلادة ، ومكان السرة من الجثة ، واللبة من المرأة ، ومكان العذار من خد الفرس ، والمح من البيضة ، والعنوان من الكتاب» (١).

والحديث طويل في هذا الباب في علم الطب ، إلا أن هدفنا من هذا الكتاب هو التاريخ.

وتقع ناحية بيهق في غائط من الأرض ؛ وكلما كان التراب جيدا وبعيدا عن الجبل ، ومفتوحا على المشرق ومهب الشمال ، كان أفضل ، وكل ما وقع إلى جهة الجنوب من الأراضي الجبلية ، ولم يكن جانباه الشّرقيّ والشمالي مغلقين ، كان الناس فيه أصح أمزجة وأبدانا ، وأطول أعمارا ، وتميل هذه المنطقة إلى الحرارة أكثر من نيسابور ، لأن الحاكم أبا عبد الله قال : لو وجد شخص ماهر بالفلاحة لاستطاع أن يزرع النخل في خسروجرد ، وقد بقيت أسمع إلى عهد قريب أن في خسروجرد نخلة تضاهي الرجل طولا ، والله أعلم وكفى به عليما.

فصل في ذكر المضاف والمنسوب إلى كل مدينة

لكل ناحية وبلد شيء منسوب لتلك الناحية أو البلد ، فيقال حكماء اليونان ؛ وصاغة مدينة حرّان ؛ ونساجو اليمن ؛ وكتّاب بغداد ؛ ووراقو سمرقند ؛ وصبّاغو سجستان ؛ وعيّار وطوس ؛ ومحتالو مرو ؛ وملاح بخارى ؛ ومهرة ونقاشو الصين ؛ ورماة التّرك ؛ ودهاة بلخ ؛ وأصحاب غيرة غزنين ؛ وسحرة ومشعوذ والهند ؛ وضعفاء كرمان ؛ وأكراد فارس ؛ وتركمان حدود قونية وأنكوريه (٢) وطرف الروم ؛

__________________

(١) خصص المسعودي في التنبيه والإشراف (ص ٣٢ وما بعدها) فصلا للحديث عن الإقليم الرابع وفضله على سائر الأقاليم.

(٢) ذكرها أبو الفداء ضمن بلاد الروم وقال إنها مدينة أنقرة (تقويم البلدان ، ٣٨٠).

١٢٥

وصوفية الدينور ؛ واللصوص والمتوارون بنواحي الري ؛ وأكلة زهّاد خوارزم ؛ وأدباء بيهق.

والهدف من هذه النسب ، أنه لا يوجد في أي موضع آخر من أمثال تلك التي ذكرناها [٢٩] إلا في تلك النواحي والبلاد.

قال المأموني لأبي عباد يهجوه (١) :

زهو خراسان وتيه النّبط

ونخوة الخوز وغدر الشّرط

اجتمعت فيك ، ومن بعد ذا

إنك رازيّ كثير الغلط

وقال آخر (٢) :

بياض خراسان ولكنة فارس

وجثّة روميّ وشعر مفلفل

فصل في ذكر آفات وأمراض البلدان

يوجد في كل بلد آفة ومرض قبيح ففي مصر : البرغوث والحصبة والوباء ، وقلة المطر ، فإذا نزل جلب الضرر ، قال الشاعر (٣) :

وما خير قوم تجدب الأرض عندهم

بما فيه خصب العالمين من القطر

وقال الجاحظ : إذا تواصلت بمصر ريح الجنوب ، التي يسمونها المريسية ثلاثة

__________________

(١) أبو طالب عبد السلام بن الحسين المأموني المتوفى سنة ٣٨٣ ه‍ الشاعر الذي يتصل نسبه بالمأمون العبّاسيّ (الأعلام ، ٤ / ٥) ، ترجم له الثّعالبيّ في اليتيمة (٤ / ١٩٥ وما بعدها) وذكر مقطعات من شعره. وفي الأصول : قال المأموني لأبي عبادة ، والتصويب من ثمار القلوب (ص ٢٣٨) وفيه : «دخل أبو عباد ثابت بن يحيى إلى المأمون وهو يختال فقال المأمون : زهو خراسان وتيه النبط ...».

(٢) ذكره الثّعالبيّ (ثمار القلوب ، ٢٣٩) بقوله : (ما أنشده الأصمعيّ).

(٣) من قصيدة في ثمار القلوب (ص ٦٥٦) بلا عزو أولها :

يقولون مصر أخصب الأرض كلها

فقلت لهم بغداد أخصب من مصر

١٢٦

عشر يوما ، فإن أهل مصر يهيئون الأكفان والحنوط ويكتبون وصاياهم ، لأنهم يعلمون بأنه سيعقبها وباء عام مهلك (١) ، (إِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ)(٢).

وقد ضرب العرب المثل بثعابين مصر ، ولو لم يكن النمس موجودا ـ وذلك الحيوان عدو الثعابين ـ لهلك أهل مصر بالثعابين ، فعندما يدنو النمس من الثعبان ، يحاول الثعبان أن يبتلعه ، فينفخ النمس فيه نفخة ، يقطعه فيها إلى نصفين (٣) ، سبحان المقدر لما يشاء.

وأفاعي سجستان مثل ثعابين مصر ، وقد قالوا : أفاعي سجستان ، كبارها حتوف ، وصغارها سيوف (٤) ؛ وكان مما عاهد عليه [٣٠] أهل سجستان العرب أن لا يقتلوا القنفذ ، لأنهم إن قتلوه ، فلن تكون لهم قدرة على أفاعي تلك البلاد (٥).

ويوجد في البطائح (٦) بعوض يهجم على الإنسان النائم ، فيمتص دمه ويأكل لحمه ، فلا يبقى منه في اليوم التالي إلا عظام خالية من اللحم والدم.

ويكون الشتاء في مدينة همذان في غاية الرداءة ، كما قال الشاعر (٧) :

__________________

(١) في التنبيه والإشراف (ص ١٧) «ويقع الوباء إذا دامت المريسية بمصر .... المريسية مضافة إلى بلاد مريس من أوائل أرض النوبة في أعالي النيل وهو صعيد مصر».

(٢) سورة الأنعام ، الآية ١٧.

(٣) نسب الدميري (حياة الحيوان الكبرى ، ٢ / ٣٧٣) إلى الجاحظ المعلومة الخاصّة بما يفعله النمس بثعابين مصر (انظر أيضا : البلدان لابن الفقيه ، ١١٨).

(٤) نسب هذا الكلام لأبي الليث شبيب بن شبة البصراوي كما في حياة الحيوان الكبرى (١ / ٤١).

(٥) في فتوح البلدان (٢ / ٤٩٥) أنه كان في كتاب صلح سجستان «أن لا يقتل لهم ابن عرس لكثرة الأفاعي عندهم».

(٦) البطائح : أرض واسعة بين واسط البصرة (معجم البلدان ، ١ / ٦٦٨ ـ ٦٦٩) ، وهي مناطق أهوار.

(٧) القصيدة لأبي عبد الله الحسين بن خالويه وهي في يتيمة الدهر (١ / ١٣٦) وكذلك في ثمار القلوب (١ / ٥٥٥).

١٢٧

بلاد إذا ما أقبل الصيف جنة

ولكنها عند الشتاء جحيم

وأول هذه القصيدة هو :

إذا همذان اعترّها البرد وانقضى

برغمك أيلول وأنت مقيم

وفي الهند والسند (١) : الجرب والحصبة ، ولكي يسلموا فإنهم يطلون أسافلهم بطحين الشعير والبقلة الحمقاء والخل.

وفي قاسان : العقرب اللادغة.

وفي الموصل وديار ربيعة يوجد حيوان كحبّة الباقلاء يقال له الجرادة ، كل من عضّه يموت في الحال.

وكلّ من أقام بالموصل تزداد قوّته في كل عام (٢).

ومن أقام في التبت فإنّه يكون ضاحكا منبسطا إلى أن يخرج منها (٣) ، كما أنه لا يهتمّ بمنفعته ولا يفكر فيها ، وهذا بلاء عظيم.

وفي طبرستان : الوباء والأمراض المعدية ، والأفاعي والعقارب التي لا حصر لها.

وفي بلخ : العقارب والقرحة البلخيّة.

وأما ماء طخارستان فإنه يصيب الفم بالورم.

وفي البحرين : عظم الطحال (٤).

__________________

(١) تجدر الإشارة إلى أن الأصل في بعض خصائص البلدان المذكورة هنا هو كتاب الحيوان للجاحظ الذي ألفه قبل ٢٣٣ ه‍ ثم اقتبسها منه بعد ذلك ابن خرداذبه في المسالك والممالك (ص ١٧٠ ـ ١٧١) ، ثم الثّعالبيّ في ثمار القلوب (ص ٥٥٠ ـ ٥٥٢) ، لكن ينبغي القول أيضا إن كثيرا مما ورد في قائمة خصائص البلدان هذه لم يرد في قائمة الجاحظ وهو من فوائد مؤلفنا.

(٢) الحيوان ، ٤ / ١٣٥.

(٣) الحيوان ، ٤ / ١٣٥ ، ٧ / ٢٣٠.

(٤) الحيوان ، ٤ / ١٣٥ ، ١٣٩.

١٢٨

وفي المصيصة يصاب الغرباء بالجنون في أقصر مدة (١).

وفي مرو : البعوض والدوالي ، وهما في صنعاء اليمن وأبيورد أيضا.

وفي بغداد والبصرة ، مرض الجذام ، والعقارب فيهما كثيرة.

وفي الدامغان وقومس شيء كالعدس ، يقال له شوكز ، إذا [٣١] لدغ أي عضو من البدن فإنه يصبح عفنا.

وفي كرمان تظهر علل الكبد ، وهم يسمونها الأمراض الكبدية ، والمعمّرون في تلك الديار قليلون.

وفي زنجان يظهر الجرب (٢).

وفي خوارزم : الحر والبرد المفرطان ، والقولنج ، والجوع الكلبي (٣).

وفي بلاد النوبة يوجد نوع من الأفاعي التي خلقها الله من محض غضبه ، فما من طائر يحلق فوق رأسها إلا سقط على الأرض ، وما من مخلوق سمع صفيرها إلا أغمي عليه ، واجتاز بها فارس في إحدى المرات ، فلدغت شفة حصانه ، فمات الفارس في الحال ، وحدث أن مرّ به فارس آخر ، فلامس ذلك الميت ، فمات ذلك الفارس أيضا من ساعته (٤).

__________________

(١) الحيوان ، ٤ / ١٤٠.

(٢) في الحيوان (٤ / ١٣٩) في بلاد الزنج بدلا من زنجان أعلاه.

(٣) القولنج عند الأطباء القدماء : الألم البطني الشديد مع احتباس الريح والبراز احتباسا غير تام ، ذكر له الرازي خمسة أنواع (كتاب القولنج ، ٥٢). أما الجوع الكلبي فهو شراهة مرضية لتناول الطعام بإفراط والغالب أنها ناجمة عن مرض نفسي.

(٤) في حياة الحيوان (١ / ٣٩٢) من أنواع الحيات «ومنها الصل وتسمى المكلّلة لأنها مكللة الرأس ... وهي شديدة الفساد تحرق كل ما مرت عليه ، ولا ينبت حول جحرها شيء من الزرع أصلا ، وإذا حاذى مسكنها طائر سقط ، ولا يمر حيوان بقربها إلا هلك ؛ وتقتل بصفيرها على غلوة سهم ، ومن وقع عليه بصرها ولو من بعد ، مات ، ومن نهشته مات في الحال ، وضربها فارس برمحه فمات هو وفرسه وهي كثيرة ببلاد التّرك».

١٢٩

وأما قزوين ، فكل من شرب ماءها ، إذا لم يتحرك كثيرا أو يتريض فإن قدميه تتعفنان.

ومن أقام في الأهواز عاما واحدا ، وكان عاقلا متفرسا فإن النقصان يظهر في عقله وفراسته (١).

وجرارات الأهواز يضرب بها المثل كثعابين مصر وأفاعي سجستان ، وفيها الحمى ، حتى إن الطفل يولد وهو محموم (٢) ، ويصاب الغرباء فيها بالجنون.

وفي بست وسجستان تكثر أوجاع العين.

وتكثر الهوام والحشرات ببلاد الهند كثرة مفرطة ، حتى إنه يخشى من النوم على الأرض ليلا.

ولا يموت أحد باليمامة والهند وعمره أقل من سبعة وخمسين عاما ، وإن مات كان من النوادر.

وفي نسا وجرجان : حمى الرّبع ، والحمى النافضة ، ووجوه أهل هذين البلدين خالية من النضارة.

وفي نصيبين وشهرزور : العقارب القاتلة كثعابين مصر.

وينتشر في بلاد دهستان مرض ضربة الشمس وجراحاته تكون متقيّحة.

وفي عسكر مكرم : العقرب الطائر القاتل.

وبمجرد أن يضاء مصباح في الصيف بسرخس وباورد ، فإن أنواعا من الحشرات القارصة تتجمع حوله ، إلى الدرجة التي لا يستطيع الناس معها الجلوس قربه.

[٣٢] أما في بلاد شروان فيوجد داء الأدرة.

وهكذا ، ففي كل بلد توجد آفة إذا أردنا أن نذكرها كلها أدى ذلك إلى الملل.

__________________

(١) الحيوان ، ٤ / ١٣٥.

(٢) الحيوان ، ٤ / ١٤٢ ، ١٤٣.

١٣٠

أما مدينة بيهق ، فلا يوجد فيها شيء مختص بها من تلك الآفات التي ذكرناها ، اللهم إلا الأمراض التي اعتاد الناس أن يبتلوا بها ، وأكثر أمراض هذه المدينة يجيء من الحرارة ، والمرضى بهذه المدينة قليلون بتقدير الله تعالى.

ذكر أمهات البلدان

إن كل بلدة يقال لها «أم» تعني أنها أصل ، ففي بلاد العرب أم القرى هي مكة ، قال تعالى (لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها)(١) ؛ وفي العراق في الزمن القديم كانت أم القرى البصرة ، والآن هي بغداد التي يسمونها دار السلام ؛ وأما فيما دون بغداد فأم القرى أصفهان ؛ وفي كابل ، أم القرى غزنة ؛ وفي ما وراء النهر ، أم القرى سمرقند ؛ وفي خراسان أم القرى مرو ؛ وببلاد الشام ، أم القرى دمشق ، وقالوا : بيت المقدس ؛ وفي الروم أم القرى القسطنطينية ؛ وبطبرستان ، أمّ القرى آمل ؛ وفي كرمان ، أم القرى جيرفت ؛ وببلاد الصين ، أم القرى كاجغر (٢) ؛ وأما العواصم والثغور فليس بها أمهات قرى يعتد بها.

فصل في بيان أن التعويل على هواء المدن دون العناصر الأخرى

تباحث الحكماء في تعليل قول الناس : إن هواء هذه المدينة وماءها وترابها أحسن وأطيب مما هو في مدينة أخرى ، ولم يقولوا هذه المقالة في النار التي هي رابعة العناصر الأربعة : الهواء والماء والتراب والنار ، فلم نجد أحدا يقول إن نار هذه المدينة أشدّ حرا أو لهبا أو إحراقا من نيران المدن الأخرى.

وفي الجواب على ذلك قالوا : إن النار أقل هذه العناصر قبولا [٣٣] للتأثير ،

__________________

(١) سورة الأنعام ، الآية ٩٢.

(٢) هكذا كتبها المؤلف ، والمعروف أنها تكتب كاشغر ، ورد في حدود العالم (ص ٩٦): «كاشغر : من بلاد الصين لكنها تقع في الحد بين يغما والتبت والخرخيز والصين».

١٣١

واختلاطها أصعب مع العناصر الأخرى ، فالأرض التي يقال لها البر ، تتقبل التأثيرات الناتجة عن اختلاط الماء والهواء لتصبح طينا ، ووحلا ، وملحا ، وزاجا أبيض وأمثال هذا ، ويتأثر الماء من مجاورته للأرض بحسب طبيعة التراب من حيث الملوحة والمرارة ، ويأخذ الهواء كيفيته من الماء ، حيث يتعفن الهواء في المكان الذي يكون ماؤه عفنا ، فكل واحد منها يتأثر بالآخر ، ويخرج من حد الاعتدال ليظهر فيه الضرر ، إلا أن النار لا تقبل أمثال هذا الفعل والانفعال إلا قليلا ، ولا يتغير أو يتبدل في أي مكان ضياؤها وإحراقها ولهيبها ، وذكر الانفعال الذي يظهر فيها عند مجاورتها لأخواتها ـ التراب والماء والهواء ـ قليل إذا ما قسناه إلى ما يقع في العناصر تلك.

فالنار التي مادتها النفط الأسود والكبريت الخالص ، وتلك التي مادتها الحطب ، وتلك التي من حطب رطب ، وما هي من الخشب الذي فيه مادة دهنية تتميّز عن بعضها ، يوجد الإحراق والضياء فيها جميعا ، والناس يعتدّون بخاصيتي الإحراق والإنارة ، ولا يعيرون أهمية لتلك المواد.

باب في اشتقاق لفظ بيهق وحدودها

وفي ذلك عدة أقوال :

الأول : أنه بيهه ، الذي كان أصله باللغة الفارسيّة بيهين ، ويعني أن هذه الناحية من أحسن نواحي نيسابور.

الثاني : أنه بيهه ، وهو مرتبط بكلمة القدم. أي أن مساحة هذه الناحية قاسوها بالأقدام.

وقال قوم آخرون : إن رجلا عاش في عصر الملك بهمن وكان يقال له بيهه ، أقام قرية مقابل قرية آمن آباد ، ولا يزال بالإمكان مشاهدة آثار تلك القرية وسورها ، وإنها دعيت باسمه ، كما دعيت حسين آباد باسم بانيها ، وحارث آباد باسم الحارث ، ومعاذ آباد باسم معاذ.

١٣٢

[٣٤] وكان أول عمارة المدينة هو ما بناه بيهه وهو أول حدّ هذه المدينة ، أما انتهاؤها فحدّه قومس ، وقد حوّلت خوار وطابران من قومس وأضيفتا إلى بيهق ، كما ذكر في كتاب الثار (١).

أما جاجرم فهي جزء من جوين ، وتدعى خوار ب «خوار بيهق» ، وكان خراجها ـ إلى عهد قريب ـ يجمع مع أموال بيهق.

وعرض المدينة من قرية سبه ، التي هي حد ولاية طريثيث ، إلى قرية نوديه تماما.

وقد قال أمير خراسان عبد الله بن طاهر (٢) رحمه‌الله ، الذي على يديه تمت عمارة نيسابور ونواحيها : خير قرى بيهق جلين ، وأطيبها فريومد ، ولا بأس بالسدير والحارث آباد.

ومن مجموع قرى بيهق التي كان عددها على عهد ملك خراسان ، أمير المشرق عبد الله بن طاهر ٣٩٥ قرية ، كان الخراج يؤخذ على ٣٢١ قرية منها ، وكان مقداره على عهد ملوك آل طاهر رحمهم‌الله ٧٩٦ ، ١٧٨ درهما ، وأعشاره من ٧٤ قرية هو ٧٥٨٠٠ درهما.

ومدينة بيهق مقسمة على اثني عشر قسما ، كل قسم منها يسمى ربعا. ولا يمكن لأحد منها أن يزيد على الربع ، ذلك أن الرّبع هو واحد من أربعة ، فالمراد إذن الرّبع وليس الرّبع ، وقد ورد في كتاب مجمل اللغة لابن فارس أن الرّبع : محلة القوم ، فكل مكان تجمع فيه قوم متجاورين وبنوا فيه وعمروه يسمونه الرّبع لدى العرب.

__________________

(١) جرى التعريف به فيما مضى وهو الثار في تاريخ خوار.

(٢) عبد الله بن طاهر بن الحسين الخزاعيّ ، ولاه المأمون خراسان وظهرت كفاءته فكانت له طبرستان وكرمان وخراسان والري والسواد وما يتصل بذلك واستمر إلى أن توفي بنيسابور سنة ٢٣٠ ه‍ (الأعلام ، ٤ / ٩٣) ، وفي البلدان لابن الفقيه الهمذاني (ص ٥٧٢) أن المعتصم ولاه خراسان والري وقومس وجرجان.

١٣٣

[٣٥] أما في بلاد العجم ، فكل مكان لتجمع الناس وإقامتهم في مكان واحد بالمدينة يقال له «محلة» ، وما كان في الصحراء والجبل يقال له ربع.

أما تفصيل الاثني عشر ربعا التي كانت على عهد أمير خراسان عبد الله بن طاهر فهي كما يلي :

الأول : أعلى الرستاق وفيه : سنقريدر ، آمن آباد ، بيهق ، أحمد آباد منزل ، معاذ آباد ، كروزد ، نزلاباد ، آزاد منجير ، زياد آباد ، حديثة ، جلين ، حسين آباد ، باغن ، دلقند ، إيزي ، بركه آباد ، أبكو ، عبد الله آباد ، أضيف إليه : صلاح آباد ، أما قرية سيدي الواقعة في حدود دلقند فهي محدثة ، وذكر أن قرية سنجريدر هي من ربع ريوند.

الثاني : ربع قصبة سبزوار : قرية عبد الرحيم بن حمويه المتصلة بقصبة سبزوار ، راز ، كهناب ، رزقن ، قمنوان العليا والسفلى ، ونقابشك الجديدة والقديمة ، أحمد آباد باغن ، وقرى أخرى. وليس من المعهود في ديار خراسان والعراق أن توجد عدة قنوات جيدة للماء على امتداد فرسخ واحد ، بينما توجد عشر قنوات ضمن فرسخ واحد يمتدّ من قصبة سبزوار حتى خسروجرد. بحيث لو جمعت إلى بعضها لأصبح ماؤها مما يعبر بالقارب من حيث كثرته.

ومعالم القدرة الإلهية في هذه الخطة واضحة. وأصناف الأوصاف في الصور والأجناس والأنواع في أرجاء وأكناف هذه البقاع مصورة ومقدرة :

فاليمن أصبح موصولا بيمناها

واليسر أصبح مقرونا بيسراها (١)

الثالث : ربع طبس وهي تبشن ، وسميت بهذا الاسم نسبة إلى عين ماء حارة موجودة هناك ، ويكتبونها : طبشن ، وقد صحف هذا الاسم أحد [٣٦] الولاة الغرباء

__________________

(١) الشعر للشيخ أبي الحسن صاحب البريد وابن عمة الصاحب بن عباد (يتيمة الدهر ، ٣ / ٢٤٢).

١٣٤

الذين حلوا فيها ، فقيل لهذا الربع طبس ، وفي ذلك الربع تقع قرى طبشن ، أفجنك ، هارون آباد ، قارزي ، بازقن ، كرد آباد ، بلغون آباد ، سيف آباد ، شيرو ، ديواندر ، صاهه.

ومن الدساكر : هماي در ، فرخاردس ، جهازشك ، كمال آباد ، نوديه ، دواندر ، وهي قرية الأئمة الدلشاديّة.

وهناك مزارع وينابيع ، وهي متصلة ببلدة جوين من جهة العرض.

الرابع : ربع زميج وزميج باللغة الفارسيّة : الأرض المعطاء ، وتعني مزرعة الغلال ، ولأن بهرام بن يزدجرد ، الذي يسمونه بهرام جور ، كان قد نزل هناك ، وأمر بزراعة الغلال والقطن وأمثال ذلك ، فقد سموا تلك القرية زميج ، وهي تدعى أيضا باسمه : بهرام جور.

ويقع هذا الربع في الجنوب ، وليس هناك ربع هواؤه أكثر اعتدالا منه ، أما هواء فريومد فهو أطيب ، لأنها سهلية جبلية ، كما أن هواء بشاكوه (بساكوه) معتدل أيضا ، وهناك تزرع شجرة الغبيراء ، التي يسمونها عندما تثمر «ششتمد» :

بلاد بها نيطت عليّ تمائمي

وأول أرض مسّ جلدي ترابها (١)

وهي عذبة المياه ، طيبة الهواء ، قليلة الدواء ، تربتها حمراء ، وسنبلتها صفراء ، وشجرتها خضراء ، ليلها سحره كله ، كأن ابن المعتز عبر عن لياليها بقوله :

يا ربّ ليل سحر كلّه

متّضح البدر عليل النسيم

وقلت فيها أبياتا منها :

قل للنسيم الذي فاحت نوافحه

إذا هببت فلا جاوزت ششتمذا

__________________

(١) للشاعر رقاع بن قيس الأسديّ (لسان العرب ، نوط).

١٣٥

فماؤها العذب سلسال ونحن نرى

هواءها يتحاشى عنه كل أذى

وفي حدائق واديها لنا ثمر

كالزّقّ بالشّهد والماء المعين غذا

وعندليب تصيد القلب نغمته

برغم كلّ غراب يقنص الجرذا

لكنّ حالي فيها غير خافية

وقد تطيش سهام فارقت قذذا

وفي الحلوق من الإقتار كل شجى

وفي العيون من الأقدار كل قذى

وليس ينفعنا علم ولا حسب

ولا مقالتنا كنا كذا وكذا

وليس ينفعنا علم ولا حسب

ولا مقالتنا كنا كذا وكذا

و «مذ» كثيرة في اللغة البهلوية ، يقولون : برغمذ ، وفريومذ ، وششتمذ ، وأنجمذ.

وفي المسترقة (١) إسفند مذ.

وفي أسماء الأيام فإن كلمة الأيام اسمها باللغة الفارسيّة هو «رذ» ، و «رذ» تقال للعاقل والعقل ، قال الفردوسي (٢) :

أقام محفلا ضم أصحاب الرأي

من الأذكياء وذوي الخبرة

و «مذ» : كلمة مدح للبقاع والمواطن ، وفي الزمان القديم كان يقال للأرض الطيبة : «مذ» ، وكانت «مذ» من كلمات مدح الناس ، وقد وردت «مذ» كثيرا في اللغة البهلوية.

__________________

(١) يقول البيروني إن كل واحد من شهور الفرس ثلاثون يوما فيكون مجموعها ٣٦٠ يوما ، لكن السنة بالحقيقة هي ٣٦٥ يوما وربع يوم ، فأخذوا الخمسة الأيام الزائدة عليها فألحقوها فيما بين شهري (آبان) و (آذار) وسموها (فنجي) (وأندركاه) ثم عرّب اسمها فقيل (أندرجاه) ، وسميت أيضا المسروقة والمسترقة (الآثار الباقية ، ٤٣) وقد ذكر البيروني (إسفند مذ) بوصفه اليوم الثالث من هذه الأيام.

(٢) أبو القاسم الفردوسي الطّوسيّ المتوفى سنة ٤١١ ه‍ ، أكبر الشعراء الملحميين في تاريخ إيران ومؤلف الشاهنامه التي أهداها لمحمود الغزنويّ الذي لم يحسن مكافأته (لغت نامه دهخدا ؛ فرهنك فارسي ، مادة فردوسي). وقد استشهد المؤلف ببيت الفردوسي لورود كلمة (رذ) فيه (في الأصل الفارسيّ بطبيعة الحال).

١٣٦

ومن القرى المسكونة في هذا الربع : زميج ، أنجمد ، كنبد ، حيث كان هناك بيت للنار ، ويسمون القرية باسمه أيضا ، وكيذقان ، وششتمد ، وبرازق ، وكانت الخنازير فيها كثيرة ، وقرية أشتر ـ وكان هناك مربط جمال بهرام ـ كيذر ، بيذخ ، طزرق ، عليا باد ، سبح ، أحمد آباد ، روح ، حارث آباد ، قناة أبي الأسود ، جاشك (جاسك) ، كلا بدشك ، بيد خشيدر ، فضلوي آباد ، جابر آباد ، جلار ، كارن التي يكتبونها خارسف ، بزدن ، رزسك ، بيد ستانه ، زرين ، دربر ، مهر كند ، شادياخ ، وقراها متصلة بها.

[٣٨] الخامس : ربع خواشد ووريان وفي هذا الربع قرى كثيرة أمثال : برقن ، ستاج ، دارين ، باشين ، كاموند العليا والسفلى ، سلم آباد.

السادس : ربع خسروجرد وتتصل بذلك الربع قرى أباري ، عثمان آباد ، قرية سدير ، حفير ، كسكن ، كرّاب ، دسكرة بيت النار ، فسنقر ، برزه ، نحاب (نخاب) ، بلاش آباد ، شاره ، دربر ، وغير ذلك.

السابع : ربع باشتين وفيه باشتين ، نامين ، ريود ، دستجرد نامين ، كده آباد ، شعراني ، بلا جرد ، كرد آباد ، بفره ، ساروغ ، بشتنق ، وغير ذلك.

الثامن : ربع ديوره وهو قرى كثيرة ، يقال لها : قرى الجبل ، ميلون ، برون (فدوقن) دويين ، برآباد ، عبد الملكي ، وغير ذلك مما هو من هذا الربع.

التاسع : ربع كاه (زركاه) وفيه قصبات جشم ، بروغن ، مغيثة ، ساسان قاريز ، يحيى آباد منزل ، فارياب ، شقوقن (سقوقن) ، خسرو آباد ، بزدر ، دستجرد ، بادغوس ، وغير ذلك ، (وكان في هذا الربع قرية يقال لها زردكاه ، قيل إنها كانت منذ قديم الزمان ، وكان بها في شهور سنة أربع وعشرين وثمان مئة ، قناة للماء جارية ، وهذا الربع ينسب لتلك القرية) (١).

__________________

(١) واضح أن ما بين القوسين من إضافات أحد النّسّاخ ، إلا أن تكون ثمان مئة ، قد كتبت خطأ وأن صوابها ثلاث مئة.

١٣٧

[٣٩] العاشر : ربع مزينان وفيه : مزينان ، مايان ، كموزد ، داورزن ، صدخرو ، طزر ، بهمن آباد ، مهر ، حيث توجد مزارع الأقلام البحرية ، ماشدان ، سويز ، وغير ذلك.

الحادي عشر : ربع فريومد وفيه : فريومد ، إسحاق آباد ، فيروز آباد ، نهار دان ، وغير ذلك.

الثاني عشر : ربع بشاكوه وهو عدة قرى معدودة مثل : إستاربد ، قرية بيشين ، وغير ذلك.

باب في بناء سبزوار ، والوقائع العظيمة التي حدثت هناك

كان بهمن الملك ملكا كبيرا ، وهو ابن إسفنديار ، وكان الملك الأعظم ، الذي حكم في الأرض مئة واثني عشر عاما ، كانت ذاته صحيفة السياسة ، وفهرس السخاوة ، والأرواح بنسيمه معطرة ، وآثار أسلافه من الملوك بفوح شميم عرف عرفه معنبرة :

ملك كأنّ التاج فوق جبينه

متهلّل الإمساء والإصباح

* * *

هكذا سخرت له الأرض والزمان

من كان ذا دولة قوية

نسبه : بهمن بن إسفنديار بن وشتاسب بن لهراسب بن فنوخي بن كيمنثر بن كيفاشين بن كنابيه بن كيقباد بن زاب بن نودكان بن مايسو بن [٤٠] نوذر بن منوجهر الملك ، واسمه عامر ، ويقال بنيمين بن يهودا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليه‌السلام ، وهو الذي بنى بهمن آباد بيهق ، وكانت بهمن آباد في عصره مدينة كبيرة.

وكان لبهمن هذا ولد اسمه «ساسان» ، وبنت اسمها «هما» ، وقد تزوج بهمن بابنته ـ كما هو جائز لدى أمة المجوس ـ فحملت منه ، ولما اقتربت وفاة بهمن ، ولم تكن مدة الحمل قد انتهت ، قام بوضع تاجه على بطنها وقال : إن ولي عهدي هو هذا

١٣٨

الطفل الذي في بطن أمه ، وإلى حين ولادتها لطفلها ، قامت الأم بتدبير مهام الملك :

لا تتكئ على حسبك ونسبك

فجوهر فعالك هو المعوّل عليه

فإما أن يحمر وجهك منها خجلا

أو تصبح شهيرا ذائع الصيت

وفي أي مكان حارا كان أم باردا

فإن في أصلاب الرجال أولادا نجباء

ولما رأى ساسان أن أباه فضّل عليه جنينا ، نهض واشترى مجموعة من الخراف وتوجه إلى بيهق ، وأقام في ساسان قاريز التي يقال لها ساساقاريز ، ثم حفر هناك قناة :

كل ما آل إلى اليسر

لا بد أن بدايته كانت عسيرة

ووضع خرافه هناك حيث قصبة ساسان آباد التي يقال لها اليوم سبزوار ، وبنى هذه القلعة ، وأما القناة التي حفرها وسط المدينة ، فكأن لسان حالها يقول :

مع أن قدري أسمى من هذا

وأن الفلك الدوار أكبر مني

وهذا حديث طويل طويل وقلبي

مفعم بالألم واللوعة والحاجة

الطريق متاهة ولا يوجد دليل

وقد سكنت الغربان في وكر العنقاء

ثم توجّه إلى حدود يوزكند بتركستان ، التي تدعى هناك أوزجند ، حيث بنى هناك قرية تسمى سبزار (سابزوار) ، وأصلها ساسان آباد أيضا ، وهي اليوم معمورة مسكونة.

وتوجد في تركستان قريتان بنيتا بجوار ساسان آباد : إحداهما تدعى «راز» ، والأخرى باسم «إيزي» ، كما قلنا عند ذكرنا لبيهق.

والعقب من ساسان بن بهمن : مهر ، ومهر هرمز ، وبه آفريد ، وذكروا أن الذي بنى هذه البقعة ليس ساسان بن بهمن ، وإنما هو ساسان بن بابك بن ساسان بن مهر بن ساسان بن بهمن بن إسفنديار ، والله أعلم.

اتفق على أن باني خسروجرد وخسرو آباد هو الملك كيخسرو بن سياوخش بن كيكاوس ، أما بلاشاباد ، فقد بناها بلاش بن فيروز عم نوشيروان ، والله أعلم.

١٣٩

وقد بنيت هذه المدينة على شكل التعبئة العسكريّة ، فربع جلين وحدوده المقدمة ، وربع زميج وخواشد كالميمنة ، وربع طبس وحدوده كالميسرة ، ومن سبزوار إلى خسروجرد كالقلب ، ومن خسرو جرد إلى أسد آباد على شكل الساقة ، ولذا تدعى هذه المنطقة قدم البلدة ، ولسان الحال يقول :

لا يدور الأمر مدار العاقل والجاهل

وليس الحكم على ما هو ظاهر

أن يدمى قلبك وتموت إثره

أفضل من أن تعيش حياتك مع وضيع

وفي سنة خمس وخمسين وخمس مئة وصل من أطراف يوزكند (١) ، جمع من العلماء وهم في طريقهم لزيارة الكعبة ، وكان قسم منهم من قرى : إيزي وراز وساسان آباد يوزكند ، قرأوا عليّ شيئا من التفاسير ، وأخذوا مني إجازات في الأحاديث.

[٤٢] فصل : وقد أفاض الناس في الانتقاص من ساسان هذا ، وأطالوا ألسنتهم بتفصيل دناءة همته ، وكان أبوه قد رأى بفراسته أنه غير لائق للملك.

انظر لذلك الغصن وذلك الجذر

وصن ذلك العهد والتاريخ

قال أبو ساسان لولده : اغرب عن وجهي

ولتكن أبدا مسودّ الوجه متألما

انقلبت الأمور رأسا على عقب

واسودّ كل الزمان بوجهه

وأصبح العالم في قلبه تافها

وامتلأت لذلك روحه بالألم

سأعمر البلاد كلها الآن

وأصبح أميرا على هذه الأغنام

وهذا هو شأن دار الخديعة

إذ يكون الانحدار فيها بعد كل ارتفاع

أصبح أملي بالملك هباء

فليأت العدو ويشمت بي

فلو جاء الموت لأراحني

من هذا العناء المريع

__________________

(١) هي أوزكند التي قال ياقوت (١ / ٤٠٤) إنه يقال لها أيضا أوزجند وهي بلد في ما وراء النهر من نواحي فرغانة. وفي حدود العالم (ص ١٣١) أنها بين فرغانة وبلاد الترك.

١٤٠