الرحلة المعينيّة

ماء العينين بن العتيق

الرحلة المعينيّة

المؤلف:

ماء العينين بن العتيق


المحقق: محمّد الظريف
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: المؤسسة العربيّة للدراسات والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 9953-36-634-9
الصفحات: ٣٩٥

العينين ، رضي‌الله‌عنه ، «نعت البدايات» (٧٩) بالمطبعة المصرية والفاسية ، حيث يقول :

يقول أحمد بن عبد المولى

العلمي أحسن قول يتلى

بعد الثناء والصلاة والسلام

على النبي المصطفى خير الأنام

سلسلة الشيخ المربى الكامل

من ذكره يجمل المحافل

محمد المصطفى ما العينين

ابن لقطب جامع الكونين

محمد الفاضل ابن مامين

ذي الفضل والشرف والمجد المكين (٨٠)

ابن الوجيه الطالب الأخيار

ابن محمد أبي الأنوار

ابن الوجيه الطالب المختار

من كان باسم الجيه ذا اشتهار (٨١)

ابن غزير العلم والفضل الحبيب

ابن علي بن محمد النجيب (٨٢)

سليل يحيى الأول بن عال

ابن لشمس الدين ذي الكمال

__________________

(٧٩) ورد هذا النظم في الصحيفة الثانية من كتاب» نعت البدايات وتوصيف التهابات» مطبعة دار الفكر ، بدون تاريخ أنظر أيضا ، قرة العينين في كرامات الشيخ ماء العينين للشيخ مربيه ربه. ورقة ٢٦٧ ، مخطوطة خاصة.

(٨٠) ورد الشطر الثاني لهذا البيت في «نعت البدايات» بالرواية التالية : ابن لأخيار بن الجيه ذي لين.

(٨١) ورد هذا البيت في «نعت البدايات» بالرواية التالية :

يدعى بمختار هو ابن للحبيب

ابن علي بن محمد النجيب.

(٨٢) الشطر الأول لهذا البيت غير وارد في «نعت البدايات»

٣٢١

ابن ليحيى بالكبير القلقمي

يدعى إلى الأرضى محمد نمي (٨٣)

ابن لعثمان بن أبي بكر نسب

لذ التّقى يحيى فعي لما حسب

ابن لذي المعالي عبد الرحمان

ابن أران الزّكي ابن أتلان

ابن أجملان بن الوفى إبراهيم

ابن لمسعود أخي المكارم

ابن لعيسى بن الجليل عثمان

ابن لاسماعيل بحر الاحسان

فعبد وهاب ويوسف عمر

يحيى وعبد الله أحمد الأغر (٨٤)

سليل يحيى نجل قاسم السّر

سليل إدريس النقي الأزهر

من فتح الله به مغربنا

وأسس المبنى على التقى لنا

أبوه إدريس الجليل الأكبر

جلت مآثر له لا تحصر

وجدّه ذو الفضل عبد الله

الكامل المجد بلا تناه

يكفيك من وصفه ما شاع وذاع

من حلمه وعلمه بلا نزاع

__________________

(٨٣) الأرضى : الأب ، في «نعت البدايات».

(٨٤) ورد في «نعت البدايات» بيت سقط من الرحلة المعينية بعد هذا البيت وهو :

ابن لعبد الله من بالأكبر

يدعى ابن إدريس التقي الأزهر

٣٢٢

أكرم به ابن الحسن المثنى

من لا يفي بوصفه من اثنى (٨٥)

إذ هو ابن لعظيم الجاه

الحسن السبط حبيب الله

ابن عليّ المجتبى سبط الرسول

وأمه فاطمة الزهرا البتول (٨٦)

لله نرغب بكل من ذكر

أن يفتح التيسير في كلّ عسر

بجاه من صلى عليه ذو الجلال

محمد نبينا بدر الكمال

وإن أحببت بسط الكلام على هذا النسب الشريف ومناقب أهله ، فانظر في «الضياء المستبين في مناقب شيخنا الشيخ محمد فاضل بن مامين» (٨٧) ، للعلامة الشيخ محمد فاضل بن الحبيب ، أو في «مجمع البحرين في كرامات شيخنا الشيخ ماء العينين» (٨٨) ، للعلامة الشيخ محمد العاقب بن مايابي الجكني ، أو غير ذلك من التآليف المتكلمة عن شؤونهم وأخبارهم.

__________________

(٨٥) بوصفه : بحقه ، في «نعت البدايات».

(٨٦) سبط : صهر ، في «نعت البدايات» وهو الصواب»

(٨٧) الضياء المستبين : كتاب في سيرة الشيخ محمد فاضل بن مامين ، والد الشيخ ماء العينين ، انتهى صاحبه من تأليفه في ٢٤ جمادى الآولى عام ١٣١٨ ، توجد منه نسخة مخطوطة بخط السيد المختار بن الطالب المختار ، بالخزانة العامة بالرباط تحت رقم ١٠٦٧ في ١٧٧ ورقة.

(٨٨) مجمع البحرين في مناقب شيخنا الشيخ ماء العينين ، كتاب في سيرة الشيخ ماء العينين وكراماته اعتمد عليه أغلب من كتبوا في السيرة المعينية ، وهو لا يزال مخطوطا أنظر : الحياة الأدبية في الزاوية المعنينة ، ص ٦٨٢ ـ منشورات مؤسسة الشيخ مربيه ربه مطبعة بني يزناسن سلا ٢٠٠٣.

٣٢٣

قصيدة رقيقة بديعة للشيخ محمد الإمام

في مدح السادات قبيلتنا آل الجيه المختار

قال الأستاذ الشيخ محمد الإمام بعدما تقدم ، وقد فتح الله عليّ بقصيدة أثناء الاشتغال بهذا التأليف في مدح هؤلاء السادات ، ولا بأس أن آتى بها تبركا بذكرهم ، وهي (٨٩) :

[الطويل]

ألا حيّهل بالقوم مربعهم خصب

لمن أمّهم والبيت منفسح رحب (٩٠)

إذا نزلوا محلا تروّض جدبه

وتدنو إلى الجاني الفواكه والأبّ

وتهتزّ أكناف البسيطة تحتهم

فيثر التّرى نبتا ويختلط العشب (٩١)

أولئك آل الجيه أكرم معشر

من آل رسول الله يمّمه ركب

ألم يك ماء العين منهم ومنهم

أبوه أبو الأقطاب سادتنا النّجب

هما قمرا أفق السّيادة والعلا

وأمّا بنوهم فالأهلّة والشهب

وذرني من قوم مرابعهم جذب

وليس لهم واد مريع ولا شعب

إذا أقبلوا لا يطمح الطّرف نحوهم

وإن ذكروا لا يشرئبّ لهم قلب (٩٢)

__________________

(٨٩) أنظر هذه القصيدة في كتاب ، صاحب الجأش الربيط ، ص ٧٦.

(٩٠) حيهل : وتكتب أيضا حي هل بفلان : ادعه.

(٩١) أثرى الثرى النبت : نداه ويلله بعد اليبيس.

(٩٢) اشرأب للشيء : مد عنقه لينظر إليه.

٣٢٤

وإن فقدوا لم تبق في القوم ثلمة

فسيّان من حاليهم البعد والقرب (٩٣)

بعكس بدور تشرق الأرض إن بدوا

وإن ذكروا فالمسك والمندل الرّطب (٩٤)

وإن ظعنوا لا يبرم الأمر دونهم

عليهم يدار السّلم أو تعقد الحرب

يقومن بالعبء الثّقيل عن الورى

ولم يك منهم لا رياء ولا عجب

فلم يمرحوا والنّاس تنسل إثرهم

ولم يخضعوا والنّاس في حربهم إلب (٩٥)

لهم جدد بيض بكلّ ثنيّة

من المجد لم ينحث حجارتها صلب (٩٦)

تسامت على من قد يروم صعودها

علوّا فلم يفرع أعاليها ندب

أصاروا طريق القوم ميثاء لا حبا

فلا يختشي سار ضلالا ولا يكبو (٩٧)

أقرّوا عمود الدّين في مستقرّه

فما زعزعته عواصفها النكب

عتادهم أيد طوال إلى العلا

وصارم عزم لا يفلّ له غرب

__________________

(٩٣) الثلمة : الخلل.

(٩٤) المندل : العود الطيب الرائحة.

(٩٥) الألب : القوم تجمعهم عداوة واحد.

(٩٦) الجدد : الأرض الغليظة لمستوية.

(٩٧) أرض ميثاء : لينة سهلة من غير رمل

ـ اللاحب : الطريق الواضح.

٣٢٥

أيادي أيد لا تقصّر عن ندى

وأسياف مجد في المكارم لا تنبو

منازلهم فوق البقاع مشيدة

ونيرانهم فوق المحجّة لا تخبو

متى يمّموا للشرق يزدد شروقه

وإن يمّموا للغرب فالمشرق الغرب

مطاياهم للمجد نجب عزائم

تزيد نشاطا كلما حسر الرّكب

فلم يثنها عن مورد العزّ مهمه

ولم تثنها الحزّان كلّا ولا السّهب (٩٨)

فما برحت تقفوا طرائق للعلا

قد اندرست قدما فمسلكها صعب

إلى أن أنا أخوها بمجتمع العلا

ولم ينتقص منها سنام ولا صلب (٩٩)

فلو كان بعد المجد للمرء غاية

لما قنعوا حتى تناخ بها النّجب

يلمّ اختلال المسنتين نوالهم

متى ما ألّمت بالورى الحجج الشّهب (١٠٠)

كأنّ عطاياهم تباعا وكثرة

غنائم في طرق المكارم أو نهب

__________________

(٩٨) الحزان أو الحزن : الجبال

ـ السهب : الفلاة.

(٩٩) الصلب : عظم الظهر.

(١٠٠) المسنتين : ج المسنة ، المسكين المنقطع لا شيء له.

٣٢٦

هم الخصب للبلدان إن أخلف الحيا

ولا يخلف البلدان عن خصبهم خصب

وقد صيّروا نفل المكارم واجبا

عليهم فلا استحباب فيها ولا ندب

وقد سلبوا بالفضل إيجاب ندّهم

ألا هكذا الإيجاب فليك والسّلب (١٠١)

أداروا على الأعراض سدا عن الخنا

فلم يستطع للسّدّ ظهر ولا نقب

يذبّون عن مجد قديم تراثه

وعن مثل ذاك العلق يستحسن الذّبّ

وقد علم الأقوام أن طريقهم

هي الحقّ لا زيغ هناك ولا شغب

وقد علم الأقوام أن ليس غيرهم

يرجّى لدفع الخطب إن فدح الخطب

فما ابتدعوا في جانب الشّرع بدعة

تؤوّلها كتب وتنكرها كتب

وما عدلوا عن واضح الحقّ جانبا

فمنهجهم لحب ومشربهم عذب

بهم ينجلي ليل الرّيون عن الحجا

وترفع عنه بعد إسدالها الححب (١٠٢)

فيعتاض بعد القبض بسطا ويحتسي

رحيق شهود ليس يشبهه شرب

__________________

(١٠١) ندهم : بذلهم ، في صاحب الجأش الربيط.

(١٠٢) الريون : ج ، رين ، الطبع والدنس ، الصدأ.

٣٢٧

فتسري حميّا الذوق فيهم وتنتشي

قلوبهم حتى كأنهم شرب

فتنفى رعونات النّفوس بقربهم

ويحصل قرب لا يكيّفه قرب

وما زالت الأقطاب منهم ولم تدر

لمجد رحى إلا ومنهم لها قطب

متى جئتهم لقوك أهلا ومرحبا

ويلقاك في مغناهم الأهل والرّحب

بيوتهم لابن السبيل مشاعة

فلا يزجر المولى ولا ينبح الكلب

وقد سالموا أعراضهم غير أنهم

لأموالهم في كلّ مكرمة حرب

إذا خصلة عزّت وعزّ اغتناؤها

فهي لهم من دون طالبها وهب

يعدّونها عارا إذا ردّ مجدهم

لديهم وذنبا ليس يشبهه ذنب

ولم ينزعوا عن جذم عرضهم اللّحا

فطاب من الرع الخلاصة واللّبّ

يساميهم بعض من القوم ضلّة

فيا عجبا هل يستوي الأنف والعجب (١٠٣)

فهلّا يساميهم مكانا ورفعة

وفي علم ما جاءت به الرّسل والكتب؟

__________________

(١٠٣) العجب : مؤخر كل شيء ، وفي البيت إشارة إلى قول الحطيئة في مدح بني أنف الناقة :

قوم هم الأنف والأذناب غيرهم

ومن يسوّي بأنف النّاقة الذنبا

٣٢٨

وهلّا يساميهم إذا اغبرّت البرى

وضنّت عن البادي بمعروفها السّحب؟

وهلّا يساميهم بكل فضيلة

لها طرق عنها رجال الورى نكب؟

لقد حملوا ما لو تحمّل بعضه

ذرى الهضب من رضوى لمادت بهاالهضب

وشادوا لكلّ العرب عزّا بأمة

يعزّ عليها أن تعزّ بها العرب

لهم راحة في ضمنها راحة الورى

وسيف حجى في كل مشكلة عضب (١٠٤)

وقد نزل المرتاد منهم بسادة

مواهبهم سهل وغاياتهم صعب

ثقال لدى النّادي خفاف إلى النّدى

متى ثوّب الدّاعي لمكرمة هبّوا

مجالسهم وقف على الحلم والحجى

فلا تسمع العوراء فيها ولا السّبّ

أساتذة في مجلس العلم والهدى

وإما ترافقهم هم الأهل والصّحب

إذا ما جواد رام إدراك شأوهم

ثنته الرّعان الشّمّ والأمعز الصّلب (١٠٥)

قد اكتسبوا بالفضل كلّ مزيّة

فكسبهم فضل وفضلهم وهب

__________________

(١٠٤) عضب : قاطع.

(١٠٥) الرعان : ج رعن ، الجبل الطويل

ـ الأمعز : ج. معزاء ، المكان الصلب الكثير الحجارة.

٣٢٩

فما منهم وليّ إلا مقرّب

مربّ لأدواء النّهى كلّها طبّ (١٠٦)

أولك آبائي وذلك نهجهم

ولست إلى نهج سوى نهجهم أصبوا

فلا زلتم للدهر إنسان عينه

بكم يرفأ الثأي ويلتئم الشعب (١٠٧)

ولا زلتم حرز البلاد وأهلها

ولا زال يقفوا إثر أسلافه العقب

مطلب ذكر محل سكن جدنا الجيه

بعد تنقلاته وموضع وفاته في بلاد تكانت رضي‌الله‌عنه

ثم إن الجيه المختار بعد طلوعه إلى الغرب المذكور في كلام السجلماسي ، لم يزل ينتقل في أحيائهم وقبائلهم حتى وصل تكانت (١٠٨) ، ونال في تلك البلاد شهرة عظيمة وأتباعا كثيرة ، ولم يزل هنالك حتى توفي رضي الله تعالى عنه في موضع يقال له أركيز (١٠٩) ، وضريحه في تلك البلاد مشهور يقصد بالزيارة والدعاء.

ذكر سبب توطن آل الجيه بعده بلاد الحوض وانتقالهم إليه

ثم انتقل أولاده لبلاد الحوض (١١٠) في دولة أبناء امبارك المغافرة المشهورين في

__________________

(١٠٦) النهي : العقل.

(١٠٧) يرفأ : يلحم

ـ الثأي : الخرم والفتق.

(١٠٨) تكانت : إحدى ولايات موريتانيا ، بها مدينتان كبيرتان ، تيجكجة ، وهي لادا وعلى ، والرشيد ، وهي لقبلة كنتة ، أنظر بشأنها ـ الوسيط ص ٤٤٥ ـ حياة موريتانيا «الجغرافيا» ص ٢٢١٩.

(١٠٩) أركيز : أرض بعد تكانت ، واقعة بينها وبين أوكار ، الوسيط ص ٤٥٣.

(١١٠) الحوض : أرض مشهورة بعد أوكار ، وبها قبر الشيخ محمد فاضل والد الشيخ ماء العينين ، الوسيط ص ٤٥٧.

٣٣٠

تلك البلاد ، باستدعاء منهم لذلك رغبة في بركتهم ، فنالوا في بلاد الحوض وجاهة كبيرة وقدرا عظيما ، وصار لهم الحوض وطنا من ذلك التاريخ إلى الآن ، ولم يخرج أحد منهم عنه في علمنا ، ولم ينتجعوا بلادا سواه إلى زمن جدنا الأدنى ، شيخنا الشيخ محمد فاضل ، فأظهر الله تعالى على يديه من الفضل ما هو مشهور.

مطلب سبب توطن شيخنا الشيخ ماء

العينين بلاد الساحل وأخيه الشيخ سعد بوه القبلة

فصدر بعض أساتذة أبنائه الأفاضل وقربائه الأماثل إلى البلاد لنفع العباد ، فصدر والدنا الشيخ ماء العينين لبلاد الساحل والمغرب ، وصدر شيخنا الشيخ سعد بوه إلى البلاد المعروفة بالقبلة وما والاها من بلاد السودان ، وممن انتقل من قبيلتنا من الحوض في ذلك التاريخ ، ابن عمنا الأستاذ الشيخ محمد فاضل بن محمد ، يجمعنا معه الجد الأكبر الجامع للقبيلة الجيه المختار ، فإنه انتقل إلى البلاد المعروفة بأدرار واستوطنها ، ففتح الله عليه من فضله ، وسوّى بهم من خلقه ما هو مشاهد بالعيان ، فصارت هذه البلاد المذكورة من حينئذ بمثابة الوطن لنا ولمن أتى من القبيلة والإخوان ، والحمد لله تعالى على ما أولانا من فضله في كل زمان.

هذا وإنما ذكرت لك هذه الفذلكة لتكون لك نموذجا على أمرين أحدهما أن كل أحد أدرى بما يختص بأسلافه وعشيرته ، ويعلم من أخبارهم وشؤونهم ما لا يعلم الغير ، والأمر الثاني ، ليتبين لك كيفية تبديل الأسماء على التدريج ، فقد ترى جدنا الجيه المختار يعرف بالجلجمي ، ثم صار أصلا لقبيلة آل الطالب المختار ، فصارت القبيلة لا تعرف إلا به ، ولا تحتاج إلى سواه إلى زمن جدنا شيخنا محمد فاضل ، فقد أعطاه الله من الشهرة ما استغنى به عن التعريف بالقبيلة ، وصار كل من انضم إليه من الأتباع والمتعلقات والجيران يعرف به وينسب إليه ، وكذلك هذه البلاد التي نحن فيها ، لا يحتاج أحد من أتباع شيخنا الشيخ ماء العينين ـ أحرى من نسبته ـ أن يرفع نسبه إلى أحد سواه ، بل يكفيه من التعريف أن يقول أنا من آل الشيخ ماء العينين.

٣٣١

قضية من سئل عن شيخنا الشيخ ماء

العينين من أي القبائل ، وكيف كان جوابه

وقد تذكرت قضية في ذلك المعنى ، وهي أنه كان بعض العلماء جالسا ، فسأله أحد الحاضرين ، فقال له : يا سيدي ، الشيخ ماء العينين من أي القبائل؟ فأجابه ذلك العالم : يا بني أما علمت أن المعرف لا يعرف. ثانيا ، مثل الشيخ ماء العينين إنما يعرف به الغير ، فإن الشيء لا يعرف إلا بما هو أشهر منه في زمانه». انتهى كلام الأستاذ الشيخ محمد الإمام ، ولا أحسن منه في المقام ، والشيخ ماء العين لا أشهر منه ولا أشفى منه للغليل في المرام ، مع الإيجاز المعتاد والاستيفاء بالمراد. ولقد أجاد ـ أطال الله بقاءه ـ في تلك القصيدة البارعة الرائعة ، الفائقة ، الرائقة بما لم يسبق إلى مثاله ولم يلحق في مجاله ، لافض فوه ولا سرّ من يجحده.

قصيدة لجامع الرحلة ماء العينين بن العتيق في سلسلة نسبنا الشريف بدءأ

من الشيخ مربيه ربه إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلى آله وصحبه وسلم تسليما

والحمد لله رب العالمين

قال جامع الرحلة ما العينين بن العتيق ـ وفقه الله لأقوم طريق ـ ولنختم هذه الرحلة المباركة بقصيدة من مشهور الرجز ، نظمتها في هذا النسب الشريف ، مفتتحا بالأستاذ الشيخ مربيه ربه ، دام عزّه ، وإن كان تقدم نظم مولاي أحمد العلمي له ، مفتتحا فيه بأبيه شيخنا الشيخ ماء العينين استزادة في بركات أهله ، واستجلابا لعنايتهم والدخول في حمايتهم ، لأن عند ذكر الصالحين تتنزل البركات وتدرّ الرحمات. والقصيدة هي قولي ، غفر الله لي قولي وعملي :

ويقول ما العينين وهو ابن العتيق

وفّقه الله لأقوم طريق

حمدا لمن أكرم أبناء النبي

بالشرف الخلقي والمكتسب

صلى عليه الله ما تم الشرف

لمن من أهل بيته اقتفى السلف

٣٣٢

وبعد فالقصد بذا النظام

سلسلة العلامة الإمام

وارث جدّه الرسول المصطفى

والمتسمى بسماه المصطفى

خير كريم ربه رباه

للمكرمات وبها حباه

إياه لم يغن شريف نسبه

لطه عن شرف قفونيسبه

فهو ابن شيخنا سنى الكونين

غوث الزمان الشيخ ما العينين

سليل الأستاذ سنام السامين

محمد الفاضل نجل مامين

ابن أبينا الطالب أخيار الذي

به اجتمعنا فهو أصل الفخذ

أما العتيق أبنا فالأب له

محمدا الفاضل وهو نجله

محمد الليل المحرّر النبيل

ابن محمد بن أحمد سليل

الطالب أخيار عمود النسب

جامعنا المذكور جدّ النخب

ابن محمد أبي الأنوار

ابن الإمام الطالب المختار

الجامع القبيلة الحسيب

الجيه نجل الطالب الحبيب

ولد سيدي علي الولي

ابن محمد بن يحيى بن علي

٣٣٣

سليل شمس الدين نجل العلي

يحيى الشهير بالكبير القلقمي

ابن محمد بن عثمان الكمي

ابن أبي بكر بن يحيى المنتمي

لعابد الرحمان ، وهو ابن أران

ولد أتلان سليل أجملان

ولد إبراهيم مجرى المدد

سليل مسعود بن عيسى ولد

عثمان من أبوه اسماعيل

فعبد وهاب وذا سليل

ليوسف بن عمر الأواه

ولد يحيى نجل عبد الله

سليل أحمد بن يحيى ولد

القاسم بن الأوحدي سيدي

إدريس نجل سيدي إدريس

الجامعين الفضل ولتقديس

وهو ابن عبد الله من يلقب

بالكامل الصادق فيه اللقب

ابن الإمام الحسن المثنى

ماذا له من شرف تثنّى

ابن الرضى الحسن سبط المجتبى

خير الورى جدا وأما وأبا

فجده طوبى له النبي

وأبه ابن عمه علي

وأمه بضعته الزهراء

ذا الفخر ما وراءه وراء

٣٣٤

رب بجاه من له ذكرت

من سيدي عن وصفه نصرت

إذ وصفهم ليست تفي السطور

به ولا تسعه الصّدور

بلّغ به الإمام نجلهم مناه

فيما من الشرف والمجد اقتفاه

ومدّ عمره وفيض مدده

واجعل جميع الكون قبضة يده

في العز والتمكين في رتبته

وقرق العينين في نسبته

وارزق بهم لكلنا السعادة

واختم لنا بكلمة الشهادة

واعطنا في العز أقصى كل سول

بجاه جدهم نبينا الرسول

أكمل له منك الصلاة والسلام

وكملن بجاهه لنا المرام

تمت القصيدة وبتمامها انتهت الرحلة المباركة ، بحمد الله وحسن عونه وفضله ، متم صفر الخير عام ١٣٥٨ ، عرفنا الله خيره وخير ما بعده ، ووقانا ضيرهما على يدية جامعها عبيد ربه وأسير كسبه ما العينين بن العيتق ، وفقه الله وهداه لأقوم طريق ، بجاه نبينا وحبيبنا محمد سيد المرسلين ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين ، والحمد لله رب العالمين.

٣٣٥
٣٣٦

ملحق

كلمة

بسم الله الرّحمن الرّحيم

جمعت هذه الرحلة عدة مزايا هامة ، من بينها : أنها أول رحلة مدونة لحجاج مغاربة يمثلون جميع أقاليم المملكة المغربية كما هي معروفة الآن ، من وادي الذهب جنوبا حتى أقصى التخوم الشمالية ، لتكون انطلاقة الجميع من مدينة تطوان سنة ١٩٣٨.

ثم إن الحجاج القادمين من الأقاليم المغربية الجنوبية ، كان بينهم علماء وشعراء وكتاب مرموقون نالوا تقدير وإعجاب أشقائهم من النخبة المثقفة والوطنية في مدينة تطوان آنذاك من أمثال المرحوم عبد الخالق الطريس والشيخ المكي الناصري وعبد الوهاب بن منصور ومحمد بنونة وغيرهم ، كما يتضح من المساجلات والمناظرات الشعرية والأدبية والعلمية المدونة بدقة في هذه الرحلة أثناء إقامة الوفد بتطوان ، فضلا عن حرص المؤلف على توثيق ذلك من خلال ما نشرته بعض الصحف المغربية آنذاك عن تلك اللقاءات العلمية والأدبية ، وذكر أسماء وقبائل أعضاء الوفد القادمين من الأقاليم المغربية ومن إقليم سوس.

ولما كان لوفد الحجاج المغاربة عدة محطات توقف في كل من ليبيا ومصر قبل أن يحط الرحال في البقاع المقدسة ، فقد حرص المؤلف على تسجيل ملاحظاته عن أوضاع ليبيا وأهلها كما رآهم ، وتدوين معلومات عن تاريخ البلاد والسلالات والدول التي تعاقبت على حكمها ، مختتما كلامه قائلا بمرارة : «وهي الآن تحت حكم إيطاليا والله المستعان» ، مدونا ما دار بين أعضاء الوفد المغربي وبين الأدباء والأعيان والشخصيات الليبية التي قابلوها بتلك البلاد.

كما أثبت معلومات هامة عن قناة السويس وحفرها لدى مرور الوفد بالديار المصرية ، دون أن يغفل ما دار بينهم وبين مستقبليهم المصريين.

٣٣٧

ولم يكن المؤلف ، وقد حل بالبقاع المقدسة ، أقل دقة في تدوين معلومات هامة عن الحالة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لأهل الحجاز في تلك الفترة ، مع ذكر الأماكن التي نزلت بها بعض سور القرآن الكريم ، وذرع الكعبة الشريفة وتسجيل مقاساتها وعدد أبواب المسجد الحرام ومختلف الروايات في ذلك إلى جانب مقاسات بئر زمزم ، والقباب التي كانت مقامة على قبور بعض الصحابة رضوان الله عليهم ، بالإضافة إلى معلومات عن واقع بعض الأقطار العربية الأخرى.

وقد أبى العلامة ماء العينين بن العتيق إلا أن يوشح بعض فصول رحلته العلمية الدينية والاستكشافية بإدراج مسائل فقهية وأحكام شرعية وفتاوى وقصائد في أغراض شعرية متنوعة عرضت له أثناء هذه الرحلة ، مما يبين مدى اتساع دائرته المعرفية ودقة ملاحظته وحرصه على الاستفادة والإفادة.

وسيتضح للقارئ الكريم ، وهو يتصفح هذا الكتاب ، مدى أهمية العامل الزمني بالنسبة للعلامة ابن العتيق ، فهو لا يكاد يذكر مغادرة أو وصولا أو لقاء أو واقعة دون ذكر الساعة أو الليلة والشهر والسنة التي حصل فيها ذلك ، وهي سمة لازمته في جميع مؤلفاته التي عثرت عليها والتي ما تزال كلها مخطوطة تنتظر الطبع.

ظلت «الرحلة المعينية» هذه ، أو رحلة العلامة ما العينين بن العتيق إلى الديار المقدسة أزيد من ستين سنة ، مخطوطة حبيسة الصناديق والرفوف ، إلى جانب العديد من المخطوطات النفيسة والنادرة التي تزخر بها الخزانات الخاصة في أقاليم المغرب الجنوبية ، ولحسن الحظ لم تمتد إليها يد الإتلاف التي امتدت إلى غيرها أثناء قصف مدينة السمارة من طرف قوات الاستعمار الفرنسي ، أو أثناء عمليات النهب في عهد الاستعمارين الإسباني والفرنسي ، كما أنها صمدت في وجه الكوارث الطبيعية من فيضانات وأودية وسيول جارفة وحرائق التهمت أعدادا هائلة من المخطوطات والكتب ، وتكرر ذلك مرارا في وادي الساقية الحمراء وخاصة في بلدة تافودارت.

ومن حسن الطالع كذلك أنه تم استنساخ هذه الرحلة عدة مرات ، نسختان منها بخط المؤلف ، مما ساعد على بقائها كل هذه السنوات ، حتى قيض الله لها الأستاذ الفاضل الدكتور محمد الظريف ليجمع المتوفر من نسخها ويقارنها ويقابلها ويمنحها ما

٣٣٨

تستحق من تحقيق وتمحيص وشرح ، وقد وفقه الله في ذلك فعرف بأعلامها ، وشرح غوامضها ، وأجاد في تيسير فهم ما تضمنته من استشهادات وما احتوته من استطرادات حتى يجنب القارئ كل سوء فهم أو التباس.

ولست في حاجة إلى التعريف بالدكتور محمد الظريف ، لأن أعماله المتميزة وبحوثه النيرة ودراساته المتخصصة في ثقافة أقاليم المغرب الجنوبية وأدبها والتأريخ لها خير تعريف به ، إذ قلما تميزت أعمال في هذا المجال بالدقة والشمولية التي توفرت دائما لأعمال الأستاذ محمد الظريف وذلك لاتساع دائرة مداركه ومعرفته الدقيقة بعلماء الجهة وأدبائها وشعرائها وقبائلها ووجهائها قديما وحديثا.

وإذ يتشرف مشروع ارتياد الآفاق بنشر هذا العمل الجليل الذي يسلط الضوء على محطة هامة في مسار التاريخ المغربي الطويل والمتجذر سلاليا وثقافيا واجتماعيا وسياسيا ، فإنه بذلك إنما يمارس حقه المشروع في الحفاظ على هذا المسار الطبيعي والمطقي ، والتمسك بالتوجه السليم الذي تركه الأجداد للأحفاد ، ولكونه يعتبر هذا العمل القيم مساهمة محمودة في إثراء الخزانة المغربية والعربية على السواء ، والله ولي التوفيق.

الرباط في ٣٠ مارس ٢٠٠٤

ماء العينين مربيه ربه

عضو المجلس الملكي الاستشاري الخاص

بالأقاليم الصحراوية

٣٣٩
٣٤٠