الرحلة المعينيّة

ماء العينين بن العتيق

الرحلة المعينيّة

المؤلف:

ماء العينين بن العتيق


المحقق: محمّد الظريف
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: المؤسسة العربيّة للدراسات والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 9953-36-634-9
الصفحات: ٣٩٥

لم يأت منهم فتى يوما إلى أفق

إلا تسربل فضل الفق واّدّرعا

هذا وكم ذي غنيّ من سيب راحهم

استغنى ،وكم ذي صفى في صفوهم كرعا

لا زال فضلهم يعلو الأنام ولا

زال الأنام بما حازوه منتفعا

بجاه جدّهم طه ومن معه

صلّى عليه العلى ما نوره سطعا

ثم ودعوا وانصرفوا من ساعتهم ، بما اقتضاه الحال جزاهم الله خيرا

بيتان لجامع الرحلة يخاطب بهما المركب لما

أعجبه سيره وآخران يخاطب بهما البحر لما هاج

فلما صلينا المغرب ليلة الخميس الثالثة من المحرم ، أقلعت الباخرة بنا من مدينة السويس قاصدة بور سعيد ، فرست بنا عنده ، بعد طلوع شمس يوم الخميس ، فلمّا كان بعد ظهره ، أقلعت بنا متوجهة طرابلس ، ولبثنا بينها وبين بور سعيد ثلاثة أيام ، وفي بعض هذه الأيام طلعت أنا والشيخ محمد الإمام وجلسنا على سطح مركبنا المسى «ماركيس دي كومياس» ، فإذا به سائرا سيرا رفيقا لينا ، مع غاية إسراعه ، وحسن هيئته ، ما شاء الله ، لا قوة إلا بالله ، فتبارك الله أحسن الخالقين ، فقلت ارتجالا :

[الخفيف]

ته جمالا لا مسّك الدّهر باس

وابتهج ماركيس دي كومياس

لك باد على البواخر فضل

فهي جسم وأنت فيه الرّاس

٢٤١

فلما كان يوم قدومنا على طرابلس اضطرب البحر اضطرابا شديدا ، وعلت أمواجه ، وتكاثرت حتى دخل الجزع أهل الباخرة ، وكنت أنا والشيخ محمد الإمام وبعض الإخوان واقفين بجانبها ، ننظر اضطراب البحر ، فجرى على لساني هذان البيتان ، مخاطبا بهما البحر :

[الخفيف]

لا تروّع بكثرة الأمواج

أيّها البحر أنفس الحجاج

إنهم في نهج العبادة فاخ

ش الله في أهل ذلك المنهاج

مقدمنا على مدينة طرابلس ، ومسيرنا منها :

فبفضل الله ورحمته ، هذا البحر أسكنت أمواجه ، فرست بنا الباخرة عند طرابلس وقت الظهر يوم الأحد السادس من المحرم الحرام ، فلبثنا عند مدينتها أربع ليال ، واجتمعنا ببعض أعيانها وعلمائها ممن تقدم ذكره ، ومن غير ذلك ، ثم أقلعت الباخرة بنا منها قيلولة يوم الخميس ، وهو يوم عاشوراء ، متوجهة بحول الله ، مليلية ، فسبتة فلبثنا بين طرابلس ومليلية ثلاث ليال.

لطيفة

ولما حان وقت وصولنا لها ، علونا سطح الباخرة ، أنا والشيخ محمد الإمام وبعض وفدنا مترقبين رؤية مدينة مليلية ، فاستبطأنا رؤيتها ، فأنشدنا الشيخ محمد الإمام ارتجالا هذا البيت :

[الطويل]

ألم يان أن تبدو ديار مليليه

ليبرد من داء الغرام غليليه

٢٤٢

واستجازني فقلت :

ولم تك لي في دورها من لبانة

ولكنّها نحو الحبيب سبيليه

وصولنا لمدينة مليلية وابتهاج أهلها بمقدمنا

فوصلناها وقت الظهر يوم الأحد الثالث عشر من المحرم الحرام ، وكان يوم وصولنا لها كيوم العيد ، لما أظهره أهلها من الاحتفال والفرح والمسرة والابتهاج وإظهار الزينة والانبساط التام في الخاص من أقوامهم والعام. لما دانت الباخرة من المدينة ، اجتمع كثير من الناس على مينائها ، حتى امتلأت ، ووقف كثير بساحل البحر وكثير فوق سطوح الدور وجاءت السيارات من كل جهة ، واصطفت بإزاء الميناء ، والناس صفوف حولها ، ونصبوا كثيرا من الرايات والأعلام ، ووقفوا ينتظرون وصول الباخرة إلى الميناء رافعين أصواتهم بالتهليل والتكبير والصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والأدعية ، مع ضرب الدفوف وسائر آلات الطرب والأفراح ، وإظهار التماس البركات والدعوات الصالحات من الحجاج ، وكذلك الباخرة نصب ضباطها أعلام الفرح والاستبشار في جميع جوانبها ، ووقف أهلها بحافاتها ، منتظرين وصولها إلى الميناء ، وكل من الفريقين يشير إلى الآخر بالسلام والترحيب والتهنئة ، ووقف أعيان الدولة وضباطها بإزاء الميناء بعساكرهم في زيّ عجيب وتنظيم غريب. وما زال لكل في تزايد الأفراح والحبور والانبساط والانشراح والسرور إلى أن رست الباخرة بإزاء الميناء ، فأقبل الفريقان بعضهم على بعض بالتهاني وإفشاء السلام ، وحمد الله وشكره على السلامة والاجتماع ، فطلع علينا بالباخرة أعيان البلدة من أهل المخزن وغيرهم ، كالجنرال موح مزيان (٢٩) الريفي وأبيه ، والباشا الحاج عبد القادر بن الحاج الطيب ، نائب الصدر الأعظم بالمنطقة الريفية ، وغيرهم ، فبدأوا بالسلام على سيادة الشيخ مربيه ربه ، أعزه الله ووفده وجلسوا معنا ، قدر ساعة ، ثم انقلبوا ليسلموا على أعيان أهل الباخرة.

__________________

(٢٩) الجنرال محمد أمزيان : هو رجل الحرب المعروف ، حارب إلى جانب فرانكو ، فأسندت إليه إحدى العمالات بإسبانيا لما حصل المغرب عل استقلاله ، انضم إلى الجيش المغربي ، تقلد عدة مناصب سامية وعدة ألقاب فخرية ، آخرها الانعام عليه برتبة مارشال.

٢٤٣

أبيات لجامع الرحلة لما فرح الناس بعضهم ببعض

ولما رأيت فرح الناس بعضهم بعض ، قلت هذه الأبيات تلك الساعة ـ أجاب الله دعائي فيها وبغيرها ، وحقق رجائي بفضله ـ وهي :

[الرجز]

ربّ افرحن بي وفرح النبي

بي وأملاكك في منقلبي

وفرّحن بي سعداء الأمّه

فرّحنّي برضاك ثمّه

واجعل صراطي أبدا تقاك

وخير أيّامي إذا ألقاك

مجاورا أحمد في دار السّلام

عليه أكمل الصلاة والسلام

ثم ودع الناس بعضهم بعضا ، وتسامحوا واشتركوا في الدعاء ، وأقبل الحجاج الريفيون ومن حولهم لتوديع سيادة الشيخ مربيه ربه ووفده ، فودعونا ، وودعوا من بقي من إخانهم المسلمين في الباخرة ، ونزلوا راجعين لأهليهم بحمد الله ، وكانوا ستمائة حاج ، صحبنا الله وإياهم بالسلامة وتقبل منا ومنهم.

نزولنا بمدينة سبتة واحتفال أهلها لنا

ثم لما وصلنا المغرب ليلة الإثنين الرابعة عشر من الحرم ، أقلعت الباخرة بنا قاصدة سبتة ، فرست بنا عندها فجر تلك الليلة ، فلما كان وقت الإسفار ، أقبل علينا أهل مدينة سبتة باحتفال وأبهة عظيمة ، من أهل المخزن وغيرهم ، فنزلنا من ساعتنا ، وسلمنا عليهم وودعنا أهل الباخرة ، وشكرناهم على ما قابلونا به من جميل صنعهم ، وتلقى لنا بعض الأحبة من تطوان كأبناء القائد إدريس وغيرهم جزوا خيرا.

٢٤٤

مقدمنا على مدينة تطوان وتلقي أهلها لنا بالإكرام

فلما فرغنا من السلام والتهنئة بالقدوم ، هيأ نائب الأمور المخزنية لسيادة الشيخ أعزه الله سيارة ، فركبها هو وحرمه ، وهيأ لسائر الوفد القطار ، فركبناه بعد طلوع الشمس بقليل ، ونزلنا وقت الضحى من يومنا بمدينة تطوان ، فتلقى لنا الترجمان «بنت» بالفرح والتهنئة والإكرام نيابة عن الدولة ، وباشر شؤوننا وحمل أمتعتنا ، حتى أنزلونا دار الضيافة في محل نولنا السابق مرورنا بتطوان ذهابا ، ولم يقصروا في الإحسان والإكرام ، فلما كان بالغد يوم الثلاثاء ، وقت الضحى أتانا «كوما ندنتي» ورحب بنا ، وأظهر الفرح والاستبشار بمقدمنا ، وقال إنه أتى نائبا في ذلك عن المقيم العام لاشتغاله يومئذ بكثير من الأمور المخزنية ، ثم قال لسيادة الشيخ أعزه الله ، تقيمون للاستراحة بالرحب والسهل إلى يوم الجمعة القابل تسافرون إن شاء الله في البحر لكناري ، ثم منها إلى أهلكم بطرفاية.

ثم لما كان وقت الظهر ، أتانا السيد مسعود بن محمد الشراد ، فندبنا بمحله ، وهيأ لنا سيارات ركبناها إليه ، فأحسن إلينا وأكرمنا غاية ، وأحضر من أطايب الطعام والشراب ما لا يوصف ، فرجعنا إلى محلنا.

مطلب في ذكر المجلس الذي عقده الخليفة لاستقلال الأوقاف ،

وإرساله للشيخ مربيه ربه أنه كان ينتظره به ، واستدعائه

لنا آل الشيخ ماء العينين خصوصا من وفدنا

وفي عشية يومنا أتانا قائد المشور السيد محمد المصطفى بن القائد إدريس ووزير الأحباس ، الفقيه السيد محمد بن عبد القادر بن موسى من عند الخليفة مولانا الحسن بن المولى المهدي نائبين عنه في التهنئة لنا بالحج والقدوم بالسلامة ، وذكرا أنه يقرؤنا السلام ، وقالا للشيخ أعزه الله ، إنه كان ينتظر قدومه من الحج رغبة في حضوره لمجلس افتتحه لأمر الأوقاف يهيئ فيه استقلال أحوالها ، ويريد أن يشهده الأعيان من أهل العلم والمراتب السنية والمناصب العلية ، وأنه ، أي الخليفة عازم على عقد المجلس بالغد يوم الأربعاء السادس عشر من المحرم ، ويستقدم له سيادة الشيخ

٢٤٥

أعزه الله وقرابته خصوصا دون سائر وفده ، فأمرا بالتهيئ له ، وودعا وانصرفا ، فلما ارتفع النهار يوم الأربعاء ، أتانا وزير الأحباس المذكور ، وخليفته قائد المشور ، وهو أخوه الولي ابن القائد إدريس يستدعيان الشيخ وقرابته للمجلس المذكور ، وبيدهما كتاب للشيخ أعزه الله من عند الخليفة يقتضى ذلك ، وكذلك أتيا لكل واحد من قرابته المدعويين بكتاب من عنده بذلك ، والجميع سبعة وهم :

١. شيخنا الشيخ مربيه ربه بن شيخنا الشيخ ماء العينين

٢. وأخوه الشيخ محمد الإمام بن شيخنا

٣. وابن أخيهما محمد ماء العينين بن الشيخ أحمد الهيبة

٤. وابن أخيهما سيدي بوي بن الشيخ حسن

٥. وابن أخيهما سيداتي بن الشيخ الولي

٦. وابن أختهما الشريف يحجب بن خطر بن سيد محمد

٧. وابن أختهما جامع الرحلة ابن عمهما ما العينين بن العتيق.

فدخلنا دار المخزن مع أول القادمين ، ووجدنا بها مجلسا أنيقا رائقا ، ومنظرا حسنا فائقا معدا للجماعة ، فدخل العلماء والقضاة والأشراف وأعيان المخزن وكبراء الدولة ، فجلس الناس على مرابتهم ، ورتبوا على مناصبهم ، فلم نلبث إلا هنيئة حتى دخل المقيم العام ، وبعده بقليل دخل مولانا الخليفة ، فجلسا في صدر المجلس وفي مقابلتهما سيادة الشيخ مربيه ربه وأخوه الشيخ محمد الإمام ، وكان هذا الاحتفال من أعظم الاحتفالات ، له سكينة كبيرة ، ومهابة عظيمة ، وأبهة غريبة ، وجلالة مثيرة.

قصيدة لجامع الرحلة افتتح بها الكلام في المجلس يمدح

بها الخليفة ويهنئه بحفلته بارتجاع الأوقاف إلى سنتها الأول

فأول من افتتح فيه الكلام ، سالكا أسلوب النظام على وفق ما يقتضيه المقام ، جامع الرحلة ما العينين بن العتيق في مدح مولانا الخليفة وتهنئته بموجب هذه الحفلة الجميلة ، والأبهة الجليلة ، من ارتجاع الأوقاف إلى السنن المشروع ، والسير فيها على نهج السلف الذي تباهى به الخلف فقال :

٢٤٦

[الكامل]

يرتاح للحسن المجيد بصرفه

حسن القرض إلى محاسن وصفه

فالشعر حلي يستطاب بصوغه

للطيب الأخلاق عاطر عرفه (٣٠)

فاصرف إلى الحسن الخليفة وجهه

من كفّ أذى الزّمان وصرفه

وأنام أجفان الرّعية في ظلا

ل العدل آمنة تيقظ طرفه

عصماء عقد الملك بيت قصيده

إنسان عين المجد ، ما رن أنفه (٣١)

ما حلّ ساحة عرضه دنس ومن

يحلل بساحته النوائب يكفه

فالليث يذهل في حماسة قلبه

والغيث يخجل من سماحة كفه

يلقاك في عزّ المهابة والوقا

ربخلقه المنسى النسيم بلطفه

فيذمّ نعت الأزهرين لنعته

ويشمّ عطف الوالدين بعطفه

فطن ينال برفقه متوحّدا

ما ليس يبلغه الخميس بعطفه

ما تبغ من نائي المطالب يدنه

أو تشك من داء المعاطب ينفه

__________________

(٣٠) عرفه : رائحته الطيبة.

(٣١) مارن أنفه : مالان منها

٢٤٧

أو ترج من باهي المبرّة يوته

أو تخش من داهي المعرّة يكفه (٣٢)

بل لا يريم على المحامد عاكفا

أنى ترمه مع المحامد تلفه (٣٣)

من ضئضئ النّسب الشريف وفرعه

وخلاصة الحسب الكريم وصرفه (٣٤)

يا بن الإمام المرتضى المهدي قد

شيّدت شامخ فخره من خلفه

ما سنّ من أثر جميل في العلى

أو سنه أسلافه لم تعفه

جدّدت مفخرة الجدود وزدتها

حرصا على تلد الفخار وطرفه

لك درّ في المهد الحجا فرضعت ما

لم يرتضعه خليفة من خلفه (٣٥)

وإذا رحيق المكرمات أدير في

أندائها ، كنت الجدير برشفه

قطفت يداك الغضّ من زهراتها

إذ عزّ كلّ يد تناول قطفه

ترعى نواظرك الرعية رعي من

في عدله عدم الننظير وثقفه

__________________

(٣٢) المعرة : الفقر.

(٣٣) لا يريم : لا يبرح

(٣٤) ضئضئ : أصل ، معدن

(٣٥) الهدى : الحجا ، من ورقة خاصة.

٢٤٨

لله مجلسك المبارك واقفا

للشعب في أقصى مصالح وقفه

صفّيته من كلّ شائبة وما

أوقفت غير المصطفين بصفّه

وسننته للوقف شورى رغبة

في سنّة السلف السّنيّ وعرفه

فليهنك السّعد الذي يبقى لك

التاريخ مدحته بصفحة صحفه

واقرر وطب نفسا وعينا بارتقا

ء وليّ عهدك في حجاه وظرفه

بك يأتسى ، ومن ائتسى بك في المكا

رم تهده النّهج القويم وتقفه

تلك السيادة لم تزل من والد

لإبن وهذا الوصف لم استوفه

الأعيان الذين ألقوا خطبا في المجلس في مقتضى الحال

ثم قام الفقيه السيد محمد بن عبد القادر بن موسى ، وألقى خطبة حسنة أجاد فيها وأفاد ، وأطال وأطنب فيما يقتضيه المقام في أحكام الأوقاف ، خصوصا في المغرب ، وبدء أمرها الإسلامي ، إلى أن ذكر ما تدعو إليه الحاجة بما يناسب الحال الواقع وبالغ في وصفه بأحسن عبارة ، لله دره.

ثم قام وزير العدالة سيد محمد بن التهامي فلالي (٣٦) ، وألقى خطبة فيما يناسب

__________________

(٣٦) محمد أفيلال : كان وزيرا للعدل في الحكومة الخليفية ، عالم جليل وأديب بارع ، خلف عدة مرلفات ومذكرات منها : تنبيه الأكياس للاقتصاد في المآتم والأعراس وكتاب الالمام بالشعر وأدواره ولمحة من تاريخه وأخباره وغيرهما. الحركة العلمية والثقافية بتطوان ج ٢ ص ٥٦٣

٢٤٩

الحال ، حسنة مختصرة.

ثم قام الوزير الصدر الأعظم سيدي أحمد الغنيمي ، وألقى خطبة وجيزة في مقتصى الحال ، جيدة.

ثم قام المقيم العام ، وألقى خطبة حسناء ، مؤذنة باعتناء دولة إسبانيا الجديدة بأمور المسلمين ، وبشدة التعاضد الواقع بينهم وبين الشعب المغربي ، ومساعدة رئيس الدولة الأعلى أماني الشعب المغربي.

ثم قام مولانا الخليفة ، وألقى خطبة فريدة في المعنى أيضا ، وشكر للدولة ما ساعدت به من استقلال أمر الأوقاف ، وأن ذلك يشعر بالموافقة على ما هو أعظم ، وأبدع فيها وأحسن ، مع الإيجاز الوافي بالمطلوب مما يقتضيه الحال والمقام في الموضوع ، لله أبوه ، لا فضّ فوه.

قيام أهل المجلس إلى المأدبة التي أعدها لهم الخليفة بعد انقضاء المجلس

وهذه الخطب أغنانا نشرها في الجرائد عن الإتيان بنصوصها ، فتلقى أهل المجلس جميع ما ذكر بالاستحسان والقبول والفرح والتصفيق ، وسرّوا به غاية السرور ، ولبسوا حلة الابتهاج والحبور ، ثم قام الجميع إلى دار حاجب الخليفة لمأدبة أعدها لهم مولانا الخليفة هناك ، فدخلنا عند الحاجب ، فأحضر من ملاذ الطعام والشراب وآلات الطرب والأفراح ما حصل به للكل غاية الانبساط والانشراح ، فأشتركنا الدعاء مع الجماعة ، وتوادعنا ، ثم رجعنا صحبة سيادة الشيخ أعزه الله إلى محلنا في دار الضيافة.

وبالغد ، يوم الخميس السابع عشر من المحرم ، دعانا الباشا السيد محمد فاضل ابن القائد إدريس إلى داره ، فسرنا إليه مع سيادة الشيخ مربيه ربه ، في سائر وفده ، وبالغ في الإكرام والإجمال والإحسان والإجلال ، جزي خيرا

زيارة بعض أعيان تطوان لسيادة الشيخ مربيه ربه

فلما رجعنا لمحلنا بدار الضيافة ، زارنا الشيخ المكي الناصري ، والفقيه السيد عمر

٢٥٠

الطنجي إمام المسجد ، وباشا تطوان السيد محمد بن محمد اشعاش ، في بعض رؤساء البلد وكانت تلك عادة رؤساء البلد ، فإنهم دائما يترددون لزيارة سيادة الشيخ أعزّه الله أيامنا بتطوان.

تذكرة في كون الوالد العتيق والشيخ حسن توفيا

في طريق الحج ، وذكر فضيلة من توفي فيها

تذكرة ، دخلت في هذه الأيام أنا وسيدي بوي بن الشيخ حسنّ على الشيخ مربيه ربه ، فأدنانا منه ، وضمنا إليه ، وأظهر لنا من الخصوصية مالا يعبر عنه ، ودعا لنا بما المرجوّ منه تعالى إجابته ، ثم قال أعزّه الله ، هنيئا لوالديكما ، الشيخ حسنّ (٣٧) ، والعتيق بأن توفاهما الله في طريق الحج ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ثلاثة في ضمان الله عزوجل ، رجل خرج إلى مسجد من مساجد الله ، ورجل خرج غازيا في سبيل الله ، ورجل خرج حاجا». ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أيضا ، «خمسة أنا أتكفل لهم بالجنة ، الولد البار لوالديه ، والمرأة المطيعة لزوجها ، ومن مات في طريق مكة ، ومن كان حسن الخلق ، ومن كان مؤذنا في مسجد من مساجد الله احتسابا». ثم قال أعزه الله : وأحمد الله أن حقّق لهما رجاءهما بحجكما أنتما بعدهما ، لأن الولد حسنة من حسنات أبيه ، إلى غير ذلك مما قابلنا به من فضله وإحسانه ، جزاه الله عنا بأحسن جزائه.

قال جامع هذه الرحلة ما العينين بن العتيق ما ذكره الشيخ أعزه الله من وفاة الوالدين الشيخ حسنّ والعتيق ، في طريق الحج وقع لكل منهما بمدينة فاس بعد أن وصلها بقصد الحج.

__________________

(٣٧) الشيخ حسنّ ، هو الشيخ محمد الحسن الملقب الشيخ حسن ، ولد سنة ١٢٨٣ ه‍ صدره والده الشيخ ماء العينين لتيريس وأدرار للتربية والتدريس والنهوض بأمور الجهاد ، لما توفي والده سنة ١٩١٠ رحل إلى فاس ، فاستقر بزاويته هناك إلى أن توفي سنة ١٣٣٣ ه‍ ١٩١٤ م.

ـ أنظر ترجمته في : سحر البيان ، و ١٢٠ ـ ١٢١.

٢٥١

مطلب تاريخ سفر الشيخ حسّن بنية

الحج إلى فاس من عند أهله وأين تركهم

فأما الشيخ حسنّ ، فقد سافر عن حضرته ، وكان بيتنا إذ ذاك فيها وفي بوادي درعة من مقابلة قرى طاطا عام ١٣٣٣ ثلاثة وثلاثين ثلاثمائة وألف ، فودّعنا رضي‌الله‌عنه ، وسافر بنية الحج ، وأتى على طريق الجبل إلى مراكش ، فأحسن إليه الجلآويون غاية وأكرموه حتى وصل رئيسهم الحاج التهامي (٣٨) باشا مراكش في مراكش ، ففعل معه من الإجلال ما لا يوصف ، وتكفّل له أن يتولى شؤون حجه هو ومن شاء معه ، وأن يبذل له ما يقوم بمؤن ذلك كله ، فسار بتلك الصفة على تلك العزيمة ، حتى وصل فاس ، فأراد الله أن صادف مجيئه له طروّ الحرب الكبرى التي وقعت في ذلك التاريخ بين الأجانب ، فانسدت طريق الحج.

مطلب تاريخ وفاته رضي‌الله‌عنه بفاس ومحل مدفنه

فتربص رضي‌الله‌عنه بفاس نازلا في زاوية والده شيخنا ماء العينين ينتظر تيسير الطريق حتى مرض وتوفي رضي‌الله‌عنه عاشر شوال عام ١٣٣٤ ، ودفن بزاوية شيخنا الشيخ ماء العينين ، وقبره هناك مشهور يزار ، وتقضى عنده الحوائج ، رضي‌الله‌عنه وأرضاه.

مطلب تاريخ سفر والدنا العتيق بنية الحج إلى فاس من عند أهله وأين تركهم

وأما الوالد العتيق ، فقد سافر عن أهله بحضرة شيخنا الشيخ ماء العينين بالساقية الحمراء عام ١٣٠٩ تسعة وثلاثمائة وألف بقصد الحج ، وأنا إذ ذاك لا أعقل ، لأنه بعد فطامي بقليل ، فلما بلغ فاس ، صادف فيه السلطان مولاي الحسن ، فاعتنى به غاية وأكرمه ، وكان نزوله عند مريد شيخنا الشيخ ماء العينين ، قائد مشور السلطان ، وهو

__________________

(٣٨) التهامي الكلاوي : من الباشوات الذين تواطؤوا مع الستعمر ، توفي سنة ١٩٥٦ ، انظر حوله : معلمة المغرب ، ٢ ، ٦١٨ ـ ٦٢١.

٢٥٢

القائد إدريس بن يعيش.

كتابه إلى السلطان المولى الحسن والقصيدة التي أودعها في

مدحه واستدعائه إلى إسعافه بما قدم له من أمر الحج

وقد ظفرت بكتاب له رحمه‌الله بخط يده ، وكتبه للسلطان مولاي الحسن وأودعه قصيدة من إنشائه في مدحه ، يستدعي إسعافه بأمر الحج الذي قدم لأجله ، ونص كتابه ، رضي‌الله‌عنه ها هو : «بسم الله الرحمان الرحيم ، وصلى الله على النبي الكريم ، الحمد لله وحده ، الحمد لله الذي خلق بعض عبيده لحوائج الأنام ، وقوّى بهم في أقطار البلاد الإسلام ، وألهمهم الشكر على ذلك أحسن الإلهام ، فصرفوا في وجهه ما أسدى لهم من الإنعام ، والسلامان على من ختم به الرسل الكرام ، وعلى آله وأصحابه بدور الظلام ، ونصر الله مولانا وأيده ، ومد في جميع البلاد يده وأظهر به الحق وحققه ، وأزهق به الباطل ومزّقه ، وأطال حياته في التنعيم وحفظه من كل آفة إلى دخول النعيم ، ولا زالت شمس عدله مشرقة ، والعظماء من إجلاله مطرقة ، وبعد فإليه من الكاتب ، سلام أعلى من المشتري والكاتب ، سلام لا يخطر مثله على الأفهام ، ولا تخطه في المهارق الأقلام ، ورحمة وتحية ، كسيرته الزكية ، موجبه ، ليكن في كريم علمكم أني قدمت أنا وأخ لي إليكم ، نريد أن يتفضل الله علينا بالحج في هذا العام ، وزيارة الرسول عليه الصلاة والسلام ، وقد علمنا أن الوقت ضاق ، لكن يعمى عن ذلك المشتاق ، وقد كنتم الوسيلة إلى ذلك ، والمعينين على كل ما نالك ، فتوكلنا على الملك القهار ، وألقينا لديكم عصا التسيار ، ولا سبب لنا إلى ما نؤمله إلا أن تفعل بنا ما أنت أهله ، والله يجزيك عنا وعن جميع المسلمين بأحسن ما تجازي به أمراء المومنين ، ثم إني أتوجه إليك بجدك صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأن تدعو الله لي بتيسير ما أبديته وما هو مكثتم ، وأن تدعو لي بكمال العبودية ، ومشاهدة كمال الرّبوية ، وأن لا تخزجني أبدا من همتك ، وليكن في كريم علمك أنني من أهل وصيتك ، والسلام كما بدأ يعود ، ما عبد عابد للمعبود ، وقد جعلت هديتي شيئا من الشعر ، سمحت به قريحتي ، وإنه في حقكم ليسير ، لكن جهد المقّلّ كثير ، والتزمت فيه

٢٥٣

التوشيع (٣٩) ، الذي هو من أنواع البديع ، وجعلت فيه شيئا من الغزل ، وليس ذلك من السفه ولا من الهزل ، بل لقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تمدحوني بخصي الشعر» ، وهو ما ليس فيه غزل ، فقلت وعلى الله توكلت ، وهو حسبي فيما توجهت :

[البسيط]

نئآك لما نأتك العالي الطّرب

وعزّك المطربان اللهو واللعب

أم أنت من حبّها وذكرها دنف

أودى بك المضنيان الحزن والطّرب

لم يبقيا منه إلا عظما أو عصبا

فدى لها الباقيان العظم والعصب

شطّ المزار بها ، فهل يبلّغني

يوما لها المبلغان الوخد والخبب (٤٠)

كم دونها مهمه قفر فريت إلى

من زانه شيمتان العلم والأدب (٤١)

وزانه خصلتان جود أو حسب

يا حبّذا الخصلتان الجود والحسب

أميرنا وأرى الأوصاف توضحه

ما يوضح الموضحان الإسم واللقب

__________________

(٣٩) التوشيع : هو من الوشيعة ، وهي الطريقة في البرد ، وهو أن يأتي المتكلم أو الشاعر باسم مثنى في حشو العجز ، ثم يأتي بعده باسمين مفردين هما عين ذلك المثنى يكون الآخر منهما قافية بيته أو سجعة كلامه كأنهما تفسير لما ثناه ، حسن التوسل إلى صناعة الترسل ، شهاب الدين الحلبي ، ص ٢٧٤ ، دار الرشيد للنشر ١٩٨٠.

(٤٠) شط : بعد.

ـ الوخد : سرعة الخطو في المشي

ـ الخبب : ضرب من العدو مثل الرمل ، ويفيد السرعة ، لسان العرب (خبب)

(٤١) فريت : قطعت.

٢٥٤

من هو ملجأ أهل الأرض يلجئها

لبابه الملجئان الخوف والرّغب

فللضّعيف عطوف منحن أبدا

كأنّه المشفقان أمّه والأب

وفي الحروب إذا نار الوغى اشتعلت

كأنه الحارقان الجمر واللهب

فأطرق الصيد من إجلاله وثنى

رقابها الثانيان القهر والغلب

وفي سما عدله شمس الهدى طلعت

فنارت الجهتان الشّرق والغرب

من استقام على طرف الهدى وبه

استقامت الفرقتان العجم والعرب

يا خير من كان للحاجات أجمعها

يأوي له الواهيان الطّلح والغرب (٤٢)

هذا ومدحك سار السائرات به

الخيل والحمر والبغال والنّجب

مديح صدق وإنّ الصدق متّضح

لا يستوي البينان الحق والكذب (٤٣)

فحقّ لي مدحكم وإن مدحت فما

مقصودي المفتنان الورق والذهب

إذ كم تجود بذين دون ما سبب

إذ يفقد السببان المدح والطّلب

__________________

(٤٢) الغرب : الغريب

ـ الطلح : الإعياء والسقوط من السّفر.

(٤٣) البينان : الضدان

٢٥٥

بل جئت من بعد والخوف في طرقي

ما صدّني المانعان البعد والرّهب

ومقصدي أنتم والحج يا سببه

وحبّذا المقصدان الحجّ والسّبب

صلّى الإله على المختار جدّك ما

يقضي به المطلبان الفوز والأرب

والكاتب عبيد ربه محمد الملقب بالعتيق بن محمد فاضل ، حفيد شيخنا الشيخ محمد فاضل بن مامين وابن أخته وابن عم محبيك شيخنا ماء العينين وأخيه شيخنا سعد أبيه ، ومريدهما ، والسلام. وإن عثرتم على خطإ أو سوء أدب ، فاعفوا واصفحوا ، والله يحب المحسنين ، انتهى من خطه رضي‌الله‌عنه.

مطلب تاريخ وفاة الوالد رضي‌الله‌عنه بفاس ومحل مدفنه

فقابله السلطان مولاي الحسن بما لا مزيد عليه من الإكبار والإعظام ، والمبرة والإكرام ، ونفذ له كل ما تدعو له الحاجة من مؤن الحج ولوازمه ، فلما تهيأ للخروج إليه من فاس ، أصابه مرض الجدري ، فتوفي بسببه ، رضي‌الله‌عنه ، ودفن بزاوية الولي الشهير ، الشيخ عبد القادر الجيلاني عام ١٣١٠ ه‍. عشرة وثلاثمائة وألف. قال شيخنا الشيخ النعمة (٤٤) بن شيخنا الشيخ ماء العينين في كتابه «الأبحر المعينية في

__________________

(٤٤) الشيخ النعمة : هو محمد الغيث النعمة ولد عام ١٣٠٠ ه‍ ١٨٨٢ م ، من علماء الصحراء ، وأدبائها البارزين .. بعد وفاة والده الشيخ ماء العينين اشتغل بالتدريس بسوس ، وظل بها إلى أن توفي سنة ١٣٣٩ ـ ١٩٢٠ م. فدفن إلى جانب أخيه الشيخ أحمد الهيبة. خلف عدة أعمال أدبية وعلمية ، منها كتاب الأبحر المعينية ، ديوان في ما مدح به الشيخ ماء العينين ، يقع في جزئين ، الأول حققه د أحمد مفدي تحت إشراف الدكتور عباس الجراري بفاس سنة ١٩٧٦ وهو مرقون ، والثاني ، حققه المداح محمد المختار تحت إشرلف الدكتور محمد بنشريفة بالرباط سنة ١٩٩٥ ، وهو مرقون أيضا.

٢٥٦

المدائح المعينية» (٤٥) في آخر ترجمته للوالد المذكور ـ رحمه‌الله ـ ما نصه : «توفي عام عشرة بعد ثلاثمائة وألف بمدينة فاس ، قاصدا للحج ـ رضي‌الله‌عنه ـ ، وحضر جنازته السلطان مولاي الحسن وأعيان الدولة والقضاة والعلماء ، ودفن بزاوية الشيخ عبد القادر الجيلاني ، وقبره معروف يزار ، وقد زرناه مع شيخنا لما قدم على السلطان مولاي عبد العزيز بفاس عام عشرين بعد ثلاثمائة وألف» (٤٦).

مطلب تاريخ وفاة الوالد رضي‌الله‌عنه بفاس ومحل مدفنه

فقابله السلطان مولاي الحسن بما لا مزيد عليه من الإكبار والإعظام ، والمبرة والإكرام ، ونفذ له كل ما تدعو له الحاجة من مؤن الحج ولوازمه ، فلما تهيأ للخروج إليه من فاس ، أصابه مرض الجدري ، فتوفي بسببه ، رضي‌الله‌عنه ، ودفن بزاوية الولي الشهير ، الشيخ عبد القادر الجيلاني عام ١٣١٠ ه‍. عشرة وثلاثمائة وألف. قال شيخنا الشيخ النعمة (٤٧) بن شيخنا الشيخ ماء العينين في كتابه «الأبحر المعينية في

__________________

(٤٥) الأبحر المعينية ، ديوان في ما مدح به الشيخ ماء العينين ، يقع في جزئين ، الأول حققه د أحمد مفدي تحت إشراف الدكتور عباس الجراري بفاس سنة ١٩٧٦ وهو مرقون ، والثاني حققه المداح محمد المختار تحت إشراف الدكتور محمد بنشريفة سنة ١٩٩٥ ، وهو مرقون أيضا.

(٤٦) الأبحر المعينية ج ١ ص ٥٣٣ ، تحقيق أحمد مفدي.

(٤٧) الشيخ النعمة : هو محمد الغيث النعمة ولد عام ١٣٠٠ ه‍ ١٨٨٢ م ، من علماء الصحراء ، وأدبائها البارزين .. بعد وفاة والده الشيخ ماء العينين اشتغل بالتدريس بسوس ، وظل بها إلى أن توفي سنة ١٣٣٩ ـ ١٩٢٠ م. فدفن إلى جانب أخيه الشيخ أحمد الهيبة. خلف عدة أعمال أدبية وعلمية ، منها كتاب الأبحر المعينية ، ديوان في ما مدح به الشيخ ماء العينين ، يقع ف جزئين ، الأول حققه د أحمد مفدي تحت إشراف الدكتور عباس الجراري بفاس سنة ١٩٧٦ وهو مرقون ، والثاني ، حققه المداح محمد المختار تحت إشراف الدكتور محمد بنشريفة بالرباط سنة ١٩٩٥ ، وهو مرقون أيضا.

٢٥٧

المدائح المعينية» (٤٨) في آخر ترجمته للوالد المذكور ـ رحمه‌الله ـ ما نصه : «توفي عام عشرة بعد ثلاثمائة وألف بمدينة فاس ، قاصدا للحج ـ رضي‌الله‌عنه ـ ، وحضر جنازته السلطان مولاي الحسن وأعيان الدولة والقضاة والعلماء ، ودفن بزاوية الشيخ عبد القادر الجيلاني ، وقبره معروف يزار ، وقد زرناه مع شيخنا لما قدم على السلطان مولاي عبد العزيز بفاس عام عشرين بعد ثلاثمائة وألف» (٤٩).

مطلب ذكر السيد محمد بن جعفر الكتاني لوالدنا المرحوم

بالله في تأليفه «سلوة الأنفاس بمن أقبر من العلماء والصلحاء بفاس»

وذكره أيضا العلامة الشريف ، السيد محمد بن جعفر الكتاني (٥٠) في تأليفه المسمى سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس بمن أقبر من العلماء والصلحاء بفاس» ، فقال فيه ما نصه «ومن أهل فاس الجديد ، الفقيه الشريف المنيف ، ذو الأدب الظاهر ، والنسك الباهر ، أبو عبد الله سيدي محمد ، المدعو العتيق بن محمد فاضل الشنجيطي ، الحوضي منشئا ، المتوطن الساقية الحمراء ، كان رحمه‌الله ذا أدب وفقه ، ومشاركة في بعض العلوم ، صواما ، قواما ذاكرا ، خاشعا ، أخذ العلم وغيره من الأدعية والأوراد عن شيخه وخاله ، الشيخ الشهير ، القدوة الكبير ، من ظهر في هذا

__________________

(٤٨) الأبحر المعينية ، ديوان في ما مدح به الشيخ ماء العينين ، يقع في جزئين ، الأول حققه د أحمد مفدي تحت إشراف الدكتور عباس الجراري بفاس سنة ١٩٧٦ وهو مرقون ، والثاني حققه المداح محمد المختار تحت إشراف الدكتور محمد بنشريفة سنة ١٩٩٥ ، وهو مرقون أيضا.

(٤٩) الأبحر المعينية ج ١ ص ٥٣٣ ، تحقيق أحمد مفدي.

(٥٠) محمد بن جعفر الكتاني ، من علماء المغرب المتميزين ، هاجر إلى المشرق ، واستقر بالمدينة المنورة ، ثم انتقل إلى دمشق ، ثم عاد إلى فاس ، توفي سنة ١٣٤٥ ، ودفن بروضة أسلافه خارج باب الفتح ، خلف عدة أعمال علمية منها : «سلوة الأنفاس» و «الأزهار العاطرة الأنفاس بذكر محاسن قطب المغرب وتاج مدينة فاس» و «نظم المتناثر من الحديث المتواتر» وغيرها ، أنظر ترجمته في : معجم الشيوخ لعبد الحفيظ الفاسي ، ج ١ ص ٧٧.

٢٥٨

الوقت ظهور شمس الظهيرة ، وانتشرت أياديه انتشار الكواكب المنيرة ، العلامة المشارك ، الذي لا يدركه في علومه وأهل عصره متدارك ، ذي التآليف الكثيرة ، والكرامات العديدة الكبيرة ، أبي عبد الله سيدي محمد مصطفى مء العينين ابن الشيخ محمد فاضل بن مامين ، الشريف الحسني الإدريسي ، الشنجيطي ـ متع الله بوجوده وأفاض على البسيطة فيض مدده وجوده آمين ، وبه تربى وتأدب وتخلق وتهذب ، ثم إنه قدم لهذه الحضرة السعيدة دعاه إليها داعي المنون ، فأصيب بالجدري وتوفي به وذلك بفاس الجديد في عام عشرة وثلاثمائة وألف ، وكان له هناك جنازة عظيمة حفيلة ، حضرها أعيان الحضرة السلطانية ، فمن دونهم ، ودفن بالزاوية المنسوبة للشيخ الأكبر والغوث الأشهر ، سلطان الأولياء ، وقطب دائرة الأصفياء ، محيي الدين وتقي الدين أبي محمد سيدي عبد القادر الجيلاني بن أبي صالح موسى» (٥١)

تاريخ سفر صاحب الرحلة لزيارة قبري والده والشيخ حسن بفاس

وقد كنت دائما معلق البال بزيارة قبره ـ رضي‌الله‌عنه ـ فلم تساعدني الأيام ، لكثرة الموانع والعوائق الوقتية إلى عام ١٣٥٦ ه‍. ستة وخمسين بعد ثلاثمائة وألف ، سافرت من عند الأهل بنواحي طاطا بقصد زيارته وزيارة قبر شيخنا الشيخ حسنّ ، فدخلت فاس أواخر ربيع النبوي من العام المذكور ، ولبثت فيه عشرة أيام ، أتردد إلى زيارتهما ـ لله الحمد ـ كل ساعة ، نرجوه تعالى أن يجعلهما في أعلى الفراديس ، وأن يرزقهما رضاه الأكبر ، ويتقبل منهما ، وأن يتقبل منا ، ويغفر لنا ويصلح أحوالنا ومئالنا بجاههما ، وجاه جدهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والحمد لله على ما أولانا من فضله.

__________________

(٥١) سلوة الأنفاس ، ج. ٣ ص ٣٥٦.

٢٥٩

مطلب اجتماع جامع الرحلة بالسلطان سيدي محمد بن المولى يوسف

ليلة عيد المولد الشريف بالرباط وذكر القصيدة التي أنشأها حينئذ في

مدحه وتهنئته بالعيد النبوي

وفي ذهابي لزيارتهما ـ رضي‌الله‌عنهما ـ أدركني عيد المولد الشريف بالرباط في دار حاجب السلطان ، مولانا سيدي محمد بن مولانا يوسف ، وهو الفقيه الصوفي السيد محمد الحسن (٥٢) بن القائد ادريس بنعيش ، أخو قائد المشور بتطوان السيد محمد المصطفى ومحمد فاضل المتقدم ذكرهما ، فلما صلينا المغرب في دار الحاجب المذكور ليلة المولد الشريف ، استدعانا إلى دار المخزن للاجتماع بالسلطان فسرنا معه ، فاجتمعنا بجلالة مولانا السلطان سيدي محمد في مسجده الخاص بدار المخزن ، فاجتمع عنده تلك الليلة كثير من العلماء والأدباء والشعراء ، حتى غص المسجد بهم ، والسلطان جالس بينهم كأحدهم لم يتميز بعلامة من أبهة الملك عنهم ، وباتوا مشتغلين في إنشاد المدائح النبوية ، بالأنغام الحسنة والألحان المطربة ، ومما ختموا منها قصيدتي البوصيري الميمية والهمزية الشهيرتين ، وقصيدة كعب بن زهير رضي‌الله‌عنه الشهيرة في مدحه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلما كان قبل طلوع الفجر بقليل ، ختموا المجلس بقصائد من إنشاء بعض تلك الأجلة ، في مديح مولانا السلطان ، وتهنئته بعيد المولد

__________________

(٥٢) محمد الحسن بنعيش : ولد بمكناس الزيتون في أول القرن الرابع عشر الهجري الموافق لسنة ١٨٨٦ م. درس القرآن مع إخوته على يد السيد بنشمسي ، وأمهات الكتب على يد الفقيه المنوني ، ثم انتقل إلى القرويين ، فدرس على العلامة الفضيلي وبنسودة ، وغيرهم ، عين عونا لأبيه سنة ١٩٠٤ ، وقام بالرحلة المشهورة إلى السمارة نيابة عن أبيه ، ثم خليفة لأخيه المصطفى في عهد السلطان مولاي عبد الحفيظ ، ثم قائدا للمشور ، بعد أن عين أخوه باشا على تطوان سنة ١٩١٠ ، وظل يمارس هذه المهمة طيلة عهد السلطان مولاي يوسف إلى أن عينه السلطان محمد الخامس حاجبا لجلالته يوم ١٨ نونبر ١٩٢٧ ، ثم حاجبا لجلالة الملك الحسن الثاني ، وبقي في منصبه إلى أن توفي بمدينة الرباط سنة ١٩٦٥.

معلومات زودني بها مشكورا السيد علي بنعيش.

٢٦٠