الرحلة المعينيّة

ماء العينين بن العتيق

الرحلة المعينيّة

المؤلف:

ماء العينين بن العتيق


المحقق: محمّد الظريف
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: المؤسسة العربيّة للدراسات والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 9953-36-634-9
الصفحات: ٣٩٥

فسيحا معي في روضه واسرحابه

ولا تبرحا ما اسطعمتا برحابه

فمن لي بكنه المستقى بسحابه

(ومن لي بمستوف ثناء صحابه

نجوم الدّياجي صفوة البدو والحضر)

ولاة هداة ما استميلوا بزخرف

ولا مشتكي للّذين إلا بهم شفي

وما منهم إلا وبالمصطفى اصطفى

(وباعوا نفوسا بعد أن بايعوه في

رضى الله ، لابيع احتكار ولا غرر)

فمن كأبي بكر إمام طريقه

خليفته سحم المحيّا حليقه (٥٧)

مرافقه في المنزلين ، صديقه

(أروني ، أروني كالعتيق رفيقه (٥٨)

وإلّا أروني مثل سيّدنا عمر)

أروني كالفاروق ، مبهج دهره

بمنهاجه الجاري على متن ظهره

ومردي العدى عنه بسلطان قهره

(وإلا أروني مثل عثمان صهره

ومثل أبي السّبطين حيدرة الزّفر) (٥٩)

__________________

(٥٧) سحم : السحم ، السواد ، لسان العرب (سحم)

(٥٨) العتيق : اسم أبي بكر الصديق (ض) ، سمي بذلك لأن الله تبارك وتعالى اعتقه من النار.

(٥٩) حيدرة : اسم علي بن أبي طالب.

ـ الزفر : البحر.

٢٠١

فذلك ذو النورين من فاز في الألى

تحلو بما للسبق بالخير من حلى

وذاك عليّ هل مسام علاه لا

هو المهجر الأسمى ومنتخب العلى

وفتّاح أشكال إذا حارت المرر) (٦٠)

وحيث التظى جمر الوغى وتسعّرا

وكادت لها الأكباد أن تتفطّرا

وضاق على الأقران متسع الذرى

(تصير هباء عنده أسد الشّرى

وما تلبث المرآة أن لاقت الصخر)

هم الخلفاء الرّاشدون هل امتروا

حشاهم ، أروني هل ترون ولن تروا

شبيه اولاء الرّاشدين وما اقتنوا

وطلحة أو شبه الزّبير وسعد أو

سعيد ومن حاكى ابن عوف وما ادّخر)

ته التّسعة السّادات بشّرها النبي

فطوبى ، فكم أجر تلقّوه مجنب (٦١)

فمن يبغ شبه التّسعة الدّهر يدءب

(وشبه أمين الأمة المرتضى أبي

عبيدة ختم المسك للسادة النّضّر)

هم عشرة ، غر ، سراة ، أعزّة

تلابسهم عند المكارم هزّة

__________________

(٦٠) المرر : ج ، مرة ، الرأي وأصالة العقل.

(٦١) مجنب : كثير ، لسان العرب (جنب).

٢٠٢

فهل عزّهم بالله تحكيه عزّة

وهل أسد الله الغضنفر حمزة

له من يضاهي من ربيعة أو مضر) (٦٢)

فتى المجد ، عمّ المصطفى عضب ضربه

إذا زلّت الأقدام ، مقدام حربه

فهل يشبه العمّ الشهيد بجنبه

(أو الأنجب الأسمى أبو الفضل من به

أبو حفص يستسقي فينسكب المطر) (٦٣)

كلا عمّي الهادي به الدّين أيدا

وصين به حصن اليقين وشيّدّا

فما الفضل إلا حيث هذان قيّدا

(أو الحسنان الهاشميان سيّدا

شباب جنان الخلد نادرتا السّمر)

من الفخر حلّا كلّ وهد وعدوة

بأشرف بيت ضمّه صدر ندوة

فلذ بهما في كلّ ممسى وغدوة

(فكم أنجبا من قدوة بعد قدوة

وكم من نجيب فاق منهم وقد مهر)

سماة على عجم السّموّ وعربه

بقرب البنيّ المعنويّ وقربه

فكم منهم حام حماه بذبّه

(وكم منهم في الكون قطب بربّه

تصرّف أو غوث تصرّف أو ظهر)

__________________

(٦٢) يضاهي : مضاه ، في المعسول.

(٦٣) يستسقي : استسقى ، في المعسول.

٢٠٣

فنعم بنو الزّهراء من نصّ أنّهم

بنوا صلبه الماحي ، ويا نعم من هم

صحابته المرضيّ في الله عنهم

(ومن هاجروا الأوطان والإلف منهم

ولم يثنهم خوف ، ولم يثنهم حذر)

نضوا في رضا الله الحسام المهنّدا

وذا دوا عن الدّين المريد المفنّدا (٦٤)

أساة النّهى إن للهدى مسّهنّ دا

(عيون العلى تيجانها أبحر النّدى

ليوث الوغى نور الظلام إذا احتضر

تناوير زهر الكون أعلام بيده

سواد مئاقيه تقاصير جيده

مقيموا سبيل الحقّ ، محيوا وئيده

فذاك فتى النّادي وبيت قصيده

وخنصره الأسمى المطاع كما أمر).

وذاك له خمر الشّهود مخامر

وذلك بالمعروف قاض وآمر

وهذا عن الفحشاء ناه وزاجر

(وذا عن تليد المال منهم مهاجر)

وطارفه البيض والكوم والحير) (٦٥)

فما اصطحبوا غير القنا السّمهريّة

وغير صماصيم الظّبا المضرية

__________________

(٦٤) المريد : الشيطان.

(٦٥) الحير : الكثير من المال والأهل.

٢٠٤

فكم رفضوا من روضة خضرية

(وكم غادروا من غادة قمريّة

تباهي ضياء الزّبرقان إذا بدر) (٦٦)

هم السّابقون الأوّلون فما قصا

مداهم يدانيه مبار وإن قصا

فمنهم توارى البطل والحقّ حصحصا

(مآثرهم لا تنقضي أو للحصى

عديد وموج البحر عدّ إذا زخر؟)

ونعم الحماة الموثرون تحمّلا

أولي الهجرة الفضلى عليهم تفضّلا

معادوا عدى المختار مردا وأكهلا

(وأنصاره أكرم بأنصاره الألى

بهم عزّ دين الله واعتزّ وانتشر) (٦٧)

فلله ما أعلى وأبهى شموسهم

واشهر في نادي الأشاوس شوسهم (٦٨)

وأقصر عن داعي المزايا جلوسهم

(لقد بذلوا أموالهم ونفوسهم

وآووا رسول الله في العسر واليسر)

قفاة النبيّ المقتفى وجنوده

إذا نشرت أعلامه وبنوده

فسادوا بمن ما في الورى من يسوده

(أولئك أبطال الوغى وأسوده

__________________

(٦٦) الزبرقان : البدر.

(٦٧) واعتز : وامتد ، في المعسول

(٦٨) شوسهم : رفعتهم ، لسان العرب (شوس)

٢٠٥

إذا اصفرّت الأساد وانتفخ السحر)

يشوقهم كالشّوق للظّلم في اللّما

لموح المواضي إذ دجى النّقع أظلما

وعاد خطيب القوم للهول أبكما

(وهزّ الرّماح السّمر يطربهم كما

يطيرون عقبانا إلى رنّة الوتر)

بتفضيل جمع الصّحبة انعقد

من الامّة الإجماع حتما ليعتقد

فجمع يوازي منهم الفرد مفتقد

وفرد جميع الصّحب جمع وعنه قد

تقاصر أهل المجد في الطّل والقصر)

هنيئا لمن أروى حشاه وقلبه

هواهم كما يروى الخدلّج قلبه

ومن لهم في الله أخلص حبّه

(فيا خاتم الرّسل الكرام وصحبه

أضفت لكم نفسي وإنّي على خطر)

فما أنا إلا خديمكم ولن

أزال ، وإن غيّرت في السّرّ والعلن

مضافا إلى مغربي ضميركم الزّمن

(فلا تجعلوا بين المضاف وبين من

يضاف له فضلا ولو زلّ أو عثر

ليذهب تنكير المضاف معرّفا

بمن كان من كلّ المعارف اعرفا

وكونوا عليه من آخى وأعطفا

(وحاشاكم أن تجعلوه ولو هفا

كغالب ما يأتي للولا من الخبر)

٢٠٦

ولي فليكن من موجب الخفض مانع

لأن بكم في مبتدا الفضل رافع

ولا يك عن إتباع وصفي قاطع

(ومن شرف المتبوع يشرف تابع

ومن جالسه العطار طيّبه العطر)

ويا سائر الأصحاب درعي وشلّتي

ومن لم ينو عن هجرتيهم لأكّة (٦٩)

ومن نصروا رغم العداة المدكّة

(ويا أهل بدر والبقيع ومكّة

ومن بايعوا طّه بمفردة الشّجر)

ويا معشر الأملاك أعوان حزبه

ومن بكم يحمى السمّاء بشهبه

ومن خصّه منكم تعالى بقربه

(فإنّا توسّلنا بكم للذي به

توسّلنا لله في نيلنا الوطر)

وسيلتنا العظمى ، حظيرة سعدنا

مشفّعنا المحمود ، منجز وعدنا

مؤملنا المبرور مصباح رشدنا

(محمّدنا المختار ، كعبة قصدنا

مقضي الّلبانات الملاذ من الغير)

ألا يا شفيع المذنبين تكفّلا

يا من له تعنو الوجوه تدلّلا

ويا موسع العافي جدى وتذلّلا

(أناشدك الله الكريم تفضّلا

__________________

(٦٩) أكة : شدة ، لسان العرب (أكك).

٢٠٧

فمنّ علينا بالمراد وبالظّفر)

ومنك أقم بالقسط في الفضل وزننا

وأذهب وأبدل بالمسّرات حزننا

ووال وواصل بالسّعادة يمننا

(وكن حصننا من كلّ خوف ، وأمننا

ومعقلنا ، أنت المؤمّل والوزر)

وآمّن واحم واحفظ وانصر وعمّرن

وحط كلّنا ، وامح الخطايا وكفّرن

وفينا ينابيع الهداية فجّرن

(وفلّ ، وشتّت ، صدّ واهزم ودمّرن

أعادينا ، لا تبق منهم ولا تذر)

وقلّل سراياهم ، وأضرم شذاهم

وكثّر سباياهم ، وأخمد جذاهم

ولا تقذ منّا مقلة بقذاهم

(وضنّ بنا عن ضرّهم وأذاهم

فلا بوس نلقى من عدانا ولا ضرر)

وإنّي لك الّهمّ مبسوطة يدي

ومستشفع باسم الجلال المحمّد

وأسمائك الحسنى لتقضي مقصدي

(وأنشدك اللهمّ بالنّور أحمد

فأجر وحرّك بالمراد لنا القدر)

ونوّر بذا النّور المنير سراجنا

بصائرنا واجلو انطماس انبلاجنا

وفينا غدا شفّعه قبل انزعاجنا

(ومر لي إلهي بالقضاء لحاجنا

بلا مهلة كالبرق والّلمح للبصر)

٢٠٨

وأظهر به فضلا على الكون فضلنا

وشمل العدى بدّد ، بجمعك شملنا

فإنا حططنا عند بابك رحلنا

وإنّا غلبنا غالب فانتصر لنا

أيا غالب الغلاب يا خير من نصر)

وأحي علي وفق الهدى كلّ شرعة

بنا وبنا أيّا أمت كلّ بدعة

ومزّق بنا الأعداء في كلّ بقعة

(وعن بيضة الإسلام فرّج بسرعة

ونسبتنا واكشف عن الأمّة الضّرر)

وتدي الأيادي كن عليّ مدرّها

ونعماك شكرا أولني مستمرّها

أيا واهب الالآء لي ومقرّها

(أدم نضرة الدنيا عليّ وبرّها

وخيراتها والعزّ والنّصر والبشر)

وهب لي فتحا بالسّعادة موذنا

وجزما به أحيى بوعدك موقنا

ونصب صراط بالهدى منك معلنا

(وخفضا لعيش العمر في منتهى الغنى

بأحكام رفع القدر لا أدوات جر)

وروّح بك اللهمّ روحي والبدن

ولا تطبني عنك البطالة والدّدن (٧٠)

وعنّي تحمّل ما تحمّلت من مؤن

(وأسألك الإسعاد والحظّ لي ، وأن

__________________

(٧٠) الددن : اللهو واللعب ، لسان العرب (ددا).

٢٠٩

تديم عليّ السّعد والحفظ والفجر) (٧١)

وأرجوك أن أحظى بيسر مشفّع

بعمر طويل في رضاك مقطّع

وتقطع إلا فيكبالفضل مطمعي

(وتثبتني عند النّزوع وكن معي

وعند مماتي والتّوجّه للحفر)

وتبّث يقيني ، ثمّ لا ألق دهشة

وزدني سرورا باللّقاء وبشّة

ولا أخش من أجناد بطشك بطشة

(ولا أرى في قبري مضيقا ووحشة

وفي الحشر لا ألقى وما بعده ضجر)

إلى أن أرى لي مقعد الصّدق مقعدا

مع المتّقين الغرّ عندك مسعدا

بقربي إمام المرسلين محمّدا

(وتنزلني أعلى الجنان مخلّدا

وآكد حاجاتي إلى وجهك النظر)

وحقّ نجاحي مذ إلى بارئ الورى

تشفعت بالمختار أكمل من رى

وبالصّحب في إتمام قصدي ميسّرا

وصلى على النور المقدّس من سرى

به ليلة الإسرا على منتهى السّدر)

وشرّف معراج السّماء ببدره

وأودع سرّ الكائنات بصدره

__________________

(٧١) الفجر : محركا ، الكرم ، العطاء ، المال الكثير ، نفس المصدر.

٢١٠

وصيّر مجلى الذّات مرآة درّه

(وكلّمه فردا مشرّف قدره

وما زاغ منه أو طغى ثمّة البصر)

ولا زال مسمي أفضليّته على

سماة العلى فهو المحيط بما علا

يعوّده ما اعتادت الغزلة الفلا

(صلاة سمت فضلا على غيرها فلا

يحيطه وهم لا ولا ألسن الفكر)

وعظّم تعظيما تخرّ له القنن

وكرّم تكريما تضاعفه المنن

مكانته ما رنّحت شمأل فنن

(وسلّم تسليما عليه يجلّ (٧٢)_)

مساومة الإحصاء والعدّ والقدر)

والآل الألى ما عن هداه تبرّم

وأمرهم في مسلك الصّدق مبرم

ومن هو بالدّين الحنيفيّ مكرم

(سجيس اللّيالي ما تشوّق مغرم

وما غرّدت ورقاء في مورق الشجر)

والحمد لله الذي أكرمنا بمنه وفضله بحج بيته المحرم ، وزيارة قبر نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم المعظم ، حتى أنشدنا هذا التخميس بالحرم النبوي وغيره من المدائح النبوية كقصيدتنا الدالية المتقدم ذكرها في أوائل هذه الرحلة وكقصائدنا الثمانية والعشرين المسماة «مطالع الأنوار في مدائح المختار» التي ذكرنا صفتها في أوائل الرحلة ، وأثبتنا منهن ثلاثا فيها هناك.

__________________

(٧٢) شمأل : الريح التي تهب من ناحية القطب.

فنن : غصن.

٢١١

مطلب كونه صلى‌الله‌عليه‌وسلم يشفع فيمن مدحه ولو ببيت

وقد أكثرنا بحمد الله أيامنا بالمدينة المنورة من إنشاء أمداحه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، تقربا واستجلابا لبركته وشفاعته صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لما ورد في بعض الآثار من أنّ من مدحه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولو ببيت واحد ، كان شفيعا فيه يوم القيامة ، وسواء في ذلك أنشأ البيت أو أنشده ، كما نظمه بعض الأجلة فقال :

[الرجز]

ومادح النبي ببيت كانا

له شفيعا في القيام جانا

وفي الشفاعة استواء من حكى

ومنشئ البيت السجلماسي حكى

ومن أحسن ما أنشد في المدائح النبوية تلك الأيام ، بذلك البلد الحرام ، قصيدة الأستاذ الشيخ مربيه ربه التّائية ، وقصيدة صنوه الشيخ محمد الإمام الهمزية ، فلكتا القصيدتين لا تجارى في مجالها ، ولا تحاكى في منوالها ، لم يكن لهما شبيه في الإجادة وحسن الصناعة ، وتمام البلاغة وكمال البراعة وكيف لا والشيخان الفريدان هما اللذان نظما فرائدهما وزفّا إليه صلى الله عليه خرائدهما :

[الطويل]

فهل ينبت الخطي إلا وشيجه

وتغرس إلا في منابتها النخل (٧٣)

وقد اقتضى النظر إثباتهما في هذه الرحلة لإقرار عين الناظر ، وتنشيف أذن السّامع ، بما اشتملتا عليه من المحاسن والبدائع.

__________________

(٧٣) وشيجه : من الوشيج ، وهو شجر الرماح.

٢١٢

قصيدة في مدحه صلى‌الله‌عليه‌وسلم للشيخ مربيه ربه

فأما مديحية الشيخ مربيه ربه التائية فهي (٧٤) :

[البسيط]

آثار ربع أثارت عند ذكرته

مكامن الشّوق فاشتدت بزورته

حيّاه جود الحيا بديمة سحرا

أروثه لا زال يرويه بديمته (٧٥)

هبّت عليه الصّبا تنصبّ من صبب

لو لا الصّبا ما صبا صبّ لّصبوته

فأومض البرق وهنا فوق كلكه

طورا يمينا وأحيانا بيسرته

بتنا على أنس منه وبات على

أرجائه بين يسراه ويمنته

وأصبح المزن ينهمي بهجهجه

وزمزم الرّعد فيه طول ليلته (٧٦)

ما البرق للرّبع إلا كان مرحمة

يرثيه في ظبيه من بعد فرقته

__________________

(٧٤) توجد نسخة خطية لهذه القصيدة بخط الشاعر بخزانة ولده المرحوم علي ، وقد زودني بها مشكورا ابنه النعمة ماء العينين ، أنظر هذه القصيدة أيضا في : قرة العينين في كرامات الشيخ ماء العينين للشيخ مربيه ربه ، و ٢٨٨.

(٧٥) الحيا : المطر

ـ ديمة : مطر ليس فيه رعد ولا برق ، لسان الرب

(٧٦) هجهجه : شدته.

٢١٣

ظبي أغنّ مصاده الأسود وقد

أو ثقته بفؤادي خوف نفرته

غصن سقايته عيني ومنبته

قلبي ، عجبت لمسقاه ومنبته

نشوان يعثر في مرط الشباب ولم

يرحم مشوقا ولم يقل لعثرته (٧٧)

تحمّل الربع من فقدانه أسفا

ما قد تحمّلت شوقا عند رؤيته

لهيب وجنته بين الضلوع ، ومن

دمعي أخاف على لهيب وجنته

آنست نار الهوى حتى أنست بها

والزّند لم يشك من نيران قدحته

يا وجد شأنك والحجا ودع ومقا

ما غير من زلّ مأخوذ بزلّته

ما لاح برق سوى نور النّبيّ وما

ذيالك الوجد إلا من محبته

أرى حياتي مماتي في محبّته

يا ليتني كنت من أرباب حضرته

أسكنته في جناني وهو جنّته

سقيا نعيم جنا قلبي وجنّته

سقاه راح الهوى صرفا وعلّله

فلم يزل صاحيا في حال سكرته

أصل المكون نوره ومبدأه

والمنتهون تناهوا دون بدأته

__________________

(٧٧) مرط : ثوب من أو صوف وخز أو غيره ، لسان العرب (مرط)

٢١٤

من الملائك إلا أنّه بشر

هو النبيّ وآدم بطينته (٧٨)

محجّة الله ، وهو عين حجّته

وحجّة الله تجري في محجّته

صدر المناصب فصل في قضيّته

غزر المواهب عدل في رعيته

وقدر همّته بقدر منصبه

لأن منصبه كفء لهمّته

تعنو الوجوه لوجهه ووجهته

تهدي أسنّته الاعدا لسنّته

خطّ استواء المعالي شمّ أجبلها

يشفي صدور العوالي بطش حدّته

أحاط بالدّهر علما لم يزل عجبا

يقلّب الدّهر فيه جفن حيرته

ودّ الكواكب أنّها مواكبه

أو بيضه وخطاها دون خطوته

ينهلّ جودا وينهلّ الغمام فذا

تطبّع وهو طبع في خليقته

تودّ هالة بدر التّمّ ناديه

ودارة الشّمس من ضرّات حبوته

لو كان للخضرم الطّامي سماحته

لم يخزن الدرّ عن غوّاص درته

محا نحوس العدا ميمون طائره

وطائر النصر يشدو فوق دوحته

__________________

(٧٨) من الملائك : هو الملائك ، في الأوراق المخطوطة بخط الشاعر.

٢١٥

والقهر والنصر والتأييد عدته

وهل يغالب معتدّ بعدّته

والغيث والليث والأقمار في شرف

في كفّه ولقائه ورؤيته

واليمن والخير والسّرا بيمنته

والبأس والفتك والضرّا بيسرته

والنّصر والقهر يجريان صحبته

فمن مكاتبه أو من كتيبته

والنفع والدّفع غايتان بحرهما

يستنّ بين صلاته وصولته

والحزم والعزم والتمكين أهبته

فلم تقم أهبة يوما لأهبته

والصبر والشّكر والجهاد حرفته

يجري المنى المنايا طبق حرفته

تعلو مهابته رائيه من بعد

وإن دنا كان رقّا في محبّته

يغدو الجبان غضنفرا بعزمته

من قاده أسد يسطو بسطوته

لو يرتمي منه يوم حربه شرر

في اليمّ أصبح نيرانا بلفحته

أو صافح الصخرة الصمّاء إصبعه

في السّلم أمست حريرا من مبرته

صغيرة الدّر لو من خلقه مزجت

بالبحر لا عذوذبت عروق ملحته

هو الحييّ وما للأسد وثبته

إنّ الهزبر حييّ قبل وتبته

٢١٦

أمدّ دولته ، أباد عاديه

مديد أمداده سريع صولته

ما فاته سودد والمجد مقتصر

عليه والعزّ يجري في أعنته

لولاه ما رحمت أمّ بنيّتها

والله أرحم وهو عين رحمته

ما ارتاح قطّ لراحة وراحته

ما بين غدوته لقى وروحته

روح أراويحنا سيف مسامعنا

ممن يفوح الشذا من طيب قصّته (٧٩)

كم شاهدوا من عجيب يشهدون به

في حمله وبروزه ونشأته

فما اعترى أمّه مغص ولا وحم

وأولدته نقيا بعد تسعته

وسرّ مختتنا لله مختتن

من غير موسى تولّى قطع سرته

والأرض قد أشرقت نورا بمولده

وليلة القدر لم تعدل بليلته

يا حبّذا ليلة الاثنين آخرها

والحمل في رجب بليل جمعته

وشبّ شهرا شباب العام إن له

رزقا من الله يجري غير درته

أمست حليمة ملئا ثديها غدق

ولم يكن فيه درّ قبل رضعته

__________________

(٧٩) من طيب : من نشر ، في الأوراق المخطوطة بخط الشاعر

٢١٧

عن كتمه ضاق صدر الغيب كيف له

أن يكتم البدر في أثناء طلعته

مسراه فردا إلى من لا شريك له

يقضي بغير شريك في قضيته

فمفخر العالم العلوي بمطلعه

ومفخر العالم السّفلي بطلعته

أمست تباهج أرضنا السماء به

حتّى تراجع فلتهنأ برجعته

قد ارتقى مرتقى لم يرقه ملك

ولم يحم من رسول حول حومته

ما ثمّ إلا رسول الله منفردا

ومعرج الروح ثمّ عند سدرته

لما توحش أزجى الله صوت أبي

بكر فكان به إيناس وحشته

أوحى إليه الذي أوحاه وافترضت

خمسون خفّفها أثناء عودته

كست سراياه وجه الأرض مفخرة

والعلو تاه علوا عند سريته

فجلّ مرتبة عمن يشاكله

وليس إلا العليّ فوق رتبته

خير النبيئين من بفضله نطقت

كتب النبيئين دهرا قبل بعثته

إن كان آدم صفوة ونوح دعا

حتّى طغا الماء إيجابا لدعوته

وغرّق الله من في الأرض قاطبة

ولم ينجّ سوى من في سفينته

٢١٨

أو كان في الدّين إبراهيم متّبعا

واختصّ منه ببيته وخلّته

أو كان موسى نجيّا مخلصا وله

خوارق والعصا قامت بحجّته

أو كان عيسى بإذن الله يبعثهم

موتى ويدعى بروحه وكلمته

فإنّ طه حبيب الله يبعثهم

موتى ويدعى برحه وكلمته

وأول الخلق خلقا وهو أوّلهم

بعثا وأول جائر بأمته

وفي يديه لواء الحمد يومئذ

والخلق يهمس كلا تحت ظلته

وهو الشفيع الخطيب في مراكزهم

ما فاه ذلق ولم يفه بخطبته (٨٠)

فذالك اليوم يومه وكوثره

يجري المصمّم شهرا في مسيرته

بحافتيه قباب الدر لامعة

والمسك طينته أكرم بطينته

تبارك الله ما أحلى موارده

وليس يظما صاد بعد شربته

لولاه ما خلق الدنيا وخلّقها

ليعرفن أهلها عليا مزيته

__________________

(٨٠) ذلق : فصيح.

٢١٩

وكلّ معجزة للرّسل أوتيها

أوجا بأبلغ منها في نبوّته

وكلهم مستمدّ من زواخره

بقدر أمداده وقدر مدّته

لولاه آدم لم تغفر خطيئته

ونوح لم ينج من طوفان دعوته

والنار لم تك بردا للخليل ولم

يفد الذبيح ألا فاعجب لفديته

والمفتدى هو اسماعيل إنّ له

عندي أسانيد صحّت من أدلته

وما تفلق بحر للكليم وما

أميت فرعون في أعماق لجّته

له الأراضي انزوت من كلّ ناحية

حتى أرته أقاصي ملك أمته

وسبّحت في أكفّه الحصا وحصى

جيشا فأعماهم كل بحصّته

والشمس ردت له من بعد ما غربت

وأحبست لقريش بعد سريته

والماء بين الأصابع الشّريفة في

شتى مواطن مشهود بكثرته

والمزن هلّ بنصره وظلّله

وهكذا أبدا يسعى لخدمته

كم ممرع صيّب أهدى لحضرته

طورا يعمّ وطورا حدّ بغتيه

لو ينزع السهمّ من قوس الكواكب لم

يكن له في أبيّ وقع رميته

٢٢٠