الرحلة المعينيّة

ماء العينين بن العتيق

الرحلة المعينيّة

المؤلف:

ماء العينين بن العتيق


المحقق: محمّد الظريف
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: المؤسسة العربيّة للدراسات والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 9953-36-634-9
الصفحات: ٣٩٥

السادن عليّ ، فأشار إلى الناس وهم مزدحمون ، ففرّجوا لي ، فطلعت ، وقد داخلني من الذّلة والخضوع والانكسار ، وعلاني من الخجل والدهش والوجل ، لجلالة ذلك المشهد ومهابته ما الله مطلع عليه ، فلما دخلت الباب ، أخذ سيدنا الشيخ أعزه الله يدي لما رأى من حيرتي ، وأراني المكان الذي صلى فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان السادن أراه إياه ، فصلى فيه قبل دخولي ، وجلس أعزه الله ينتظرني ، فصلّيت فيه ركعتين ولم يعد طرفي قدمي إعظاما وإجلالا لبيته تعالى ، وجعلت الباب خلفي قدر ثلاثة أذرع من المحل الذي صليت فيه ولم آل جهدا في الدعاء ، نرجوه تعالى أن يتقبل أعمالنا ، ويحقق آمالنا ، ثم خرجت بما أنا فيه من حرمته وإجلاله.

وكذلك أخبرني الشيخ محمد الإمام أنه وقع له ، فلم يقدر أن ينظر غير محل سجوده. ونحمده تعالى على توفيقه إيانا للسّنّة. روي عن عائشة رضي‌الله‌عنها أنها قالت : عجبا للمرء المسلم ، إذا دخل البيت كيف يرفع رأسه ببصره قبل السقف ، ليدع ذلك إجلالا لله تعالى وإعظاما ، دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الكعبة ، فما خلف نظره موضع سجوده ، حتى خرج منها صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

مطلب في كون دخول الكعبة والصلاة فيها من سنته صلى‌الله‌عليه‌وسلم

ودخول الكعبة المعظمة ، والصلاة فيها من فضائل الأعمال والسنن المستحبة لأنها من فعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقد دخلها صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وصلى فيها ، ودخلها أجلاء أصحابه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وصلوا فيها ، كما دلت السنة الصحيحة على ذلك ، فقد روى الإمام البخاري في صحيحه أحاديث صحيحة في دخول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم الكعبة ، وأنه صلى فيها ، وذكر التقي الفاسي أسماء الصحابة الذين روى عنهم صلاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الكعبة ، وهم بلال ، وجابر بن عبد الله ، وشيبة بن عثمان الحجبي ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن عباس على ما قيل ، وعبد الله بن عمر بن الخطاب ، وأبو هريرة ، وعائشة ، وعبد الرحمان بن صفوان القرشي ، وعثمان بن طلحة الحجبي ، وعمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنهم ، ثم ذكر أسماء الذين نفوها ، وهم أسامة ، على المعروف عنه ، والفضل بن عباس ، وأخوه عبد الله بن عباس ، على ما صح عنه ، ثم

١٤١

قال ، وإنما يؤخذ بشهادة المثبت لا بشهادة النافي. وقال النووي (٢٨٠) «أجمع أهل الحديث على الأخذ برواية بلال لأنه مثبت جمعه زيادة علم فوجب ترجيحه. وأورد التقي الفاسي ، في «شفاء الغرام» (٢٨١) جملة روايات مرفوعة وموقوف في ثواب دخول الكعبة المعظمة ، وكفى من ذلك ما روى الفاكهي عن هند بن أوس قال : حججت فلقيت ابن عمر ، فقلت إني أقبلت من الفج العميق ، أردت البيت العتيق ، وأنه ذكر لي أن من أتى بيت المقدس يصلي فيه خرج من ذنوبه كيوم ولدته أنه ، قال ابن عمر : رأيت البيت من دخله ، فصلى فيه خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ، ثم قال الفاسي : «وقد اتفق الأئمة الأربعة على استحباب دخول البيت ، واستحسن مالك كثرة دخوله».

وقد اقتصرنا من الصلاة في الكعبة المعظمة على ركعتين للائتساء به صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فإنه صلى فيها ركعتين ، كما في رواية بلال رضي‌الله‌عنه وغيره ،

ثم لما كان يوم الجمعة السادس من ذي القعدة ، حضرنا صلاة الجمعة بالمسجد الحرام ، وخطب الإمام خطبة حسنة طويلة ، بالغ في الوعظ فيها ، وذكر فضل الحج ، وعلّم الناس مناسكه ، ووقع في المسجد وقت صلاة الجمعة ازدحام كثير.

__________________

(٢٨٠) النووي : أبو زكريا بن شرف الحوراني الشافعي ، عالم بالفقه والحديث ، ولد في نوى من قرى حوران بسوريا سنة ٦٣١ ه‍ ١٢٣٣ م وتوفي سنة ٦٧٦ ه‍ ١٢٧٧ م ، طبقات الشافعية الكبرى ، تاج الدين السبكي ج ، ٥ ص ١٦٥.

(٢٨١) شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام لتقي الدين محمد الفاسي (٧٧٥ ه‍ ـ ٨٣٢ ه‍) أشار إلياس سركيس إلى أن الفاسي اختصر هذا الكتاب في نصف حجمه وسماه : «تحفة الكرام» نشر منه العلامة ويستفلد بعض المنتخبات في الكتب التي سماها : تواريخ مكة المشرفة ، في الجزء الثاني الموسوم بكتاب «المنتقى في أخبار أم القرى» من ص. ٥٥ إلى ٣٢٤ ، أنظر معجم المطبوعات العربية والمعربة يوسف إلياس سركيس ، عالم الكتب ١٩٢٨ م ، ج ، ٢ ص ، ١٤٢٩.

١٤٢

خروجنا من مكة المشرفة للحج وكيفية حجنا

ثم لما كان يوم التروية ، وهو يوم الأحد الثامن من ذي الحجة ، اغتسلنا ، ولبسنا ثياب الإحرام ، وأحرمنا بالحج في مكة المشرفة مع حجاجها ، وخرجنا منها لما ارتفع النهار بعد ما جعلنا آخر عهدنا بها الطواف بالبيت متوجهين منى ، فوصلناها حين زالت الشمس ، فصلينا بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء ، كما هو السنة ، ثم بتنا بها في قباب وجدنا المطوف هيأها لنزولنا هناك ، ثم لما طلعت الشمس في اليوم التاسع ، وهو يوم عرفة يوم الإثنين ، سرنا متوجهين جبل عرفات ، فوصلناه قيلولة يومنا ، ووجدنا قبابا هناك هيأنا المطوّف لنا أيضا ، فدخلناها حتى بلغ أول وقت الظهر ، اغتسلنا اغتسالا خفيفا للوقوف بعرفات كما ذلك هو سنة هذا الغسل ، فجمعنا الظهر والعصر بمسجد نمرة ، ولم نر الخطيب ، ولم نسمع صوته لكثرة الازدحام ، ثم وقفنا بعرفات عند الصخرة التي كان يقف عندها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كما أخبرنا أهل الخبرة من أهل البلدة بذلك ، مستقبلين القبلة ، وعندما وقفنا صب الله مطرا غزيرا حتى غسل أبدان الواقفين ولباسهم ، فتيامنا به لقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما من قوم مطروا إلا وقد رحموا» ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد ، اللهم نقّني من الذنوب والخطايا كما ينقّى الثوب الأبيض من الدّنس». ويقول الشاعر :

[البسيط]

جاءوا بأحمال أوزار تئودهم

منها جبال وحسن الظنّ وطّاها

فسال لّما رأى الرحمان ذلّتهم

طوفان عفو وغفران فغطّاها

نرجوه تعالى أن ينقينا من الخطايا الباطنة والظاهرة ، وأن يعمنا برحمته الواسعة في الدنيا والآخرة ، ولم يزل المطر ، والناس واقفون في دعاء وابتهال وخشوع وأذكار واستغفار وخضوع ، ملوكهم في مقام الافتقار والذّلة ، وفقراؤهم في محل الاضطرار والقلة ، فكم دموع تدفقت ، وكم ضلوع تحرقت ، وكم نسمات هبات هبت ، وكم

١٤٣

سحاب رحمات صبت ، والجميع يرغبون المغفرة من الغفار ويرجون الستر والعفو من العفو الستار. والتقتّ إليّ سيدنا الشيخ مربيه ربه في هذا الموقف ، وقد خنقته العبرات ، وترادفت عليه من الخشية الزفرات ، وقال لي : يروى أن رجلا وقف بعرفات ، فقال الحمد لله على نعمة الإسلام ، وكفى بها من نعمة ، فلما كان العام القابل ، وقف بعرفات أيضا وقال الكلمات ، فناداه هاتف ، على رسلك ، فمن عام أول ونحن نكتب لك ثواب قولها ، وما فرغنا منه ، فقلتها بحمد الله في ذلك الموقف ، جزاه الله عنا أحسن جزائه. فلما دنت الشمس للغروب ، انشقت السحائب ، وغربت الشمس نقية ، فلبثنا هنيئة بعد الغروب ، فنفرنا بفيضين ، وانصرفنا بين المازمين آمين المصلى بمزدلفة ، فوصلناها بعد مغيب الشفق ، فجمعنا بها بين العشائين وتفرق وفدنا لكثرة الاختلاط والازدحام ، وبتنا هناك حتى أسفر الفجر على وجه القرض ، وأدينا من صلاة الصبح الحق المفترض ، وقفنا عند المشعر الحرام إلى الإسفار منكبين على الدعاء وحميد الأذكار والاستغفار ، فافضنا حتى وصلنا بطن محسّر ، وهو وادي النار أسرعنا والإسراع فيه مشروع ذهابا وإيابا ، فمضينا كما نحن على الطريق إلى أن وصلنا جمرة العقبة وقت الشروق ، فرمينا بها سبع حصيات من أسفلها مكبرين مع كل حصاة ، ثم رجعنا لرحالنا ، فذبحنا الهدايا ، وقد كنا أوقفناها بعرفات ، ثم حلقنا ، وسرنا من ساعتنا لمكة المشرفة ، ولم نزل لابسين ثياب الإحرام لا ستحبابها ، وإن كان التحلل الأصغر يقع بعد رمي جمرة العقبة ، فوصلنا مكة لما ارتفع النهار ، فطفنا طواف الإفاضة ، ثم سعينا بين الصفا والمروة ، ثم حلقنا فنزعنا لباس الإحرام ، فأحللنا التحلل الأكبر ، ثم رجعنا إلى منى فصلينا بها الظهر يوم النحر ، وهو يوم الثلاثاء ، في مسجد الخيف ، وهو الذي نزلت عليه صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيه سورة «والمرسلات» ، كما حدثنا بذلك بعض علماء البلد ، ثم رجعنا للقباب المعدّة لنا هناك ، فأصابني يومئذ مرض شديد بقية اليوم وبتّ كذلك وأصبحت إلى وقت الظهر ، مع أني في كثير من لطف الله أحمده عليه ، فلما زالت الشمس رجوت من فضله تعالى أن لا يعجزني عن بقية مناسكي ، فمن فضله تعالى حسست بالراحة ، فتوضّأت ، ووقفت بمشقة ، واستندت على سيدي بوي بن الشيخ حسنّ ، بل كأنه يحملني أولا ، وكلما خطوت بحمد الله يخف مرضي ، فما وصلت الجمار ، حتى

١٤٤

قدرت على المشي بفضله تعالى ، وشفيت بحمده ، فرمينا الجمار مبتدئين بالأولى التي تلي مسجد الخيف ، ثم بالوسطى ، وختمنا بالعقبة ، فوقفنا إثر الأوليين بقدر الإمكان مجتهدين في الدعاء لنا وللأحبة والإخوان ولسائر المسلمين في كل مكان ، وكذلك فعلنا في اليوم الثاني ، وكانت أيام منى غرارا في أوجه الزمان ومواسم فرح وسرور لأهل الإيمان ، يتجلى فيها الحق يومئذ بصفة الجمال ، جزاء على رضاهم قبل ذلك بتجلي الجلال ، ولله درّ القاتل :

[السريع]

بلغت يا نفسي المنى في منى

وقد أزال الله عنك العنا

فاستنفدي وسعك في شكره

وشيدي منه بناء الثّنا

ثم صلينا الظهر في مسجد قريب من الجمرات ، شائع عند أهل البلدة أنه أنزلت فيه على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سورة الكوثر ، ثم تعجلنا ، قال تعالى : (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ)(٢٨٢) ، فدخلنا مكة المشرفة وقت العصر من يومنا ، وهو يوم الخميس الثاني عشر من ذي الحجة ، فصلينا العصر بالمسجد الحرام ، شاكرين الله تعالى على منته علينا بقضاء مناسكنا على الوجه الذي قررناه باختصار راجين منه تعالى أن يتقبلها خالصة لوجهه الكريم ، ويثيبنا بجنة النعيم ، والنظر إلى وجهه العظيم ، في جوار سيدنا محمد عليه أتم صلاة وتسليم.

فائدة في ذرع الكعبة وقدر المسجد الحرام بالقدم

فائدة في ذرع الكعبة المكرمة من داخلها وخارجها وارتفاعها ، عدة روايات وذلك ناشئ من اختلاف قدر الأذرع في القصر والطول. وأقربها عندي بالذراع المتوسط

__________________

(٢٨٢) سورة البقرة الآية ٢٠٣.

١٤٥

اليوم ، هو ما قد حرره الفقيه عبد الله محمد ابن كرامة العامري في كتابة «دلائل القبلة» ، فقال : إعلم أن كعبة البيت الحرام مربعة البنيان في وسط المسجد الحرام ، ارتفاعها في الأرض سبعة وعشرون ذراعا وعرض الجدار من وجهها أربعة وعشرون ذراعا ، وهو بناء الحجاج ، وكان ابن الزبير جعل عرضها ثلاثين ذراعا يزيد على ذلك أقل من ذراع ، بعد أن كشف على قواعد إبراهيم عليه‌السلام ، وبنى عليها» ثم قال : «وعرض وجهها ، وهو الذي فيه الباب ، أربعة وعشرون ذراعا ، وعرض مؤخّرها مثل ذلك ، وعرض جذارها الذي يلي الشام ، وهو الذي فيما بين الركن الشامي والعراقي أحد وعشرون ذراعا». ويعضد هذا ما ذكره شيخنا الشيخ ماء العينين في رحلته (٢٨٣) ، وإن كان يخالفه بيسير ، فقد يقع ذلك من اختلاف الأذرع ، طولا وقصرا ، كما قدمنا. ونصّ ما قاله شيخنا رضي‌الله‌عنه : «فائدة ، قد ذرعت زمني هذا بمكة الكعبة المشرفة ، ذرعت ما بين اليماني والشامي ، فوجدته خمسة عشر ذراعا بذراعي ، وذرعت ما بين اليماني وركن الحجر الأسود فوجدته عشرين ذراعا ، والذي بين الشامي والعراقي كما بين اليماني وركن الحجر الأسود ، وما بين العراقي وركن الحجر الأسود ، كما بين اليماني والشامي ، وطولها في السماء سبعة وعشرون ذراعا بالذراع المصري ، المصطلح عليه اليوم ، ويزيد هذا على ذلك بستة أصابع ، وما بين الباب والحجر الأسود ، وهو الملتزم على أحد الروايات ، أربعة أذرع بذراعي ، وارتفاع الحجر الأسود ، ثلاثة أذرع ، أو أزيد بقليل وتدويره ثلاثة أذرع بذراعي ، ويغطّى كله بالذهب ، إلا ما بين خنصري وسبابتي من وسطه ، فإنه خارج ، أي سالم من التغطية ، وارتفاع أسفل الباب ، قدر أربعة أذرع بذراعي أو أزيد بقليل» ، انتهى كلام شيخنا الشيخ ماء العينين.

ثم قال أيضا في قدر المسجد الحرام ، وعدد ما فيه من الأساطين والقناديل ، والمرقوم على لباس الكعبة ، وفوائد ماء زمزم في رحلته ، ما نصه : «فائدة. قدمت

__________________

(٢٨٣) تم طبع هذه الرحلة بالمطبعة الحجرية بفاس ، لكن يبدو أنه لم يبق لها أثر ، وقد ذكر الدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين في مذاكرة علمية بمنزل الأستاذ ماء العينين ، أنه يتوفر على جزء هام منها.

١٤٦

بقدمي ما بين البيت والأعمد التي تليه من جهة اليمن ، فوجدته أربعة وستين قدما ، وقدمته من جهة المغرب فوجدته سيتن ، وقدمته من الشمال فوجدته ما بين الأعمد والحجر ثلاثين قدما ، وعرض الحجر ثلاثة أذرع بذراعي ، ومن انعطاف الحجر إلى الكعبة ، قدمته ، فوجدته أربعة وعشرين قدما ، وذرعته فوجدته اثنى عشر ذراعا ، وقدمته من جهة المشرق ، فوجدت ما بينه وبين مقام إبراهيم ثلاثين قدما ، ثم إن زاد هذا أو نقص عما قلت فالخطأ مني ، وإلا كان هذا ، فالتوفيق الصواب من الله ، لأني فعلت هذا في شيء من الازدحام لا يعلمه إلا الله ، ولا يدريه إلا من رآه ، نتوسل إلى الله بحقه ، ومن اشتاق إليه أو رآه أن يغفر لنا ما قدمنا من الذنوب ، وما أخرنا والصلاة والسلام على محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومن تلاه». وقال جامعه عفا الله عنه : ولا شك أن الازدحام عند البيت أيام الحج لا يدريه إلا من رآه ، فلا يمكن لأحد هناك أن يسير على وجهه ساعة ، ولا يرى أين يضع قدمه ، فضلا عن أن يذرع تلك الأماكن أو يقيسها بقدمه ، وإنما هذه كرامة ظاهرة من كرامات شيخنا الشيخ ماء العينين التي خصّه الله بها.

حكاية شيخنا الشيخ ماء العينين مع النفر الذين لقيهم بمكة

ومثلها أيضا كرامته مع النفر الثلاثة الذين اجتمع بهم عند الكيزان الموضوعة في الحرم ، وتحدث معهم ما شاء الله ، ولم يأتهم شخص واحد تلك الساعة ، مع كثرة الناس وازدحامهم هنالك. وكيفية حكايته معهم كما سمعتها منه ، ورأيتها بخطه كاتبا رضي‌الله‌عنه ما نصه : «حكاية : قال كاتب هذه الحروف ، غفر الله له وأعاده من كل مخوف : إنه وقع لي زمنه بمكة الشرفة ، وهو عام أربعة وسبعين بعد المائتين والألف ، أني قمت بعد صلاة المغرب لأجدد الوضوء من الكيزان الموضوعة في الحرم للشرب والوضوء ، كما هو المندوب ، أي تجديد الوضوء ، فلما أتيت لبعضها ، وجدت عنده رجلا حينما جلست ، فسلمت عليه فرد عليّ السلام ، واشتغلت أنا وهو بالوضوء ، فإذا برجل آخر سلم علينا ، فرددت أنا عليه‌السلام ، فإذا بآخر سلم علينا ، فرددت أيضا عليه‌السلام ، فاشتغلنا بالوضوء ، فلما أكملناه سلمت عليهم أيضا جميعا ،

١٤٧

والتفتت على الأخير الذي جاءنا وقلت له : يا أخي ، من أي بلاد أنت؟ فقال : أنا من ناحية الشمال ، وبلادنا ليس وراءها إلا سدّ يا جوج وما جوج : فنحن في حد بلاد المسلمين من تلك الناحية ، فقلت : كم المسافة دونكم؟ فقال لي : نحن بلادنا صعبة ، ودونها الجبال والبحور ، من جاء منا من جهة المشرق ، تكون المسافة عليه أربعة أشهر ونحوها ، ومن جاء من جهة المغرب ، تكون ستة أشهر ، ونحو ذلك ، فقلت له : ومن حذاءكم من أهل التجارات؟ فقال لي : تأتينا الأتراك بتجارات على التّيوس الفحول المعز ، لأن بلادنا من صعوبة جبالها ، لا يسير فيها من المواشي إلا تيوس المعز ، فاعتبرت ، والتفت إلى الذي جاءنا قبله ، وقلت له : يا أخي ، من أي بلاد أنت؟ قال : أنا من بلاد المطلع ، فقلت له : ما المطلع؟ ، فقال : مطلع الشمس ، لأنا في موضع ما وراءه إلا الجبال التي تطلع الشمس. قال : فنحن في حد المسلمين والعمارة من تلك الناحية فقلت له ، كم المسافة دونكم فقال : إن كان برا فعام ، وإلا فستة أشهر أو سبعة ، ونحو ذلك فاعتبرت. والتفت إلى الأول الذي وجدته جلس قبلي وقلت له : يا أخي ، من أي البلاد أنت؟ فقال : أنا من أقصى بلاد اليمين ، بلادنا ما وراءها إلا بلاد الصين ، فنحن في حد بلاد المسلمين من تلك الناحية ، فقلت له : كم المسافة دونكم؟ فقال لي : أما برا ، فنحو عشرة أشهر أو تسعة ، وأما بحرا ، فحسب التيسير : من ستة أشهر ونحوها. فقلت لهم : لم يبق إلا صاحبكم ، أعني نفسي ، فإني من أقصى بلاد الغرب ، والمسافة بيننا مع الحرم الشريف إذا كانت برا فعام أو قريب منه ، وإن كانت بحرا ، فحسب التيسير والأغلب ستة أشهر ونحوها ، أو قريب منها كما وقع لي ، وسألت كلّ واحد منهم عن زمن الربيع عندهم ، ومجيء الأمطار ، فإذا صاحب اليمين والمطلع ، دهر الربيع عندهما فصل الخريف وما قاربه من الصيف ، وذلك حال بلادنا التي هي الحوض ونحوه ، وأما الشمال ، فدهر الربيع عندهم ، فصل الشتاء وما قاربه من فصل الربيع ، وسألتهم ما يتصارفون به في بلادهم فقالوا كلهم : إن التصارف عندهم بالدنانير والدراهم. وسألتهم كلهم هل بلادهم فيها السلاطين ، أو مستقيمة بلا سلاطين ، فقالوا كلهم : إن بلادهم فيها سلاطين ، ولا تستقيم دونهم ، فقلت إن بلادنا لا يعرف أهلها دينارا ولا درهما ، فاعتبروا غاية ، وقال لي : بما التصارف عندكم ، فقلت لهم بالأنعام والأثواب والعبيد ،

١٤٨

ونحو ذلك ، فتعجبوا غاية العجب ، وقلت لهم أيضا ، إن بلادنا لا سلطان فيها ، وأهلها مستقيمون غاية ، وإنما يكون للقبيلة منها رئيس تأوي إليه في بعض أمورها (٢٨٤) ، والناس مستقيمة على ذلك ، وأهل علم كثير فتعجبوا من هاذين الأمرين غاية ، وقالوا لي : إنهم يعرفون في الحديث ، إن من أحق الناس بالأمان ، قوما لا يعرفون دينارا ولا درهما ، وما كنا نظن أنه موجود في الدنيا : فقلت لهم نعم ، هم أهل بلادنا ، يعيش أحدهم العمر الطويل لم يردينارا ولا درهما ولا عرفه إلا إذا كان من أهل العلم ، فإنه يقرؤه في العلم ، فلما قلت لهم ذلك ، كأنهم رأوا الفضل لبلادنا وأهلها على بلادهم وأهلهم بذلك ، ومن أغرب الأشياء أنهم جميعا أعاجم ، وليس فيهم أحد يعرف لغة الآخر ، ولا يعرفون لغتي أنا التي هي الحسانية ، ولكنهم كلهم أهل علم ، وخبير باللسان العربي ، وأنا ما تكلمت لهم إلا به ولم يتكلم منهم بعض لبعض غيري ، غفر الله لي ، وكلهم غير صاحب الشمال قال لي : إن بلاده فيها الأنعام ، ومن الغريب عندي أنا لم يأتينا شخص واحد غيرنا ، فالتفتّ إليهم ، وقلت لهم : أعلمتم أن الله قادر على أن يجمعنا اليوم لا ريب فيه ، فقالوا كلهم : نعم نعم ، فقلت الدعاء ، فرفعنا أيدينا ، فدعوت وأمنوا على دعائي ، والتفتّ إليهم فإذا هم جميعا متقاربين في السن ، كل واحد منهم في أحسن الفتوة ، فقمنا ، ولم أر منهم واحدا بعد ذلك المجلس إلى الآن ، نرجو الله أن يغفر لنا بالتمام ، والسلام ، في الرابع والعشرين من شوال عام تسعة عشر بعد ثلاثمائة وألف ، عبيد ربه ماء العينين بن شيخه الشيخ محمد فاضل بن مامين ، غفر الله لهم وللمسلمين آمين».

وسمعته رضي‌الله‌عنه ، قال : «إنه حدث بعض أهل الصلاح بهذه الحكاية ، وقال له ،

__________________

(٢٨٤) ليس المقصود في هذه الإشارة أن الصحراء المغربية لم تكن تابعة للسلطة المغربية ، وإنما المقصود منها ضعف السلطة المركزية في هذه الجهة النائية من المملكة المغربية ، وارتباطها بسلاطين المغرب عن طريق مجموعة من الشيوخ والرؤساء الذين يمثلون المخزن بها ، وقد كانت هذه الظاهرة عامة في كثير من جهات المغرب وغيره قبل الحماية ، في الأطلس المتوسط وبلاد الريف وتافلالت ، وغيرها ، ورغم ذلك فقد كانت تعرف الأمن والاستقرار ، وهذا هو المقصود في هذا السياق. وقد كان الشيخ ماء العينين نفسه يمثل ملوك المغرب في الصحراء بظهائر سلطانية معروفة.

١٤٩

عساكم كلكم يكون قطبا في أرضه ، وأنت هو قطبهم ، ولكونك أنت الذي كلمتهم ، ولم يكلم منهم أحدا غيرك ، والله أعلم».

فائدة في قدر المسجد الحرام أذرعا وفي

عدد ما فيه من الأساطين والقناديل

ولنرجع إلى بقية كلام شيخنا الشيخ ماء العينين في المسجد الحرام ، وهو ما نصه : «فائدة في قدر المسجد الحرام أذرعا ، وفي عدد ما فيه من الأساطين والقناديل ، أذرعه مكسرة مائة ألف ذراع وعشرون ألف ذراع ، وعدد الأساطين أربعمائة وستة وتسعون ، وكل هذه الأساطين رخام ما عدا مائة أسطوانة وتسعة وعشرين فإنها حجارة منحوتة ، ومنها ثلاثة أساطين آجرّ مجصص ، ثم إن هذا العدد كله من غير الأعمد التي حول الكعبة ، وهي تسعة وعشرون ، ومقام الحنفي عشرة ، وهو الآن شمال البيت ، ومقام المالكي أربعة ، وهو الآن غرب البيت ، وكانا بالعكس ، ومقام الحنبلي أربعة أيضا ، وهو يمين البيت ، ومقام الشافعي إثنان ، وهو شرق البيت لأنه في مقام إبراهيم عليه‌السلام ، وذلك ليس له إلا عمودان شرقا ، وأما غير ذلك منها فإنه مبني بناء مشبكا ، فيكون الجميع تسعة وأربعين ، فإذا ما أضيف إلى ما قبله صار الجميع خمسمائة وخمسة وأربعين».

«والأساطين التي حول الكعبة كل اثنين منها بينهما خمسة قناديل ، وبعد ذلك ثلاثة أسطر ، كل عمودين منها بينهما قنديل واحد ، وفي مقام الحنفي خمسة وعشرون قنديلا ، والمالكي ثمانية ، والحنبلي أيضا ثمانية ، ومقام إبراهيم عليه‌السلام ثلاثة عشر قنديلا ، فالجميع ألف وثلاثمائة وثمانون وسبعة قناديل ، لكني رأيتهم ليالي التشريق (٢٨٥) جعلوا على المنارات كثيرا من القناديل ، لم أكثرت بعد لأجل اشتغالي في تلك الليالي ، ولكونه نادرا ، والنادر لا حكم له ، وهذا كله عددته بنفسي إلا طول الكعبة في السماء ، وعدد أذرع المسجد مكسرا ، فإني أخذته من كتاب وجدته في مكة على أخبارها لم أرقط مثله ، يقال له «البحر العميق في أخبار

__________________

(٢٨٥) أيام التشريق : ثلاثة أيام بعد النحر.

١٥٠

بيت الله العتيق» ، ولله الحمد الذي بفضله يليق ، وفي هذا الكتاب من الفوائد والقصص والأخبار ما لا مزيد عليه.

فائدة في بعض المكتوب على لباس الكعبة

الشريفة وفي بعض فوائد ماء زمزم

فائدة في بعض ما هو مكتوب على لباس الكعبة الشريفة ، مكتوب عليه سطر من رأسه على رأسه يمينا وشمالا [من جهة الشرق] ، (٢٨٦)«وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ ، الى عَمِيقٍ» (٢٨٧) ، ومن جهة اليمين يمينا وغربا ، «وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ إلى الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» (٢٨٨) ، ومن جهة المغرب يمينا وشمالا ، قل صدق الله العظيم ، وأما من جهة الشمال ، فليس المكتوب عليها إلا كلاما على جهة السلاطين ، كل من كانت الولاية له يكتب على اللباس في كل زمن خلافته ، «على ودّ مولانا السلطان فلان بن فلان» ، حتى يعد كثيرا من أجداده ، والسلطان الآن في عام حجنا الذي هو عام ٧٤ أربعة وسبعين بعد المائتين والألف ، عبد المجيد بن محمود خان ، ومن المكتوب عل لباس الباب خاصة ، البسملة مرارا ، و «لِإِيلافِ قُرَيْشٍ ، و قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ» وكلمة الشهادة ، وهذا الذي تقدم كله مكتوب بالذهب ، وغير هذا من لباسها كله محشو بكلمة الإخلاص واسم الجلالة ، والكتابة فيه من نفس النسج ، إلا أنه ليس بسطر مستقيم ، بل كأنه من التزخرف على حالة لا يعرفها إلا من رآها بالعين ، والصلاة والسلام على من به يجمع بين البين.

فائدة ، في بعض فوائد ماء زمزم وخواصه ، فمنها أنه لما شرب له ، وقد نوى فيه الشافعي العلم فنال فيه ما نال ، والرمي فصار يصيب العشرة بالعشرة ، والتسعة بالتسعة ، وشربه رجل لا برة اعترضت في فمه ، وكاد يموت منها ، فزالت عنه ، وشربه آخر للعمى فشفي ، ومنها أن المنافق لا يتضلع منه ، وآية بيننا وبينهم ، ومنها

__________________

(٢٨٦) «ب» و. ٤.

(٢٨٧) سورة الحج ، آية ٢٦.

(٢٨٨) سورة البقرة ، آ. ١٢٧

١٥١

أن من شرب منه ، حرم الله جسده على النار ، ومنها أن الله يرفع المياه العذبة قبل يوم القيامة غيره ، ومنها أن النظر إليه عبادة ، ومنها أنه طعام طعم وشفاء سقم. وقد أقام شخص شهرا بمكة لا يذوق غيره فتكسّرت عكون (٢٨٩) بطنه من الشحم ، وكان بعضهم إذا ظمئ وجد فيه لبنا ، وإذا أراد أن يتوضأ وجد فيه ماء ، ومنها أن الاطلاع فيها ، يحط الأوزار والخطايا ، ومنها أنه خير ماء على وجه الأرض ، ومنها أنه يبرد الحمى ، ومنها أنه يذهب الصداع ، ومنها أن الاطلاع فيها يجلو البصر ، ومنها أنه يحلو ليلة النصف من شعبان ويطيب ، ومنها أنه يكثر فيها أيضا كل سنة بحيث أن البير تفيض بالماء ، لكن لا يشاهده إلا الأولياء ، ومنها أن من حثا منها على رأسه ثلاث حثوات لم تصبه ذلة أبدا ، ومنها أنه يعظم في الموسم ويكثر كثرة خارقة لعادة الآبار ، والمراد بالموسم زمن الحج ، وثبت أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عام حجة الوداع جاء زمزم ، فقال : ناولوني دلوا فناولوه ، وشرب منها ، ثم تمضمض ، ومج في الدلو ، ثم أمر بما في الدلو فأفرغ في البير ، كأنه مسك أو أطيب من المسك ، وهذه عندي أفضل فضائله ، صلى الله على سيدنا محمد وآله.

فائدة. أيضا في عدد أذرعه من أعلاه إلى أسفله ، كان ستين ذراعا ، ثم قلّ ماؤها في بعض الأزمنة السابقة ، فضرب فيها سبعة أذرع ، وأذرع تدوير فمه ، كان أحد عشر ذراعا ، وقد جعل عليه كله البناء ، سوى ثلاثة أذرع وثلثي ذراع ، وما بين رأسه والماء أربعة أذرع ، والأذرع فيما مضى قامة الإنسان ، سوى الثلاثة الأذرع والثلثين ، فإنها بالذراع المتعارف ، وهاتان الفائدتان أيضا من «البحر العميق» والحمد لله العلي الرفيق.

عدد أبواب المسجد الحرام ومناراته وأسماء الجميع وكيفية كسوة الكعبة

فائدة. في عدد أبواب مسجد الله الحرام ، ومناراته ، أما الأبواب الكبار ، فهي تسعة عشر ، لكن ربما تكون في الباب الواحد أربعة أبواب ، أو أكثر أو أقل ، ولا أظن

__________________

(٢٨٩) عكون : ج. عكنة ، الأطواء في البطن من السمن.

١٥٢

الجميع إلا يبلغ الأربعين أو قريبا منها ، والله تعالى أعلم ، وأما المنارات ، فهي سبعة ، ولم يحضر في ذهني الآن أسماء الجميع ، لطول العهد ، ولذلك رأيت تركه حتى يتفضل الله به» ، انتهى كلام شيخنا الشيخ ماء العينين رضي‌الله‌عنه في رحلته (٢٩٠).

قال جامعه مريده ما العينين بن العتيق ، هذا الذي ذكره شيخنا من ذرع المسجد ، هو الذي عليه جل المؤرخين ، فقد ذكر الأزرقي (٢٩١) في كتابه «أخبار مكة» أن ذرعه مكسرا مائة ألف ذراع وعشرون ألف ذراع ، ومعنى مكسرا ، يعني مربعا ، وكذلك ذكره غيره مفصلا ومجملا ، وقد يقع التفاوت اليسير ، لاختلاف الأذرع ، وتحقيق الاستقراء ، وفي الحقيقة لا خلاف ، وكذلك عدد الأساطين والقناديل ، فهر ، كما ذكره شيخنا رضي‌الله‌عنه ، وإن وقع الفرق في بعض الروايات بزيادة قليلة أو نقصان يسير ، فلا حرج ، إذ يحدث ذلك عادة ، إذا كان الإحصاء بغير تدقيق ، وكذلك يحصل من غلط الناسخ أو المطبعة ، وعلى كل فالفرق يسير بل لا يعدو فرقا ، ولم يحدث بعده رضي‌الله‌عنه كبير تغيير في هذه الأشياء ، إلا أن القناديل اليوم صارت أضواؤها بالآلة الكهربائية ، وأما كسوة الكعبة المكرمة ، فلم يزل رقمها على ما ذكره رضي‌الله‌عنه أيام خلفاء آل عثمان ، ويأتي المحمل المصري بالكسوة من مصر في كل سنة ، لأنها كانت تأتيها الكسوة من الخلفاء العباسيين ، حتى انتقل آخرهم إلى مصر ، بعد قضية التتار ، فاستمر مجيء الكسوة من مصر حتى أعلن أمير مكة المشرفة الشريف الحسين بن

__________________

(٢٩٠) رحلة الشيخ ماء العينين ، مفقودة ، لكن يبدو من خلال الإشارة السابقة أن الدكتور شبيهنا حمداتي يتوفر على جزء منها.

(٢٩١) الأزرقي : هو محمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن الوليد بن عقبة بن الأزرق ، يمني الأصل من أهل مكة ، له كتاب «اخبار مكة وما جاء فيها من الآثار» ، وهو مطبوع في جزئين ، توفي حوالي سنة ٢٥٠ ه‍ ٨٦٥ م ، أنظر ترجمته في الأعلام ، ج ، ٦ ص ٢٢٢.

١٥٣

علي بن محمد بن عبد الله المعين بن عون (٢٩٢) الثورة على الحكومة التركية باسم استقلال البلاد العربية سنة ١٣٣٤ ، فاستمر إتيان الكسوة من مصر حتى وقع الخلاف بين المصريين والشريف الحسين سنة ١٣٤١ ، رجع المصريون بالكسوة من جدة ، فكساها الشريف بكسوة كانت مودعة بالمدينة المنورة من الحكومة التركية ، فلما كان عام ١٣٤٣ ، استولى الملك عبد العزيز (٢٩٣) بن عبد الرحمان آل السعود على مكة المشرفة ، فكساها ، وفي سنة ١٣٤٤ كساها المصريون على عادتهم ، ووقعت حادثة المحمل بمنى ، فامتنع المصريون من مجيء الكسوة عام ١٣٥٤ ، فكساها الملك عبد العزيز ، وصنع دارا لحياكة كسوتها بمكة ، وكتب على الكسوة آيات مناسبة وأذكارا وأسماء على غير النسق المصري ، واستمر العمل إلى سنة ١٣٥٥ ، اصطلح الملك عبد العزيز والمصريون ، فأتوا للبيت بالكسوة من مصر على هيأتها الأولى ، إلا ما كان من تسمية السلاطين ، لأن بلاد المشرق لم تجتمع كلمتها على سلطان من يوم تلاشي ملك العثمانيين ، بل استقل في كل أرض ملك ، كالملك عبد العزيز بالحجاز ونجد

__________________

(٢٩٢) الشريف الحسين بن علي : (١٢٧٠ ه‍ ـ ١٣٥٠ ه‍ ـ        ١٨٥٤ م ـ ١٩٣١ م) ، من أحفاد أبي نمي ابن بركات الحسني الهاشمي ، أول من قام في الحجاز باستقلال العرب عن الترك ، وآخر من حكم مكة من الأشراف الهاشميين ، ولد في الأستانة ، عين أميررا لمكة سنة ١٣٢٦ ه‍ ، بعد إنشاء جمعية تركيا الفتاة التي قامت بحملة كبرى ضد حملة الفكرة العربية وطلائع يقضتها الحديثة ، ثار بمساعده الإنجليز على الحكم العثماني وحرر سوريا والعراق والحجاز ، ونعث بالملك المنقذ ، لكن مملكته سرعان ما تساقطت ، ولم يبق منها إلا عمان وشرق الأردن التي تولى حكمها ابنه عبد الله ، أقام في قبرص منذ سنة ١٩٢٥ إلى أن مرض فعاد إلى عمان قبيل وفاته ، أنظر ترجمته في الأعلام ، ج ، ٢ ص ٢٥٠.

(٢٩٣) الملك عبد العزيز : هو عبد العزيز بن عبد الرحمان بن فيصل بن تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود من آل مقرن ، ملك المملكة العربية السعودية الأول ومنشئها ، أعلن عن إنشاء مملكته سنة ١٩٣٢ ، وسماها بالإسم الذي تعرف به اليوم ، وفي عهده عرفت تحولا كبيرا ، فتفجر البترول في أرضها وعمت خيراته أرجاءها ، توفي سنة ١٣٧٣ ه‍ ـ ١٩٥٣ م ، أنظر ترجمته في الأعلام ج ٤ ص ، ١٩.

١٥٤

ولواحقهما ، والإمام يحيى باليمن (٢٩٤) وغازي (٢٩٥) ابن فيصل بن الشريف الحسين بالعراق والملك فاروق بمصر (٢٩٦) ونحو ذلك ، والله غالب على أمره ، وهو المستعان ، ثم لم يزل المصريون يأتون بالكسوة على هيأتها الأولى إلى عامنا هذا ، وهو عام سبعة وخمسين بعد الثلاثمائة والألف ١٣٥٧ ، أتى بها المصريون على عادتهم.

وأما أبواب المسجد الحرام ، فهي كما قال شيخنا ، رضي‌الله‌عنه ، تسعة عشر (١٩) ، قال صاحب «عمارة المسجد الحرام» : كان للمسجد الحرام في عصر الخليفة المهدي (١٩) بابا على (٣٨) نافذة إلى أن قال : يحتوي المسجد الحرام في العصر الحاضر على (٢٦) بابا ، بعضها يفتح على نافذة واحدة ، وبعضها على نافذتين ، وبعضها على ثلاثة نوافذ ، وواحد من عمومها يفتح على خمس نوافذ ، ثم فصلها وبينها بابا بابا ، ومنفذا منفذا ، ووصفها ، ونحن نكتفي بأسماء الأبواب الستة والعشرين المشهورة اليوم مخافة التطويل ، وهي في الجانب الشرقي خمسة (٥) :

١. باب السلام ، ويعرف قديما بباب بني شيبة.

__________________

(٢٩٤) الإمام يحيى : هو يحيى بن محمد بن يحيى حميد الدين الحسني العلوي الطالبي ، ملك اليمن من أئمة الزيدية ، ولي الإمامة بعد أبيه سنة ١٣٢٢ ه‍ شمال صنعاء ، وكانت في أيدي الترك العثمانيين ، فهاجمها وحاصرها إلى أن جلى الترك عنها وعن البلاد اليمية كلها سنة ١٣٣٦ ه‍. كان شديدا على رعيته ، يرى الاستبداد خيرا من الشورى ، وقد أدت السياسة إلى مقتله من طرف أعدائه سنة ١٣٦٧ ه‍ ـ ١٩٤٨ م. الإعلام ، ج ، ٨ ص ١٧٠.

(٢٩٥) غازي بن فيصل : ابن الحسين بن علي الهاشمي ، ملك العراق ، وابن ملكها الأخير ، ولد بمكة سنة ١٣٣٠ ه‍ ـ ١٩١٢ م انتقل إلى بغداد حين سمي وليا لعهد المملكة العراقية سنة ١٩٢٤ ، تلقى تعليمه في كلية هارو بإنجلترا وعاد إلى بغداد ، نودي به ملكا على العراق بعد وفاة أبيه سنة ١٩٣٣ ، واستمر بها إلى أن توفي قتيلا في حادثة سير سنة ١٩٣٩ ، أنظر ترجمته في الأعلام ، ج ٥ ، ص ١١٢.

(٢٩٦) الملك فاروق : ابن أحمد فؤاد بن اسماعيل بن ابراهيم بن محمد علي ، آخر من حكم مصر من أسرة محمد علي وآخر ملك بها ، تولى الملك سنة ١٩٣٦ ، وأرغمته ثورة مصر على التنازل عن العرش سنة ١٩٥٢ توفي بروما سنة ١٩٥٦ ، الإعلام ، ج. ٥ ص ١٢٩.

١٥٥

٢. باب مدرسة السلطان قايتباي

٣. باب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ويقال له أيضا باب الجنائز ، وباب الحريريين.

٤. باب العباس رضي‌الله‌عنه.

٥. باب علي رضي‌الله‌عنه ، يعرف بباب البطحاء ، وبباب بني هاشم.

والجهة الجنوبية من المسجد ، فيها سبعة أبواب :

١. باب بازاق ، ويعرف أيضا بباب بني عائد ، ويسمى اليوم باب النعوش

٢. باب البغلة ، ويعرف بباب بني سفيان

٣. باب الصفا ، ويسمى أيضا باب بني مخزوم

٤. باب أجياد الصغير ، ويسمى أيضا باب الخليفتين (٢٩٧)

٥. باب المجاهدية ، ويقال له باب الرحمة ، ويسمى الآن ، باب أجياد.

٦. باب مدرسة الشريف عجلان ، ويعرف بباب بني تيم

٧. باب أم هانئ رضي‌الله‌عنها ، ويسمى باب الملاعبة ، ويدعى باب أبي جهل.

والجهة الغربية من المسجد الحرام ، فيها ستة أبواب :

١. باب الحزورة ، ويصحف الآن بباب عزورة ، ويسمى باب البغالية ، ويعرف بباب الوداع ، وبباب بني حكيم ، وبباب الزبير ، وبباب الحزامية.

٢. باب ابرايم عليه‌السلام ، وهو الذي كثيرا ما ندخل منه أيامنا بمكة المشرفة

٣. باب الخوذى

٤. بابد مدرسة الشريف غالب

٥. باب مدرسة الداودية

٦. باب العمرة ، ويسمى باب بني سهم

__________________

(٢٩٧) الخليفتين : الخليفة ، في «ب» و ٤٤.

١٥٦

وفي الجانب الشمالي من المسجد الحرام ثمانية أبواب :

١. باب السدة ، ويعرف بباب عمرو بن العاص ، ويسمى باب ابن عتيق

٢. باب مدرسة الزمانية

٣. باب الباسطية ، ويسمى بباب العجلة

٤. باب القطبي ، ويسمى قديما بباب زيادة دار الندوة

٥. باب الزيادة ، وبهذا اشتهر اليوم وكان يدعى باب سويقة

٦. باب المحكمة

٧. باب السليمانية

٨. باب الدريبة

هذا عدد أبواب المسجد الحرام من جهاته الأربع ، وهي المعتبرة وإن كانت أبواب المدارس التي حوله تعتبر أيضا أبوابا عمومية لأنها نافذة من المسجد الحرام إلى الشوارع العمومية.

وأما منارات المسجد الحرام ، فهي سبعة ، كما ذكر شيخنا رضي‌الله‌عنه وهي :

١. منارة باب العمرة

٢. منارة باب السلام

٣. منارة باب علي

٤. منارة باب الوداع

٥. منارة باب الزيادة

٦. منارة السلطان قايتباي

٧. منارة السلطان سليمان خان

وقد أحببت أن أذكر أسماء أبواب المسجد الحرام ، وأسماء مناراته لإشارة شيخنا رضي‌الله‌عنه في قوله ، إنه نسي أسماءها ، فتركها حتى تفضل الله بها ، ولا شك أن هذا من فضل الله عليه رضي‌الله‌عنه ، لكوني من أتباعه والمرء في ميزانه أتباعه وأحمد الله تعالى حيث جعلني محل هذه الإشارة ، لأني لا أعلم أحدا من أتباعه رضي‌الله‌عنه سبقني

١٥٧

لذكر أسمائها ، نرجوه تعالى أن يوفقنا ويرشدنا لما يحبه ويرضاه.

فائدة في بعض ما ورد في فضل الطواف

وفي الأوقات التي تنبغي المثابرة على الطواف بها

فائدة. بعض ما ورد في فضل الطواف بالبيت الحرام ، وفي بعض الأوقات التي تنبغي المثابرة على الطواف فيها ، من ذلك ما أخرجه الواحدي عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنه قال : «من طاف بالبيت سبعا ، وصلى خلف المقام ركعتين ، وشرب من ماء زمزم ، غفرت له ذنوبه بالغة ما بلغت» (٢٩٨). وأخرج الأزرقي وغيره عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنه قال ، «إذا خرج المرء يريد الطواف بالبيت ، أقبل يخوض في الرحمة ، فإذا دخله غمرته ، ثم لا يرفع قدما ولا يضعها إلا كتب الله له بكل قدم خمسمائة حسنة ، وحط عنه خمسمائة سيئة ، ورفعت له خمسمائة درجة ، فإذا فرغ من الطواف ، فصلى ركعتين في المقام خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ، وكتب له أجر عتق عشر رقاب من ولد إسماعيل ، واستقبله ملك على الركن ، وقال له : استأنف العمل فيما تستقبل ، فقد كفيت ما مضى ، وشفع في سبعين من أهل بيته». وعنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «لو أن الملائكة صافحت أحدا لصافحت الغازي في سبيل الله والبار بوالديه والطائف ببيت الله الحرام» ، وعنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «إن الله تعالى يباهي بالطائفين ملائكته». وعن أبي هريرة رضي‌الله‌عنه أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «أكرم سكان أهل السماء على الله ، الذين يطوفون حول عرشه ، وأكرم سكان أهل الأرض على الله ، الذين يطوفون حول بيته». وعنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «من صلى خلف المقام ركعتين ، غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وحشر يوم القيامة من الآمنين» (٢٩٩). ذكره القاضي عياض في الشفاء ، إلى غير

__________________

(٢٩٨) الجامع الصغير ، حديث رقم ٨٨٣٤.

(٢٩٩) مختصر المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة ، حديث رقم ١٠٤٧ ، الإمام محمد بن عبد الباقي الزرقاني ، ت ، د ، محمد بن لطفي الصباغ ، ط ، ٢ ، المكتب المصري الحديث ، د ، ت.

١٥٨

ذلك مما هو كثير ، وتنبغي المثابرة على الطواف بعد الصبح والعصر ، لما رواه ابن عمر عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «طوافان لا يوافقهما عبد مسلم إلا خرج من ذنوبه كما ولدته أمه ، وغفرت له ذنوبه بالغة ما بلغت ، طواف بعد الصبح ، يكون فراغه عند طلوع الشمس ، وطواف بعد العصر ، يكون فراغة عند غروب الشمس ، فقال رجل : «يا رسول الله ، لم يستحبّ هاتان الساعتان؟ قال : ساعتان لا تعدوهما الملائكة» ، ومن الأوقات التي ينبغي الطواف فيها ، وقت المطر ، لما روى عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقد قال : «من طاف بالكعبة يوم المطر ، كتب الله له بكل قطرة نصيبه حسنة ، ومحا عنه بالأخرى سيئة» (٣٠٠) وعن أبي عقال ، قال : «طفت مع أنس ابن مالك رضي‌الله‌عنه في مطر (٣٠١) ، فلما قضينا الطواف ، أتينا المقام ، فصلينا ركعتين ، ـ فقال لنا أنس : استأنفوا العمل ، فقد غفر لكم ما مضى ، ها كذا قال لنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وطفنا معه في مطر». ومنها عند خلو المطاف ، لأنه حينئذ يكون قائما بهذه العبادة العظيمة من غير مشارك له في سائر أقطار الأرض. وكذلك قال العلماء : لو حلف ليعبدن الله بعبادة لا يشركه أحد فيها ، فالخلاص أن يخلى له المطاف ، فيطوف به وحده ، قال جامعه ، غفر الله له ، وقد منّ الله علينا بالطواف في هذه الأوقات المذكورة بعد الصبح والعصر ، فكثيرا ما نطوف تلك الساعتين ، بل لم يفتنا الطواف فيهما ، ولله الحمد ، أيامنا بمكة المشرفة ، وأما ساعة المطر ، فقد نزل علينا مطر في بعض أيامنا بمكة بعد العصر ، ونحن نطوف ولله الحمد ، ووقع ازدحام كبير في الحجر لرغبة الناس في الشرب من الماء الذي يصب فيه من ميزاب الرحمة ، وكنا بحمد الله ممن شرب منه ، وأما عند خلو المطاف ، فبينما نحن نطوف يوما في الازدحام إذ أقبل أصحاب الملك عبد العزيز ، فدفعوا الناس عن المطاف ، وردوهم إلى نواحي المسجد ، وحاط عساكره بالبيت العتيق ، فلم يبق به طائف إلا أنا ، والشيخ محمد الإمام بن شيخنا الشيخ ماء العينين ، فإنهم لم يتعرضوا لنا حتى أتممنا طوافنا ، فالتفت إلى الشيخ ، وقلت له :

__________________

(٣٠٠) نفس المصدر حديث رقم ، ١٠٤٨ ، وارد بمعناه.

(٣٠١) أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار ، أبو الوليد محمد بن عبد الله بن أحمد الأزرقي ، ج ، ٢ ، ص ٤ ـ ٥ ـ ٢١ ، ط ٣ ، ١٣٩٨ / ١٩٨٧.

١٥٩

سبحان الله هذه خصوصية من الله تعالى ، فإنه ما على وجه الأرض الساعة من هو متلبس بهذه العبادة غيرنا ، نرجوه تعالى أن يتقبل أعمالنا ، ويوفقنا لصالح العمل ، ولا يكلنا إليه ، وبلغنا أن الملك عبد العزيز ، كان يطوف في جملة الناس بدون امتياز ، أعوام إمارته الأولى حتى غدره بعض الظلمة ، وهم مستلم الحجر الأسعد ، فضربه بمكحلة حتى مست الرصاصة الحجر الأسعد ، فسلمه الله ببركة ذلك المقام الشريف ، ومن حينئذ صار لا يطوف إلا على هذه الهيئة التي ذكرنا ، خشية الغائلة.

مدة إقامتنا بمكة المشرفة

وقد كانت مدة إقامتنا بمكة المشرفة بعد أيامنا في الحج خمسة أيام ، فباعتبار أيام الحج ، وأيامنا فيها قبله ، تكون المدة سبعة عشر يوما ، لأنا دخلناها صبيحة يوم الأحد فاتح ذي الحجة ، وخرجنا منها بعد صلاة العشاء ليلة الأربعاء الثامنة عشر من ذي الحجة ، نحمده تعالى حق حمده ، ورضى نفسه ، وزنة عرشه ، ومداد كلماته ، على ما تفضل به علينا من حج بيته الحرام ، مشرق شمس سيد الأنام ، عليه أزكى الصلاة والسلام ، حيث دائما يتجلى الحق تعالي على الأنام ، بالرحمة والإحسان والإكرام ، ومغفرة الأوزار ، والأثام ونيل سائر الآمال والمرام. فيا لها من بلدة من دخلها كان من الآمنين ، ومن نحا نحوها ، كان من الفائزين ، فهي قبله العابدين ، وغاية منية السابقين ، ومناخ همم العارفين ، ومحط آمال الراغبين ، نرجوه تعالى أن يسعدنا بها في سائر الدهور ، ويحفظنا من جميع الشرور وينيلنا جميع الخيور ، ويوفقنا لمرضاته في جميع الأمور ويختم لنا بالسعادة ، ويرزقنا الحسنى مع الزيادة ، نحن وبنينا وأحبتنا ، وأقاربنا وأشياخنا ، ومن علمنا ، وجميع المسلمين والمسلمات ، الأحياء منهم والأموات ، وأن لا يجعل هذا آخر عهدنا بهذه البقاع الطاهرات ، والمشاهد المقدسات ، والحضارات المعظمات ويهدينا ، ويكون لنا في سائر الأماكن والأوقات.

١٦٠