الرحلة المعينيّة

ماء العينين بن العتيق

الرحلة المعينيّة

المؤلف:

ماء العينين بن العتيق


المحقق: محمّد الظريف
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: المؤسسة العربيّة للدراسات والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 9953-36-634-9
الصفحات: ٣٩٥

فركبوا في سفينة الباخرة باللغة العجمية «ترن» (٢٠٤) ، فوصلنا سبتة قيلولة اليوم المذكور ، فركبنا حينئذ الباخرة الفاخرة ، فوجدناها في غاية الحسن والاتساع والاتقان ، على حسن تنظيم طبقاتها ، فتلقانا أهلها بالأفراح والانبساط والانشراح ، والتقينا مع إخواننا الحجاج ومشيعيهم من أقاربهم وأحبابهم ، يدخلونها من كل فج ، فكان يوم دخولها يوما مشهودا وقع فيه احتفال كبير ، وابتهاج عظيم ، حتى غصت الباخرة على اتساعها ، ما شاء الله من الداخلين ، فلما سلم بعضهم على بعض ، وحّدوا الله على اجتماعهم لهذه الطاعة وكلهم هنأ بها الآخرين ، نادى مناد في أعلى الباخرة يأمر بخروج غير الحجاج من الباخرة ، ورجوعهم ، فتوادعت الناس وابتهلت وتضرعت لله تعالى بقلوب خاشعة ، وأبدان خاضعة ، وعيون باكية ، وأيد مبسوطة ، داعين للحجاج ببلوغ بغيتهم وبالتيسير لهم في طريقهم ، وبأن يتفضل الله تعالى عليهم بحج مبرور ، وسعي مشكور ، وأن يغفر للمشيعين ، ويتقبل منهم تشييعهم لإخوانهم ، ولا يحرمهم من الأجر ، فعند ذلك رجع المشيعون بسلامة. ومن المشيعين لنا من أهل تطوان حتى وصلنا الباخرة ، قائد المشور السيد محمد المصطفى ، وأخوه الباشا السيد محمد فاضل ابنا القائد ادريس ، والفقيه وزير الأحباس السيد محمد ابن عبد القادر ، والشابان الساكنان وقتهما بتطوان للتعلم بها ، السيد محمد العبادلة (٢٠٥) بن الشيخ محمد الأغظف ابن شيخنا ماء العينين ، والسيد محمد ابن

__________________

(٢٠٤) Train

(٢٠٥) العبادلة : ولد سنة ١٩٢٥ تلقى دراسته الأولى في الصحراء ، هاجر إلى تطوان لاستكمال دراسته العليا ، سخر كل طاقاته لخدمة القضية الوطنية ، فأشرف على فتح عدة فروع لحزب الاستقلال في العيون والسمارة وطنططان ، شارك في مختلف المؤتمرات التي تناولت قضية الصحراء ، كمؤتمر أم الشكاك سنة ١٩٥٦ ومؤتمر بوخشيبية سنة ١٩٥٨ والجمع العام لجمعية الأمم المتحدة سنة ١٩٦٦ ، وغيرها ، جمع جل الأطفال المنحدرين من الأقاليم الجنوبية ، البالغين سن التمدرس ، وأرسلهم بمساعدة رجال المقاومة وجيش التحرير للدراسة في الدار البيضاء ، وأكادير وتفراوت ، وغيرها من مدن شمال المملكة ، توفي في حادثة سير بناحية تارودانت بعد حضوره للمؤتمر الأول للشباب الصحراوي بطنجة سنة ١٩٧٥ ، خلف مجموعة من الأشعار والمقالات. أنظر ترجمته في Le Dossier du Sa ـ () hara occidental, Autilo Gaudio P. ٩٨

١٠١

السيد أحمد بن سيد أحمد بن عيدة (٢٠٦) ، الشهيرة آباؤه بالإمارة في أدرار ، (٢٠٧) [في نواحي مدينة شنقيط وغيرهم](٢٠٨).

مطلب في كون الشيخ مربيه ربه هو رئيس

الحاج الديني في الباخرة وبعض أحوالها هي وأهلها

فلما كان وقت العشاء ليلة الأحد السابعة عشر من قعدة الحرام ، ونحن بالباخرة قدم علينا المقيم العام (٢٠٩) ومعه نائب الأمور الأهلية ووزير المولى الخليفة [الصدر الأعظم](٢١٠) السيد أحمد الغنيمي السليماني (٢١١) ، فاجتمع عليهم من بالباخرة من الحجاج ، وجلس المقيم العام على كرسي ، وأجلس الشيخ مربيه ربه وأخاه الشيخ

__________________

(٢٠٦) أحمد بن عيدّة : هو أحمد بن سيد أحمد عايدة ، أمير أدرار الشهير ، ولد حوالي سنة ١٩٢٠ ، بعد استشهاد والده يوم ١٤ فبراير ١٩٣٢ بوديان الخروب ، التحق بطرفاية فتولى الشيخ مربيه ربه رعايته ، وأوفده إلى تطوان للدراسة بعد الاستقلال المغرب ، قدم إلى الرباط ، وجدد البيعة للمغفور له محمد الخامس ، توفي سنة ١٩٦٢ ودفن بمقبرة الشهدء بالرباط. معلومات زودني بها مشكورا الأستاذ مربيه ربه ماء العينين.

(٢٠٧) أدرار : إحدى ولايات موريتانيا حاليا ، عاصمتها أطار. أنظر الوسيط في تراجم أدباء شنقيط ، ص ، ٤٢٨ حياة موريتانيا «الجغرافيا» المختار ولد حامد ، ص ٢٠٧.

(٢٠٨) «ب» و. ٢٨.

(٢٠٩) هو خوان بيكيدر أينثاJuan Beygbeder Aienza ، جنرال إسباني ولد سنة ١٨٨١ ، التحق بتطوان سنة ١٩١٥ فتعلم الفصحى والدارجة ، في سنة ١٩٣٧ عين مقيما عاما لإسبانيا في المغرب ، وكانت له صلة قوية بالحركة الوطنية المغربية ، توفي بمدريد سنة ١٩٥٧ أنظر حوله : معلمة المغرب ج ٦ ص ١٩٦٢. مطابع سلا ١٩٢٢.

(٢١٠) «ب» ، و، ٢٨.

(٢١١) أحمد الغنيمي السليماني : تولى الصدارة العظمى في المنطقة الخليفية بتطوان ، ولم يبق من عائلته إلا بعض أسباطه ، عن الأستاذ جعفر بنعجيبة.

١٠٢

محمد الإمام علي كرسيين حوله ، ثم خطب خطبة أوجز فيها ، ومقتضاها بعد السلام على من بالباخرة من الحجاج وتهنئتهم بالركوب إلى الحج ، إعلامهم أن معزّ الدولة «الخنر السمو فرانكو» (٢١٢) قد هيأ لكم أيها المسلمون هذه الباخرة لحجكم ، فتنبهوا لفعله الجميل لكم وإعانته إياكم على دينكم ، وقصّوا ذلك على إخوانكم المسلمين بالحجاز وغيره ، واعلموا أن الرئيس الديني لكل من في الباخرة هو سيادة الشيخ مربيه ربه ، والحاكم فيها هو القائد محمد ابن عمر أوشن السعيدي. ثم ودع ورجع من حينه هو ومن أتى معه.

فلما كان قبل السحر من ليلة الأحد المذكورة ، أقلعت الباخرة بنا متوجهة في حفظ الله تعالى جهة الحرم الشريف ، وفيها من حجاج المسلمين ما ينيف على الألف ، وفيهم العلماء والفقهاء والطلبة والخطباء والأدباء والقضاة والقواد والرؤساء والعامة من الرجال والنساء والصبيان ، والناس في منازل الباخرة على طبقاتهم مقبلين على أمر دينهم ، مكفيين أمور معاشهم ، لأن أهل الباخرة قائمون لهم بذلك أحسن قيام في أوقاته المعروفة ، بأوصافه المألوفة ، مع حسن الأخلاق وإظهار الإكرام ولزوم الأدب مع الخاص والعام.

وهذه الباخرة تسمى «ماركيس دي كومياس» ، وصفتها وحمولتها ومقدار سيرها هو ما نشرته الجرائد في العام الحالي والذي قبله ، ونصه باختصار : «الحج إلى مكة المكرمة. أيها المسلمون المغاربة في يوم ١٤ من شهر ذي القعدة الحرام عام ١٣٥٧ موافق ٥ يناير ١٩٣٩ ، ستقلع من ميناء سبتة إلى جدة الباخرة الجميلة المسماة «ماركيس دي كومياس» حمولتها ١٢٢٢٥ طنا ، وسيرها ١٧ ميلا في الساعة ، وسترسى في طريقها إلى ميناء جدة في مرسى مليلية وطرابلس وابن غازي وبور سعيد والسويس ، وسيتوجه صحبة وفد الحجاج رئيس ديني وإمام وقاض مع عدلين وحاكم ، وتحتوي على مصلى ومستوصف وبيت صحي ، وقاعة ومطبخ ، ويقوم بالأشغال داخله خدام مغاربة ، أثمان تذاكير السفر مع الأكل ذهابا وإيابا إلى جدة :

ـ الدرجة الأولى ١٦٠٠ بسيطة إسبانية

__________________

(٢١٢) الخنيرا ليسمو فرانكو : فخامة الجنرال فرانكو.

١٠٣

ـ الدرجة الثانية الاعتيادية ١٤٠٠ بسيطة إسبانية

ـ الدرجة الثالثة الممتازة ٩٠٠ بسيطة إسبانية

ـ الدرجة الثالثة الاعتيادية ٨٠٠ بسيطة إسبانية.

وهذا الوصف الذي ذكر في الجرائد من حال الباخرة وجدناه كله صحيحا ، فتبارك الله أحسن الخالقين ، وليس الخبر كالعيان ، والرئيس الديني المذكور سيدنا الشيخ مربيه ربه كما قدمنا ، والإمام فيها الفقيه المدرس في الجامع الكبير السيد محمد التجكاني (٢١٣) أصلا ، التطواني مقرا ، والقاضي فيها الفقيه السيد عبد السلام ابن احمد القموري ، المعروف بأزطوط (٢١٤) ، وهو قاضي مدينة العرائش سابقا ، وكان رجلا خيرا ، والعدلان ، أحدهما السيد علي الريفي ، الكاتب في مراقبة القصر ، والثاني السيد عبد السلام العلوي التطواني (٢١٥) ، والحاكم فيها القائد محمد بن عمر أوشن (٢١٦) ، المتقدم ذكره.

كيفية قراءة الحزب على سنن شيخنا اليخ ماء العينين

وفي الباخرة عدة مصليات ، فمصلاها الكبير هو الذي في الدرجة العليا ، وهو

__________________

(٢١٣) محمد التجكاني : هذا الفقيه أصلا من غمارة ، حيث توجد قرية تجكان ، وهو رجل صالح وعالم مطلع ، وكان يدرس بالمعهد الديني بتطوان ويخطب بجوامعها ، وكان محبوبا من عامة الناس ، وهو محسوب على عائلة ابن الصديق بغمارة وطنجة ، ويعتبر الأستاذ سيدي محمد بوخبزة أحد أسباطه المتيزين في معرفة التراث المغربي ، وخاصة تراث المنطقة الخليفية. عن الأستاذ جعفر بنعجيبة.

(٢١٤) عبد السلام القموري : قاضي العرائش وأحد وجوه العائلات العلمية بها ، لم يخلف عقبا ، حسب معلومات الأستاذ جعفر بنعيجبة.

(٢١٥) عبد السلام التطواني : كان من عدول تطوان ، ويميز عن غيره من العلويين بإضافة اسم والدته السيدة أم كلثوم «غرسيه» ، تعرض الأستاذ احمد المريبطو العلوي لعائلته في كتاب طبع في بداية الاستقلال ، عن الأستاذ جعفر بعجيبة.

(٢١٦) محمد بن عمر أوشن : هو والد السيد والي عيون الساقية الحمراء سابقا ، توفي سنة ١٩٧٢ عن عمر يناهز الثانية والتسعين.

١٠٤

حسن متسع يسع ثلاثمائة من المصلين أو أكثر ، وهو الذي يصلي فيه سيدنا الشيخ وأقاربه ومن في درجتهم العليا من سائر الحجاج ، وأمر الشيخ أعزه الله إمامه عبد الصمد المذكور بالتدريس فيه وتعليم الحجاج مناسك الحج ، بعد طلوع الشمس وبعد صلاة الظهر ، وتعليمه بليغ نافع ، وأمر الفقيه السيد محمد بن عياد المعروف بالخمسي بتعليمهم فيه بعد صلاة العصر ، وله خبرة بالعلوم واقتدار وقابلية حسنة في التعليم ، ويقرأ الحزب فيه ما ينيف على مائة من الطلبة ، فأولا يقرأ على سنن شيخنا الشيخ ماء العينين المعروف ، وهو أن يقرأه إثنان جهرا وباقي الجماعة سرا ويقرأ في كل ليلة ثلاثة أحزاب ، فيقع الختم في ثلاث أحزاب فيقع الختم في ثلاث جمعات ، ويقع الابتداء في القراءة بعد صلاة العشاء ليلة الخميس ، ثم لم يزل يقرا بعد صلاة الصبح والمغرب والعشاء الحزب ، وويقرأ معه بعد المغرب والصبح سورة ياسين وسورة الصف ، ثم سورة قريش ثلاثا ، ثم ترفع الجماعة أيديهم للدعاء ، ويدعو أحد القارئين بعد أن يقرأ الفاتحة خمس مرات بهذا الدعاء ، والجماعة تؤمن ، ، وهو : «اللهم صل وسلم على سيدنا محمد صلاة تنجينا من جميع الأهوال والآفات وتقضى لنا بها جميع الحاجات ، وتطهرنا بها من جميع السيئات ، وترفعنا بها أعلى الدرجات ، وتبلغنا بها أقصى الغايات من جميع الخيرات في الحياة وبعد الممات ، اللهم أنزل علينا في هذه الساعة من خيرك وبركاتك ما أنزلت على أوليائك وخصصت به أحباءك ، وأذقنا برد عفوك وحلاوة مغفرتك وانشر علينا رحمتك التي وسعت كل شيء ، وارزقنا منك محبة وقبولا وتوبة نصوحا وإجابة ومغفرة وعافية تعم الحاضرين والغائبين والأحياء والميتين ، ثلاث مرات ، برحمتك يا أرحم الراحمين ، ثلاث مرات ، لا تخيبنا مما سألناك ، ولا تحرمنا مما رجوناك ، واحفظنا في المحيا والممات ، إنك مجيب الدعوات ، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين» (٢١٧).

__________________

(٢١٧) أنظر بشأن هذه الصلاة كتاب : أفضل الصلوات على سيد السادات صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ليوسف بن اسماعيل النبهاني ، ضبط وتصحيح عبد الوارث محمد علي ، (الصلاة السادسة والعشرون المنجية) ، ص ٤٣ ـ ٤٤ ، دار الكتب العلمية ، لبنان ط. ١٩٩٦.

١٠٥

وأما في العشاء ، فلا يقرأ إلا الحزب فقط ، والفاتحة خمس مرات ، والدعاء المذكور ويقرأ في صبح كل جمعة مكان الحزب سورة الكهف والدخان ، فيقع الختم بعد صلاة المغرب ليلة الخميس قي ثلاثة أسابيع ، ثم يبتدأ في أول الختمة بعشائها كما قررنا.

قصيدة لصاحب الرحلة في ذكر سندأ

شياخه في القرآن العظيم إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم

وكان شيخنا الشيخ ماء العينين يرتب اثنين من أبنائه أو تلامذته لقراءته بإزائه على هذا السنن ، ويقرأ هو رضي‌الله‌عنه وباقي الجماعة سرا ، خشية التخليط ، وقد كنت أحد اللذين يقرءانه حوله رضي‌الله‌عنه ، أمرني بذلك منذ حفظت القرآن ، وأعطيت فيه الإجازة بحمد الله ، وأنا ابن اثنتي عشرة سنة ، وقد نظمت أشياخي في الإجازة إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في قصيدة لا بأس بذكرها هنا للتبرك بأسمائهم وهي :

أحمد من سنّ على الحقّ المجاز

فراق ما افترض فيه وأجاز

منزل نوره المبين الدّافع

دجى الضّلال جالب المنافع

صلى وسلم على المنزّل

عليه بالحفظ الذي لم يزل

وآله وصحبه من عنه

قد بلّغو ما أخذوه منه

فبحكم الكتاب منهم أخذا

إجازة من ذا لذا وذا لذا

هذا وذي سلسلتي منظومه

في سند الإجازة المعلومه

أسندها إلى النبيّ الهادي

رواية موصولة الإسناد

١٠٦

فيما روى ورش وقالون عن

شيخهما أب رويم المدني

أجازني في المقرإ المذكور

لنافع بأخذه المشهور

أستاذي المّدعو زين المنتمي

إلى محمد الأمين القلقمي (٢١٨)

وهو عون الأستاذ شيخنا الكبير

ماء العيون القدوة القطب الشهير

عن عابد الباقي بن أحمد عن

محمّد بن صالح المبيّن

بالقريشي عن محمد عزي

هذا إلى الطالب عمر التّنمزي

عن عابد الرحمان أعنى ولد

محمد عن الطالب عمر من غدا

يعرف بالكنزي من التنواجي

وي عن أحمد الحبيب تاج

لمط الفلالي عن المشهور

عنيت إبراهيم بالسّكوري

عن عابد الرّحمان نجل القاضي

الفاسي عن سميّه فيّاض

أرض سجلماس بن عبد الواحد

عن الشّريف الحسني سائد

__________________

(٢١٨) هو زين بن البكاي بن الشيخ محمد الأمين القلقمي ، أستاذ المؤلف في القراءات ، أنظر في الأدب والمقاومة ذ. ماء العينين ماء العينين ، ص ١٠٠ ، سحر البيان. ، و، ١٦٧.

١٠٧

محمّد بفاس عن زعيم

دكّال قاسم بن ابراهيم

عن الإمام نجل غاز الشهير

عن عابد الرحمان من يدعى الصّغير

عن أبي عبّاس فلا لي الدار

أحمد عن محمّد الفخار

وهو أبو عبد الإله الرّاوي

عن أحمد المعروف بالزّواوي

أعني أبا العبّاس عن أبي الحسن

ابن سليمان علي في السّنن

راوي أبي جعفر المقصود

بابن الزبير عن أبي الوليد

أعني به العطّار إسماعيل عن

سليل حستون أبي بكر يعن

عمّن له سما محمد أبو

عبد الإله وأبو بغي أب

عن ابن عبد الله بادي المحتد

بجدّه العرجا أبي محمّد

راوي أبي معشر الطّبرى عن

أبي نفيس عن أبي عدي من

يدعى بعابد العزيز بن علي

بعزوه لجدّه فرج جلي

عن ابن يوسف أبي بكر عن

ابن يسار يوسف الذي عني

بالأزرقي وهو أبو يعقوب عن

عثمان ورش بن سعيد الحسن

١٠٨

تجويده عن نافع الإمام

عن ابن هرمز عن الطّمطام

أبي هريرة عن ابن كعب

أبيّ الكاتب أقرإ الصّحب

عن مهبط الوحي رسول الله

أصل الوجود مجمع التناهي

صلّى وسلّم عليه مرسله

لنا بما هو عليه منزله

أمّا روايتي عن عيسى فقد

أروي إلى أبي نفيس بالسّند

عن شيخ بغداد أبي نصر وذا

عن أحمد الفرضي روى ما أخذا

عن الشهير بأبي بيان من

يروي قراءة أبي الأشعت عن

أبي نشيط وهو عن قالون

عن نافع بالسّند المصون

أسألك اللهم بالذّكر الحكيم

وربّنا الرحيم ذي الفضل العظيم

وبنبيّنا المنزّل عليه

وجبرائل الّذ به يأتي إليه

وبشيوخنا الألى ووه

وبلغوا به الذي نووه

وسائر الرواة والأيمّه

ومن له عندك جاه أيّ جاه

أن تجعل القرآن فيّ شافعا

مشفعا وعلمه لي نافعا

١٠٩

وتجعلني بعراه ماسكا

ولمسالك هداه سالكا

وتجعلني في حماه عاكفا

عند حدوده جميعا واقفا

ولتحفظنّي بحفظك له

وأهلك اجعلني بكوني أهله

واغفر ذنوبي وأشفني واغنني

بك وفيك عن سواك أفنني

وبك أبقني ومنك لقّني

مآربي ومن مكارهي قني

ربّ أنل عبدك ما العينين

ابن العتيق قرّة العينين

ربّ ولا تجعل سبيلا للعدى

عليه واكسه حلى عزّ الهدى

وهبه كل الخير وارزقنه

سعادة الدارين وارض عنه

وعن شيوخه وعن أحبّته

ووالديه وجميع نسبته

وأجب الدّعاء فضلا بالحبيب

صلّ وسلمن عليه يا مجيب

نص الإجازة في القرآن الذي كتبه لصاحب الرحلة شيخه نثرا

وهذا نص ما كتب لي شيخي المذكور في الإجازة :

«بسم الله الرحمان الرحيم ، صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب المبين ، وجعل له عبادا ينفون عنه

١١٠

جهل الجاهلين ، وبعد جاء ما العينين بن العتيق بن محمد فاضل القلقمي ، حفيد شيخنا الشيخ ماء العينين ، طلب مني أن أجيزه وأحلي إبريزه في قراءة نافع إمام أهل المدينة ابن أبي رويم وراية ورش وقالون ، فقد أجزته لحسن طويته أن يقرئه لمن شاء. ويفيده لمن أراد ، نسأل الله أن ينفعه وينفع علي يديه ، وأوصيه ونفسي بتقوى الله العظيم في السر والعلانية ، وأخبره بسلسلة أشياخي إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قرأ عليّ ماء العينين المذكور قراءة الإمام نافع بن أبي رويم المدني ، وأخذتها عن قطب الزمن شيخي الشيخ ماء العينين بن الشيخ محمد فاضل بن مامين ، وهو أخذها عن شيخه عبد الباقي بن محمد بن علي مولود ، وهو أخذها عن شيخه محمد بن صالح بن الطالب محمد المعروف بالقريشي ، وهو أخذها عن شيخه محمد ابن الطالب علي التنمزي ، وهو أخذها عن شيخه عبد الرحمان بن محمد ، وهو أخذها على شيخه الطالب اعمر ، الملقب بالكنزي ، وهو أخذها على شيخه سيدي التنواجيوي ، وهو أخذها على سيدي ومولاي سيد أحمد الحبيب الفلالي ثم اللمطي ، وقرأ سيدي مولاي على سيدي إبراهيم السكوري ، وسيدي إبراهيم قرأ على سيدي عبد الرحمان بن القاضي الفاسي ، وهو أخذها على الولي الصالح سيدي عبد الرحمان بن عبد الواحد السجلماسي ، وهو أخذها عن شيخه محمد الشريف الحسني بمدينة فاس ، عن القاسم بن إبراهيم الدكالي عن الإمام ابن غازي ، عن شيخه أبي عبد الله عبد الرحمان الصغير ، عن أبي العباس أحمد الفلالي ، عن أبي عبد الله محمد الفخار ، عن أبي العباس أحمد الزواوي ، عن أبي الحسن علي بن سليمان عن أبي جعفر بن الزبير ، عن أبي الوليد اسماعيل العطار ، عن أبي بكر بن حستون ، عن أبي عبد الله محمد بن أبي بغي ، عن أبي محمد بن عبد الله بن عمر العرجا ، عن أبي معشر الطبري ، عن أبي نفيس ، عن أبي عدي عبد العزيز بن علي ابن محمد بن اسحاق بن فرج ، عن شيخه أبي بكر بن يوسف ، عن أبي يعقوب يوسف بن يسار الأزرقي ، عن أبي سعيد بن عثمان بن سعيد ورش ، شهر به ، عن نافع ، عن ابن هرمز ، عن أبي هريرة عن أبي بن كعب ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وأما رواية قالون فبالسند المتقدم إلى أبي نفيس ، عن أبي نصر البغدادي ، عن أحمد الفرضي ، عن أبي بيان ، عن ابن الأشعث ، عن أبي نشيط ، عن قالون ، عن

١١١

نافع بسنده المتقدم الذي بالنبي عليه‌السلام يتم ، عبيد ربه وأسير ذنبه زين بن البكاي بن الشيخ محمد الأمين القلقمي ، يوم السبت الحادي عشر من شعبان الأبرك عام تسعة عشر بعد الثلاثمائة (٢١٩) والألف ، أرانا الله خيره وخير ما بعده ، ووقانا ضيرهما آمين.

ولم أزل يوم أخذت الإجازة لله الحمد أقرأ عن يمين شيخنا الشيخ ماء العينين حتى توفي رضي‌الله‌عنه في التاريخ المتقدم ذكره ، ثم لم تزل أبناؤه وتلامذته وسائر أتباعه حافظين قراءته ومتحفظين على العهد الذي تركهم عليه إلى وقتنا هذا لله الحمد.

سنن المغاربة في قراءة الحزب الراتب

وكان حزب مغرب ليلة الأحد المذكورة التي أقلعت فيها الباخرة من سبتة (يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ)(٢٢٠) ، فتفاء لنا به لأنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يعجبه الفأل ويكره الطيرة ، وقد كنت أنا الملازم لقراءته على السنن المذكور في رحلتنا هذه ، وكثيرا ما يكون القارئ معي السيد يحجب بن خطر ، وإلا فغيره ممن حضر وفدنا ، فإذا أتممنا قرأته طلبة الحجاج الذين معنا على سنن المغاربة المعروف عندهم ، وهو أن يقرأوا كل ليلة حزبين ، أحدهما بعد صلاة المغرب ، والثاني بعد صلاة الصبح ، ويختمون القرآن في كل خمس جمعات ليلة الإثنين بعد صلاة المغرب. وما زلنا بحمد الله ملازمين قراءة الحزب على الطريقين الموصوفين في المصلى المذكور مع إقامة الصلوات الخمس في أول أوقاتهن بشروطهن على الكيفية المشروعة ، ولا تفارق الجماعة المصلى بين العشائين ، ولا سيما فيما بين الصبح وصلاة الضحى ولا وقت التدريس ، بل في أكثر الأوقات.

__________________

(٢١٩) الثلاثمائة : المائتين ، «أ» وهو مجرد سهو حصل للمؤلف وهو يحرر رحلته ، وقد تابعه في هذا السهو الأستاذ ماء العينين ماء العينين في كتابه «في الأدب والمقاومة» ص. ١١٠.

(٢٢٠) سورة آل عمران ، آية ١٧١.

١١٢

ذكر المصليات التي في الباخرة وأسماء

اسمتها وبعض الأعيان الذين في الباخرة

الباخرة مصليات سبع من غير هذا المصلى الكبير في درجاتها الأخرى وعين سيدنا الشيخ مربيه ربه لكل مصلى منها فقيها يكون إماما لمن بدرجته من الحجاج ، وأمره بتعليمهم مناسك الحج ، وإرشادهم لأمر دينهم ، والمعينون المذكورين سبعة :

١. الفقيه السيد محمد عبد الله بن السيد العربي الزركي الصحراوي المتقدم ذكره.

٢. السيد عبد السلام بن الخضر من أهل القصر الكبير.

٣. السيد العياشي بن حسون من جبالة.

٤. السيد عبد القادر بن عبد السلام الريفي الغماري.

٥. السيد عبد السلام بن سيد احسين من بني حمد.

٦. الفقيه السيد محمد بن عبد السلام النّويني الودراسي ، قاضي قبيلته.

٧. السيد علي بن الحاج شعيب بن عمر القصري.

ومن جملة الأعيان الذين ركبوا معنا في الباخرة بقصد الحج ، وتحدثنا معهم من القضاة والكبراء والقواد وأشياخ الطرق زيادة على ما قدّمنا :

قاضي قلعية ، السيد عمر بن ناصر.

القاضي السيد محمد بن العوفي (٢٢١) ، من قبيلة اولشك (٢٢٢)

مقدم التيجانية السيد الحسن بن عبد الله الفاسي أصلا ، القصري مقرا.

السيد محمد بن عبد الّ بن الحاج عبد الرحمان القادري نسبا وطريقة ، وهو خليفة أخيه مقدم زاوية أولشك اغبال.

باشا شفشاون وقته الشريف الحسني السيد اليزيد بن صالح الرزيني الغمّاري.

باشا الناظور سيدي محمد بن الحاج عبد القادر.

وزير الحربية السيد المصطفى خليفة أبيه السيد علي قائد الأنجر.

__________________

(٢٢١) هو والد الأستاذ نجيب العوفي.

(٢٢٢) بني أولشك : قبيلة تابعة لإقليم الناظور.

١١٣

قائد بني احمد السيد مولاي أحمد بن محمد المصلوحي

قائد العسكر محمد بن احمد الحيحي

القائد محمد بن القائد الزّلالي.

القائد محمد بن احمد بن سلام.

القائد ميمون بن خدّة بن عمر من قلعية (٢٢٣)

قائد بني أولشك محمد بن صالح بن المختار

اعمر بن علال ، خليفة قائد بني سدال (٢٢٤)

الحاج محمد بن زياد ، خليفة قائد أمطلس (٢٢٥)

إدريس بن محمد ناصر خليفة قائد بني بيحيى (٢٢٦)

قائد بني أبي عياش (٢٢٧) ، سلام بن محمد عمر الحاج حدّ الريفي.

إلى غير ذلك منهم ، وهم كثيرون ، والكل بحمد الله يظهر لنا التواضع والأفضلية ، ويلتمس منا البركة والدعاء الصالح ، ولهم أخلاق حسنة وآداب جميلة ، ثم جرت الباخرة بنا سالكة البحر الأبيض المتوسط ، وهو البحر الحاجز بين أرض إفريقية وأرض أوربا ، فلما ارتفع النهار يوم الأحد المذكور ، واجهتنا من جهة اليمين أرض مليلية ، ثم لم تزل تظهر لنا البلاد البرية في ساحل البحر عن يميننا ، بعد ذا واجهتنا أعمال وهران ، وبعدها واجهتنا أرض الجزائر ، ثم بعدها ظهرت بلاد تونس في يومنا الثالث.

__________________

(٢٢٣) قلعية : قبيلة من قبائل الريف يمر بها نهر (الكرت) ، كان لها دور كبير في محابرة الإسبان الذين حاولوا غزو الريف سنة ١٩٠٨ ، فصدهم المغاربة بقيادة محمد أمزيان ، الموسوعة المغربية للأعلام البشرية والحضارية ، عبد العزيز بنعبد الله ، معلمة المدن والقبائل ملحق ٥ ص ٢٤٤.

(٢٢٤) سيدال : من أفخاد قبيلة القلعية ، نفي المرجع ص ، ٢٤٤.

(٢٢٥) امطلس : منطقة تابعة للناظور.

(٢٢٦) بني بيحيى ، من قبائل الريف الكبرى ، نفس المرجع ، ص ١١٩.

(٢٢٧) بني بوعياش : توجد بإقليم الحسيمة قرب وادي النكور

١١٤

مطلب في ذكر وصولنا لأرض طرابلس وبعض ما جرى لنا فيها

وفي صبيحة يوم الأربعاء الموفي عشرين من ذي القعدة الحرام ، وهو يومنا الرابع من سبتة ، رست بنا الباخرة بمرسى مدينة طرابلس ، فأظهر لنا أهلها الفرح بمقدمنا ، وتلقونا بالسفن والزوارق ليركب من أحب الهبوط إلى المدينة مجانا ، فلم يأخذوا أجرة من كل من نزل من الباخرة إلى المدينة ، فنزل كثير من الحجاج لأغراضهم ، وكل من أتاهم رحبوا به وأظهروا له الإحسان والإكرام ، وأعانوه على قضاء حاجته.

فلما كانت صبيحة الغد يوم الخميس ، نزل الشيخ محمد الإمام نائبا عن أخيه الشيخ مربيه ربه ، ونزل معه جامعه ما العينين بن العتيق والسيد ما العينين يحجب ابن خطري ، وعندما نزلنا من الزورق بساحل البحر ـ تلقانا وجوه المدينة وكبراؤها بالترحيب ، وقالوا إنهم كانوا في انتظارنا للسلام علينا وتأكيد عرى المحبة بيننا وبينهم ، وسألوا عن سيادة الشيخ مربيه ربه ، فأخبرناهم أن أخاه الشيخ محمد الإمام نائب عنه في ملاقاتهم وتحيتهم ، ففرحوا بنا وهنأونا بالسلامة وبقصد حج بيت الله وقالوا لنا : تشرفنا برؤيتكم وسرنا مقدمكم المبارك ، ومن الذين تلقوا لنا بإزاء المدينة ، الشيخ الحاج محمد الزّمري مأمور النفوس ، وعمه الحاج مصطفى ، والأستاذ الشيخ علي بن موسى مختار محل حومة غريان ، وعمه الشيخ مصطفى بن موسى ، والشيخ مصطفى زكي بادي ، والشيخ محمد بن رمضان ، والشيخ مصطفى الأقدامسي المدرس إمام محلة الدبران ، والشيخ عثمان الوفاتي ، [وغيرهم](٢٢٨).

زيارتنا لقبر الصحابي الذي في طرابلس وتسميته

ثم بعد السلام والدعاء ، التمسنا منهم أن يبعثوا معنا من يدلنا على قبر الصحابي المعروف هناك وعلى بعض المساجد لنزور ونتبرك بمشاهد الخير ، فبعثوا معنا رجلا ،

__________________

(٢٢٨) «ب» ، و. ٣٢.

١١٥

فسار بنا إلى جامع كرج (٢٢٩) ، وكرج هو مصطفى كرج ، اسم الرجل الذي بناه ، وقبره في زاوية منه ، وزرناه هناك ، وصلينا في المسجد ما شاء الله من النافلة ، وهو مسجد حسن ، في تنظيم بديع ، سقوفه قباب ، فرشه زرابي تركية ، ثم سرنا إلى جامع شائب العين (٢٣٠) ، وهو أيضا اسم الرجل الذي بنى الجامع ، وقبره عنده وزرناه أيضا هناك ، وصلينا في المسجد ما شاء الله ، ثم سرنا أيضا إلى جامع الباشا (٢٣١) ، وهو أحمد باشا الكرماني بانيه أيضا ، وصلينا فيه ولقينا به رجلا هو القائم بأمره يسمى السيد محمد بن يوسف ، عليه وسم خير ، فرح بنا ، ثم سرنا إلى قبر الصحابي المذكور ، وقالوا لنا أن اسمه منيدر (٢٣٢) بالتصعير ، وأنه تواتر عنهم أنه صحابي ، وأنه روي عنه حديث واحد عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قلت ويشهد لذلك ما في كتاب «الترغيب والترهيب» للحافظ زكي الدين المندري ، ونصه : «وعن المنيذر رضي‌الله‌عنه ، صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : من قال إذا أصبح رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا ، فأنا الزعيم لأخذنّ بيده حتى أدخله الجنّة». رواه الطبراني بإسناد حسن». انتهى من لفظه ، قالوا : ومما يعضد كونه صحابيا ، وجدان هذين البيتين مكتوبين على بعض القبور التي بجواره وهما :

[الكامل]

هي في جوارك يا منيذر فاحمها

ومن المروءة أن يجار الجار

حاشا لفضلك يا حبيب محمّد

من أن تمسّ مجاوريك النّار

فلما وصلنا قبره رضي‌الله‌عنه ، وجدناه ، عنده هيبة عظيمة وأنس كبير ، فقرأنا عنده

__________________

(٢٢٩) جامع كرجي : يوجد بمحلة كرجي غرب طرابلس ينسب إلى الرجل الذي بناه.

(٢٣٠) جامع شائب العين : يوجد في المدينة القديمة بطرابلس.

(٢٣١) جامع الباشا الكرماني : يوجد في طرابلس المدينة ، قرب باب الترك قريبا من الساحة الخضراء.

(٢٣٢) هو منيدر بن ثابت الأنصاري ، يقال إنه روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

١١٦

سورة يس وبعض سور المفصل ودعونا الله ، ثم سرنا لقبر السيد بهلول (٢٣٣) في تلك المقبرة ، وهي كبيرة ، وهو رجل مشهور بالعلم والصلاح ، فزرناه واستغفرنا له ولجميع من بالمقبرة من أموات المسلمين ، ودعونا الله هناك.

اجتماعنا بقاضي طرابلس وجلسائه ، وفيهم

مؤلف «ملخص الأحكام الشرعية» ومذاكراتنا معهم

ثم انصرفنا راجعين إلى المدينة ، فصلينا الظهر بجامع الدرج (٢٣٤) ، فلما خرجنا مررنا بمحل قاضي القضاة بالمدينة ، فتلقى لنا بعض أصحابه ، وهشوا وبشوا لنا وأدخلونا في المحل ، وسألونا أن ننتظر مجيء القاضي ليسلم علينا ، ففعلنا ، فلم نلبث أن جاءنا ، ورحب غاية وأكرم مجلسنا وأحضر الطعام الحسن ، وأظهر الإكرام والمسرة بمقدمنا وهنأنا بما نحن بصدده من حج بيت الله الحرام ، واسمه الشيخ محمود بن محمد بن برخيص ، وكذلك جلساؤه ، فكلهم باسطنا وانشرح للقائنا ، وكلهم ذو علم وآداب وأخلاق جميلة. ومن الأعيان الذين لقينا مع القاضي المذكور ، الشيخ أحمد الشارف (٢٣٥) الحاكم بالمحكمة الشرعية العليا بن علي ، من قبيلة العمائم ينتهي نسبه إلى العباس بن مرداس من بني سليم ، ويلقب بشاعر ليبيا ، والمراد بليبيا طرابلس وسائر قطرها ، وتذاكرنا معه ومع القاضي ، فوجدنا لهما خبرة كثيرة بعلم الفقه والأدب والسير والتاريخ والأشعار وأكثر العلوم ، وقبل قيامنا بقليل أنشدهما جامعه ما العينين ابن العتيق ، غفر الله لهما هذين البيتين من ارتجاله وهما :

__________________

(٢٣٣) بهلول : ولي صالح.

(٢٣٤) جامع الدرج : يوجد في المدينة العتيقة.

(٢٣٥) الشيخ أحمد الشارف : من قبيلة أولاد يحيى من العمائم ، ولد بزليطن سنة ١٨٧٢ ، حفظ القرآن بالمعهد الأسمري ، وهو من كبار شعراء ليبيا ، توفي سنة ١٩٥٩.

١١٧

[البسيط]

ذا فحل لبيا وذا قاضي طرابلسا

كلاهما لاح فيه الفضل إذ جلسا

من شاء شيخين في علم وفي أدب

ذا فحل لبيا وذا قاضي طرابلسا

فاستحسنت الجماعة البيتين ، وارتاحت لهما ، فلما هممنا بالقيام ، اعتذر الشاعر المذكور عن جوابهما بديهة ، فقلنا إنما هي مباسطة بين الإخوان ، وما قصنا اقتراح الجواب. ومن الأعيان الذين لقينا أيضا في هذا المجلس ، السيد محمد بن عبد القادر بنون المحامي في المحكمة الشرعية ، والكاتب الأول في المحكمة الشرعية العليا السيد محمد بن مفتاح محسن ، والشاعر المجيد ، الشيخ أحمد بن محمد فقيه حسن (٢٣٦) ، والسيد البشير بن الحاج حمودة بن حمزة ، محامي شرعي وإمام خطيب بجامع سيد احمود (٢٣٧) ، ومفتش الكتاتيب القرآنية ، الشيخ محمد بن عامر (٢٣٨) ، محامي الشرع من قبيلة بني غازي ، ومؤلف كتاب «ملخص الأحكام الشرعية على المعتمد من مذهب المالكية» (٢٣٩).

__________________

(٢٣٦) أحمد فقيه حسن : هو أحمد بن محمد الفقيه حسن : شريف يتصل نسبه بسيدنا الحسين ، وأسرته من الأسر الطرابلسية العريقة في العلم والأدب ، ولد بطرابلس سنة ١٨٩٤ ، من علماء ليبيا الكبار وشعرائها البارزين ، ساهم بدور فعال في الكفاح الوطني ضد الاستعمار الإيطالي ، توفي سنة ١٩٧٥ ، ودفن بمقبرة سيدي منيدر ، أعلام ليبيا ، طاهر أحمد الزواوي ، ج ٢ ، ص ٣٢٢ ـ ٢٢٣ ، ص. ١ ، ١٩٦٩.

(٢٣٧) جامع احمود : من المساجد العتيقة بطرابلس ، ولم يبق له أثر.

(٢٣٨) محمد بن محمد بن عامر : ينتمي لفرع عائلة ابن عامر ببنغازي ، وهي عائلة مشهورة بالعلم ، ولد سنة ١٨٩٨ ببنغازي. اشتغل بالمحاماة والعمل الصحفي ، فكان ينشر مقالاته بجريدة الوطن ومجلة ليبيا وغيرها ، ألف عدة كتب منها : ملخص الأحكام الشرعية على المعتمد من مذهب المالكية ، تاريخ برقة ، وغيرهما ، توفي سنة ١٩٦١.

(٢٣٩) طبع هذا الكتاب سنة ١٩٧٢.

١١٨

مطلب في موضوع «ملخص الأحكام الشرعية» وأنه هو جل

اعتماد صاحب الرحلة في ألفيته فيما يقع بين اثنين وبعض ترجمة تلك الألفية

وكتابه هذا على غزارة علمه وطول يده في الأحكام ، لأنه أتى فيه بما تمس الحاجة إليه من المسائل والأحكام في عبارة سهلة ، أخذ من الأقوال أصحّها ومن العبارات أوضحها ، واختار ما هو الأوفق والأرفق حسب الزمان والمكان ، وراعى الأمانة في النقل ، وقسمه على أربعة أقسام ، القسم الأول ، في القضاء الشرعي ومتعلقاته ، القسم الثاني في الحقوق العائلية والأحوال الشخصية ، القسم الثالث في المعاملات والتبرعات ، القسم الرابع في المواريث.

وقد ظفرت بكتابه المذكور أيام اشتغالي بالألفية التي نظمت فيما تدعو إليه الحاجة مما يقع بين اثنين ، ولصحته واستيفائه بالمقصود جعلته جلّ معتمدي ، وسميتها ب «البغية من ملخص الأحكام الشرعية على المعتمد من مذهب المالكية». قلت في ترجمتها :

حمدا لمن في الخلق مضى

ولا مردّ للذي به قضى

سبحانه منه العطاء فضل

والحكم فصل والقضاء عدل

صلى على المبعوث بالفرقان

للناس فيه غاية التبيان

وآله الألى رووا من نبعه

ولم يميلوا عن سواء شرعه

وبعد فاسمع رجزا غير مخل

من قصر ولا من الطول ممل

في بعض ما يقع بين اثنين

لولد العتيق ما العينين

١١٩

أحكامه الصحيحة المصادر

أكثرها ملخص ابن عامر

ومن قوانين الإمام ابن جزي

لخصت مما ليس في التلخيص شي

أقسامه أربعة مجعول

في كلها الأبواب فالفصول

وحيثما نظمت فيه الغنيه

لذي الحجا سميته بالبغية

مما تلخص من الأحكام

معتمدا في مذهب الإمام

والرشد والتوفيق ارحم الله جل

والعون والاخلاص قولا وعمل

ثم لما من الله تعالى عليّ بإتمام النظم على الكيفية المطلوبة ، قلت في الآخرة من أبياته :

والحمد لله على تمام

ما رمت جمعه من الأحكام

فكان إذ تمّ النّظام ألفا

ومن يرد به اكتفاء أللفى

نرجوه تعالى أن يديم النفع به ، ونحمده على ما أعطى من ذلك بمفضله.

ثم تذاكرنا مع ابن عامر ، مؤلف الكتاب المذكور ، ومع سائر الجماعة المذكورة في مجلس القاضي في أكثر الفنون ، فوجدناهم لهم اليد الطولى في المشاركة في العلم ، فلبتنا معهم نحو ساعتين ، وقمنا ، فقاموا معنا مشيعين إلى ناحية البلد ، فلما هموا بالرجوع طلبوا منا الدعاء الصالح ، فدعا الشيخ محمد الإمام وأمّن الجميع لدعائه ، فتوادعنا ، وانصرف كل لوجهته بخير. فركبنا الزّورق إلى الباخرة ودخلناها وقت

١٢٠