تاريخ طبرستان

المؤلف:

بهاء الدين محمد بن حسن بن إسفنديار


المترجم: أحمد محمد نادي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: المجلس الأعلى للثقافة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩١

فلما بلغ الملك من حديثه هذا الحد ، قطب رئيس الموابدة جبينه مفكرا وعلى نحو ما يقولون : ـ

أضحت قناتك فى الفخار قويمة

أغنت عن التثقيف والتقويم

وغذت لك الأيام قاضية بما

تهوى فلم تحتج إلى التقويم

قال لتعلم أيها الملك إن أهل الدنيا سعداء بمكانك الرفيع وجاهك الواسع ، وقد احتال عليك شيطان عنيد بمثل هذه الحبة من الغم ، فألقى بك فى الشرك فإن كان المليك يأذن بهذا الحديث فى طلب المشورة من عبده فقد قال العقلاء : ـ (من التمس من الإخوان الرخص عند المشورة ومن الأطباء عند المرضى ومن الفقهاء عند الشبهة ازداد تحيرا ومرضا واحتمل وزرا) والحكماء يقولون أحزم الملوك من ملك جد هزله وقهر هواه رأيه وعبر عن ضميره ، ويقول عمر (لا يكونن حبك كلفا ولا بغضك تلفا) مع قرب المزار والتجاوب الذى يصيب بالفم ـ حاشا لله أن يبتلى الملك بمثل هذا البلاء ـ فقد قال : متمرسوا الدنيا (العشق شغل القلب الفارغ) (ولا أرانى الله فراقك) ، ولا كان اليوم الذى يفرغ فيه قلبك من العناية بصلاح العالم بعد أن تكون الدنيا وأهلها حيدا حلالا لك فكيف بك تصبح حيدا وفريسة لخيال محال وقد قال العلماء : (زلة العالم لا تقال) ، ومعناها إن خطأ العالم لا يغتفر ، كى يتنزه بذاته العظيمة إلى هذه الدرجة عن الأفعال الفطرية (النزوات) التى يقول عنها العرب : وللملوك بداوات قد كانت منزهة ، عن حديث فسق العشق الذى يليق بمصاطب الخلفاء والماجنين لا بمجالس الملوك والأدباء وذلة العشق هى ذل وضلال ، والعاشق متنزل لقلة العقل وكلة البصر ،

خلعت العذارى فى متابعة الهوى

كأنك قد مهدت فى خلعه عذرا

ويجب أن يحضر الطبيب عملا بالمثل أول الحجامة تخدير القفا كى يدرك الخلل الذى وجد طريقه إلى دعائم المزاج ، فلا يصح أن يكون للنقصان أو الرجحان زيادة فيجب تعادل الطبائع وعدم التطرف فيها ، فما فرغ من هذا الحديث نهض وغادر المكان فلما أن سمع الملك حديث الموبد انطوى على نفسه ولاذ بالصبر بضعة أيام ، وفى النهاية هكذا أحال مسلوبى القلوب أن يعدلوا دائما عن كلام العاذل ولا يلقوا إليه بسمعهم وهذا من جنون الشباب وغرور الملك بل إن طبيعة الإنسانية لابن آدم حريص على ما منع فقال الملك :

٨١

ابتليت بالعشق وكثيرا ما وقع للناس غيرى مثل هذا النوع من البلاء.

ـ فكيف ألوم نفسى على ذلك ولست أنا أول من صدر عن مثل هذا الحال.

واستدعى الوزراء وأرسل الرسل إلى جميع القادة من الأطراف كى يفتشوا عن صاحبة ذلك الصورة ، وبموجب هذا الأمر انطلقت الرسل على ظهور النوق وقضوا زمنا فى هذا السفر والبحث دون أن يصلوا إلى لون أو رائحة لهذا الطيف ، وكان مع كل خبر يأس تزداد انطفاء نضارة بشرة الملك وانسكاب عبراته ، وكان له قريب يدعى مهر فيروز وكان يحظى بقرب وقرابة خاصة عنده ، فاستدعاه فى إحدى الليالى وقال له لست أنا من استحدث رسم العشق فى هذه الدنيا : ـ

ضلوعى توالت فى الهوى حسراتها

وطالت كما شاء النوى زفراتها

وأوقد نارا فى جوانحى الجوى

تغرم ما بين الحشى جمراتها

لابد أن الامك ، ومعاناتك من أجل ما بيننا من قربة أكثر وأبلغ بالتأكيد من معاناتى وتألمى فعليك أن تعقد العزم وتجد فى طلب الشفا والدواء لى ، لأنك إن حصلت عليه وبقيت أنا حيا فلن أفرط قط فى مكافأتك وقضاء حاجاتك وإلا : ـ

فإن مت فأعذرنى فكم غاب فى الثرى

نفوس كرام ملئها حسرات (١)

فأجاب" مهر فيروز" قائلا : ـ

لتكن أوتاد حبل عمر الملك أرسخ من جبل" دماوند" ، وكل شعرة قد نبتت فى جسدى لو أنها تحولت إلى روح وبذلتها فى سبيل الفوز برضاه لكان ذلك قليلا فى حقه وفى حق الوفاء بحقوق نعم الملك الكثيرة على ، فحتم على عبده إذا ما نهضت من المجلس ألا أجلس ثانية دون أن أجوس بقدمى كل ما هو متاح بيد أرض الدنيا وأن أحصل بفضل الإله المعبود على المطلوب المقصود فلا أرجع إلى خدمتكم ما لم أنتزعه وإن كان فى فم أفعى أو فى عين نملة.

فأشرب ماء الجفن إن مسنى الصدى

وآكل لحم الكف إن كنت أغرس (٢)

وخرج فى الحال وتخير عددا من الرجال الأشداء فى الحرب فكهذا إذا أوردت ماء وفى الماء قلة تفرق عنها سائر الناس أو تسقى.

__________________

(١) فإن مت فاقبل عذرى ، فكم تحت التراب من نفوس كريمة فنت وفيها حسرات ـ المترجم.

(٢) أشرب الدموع إن أصابنى العطش وأطعم لحم الكف إن أصابنى الجوع (المترجم)

٨٢

وأمرهم جميعا أن يشدو على وسطهم نطاق الوفاء وأن يضعوا على وجوههم أقنعة الحياء ، وسأل تلك الجماعة ممن طافوا بأرجاء العالم ، أى طرف من الأطراف غاب عنكم أو سقط منكم ، ولم تطأه قدمكم فقالوا : ـ

لقد طفنا بالشرق والغرب فى بلاد العجم والعرب إلا من نقطة" طبرستان" فارتحل" مهر فيروز" فى نفس ذلك اليوم من" بلخ" وأطلق عنانه إلى طريق" طبرستان" وأرسل الملك من ورائة ذخائر الخزائن حتى بلغ مركز" الطوسان" فلحق به الوالى الذى كان معينا عليها من قبل الملك ، وكان يبذل من المال ما لا حصر له فى جميع نواحى تلك الولاية حتى انقضى عام ونيف دون أن يلوح أثر من سحاب فى سماء الأمل وعجزت حيله فقال ذات يوم :

العز فى استعلاء سرج طمره

لا فى التكاء المتن فوق وساد (١)

وأمر أن يتركوا هناك الفراش والمتاع وركب فى موكب واحد مع عدة أشخاص واتجهوا صوب شاطئ البحر ، وكل نهر كان يعبره كان يترك مراكب الأعوان فيه حتى وصل بجواده فقط حتى حدود ديلم ، وقاد جواده فى النهر حتى غاصت أقدامه فتركه وبمشقة بالغة استطاع أن يصل إلى شاطئ النهر سابحا فلا هو قد رجع ولا هو وصل إلى مراده ، فصار فى تلك الغابات والأدغال ، فكان يتجول حتى وجد ماء نقيا صافيا ففكر أن يكون لهذا الماء المتدفق من عمار فصار على الماء حتى وصل إلى رأس النبع وعلى نحو ما جرى ذكره فى البداية رأى فتاة على نفس الصفات فقال فى نفسه لو كانت جنية فسوف أقتلها ، وإن تكن آدمية فهى غايتى التى أقصدها واستل السيف وصار إلى رأس النبع فلما نظرت إليه الفتاة رأت رجلا جميلا ممسكا سيفا فقالت أيها الشاب من أنت؟ وما اسمك؟ وماذا تفعل هنا؟ فمن العجب أن يكون مثلك فى هذا المكان : فقال مهر فيروز أنا آدمى وأخبرنى عن حالك وأصلك فقالت : أنا آدمية أيضا وموطنى فى هذا المكان ولى من الآباء اثنان أعنى أب وأخاه ولى أم وأخوة كثيرون فقال مهر فيروز إذ لم يكن صعبا عليك فقودينى إلى مشارف مقامكم فخرجت الفتاة بخفة من الماء وصحبته صوب قصدها ودخلت فرأى مهر فيروز مكانا مريحا فقال : اليوم يوم سلو كل فؤاد : اليوم برد حرارة كل الأكباد وسألت الأم عن سبب مجيئها فقصت لها عن أمر مهر فيروز فأمرتها بأن تخرج وتحضره إليها وامتثلت الفتاة إلى ما أمرت به ، فلما رأته الأم أبدت الترحيب والبشاشة به وبعثت

__________________

(١) طلب العز فى ركوب الخيل ، لا فى الخلود إلى الراحة والوسادة. (المترجم).

٨٣

بأصغر أبنائها إلى زوجها وأخوانه حتى تستدعيهم فلما وصلوا سلموا على مهر فيروز فوجدوا فى ضيافته كل مظاهر الكرم وكعادة الديالمة لم يسألوه أى سؤال قط مدة ثلاثة أيام وكان مهر فيروز يتعجب من إنسانيتهم وكرمهم فلما انقضت ثلاثة أيام قالوا كيف حللت فى هذا المكان بهذا البهاء والجمال والدلال والكمال ، فلا سلطان ولا قائد ولا إنسان يشبهك ، فقال : اعلموا أنى إنسان من خواص ملك الدنيا ومن أقربائه وجئت إلى مدينة طوسان من أجل رياضة النفس والتنزه ولأنى قد سمعت أنه لا يوجد فى الدنيا مكان للصيد أفضل من هذا المكان فركبت ذات يوم مع بعض الخدم وجئت إلى هذا المكان جريا وراء الصيد ، فلما رأيت ابنتكم وقد تخلف رفاقى بشتى الأماكن وغرق جوادى فى هذا النهر والآن وقد علمتم أنى لست إنسان يلحقكم منى عار ولا أحتاج إلى مالكم ولا لعددكم فإن وجدتمونى لائقا فأعطونى ابنتكم فقال الأب والأم والأخوة كل جانب من منظرك دليل على كرم مخبرك ودليل ينبئ بفضلك ونبل جاهك فكيف لا نقبل بمثلك؟ أما عن مجيئنا إلى هذه المنطقة فهو على نحو ما تقدم ذكره ، ولنا أخ أكبر لا يجوز قط أن نبت فى أمر بغير إشارته ومشورته وقد جلس على مقربة منا فإن تقبل أن تشرفنا بمرافقتنا مضينا إلى هناك ونعرض عليه الأمر ، فشكرهم مهر فيروز على امتنانهم ورغبتهم الصادقة وذهبوا عند بزدان فلما رآه لم يقصر فى إكرامه وإعزازه وإجلاله وسأل أخاه عن دواعى هذا الإنعام بخطى هذا الشريف إليه.

ليس مجىء الفيل إلى بيت العنكبوت دونما سبب قط فإن يكن من أمرنا فكان الواجب إبلاغى كى أسرع إلى خدمته وأتشرف بلقائه فأطلعه أخوه على ما حدث وأبلغه برغبة مهر فيروز فى الخطبة فقال عن كرم الرجل وإحسانه وأدبه وأمانته هى المعبرة عن حقيقته.

إنى أرى فى هذا الرجل صفات الكمال والتى تبدو من خلال حركاته وسكناته وكلماته وسكوته فاقبلوا عسى أن يكون هذا الأمر سببا لنا فى الخير وراحة البال ، وتعاهدوا على ذلك بالإجماع ، وطلبوا للعقد مهلة وحينما انتهى مهر فيروز من هذا الأمر طلب منهم شخصا كى يبعث به إلى مدينة" طوسان" ويأتى إلى هنا بكل أحماله وأثقاله وجماله وبغاله فقدموا أحدا من أخوة الفتاة فكتب رسالة إلى والى الطقوس ، لقد عثرت على ما ينشده الملك وابعث برسالتى على وجه السرعة إلى حضرة الملك وطلب أخا آخر كى يرسله فى طلب الرفقاء الذين تخلفوا حتى يرشد الجميع فلما وصلت الرسالة إلى والى الطقوس ، وبناء على الأمر الصادر له أن بعث بها على وجه السرعة وعلم الملك وقال المتن (لله أن بلغنا ما ينشده) وأمر أن ترسل بأحمال من الذهب والمجوهرات والثياب مع مهد (هودج) ومركب إلى" مهر فيروز" وأقاموا الزينات

٨٤

فى جميع الممالك ولم يقصروا فى تعظيم وإجلال الفتاة وحينما وصلت هذه القافلة إلى خدمة مهر فيروز تحير يزدان وإشتاد من حشمة وعظمة "مهر فيروز" وسجدوا بين يديه إجلالا ولم يكن مهر فيروز حتى هذه اللحظة قد جرى على لسانه أن خطب الفتاة للملك وقال لهم : لتكن البشارة لكم فقد رغبت أن أصلكم بالملك وأن أخلى نفسى ، ونثر عليهم القصة كالماء فزادت السرور والبهجة وتعجلوا فى إرسال الفتاة ، فلما وجد الملك المطابقة بالمعاينة وانتقلت المشافهة إلى المجابهة وتحول الحلم إلى حقيقة قال الملك : إنها هى التى لاح لى طيفها وكان حبها ومودتها تزداد على مر الأعوام وتعاقب الأيام حتى تمكنت من الملك حتى سألها الملك ذات يوم فى أثناء المحاورة والمسامرة قائلا : إن نساء ولايتكم ذوى عيون أجمل وفم أطيب وبشرة أنعم فما سر ذلك فأجابت الفتاة بلغنا أيها الملك السعيد ليكن دائما شكركم مقرونا بالصباح ولتكن أعينكم دائما مستنيرة ، أنهن يرتدين فى الصيف الكتان وفى الشتاء الحرير ويشبعن بالقليل فإذا ما أكلن تركن مكانا للنفس فقال الملك : أيتها الحكيمة الآن اطلبى ما تشائين فقالت الفتاة يأمر الملك بأن يطلق اسمى على ماء "هرهز" والتى هى به "باى دشت" فامتثل الملك لأمرها وأقاموا أساسا لمدينة باب "هرهز" وذهب إلى هذا المكان المساحون والمهندسون ولأن المكان كان مرتفعا فلم يستطيعوا أن يصلوا ماء هرهز إليه وقدرا ولد له فى هذا العام ولدا أطلق عليه خسروا وتمنت على الملك بأن يرسلها إلى ذلك المكان إذ أن المناخ فى بلخ لا يناسب ولم يستطيعوا أن يصلوا ماء هرهز إلى ذلك الموضع أيضا فطلبت الفتاة ليكن إذن "باى دشت" ولا يزال حتى اليوم اسمها موجود على "باى دشت" ولا يزال آثار ذلك البناء قائما إلى عهدنا ـ عهد الكاتب ـ ويدعى الآن "شارستان مرز" ، وأمر بعد ذلك بأن ينتقلوا إلى المدينة الموجودة الآن فجاء المهندسون وأقاموا أساس المدينة فى هذا المكان الذى يقال له" إسبانه سراى" وكان هذا المكان فى البداية يلقب به" أماتة" ، والآن هو مسجد جامع ونبع ماء كان قد فجر من جبل" ونداوميد" ، وفى عهد اليزدادى ظهر بعض من ذلك الماء وكان خلف القصر ماء عذب ولطيف جار فكانوا يأتون به من هذا النهر بواسطة الدواب فلما أسسوا المدينة أقاموا قلعة من الطوب المحروق وقام ثلاثة من الفرسان الأصدقاء فحفروا خندقا عميقا حول المدينة بعمق ثلاثة وثلاثين ذراعا بمقياس ذراع المساحين وكان عرضه قدر رمية سهم ، وكان على هذه القلعة أربعة أبواب ، باب جرجان وباب جيلان ، وباب الجبل ، وباب البحر وتبلغ مساحة المدينة أربعمائة جريب ، وبقيت على هذا الحال لسنوات وقصر آمل التى كانت زوجة مهر فيروز حتى الآن يطلقون عليه حى كازران وكان يقع خلف رستاق اليذازين والجبانة بنفس المكان ، وفى عهد الملك السعيد" أردشير" قام العمال بإزالة التراب من أعلى تلك النقطة قدر رمحين فظهرت المبانى الكثيرة وبان السرداب والمقبرة ، وقد بقيت مبانى تلك المدينة عامرة بصفة عامة

٨٥

طيلة حياة مهر فيروز ، فلما توفى وجلس مكانه خسروا توسع فى إقامة العمائر وشيد قصورا خارج الخندق وجعلها دارا لملكه ، حتى رغب الناس من الأطراف أن يقيموا فيها فأقام الأكابر والملوك الحدائق والقصور والأسواق والحانات والمرافق كى يكونوا بجوار الملك كما أمر بإقامة سور آخر من الطين ومده حول هذه العمائر الجديدة ، وما بين السورين كان يقال له رابض وما كان خارج السورين كان يقال له الزهق وهذا مسطور بكثرة فى القيود القديمة ، ومعنى آمل فى لغتهم" هوش"" ومل" ويقال للموت هوش" ومل" وهذا كناية عن" لا كان لك الموت مطلقا".

وقد ورد أنه حينما كان الإصفهبد مازيار من قارن يخرب أسوار آمل وجدوا آنية فخارية خضراء محكمة فوهتها بالقصدير ، فأمر المسؤول عن ذلك الهدم بأن يحطموها فخرج منها لوح صغير من النحاس أصفر قد سطر عليه عدة أسطر بالخط الساسانى ، فاستدعوا من يستطيع قراءتها ليترجمها وكلما استفسروا منه عن أمر لا يجيب حتى انتهى إلى التهديد والوعيد ، فقال مسطور على هذا اللوح الطيبون يعملون والأشرار يهدمون ، وكل من يهدم هذا لا يمر عليه عام ، وبالفعل لم يتم عام إلا وكان مازيار قد أسر وحمل إلى" سامراء" شر من رآه وهلك وتروى حكايته تلك ، والمسجد الجامع الذى أسس عام سبعة وسبعين ومائة فى أيام هارون الرشيد وكان المسؤول عن عمارته إبراهيم بن عثمان بن نهيك وطلب أن يشترى هذا المكان فى بادئ الأمر إلا أنه لم يسلم إليه حتى جاء الوقت الذى أسلم فيه الجد أبو الحسن بن هارون الفقيه وكان يدعى أنبارك فلقبوه بمبارك فباع قصره وبعده كان كل إنسان يبيع بيته تبركا ، فلما اكتمل بنيانه قاموا كى يحددوا القبلة ، وظل المطر يتساقط آنذاك طيلة أربعين يوما بلياليها فلم يتيسر تحديدها بالضبط فعينوها بالحدث والتخمين وبلغ سعر المكان الذى عليه الجامع ثمانية آلاف واثنين وثلاثين دينارا ، وبلغ طول المسجد ثلاثة وتسعين ذراعا ، وطول ارتفاعه عشرة أذرع ، وبلغت دعائم سقفه ثلاثمائة ألف وستمائة وأربعين دعامة ، وتقاس بقية أجزائه على هذا النحو وقد تكلف بنائه سبعة وأربعين ألف وثلاثمائة وأربعين دينارا ، وكان فيروز شاه ألبانى الأصلى قد حفر خندقا على طول ساحل البحر من حدود جرجان حتى حدود جيلان وموقان ، ولا يزال أثر ذلك الخندق ظاهرا فى مواضع شتى من طبرستان ، ويسمونه خندق فيروز ، وقد بالغ اليزدادى فى تأكيد هذا الأمر وحينما كانوا يضعون أساس مدينة آمل كان هناك رجل صاحب عيال يملك مساحة من الأرض تقدر ب جريب وكان بستان أعناب له وقد كلفوه ببيعها فقال : لا أبيعها قط فعندى عيال ، وقد تجمع الأغنياء فى هذه المدينة وبدون ملك يصير أبنائى كالأسرى بلا كرامة وبينى وبينكم حاكم وقاضى عدل الملك فلما عرضوا هذا

٨٦

الأمر على مهر فيروز أجاب بأن ما يقوله صدق والواجب أن يعطى من المال أولا ما يصير به من الأغنياء ثم يتم التصرف فى ملكه بعد ذلك.

" مدينة تريجة"

يشتق اسمها من" توران جير" وكان فى عهد" فرخان" الكبير وقد عقد الصلح مع الأتراك على أن يأخذوا الضرائب ولا يتعرضوا لطبرستان وبعد ما انقضى عامان أخذوا في إقامة الاستحكامات عند الحدود وعبر الطرق والمسالك وقصروا في أداء الضرائب والإتاوة ، وبعد تحصين المنافذ وتقوية مداخل الولاية ومخارجها انطلقوا عبر الصحراء وفتحوا منطقة تسمى فيروز آباد إلى حدود لفور وأقاموا بها ، ولما علم الأتراك بنقض العهد جازوا إلى طبرستان وجعلوا صول ملكا واتخذوا هذا الموضع الذي هو المدينة معسكرا للجيش وأغاروا على كل الأطراف يسلبونها ويذبحونها ، حتى أغار عليهم فرخان ذات ليلة وظفر بهم وقتل صول وجميع جنود الترك بحيث كان يشاهد القتلى أكواما بعد أكوام ، وقد وقع في كمائن الأسر الجيش الذى كان غائبا عن المعسكر وانقطع بعد ذلك طمع الأتراك فى طبرستان ، واتخذوا هذا الموضع مدينة وأطلقوا عليه توران جير.

" مدينة ما مطير"

حينما وصل الإمام الحسن بن أمير المؤمنين على عليهما السلام إلى ما مطير وكان معه مالك بن الأشتر النخعى بجيش العرب إبان خلافة أمير المؤمنين عمر ولا يزال حتى الآن ذكر معسكرهم فى موضع يسمى" بالكة دشت" وهذا الموضع به ما مطير وقد بدا لعين الحسن بن على إذ رأى البرك والطيور والأشجار وارتفاع البقعة وقربها من ساحل البحر قال بقعة طيبة ماء وطير ، ومنذ ذلك التاريخ وقد وجدت بها مبان قليلة حتى كان عهد محمد بن خالد الذى كان عاملا على الولاية فأنشأ السوق وأمر بالتوسع فى العمارة وفى عام ستة وستين ومائة أسس مازيار بن قارن المسجد الجامع وجعلها مدينة.

" بيرون دربند"

المدن التى خارج رباط" تميشه" هي التي يعتد بها وتنتسب إلى طبرستان وتتصل بجرجان وقام جرجين بن ميلاد بتأسيسها وكانت مساحة رقعتها أربعة فراسخ ، وكان بها دائما مقر حكام طبرستان وكان رعاته يأتون إلى مراعى إستر آباد ، وقد اتخذ فيها مقاما ومنزلا وبطول المدة كان يزداد عمرانها وأطلقوا عليها

٨٧

إستر آباد ، وتمتد الجبال طولا وعرضا من دينار جارى حتى ملاط على حدود طبرستان ، وكانت المنطقة من الرى إلى قومس حتى ساحل البحر جميعها مأهولة وقرى متصلة ببعضها البعض بحيث لا يوجد شبر من الأرض مهمل وعديم المنفعة وكان داخل رباط تميشه يوجد سبع وعشرون مدينة وكان بها الجامع والمصلى والأسواق والقضاة والعلماء والمنابر وهى على هذا النحو : ـ

" آمل" ، " سارى" ، " مامطير" ، " رود بست" ، " آرم" ، " تريجة" ، " ميلة" ، " مهروان" ، " أهلم" ، " باى دشت" ، " ناتل" ، " كنو" ، " شالوس" ، " سحورى" ، " لمراسل" ، " طميش" يعني" تميشه" ، " كلار" ، " رويان" ، " نمار كجوية" ، " ويمة" ، " شلنبة" ، " وفاد" ، " الجمة" ، " شارمام لارجان" ، " أميدوأركوه بريم" ، " هزاركري".

وكان خراج" طبرستان" فى عهد الدولة الطاهرية يبلغ مليونا وثلاثين ألف درهم مقسمة على النحو : من" سارى" إلى" تميشة" مليون وستمائة ألف ، ومن" مامطير" و" تريجة" ثلاثمائة ألف وسبعون ومن" آمل" مليون وأربعمائة ألف ومن" شالوس" ثلاثمائة ألف ، ومن" رويان" تسعمائة ألف ، ومن" الأرجان" ثلاثمائة وتسعون ألف ومن" دنباوند" مليون ومائتان ألف وكانت ضياع" طبرستان" مقسمة على ثلاثة أقسام وبلغ محصولها فى أيام الدولة الطاهرية سبعة مليون وتسعمائة درهم وهى على هذا النحو : المعروف بالحوز والخلاصة وكان يشتمل أيام المازيارية من اثنين وسبعين قرية إلى مليون وستمائة درهم.

المعروف بالمأمونية ، والذى اشتراه الخليفة من الإصفهبد خورشيد ويبلغ ثلاثمائة درهم سطح" أميدوارنكوه ولفور" وحدود ذلك" مازيار" ويصل من ألف قرية إلى خمسمائة ألف درهم.

سفوح جبال" كوهستان" الإصفهبد شروين" والتى قد أخذها ملك الجيل ، ويبلغ خمسمائة ألف درهم.

والضياع التى" لمحمد بن عبد الله الطاهر" وقد منحها للإقطاع ، وتبلغ مليون درهم.

غلال" سليمان بن عبد الله الطاهر" وتبلغ مليون درهم ، وبلغ مجموع دخل" طبرستان" من الخراج والضياع والرسومات فى عهد الدولة الطاهرية ثلاثة عشر مليون وستمائة وثلاثين بخلاف منتجات تميشه.

٨٨

الباب الثالث

فى خصائص وعجائب طبرستان

منذ قديم الأيام كانت دائما" طبرستان" موطنا ومعقلا وملجأ للأكاسرة والجبابرة ، وبسبب حصانتها المنيعة ووعورة مضايقها كانوا يرسلون إليها الخزائن والكنوز والذخائر ، وكل ملك كان يتغلب عليه عدوه ولا يجد له مكانا على وجه الأرض بين الأقاليم الأخرى كان يأتى لهذه الأرض كى يجد الأمن ويستريح من مكائد خصمه ، وكانت مملكة فريدة ولها ملك مستقل ولم يكن أهل طبرستان يحتاجون لشىء ما قط من الولايات الأخرى فكل ما هو موجود فى الدنيا المعمورة من لوازم الحياة موجود بها ، الكثير من الحشائش الغضة فى كل الفصول والأوقات ، مياهها صافية سائغة وبها أنواع من الخبز الطيب من القمح والأرز والجاورس ، وبها ألوان من لحوم الطيور والوحوش غير ما يوجد فى غيرها من الولايات ، وطعامها لذيذ وبها مشروبات سائغة ملونة من أصفر وأحمر وأبيض مثل الحلبة والورد وماء الورد وصفاؤها من تلك المشروبات ورقتها مثل دمع العاشقين ومثيرة للسرور والبهجة مثل وصل المعشوق ، لا تسبب السكر كصحبة الصالحين وهى مقوية ونافعة بدرجة كبيرة لا تسبب صداع السكر والخمور طيبة الرائحة مثل المسك الأذفر ، وشتاء طبرستان مثل خريف الأماكن الأخرى وصيفها مثل الربيع وجميع أراضيها رياض وبساتين بحيث لا تقع الأعين إلا على خضرة ، ومدنها وقراها متصلة ببعضها البعض وتسيل المياه المتدفقة منها من جوف الصخر فوق الجبال ، والفلاة نحو البحر وهواؤها معتدل ولطيف يهب من الشمال إلا أنها بسبب قربها من البحر تكثر بها البحيرات فيغلب عليها فى بعض الأوقات التلبد بالسحب والغيوم أكثر من الولايات الأخرى.

روى أبو عبد الرحمن محمد بن الحسن بن عبد الحميد المراسكى القاضى عن أبى الحسن على بن محمد اليزدادى رحمه الله عن أبيه عن الشيوخ السالفين أنه كان يوجد رجل على حدود لمراسك يدعى شهرخوا ستان ابن زردستان وكان ذا مال ودواب وتجمل وكبر سن وحنكة وكان أبناؤه وبنو عمه أصحاب جاه والجميع شدوا

٨٩

وسطهم وجعلوا أرواحهم فى طاعته وأتباعه فلما أقام الإصفهبد فرخان الكبير مدينة سارى وجدوا ذلك الحائط الذى كان أنو شروان العادل قد أقامه ، وذكر ذلك يحكى خلفا عن سلف وأمر بحفر خندق وإنشاء رساتيق فاتجهت الخلائق صوب حضرته من كل الأطراف يثنون عليه وعلى تصويب رأيه فى تجديد تلك المبانى" لشهر خواستان" ، فلما عرضوا الرأى على الملك أن شهر خواستان تخلف ورفض المثول مع الوفود أرسل فارسين فى طلبه ليحضروه فلما وصلا الفارسين إليه وكان قد أعد وليمة وحفلا وكان عظماء المدينة قد اجتمعوا فى بيته فقال لأبنائه : " أنزلوهما وقدموا لهما كل ما عزّ وأن يراعوا كل ما يليق بحرمة الملك ، ومضى مختبئا فى قصره وأمر بأن يجمع من متاع طبرستان من الملابس الصوفية والحريرية والكتانية والقطنية وأنواع الخبز الطيب والحلوى المتنوعة والمربات والمخللات وبنات الضرع وبنات الماء ولحوم الصيد المجففة والطيور الداجنة وغير الداجنة والفواكه الغضة والمجففة والمشروبات المختلفة الألوان والرياحين ، وأن توضع فى أجولة وركب فى نفس الليلة حيث وصل نهارا إلى سارى وقضاء كانوا قد فرشوا سجادة كبيرة فى ذلك اليوم وكان الإصفهبد يخطب من فوق المنبر على رسم الملوك وفى خلال حديثه قال : اعلموا يا أهل طبرستان أنكم كنتم جماعة فى حراش الدنيا لا خبر عنكم ولا رغبة لأهل الأقاليم فى هذه الولاية أوطانكم فى حضن الغابات مع الوحوش والسباع ساكنين ولا تدرون عن عادات ورغد العيش ولين الملبس والمركب من الجياد العربية ولا علم لكم عن استخدام الطيب وأنا قد أوجدت لكم الراحة والرفاهية ومكارم الأخلاق وأنشأت المدن كى تكون محط رحال الأكابر والتجار ، وأحضرت لكم من الأماكن البعيدة النفائس والمشتهوات حتى أصبحتم من بين ذوى الذكر والمشهورين وجاءت مدنكم فى الاعتبار ، وقدمت نفسى لهذه الشفقة بالتأكيد لبلدكم أفلا أكون مستحقا للشكر والامتنان ، فهب الحاضرون فى المجلس من كل طرف بالدعاء ، والثناء ، والشكر ، والقبول ، إلا شهر خواستان لا قام ولا حرك لسانه وكان الإصفهبد يراقبه بعينه فلما لم يسمع منه كلاما قط ورأى الإنكار على أسارير جبينه ظاهرا فصاح به ما الأمر حتى سكت كسمكة وكأفعى ملتوية فقال شهر خواستان لبيك وقام وقبل الأرض وقال لو يمن على الملك بالحديث ، فقال بأن الحق لا يحبس وكان" شهر خواستان" قد أحضر معه عشرة خروار من الأمتعة فأحضرها عنده وكشفها وبعد ذلك قال لقائد القوات دمت ما دامت الدنيا باقية ، يا جماعة المجلس انتبهوا لى ساعة وتأملوا ماذا أعرض عليكم؟ وأخذ يتفقد ما بداخل الأجولة واحدة تلو الأخرى من المشروبات والملبوسات والمأكولات وبعد ذلك قال نحن معشر الناس كنا فى غنى عما يجلب إلينا من الولايات الأخرى ، والله تبارك

٩٠

وتعالى قد أراحنا ففضلنا القناعة بالكفاف وقضينا الأيام فى سعة وراحة وطمأنينة ، لا يوجد عاشق ولا حاسد ، ولا منازع ، ولا رقيب ، واقف على أسرار الولاية ، لا طمع لخلق فينا ، ولا حاجة بنا لأحد ، فكانت الدور والمزارع والمصائد داخل نطاق الخندق ، وأقام على كل فرسخين رئيس وأمير وعمدة مقتدى ومطاع ، فجاز هذا الملك ، والحاكم دام توفيقه وعزه ، فأطلع جميع الغرباء والأجانب علينا وعلى أسرار ولايتنا ، وهتك أسرارنا وأحوالنا ، ولفت أنظار الخصوم والمنازعين إلينا ، ولما لم يعد ممكنا حجب أى وضع فى هذه الولاية عن مخلوق قط ، واليوم وقد أتى إلينا الناس من كل صوب يتخذون مقاما لهم عندنا وعلى الفور دخلوا معنا فى صراع وخلاف وخصومة ويضيقون علينا هذه الديار ، ويشردون أولادنا وأعقابنا ، فعلم الحاضرون وقائد القواد أن ما يقوله حق وصدق ، وصدقة الإصفهبد وقال : أما وقد وصل الأمر إلى هذه الحال فما الحيلة بعد هذا؟ قال (شهر خواستان) قضى الأمر ولا مدفع له اليوم ، لو كنت قد تشاورت من قبل لكنت قد أرشدتك على الطريق وأبديت الرأى لك ـ إن شاء الله ـ بالسداد فما الملك إلا إصلاح وفير وقد جرى قبل هذا الحديث عن" فيروز شاه" وآمل وعن صلاح وعفاف نساء طبرستان وديانتهن وأمانتهن وحسنهن وطهارتهن وقد كتب" عبد الرحمن بن حرزاد" : فى كتاب" مسالك الممالك" أن الحكماء اجتمع رأيهم على أن أفضل أماكن النزهة والمتعة فى طبرستان وسمرقند وقد وصف" حصين معين بن المنذر الرقاشى" سمرقند لبعض الخلفاء فقال كأنها السماء فى الخضرة ونهره المجرة للاعتناق وسورها الشمس للأطباق وسئل" أنوشروان بزرجمهر" عن" طبرستان" فقال هى طرب وبستان كاسمها وقال" عبد الله بن قتيبة" : يجب أن يقال لها تبرستان حيث هى مزينة بالتبر ، سهلية جبلية بحرية غياضة ، فجبالها لملوكها منعة ووزرة وغياضها لأهلها خزانة ونهرها لهم متجر ومصيد وسهلها الجنان يسير المسافر على بسط من الخضر ، منمنمة موشاة بأنوار الربيع طيب البنفسج وعيون النرجس ، وطرائق تلك الأنوار تحت ظلال الأشجار على أغصانها عساكر الطير ، لكل طير منها لون من اللباس مونق وصنف من الصغير مطرب يقصر دونه كل عزف ومزمار ، متدليات الأعناب والأثمار مطردات الأنهار تذكرك من الآخرة الجنان وتجلى لك جنتى سبأ قبل الكفران وقال" أبو الحسن اليزدادى" : التقيت بشيخ رحالة من أهل خراسان له من العمر مائة عام كان يقول طفت بالأقاليم السبعة وأسود العمر بسياحى ولم أجد ولاية فى الراحة والأمن وطيب العيش والصفات مثل" طبرستان" وإن يقل شخص غير ذلك عن مكان آخر فإنه لا يقوله عن تبصر أو بصيرة وهو مزيف :

٩١

من طبرستان بلاد معشرى

ودار قومى بين أثناء الرّبى

مدينة خضراء من جاورها

ألقى نشيطا فى روابيها العصى

ترى الزروع تحتها مياها

تجرى وأعلاها الثمار تجتنى

مشرفة العليا على البحر ترى

سفينة إذا جرى أو ارتسى

كأنما جنات عدن نقلت

إلى ذراها بهجة لمن دنا

فطرتها السندس فى حضرتها

نمنها نور ربيع ووشى

وطيرها تعزف فى أغصانها

كأنها روض جنان فى سبا

ولا يوجد بها مطلقا الثعابين القاتلة ولا العقارب ولا الأسود ولا الفهود ولا السباع ولا الحشرات المؤذية مثل ثعابين سجتان وهندوستان وعقارب نصيبين وكاشان وجاشك وموقان وجراد عسكر ورتيلا وبرغوث أردبيل وسباع العرب وتماسيح مصر ، وأسماك قرش البصرة ، وقحط الشام ، ومرارة عمان ، وسيراف ، والأهواز ، وأجمع أهل العالم أنه لا يوجد فى جميع الدنيا مقام رائع مثل" طبرستان" وبها الكثير من الحاصلات المباحة مثل الحطب والفواكه ، والقصب ، والحشائش ، وتوابل الفلاة والجبل ومناجم الكبريت ، والزاج وحجر الكحل ، كما تشتهر بكثرة مناجم الذهب والفضة والتى فيها منفعة للفقراء وتجارة وربح للأغنياء ، كما بها أنواع من الطرائف الكتانية والقطنية والحريرية والصوفية والكليمية على أصناف مختلفة ذهبية وصوفية ، والتى هى من هناك إلى العالم شرقا وغربا ، وقد كتب" اليزدادى" أنهم أتوا إلى طبرستان فى العهد الأول لأجل الحلل الأطلسية والمنسوجات والحرائر العتابية النفيسة وأنواع الحرائر القيمة والمخمل السقلاطونى القيم والشراب الغالى والكافور الذى لا يفوقه كافور آخر فى الطيب ، والجودة ، والعباءات الحريرية ، والصوفية ، الرفيعة ، وأنواع من البسط الجهرمى والمفروشات والسجاجيد والبللور البغدادى والفرش العبادانية وآلتى تصدر من هناك إلى أقصى بلاد الدنيا ولا يمكن الحصول على مثلها فى جميع الآفاق ، وكانت آمل حتى عهدنا سوقا لبضائع السقسين والبلغار وكان الناس يأتون إليها من العراق والشام وخراسان وحدود بلاد الهند فى طلب سلعهم وبضائعهم ، وكانت تجارة أهل" طبرستان" مع البلغار السقسين نظرا لأن" سقسين" تقع على شاطئ البحر المقابل لآمل ويقال إنه حينما كانت تمضى السفينة إلى سقسين كانت تستغرق ثلاثة أشهر وعند ما تعود تستغرق أسبوعا إذا كانوا يقيمون صلاة الجمعة هناك والجمعة الأخرى" بهلم" إذ أنه فى الذهاب يكون البحر فى

٩٢

صعود وفى العودة يكون البحر فى انحدار ، والنساء فى طبرستان يكتسبن فى اليوم خمسين درهما لحسن صنعتهن اليدوية فلا يمكن أن يوجد فى طبرستان قط فقير مدقع على نحو ما يكون فى سائر البلاد الأخرى.

ويحكى أنه حينما تزوج الطبرى فى مكة وجريا على عادة حب الوطن كان يتحدث كل يوم مفتخرا بموطنه حتى جرى على لسانه ذات يوم أنه لم ير فى آمل شخصا فقيرا ، فصرف أهل مكة العزم للعثور على برهان لتكذيب دعواه حيث وجدوا فى وقت من الأوقات واحدا وأحضروه عنده فسأله ذلك السائل أنت من آمل فقال نعم أنا من آمل وموطنى حى حازمة وبين كل علامات المدينة فسأله الطبرى ثانية ماذا يقولون فى مدينتك للدامن؟ قال" دامن" فسأل ثالثة ماذا يقولون للجيب؟ فقال جيب فقال إنك تكذب ولست طبرانى المولد وكان يقسم له على ذلك فقال السائل الحق معك ، أنا كنت رضيع حتى حملنى والدى ووالدتى من مدينة الرى إلى هناك وتزوجت بها ونشأت فسألوه كيف عرفت فقال لأنهم فى" آمل" يقولون لآمل لمبر وللجيب" كريون" وخراج طبرستان سهل ويسير وفى عهد" ملوك باوند" رحمهم الله لم يكن على الرعايا ولا على المعارف ولا على الأرباب خراج وكان مياها مباحا وكان دائما ملوك وأمراء وقواد طبرستان أعظم الناس ، وكان الخلفاء والسلاطين والأكاسرة والملوك القدماء لا يقدمون على أمر إلا بعد إبداء مشورتهم وموافقتهم وكانوا يطلبون منهم البيعة أولا لأولياء عهودهم وكانو يعيشون حياة ألفة مع الصديق والعدو على السواء ، وكان علماؤهم وكتابهم وأطباؤهم ومنجموهم وشعراؤهم لا نظير لهم ، ولقد ذكرنا كل واحد من الملوك الذين التجأوا إلى طبرستان يوم نكبهم كما جرى بعد ذلك ذكر منوجهر وإفريدون فى مطلع هذا الباب.

ولما ألقى أكوان رستم زال بن داستان فى البحر فظهر عند ساحل بحر طبرستان والذى يقال له بقلزم وعلم الناس حاله فتولوه بالرعاية وبالغوا فى تعهده ومدوه بالمال والدواب والخدم والحشم وكل أسباب الملك ، وكان ابنه سهراب يطوى الدنيا بحثا عن أبيه لدى الأتراك والإيرانيين والهنود والرومان والتقيا فى النهاية فى" موضع بليكش" فى" أرض الرويان" وحيث لم يكن كلاهما يعرف الآخر فقد وقع بينهما صراع وقتال وقد أصيب سهراب على يديه بجرح فأخذ ينصحه ويتوعده على نحو ما ذكر فى الشاهنامه ، ولما علم الأب أنه ولده أخذ تابوته كى يخفيه ولما وصل إلى سارى حيث كان قد أقام بها قصر الطوس فنزل به حتى تقل درجة الحرارة فى الجو فيأخذه ولم يتحقق له ذلك ، ويقال إن قبره بها ولما احتل الإسكندر أرض الفرس

٩٣

فر منه دارا ابن داروب ولجأ إلى طبرستان وبعث برسالة إلى الإسكندر لنفرض أنك ضيقت علىّ أقاليم الأرض السبعة فماذا ستفعل بفرشواذجر وحصن دارا فأنه أشبه بالمتوج فى الجبل لدى الترك سواء فى البحر والخزر ، وفى عهد" خسرو برويز" كان خاله كستهم قد هرب وجاء إلى طبرستان لأنه كان قد قطع يد وقدم بندويه أخا خسرو الذى كان نائبه على خراسان وقد علم خسرو بذلك فلم يستطيع أن يفعل له شيئا إلى أن أغرى أخت بهرام جوبيه بالخديعة وأمرها بندويه بقتله وتفصيل ذلك مفصل فى الشاهنامه ولجأ سليان نام إلى طبرستان فى عهد الأكاسرة وشيد بيتا فى هذا الموضع الذى به" قلعة كيسليان" ويقال له فى طبرستان" كيه خان" وله قلعة سميت باسمه ومنذ ذلك التاريخ وحتى عهدنا فى سنة ستمائة وثلاث عشرة لا تزال هذه القلعة عامرة (١).

عجائب طبرستان

إحداها جبل دماوند فقد ذكر فى كتاب" فردوس الحكمة العلى" لابن ربن الطبرى (٨٣) أن من قرية" امسك" حتى ضمته مسيرة يومين وهو على شكل قبة مخروطية الشكل وجوانبه مكسوة بالثلوج على الدوام لأعلى فوهته فى مساحة تبلغ ثلاثين جريبا وهو مكان لا يستقر عليه الثلج صيفا وشتاء وهناك رمال إذا سرت عليها لا تغوص القدم ، بها وعند ما تقف على سطح الجبل يظهر بحر الخزر يجرى أمامه والجبال من حوله كالتلال ، ويوجد ثلاثون ثقبا فى فوهة هذا الجبل يخرج منها دخان الكبريت ويسمعون أصواتا مخيفة تبعث من هذه الثقوب على شكل أسهم حيث يوجد فى جوف وقلب الجبل نيران ، ولا يستطيع حيوان قط أن يستقر علية لشدة الرياح التى تهب عليه ويقول علماء الكيمياء : إنه يمكن العثور على الكبريت فيه.

وقد أخبر" اليزدادى" أنه فى عهد قابوس شمس المعالى كان يوجد شاب كان يدعى ابن أمريكا قد عثر على الكبريت الأحمر هناك ، وكان يصنع الذهب فلما عرف الملك هرب وعلى نحو ما جاء فى أخبار أصحاب الأحاديث أن صخر الجنى صاحب خاتم النبى سليمان صلواته الله عليه لما أسره سليمان حبسه هناك ، وطلب من الحق تعالى عز اسمه أن يعذبه فيها حتى قيام الساعة ، وقد ورد هذا عن أمير المؤمنين على عليه السلام بأسانيد صحيحة ، أما عن أحوال" بيوراسب" وحكاياته التى أمر الخليفة

__________________

(١) إشارة إلى أن المؤلف كان يكتب مؤرخه آنذاك. (المترجم).

٩٤

المأمون بالوقوف على أمره ، وما كان فى عهد" هرمزد شاه" و" خسرو برويز" ، وحكايات" موسى بن عيسى الكسروى" التى وردت فى كتاب النيروز والمهرجان ، وحكايات الجارية والحرة اليسعية ، ولما كانت تلك الحكايات بعيدة عن العقل وغير منقولة عن أخبار أصحاب الشريعة فقد تركتها ـ أى الكاتب ـ حتى لا يأخذها القراء على سبيل الأكاذيب ، وجاء فى أخبار المجوس وهرا بذتهم أن أنوشروان العادل بعث إليه رسول فلما رآه سلم عليه وقال : من بعثك إلى ، قال : كسرى أنوشروان فقام على قدمه وقال دعاء وقدم للرسول ثلاثة أشياء حبا ومودة ، وقال احملها إليه وقل له يحررنى وهذه المعاجين الثلاث إحداها أن يأكلها كى يدفع الشيب ثانيها لهضم الطعام وثالثها لقوة الجماع ، فلما مثل عند أنوشروان نظر فيها وتعجب وقال ليس لنا حاجة بهذه المعاجين لأن الشيب وقار وجمال ووجاهة الرجل وليتنى أجد المشيب حتى تزداد هيبتى وعظمتى وبهائى فى القلوب أما عن المجامعة والرغبة فى كثرة المعاشرة معاذ الله ـ فهذا معناه الانتقال من صحة العقل والثبات إلى حالة الجنون والخفة حتى إذا كان للحفاظ على بقاء الإنسان والتناسل فليس هذا مشتهاى ولا رغبتى ، أما عن حديث هضم الطعام لأكل المزيد فالفائدة إذن ستكون زيادة الغائط فالزهد والإمساك أولى إلا ما كان لسد رمق الطبيعة الإنسانية ، فلا يصح أن يكون لعاقل قط رغبة فى الطعام كرغبة البهيمة فى العلق ، ولما كان كل هذا موجودا فكان الأولى أن يسلم ابن الحرام ذلك إلى الهلاك ، ثم أمر بأن يؤخذ ما كان قد أحضر للمشيب وأن يوضع عليه الخاتم ويمسح به رأس كلب أبيض فكانت رأسه تكبر وتتورم ساعة بعد ساعة حتى تضخمت فكان يدور ويضربها فى الصخر حتى أسلم الروح فأمر أنوشروان بأن يدفن الكلب فى التراب.

كان ملك يدعونه" بما هيه سر" وكان ذا رأس صغيرة ولم يكن على رأسه شعر قط وكان دائما يعقد على رأسه عمامة صيفا وشتاء بحيث لم ير مخلوق قط رأسه كيف هى.

وكان يهودى اسمه شمعون بن خداداد ، ويقول البعض بل كان مجوسيا اسمه" بابى بن فرخ أذين" كانت أمه محتالة ساحرة لا يوجد لها مثيل فى الزمان ، وكانت تدعى" روز بنت خورشيد" وكان مسكنهم على بعد أربعة فراسخ من مدينة آمل عند شاطئ" بحر بيشة" وتعرف الآن" أسى ويشة" ، وكان قصرها فى تلك القرية ولا تزال هى عامرة أيضا وتدعى ويلبر وتوجد بين قرية" كدلنكور" و" شير آباد" هضبة عظيمة عالية وحادة تعرف الآن بقلعة" ما هية سرى" ويحيطها خندق عميق به ماء غزير وبالماء طحالب كثيرة مهما ألقى فيه من شىء لا يبلغ ـ قاعه ولا يمكن عبوره إلا

٩٥

بزورق لو سقط فيه وحش فإنه كلما تحرك أكثر يغوص فى الأرض أكثر وله ساحة فى الجانب التى تهب منها ريح الشمال فينبت عليها النرجس لا يوجد فى العالم نرجس بمثل رائحته ، وكان التين الخسروانى فى قرية ويلبر أشد عسلا من الحلوى وكان" ماهية سر" ملك ظالم وجبار وطاغ وعات ومستبد وكان أهل الولاية قد ضاقوا منه فقد جمع مالا كثيرا ودفنه تحت مبانى تلك الولاية ، وفى عهد عبد الله بن محمد بن نوح أبو العباس الذى كان واليا على طبرستان جاء إليه شيخ له مائة عام من أهالى تلك المنطقة وأعطاه دلائل الكنز ؛ فأرسل أبو العباس جميع المساجين مع أمنائه إلى ويلبر كى يستخرجوه وبذلوا كثيرا من الجهد وصونوا أموالا وانشغلوا بذلك عهدا طويلا وكلما بلغوا الموضع الذى تظهر فيه تلك العلامات كانت الجوانب تنهدم فوقهم فتقتل الناس ، ولم تفلح علوم ولا حيل حتى تخلى أبو العباس فى النهاية عن هذا الأمر ، وقد حكوا أن بعضا من الأكاسرة قد بعث برسول إلى" ماهية سر" بأن يأتى إلى خدمتنا وإلا فسوف تتم المخاطبة معك ، فأنزلوا الرسول فى هذا المكان وصدرت الأوامر بإكرامه وكان قد صنع سحرا حتى لا يسمع بالنهار أصواتها من الضفادع والوحوش والطيور فلما حل الليل كانوا يسمعون أصواتا صاخبة كصوت سقوط السماء على الأرض فى تلك الموضع ، فلما سمع رسول كسرى فى تلك الليلة هول يوم القيامة سأل وهو متحير عن هذا الأمر؟ قالوا هؤلاء حراس الملك فى الليل ، قال : أين كانوا بالنهار؟ قالوا يستريحون بالنهار فلما عاد رسول كسرى وقص هذا الأمر قالوا له لقد رأيته فى النوم وتوهمت أنك رأيته فى اليقظة وجاء فى تاريخ البرامكة أن" ماهية سر" كان صاحب خاتم برمك من عبد الملك بن مروان ، وقد سجلت هذه الحكاية فى الكتاب أولا ولكنها تقترب فى رأيى إلى الكذب وسبب ذلك أن" ماهية سر" منذ العهد المبارك لصاحب الشريعة وكان عبد الملك من خلفاء بنى أمية وقد أورد اليزدادى فى كتابة كثيرا من الحكايات عن" ماهية سر" وملكها وهى كلها خرافات وأساطير عجائز لأنها غير معقولة لذا لم نذكر ترجمتها.

وقد ورد أنه لما آلت الخلافة إلى سليمان بن عبد الملك قال : بما إن الإمارة وصلتنى بطريق الإرث فيجب أن يكون لى وزير قد أسندت له الوزارة أبا عن جد أيضا ، قالوا : إن برمك هو الرجل الذى كان موصوفا بهذه الصفة ، وآنذاك برمك قد عاد إلى الشام وبعث سليمان برسول فى إثر برمك إلى بلخ وكان برمك قد توجه إلى بغداد عن طريق طبرستان ، وآنذاك يقال قد التقى عرضا مع أحد من ملوك مازندران وكان الملك مشغولا باللهو على ظهر زورق ، فلما التقى برمك به ورأى خاتما فى أصبع الملك كان فصه غاية فى الروعة ، أدرك أنه الملك بالفراسة ، وفى الحال

٩٦

أخرج الملك الخاتم من إصبعه ورماه فى البحر فاستاء برمك من هذا الأمر كثيرا ، وبعد ذلك طلب الملك من خازن المجوهرات صندوقا فأخرج سمكتين ذهبيتين بقدر الخاتم وكلتاهما متصلة بالأخرى وألقى بهما فى البحر خلف الخاتم بعد ذلك خرجت السمكتان الذهبيتان وفى فمهما الخاتم فأخذ الملك الخاتم ووضعه أمام برمك.

الخلاصة :

أن برمك تعجب من هذا الأمر كثيرا ولما مثل عند سليمان بن عبد الملك ووقع نظر الخليفة على برمك استاء تماما ، وكلما كان برمك يقترب من الخليفة كانت تزداد دهشة ووحشة الخليفة ، فلما قام لمصافحته امتنع سليمان عن مد يده وقال ابعدوا هذا الشخص عنى ، فأخرجوا برمك واستفسر الندماء عن هذا الأمر ، قال الخليفة كيف يحضر برمك السم معه ربما انطوى فى داخله باطل وعبر بخياله محال ، فلما علم برمك هذه الواقعة مثل فى بلاط الخليفة وقال اتخذت هذا السم لنفسى لأن سنة الوزراء القدامى أن يجعلوا لأنفسهم قليلا من السم فقد يوقعهم القدر فى حادثة أو بلوى ولا يغنى دفع المال لهذا الأمر ويصبحون موضع استخفاف فيتناولون هذا السم ويخلصون أنفسهم بهذه الصورة ، فاستحسن الخليفة هذا الكلام منه ويقال إنه اتخذه" وزيرا" منذ ذلك اليوم ثم بعد ذلك استفسر برمك كيف عرف الخليفة أن معه سما فقال الخليفة : احتفظ بخرزتين من خزانة الأكاسرة وأربطهما على ساعدى ووظيفتهما أنه كلما ظهر لهما سم يتحركان وكلما يقترب السم من حامل الخرزتين تزداد حركتهما فلما جئت إلى مجلسى تحركا ولما وصلت إلى هذا المكان أخذا يتصارعان ويتقاتلان معا ككبشين فعلمت أن معك سما ، فلما فرغ الخليفة من كلامه وبدأ برمك يقص حكاية البحر والسمكتين الذهبيتين تعجب" الخليفة" وبعث برسول إلى ملك مازندران يطلب منه هاتين السمكتين الذهبيتين فلما أحضروهما أخذوا يشاهدونهما عدة مرات متى انضما.

وعجيبة أخرى :

كان يوجد بئر بناحية أوميدوار كوه يعرف : " بئر ويجن" ليس له نهاية ، وعدة مرات حملوا إلى موضعه عدة أحمال من الحبال وربطوها معا فلم تبلغ قاع ذلك البئر ، ولما كانوا يرمون به أحجارا كان يأتى إليهم الصوت ساعة بعد ساعة إلى أن ينقطع الصوت بعد ذلك ودائما كان ينبعث من هذا البئر ريح باردة ومعطرة فى موسم الصيف ، وكان هذا البئر محاطا بالأشجار وكانوا يجلبون دعائم الأسقف وسطحها من هناك لطيب رائحة الخشب ، وفى الصيف حينما كانوا يجلسون عليها كانوا يجدون البرودة والطيور التى تعرف بالسقا كانت تقف على هذه الأشجار

٩٧

دائما ، وأخرى كان يوجد بناحية رويان قرية مشهورة تعرف بسعيد آباد كل مولود يولد من أمه ويأتى إلى الوجود كان يموت فى طفولته حتى جرت عادة أن الأمهات وقت وضع حملهن كان ينتقلن إلى أماكن أخرى فى موسم الصيف.

وأخرى : وكان يوجد قرية بناحية كلار تعرف بدلم كل من يولد بها لا يتجاوز عمره العشرين عاما وأخرى : وكانت قرية بناحية نائل تعرف بمندول كانت رقعتها ستين جريبا وكانت تزرع أرزا وكان يظهر فى تلك المنطقة ماء كثير بحيث يروى زراعات الأرز تلك حتى تنضج ولا يبقى لها حاجة لذلك الماء ، عندئذ يجف ذلك الماء ، وأخرى : وكانت توجد قرية بنائل أيضا تعرف ب" نكارستان" وكان يوجد صخرة فوق قمة جبل تلك القرية وحول ذلك الحجر فلاة وغابة تبلغ خمسة فراسخ من هناك حتى آمل ، ويتفجر من هذه الصخرة خمس عيون من الماء الزلال وكلما كانت حرارة الصيف تشتد كان الماء يسيل منها أكثر ولا يأتى منها قطرة فى الشتاء.

وأخرى : ويوجد فى نواحى" آمل" عشب يدعى" كنديه رويه" إذا دلك فى اليد ثم دلك به قضيب الرجل اشتد انتصابه وتورم وتتضاعف وبعد ساعة يعود لحالته ولهذا العشب أوراق صغيرة.

وأخرى كان لمحلة شالوس ضاحية تجعل جلد البشرة أبيض اللون وحينما كانت جارية من كابل أو من الهند تعيش بها عاما تصير مثل أهل الروم والصقلان ، وهذا الخبر مشهور وأخرى : كان يوجد بجبل" وندا هرمزد" بئر كانو يفركون الثوم ويرمونه فيه فيأتى المطر من السماء وقد جربوا أن كل من يفرك الثوم فى هذا البئر كان يموت فى نفس العام.

وأخرى : كان يوجد عشب بأوميدوار يعرف ب كوكرنيز كل من يجتثه فإنه يكون إما ضاحكا أو باكيا أو متحدثا بعذب الكلام أو مقامرا وإذا أعطى لشخص كى يتناوله فإن ذلك الشخص الذى يتناوله يقع بداخله على نحو ما عليه الشخص الذى اقتلعه ، وأخرى : وفى أطراف طبرستان مكان يعرف بحبل" إيزه" وكانت هناك قلعة فى عهد اليزدادى يقال لها" فيروز كوه" وهذا الجبل متصل بجبل آخر كان ينبت فيه زهر قاتل ينبت فى شكل سنابل بناحية" رود بارين" ، وأخرى : وكان ينبت" بونداد هرمزد كوه" نبات الإذخر مثلما كان ينبت بمكة وهم يطلقون عليه" مشكواش" ويضعونه غسيلا للأيدى.

٩٨

وأخرى : وكان" فى سياه رود" أى" النهر الأسود" قرب جمنو قرية دنكى دواقة ماء تعرف بدوامة القتر ، فلما جمع الإسكندر الرومى أموالا طائلة دفنها فيه ، وسعى الملوك فى أوقات كثيرة كى يستخرجوها ، ولم يتأت لهم ذلك وكان آخرهم ما كان من ابن حاكى فقد صرف أموالا طائلة على ذلك وجفف الكثير من مائه واستخدم كل السبل حتى وصل إلى المكان وظهر الجص والطوب وآثار المبانى ، وعندئذ قالوا غدا نصل إلى المقصود فهطل الماء فى تلك الليلة واختفى كل شىء ورأى ما كان رؤية فى تلك الليلة من يقول له لا تبذل روحك عبثا فلم توضع تلك الأموال من أجلك ، فرفع يده عن ذلك الأمر ولم تظهر هذه الرغبة لدى شخص آخر من بعده ، وأخرى : لابد وأن يأتى كل خمسة وعشرين عاما قحط وترتفع الأسعار وإن كانت ميسورة ، وأخرى : ويقول شاعر طبرى عن حكاية التنين الذى كانت لسام فريمان جد رستم ما ترجمته : من الجرأة أن يذهب" سام" لمواجهة التنين على الأرض.

وهكذا قد ظهر التنين فى مدينة" ياره كوه" وكان له خمسون فما قاضما ولا يستطيع إنسان أن يمر من تلك الولاية لا من البحر ولا من الفلاة ولا من الجبل حتى الوحوش خوفا منه ، وقد تركت الولاية مفتوحة حتى جاء التنين إلى سارى ، فجاء أهل طبرستان إلى سام وعرضوا عليه هذا الأمر ، فلما جاء سام ورأى التنين من على بعد قال : لا أستطيع أن أفعل شيئا معه بهذا السلاح فصنع سلاحا وكان التنين آنذاك بقرية الأرس قرب البحر فعثر عليه بموضع يعرف" كاوه كلاده" ، فلما رأى التنين سام هجم عليه فضربة سام بعمود على رأسه فمات وأطلق صرخة بحيث إن كل شخص كان مع سام قد سقط من هول تلك الصرخة وكان يلف ذنبه كى يحيط بسام فى داخله وظل يتلوى لمدة ثلاثة أيام ثم هلك والآن لا تنبت الخضرة نهائيا بهذا الموضع وأثر ذلك مازال موجودا.

٩٩
١٠٠