تأريخ المستبصر

ابن المجاور

تأريخ المستبصر

المؤلف:

ابن المجاور


المحقق: ممدوح حسن محمّد
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٤٠

وإلى درب جعلان ثلاثة فراسخ ، وإلى صور أربع فراسخ ، وإلى العاتب (١) فرسخان ، وإلى قلهات فرسخان.

بناء قلهات

أول من سكن الساحل بقلهات الصيادون ، قوم ضعف يترزقون الله ، فلما طال مقام القوم طاب لهم والتأم إليهم بمقامهم خلق يستأنسون بهم ، فكثروا وازدادوا إلى أن سكن فى جملة الصيادين شيخ من مشائخ العرب واسمه مالك بن فهم ، وكان من حرصه على عمل البلد يقف على الساحل ، فأى مركب يراه يقلع فى البحر ينادى لأصحابه : قل هات! أى : قل لهم فى دخول البلد ، يعنى لأهل المركب ، فسمى البلد قلهات.

وحدثنى أحمد بن على بن عبد الله الواسطى قال : إنما كانت تسمى فى سالف الدهر هات قل ، قلت : ولم سمى بهذا الاسم؟ قال : لما هرب القوم من وقعة النهرين نزلوا بهذا الساحل كانوا يقولون لخدامهم : هات! يعنون به الزاد ، وهو زاد صحبهم من العراق ، فلما قل عليهم ذلك قال أحدهم لخادمه : هات! فرد عليه

الغلام : قل ، فسمى البلد هات قل ، فلما دار الدهر دار الاسم مع دوران الزمان قلهات.

__________________

(١) غير منقوطة فى الأصل.

٣٠١

وعمر المكان بمقام الشيخ مالك بعد أن أدار عليه سورا من الحجر والجص سنة خمس عشرة وستمائة وعدل فيها ، ودخلتها المراكب من كل فج وخور وسائر الجهات تأتى من كل جهة ، وصارت مدينة ذات عظم ومهابة.

فصل : وجد زيد عمرا يمشى إلى داره فقال له : ما لك تمشى مقلوبا؟ قال : لانقلاب الزمان نوافقه على فعله ، كما قال الشاعر :

كان فى الغادين لى سكن

فنأى فاغتاله الزمن

خلّف الغادون لى حزنا

ولبئس الصاحب الحزن

وهو على هذا الوضع والترتيب

٣٠٢

٣٠٣

ذكر جبل السعترى

جبل عن البلد مقدار فرسخ وطريقه ذات طول وعرض وسعة فى ارتفاع وانحطاط ، وكل ما يطلع فيه السعتر من أوله إلى آخره ، وعلى ذروة هذا الجبل نجر سفينة نوح ، عليه‌السلام.

حدثنى عبد الغنى بن أبى الفرج البغدادى قال : هو نجر حديد يصح مقدار بيت كبير ، وكان العقب فيه أنه لما أرسى السفينة على هذا الجبل ، لأن ماء الطوفان كان قد علا على جميع ما خلقه الله تعالى مقدار سبعة عشر ذراعا أرمى الأنجر ، تعلق الأنجر فى حجر من الجبل وأبى أن يصعد معهم وغمر الريح قطعت السفينة الأنجرية وبقى الأنجر والأنجرية موضعه يزار ، وهو موضع فاضل ، والله أعلم وأحكم.

ذكر الإباضية

أصل القوم من ولد الرجل الذى أقر لعلى بن أبى طالب ، رضى الله عنه ، بالإلهية ، وقد قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعلى ، رضى الله عنه : يا على ، يهلك فيك طائفتان محب غال ، ومبغض قال.

وأول من نسب الإلهية لعلى بن أبى طالب ، رضى الله عنه ، أبو الثديان (١) فقال له على بن أبى طالب : كف عن المقالة واشتغل عن البطالة ، فإنى آكل وأشرب

__________________

(١) الاسم المعروف له فى كتب التراث هو : «ذو الثدية».

٣٠٤

وأنام وأنكح ومن يتسم فيه هذه الخصال حاشا أن يعبد ، لأن الإله ، عز اسمه ، وجل ثناؤه ، متعال منزه صفاته عن الذات واللذات فكيف عما ذكرناه من الأكل والشرب والنوم ، فلما انكف أبو الثديان عما كان عليه من الاعتقاد شرع فى هذا المذهب بين القوم وخرج طائفة منهم سكنوا أعمال البطائح وهم على هذا الاعتقاد إلى الآن ويراها صفة أخرى.

من المنصورة إلى عدن

راجعا من المنصورة إلى ريسوت ثلاث فراسخ ، ويعبر عنه بجبل رأس الحمار ... (١) اخترعت وحينئذ خرج أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضى الله عنه فصافف القوم بالنهرين وكسرهم وركب عليهم السيف وما زال يقتل فيهم إلى أن أفنى الجميع ورد البغلة إلى القنطرة فوقعت البغلة على نصف القنطرة ، قال على بن أبى طالب رضى الله عنه : انظروا من تحت القنطرة ، فإذا هم بأبى الثديين ، فقال له أمير المؤمنين على بن أبى طالب كرم الله وجهه : جاء الحق وزهق الباطل ، أسلم تسلم ، فقال : كيف أسلم والبغلة تعلم علم الغيب أنى تحت القنطرة؟ فحينئذ جرد على بن أبى طالب رضى الله عنه السيف وضرب عنقه وهرب من سلم من القوم ، وما زال السيف يعمل فيهم ووراءهم من الغيب إلى أن عبرهم البحر فسكنوا بهذه الأعمال ، فبدلت تلك المحبة بالبغضاء فهم فيهم محب غال والمبغض القالى هو الهالك بين المحبة والبغضة ، كما قال :

__________________

(١) بياض بالأصل.

٣٠٥

الحب فيه مرارة وحلاوة

والحب فيه شقاوة ونعيم

وقال آخر :

آه من لوعة التفرق آه

ما أمرّ الهوى وما أحلاه

كتب الدمع فوق خدى سطرا

رحم الله من دنا فقراه

ويسمون على بن أبى طالب رضى الله عنه أبا تراب ، ويقولون : إنه كان فى الصغر مؤمنا فلما كبر كفر ، وينشدون فى سماعاتهم :

صلى الله وسلم

على شهيد ابن ملجم (١)

هذا الذى ضرب الشرك

بالسيف حتى تثلّم

وينشدون بيتا من قول ابن سكرة :

سبوا عليا كما سبوا عتيقكم

كفر بكفر وإيمان بإيمان

علم مكنون وسر مكتوم

إذا نزلوا المراكب أو كوّروها لم تصعد المراكب ولا تنحدر معهم إلى أن يقول الجميع بصوت واحد : يالعلى! ويقولون : إنهم يبقون فى جر المركب زمانا طويلا حتى يتعبوا ويضجروا فيقول بعضهم لبعض : اذكروا ذلك الرجل! يعنون به على بن أبى طالب ، رضى الله عنه ، فتقول المشائخ : كوروا مركبكم إن كنتم تكورون!

__________________

(١) هو قاتل الإمام على ، كرم الله وجهه.

٣٠٦

ولا يزال القوم فى عناء وتعب وصداع وكرب وصياح وشغب إلى أن يقول الجميع بصوت واحد : يالعلى! فيجرى معهم المركب أهون من شربة ماء بارد إلى فم رجل عطشان فيصبى المركب ويسبح فى البحر ويعوم ، قال القائل :

علىّ طلابات وأنت وسيلتى

إلى الله يا مولاى موسى بن جعفر

إذا جاءك الملهوف يطلب حاجة

تيسر من مأموله كل معسر

وقال آخر :

لما تكاثر حسادى وأعدائى

بغير جرم جعلت الله مولائى

وقد تمسكت بالميم التى فى محمد وعين على وبالحاءين والفاء.

وقال محمود :

فوحق حرمة خمسة

ما مثلهم بين البشر

 ............... (١)

بذاك جبريل افتخر

ذكر الإباضية

فكل رجل يبغض على بن أبى طالب رضى الله عنه يحيض من دبره رأس كل شهر ، ويقال من ذكره ، كما تحيض المرأة.

وفى أعمال صنعاء منهم قوم يسمونهم السمارة وعلامته أن أحدهم يعلق كيسا من الجلد ملأه رملا فى ذكره كلما ابتل الرمل بدده واستعمل غيره ويسمى ذلك الكيس مطهرة ، فهم الإباضية ، والله أعلم.

__________________

(١) بياض بالأصل.

٣٠٧

ذكر السلقلقيات

وكل امرأة تبغض على بن أبى طالب رضى الله عنه تحيض من دبرها فهم السلقلقيات.

قال ابن المجاور : وكل من هو نسل أبى الثديان من رجل او امرأة أو من حضر وقعة النهرين فرجالهم الإباضية والنساء السلقلقيات لأنهم معروفون بهذه العلة ، والله أعلم وأحكم.

ذكر بلاد الخوارج والإباضية

حدثنى الصفار قال : إن جميع أهل أذربيجان كانوا ... (١) فأسلم الجميع ورجعوا إلى مذهب الإمام أبى عبد الله محمد بن إدريس الشافعى ، رضى الله عنه ، ورجعت كلوة من الشافعية إلى الخارجية وهم باقون على هذا المذهب إلى الآن.

وفى المغرب نفوسة مثل راره والتمساح ورأس المخبز وتاهرت وسويقة ابن مدكول وجبال نصير وطارق ، فهذه البلاد قديما على هذا المذهب ، وأما الذين هم جدد فمن تولى محمد بن الحسن بن تومرت البربرى ، وعبد المؤمن بن على الكوفى ملك المغرب ، ساقوا الخلق إلى أطراف هذا المذهب ، وبعض بأرض مصر ، وبأعمال الشأم دمشق وحران ، ومن ديار بكر بغداد ، ومن أرض الجزيرة (باحربه

__________________

(١) بياض بالأصل.

٣٠٨

واحباره) (١) مع جميع سواد الموصل ، وجبال الأكراد والدبابلة وجميع أصحاب الشيخ عدى ، ومن بغداد باب البصرة والحربية ودار القز والسرية وباب الأزج والحلبة والبصلية والحريم رجال شتى ، وبعض أهل واسط القصب وقرية بأعمال البحرين شذ على الراوى اسمها.

ومن العراقين البصرة وهمذان ، ومن اران سلماست ، ومن سفاهان درحوى باره ودكوك ودرليان ، ومن خراسان هراة واسراسير مع جميع اعمال تيم رور كريك مع جميع أعمال حوادر ، وإلى حد ما كان طول فى عرض ومن ... (٢) مان وادى ردمد بالطول من سيسان إلى وادى سول وبه أكثر من ... (٣) قرية على خيط واحد.

ومن أعمال اليمن زبيد وأعمالها مجهر ، ومن الجبال الشرف ، وهو من أعمال زبيد مقابل قلحاح ، وليس هم الشرف أى الأشراف أهل الحسب والنسب ، وهى أعمال تسمى الشرف كما صادف الاسم الكنية ، وهم يؤدون القطعة لآل الشرف من آل الحسن بن على بن أبى طالب.

وسكن جميع اليمن منه كما يقال ... (٤) رفى وهم حنابلة المذهب لأن الحنابلة يقولون فيما بينهم : لا يكون الحنبلى حنبليّا حتى يبغض عليّا سويّا ، ومن الأديان اليهود خلاف جميع الملل ، ويقال : إن أول من سب ابا تراب بالشأم معاوية ابن أبى سفيان وصارت عندهم سنة مؤكدة استمروا عليها إلى آخر دولتهم إلى الف شهر ، فسبه جميع العالم ما خلا خوارزم ، وقد تقدم ذكرهم.

__________________

(١) ما بين القوسين غير منقوط بالأصل.

(٢) بياض بالأصل.

٣٠٩

فصل : قيل : كان الوليد بن عبد الملك يذكر بالجهل فذكر يوما على بن أبى طالب رضى الله عنه على المنبر ولحن ، فقال بعضهم : ما أدرى أى أمريه أعجب لحنه فيما لا يلحن أحد فيه ، أو نسبته على رضوان الله عليه إلى اللصوصية.

حدثنى أحمد بن على بن عبد الله الوسطى قال : كتب وهساب الأبنوس على فص خاتمه ... ى وحيد من الأئمة جميعا معاوية ويزيد وح ... يوم الخميس الثانى والعشرين من رمضان سنة خمس وعشرين وستمائة وحق معاوية بن أبى سفيان كاتب وحى الله ورديف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهم أول من سبوه على منابر الإسلام (١).

وقال إمام الحرمين فى كتاب اللمع : معاوية مخطئ ، وعلىّ مستمسك بالحق.

وجميع أعمال عمان وقلهات والفرات وطيوى ومسقط وحى عاصم وصحار وخور فكّان وكمزار وجلّفار والذين هم فى الجبال منح وثروى شمائل.

ذكر استفتاح أعمال عمان

قرأت فى كتاب مسالك الممالك الثانى ويذكر فيه أن الغالب كان على أعمال عمان الإباضية إلى أن وقع بينهم وبين طائفة من بنى سامة بن لؤى بن غالب ، خرج منها محمد بن القاسم الشأمى إلى الإمام أبى العباس أحمد المعتضد بالله بن أبى أحمد محمد بن الموفق ، وقيل : طلحة بن المتوكل ، وقيل : ابن الموفق محمد ابن جعفر المتوكل ، استنجد به فبعث معه بأبى النور ففتح عمان للمعتضد بالله

__________________

(١) هكذا وردت هذه الفقرة فى الأصل.

٣١٠

وأقام له الخطبة بها ، فارتحلت الإباضية إلى ناحية سردنجة (١) فسكنوها إلى زماننا هذا ، ولو فتحنا فى هذا الباب لطال الكلام وكثر ، والتقصير فى مثل هذا أصلح وأجود ، والله أعلم.

ذكر استفتاح الخوارزمية قلهات

لما تولى خواجه رضى الدين قوام الملك أبو بكر الزوزنى ملك كرمان ومكران وفارس قتل السلطان علاء الدين محمد بن تكش ملك قلهات بالسيف ، ويقال : إن مالك بن فهم مات فى أيام دولة رضى الدين قوام الملك ، ففى تلك ... (٢) والعرضة انفذ رضى الدين قوام الملك مراكب تسلم قلهات مع جميع أعمال عمان ، وكان له فيها شحان وعمّال ونوّاب يجبون دخلها وأعشار السفراء مع الضرائب والقوانين ، وكان هو يرسل بالإبريسم من كرمان يبيعونه ويجمعون دخل البلاد ويشترون به خيل عربية ينفذونها إليه فى كل واقعة خمسمائة حصان إلى ما دونه وأعلاه ، فكان يركب ما كان دون منها ويرسل نجاد الخيل إلى خوارزم يقدمها للسلطان.

فلما مات رضى الدين قوام الملك فى كرمان خلف فى قلهات أربعة وستين ألف منّ ، ويقال : ثمانون ألف منّ حرير مع خمس مائة حصان ، فملك قلهات من أيدى الخوارزمية مع الخيل والإبريسم سنة خمس عشرة وستمائة ، فملك قلهات بعد وفاته الشيخ مالك بن فهم بن مالك من ... (٣) ادار على قلهات سورا من الحجر والجص سنة سبع عشرة وستمائة.

__________________

(١) غير منقوطة بالأصل.

(٢) بياض بالأصل.

٣١١

صفة بتان العنبر

وجد أهل قلهات يوما مقابل المدينة جزيرة كبيرة فقال الشيخ مالك بن فهم : قصوا لنا أثر الجزيرة وما هو؟ فغدا الصيادون ورجعوا إليه فقالوا له : بتّان يطفو على وجه البحر ، فقال لهم : جروه إلى البلد! فركب الصيادون الصنابيق وشدوا الأحربة فى البتان وجروه وأرموه الساحل ، فصارت الخلق تتفرج عليه وعلى عظم خلقته إلى أن جاف وخاس ، فظهر فى جوفه قطعة عنبر وزنها ثلاثة أبهرة ، فلما علمت الناس بذلك قطعوه ونهبوه ووصل العنبر إلى جميع من فى البلد من قوى وضعيف ، ووصل إلى الشيخ مالك بن فهم بهار بالكبير عن مائتى منّ سنة عشر وستمائة.

فصل : البتان صادف القطعة العنبر طافية على وجه البحر فابتلعها ، فلما استقرت القطعة فى أمعائه ضعفت معدته عن هضمها فمات فطفا على وجه البحر فضربه الموج وأسنده إلى الساحل بقلهات ، استغنى به من استغنى.

حدثنى محمد بن بندار الجوزى قال : إنى اشتريت من هذا العنبر تفاريق ، صح لى جمل بأدنى شىء فأخذته وسافرت به إلى خوارزم بعته على تركان خاتون ... (١) علاء الدين محمد بن تكش على سعر العشرة مثاقيل بثلاثين دينارا.

__________________

(١) بياض بالأصل.

٣١٢

صفة قلهات

قلهات بلد وضع على ساحل البحر والجبل محيط به ، ويقال : إنها على وضع عدن ، ماؤها طيب يجلب من منده (١) وبها نهر سقراط معينه من الجبل يجرى بين نخيل وبساتين خفيف مرىء عذب فرات.

قال أهل اللغة : أما عمان فإنما سمى بعمان بن نعسان بن إبراهيم الخليل ، عليه‌السلام ، وهو الذى بناها.

قال ابن المجاور : وما سمى هذا الإقليم إقليم عمان إلا أنها تعم بالخير.

مأكولهم التمر والسمك ، ولبسهم الأزرق مكشفين الرءوس ، يشترون كل سبعة رجال منهم جارية ، وكلما دخل واحد من السبعة خلع نعليه وخلاهما على الباب ، فإذا جاء أحد السبعة رأى النعل عاد على أثره راجعا لعلمه أن أحد أصحابه عند الجارية.

وليس فى جميع الربع المسكون أبغض منهم للغريب ، يقول زيد لعمرو : إى بازق الغريب بالجندل ، يعنى الحجر ، وانزل عليه بالرويار (٢) وزيّده بالعصا.

وليس أحد أذل منهم ، إذا عاينوا السراق فى البحر يقول بعضهم لبعض : إى بالمال ما نعطيه أسلم تسلم؟ فيسلمون المركب للسراق ويخرجون عرايا الأستاه ، وليس فى جميع القبابين أصغر من قبان قلهات.

__________________

(١ ، ٢) غير منقوطة بالأصل.

٣١٣

من قلهات إلى مسقط

من قلهات إلى طيوى ثلاثة فراسخ ، وإلى مسقط ستة فراسخ ، هذا الاسم الأصل فيه مسكت ، ويقال : لما وصل إليه الصحابة سكت كل من كان بها فسميت مسكت ، والله أعلم.

صفة العنة

وفى مسكت عنة وعلى فم العنة ناطور لا يزال قاعدا ، فإذا دخل العنة سرب سمك علم الناطور كم عددهم ، فسئل عنه فقال : إذا شاهدت مقدم الأسماك أعلم كم يكون عدد أشياعه وأتباعه ، وذلك من كثرة التجارب والمخبرة.

وكانت هذه المدينة مرسى مدينة صحار ، وفى هذه المدينة كانت ترسى المراكب القادمة من أطراف ... (١) وكانوا يصعدون بالخف والبربهار إلى صحار يبتاعون ويتشارون ، ومنها كانت تصعد البضائع إلى كرمان ، ومن كرمان إلى سجستان ، وكانت البضائع تتفرق فى خراسان وماوراء النهر وزاولستان والغور وكرميل ، وإلى حى عاصم ستة فراسخ ، وإلى أسرار ستة فراسخ ، وإلى صحار أربع فراسخ.

__________________

(١) بياض بالأصل.

٣١٤

صفة صحار

حدثنى أبو المجد بن أبى محمد الكمال بن الكمال العلوى الحسينى قال : إن صحار كانت اثنى عشر ألف قرية مع اثنى عشر ألف قصر مع اثنى عشر ألف نهر مع اثنى عشر ألف جامع ، وكان يسكن كل ناخوذة قصرا ويشرب أهله من نهر ، فإذا كان يوم الجمعة يحتاز إلى الجامع فى تسعة وتسعين من خدمه وأشياعه وقرابته وأعوانه ، فحدثنى بعضهم قال : كان بعد بنائها مائة واثنين وتسعين قبان لوزن البضائع للطالب والمطلوب.

صفة دار الختمة

بنى ناخوذة دارا وأمر أن يكتب القرآن بالذهب فيها والأصح فى خشب الساج توازير الدار مقطع مركب فى اثنى عشر كتبا ، فصح فيه تمام الختمة فى سطر واحد من الدار وسعته ، فسمى الدار دار الختمة ، وكان بناء القوم بالآجر والجص والخشب الساج فخرب الجميع وصارت الجن تسكن حول القصور.

حدثنى الشيخ أبو بكر البصرى المحل قال : إن هذه الأعمال كانت لملوك كرمان من آل سلجوق فاندثروا وتغلبت الغز عليهم وخليت البلاد وتسلطت العرب على هذه الأعمال وأخربوها.

فصل : سافر زيد من وطنه ورجع فإذا هو يرى بحارة الحمال رجع قاضى

٣١٥

البلدة ، وقال القاضى ، يعنى الحمال لزيد : ابسط ما كان من الإبل الأوائل من الرفعة وما نحن الآن فيه من الهبوط؟ قال زيد : كيف ذلك أدام الله مجلس مولانا القاضى وثبت قواعده؟ قال القاضى : فى الدور الأول ارتفعت الأوائل إلى أن كنا حمالين للقوم الحطب والأواخر رجعت قاضى حكمهم.

قال ابن المجاور : إذا كانت الأوائل حتى سكنوا تلك القصور وما نحن فيه الآن حتى قنعوا مسكنى التصاريف من الخرابات ، كما قال :

يا باكيا بعد الأحب

بة فى المنازل والدمن

من بعد يوم فراقهم

أعلمت ما طعم الوسن

فأجابنى : لا والذى

قلبى إليه مرتهن

كيف السكون إلى الرقا

د وقد نأى عنى السكن

ومتى تقر دموع من

يغتاله صرف الزمن

وللقاضى أبى بكر الرافعى :

أستغفر الله للذى ودعا

ونحن للغربة نبكى معا

سبل من أجفانه أدمعا

لما رآنى مبلا أدمعا

وقال لى عند فراقى له :

ما أعظم البين وما أوجعا

وللسيف الحكمى :

أحمائم الأثلاث من وادى الحما

أنتنّ هيجتنّ صبّا مغرما

ما للعداة وما لكن وللبكا

جزعا ولكن لا ارى دمعاهما

إن الحمام إذا تنغّم شاقنى

ويزيدنى شوقا إلى ذاك اللما

٣١٦

وقال آخر :

تشتاقكم كل أرض تنزلون بها

كأنكم لبقاع الأرض أمطار

فلما خربت ريسوت عمرت صحار وخربت صحار بنيت البين وهرمز وخربت البين وهرمز بنيت عدن.

وإلى العقر أربع فراسخ ، وإلى كلبة أربع فراسخ ، وإلى خور فكّان أربع فراسخ ، وإلى دبا أربع فراسخ ، وإلى ليمة أربع فراسخ ، وإلى كمزار ثلاث فراسخ ، وإلى ظفار ثمان فراسخ ، وإلى قيس ثمان فراسخ عن يوم وليلة فى البحر.

بناء قيس .. سكنها المجوس

وكان الموجب كما ذكره سعد بن مالك بن داود بن سليمان الأنصارى أنه هربت المجوس لما تغيرت الدولة لتغلب العرب على ملك العجم سكنوا الجزيرة وبنوا مع طول مقامهم الدور العوالى الشواهق بالآجر والجص بناء محكما ، فلما دار الفلك داروا مع دوره وجوره فخلت الجزيرة منهم ورجعت حبسا للملوك ، ملوك فارس ، وسميت فى عهدهم زندان انه ، وصارت الملوك يجرون على العوائد إلى أن خربت سيراف ، فحصل رجلان سيرافيان بجزيرة سكناها فأعجبهم المكان فاستولوا على الجزيرة وفيها جماعة صيادون يصطادون السمك ، فتغلب السيرافيان على الصيادين فأخرجاهم منها صاغرين وملكوا الجزيرة وبنوا فيها الدور الوثيقة ، ويقال : إنهم بنوا على أساس بناء المجوس وغرسوا بها النخل وسكنوا فيها.

٣١٧

حدثنى يحيى بن على بن عبد الرحمن الزراد قال : إنما تكون لجزيرة قيس من يوم بنيت مائة وعشرين سنة ، وكان هذا الحديث سنة أربع وعشرين وستمائة ، وقرروا على كل مركب يجوز عليهم دينارا واحدا ، وقرروا فى العام الثانى والثالث ثلاثة دراهم ، وهم فى الصعود إلى أن تقرر الأمر على العشرة وثبت عليه إلى الآن.

فلما قوى الرجلان واستظهرا بالأمر والملك ادعى السلطنة أحدهما وثبت فيها إلى الآن ولكن اسم بلا جسم ، وكان يخطب له يوم الجمعة على المنبر سلطان الشرق والغرب ملك الأرض ، فقام رجل وقال : سلطان طاس وبيكاس (١) ملك لدوكران ، وهما موضعان طرفى الجزيرة ، ويصح دور الجزيرة فرسخ ، ويقال : ثلاثة أيام ، وله فى البحرين مراكب تسمى بالنوبية تضرب له فى (ال حس نوت) (٢).

وتؤدى العرب الذين هم ملاك فى البحرين كل عام عشرين ألفا لضرب تلك النوبة فى بلادهم ... (٣) وسكر فى بعض الليالى فقال لرجل غريب حضر معهم : قد وهبتك سفاهات ، فقبل الرجل الغريب ، فلما أصبح قال الملك للوزير : اكتب لفلان منشور بتسليم نوابنا له سفاهات! فقال : سمعا وطاعة! فبعد انقضاء أيام صادف الملك الرجل الغريب فقال له : ألم تتجهز إلى سفاهات؟ فقال له الغريب : أدام الله عز الملك ، أريد نفقة أنفق بها حتى أتوصل إلى سفاهات ، فقال : أعطوه خمسمائة ألف دينار ، فأخذ الرجل المبلغ ورجع إلى بلده.

__________________

(١) غير منقوطة بالأصل.

(٢) هكذا ورد ما بين القوسين فى الأصل ، والكلمة الأخيرة غير منقوطة.

(٣) بياض بالأصل.

٣١٨

ولماذا سميت جزيرة قيس

تراهن قيس بن زهير بن جذيمة بن أبى سفيان ، وهو صاحب الداحس والغبراء ، مع ربيع بن ساس صاحب الخطار والحنفاء ، وكان الخطار والداحس حصانين ، والغبراء والحنفاء فرسين ، فغلب الداحس الخطار ، وجرى بين القوم ما جرى ، فخرج قيس بن زهير صاحب الداحس إلى ناحية عمان ليطفى نار الشر ، فلما توطن فى عمان فتح دكانا وكان عطارا وقعد يبيع ويشترى ، وإذا بأميرين من أمراء عمان تراهنا فيما بينهم وجرى بهم الكلام فى سباق الداحس والخطار ، فحضر الأميران إلى الشيخ العطار وسألوه عن قصة السباق ومن غلب وغلب ، فقال لهم الشيخ : ما لكم بسؤالى من حاجة ، قالوا : بلى ، قال : الداحس غلب ، فلما سمع المغلوب اغتاظ من هذا وشتم الشيخ وتفل فى وجهه ، فحينئذ أغلق الشيخ دكانه وجاء إلى بيته وأسرج وألجم الداحس وركب وقال لبنته ياقوته : اسبقينى إلى البئر الفلانية فاقعدى عندها ، وقدم الشيخ إلى مجمع القوم وقال : أنا قيس بن زهير ، وحصانى هذا هو الداحس ، ومن لم يعرفنى فليعرفنى ، وحمل على الذى تفل فى وجهه فضرب عنقه ، وساق الداحس إلى البئر وأردف ابنته ياقوته وراءه فتبعته الخيل إلى الساحل ، فركض الحصان فلم ينزل البحر فعصب عينيه وآماقه فنزل البحر وسبح إلى أن توسط البحر فتعب الحصان وغرق الثلاثة جميعا ، وقال أهل جزيرة قيس : سبح الحصان براكبيه إلى أن صعد بهم الجزيرة فسكنوا وأهل جزيرة قيس منهم ، فلذلك يسمون جزيرتهم بجزيرة قيس ، وهو قيس بن زهير بن جذيمة بن أبى سفيان ، لأنه أبو القوم.

٣١٩

ويقال : إن الجزيرة كانت ... فلما صعد قيس مع ياقوتة والداحس ولّوه أهل الجزيرة على أرواحهم وأموالهم وتزوج منهم وأولد الجاشو ، وزوج ياقوتة بأكبر من فى الجزيرة فأولدها الفرس ، وإلى الآن فى رءوس الفرس حماقة العرب.

حدثنى رجل من أهل فارس ... به الجاشو من الديلم وكانوا يسكنون الفلاة بفارس وأعمالها ، وهى ذات خيل ونعم وإبل ، فلما طال السوط فى القوم تعلقوا فى الجبال وبنوا الحصون وسكنوها ، فعرف القوم بسوا كاره ، أى مرخين الشعور شبه الأكراد ، فلما عمرت الحصون ركبوها الحصون وازدادت العمارة ، فسكن رجل منهم جزيرة قيس فطلع من نسله الجاشو ، وهذا هو الصحيح.

نسبة الجاشو

ثار بملك من الملوك علة البرسام ووصفت له الأطباء أن يفترش كل ليلة جارية نوبية بكرا يزول ما به من العرض والمرض.

قال ابن المجاور : ولم يكن فى جميع المخلوقات أحرّ من فرج الجارية النوبية ، فمن حرارة فرج الجارية النوبية يتحلل البرسام وينزل فى جملة المنى إلى الجارية النوبية ، فإذا قامت المرأة نفضت المنى من فرجها وبرئ المعلول من العلة ، ولم يضر الجارية شىء ، ويقال : إنه يضرها.

فلما سمع الملك ذلك أنفذ وزيرا له إلى بر السودان فأمر أن يشترى له مائة جارية نوبية أبكارا ، فلما تجهز الوزير ترخم الآلة وتركه فى حق وناوله الملك وسافر إلى أن وصل بلد السودان واشترى الجوارى الأبكار ، وقدم بهم إلى الملك ، فلما

٣٢٠