تأريخ المستبصر

ابن المجاور

تأريخ المستبصر

المؤلف:

ابن المجاور


المحقق: ممدوح حسن محمّد
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٤٠

صفة شبام

سرير ملك حضرموت ، وهذا الإقليم هو مسكن حضرموت بن قحطان بن عيبر ابن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح ، عليه‌السلام ، وبئر برهوت ، وهو بئر تستجمع فيه أرواح أهل النار ، نعوذ بالله منها (وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍ)(١) و(مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً)(٢) ولا تزال النار تخرج منه طول الدهر.

وكتب والدى محمد بن مسعود بن على بن أحمد بن المجاور البغدادى النيسابورى لجعفر بن عبد الملك بن عبد الله بن يونس الخزرجى الجرجانى يهدده ويهيّبه فقال : أنا رجل برهوت وأنا سلم جهنم ، وليس فى عالم الكون والفساد أخشن ناسا من أهلها ولا أكثر من شرهم وأقل من خيرهم ، كثيرين الذم لبعضهم بعضا ، قليلين الذمة على من يستجير بهم ، كثيرين الدم من المقتولين : زيد يشتم عمرا ، وعمرو يكلأ زيدا ، ونصر يستبيح مال عمرو ، وجعفر يلاكم خالدا ، ووليد يعربد على جاره ، وذا ينبش من هذا ، وذاك ينهش من هذا ، أدبار مدابير ، أنحاس مناحيس مفاليس ، كما قال أبو نواس ، رحمه‌الله :

قالوا ذكرت ديار الحى من أسد

لا درّ درّك قل لى من بنو أسد

ومن تميم ومن قيس وأسرتها

ليس الأعاريب عند الله من أحد

__________________

(١) الآية : ٣٧ من سورة الزمر ، وقد وردت فى الأصل : «ومن يهدى الله فلا مضل له».

(٢) الآية : ١٧ من سورة الكهف ، وقد وردت مضطربة الألفاظ فى الأصل.

٢٨١

وقال أيضا :

دع الأطلال تسفيها الجنوب

وتبلى جدّ عهدتها الخطوب

وخل لراكب الوجناء أرضا

تجرّ بها النجيبة والنجيب

بلاد نبتها عشر وطلح

وأكثر صيدها ضبع وذيب

فلا تأخذ على الأعراب لهوا

ولا عيشا فعيشهم جديب

دع الألبان يشربها رجال

رقيق العيش بينهم غريب

وأطيب منه صافية شمولا

يطوف بكأسها ساق أديب

ولهذا سمى إقليم حضرموت الوادى المفتون ، وسماه الله عزوجل الأحقاف ، كما قال الله عزوجل فى قصة النبى هود عليه‌السلام : (إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ)(١) والأحقاف هذه البلاد والأراضى بعينها ، مأكولهم العيد ، وهو سمك صغار ، مع الكسب واللبن يشابه الخردل فى اللون ، ولبس رجالهم الأزرق مكشفين الرءوس حفاة ، ولبس نسائهم الفتوحى ، ويصبغ الثوب بالزاج ، ويرجع اللون لا أخضر ولا أزرق ، إلا لون عجيب ، وتضفر النساء رءوسهن فى أوسط رءوسهن ترجع تشبه الهدهد يسمونه الطرطر (وسحاب وهكاب فدارت الطاعيين الضفائر سارنين عساسل الفدور ذات المكدور) (٢).

وأسامى رجالهم بالكنى ، فمنهم أبا (٣) لالكه وأبا هالكة وأبا مداس وأبا فارس وأبا رأس وأبا عرى وأبا حصى وأبا خرى وأبا عوف وأبا بول وأبا فقوق وأبا دقوق وأبا حل وأبا حبل وأبا فيل وأبا سل وأبا ريق وأبا بريق وأبا حيف وأبا دليف وأبا كنيف.

__________________

(١) الآية : ٢١ من سورة الأحقاف.

(٢) هكذا ورد ما بين القوسين فى الأصل.

(٣) الصواب «أبو» وهكذا فى باقى الكنى المذكورة.

٢٨٢

ومهما جرى على ألسنتهم يكنونه به ولم يأنفوا من تلك الأسامى ، وكذلك الدياكلة وأهل الموصل وبعض العرب وأهل نهاوند وبعض اليمن وأهل عسفان.

فصل : قدم فى أيام سيف الإسلام طغتكين بن أيوب مراكب الشحر وحضرموت إلى عدن ، وصارت مشائخ الفرضة تسأل أحدهم عن اسمه فيقول : أبا (١) حجر أبا خرى أبا كوة أبا فسوة أبا شعرة ، فأبى المشائخ أن يكتبوا أسماءهم فى الدفاتر وتخلّص كل قماش هو فى الفرضة إلا متاع الحضارم ، بقى فى الفرضة ، يداس تحت أرجل الخلق ، فلما طال الشوط وأوجع السوط نادى الصوت إلى سيف الإسلام فأحضر المشائخ وسألهم عن تأخير التخلص والتلمص والتجعمص من الحضارم ، قال المشائخ : إنا لسنا نوقع أسماء القوم فى دفاتر السلطان ، قال : ولم؟ قال : لأن أسماءهم دونة ، قال سيف الإسلام : إذا كرهتم أن تكتبوا أسماءهم فكيف آخذ منهم العشور؟ فأطلق شأنهم وخلى سبيلهم.

فصل : قيل لرجل من الحاكة : قد رزقت ولدا فاختر له كنية ، فقال : كنوه عبد رب السموات السبع ورب العرش العظيم ، فقال له الرجل : ابن من؟ قال : ابن عبد الكريم ، الذى يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه ، فقال : مرحبا يا نصف القرآن العظيم.

وأعجب من ذلك أن رجلا من العجم مسكنه آذربيجان سمى ابنه : عبد من الأرض قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه.

حدثنى منصور بن المقرب بن على الدمشقى قال : إن أصل أهلها عبيد

__________________

(١) انظر الحاشية السابقة.

٢٨٣

وموال ، فلذلك فيهم حماقة وكبر خارج ، وليس فى جميع الربع المسكون أشح منهم نفسا ولا أقل همة ، وقد تفرقوا فى سواحل البحر جميعا وتشتتوا فى أقاصى الأرض وأدناها يمينا ويسارا ، كما قال :

كسى را در غريبى دل شكيباست

كه در خانه نباشد كار او راست

صفة قرن ابن إبراهيم

هو عين تجرى فى أعمال دوعان إذا جاز الوادى رجل من آل حمير جرى العين ، ويقال : بل يمطر فى اليوم مطره ، يروى منه الحميرى لا غير ، دون غيره.

حدثنى على بن محمد بن أحمد السباعى قال : إنه جنّى موكّل على هذا الوادى ، فإذا جاز عليه رجل من آل حمير أطلق الماء والوادى حتى يروى منه الرجل الحميرى أو جماعة ، فإذا مد خولانى يده إلى الماء غار الماء فى الرمل ، وكذلك لأهل خولان عين ثانية تسمى عمل ، لم يشرب منها إلا الرجل الخولانى ، ولم يشرب منه حميرى ، على ما تقدم نعته وصفته ، وهذا أعجب شىء يكون.

قالت حمير : لنا التقدم ، قالت خولان : لكم التقدم فى أجر الحراثة ، ولنا التقدم فى لقاء الأعادى.

فصل : حدثنى عبد الله بن محمد بن يحيى الحائك قال : ينقسم غزل نساء اليمن على وجهين : منه الفارسى ومنه الحميرى ، قلت : وكيف ذلك؟ قال :

٢٨٤

الحميرى الذى يخرج الإصبع الوسطى على الإبهام فى الغزل ، والفارسى الذى يدخل الإبهام على الإصبع الوسطى من فوق الغزل.

من شبام إلى ظفار

من شبام إلى تريم سبع فراسخ ، وفى أوسط ضرس جبل ثابت صاعد فى الجو شبه منارة ، وقد بنى عليه حصن يسمى المشرق ، فأنشأ يقول :

أقبل من أعشقه غدوة

من جانب المغرب على أشهب

فقلت : سبحانك يا ذا العلا

أشرقت الشمس من المغرب

فصل : قعد الأمير فهد بن عبد الله بن راشد على منظرة هذا الحصن مشرف فإذا هو يرى رجلين غاديين على غير طريق ، فأنفذ قوما وراءهما فأحضروهما بين يديه فإذا هم قوم عرب ، فقال لهما : من أين جئتما؟ قالا : من بصرة العراق. قال : وكم لكما عنها؟ قالا : ثلاثة أو سبعة أيام ، فقال : قولا لى كيف قصتكم ، قالوا : إنا قوم بدو نسكن العراق والبصرة ، إذ رأى شيخ خلفنا رجلين راكبين هجينين غاديين فى الفلاة ، فقال لنا الشيخ : اقفوا لنا خبر هذين الراكبين ، فقمت أنا وصاحبى هذا تبعنا أثرهم إلى أن غلس الليل ، فلما أظلم ضاع منا الأثر ، فتممنا على حالنا فى الصعود آكام ونزول أودية ورمل وحصى ، فلما طال الشوط أردنا الرجوع إلى أهلنا فلم نعلم الطريق ، فما زلنا نسير إلى أن أشرفنا على هذه المدينة ، وما هذا الإقليم؟ قال : هذه تريم ، من أعمال حضرموت ، ارحبوا بارك الله فيكم ، فالبلد مستدار حول الحصن.

٢٨٥

وبنى بها ملك فى تريم جامعا ، فلما تم بناءه قال للمهندس : تقدر على أن تبنى خيرا من هذا البناء؟ قال : نعم. ففى الحال ضرب عنقه ، خوف أن يبنى فى موضع ثان خيرا من الأول.

ومن محاسن سيرة القائد حسين بن سلامة إنشاء الجوامع الكبار والمنارات الطوال من حضرموت إلى مكة ، حرسها الله تعالى ، طول المسافة ... فمن ذلك ما رأيته عامرا ومستهلكا ، ومنها ما رواه الناس رواية جامعة.

فأولها جامع شبام وتريم مدينتان من حضرموت فاتصلت عمارة الجوامع منها الى عدن.

وإلى قبر النبى هود ، عليه‌السلام ، ثمان فراسخ ، طوله سبعون ذراعا.

وفى هذه النواحى قبر ذى نيال ، عليه‌السلام ، ابن هود ، طوله أربعون ذراعا.

حدثنى على بن محمد بن أحمد السباعى قال : إن قبر ذى نيال بن هود ، عليهما‌السلام ، فى قرية هارون بناء هود ، عليه‌السلام ، من أعمال دوعان.

قال ابن المجاور : ويمكن أنه كان لهود النبى ، عليه‌السلام ، ولدان ذكران ، أحدهما رونيا والثانى ذانيال.

وقبر ابن ذى القرنين طوله خمسة وثلاثون ذراعا ، وقبر العزير ، عليه‌السلام ، طوله ثمانية وعشرون ذراعا.

قال ابن المجاور : وما أظن القوم كانوا بهذا الطول ولكن طوّلوا قبورهم.

وإلى مضى خمس فراسخ ، والى خلخليج عشرة فراسخ ، وإلى ظهور عشر

٢٨٦

فراسخ ، والى مهروب سبع فراسخ ، وإلى كدنوب خمس فراسخ ، ذات نخيل ، وإلى مأرب عشرون فرسخا ، وهى ذات نخيل وهى نصف الطريق.

حدثنى رجل من أهلها فى دار الإمارة بمكة سنة إحدى وعشرين وستمائة قال : إن هذه الأراضى والجبال والشعاب مواضع كانت مساكن قوم شداد بن عاد فى فصل الربيع يتنزهون بهذه الأمكنة ، وقد بنوا على رءوس الجبال وفى بطون الأودية دكاك ومصاطب من الحجر والجص ، وكانوا يقيمون بها أيام الربيع يتفرجون.

وقال آخر : إنما بنيت هذه الدكاك والمصاطب فى هذه المواضع إلا لما سلط الله عليهم الذر وهو النمل ، فكان القوم يجدون لذلك ألما شديدا ، وحينئذ هجروا البلاد وخرجوا بأهاليهم وسكنوا الجبال والشعاب والأودية وبنوا الدكاك متفرقة فى بطون الأودية ورءوس الجبال ، فلما كثر عليهم الذر أشعلوا النيران حول الدكاك لئلا يصعد إليهم الذر ، كما قال الله تعالى : (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ ...)(١) تمام الآية ، وإلى الآن الدكاك على حالها مع طول الزمان ومواضع النيران على حالها.

وهذه صورة الدكاك على هذا الموضع والترتيب فى الصفحة الثانية.

__________________

(١) الآية : ١٣٣ من سورة الأعراف.

٢٨٧

رسوم الدار باقية على خراب

يجول بأكنافها كل لاهج

من سنن سب ذى إعسار

ومن ... حباه ذا مخارج

رحلوا الأحباب وخلّفونى

بليل شبه شات عند ذابح

أمسى الزمان بدار قوم

إذا رحل الأحباب عنها مصابح

وقال أبو تمام حبيب بن أوس الطائى فى المعنى :

نسائلها أى المواطن حلت

وأى ديار أوطنتها وأنّت

وماذا عليها لو أشارت فودعت

إلينا بأطراف البنان وأومت

وما كان إلا إن توليتها النوى

فولى عزاء القلب لما تولت

وأما عيون العاشقين فأسخنت

وأما عيون الشامتين فقرّت

٢٨٨

ولما دعانى البين وليت إذ دعا

ولما دعاها قد أطاعت ولبّت

فلم أر مثلى كان أرعى لذمة

ولا مثلها لم ترع عهدى وذمتى

وحد الدكاك من أعمال حضرموت إلى آخر معاملة عمان مع التهائم ونجدها ، إلى جيروت أربع فراسخ ، وإلى التهودى أربع فراسخ ، وإلى الشعب سبع فراسخ ، معدن شجر البان ، وإلى حلوف خمس فراسخ ، وإلى الغيل ثمان فراسخ مقابلة ثلاثة أعين تخرج من شعب جبل ويسمى جبل الأسفل وهى عقبه ، وإلى ظفار أربع فراسخ ، وكل هذه المواضع ثرار وشعاب ذات مياه ليس عليها عمارة إلا بعض الشىء ، والله أعلم وأحكم.

ذكر خراب ظفار

خرب أحمد بن عبد الله بن مزروع الحبوضى ظفار سنة ثمانى عشرة وستمائة خوفا من الملك المسعود أبى المظفر يوسف بن محمد بن أبى بكر بن أيوب وبنى المنصورة وسماها القاهرة وسكنت سنة عشرين وستمائة ، والاسم المعروفة به ظفار وهى على ساحل البحر ، وقد أدير عليها سور من الحجر والجص ، ويقال : من اللبن والجص ، ورتب عليه أربعة أبواب : باب البحر ينفذ إلى البحر ويسمى باب الساحل ، وبابان مما يلى البر وهما على الاسم لأبواب ظفار المهدومة أحدهما مشرق يسمى باب حرقة ينفذ إلى عين فرض ، والثانى مما يلى المغرب ويسمى باب الحرجاء ينفذ إلى الحرجاء ، والحرجاء مدينة لطيفة وضعت على ساحل البحر بالقرب من البلد ، وما بنى المنصورة إلا لإحكام البلاد خوفا على العباد ، فلما بنى

٢٨٩

المنصورة ولم يؤبه إليه الملك المسعود ولا عاتبه فيما صنع ، وكان أمر الله قدرا مقدروا.

وهذه صورتها على هذا الوضع :

٢٩٠

ذكر مدن هدمت خوف الأعادى ولم يصلها العدو

خرب ناصر الدين أبو الفتح قباچة السلطان فى أعمال السند قلعة كلور وسب ، رأس حد بلاده ، خوفا من السلطان الأعظم علاء الدين أبى الفتح محمد بن تكش سنة اثنتى عشرة وستمائة ، وخرب ، أيضا ، الملك ناصر الدين أبو الفتح قباچة فى أعمال السند اهراوت وساتر (وكفى وطلبيه وعلنا اوروهام راوير سرور ونزواره وكريون ودهروت وشاهكا وراح بيوم ومكتوب) (١) خوفا من السلطان جلال الدين منك برتى بن محمد بن تكش سنة اثنتين وعشرين وستمائة.

وخرب صلاح الدين يوسف بن أيوب فى أعمال الساحل عسقلان وغزة والدارون والرسين وقلعة الأفضل والعباسية خوفا من الإفرنج سنة سبعين وخمسمائة.

وخرب السلطان علاء الدنيا والدين أبو الفتح محمد بن تكش قلعة مرورّوذ ورسوم ، وفى أعمال السند بدووب وحاما (وهانهوز وبكى ومنك راور قصرا ايوب وكوب وياحكة وموسى ويكورح) (٢) خوفا من أملاكها الأمهنة سنة أربع وستين وخمس مائة ، وأبقى المدن وهدم الحصون لأن فى هذه البلاد كل قرية بها حصن مانع بناء الهنود من سالف الدهر.

وهدم الملك المعظم عيسى بن أبى بكر بن أيوب فى أعمال الشام الكرك والشوبك والقدس وأيلة واللاذقية وهو مائتين وستين وسقى من بون خوفا من الإفرنج سنة أربع وعشرين وستمائة.

__________________

(١ ، ٢) وردت الكلمات بين القوسين غير منقوطة فى الأصل.

٢٩١

وخرب الملك المعزى الذى تغلب على ملك السلطان سنجر من خراسان مرو وسرخس ونيسابور ومن العراق الرى وهمذان ومن كرمان حريب وبم وكارى ، وفى زاولستان حور ، خوفا من السلطان علاء الدين حسين لبك الغورى سنة أربعين وخمسمائة.

وخرب الخان الحسين بن على الخلجى الديبول خوفا من ناصر الدين قباجة سنة تسع عشرة وستمائة.

وخرب (الهمنن مسر بن دوده) (١) قلعة الإسلام خوفا من الخلج سنة عشرين وستمائة ، وخرب (حبل خان المرحسى) (٢) جميع العجم خوفا من المسلمين سنة عشر وستمائة ، وخرب أحمد بن محمد بن عبد الله الحبوضى ظفار خوفا من الملك المسعود يوسف بن محمد سنة ثمانى عشرة وستمائة.

صفة الطريق القديمة

كان من بغداد إلى ظفار ومرباط الطريق آمن يسلكه البدو فى العام مرتين يجلبون الخيل ويأخذون عوضهم العطر والبر ويرجعون إلى العراق ، فلما تغلب أحمد ابن محمد على هؤلاء فتحوا فى الملك ووقع الخلف فى البلاد وانقطعت الطرق واندثرت ، فلما ملك أحمد بن محمد بن عبد الله بن مزروع الحبوضى الملك واستقام فيها أمنت العباد وعمرت البلاد [انقطعت الطرق] خرج البدو على رءوسهم

__________________

(١ ، ٢) وردت الكلمات بين القوسين مضطربة وغير منقوطة فى الأصل.

٢٩٢

فى الطريق القديمة وصاروا على الطريق المستقيم بالخيل إلى ظفار فباعوا واشتروا ، فلما أرادوا الرجوع قال لهم أحمد بن محمد : وكيف علمتم الطريق؟ قال أحدهم : إنى سافرت مع أبى وأنا طفل على هذا الطريق مرة واحدة فسرت الآن فيها بقياس التعقل بمعرفة تامة وكتب الله السلامة حتى بلغنا المقصد ، قال لهم : فمن أين تخرجون؟ قالوا : من مشهد الحسين بن على بن أبى طالب ، رضوان الله عليهما ، فإذا وصلنا إلى المنزل الفلانى افترق عنده الطريق طريقان يأخذ أحدهما إلى الحساء والقطيف والثانى يجىء إلى مرباط وظفار ، فقال لهم : شاهد الله على بدوى سلك هذه الطريق ثانية لا يلومن إلا نفسه ، قالوا : ولم؟ قال : نخاف أن يندرس الطريق لكثرة سلاكه فتجىء خيل أمير المؤمنين ، غائرة فى تلك البلاد علينا وأنا مع ذلك خرّبت البلاد وبنيت المنصورة لأقطع الشر عنى ، فدخلت البدوان من بلد ظفار ولم يرجعوا إليها ومنها انقطع الطريق سنة ست عشرة وستمائة.

صفة الرياح الثلاث

ريح عاصف قاصف ذات شدة وصلابة ، فإذا هب الهوى سد الغبار جميع الطاقات فى الدور وأرواق الجدران ، ويقال : إذا هبت هذه الأهوية فمن شدة هبوبها تدحرج الحجارة من أعلى ذروة الجبل إلى أن توصله البحر وبين الجبل والبحر يوم طراد ، والأصل فيه أن الله سبحانه وتعالى أهلك قوم عاد بهذه الريح وهى الريح العقيم ، والاسم فيه ثلاث مشتق من بلاء.

٢٩٣

وحدثنى ربان فى عدن قال : إنه من جملة الرياح الأزيب يعنى الجنوب وحدود هبوبه من رأس فرتك إلى مرباط ، كما قال الشاعر الغزنوى :

تا بدان چايت فرود آرد كه باشد اندرو

ناوك اندازانش قهر وخنجر آهنجان بلا

زهره مردان چو بر زنكار پاشى ناردان

كرده كردان جو بر شنكرف مالى لوبيا

صفة المنصورة

هواؤها طيب وجوها موافق وماؤها من خليج عذب فرات ، يطلع بها الفواكه من كل فن : من فواكه الهند الفوفل والنارجيل ، ومن فواكه الساحلية قصب السكر والموز ، ومن فواكه العراق الرمان والعنب ومن النخل جمل ، ومن ديار مصر الليمون والأترنج والنارنج ، ومن السند النبق ، ومن الحجاز الدوم وهو المقل ، وجميع سكانها حضارم انتقلوا من بلادهم وسكنوا بها ومأكولهم السمك والذرة والكنب ، ومطعوم دوابهم السمك اليابس وهو العيد ، ولم يزبلوا أراضيهم إلا بالسمك ، ويقال : إنهم يعقدون الهريسة إلا بلحم السمك لا غير ، ونساؤهم سحرة يمشون من ظفار إلى الجاوة الميل فى ليلة واحدة لأنهم فى قرب جزيرة سقطرى ، والمسافة فيما بينهم يومان وليلة فى البحر ، وأهل الجزيرة يؤدون القطعة لابن الحبوضى.

٢٩٤

ذكر جزيرة سقطرى

يقال : إن فى قديم الزمان كان جميع هذه الأمكنة بحر لا غير ، وكانت سقطرى ما بين البحر والبر ، فلما فتح الله الفم من مقابل الجبل غرق البحر إلى باب المندب ما بين عدن وزبيد ووقف الماء عنده ، فلما فتح باب المندب وقف أواخر بحر القلزم ، وجبل سقطرى صار الآن جزيرة فى لجج البحر يصح دور الجزيرة أربعون فرسخا.

حدثنى الحامى قال : يصح دورها ثمانين فرسخا ونيف ، وليس فى جميع هذه البحار أكبر منها جزيرة ولا أطيب منها وهى ذات نخل وبساتين وزروع ذرة وحنطة ، وبها إبل وبقر وضأن ألوف مؤلفة ، وفيها مياه سائحة على وجه الأرض ، وهو عذب فرات ، وهو خليج كبير ينبع أوله من الجبال ، طويل عريض ، ويغلب ما فضل منه البحر ذات أسماك ، ويطلع منه شجر الصبر السقطرى ودم الأخوين ، ويوجد فى سواحلها العنبر الكثير.

وسكانها قوم نصارى سحرة ، ومن جملة سحرهم أن سيف الإسلام جهز إلى الجزيرة ، والأصح سيف الدين سنقر ، مولى إسماعيل بن طغتكين ، خمس شوان ليأخذوا الجزيرة ، فلما قرب القوم من الجزيرة انطمست الجزيرة عن أعين القوم وصاروا صاعدين منحدرين طالعين ونازلين ليلا ونهارا أياما وليالى فلم يجدوا للجزيرة حسّا ولا وقعوا للجزيرة على خبر فردوا راجعين ، ويقال : إن الروم الملاعين يكتب فى كتبها عن الجزيرة يعنى سقطرى : الجزيرة المحروسة بأرض العرب.

٢٩٥

ذكر السبعة الطيور

قد ذكر مؤلف كتاب الرهمانج أنه إذا شاهد مسافر فى هذا البحر سبعة طيور فى لجج البحار يعلم أنه مقابل جزيرة سقطرى ، وكل من جاز ويجوز هذا البحر وقطع جزيرة سقطرى يرى السبع الطيور ليلا ونهارا صباحا ومساء ومن أى صوب أقبل المراكب تستقبله الطيور ، ولم يجدهم أحد مستدبرين ، وهذا دائم ، ولو يتوهم أحد لا ثمانية ولا تسعة ولا ستة طيور بل سبعة كاملة ، وهذا من جملة العجائب ، وكم قد فكرت العلماء فيهم فلم يوجد عند أحد منهم ما الحكمة فيهم ولا كيف قصتهم ونعتهم.

قال ابن المجاور : سافرت من الديبول إلى عدن فى مركب الناخوذا خواجة نجيب الدين محمود بن أبى القاسم البغوى شركة الشيخ عبد الغنى بن أبى الفرج البغدادى آخر سنة ثمانى عشرة وستمائة ورأيت الطيور السبعة فى لجة البحر ، فلما أصبحنا رأينا الجزيرة ، وفى الجزيرة أربع مدن كبار منه السوق وفاتك ومورى وما حولها من القرى قرية ما شاء الله ، وهى جزيرة والجبل مستدير حوله وقد صعد ذروة الجبل إلى الأفق ، وقد سكن الجبل قوم جبالية عصاة على أهل الوطاء ، وهى ذات مزارع وعمائر ومدن وقرى لم يعرفوا بعضهم بعضا ، وقد علق كلّ فى عنقه صليب كلّ على قدره.

وفى أطراف الجزيرة سواحل كثيرة مثل بندر موسى ، ورأس ما فى سقطرى ، وغاية معاش أهل هذه السواحل مع السراق لأن السراق ينزلون عندهم ويقيمون عندهم مدة ستة شهور يبيعون عليهم الكسب ويأكلون ويشربون ويجامعون نساءهم ،

٢٩٦

وهم قوم جلح قوّادون وعجائزهم أقود من رجالهم وفى رجالهم من هو أقود من أسود فى رأس جمل هائج ، كما قال الشاعر :

عجوز لو رميت فى قعر بحر

أتت للبر قائدة لحوت

تقود من السياسة ألف بغل

إذا جرّوا بخيط العنكبوت

وهذه صفة جزيرة سقطرى والبحر والمركب على هذا الوضع والترتيب :

٢٩٧

وهذا جانب المطلع من جزيرة سقطرى ، وهذه صورة تراها إذا كنت فى أوسطها وحاذيتها ، وأما إذا تدنيها من البحر فربما تتغير هذه الصورة وتراها على صفة أخرى.

من المنصورة إلى ريسوت

ثلاثة فراسخ وتعبر جبل رأس الحمار آخر غب القمر ، وأما ريسوت فكانت مدينة عظيمة وكان من بغداد إليها طريق مطبق مجصص بالجص والنورة ، وكانت القوافل صاعدة بالبربهار أو الخف منحدرة بالبضائع التى تدخل الهند مثل الصفر والزنجفر والماورد والفضة وما يشابه ذلك وخربت من طول المدى.

وإلى دخان ثلاثة فراسخ ، وإلى حارب ثلاثة فراسخ ، وإلى مراوة ثلاثة فراسخ ، وإلى حلقات أربعة فراسخ ، وتعبر جبل فرتك أول مبتدأ غب القمر وهو مندخ المراكب المقبلة من الهند ، وإلى الحصوين ستة فرسخ ، وإلى خيريج ستة فراسخ ، وبهذه الأراضى سبع قرى مقلوبة وتسمى عند الفرس هو سكان ، أى منكورين.

حدثنى أحمد بن على بن عبد الله الحمامى الواسطى قال : ما بين الشجر وأحور سبع قريات سود ، أى سبع قرى مسودة الأرض ، قلب الله عزوجل بها ، وهى من قرى قوم عاد.

وإلى الريداء سبع فراسخ ، وإلى الشحر خمس فراسخ ، وإلى مرسى طيب بأعمال حضرموت ، وإلى الشحير أربع فراسخ ، وإلى المكلا فرسخ وإلى بلى ستة فراسخ ، وإلى نسع خمس فراسخ ، وإلى حصن الغراب أربع فراسخ حصن السموءل بن عاديا

٢٩٨

اليهودى ، وإلى مجداح أربع فراسخ وإلى الحوراء ثمان فراسخ ، وإلى أحور ثمان فراسخ ، وإلى أبين ستة فراسخ وإلى لحج أربعة فراسخ ، وإلى عدن ثلاثة فراسخ.

من المنصورة إلى قلهات

من المنصورة إلى مرباط أربع فراسخ ، بناء الفرس ، ويقال : إنما بنى واشتق الاسم مرباط لأنها كانت مرابط الخيل التى للفرس من أهل سيراف.

وآخر من تولى بها من نسل الفرس أولاد منجو ، وخربت على يد أحمد بن محمد بن عبد الله بن مزروع الحبوضى.

وإلى أرحوب فرسخان ، وإلى كنكرى أربع فراسخ ، وإلى النوس ثلاث فراسخ ، وتعبر بجبال عوال ، وإلى حاسك فرسخان ، وإلى كنكرى أربع فراسخ محاذاة خوريان وموريان ، وهما جزيرتان فى لجج البحر.

وإلى مدركة أربع فراسخ ، وإلى المصيرة أربع فراسخ ، وتعبر غبة الحشيش ، وأهل هذه الجزيرة قوم يقال لهم : المهرة ، والله أعلم.

ذكر نسبة المهرية

حدثنى على بن محمد بن أحمد الساعى فى المفاليس : حدثنى فهر بن عبد الله بن راشد ، وهو سلطان حضرموت قال : إن أصل المهرية من قرية الدبادب

٢٩٩

لم تجر فيه صلاة ، لأن أمير المؤمنين ، أبا بكر الصديق (١) رضى الله عنه بعث بجيش إلى هذه الأعمال فعصت أهل هذه القرية عليهم ، فلما انتصروا على أهل القرية ركبوا السيف على أهلها فما زالوا يقتلون فيهم إلى أن جمد الدم فيهم قدر قامة ، فلم يسلم من القوم إلا قدر ثلاثمائة بنت بكر مخلخلات مدملجات ملبسات ، فتعقلن بجبل مقابل ، فلما رأى أهل الجبل ذلك أمهروهن وتزوجوهن فجاء من نسلهم المهرة.

وحدثنى أحمد بن على بن عبد الله الواسطى قال : إن أصل المهرة من بقية قوم عاد ، فلما أهلك الله تلك الأمم نجا هؤلاء القوم فسكنوا جبال ظفار وجزيرة سقطرى وجزيرة المصيرة ، وهم قوم طوال حسان لهم لغة منهم وفيهم ولم يفهمها إلا هم ، ويسمونهم السحرة ، وما اشتق اسم السحرة إلا من السحر لأن فيهم الجهل والعقل ومن الجنون ، يأكلون نعم الله بلا حمد ولا شكر ويعبدون غيره ، وهم فى هذه الديار يشبهون الدواب سائرين ملء تلك السهول شبه السيول والجبال شبه الخيال ، وفيهم يقول الشاعر :

كم توعظون ولا تغنى مواعظكم

فالبهم يزجرها الراعى فتنزجر

أراكم صور الناس الذين هم

ناس ولكنكم فى فعلكم بقر

لو كنتم بشرا كانت تنهنهكم

نوائب الدهر إلا أنكم حمر

__________________

(١) معلوم أن لقب : «أمير المؤمنين» أطلق لأول مرة على الخليفة الثانى ، عمر بن الخطاب ، أما أبو بكر الصديق ، رضى الله عنه ، فكان لقبه : خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقد استحدث لقب : أمير المؤمنين لصعوبة قول خليفة خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، واستمر لقب «أمير المؤمنين» بعد ذلك إلى انتهاء الخلافة الإسلامية.

٣٠٠