تأريخ المستبصر

ابن المجاور

تأريخ المستبصر

المؤلف:

ابن المجاور


المحقق: ممدوح حسن محمّد
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٤٠

قارعة الطريق ، فتقبل خطيبته وعلى ظهرها كارة وعلى قدر شيلها تحط فى السوق فتبيع ما معها وتشترى حوائجها ، وترفع كارتها على ظهرها ، ويرجع خطيبها وراءها تقطع الجبال والأودية والشعاب والسهل والجبل واللين والوعر ، وهذا كله ولم تحط الكارة من ظهرها ولم تسترح ، فإذا أعجب الرجل حالها وجمالها وشيلها وبيعها وشراها وقوة صبرها على شيل الثقيل فعند ذلك يملك بها ويدخل عليها وتبقى على شغلها ذلك إلى الممات.

وهذا زى القوم فى البدو والبادية ، ولبسهم الخام لبرودة البلاد ، ويقال : إن رجلا قال : اشتهيت على الله عزوجل مياه صنعاء فى عدن وأحطاب عدن فى صنعاء وكلاهما ملكى ، ولم تعرف أهلها شعلا لسراج.

حدثنى محمد بن منصور بن محمد الواسطى قال : يطلع فى أعمال تعز وصنعاء قضبان تسمى شوحط ، إذا أشعل رأس القضيب اشتعل شبه الشمع ، ولم يشتعل فى سائر الأعمال طول الدهر إلا الشوحط لا غير عوضا عن السراج والفتل.

مأكولهم الحنطة والحلبة واللحم ، والشراب لا يقطعونه لا صيفا ولا شتاء ، لا ضعيف ولا قوى ، سفرهم إلى عدن وشراؤهم العطب والعطر والهندوان ، وغاية اشتغال القوم فى معرفة الجواهر وعلم الكيمياء وعلم النجوم والنحو والمنطق والفلسفة والهيئة والهندسة وحساب الضرب والجمّل ، وقوم يدّعون الحكمة وفصل الخطاب.

وبناؤهم بالحجر القديم لا يحفرون الأساسات القديمة ويستخرجون منه ألواح حجر طول اللوح أربعة أذرع فى عرض مثله ، تكسر تلك الحجارة وتعمل ويبنى بها ، وبناؤهم على تقاطيع بغداد فى التفريض والتذهيب.

٢٢١

صفة وادى الظهر

حدثنى عبد الله بن مسلم الزبيدى الوكيل قال : فى أعمال صنعاء واد يسمى وادى الظهر ، ففى بعض السنين مطر غيث طحطاح رحراح فسالت منه الأودية ورويت منه البلاد وسقى منه العباد ، وسال أواخره إلى الوادى ، فمن حدة جريانه غسل الأرض من التراب والحصى فظهر فى بطن الوادى صخرة كبيرة عليها مكتوب :

أنا الذى قد أفنى ثمودا

وعادا ثم أفنى جبلا

فمن يعمل قبيحا أو جميلا

به يلقاه مكتوبا سجلا

فبقيت الصخرة فى بطن الوادى يقرأها زيد وعمرو ويعتبر منه قيصر وجعفر عدة شهور ، وبعد انقضاء هذه المدة جاء سيل أعظم من الأول طم الصخرة بالحصى والتراب ورجع إلى ما كان ولم يعرف أين كان إلى الآن.

من صنعاء إلى المحالب راجعا

من صنعاء إلى حصن ثلا ثلاث فراسخ ، بناء مشائخ بنى معن.

حدثنى منصور بن مقرب بن على الدمشقى قال : إن تبع بنوا حصونا سبعة ، فمن جملتها كوكبان وحب وجبأ ونكور وصحم وعزان وثلا.

وإلى عزان فرسخ ونصف ، بناه الأمير عماد الدين يحيى بن حمزة الحسينى ، وإلى مسك أربع فراسخ ، وإلى حجة فرسخان ، وأما إقليم حجة فطويل عريض ، ومن

٢٢٢

جملتها مائتان وثمانون حصنا ، وتسمى المقطوعة والجاهل والاغرابى وقرن عشار والشرفة والقطيع وجبل عمرو والظعين والرهبة والعيار.

حدثنى سليمان بن منصور قال : إن جميع ما تقدم ذكره حصون مانعة أعطاها الملك المسعود أبو المظفر يوسف بن محمد بن أبى بكر مع ثلاثين ألف دينار حتى سلّموا إليه حصن بكور سنة ست عشرة وستمائة.

وإلى الذنائب خمسة فراسخ ، ويكرى بهذه الأعمال الشقة الشقدف التى تلى الجبل بدرهم واحد ، والتى تلى الوادى بدينار ، قلت : ولم؟ قال : لأن الآساد فى هذه الأماكن كثيرة ، يكمن الأسد على سقيف جبل مشرف على المحجة فلم يحس الإنسان إلا والأسد قد اختطفه مكابرة والعين ترى العين ، والذى مما يلى الوادى مخلص من خوف الأسد فإنه قاعد على تل السلامة ، ويقال : إن أسود هذه البلاد متأسدة ، أى سحرة يقلبون صورهم على صورة الأسود.

حدثنى على بن معالى الدلال قال : إن أسود هذه البلاد قط لم تفترس حمارا ولا بقرة ولا ضأنا ، ولم تقصد إلا ابن آدم ، فإذا قصد الإنسان شجرة نزل الأسد تحتها ويبقى مدة ثلاثة أيام ، أربعة أيام ، وينتظر الإنسان متى يتعب وينزل فيأكله وترى الإنسان يقول للأسد : بالله عليك إلا ما عفوت عنى ، وهو يريد نزوله ويضرب بيديه الأرض والشخص يحلفه بمعبوده إلى أن يعدو عليه ، قلت : فما السبب فى تأسد القوم ، فإن الثواب فى الظلم للعشيرة؟ قال : يتعلم السحر من بعضهم البعض ويتأسد الإنسان ويجتهد فى إيذاء الخلق بأوحش الصورة والخلق ، وإنهم طول حياتهم بينها حكاية طويلة عريضة ، وقد قال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كاد الفقر أن يكون كفرا».

وإلى المحالب خمسة فراسخ.

٢٢٣

من صنعاء إلى مأرب

حدثنى سلامة بن محمد بن الحذجاج المحجى قال : من صنعاء إلى مسور أربع فراسخ ، أرض بنى باهش ، والى وادى جنات أربع فراسخ ، وإلى المأزمين أربع فراسخ.

ذكر هد سد المأزمين

حدثنى محمد بن سلامة بن حجاج قال : سدّت أهل شداد وعاد منفذ جبلين بالحجر والرصاص وصعدوا فى ارتفاعه إلى أن حاذى الحائط ذروة الجبلين ، فصارت السيول تفلت فيه والماء يستجمع إلى أن رجع بحرا مسدودا ، وكانوا يسقون منه أراضيهم وأنعامهم ، ويقال : إنهم كانوا يسقون منه إلى قرب الشأم بساتين ذات أعناب ونخل وزرع وقرى متصلة بعضها ببعض ، وبقى الإقليم عامرا إلى أن أخربه الله ، وكان الموجب ما ذكره الرازى أنه خرجت قافلة من الشأم وإذا بفأر قفز من الأرض ركب ظهر جمل من بعض الأجمال التى فى القافلة ، وما زال الفأر ينتقل من جمل إلى جمل ويعبر منزلا بعد منزل إلى أن وصل مدينة مأرب فقفز الفأر من الجمل ودخل السد وصار يعمل فيه عمله.

ويقال : إن النعمان خرج يوما فى طلب الصيد فحصّل فى طرد الصيد فوجد الفأر بأنياب حديد يحفر السد ، فلما رجع إلى أبيه المنذر قص عليه حكاية الفأر وصفة أنيابه أنها من حديد يحفر السد ، فقال المنذر : صح يا بنى ما وجدناه فى

٢٢٤

الكتب أن ما يخرب سد مأرب إلا فأر أنيابه من حديد ، وأريد منك إذا دخلنا يوم الأحد إلى الدير والكنائس والناس فيه مجتمعون فقم إلىّ وشاكلنى فى أمر من الأمور وطوّل لسانك علىّ ، فإذا رأيت الأمر قد طال فقم إلىّ والطمنى براحة كفك على خدى.

قال النعمان : وكيف يمكن ذلك؟ قال : يا بنى افعل ما أمرتك به ، لأن لى فيه رأيا ، ولك فيه مصلحة ، ففعل الولد ما أمره به والده.

فلما لطم الشيخ غضب الشيخ ، فمن الحين سمى الملطوم ، فقام الشيخ بين الجميع وقال : يا وجوه العرب ، ما بقى لى معكم سكن ، فقالوا له : ولم؟ قال : وكيف أقيم وصبى كسر حشمتى بينكم وحرمتى!.

ومن ساعته نادى على السد فتألبت والتأمت قبائل العرب فى شراه ، قالوا : بكم؟

قال : تغمدوا سيفى هذا! وغرس ذؤاب سيفه على الأرض وصارت العرب تنقل الذهب والفضة والمصاغ إليه ، وما زالوا على حالهم يصبون الذهب إلى غمد سيفه بالذهب ، فأخذ الشيخ المال وصعد الجبل وسكن مقابل السد ، والجبل يسمى جبل حقا ، وهو وأهله فيه ينتظرون خراب السد ، ولما تمكن الفأر من السد وخرقه أخربه وضرب السيل (١).

حدثنى سلامة بن محمد بن حجاج قال : لما دفع السد أخذ الماء فى جملة ما أخذ ألف صبى أمرد على ألف حصان أبلق غير البيض والشقر والدهم والخضر ، كما قال :

__________________

(١) أورد ابن كثير هذه القصة فى البداية والنهاية ، المجلد الأول ، بصورة أكثر إيضاحا.

٢٢٥

تهدم سد المأزمين وقد مضى

زمان وهو ينقاد حيث يقاد

وإلى مأرب أربع فراسخ ، وتسمى الحصنين ، ومن هذه البلدة نقلت الجن عرش بلقيس إلى أرض فارس ، فى زمن سليمان بن داود ، عليهما‌السلام ، كما قال عزوجل : (أَهكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ)(١) فقال :

مولاتنا وولية آل الذى

طالت كما طالت علا بلقيس

وقد قال الأديب الصابر فى مدح السلطان أتسز بن ألب أرسلان ، حاجب السنجرى :

وين؟؟؟ صور كه ماندهى كسدمى

كارم دل لسانه والان يسرى

فلما اندق السد أخذ مأرب فى جملة ما أخذ ، فلما زال شر الماء وضرره دارت الخلق على موضعين سليمين منه صوران يسمى أحدهما درب الأعلى والثانى درب الأسفل ، وفى درب الأعلى شارع يقال له : شارع الفضول ، كل من تلاكم وتعربد وضرب وضرب لا يؤخذ له ولا يؤخذ منه حق ، فإن كان خارجا عن الشارع وجب على كلّ حقه فى الأخذ والرد.

قال : وحدثنى رجل مغربى قال : وكان حسام الدين على لؤلؤ فى صنعاء واليّا يقال له : والى الفضول ، كل من كان يتعلق عليه بحجة فكان يأخذ من كل واحد دينار.

وهو على هذا الوضع والترتيب.

__________________

(١) الآية : ٤٢ من سورة النمل.

٢٢٦

٢٢٧

ويقال : إن مدينة مأرب بناها سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان ، ويقال : عابر ، وهو : هود ، عليه‌السلام ، ويقال : إنما سمى سد مأرب لأن قوم عاد لما سلط الله عليهم الريح العقيم وكان يقف على السد كل يوم كذا وكذا من رجل ليردوا عن أصحابهم البلاء ، وكانت الريح تضرب بعضهم على بعض ، كما قال الله عزوجل : (ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ)(١) فبنوا السد ليرد عنهم قوة الماء ، فلما عذب تلك الأمة اجتمع السيول فيه وكثرت المياه فبقى جريا للماء فبنى عليه قرى وعمارات وزراعات إلى حدود الشأم وكان يسقى منه جميع ذلك.

فصل : ولد لحصيص بن حصن ولد فى مأرب أمسى علمه فى حضرموت مسيرة ثمانية أيام ، لأن كل ناطور زرع كان يخبر صاحبه حتى اتصل الخبر بحضرموت ، وذلك من عمارة البلاد وكثرة العباد.

بأعمال العواهل جبل يسمى المعدن ، وهو معدن الفضة ، وجبل يسمى سرواح معدن الذهب وترابه أصفر يشبه الزرنيخ لم يعرف أهل زماننا هذا عمله ، ويقال : إن قوم عاد كانوا يستخرجون الذهب والفضة من هذين المعدنين وهم فى هذه الأعمال ، ما بين إقليم العواهل ، ووادى بيحان جبل ملح لم يكتل عرب مذحج والبدو والبلاد إلا منه ، ويقال : بل يكتال منه عرب نجد وما حولها من البدوان ، ويوجد بهذه الأراضى النعام والفهود والظباء والأيائل كثيرة ، وجميع بناء القوم بالحجر الرخام المنحوت المنجور ، وكان ينقل فى قديم العصر من جبل يام ، وهو مقارب براقش مسيرة أربع فراسخ ، حصن أبيض.

__________________

(١) الآية : ٤٢ من سورة الذاريات.

٢٢٨

من مأرب إلى الجوف

من مأرب إلى ورسان اربع فراسخ ، بئر صغير من بناء قوم عاد ، وإلى براقش اربع فراسخ من اعمال الجوف ، وإلى معين فرسخ ، وإلى هرم فرسخ ، وفيه يقال :

ما بين معين وهرم

سبعون بئرا لابن لخم

مطوية بالساج من جوف القدم

ما برحت لحم حاب لحم

غلبت عليها هذيل وعقيل وجشم

وإلى الجوف الأعلى أربع فراسخ ، أرض بنى دعام ، وبه من القرى العادية معمور درب الظالم والسوق ودار عصية ووحسان وسعموم وصهيد ، والقاع يزرع به الحنطة والكمون ، وكل هذه القرى عامرة بأهلها ، ولا يزال القتال بينهم دائما ، ومشائخ البلاد يدعون أموالهم بأرواحهم والضعفاء يزرعون ويحصدون ، والتى هى خالية من السكان السوداء وحراضة ودرب بنى محرم والعاصة ، وفى الجوف السوداء والبيضاء ومعين وهرم وسرال وبراقش ودرب أقصى ومقعد الفيل والجار وبردا وحمضة وحمض والهجيرة ، والله أعلم.

صفة هذه الأعمال

مساكن شداد وعاد والتبابعة الجبابرة ، بناؤهم بالحجر والرخام والرصاص وشىء منها نقر فى الجبال كما قال الله عزوجل : (وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً

٢٢٩

فارِهِينَ)(١) ويقال : إنه كان يلين لهم الحجر فى العام شهر زمان ، والأصح عشرة أيام ، ففى هذه المدة كانوا يعملون منه ما أرادوا ، فلما كفروا نعمة الله ، عزوجل ، خسف بهم وتفرق شملهم وتشتتوا فى أقاصى الربع المسكون وأدانى البحر المعمور ، شرقا وغربا وشمالا وجنوبا ، كما قال أبو نواس ، الحسن بن هانئ ، المعروف بالمذحجى ، فى ذلك :

فى فتية كالسيوف هزّهم

شرخ شباب وزانهم أدب

لما أراب الزمان فاقتسموا

أيدى سبا فى البلاد فانشعبوا

لم يخلف الدهر مثلهم أبدا

على هنات لشأنهم عجب

لما تيقنت أن روحهم

ليس لها ما حييت منقلب

أبليت صبرا لم يبله أحد

وأقسمتنى مأرب شعب

فرجعت الدور قبورا والمساكن مساكن فارتدمت بعضها على بعض ، وتقلعت النخيل والأشجار وطلع بدله العشب والأراك وسكنت البدوان ببيوتها الشعر ، وصارت الإبل ترعى بين عامر الخراب وتشرب ظباؤها من الندا والسراب ، لبئس الشراب وساءت مرتفقا ، كما قال بعضهم فى المعنى :

يا صاحبىّ قفا المطىّ قليلا

يشفى العليل من الديار غليلا

هذى طلولهم أطلن صبابتى

وتركن قلبى من عراى طلولا

ولئن خلت منهم مرابعهم فقد

غادرن قلبى بالغرام أهيلا

لو أن عيسهم غداة رحيلهم

حمّلن وجدى ما أطقن رحيلا

__________________

(١) الآية : ١٤٩ من سورة الشعراء ، وقد وردت فى الأصل : (... بُيُوتاً آمِنِينَ) وهو تداخل مع الآية : ٨٢ من سورة الحجر.

٢٣٠

إن الظعائن يوم جزع مفحش

أبقين لى جزعا بها وعويلا

من كل رئم لا عديل لحسنها

رحلت فكانوا للفؤاد عليلا

كالبدر وجها والغزال سوالفا

والرمل ردفا والقناة ذبولا

ولآخر يقول :

يا قلب هل منك إن سليت سلوان

أم أنت فى غمرات الحب ولهان

والله ما طاب لى عيش أسر به

حتى يعود أصحابى كما كانوا

هيهات بانوا فلا والله ما طمعت

نفسى بقربكم من بعد ما بانوا

يا لهف نفسى على عيش نعمت به

أيام لى فيه أوطار وأوطان

أقسمت ما سرّ قلبى بعد فرقتهم

خلق ولا لاح للإنسان إنسان

ويسمى هذا الإقليم إقليم العواهل ، وهو بالطول من نجران إلى بيحان وبالعرض من روضة نسر إلى حضرموت.

من مأرب إلى صنعاء راجعا

من مأرب إلى بئر موهل فرسخان ، وإلى حرنين فرسخان ، وإلى طبال العاشر فرسخان ، وإلى الرحبة فرسخان ، وإلى صنعاء فرسخان.

٢٣١

من صنعاء إلى صعدة

على الطريق القديم.

قال ابن المجاور : وكان هذا الطريق يسلك فى أيام الجاهلية ، فلما ظهر الإسلام بطل.

من صنعاء إلى مرمل ثلاث فراسخ ، سرير ملك أعمال الخشب ، وهو مساكن ثمود ، والأصح مساكن التبابعة ، وجميع ما بنى بالحجر والجص المدن منها والقرى طول كل لوح حجر منه عشرة أذرع ، زائد لا ناقص ، وهو الآن كله خراب بناه.

وإلى ثريد ثلاثة فراسخ ، من أعمال تومين ، وهما واديان ، وإلى رأس نقيل عجيب ثلاثة فراسخ درجة أسعد الكامل ، وإلى نقيل الفقع فرسخ ، وإلى المصيرع فرسخ ، وفيه أمير المؤمنين على بن أبى طالب صرع الكفار ، وأنشد بعض العرب المصرعين يقول :

كلينا يا سباع وجرجرينا

فو الله يا سباع لتفقدينا

علينا البيض والدرق اليمانى

وأسياف تجرّ وتعذرينا

وإلى نجد فرش فرسخان وهو نقيل مدرج ، وإلى العميشة ثلاث فراسخ ، وإلى الدرب فرسخان وإلى صعدة فرسخان ، والله أعلم.

٢٣٢

ذكر خراب صعدة القديمة

فلما جرى على ذات النحيين ما جرى ورأى عمرو بن معديكرب الزبيدى ما تم على المرأة حمّل جمالا رملا وقدم بها وقت الصبح الصادق إلى صعدة وقال لبنى عمه : إذا دخلتم صعدة فاسفقوا الزوامل الرمل بين دروقى الباب ، ففعلوا ما أمرهم به وامتلأ دروقى الباب رملا ، فعلم البدوى فأمر بغلق الباب ، فلما غلق الباب لم يجئ معهم الأكياس الرمل بين دروقى الباب ، فحينئذ دخل عمرو بن معديكرب الزبيدى إلى أرض الحجاز فتبعه رجل من البدو ، فلما دهمه جذب السيف وضرب الصخرة التى تقدم ذكرها فعرفت بضربة عمرو ، فلما نظر الرجل الضربة رجع عنه ، وتم على قوة إلى أن خرج إلى الحجاز وأسلم على يد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ويقال : على يد بعض الخلفاء ، وخرج فى فتح العجم مع سعد بن أبى وقاص ، وقتل بأعمال نهاوند من إقليم العراق ، فلما تم على أهل صعدة ما تم تراجعت الخلق من كل فج عميق فعمّر كلّ منزله ومسكنه وسكن فيه ، فلأجل ذلك هى خمسة دروب ، ويقال : إن صعدة القديمة كانت فى الابتداء عند حصن تلمص مع خراب صعدة وأعاليها بناها الهادى يحيى بن الحسين.

بناء صعدة ، بناء الشرف

بنى فى دولة الإمام أبى موسى محمد الأمين بالله ، أمير المؤمنين ، ويقال : بنى قديم بناء الجاهلية ، والأصح أنه بنى فى أيام بناء صعدة صنعاء ، ولا شك أنها بناء

٢٣٣

سام بن نوح ، عليه‌السلام ، وأما صعدة هذه فإنها لما خربت صعدة القديمة وتم على أهلها ما تم ثم جاء يحيى الهادى بن الحسين أراد بناء مسجد فى هذه الأرض فجاء إليه تاجر فقال : وكلنى على بنائه ، فوكله وبنى التاجر المسجد ، فلما فرغ بناؤه قال له الهادى : أحسبت حساب الخرج؟ قال التاجر : معاذ الله أن آخذ على بناء بيت الله أجرة وثمنا.

وسكن الهادى يحيى بن الحسين المسجد بمقامه فسكنت معه الخلق فكثرت الأمم فبنوا مدينة وأسواقا ودورا وأملاكا ، فلما رأوا ذلك أداروا عليه أربعة دروب : الدرب العتيق ، ودرب القاضى ، ودرب الفر ، بنى فى أيام سيف الإسلام طغتكين بن أيوب ، ودرب القاضى بن زيدان ، ويحوى هذه الأربعة الدروب درب واحد وهو السور ، وركّب على السور باب الدرب العتيق وباب علىّ بن قاسم ، وباب درب المعز ، وباب درب القاضى ابن زيدان ، وباب حوث ، وباب درب الإمام ، وأما درب الإمام فهو حصن بناه أبو محمد بن عبد الله بن حمزة ما بين الشمال والمشرق منفردا بذاته لم يخالطه شىء قريب من البلد لم يسكنه إلا الإمام وعترته.

وصورته على هذا المنوال فى الصفحة الثانية التى بعد هذه.

٢٣٤

٢٣٥

وأما البلد فإنه عامر كثير الخلق والخير ذات معاش ، وشربهم من الأنهار والأعين وزرعهم الحنطة والشعير ، ذات أشجار وأنهار ، ولبسهم الحرير والقطن لأن البلاد ظاهرها حار بالمرة وباطنها حار لين ، وهم قوم أخيار يدعون الحكمة ومعرفة الجواهر والعلوم العلوية ، وهم على مذهب الإمام زيد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب جميعا ، وهم شوكة القوم فى المذهب.

فصل : حدثنى على بن محسن الجبلى قال : إن بنى العباس لم تهب أحدا إلا الزيدية ، قلت : وكيف ذاك؟ قال : لأن السنة والجماعة من حزب الأئمة بنى العباس ، وتقول الشيعة والإمامية : لا الإمام إلا من ضم العصى وأورق العصى ، وهم مع ذلك ينتظرون خروج الإمام المنتظر محمد بن الحسن ، فهم الآن يفرقون من الفريقين ، وأما شوكة البلاد فهم الزيدية ، لأن عندهم كل إنسان عفيف متدين شريف من آل الحسن بن على بن أبى طالب يكون فيه خمس خصال فهو عندهم إمام واجب الطاعة ، فكل من قام على هذه الصفة قامت الزيدية معه وقاتلوا بين يديه ، ووقع أحمد بن عبد الله بن حمزة بخزانة ساج فى نواحى صعدة وظهر لهم فى جملة ما ظهر أربعمائة زردية داودية غير السلاح والعدد ووقعوا بمطلب ذهب ، ولكن ما صح لهم منه شىء ، لأن عليه طلسم لم يمكنهم الدخول إليه سنة أربع وعشرين وستمائة.

من صعدة إلى ذهبان

من صعدة إلى الحوانيت أربع فراسخ ، بناء أسعد الكامل فى وادى سجع ، بنى

٢٣٦

هذه الحوانيت سكنة لما عزم أن يعمر نقل حرف العراق ، وإلى خطم البكرات فرسخان ، ويقال : إنما عرف هذا المنزل بهذا الاسم لأن عفريتا من الجن قال لرميم ابن جابر الشاعر : أنشدنى بيتا وأنشدك مثله حتى ينصر من يغلب صاحبه ، على شرط أنك لا تذكر فى شعرك الديك ، قال : نعم ، فما زال هذا يقول بيتا وهذا ينشد صاحبه مثله حتى عجز رميم بن جابر فقال :

وديك أحمر سليمانى ما يلقى

بحافته جنى ولا حيث يسمع

فلما سمع الجنى ذلك طار فى الهوى ونزل أخذ صيدح بكرة رميم بن جابر فصيّحها قطع قطع ، فلما رأى رميم ذلك حزن على بكرته وصار يبكى وينقش صورتها فى الأحجار ، فما فى هذه الأمكنة حجر إلا وفيه صورة الناقة ، فعرف الموضع بخيم الركاب ، وفيه يقول :

فما فى الصبايا مثل ميّا صبية

ولا فى المطايا نضوة مثل صيدح

وقال أيضا :

وأصبح فى شق المشورة قاعدا

وصيدح ترعى بين عيس قناعس

وإلى القديم فرسخان ، وهو موضع قوم كما قال :

أمسى قومى بلحى وغادرنى كريم

وعادسنا يام ... (١) أرى القديم

وهذا يام بن أصنع وسكنهم بوادى الخانق والحقة ، وإلى ملتقى الأودية فرسخ ، وإلى غسل جلاجل فرسخان ، وإلى المحلف فرسخان موضع قوم ، وإلى البصرة

__________________

(١) بياض بالأصل.

٢٣٧

فرسخ ، وإلى وادى نقوص فرسخان ، وإلى الجبل الأسود فرسخ ، وإلى السروات فرسخان ، وإلى رفيدة فرسخان ، وإلى طريب فرسخان ، وإلى ذهبان فرسخان ، وتسمى هذه الأعمال بيشة العباس بن مالك بن عمرو بن وائل يرجع إلى نزار.

من صعدة إلى نجران

من صعدة إلى زهران ثلاثة فراسخ ، وهو لابن ملك لآل عبد الله بن حمزة لأنه اشترى أراضيها من أربابها بيعا وشراء ، وكان لقوم يقال لهم : الأقشور رأس الركب ، وإلى الحد ثلاثة فراسخ ، وإلى الركب ثلاث فراسخ ، واد عظيم يجرى على صفا ، وإلى الخانق ثلاث فراسخ ، نخيل وماء جارى أوله يجرى من الركب ، وإلى كوكبان فرسخان ، ومنه يخرج إلى نجد ، ووضع هذا الحصن ما بين نجد وجبال اليمن ، فهو حصن مانع سرير ملك نجران ، وإلى الحقة ربع فرسخ ، مدينة الأصل نجران ، وعليها المعول فى البيع والشرى ، وينقسم أهلها على ثلاث ملل : ثلث يهود وثلث نصارى وثلث مسلمين ، فالمسلمون الذين بها ينقسمون على ثلاثة مذاهب : ثلث شافعية وثلث زيدية وثلث مالكية ، وهى المدينة التى كانت لأصحاب الأخدود وهى التى قال الله عزوجل فيهم : (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ* النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ* إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ)(١).

وإلى قابل ربع فرسخ ، وإلى حبونا أربع فراسخ ، وإلى قرقر أربع فراسخ ، والله أعلم.

__________________

(١) الآيات : ٤ ـ ٦ من سورة البروج.

٢٣٨

صفة مدينة قرقر

حدثنى الراوى أن قرقر كانت مدينة عامرة بها ثلاثمائة وستون محلة فيها ثلاثمائة فارس ، خربت لاختلاف الأمم.

فصل : وجد زيد البدوى عمرو القرقرى قاطنا ساكنا فى فلاة نجد مع البدوان فقال زيد لعمرو : ما لى أراك فى جنوب نجد بعد أن كنت فى أكناف قرقر بألف غزور غدوت الآن أراك رد الشرد ، فأنشد عمرو القرقرى يقول :

أحب دخولا بين أدوار قرقر

ويمنعنى دين علىّ ثقيل

ولو كان دينى ينقضى لقضيته

ولكن دين القرقرى قتيل

وكان يقوم تحت قرقر سوق تسمى العمدين وما عرف هذا السوق بهذا الاسم إلا أن مشائخ العرب كانت تقيم بهذه السوق عامود ذهب وعامود فضة يعرف السوق بهما ، ورجع الآن سوقا للعمل بين أرض قفر تزرع به وتحرث ، فراح الجسم وبقى الاسم.

ولانها قوم يقال لهم : بنو عبد المدان ، وهم قوم شداد بن عاد ، اللين القياد ، ذو الجياد ، وفيه أنشد بعض العرب يقول :

ولو لا بنو عبد المدان وخيلها

لحلك يا نجران بعض القبائل

وقال آخر :

ألست تعلم أن قلبى

يحبك أيها البرق اليمانى

٢٣٩

لئن أقتلكم قتلا دنيّا

فلا شيخ يدب على البنان

وإن أقتل فمقدور وليت

وفى قومى على سرج الحصان

وإن أقتل فقد قتلت قريش

وقد قتلت بنو عبد المدان

والقوم لا يطيعون لملك الغز ولا لسلاطين العرب ، وآخر من تولى من بنى عبد المدان أخوان يقال لأحدهما : القاضى ، وللثانى القاضى ، وفى عهدهم دخلت عليه يد الأمير محمد بن عبد الله بن حمزة معهم حتى صار يصل إليهم نصف دخول البلاد ، لأن الأمير محمد بن عبد الله وأخاه أحمد ولدى عبد الله بن حمزة تزوجا بأخوات القاضى والقاضى ابنى صعيب بن عدنان بن عبد المدان سنة ثلاث وعشرين وستمائة.

صفة بئر الصفر

أمر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، رضى الله عنه ، أن تحفر بئر فى بعض أعمالها ذات عمق وسعة وطول وعرض وأن يطوى بالصفر المصبوغ منه شبه الآجر ويسبك فيما بينه الرصاص ، فبنيت البئر ، على ما تقدم ذكره ، وهو باق على حاله.

ويقال ما بناه إلا رجل من وجوه العرب فى زمن الجاهلية فاندثر واستتر مع طول المدى ، فأمر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، رضى الله عنه ، فأعاد بناءه فبقى على ما تقدم ذكره ، والبئر من جملة العجائب.

٢٤٠