تأريخ المستبصر

ابن المجاور

تأريخ المستبصر

المؤلف:

ابن المجاور


المحقق: ممدوح حسن محمّد
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٤٠

ونذكر عجائب إقليم اليمن وما فيها من الغرائب

ومن جملتها حصن أشيح

ومما ذكره عمارة بن محمد بن عمارة فى كتاب المفيد فى أخبار زبيد قال : حدثنى المقرى سليمان بن ياسين ، وهو من أصحاب أبى حنيفة قال : بت بحصن أشيح ليالى كثيرة وأنا عند الفجر أرى الشمس تطلع فى المشرق وليس فيها من النور شىء ، وإذا نظرت إلى تهامة نظرت عليها من الليل ضباب يمنع الماشى أن يعرف صاحبه من قريب ، وكنت أظن ذلك السحاب والبخار وإذا هو عقائل الليل ، فأقسمت أن لا أصلى الصبح إلا على مذهب الشافعى ، إن أصحاب أبى حنيفة يؤخرون الصبح إلى أن تكاد الشمس تطلع على وهاد تهامة ، وما ذاك إلا أن المشرق مكشوف لأشيح من الجبال وذروته عالية.

وهو مقر الداعى سبأ بن أحمد بن على الصليحى ، وفيه يقول عبد الله بن الحسن بن على بن القم شعرا :

ولما مدحت الهبرزى بن أحمد

أجاز وكافانى على المدح بالمدح

فعوضنى شعرا بشعرى وزادنى

عطاه فهذا رأس مالى وذا ربحى

شققت إليه الناس حتى رأيته

فكنت كمن شق الظلام إلى الصبح

فقبّح دهر ليس فيه ابن أحمد

ونزّه دهر كان فيه من القبح

٢٠١

ونجد الحنشين

من أرض بنى نجاح ، وكان فى قديم العهد تسمى هذه الأعمال أعمال نجد ، وما عرفت بالحنشين إلا أن صاحبيه تقاتلا وتعاقرا ، فبينا هم فى قتالهم إذ وقع عليهم لمع برق أحرقهم ، ويقال : بل خسف من تحتهم فنزلوا فى الخسف ، والخسف باق ، وهو فى قدر بئر عظيم ليس يوجد له قرار ، عرف النجد بالحنشين ، ونجد الحنشين من أعمال الحقل والكفل.

وحصن ثريد

بناه سليمان بن داود ، عليهما‌السلام ، فى أرض بنى سيف وهو سور دائر على سنام جبل عال شاهق فى الهوى ، وفى وسط الحصن بحيرة ماء قديم خلقه الله على ظهر الجبل لم يعلم له قرار ، وهو ماء عذب ، وقد يرى فيه من الأسماك ودواب البحر وموج هائل ، وقد بنى على السور على ساحله مستدار بالبحيرة ، وبنى من داخل السور ثلاثة دور ، لا غير ، يسكن فى أحدهم ثلاثة رجال ، وفى الثانى أربعة ، وفى الثالث خمسة رجال ، يصح عدد القوم اثنى عشر رجلا رتبة ، ولم يقدر أحد من ملوك الغز على أخذها من أربابها بنى سيف ، ويقال : إن به شجرة يصح طولها ثلاثة أذرع ، قط ما أوكر عليها طير إلا وقع من ساعته ميتا ، ولا يزال تحتها طيور موتى من كل فن.

حدثنى أحمد بن محمد بن المهنا الصفار قال : إنى رأيت فى بلاد البرابر شجرا

٢٠٢

يوجد تحتها قردة ميتة فسألت بعضهم عن حال قصة القرود فقال : إن تلك الشجرة شجرة السم الذى يغلى حطبه يستخرج منه سم ويجعلونه فى نشاشيبهم ، فمن أصابه من تلك النشابات ولم يقوّر اللحم والجرح معا مات من ساعته ، فتجىء القردة تأكل من ثمرها ، لأنه يكون حلوا فيموتون كما ترونهم.

قال ابن المجاور : وما يموت من القردة إلا كل من يكون فى بطنه جراح أو مرض يصل سم الشجرة إلى الجرح فيختلط بالدم ويموت ويرجع بسببه مرميا شبه جذع نخل منصرم.

ولا شك ان هذه الشجرة شجرة سم.

قال ابن المجاور : ورأيت فى المنام ليلة الاثنين العشرين من شهر رمضان سنة عشرين وستمائة كأن قائلا يقول لى : إن فى أرض الزنجبار شجرة تسمى نار ولا يمسها احد إلا احترق من وقته.

وما اشتق حصن ثريد إلا من ثريد الخبز واللحم ، أى كل من يملك هذا الحصن يبقى إقليم اليمن قدامه شبه جفنة ثريد يأكل ما أراد ، أى يملك ما اشتهى وأراد.

وفى سنة خمس عشرة وستمائة زرعت جميع جبال اليمن الفوة وبطّلوا زراعة الغلال ، لأن أحدهم كان يزرع الحنطة والشعير ، وما كان يغل كل جريب إلا خمسة دنانير ملكية فزرعوا الفوة فغل لهم الجريب ستين دينارا ، وابتاعت الفوة سنة اثنتين وعشرين وستمائة بعدن البهار بستة وسبعين دينارا ، فلما رأت الخلق ما رأت قالوا : نترك غيره ونزرعه فزرعوه حتى الخدم والجوارى والنساء والمشائخ

٢٠٣

والغنى وبقوا إلى أن ملك الملك المسعود يوسف بن محمد من ديار مصر ، فأخذ جميع الفوة ولم يخل لأحد وزن أوقية ، وجميع ذلك مباح مستهلك وذلك فى سنة أربع وعشرين وستمائة.

ومثابة فيه بدر الفضة

وأهلها قوم يقال لهم بنو نهم ، وفى سوارق صعدة انباع ولو أنه من كان ، ويقال : إنه جلب زيد عبدا يريد بيعه فى السوق فقال العبد لسيده زيد : اصعد على هذا الحجر ناد على زيد ، فلما صعد نادى العبد على زيد : من يشترى هذا العبد؟ فاشترى منه فباع العبد لزيد وأخذ ثمنه وراح.

من ذى جبلة إلى صنعاء

من ذى جبلة إلى القرين فرسخ ، وإلى السحول فرسخان ، وهو الذى ينسج فيه الثياب السحولية ، وكفن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى ثوبين منها ، وهذا الوادى لبنى أصبح ، قوم الفقيه أبى عبد الله مالك بن أنس الأصبحى ، إمام دار الهجرة.

وإلى ذراع الكلب فرسخ ، وإلى قلعة إبّ فرسخان ، وإلى المغربة فرسخان ، بناية الملك المعز إسماعيل بن طغتكين ، وإلى المعبر فرسخ ، وإلى حصن سماوى فرسخ ، وإلى جدرة نقيل صيد فرسخ ، وهو مدرّج ، درّجه الملك الأعز على بن محمد الصليحى ، وقال :

٢٠٤

وأسكنت العراق خيار قومى

وأسكنت النبيط قرى قتاب

وقتاب هو من جملة الحقل والحقل من وادى صيد ، وينزل من ذروة النقيل عين ماء تسمى بالجبل إلى حوض وفى الحوض حوض صغير وفى الحوض الصغير سرب ينزل الماء فيه ، لم يعلم أحد إلى أين يجرى.

وإلى ضربة عمرو فرسخ ، وهى ضربة عمرو بن عبد ود العامرى فى حجر غاص سيفه فى لب الحجر كما تغوص الشفرة فى قالب جبن طرى ، وكان السبب فى ضربه الحجر أنه تبعه قوم من العرب ، والأصح سيف بن ذى يزن ، ويقال : الحبوش ، فلما ضجر منهم ضرب الصخرة ضربة ، فلما رأت الحبوش ذلك ردوا على أعقابهم راجعين ، ويقال : لما نظر سيف بن ذى يزن الضربة علم أنه لا يصح له منه شىء إلا بيد غالبة فخرج إلى العراق مستنجدا بكسرى فأعطاه كسرى جيشا ملك بهم اليمن.

فلما ثبت سيف بن ذى يزن فى ملك اليمن وخرج عمرو بن عبد ود إلى الحجاز ، وهو الذى برز إليه أمير المؤمنين على بن أبى طالب ، رضوان الله عليه ، وكبّر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثلاثا وقال : برز الإيمان كله إلى الشرك كله ، وقتل على يد أمير المؤمنين على بن أبى طالب فى الوقعة (١) كما قال :

كن ابن من شئت واكتسب أدبا

من عجم كنت أو من العرب

إن الفتى من يقول : ها أنا ذا

ليس الفتى من يقول : كان أبى

__________________

(١) كان ذلك فى غزوة الأحزاب ، أو الخندق.

٢٠٥

وإلى منزل الأصم فرسخ ، وما عرف بهذا الاسم إلا أنه وصل إلى هذا الموضع رجل أصم ، أى أطروش ، فسمع دوى جرى الماء تحت الأرض فحفر آبارا ، ويقال : أنهرا ، وسكن به فعرف به ، وإلى دار الضيف فرسخ ، سكنها رجل من الأعراب وكتب على بابه فى الصخر :

ألا من وصل إلى الدار فلا يعدّى

لأن فى الدار رجلا يغدّى

قال ابن المجاور : وعجبت منه كيف لم يكتب :

ألا من وصل إلى الدار فلا يمشّى

لأن فى الدار رجلا يعشّى

والكتب إلى الآن باق على حاله.

وقال أبو فراس بن حمدان فى المعنى :

نار على شرف تأ

جّج للضيوف الساريه

يا نار إن لم تجلبى

ضيفّا فلست بناريه

وصفة جبل ... السلطان الأعظم بهرام بن شاه بن مسعود ما وهب لأحد مال إلا وهب مع المال خلقّا استوجبوا القتل ، فقيل له فى ذلك ، قال : أما المال الذى ليس له عندى قيمة ولا قدر ولا محل إلا لو وهبت الأرواح ، كما قال الباركل فى المعنى :

كلّ له ثمن يباع بمثله

إلا النفوس فما له أثمان

فأخذ هذا المعنى الحكيم فضل الله الغزنوى يقول :

٢٠٦

ز ابتداى كون عالم تا بوقت پادشاه

ازبزركان عفو بودست از فرودستان كناه

خاصة اندر عصر شاهىكز پى انصاف او

كهربارا نيست آن يارا كه كرددكرد كاه

منكه ازتدبيرخصمانخوردهبودم تير قصد

زنده ما ندم تا بروز محشر از اقبال شاه

جان من بخشيده شاهيست كندر عصر او

چند شاه تاج بخش است يا امير داد خواه

خسروسياركان بايد كه اين شش بيت را

باز كرداند بكلك تبر بر رخسار ماه

تا بياموزند شاهانى كه زر بخشند وسيم

رسم جان بخشيدنازسلطان دين بهرام شاه

وإلى الملاوى ثلاثة فراسخ ، وإلى الحزيز فرسخان ، وإلى مدارة فرسخ ، وإلى نقيل سلح فرسخان صعود ، وإلى حداران فرسخ حدود ، وإلى حبارى فرسخ ، وإلى غيل البرمكى فرسخان ، ماء جار ، فلما قتل الإمام أبو محمد هارون الرشيد جميع البرامكة هرب إنسان منهم وسكن صنعاء ، فلما وجد قلة الماء على أهلها اشترى أرض قاع عبّاد بن الفخر وحفر بها نهرا عظيما ، ويقال : إن معين النهر هو من أرض العراق ، فلما تم جريان الغيل أوقفه على ضعفاء صنعاء ، فعرف الغيل بالبرمكى ، ويقال : بل الذى حفره برمك الذهب ، أى ما قصر فى جرح الذهب على حفره.

وإلى صنعاء فرسخان.

٢٠٧

بناء صنعاء

حدثنى يحيى بن على بن عبد الرحمن الزراد قال : إن شيث بن آدم ، عليه‌السلام ، بنى مدينة صنعاء وغرس بظاهرها بستانين أحدهما أيمن الدرب والثانى أيسره ، وهما بطول من صنعاء إلى العراق مسيرة سبعة أيام.

حدثنى السلطان جميل : بنى به سام بن نوح ، عليه‌السلام ، لأنه استولى عليه ولم يكن يقدر على المقام فى مدينة واحدة فكان يدور العالم على موضع هوى خفيف الماء معتدل الأرض فى الصحة ليسكن ما به من الألم ، فوجد أرضا موافقة لطبعه ، فلما نزل صنعاء زال عنه الألم ، وحينئذ صعد على جبل نقم فسكنه وقال لأهله وأشياعه وأتباعه :

ليعمر كل منكم مسكنا يسكنه ، فعمرت الخلق المساكن فرجعت مدينة طولها وعرضها مسيرة سبع فراسخ ، وكانت أعمالها تنفذ إلى البصرة ، وبقيت الطريق مسلوكة عامرة إلى أن علاه الرمل فقطعه.

وبنى هود ، عليه‌السلام ، فى جامعه بئرا ، وهى أول بئر حفرت فى عالم الكون والفساد ، وأدار سورها الملك الأغر على بن محمد بن على المعلم الصليحى بالحجر والجص وركب عليه سبعة أبواب :

باب غمدان ينفذ إلى اليمن ، وباب دمشق ينفذ إلى مكة ، وباب الشيخة ينفذ إلى محلة الشيخة ، وهم المجذومون ، وباب خندق الأعلى يدخل منه السيل ، وباب

٢٠٨

خندق الأسفل يخرج منه السيل يسقى الأرض ، وباب النصر ينفذ إلى جبل نقم وبراش ، وباب شرعة ينفذ إلى بستان السر ، والله أعلم.

ذكر قصر غمدان

أول من ابتدأ فى بنائه سام بن نوح ، عليه‌السلام ، لما بنى صنعاء ، ويقال : سليمان بن داود ، عليهما‌السلام ، لما دخل اليمن يتزوج بلقيس ، وكانت التبابعة من ملوك اليمن لهم رغبة نفيسة وهمة عالية فى عمارته ، وكل ملك تولى منهم كان يعلى قصرا على قصر حتى ارتفعت تلك القصور اثنين وسبعين سقفا ، ويقال : ثلاثة وتسعين سقفا.

وآخر من بنى به أسعد الكامل ، ويقال : أسعد الخزاعى ، قصر من زجاج وهو الخاتمة.

أنشدنى عبد الله بن دارى بن أبى بكر العنبرى ليلة الأحد الخامس من صفر سنة ثلاث وعشرين وستمائة :

لا يأخذ الثأر إلا كابن ذى يزن

إذ صيّر البحر للأعداء أحوالا

أتى هرقلا وقد شالت نعامته

فلم يجد عنده النصر الذى سالا

ثم انثنى نحو كسرى بعد سابعة

من السنين يهين النفس والمالا

حتى أتى ببنى الأحرار يقدمهم

تخالهم فوق متن الأرض أجبالا

غلبّ أساورة بيض مرازبة

أسد تربب فى الغيطان أشبالا

لله درّهم من عصبة صبر

ما إن رأيت لهم فى الناس أمثالا

٢٠٩

أرسلت أسدا على سود الكلاب فقد

أضحى وشيكهم فى الأرض فلالا

فالطط بمسك إذا شالت نعامتهم

وأسبل اليوم فى برديك إسبالا

واشرب هنيئا عليك التاج مرتفقا

فى رأس غمدان دارا منك محلالا

تلك المكارم لا قعبان من لبن

شيبا بماء فعادا بعد أبوالا

حدثنى قاضى الجبل من آل الصليحى قال : حدثنى رجل سمع من لفظ أبى محمد عبد الله بن حمزة الحسينى قال : إن أواخر فىء قصر غمدان كان يصل إلى وادى الظهر ، قلت : كم يكون بينهم من المسافة؟ قال : مثل من زبيد إلى الزريبة ، ومن زبيد إلى الزريبة مقدار فرسخ زائد لا ناقص.

قال ابن المجاور : ولا شك أنه كان يصل فىء القصر إلى وادى الظهر إذا قربت الشمس للغروب ، لأن فى مثل ذلك الحين يكون الظل والفىء إلى أن يرجع مثل الشىء ثلاث [أو] أربع مرات ، كما يقال ، بنيانه بل ضياء سرجه كان ينظر من المدائن وقيل : إلى المدينة.

وبقى القصر على حاله إلى أيام خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، رضى الله عنه ، قعد بعض الليالى بظاهر المدينة إذ نظر فى الجو شيئا يضىء شبه كوكب درى ، فسأل عنه فقال بعض من حضر مجلس أمير المؤمنين وفى خدمه : إن ضوء هذا ضوء شمعة تشعل على أعلى قصر غمدان بصنعاء ، فأمر بهدمه فهدم ، فالآن بقى تل عظيم ، وقد بنى موضع القصر بدر الدين حسن بن على بن رسول قصرا عظيم الهيكل سنة ثمان عشرة وستمائة.

حدثنى يحيى بن على بن عبد الرحمن الزراد قال : ما بنى قصر غمدان إلا

٢١٠

امرأة تسمى الزباء وأمرت ان يجعل فوق كل قصر قصر طويل ، كل قصر أربعون ذراعا بالعمرى فى عرض مثله فى ارتفاع مثله.

قال الإمام أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد اللغوى الأزدى فى ذلك :

واستنزل الزباء قصرا وهى من

عقاب لوح الجو أعلى منتما

وسيف استعلت به همته

حتى رمى أبعد شأو المرتمى

فجرّع الأحبوش سمّا ناقعا

واحتل من غمدان محراب الدّما

وقد ذكر المسعودى فى كتاب مروج الذهب ان قصر غمدان يعمر ثانية أحسن مما كان فى الأول.

فصل : حدثنى سلامة بن محمد بن حجاج المذحجى أن الأوائل بنت فى بيت بئر فأس العوامل قصرا وأعلاه سبعين سقفا بالحجر الرخام الأبيض ، ضرب فيه بعض الحبوش نارا أحرقه وأخربه وارتدم بعضه على بعض فرجع كشبه جدار عظيم ، وكان ينظر منه إلى مكة ، وبنى الإمام أبو جعفر المنصور القبة الخضراء ببغداد لسبع طباق ، كلها عقود ، لئلا يرميها الهوى من علوها فى الجو ، وكان ينظر إليها من هيت وتكريت ، وبنى ملوك العجم إيوان كسرى فى المدائن ، وكان ينظر منه إلى حلوان.

ويقال : إن العمانية وصفها مذكور مشهور ولو لم تكن مشهورة كنا ذكرناها على التمام والكمال.

وبنى الكوالى قصر ادور حورهر فى قلعة كواليور على تسع طبقات وينظر منه مسيرة عشرة أيام ، وهو إلى الآن قائم عامر ، وكان فى سالف الدهر على رأس قبة

٢١١

المسجد الأقصى درة فإذا أظلم الليل غزل نساء حوران فى حوران على ضوئها غزلا رفيعا ، بناه سليمان بن داود ـ عليه‌السلام ـ وخربه بختنصر البابلى ، وكان ينظر منه مسيرة عشرة أيام.

وقلعة ماردين تبان من الفرات مسيرة ستة ايام.

وكوارى حصن جاهلى بنته بنت بكر من الهنود وبينه وبين السند ... وراواسان يبان من توران يعدى شط السند مسيرة خمسة عشر يوما ، وبنى مهراست بن ارجاسب فى أيام درست الحكيم وجمة تول ادر فى بلخ ونصب على قبة الوجمة علما أخضر فأخذ شدة الهوى العلم ورماه إلى الأرض على مسيرة خمسة وعشرين فرسخا ، وذلك لعلوها.

صفة جبل المذيخرة

وبلغنى أن فى أعلاه نحو عشرين فرسخا ، وطافّتها المزارع والمياه وفيه ينبت الورس وهو كالزعفران ، ولا يسلك إلا من طريق واحد ، وكان محمد بن المفضل الداعى المعروف بشيخ لاعة ، وهذه لاعة إلى جنبها قرية لطيفة يقال لها : عدن لاعة ، وليست عدن أبين الساحلية ، قال عمارة بن محمد بن عمارة : إنه دخل هذه ، عدن لاعة ، وهى أول موضع ظهرت فيه الدعوة العلوية باليمن ، ومنها منصور اليمن ومنها محمد بن المفضل الداعى.

وممن وصل إليه من دعاة الدولة الفاطمية أبو عبد الله الحسن بن أحمد الشافعى الشيعى الكوفى صاحب الدعوة العلوية بالمغرب.

٢١٢

وفيها قرئ على محمد بن محمد بن على المعلم الصليحى فى صباه ، وهى دار دعوة باليمن ، فكان محمد هذا ، محمد بن المفضل الداعى غلب على جبل المذيخرة وخطب فيه لدعوة العلوية سنة أربع وثلاثمائة ، ثم استرجعه منه أصحاب أسعد بن يعفر صاحب صنعاء.

صفة جبل شبام

وهو منيع جدّا ، وفيه قرّى ومزارع وجامع كبير ، وهو معاملة نفيسة ، ويرفع منه العقيق والجزع ، وهى حجارة مغشّاة ، فإذا عوملت (١) ظهر جوهرها.

وممن امتنع به من عمال ابى الجيش اسحاق بن زياد سليمان بن طرف صاحب عثر وهو من ملوك تهامة ، وأعماله مسيرة عشرة أيام فى عرض يومين وهو من الشرجة إلى حلى ، ومبلغ ارتفاعه فى العام خمسمائة ألف دينار عثرية ، وكان مع امتناعه عن الوصول إلى أبى الجيش إسحاق بن زياد يخطب له ويضرب السكة على اسمه ويحمل إليه مبلغ من المال فى كل عام وهدايا لا يعلم مبلغها ، وأما الذى سلم لابن زياد من اليمن حين طعن فى السن فله من الشرجة إلى عدن طولا وله من غلافقة إلى صنعاء عرضا ، ورأيت مبلغ ارتفاع أعمال ابن زياد بعد تقاصرها فى سنة ست وستين وثلاثمائة ألف ألف دينار عثرية خارجا عن ضرائبه على المراكب الهندية والأعواد المختلفة والمسك والكافور والصندل والصينى ، وخارجا عن ضرائب العنبر على السواحل بباب المندب وعدن وأبين والشّحر ، وخارجا عن

__________________

(١) مضطربة فى الأصل ، وما أثبتناه أقرب لسياق المعنى.

٢١٣

ضرائبه على معادن اللؤلؤ وعن ضرائبه على جزيرة دهلك ، ومن بعضها منها ألف رأس منها خمسمائة وصيف وخمسمائة وصيفة نوبية ، وكانت ملوك الحبشة من وراء البحر تهاديه وتستدعى مواصلته.

ومات أبو الجيش هذا سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة عن طفل اسمه عبد الله ، وقيل : إبراهيم ، وقيل : زياد ، تولت كفالته أخته هند بنت أبى الجيش ، وعبده أستاذ حبشى يدعى رشيد ، وكان من عبيد رشيد هذا وصيف من أولاد النوبة يدعى حسين بن سلامة ، وهى أمه ، وبها كان يعرف ، ونشأ حسين هذا حاذقا عفيفا ، فلما مات مولاه رشيد توزّر لولد أبى الجيش ولأخته هند ، وكانت دولتهم قد تضعضعت أطرافها وتغلبت ولاة الحصون والجبال على ما فى أيديهم منها ، فأقام الحسين بن سلامة يحارب أهل الجبال حتى دانوا ودان سليمان بن طرف وابن الحرامىّ واستوسقت له مملكة ابن زياد الأولى.

صفة صنعاء

صفة شرب أهل صنعاء من غيل البرمكى ، وقد تقدم ذكره ، موافق لمن شربه ، وأهويتها باردة تشبه أهوية خراسان موافق لجميع البضائع لم يضر شيئا ، وخاصة الزعفران تبقى فيها ما شاء الله ، ويوجد بها من جميع الأثمار من التفاح والمشمش والخوخ والإنجاص والسفرجل والعنب والتين والكمثرى والورد والنرجس والياسمين وسائر المشمومات والرياحين والبقول.

حدثنى قيصر ، مولى جمال الدين والدولة جوهر ، أنه يباع بها الفجل مشقق

٢١٤

أربع ، قلت : ولم؟ قال : لأنه وجد امرأة تستعمله فى فرجها ، فعلم بشرح حالها والى المدينة فأمر أن لا يباع الفجل إلا مشققا وأسسوها سنة.

ويجمد بها الماء ، حدثنى سليمان بن منصور قال : إن الماء يجمد على الورا والكرامى ولم يبن من أبدانهم سوى رءوسهم ، فحينئذ يأتى درين ، وهو الثعلب ، على الجليد يقطع رءوس الطيور.

قال ابن المجاور : وهذا شىء مستحيل لأن كل بدن فيه الروح لم يجمد عليه شىء لأن الحرارة الغريزية تغلب البرودة ولم يجمد الماء إلا على شىء مات لأن طبع الحياة حار لين وطبع الموت بارد يابس ، فإذا كان الأمر على ذلك لم يستقم قوله ولا يستبين فعل درين.

وأهلها من نسل العجم خرجوا من الحبوس والقيود فى دولة يزدجرد بن شهريار ابن بهرام ، ويقال : كسرى بن قباد مع سيف بن ذى يزن لا ستفتاح اليمن من الحبوش ، وحكايتهم مشهورة مذكورة فى كتاب مسطور ، وليس جميع اليمن مدينة أكبر ولا أكثر موافقة وأهلا من صنعاء.

وهو بلد فى حد الاستواء سواء ، وهو من الاعتدال فى الهوى بحيث لا يتحرك الإنسان من مكان واحد طول عمره صيفا وشتاء ، وتتقارب ساعات الشتاء والصيف ، وكان لها بناء عظيم خرب.

فصل : خرج أهل اليمن فى أيام سعد الخزاعى ، وهو من جملة التبابعة لاستفتاح المغرب ، فلما استفتحوها طابت لهم سكناها ، ومن جملتها مدينة صنهاجة ، ولما كسر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم الأصنام من الكعبة سرقت بنو مقبل لمناة وأدخلوه

٢١٥

الهند وتفرقوا بأعمال البلد وسكنوها ، وتنصرت بنو جفنة فى أيام أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب ، رضى الله عنه ، لأجل لطمة دخل بعضهم إلى القسطنطينية وإلى بلاد الادعوان وهم مناجمين [كذا] أهل المغرب ، وفيهم قال أبو تمام : ولما دعا إسحاق بن إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ لولده يعقوب بالنبوة اغتاظ العيص فدخل حرز الإفرنج مع جماعة من بنى إسرائيل توطنوها فولد الإفرنج منهم ، وبنو عجل أخرجهم ربيعة ، والأصح المرقعة ، أسكنوها خراسان ، وصار ملك خوزستان على الرعية انتقلوا إلى أعمال الكر سكنوها.

وخرج جيش عرب من بنى تميم فى أيام عمر بن عبد العزيز بن مروان استفتحوا السند ، فلما طابت لهم سكنوها فظهر منهم الكوكر والحمت والسنه وحاجر ، وخرج جيش من أنطاكية فى أيام عبد الملك بن مروان إلى المغرب ، فلما طابت لهم سكنوها ، وظهر منهم الملثمون ، ويقال : إنهم من نسل مظلوم بن الصحصاح بن جندب الكلابى فى الترجمة ، وهم من أخيار وكبار خوارزم ، أخذهم السلطان محمود بن سبكتكين ، نفاهم إلى أرض الهند ، فلما طابت لهم سكنوها ، ولما خرجت الإباضية على علىّ بن أبى طالب بأرض اليمن ، من أعمال العراق ، ولوا الأدبار وما زال السيف وراءهم إلى أن عبّرهم البحر وسكنوا إقليم عمان.

وأهل طرابلس المغرب تحولوا فى خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان ، رضى الله عنه ، إلى بارى وتولية ، وبنو كنانة وأخرجوا الإفرنج من عسقلان وسكنوها ، فلما تخربت تفرقوا فى أكناف البلاد ، وبنو حية خرجوا من الشأم فى أيام دولة الإمام أبى عبد الله جعفر المنصور وسكنوا المغرب.

٢١٦

ولما غزا بختنصر بنى إسرائيل الشأم سكن اليهود نهر السبت مما يلى ظهر الحجاز ، ولما قويت صولة السلطان معز الدنيا والدين أبو المظفر محمد بن سالم على الخوارزمية نزل من نيسابور ألف رجل مكتّفين الأيدى مكشّفين الرءوس حفاة مشنقين فى حبال المنجنيقات شتت شملهم ومزق جمعهم فى أقاصى إقليم الهند.

ولما قويت شوكة السلطان علاء الدين أبو الفتح محمد بن تكش على الخطا والتتار ساق منهم من أراد وأسكنهم أعمال كرمسل ، ولما قويت شوكة الترك على السلطان علاء الدين محمد نقلوا المسلمين من خراسان إلى بغداد وأوراق الشجر والقصران إلى أن عبّرهم سيحون.

شعر :

خليلىّ نومى عن جفونى مهّد

وقل اصطبارى بعدهم والتجلّد

فقلبى عن الأحباب لا يقبل العزا

وجفنى قريح بالدمع مسهّد

وإنى حزين كلما مر ذكركم

بنو لكم بعضى وبعضى مفرّد

لئن جمعت بينى الليالى وبينكم

وعاد زمان الوصل بالوصل مسعد

أصوم لوجه الله دهرى تطوعا

وألصق وجهى بالتراب وأسجد

وبعض أهل صنعاء وجميع أهل المشرق على مذهب الزيدية ، وهو مذهب الإمام زيد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب ، وينسلخ من الزيدية المخترعة والمطرفة ، وهم الذين يقال لهم الصالحية والجارودية ، لبسهم الخام لبرودة البلاد ، ولبس شبابهم الفتوحى ، والله أعلم.

٢١٧

ذكر تفصيل الفتوحى

جاءت عجوز بأبى سعيد بن الحسين بن أحمد بن بهرام الجباهى ، والأصح على ابن فضل ، إلى خياط يعلمه الخياطة ، فكان الصبى يأخذ الثوب المفصل من أستاذه الخياط يخيطه فى موضع لا يراه أستاذه ، فلما طال ذلك سأله الخياط عن انفراده وغيبته ، قال له على بن المفضل : إنى لآخذ الثوب منك فأصعد على أعلى ذروة نقم أخيط هناك وأفكر وأشرف إذا ملكت صنعاء من أى باب من الأبواب أدخلها ، فلما سمع الخياط لفظ على بن فضل قال له : قم نسكن جبل نقم فسكناه ، وصار كل من يقتل أو يهرب من دين أو مظلمة صعد إليهم فأمن ، فما زالوا على حالهم فى مكانهم إلى أن التأم إليهم وانضاف إليهم خلق وعصوا فى الجبل ، وصارت سرية القوم تصابح صنعاء وتماسى ، فلما استقوى وضعف حال ولاة صنعاء تملكها فتولاها ، فإذا هو على مذهب القرامطة ، وكان مولعا بحب النساء ، يفصل لهم الفتوحى ، وكان يوقف النساء حلقة دائرة ويدخل هو فى كم إحداهن ويتفرج على نهودها وأعكانها وأركانها ويمسك قماشها ويخرج من كمها إلى كم صاحبتها ، ولا يزال إلى أن يدور على الجميع ولم تنكشف إحداهن إلا كلّ عندها ما عند صاحبتها وكلّ بروحها مشغولة ، ويسمى الفتوحى لاستفتاح صنعاء ، ويقال : إنه فتح الخياط ، وكانت تلبسه نساء بغداد إلى أواخر دولة الإمام أبى محمد الحسن المستضىء بنور الله ، أمير المؤمنين ، ولبس نساء جميع العرب وجميع التركمان والكرد والباذج ونساء أهل سيستان إلى الآن منه ، ولهذا يقال للصنعانى : يا أبا حسان.

٢١٨

حدثنى يحيى بن عبد الله الخياط قال : زرع أسعد الصنعانى فى أرض له شعيرا ، فلما بلغ الحصاد قال للحصّاد : ألا كل من أراد حصاد الحنطة ، فالتأم معه خلق ، فلما وصلوا الزرع وإذا به شعير ، قال : فنادى بعض الحصادين بعضهم : يا أبا حسان ، يعنون صاحب الزرع ، لأن كنية أسعد أبو حسان ، أى كذب أبو حسان ، فمن الحين والوقت سنة اثنتين وعشرين وستمائة ، ويقال بالعجمية : كندم نما جو فروش ، أى يظهر عين الغلال وحنطة ويبيع شعيرا ، وهذا عيب عظيم ، ولهذا يقال صنعاء محاصرة.

حدثنى سليمان بن منصور قال : إذا وقع فى لحية إنسان من العرب ، يعنى زيد ، شىء من فتات الخبز أو قشر أو شىء لا يليق به يقول عمرو لزيد : صنعاء محاصرة! فيمسك زيد لحيته يهزها ليقع ذلك الشىء منه ويقول : حاشا صنعاء تحاصر ، وهذه اللحا باقية ، وهى إشارة بين القوم كما قال :

وما زلت أطوى مهمها بعد مهمه

على حسرة حتى وقعت على صنعا

كما يقال فى الشأم : حلب محاصرة.

عجائب ذمار

لم يوجد فيها حية ولا عقرب وإذا دخل إنسان بحية إلى ذمار فعند دخوله الباب تموت الحية ، ويقال : إذا أخذ من تراب ذمار وشذر فى سلة الحواء موّت جميع حياته ، وهذا أعجب شىء يكون.

٢١٩

ويقال : إن أرضها كبريتية لا يقيم فيها من المؤذيات شىء إلا هلك ، ومنها يجلب الكبريت إلى سائر أعمال اليمن ، ويكون طول آبارهم ثلاثة أذرع.

صفة جبل لشى

وهو جبل الشب ، ومشارق ذمار بمسافة فرسخين جبل يسمى لشى ، وجميع حجره ومدره ويمينه وشماله وشأمه ويمنه قطعة واحدة لحب ، وفى صيد منه أى ضرس منه كهف ، وفى الكهف بحر ماء حار يغلى ، وكل مريض يمرض من أهل البلاد يأخذ منه فدّى ، كلّ على قدره ، يعرى ثيابه على باب الغار وينزل وبعد ذلك يسبح فى الماء وما يخرج منه إلا وهو متعاف ، وفوق منه مدينة مدور من جبالها يستخرج وتسمى المعدن والمقر ، ومغارة صنعاء جبل اللوز وسرير ملك مدينة نعمة ، ومن ورائها مثابة (١) وهى مدينة ذات طول وعرض ، وجميع هذا الجبل يحمل اللوز لا غير.

صفة نكاح أهل هذه الأعمال

إذا خطب زيد بنت عمرو وأنعم له بذلك يقول زيد لعمرو : أريد أشاهد جمال كريمتك ، فيقول له عمرو : اقدم إلى السوق الفلانى فإنها تتوعد به تشاهدها فى بيعها وشراها وجمالها ، فيتقدم زيد إلى السوق الذى دله عمرو عليه فيقعد على

__________________

(١) هذه الكلمة غير منقوطة فى الأصل.

٢٢٠