تأريخ المستبصر

ابن المجاور

تأريخ المستبصر

المؤلف:

ابن المجاور


المحقق: ممدوح حسن محمّد
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٤٠

صفة جبل حريز

هو جبل شامخ شاهق فى الهوى ، وبالقرب منه جبل ذو ساح ، أى ذو رأس ، بنى عليه حصن يسمى الجاهلى ، ويقال : الأزلى لقدمه ، والناس تصعد إليه ، والثانى لم يصعده إلا كل صالح وولى.

حدثنى على بن صبيح العقولى أن سليمان بن داود ، عليهما‌السلام ، بنى فى إقليم اليمن ثلاثة حصون : بينون وغمدان وسلحين ، وهذا الحصن يعنى القاعدة وهو أحكمهم ، وذلك لما تزوج سليمان ، عليه‌السلام ، ببلقيس فى أرض اليمن فأمر الجن أن تبنى هذه الحصون جميعها على هذا الوضع ، والله سبحانه وتعالى أعلم بالغيب وأحكم.

وبقى الحصن على حاله إلى أن خرب واندثر ، ويقال : إن أبا الغيث بن سامر أراد عمارة هذا الحصن فى دولة الحرة السيدة بنت أحمد بن جعفر بن يعقوب بن موسى الصليحى بعد أن أحضر له آلة البناء ، وتم له المقصود وابتدأ فى البناء فطلع طلائع الجن فقتلوا جميع القوم فى المكان ، وبعده أراد عمارة هذا الحصن الداعى سبأ بن أحمد بن المظفر الصليحى ، ويقال : الداعى سبأ بن أبى السعود بن الزريع ابن العباس بن المكرم ، والى عدن من قبل الدولة الفاطمية ، فلم يمكنوه الجن ، وأراد إعادته بعدهم سيف الإسلام الملك المعز إسماعيل بن طغتكين بن أيوب فى دولة الملك الناصر أيوب بن طغتكين بن أيوب بن شاذى ، فأشار عليه بعض الفضلاء بتركه.

١٢١

وصورة بنائه على هذا الوضع والترتيب ، كما تراه فى هذه الصفحة :

١٢٢

فقلت لعمرو بن على بن مقبل : هل فى ذروته عمارة؟ فقال : ما كان يسكنه إلا من خاف ، وفيه آثار حيطان قد اندثرت وجدرات قد انهدمت وصهاريج قد خربت ودرج قد تقلعت.

قلت : فهل كان عليه سور؟ قال : إن الجبل هو سور بذاته وإذا أصاب عرب هذا الزمان فى هذه البلاد خوف أو جور من السلطان صعدوا بأنعامهم ودوابهم إلى القاعدة وقعدوا بها إلى أن يأمن البلاد فحينئذ يطلبون البلاد ، فإذا قل على سكانها الماء ، يعنى من الصهاريج التى بها وهى خراب ، أصعد إليها الماء من لحف الجبل من ثلاث آبار ، إحداها بئر عبدل ، مشرفة على المحجة ، والثانية بئر يعوم ، والثالثة بئر ثنية ، فقلت : هذه الآبار حفرها الأوائل؟ قال : بل مستجدة استجدت فى هذا العصر.

صفة وادى عبرة

والحصن مشرف على البحر وقد خرج فسطرس جبل باد فى البحر طول فرسخ طريق شبه خط الاستواء ، ويقال : إن بانى الحصن أراد أن يخرب العاذ مما يلى المشرق إلى البحر ويدخل عليه فلم يقدر عليه لقوة الصخر ، وكان غرضه أن يقطع الطريق على المراكب لأنه لو اتفق بهم لكان يستظهر على أخذ المراكب لصعوده فوق الريح وبقاء المراكب تحت الريح ، فلما لم يتم له قال بتركه ، والآن هو مغاص اللؤلؤ الجيد ، وبقى من الآبار بئر عبدل مع جبل الردادين ، وبها كانت وقعة العرب مع العرب وهى وقعة مشهورة سنة خمس وسبعين وخمسمائة ، وبئر أبى بكر شنلو العقرى وقد بنى على البئر مسجدا سنة اثنتين وعشرين وستمائة.

١٢٣

وإلى المزحجية ثلاث فراسخ ، وهى بئر مالحة فى أرض عرب يقال لهم : العقار ، وإلى البيضاء فرسخان ، وتعرف بسبخة الغراب وتتسمى قاع الغراب ، وقد كان عند البحر وعلى يسار الدرب بئر تسمى المخنق ، بناها القائد حسين بن سلامة ، وليس فى الربع المسكون أحلى ولا أخف من مائها على الفؤاد ، وجواز القوافل على ساحل البحر.

وإلى رباك فرسخان ، وهى قرية كانت عامرة ، وقد عمر بها الأمير ناصر الدين فاروت بستانا حسنا وحفر بها أنهارا وغرس بها النارنج والأترج والموز والنارجيل ، ويقال : إن الناخوذة عمر الآمدى غرس شجر الشكى البركى ، وهو شجر يخرج من بدن الشجر بخلاف جميع الأشجار ، والبركى غرسه سنة خمس وعشرين وستمائة ، وحفر بها برك وبها حفرة تسمى حفرة الأسد فى سالف الدهر ، كانت الخلق تحج إليها من أبين ولحج وما حولها من القرى فى أول شهر الله الأصب رجب.

وإلى المكسر فرسخ ، قنطرة بناها الفرس الذين تولوا عدن على سبع قواعد ، ويقال : إنما بناها شداد بن عاد فى الأصل.

حدثنى يحيى بن يحيى بن على بن عبد الرحمن الزراد قال : إنما بناها رجل جبلى سنة خمسمائة ، ويسمى المزف وكان فى الأول لا يعدون هذا الموضع إلا بسنابيق وكذلك الماء والحطب.

وإلى جبل حديد نصف فرسخ ، ويقال : إنه جبل حديد جاء بعض أرباب المخبرة وسبك من هذا الجبل بهارين ونصف حديد وغار المعدن عن أعين الخلق ،

١٢٤

ويقال : إن الرجل السباك قتل لأجل سبكه الحديد ، وفى لحفه مسجد بنى بالحجر والجص.

وإلى المياه ربع فرسخ ، وإلى عدن ربع فرسخ.

ذكر ما كانت عليه عدن

فى قديم العهد

كان من القلزم إلى عدن إلى وراء جبل سقطرة كله بر واحد متصل لا فيه بحر ولا باحة ، فجاء ذو القرنين فى دورانه ووصل إلى هذا الموضع ففتح وحفر خليجا فى البحر فجرى البحر فيه إلى أن وقف على جبل باب المندب فبقيت عدن فى البحر وهو مستدير حولها ، وما كان يبان من عدن سوى رءوس الجبال شبه الجزر.

ولنا على قولنا دليل واضح أن آثار ماء البحر والموج باق بائن فى ذرى جبل العر ، والجبل الذى بنى على ذروته حصن التعكر وجبل الأخضر.

والدليل الثانى أن شداد بن عاد ما بنى إرم ذات العماد إلا ما بين اللخبة ولحج وبين المغاوى التى على طريق المفاليس ، وهو الرمل الذى إلى جبل دار زينة ، وما بناها إلا فى أطيب الأراضى والأهوية والجو فى صفاء من الأرض بعيدا عن البحر ، والآن رجع البحر فى أطراف بلاد إرم ذات العماد وتناول البحر شيئا منه أخذة ، ولم يكن بهذه الأرض بحر وإنما استجد بفتح ذى القرنين فمد من جزيرة سقطرة فساح إلى أن وقف أواخر المندب.

١٢٥

والدليل الثالث أن البحر الذى ما بين السرين وجدة يسمى مطارد الخيل ومرابط الخيل ، والأصل فيه أن العرب كانت تربط الخيل فى هذه الأرض ، والأصح أنهم كانوا يطاردون به الخيل لما لم يكن بحرا ، وكان البحر أرضا يابسة ، فلما فتح ذو القرنين باب المندب غرق جميع الأراضى وما علا منها صارت جزرا فى ناحية البحر يسمى باسم الأصل مطارد الخيل.

ومما ذكره الأمير أبو الطامى جياش بن نجاح فى كتاب المفيد فى أخبار زبيد الأول ، وهما كتابان : المفيد الأول الذى صنفه الأمير جياش ، والثانى صنفه فخر الدين أبو على عمارة بن محمد بن عمارة ، فذكر الأمير جياش بن نجاح فى كتابه المفيد فى أخبار زبيد أن البحر كان مخاضة لقلة مائه فلذلك تغلبت الحبشة على جزيرة العرب حتى ملكوا صنعاء إلى حد إقليم العواهل وبقيت دولتهم فيها فى الكفر والإسلام إلى أن أفناهم على بن مهدى سنة أربع وخمسين وخمسمائة ، وفى عهده انقرضوا وزالت دولتهم مع شدة صولتهم.

نعود إلى ذكر ذى القرنين ، كان البحر على حاله إلى أن فتح ذو القرنين باب المندب فجرى البحر فيه إلى أن وقف آخر القلزم فطال وعرض وترخّى وانبسط وانفرش فبانت أرض عدن.

ومما ذكره أبو عبد الله محمد بن عبد الله الكيسانى فى تفسيره قال : لما خرج شداد بن عاد من أرض اليمن طالبا أعمال حضر موت ووصل لحج فنظر جبل العر وعظمه من على مسافة بعيدة فقال لأعوانه : اغدوا أبصروا هذا الجبل وما دونه! فلما عاينوا الموضع رجعوا وقالوا : إن هذا الموضع واد وفى بطنه شجر وفيه أفاع عظام

١٢٦

وهو مشرف على البحر المالح ، فلما سمع بهذه المقالة نزل فى لحج وأمر بأن تحفر الآبار ، التى هى الآن يشرب أهل عدن منها ، وأمر أن ينقر له باب فى صدر الوادى.

صفة نقر الباب وحفر النهر

وأقام على حفر النهر ونقر الباب رجلين ، قال حكماء الهند : هما عفريتان من الجن ، وما زال أحدهما ينقر الجبل والثانى ابتدأ فى حفر النهر برأس سقطرة من أعمال لحج ، وما زال الرجلان يعملان فى النقر والحفر إلى أن بقى عليهم من العمل شىء يسير ، فقال الحجار : إنى إن شاء الله تعالى بالغد أفرغ ، أى أتم عملى ، فقال الحفار : وأنا بالغد أدخل الماء إلى عدن إن شاء الله أو لم يشأ ، فانقطع النهر بعضه من بعض وانسد معين الماء من الأصل وارتدم ما بناه ، بعضه على بعض ، ولم يصح منه شىء ولم تقم منه صورة ولا استقام منه مغنى ، ووصل فى حفره إلى تحت جل الحديد ومن عنده انقطع.

قال ابن المجاور : ورأيت آثار النهر بعينه مبنى بالحجر والجص بناء محكما وثيقا فى عرض ذراع ما بين الماء وجبل الحديد وقد علاه البحر ولم يبن لناظره إلا إذا عرى البحر ماد شبه خط الاستواء داخل فى البحر.

قال فلما أصبح الحجار من الغد فتح نقر الباب وفتحة الباب واستقام له الأمر على ما أراد ، ويقال : إنه بقى فى النقر مدة سبعين سنة حتى أتمه ، فلما طال المقام فى حال القوام صار شداد بن عاد ينفذ إلى هذا المكان كل من وجب عليه الحبس

١٢٧

يحبسه فيه فبقى حبسا على حاله إلى آخر دولة الفراعنة الذين كانوا ولاة مصر ، وبعد زوال دولتهم خرب المكان.

ذكر المدن التى كانت حبوسا للملوك

كسمر حبس سليمان بن داود ، عليهما‌السلام ، حصار بادى حبس ذى القرنين ، ترمذ حبس الإسكندر ، مولتان حبس الضحاك الساحر ، آمل وسارى لكيكاوس بن كيقباد ، حس حبس الروم ، حصار طاق حبس بردسيار ، مصر حبس أمير المؤمنين أبى محمد هارون الرشيد ، مرو حبس أمير المؤمنين عبد الله المأمون ، الشأم حبس الإمام الناصر لدين الله ، ويقال : إن فيها سردابا إذا زادت الدجلة امتلأ وبقى المحبوسون وقوفا فى الماء إلى أن ينقص ، فمن نداوة الماء وعفونة الأرض وملوحة السبخة تنفطر جلود المحبوسين ، وأكثر ما يعيش بها المحبوس شهر زمان ، ونهاوند حبس السلطان معز الدين محمد بن سام ، ولوحك حوران حبس السلطان بهرام شاه ، وقلعة نصور حبس خسرو ملك بن خسرو شاه ، وبرعد حبس تاج الدين يلدز السلطانى ، وكواليور حبس الملك قطب الدين أبى الفوارس أيبك الآملى ، وعوض حبس السلطان شمس الدين إلتتمش ، وهراة حبس السلطان غياث الدين محمد بن سام ، وحصار هزاراسب حبس السلطان أبو الفتح محمد بن تكش ، وكوشك سنه جواهران حبس طغرلبك شاه بن محمد ، ودهلك حبس عبد الملك ابن مروان : وعيذاب حبس الخلفاء الفاطميين ، وتعزّ حبس ملوك اليمن ، وقوارير حبس بنى مهدى ، وجبال برع حبس الملك الأعز على بن محمد الصليحى ،

١٢٨

وسيراف حبس السلطان محمود بن محمد بن سام ، وعدن حبس الفراعنة ورجعت من حبوس الفاطميين.

وقال الهنود : عدن حبس دس سر اسم جنى له عشرة رءوس من جملتهم الغزال در سير وكان يسكن جبل المنظر ويتفرج على رملة حقّات وسكن بعده هنومت حقات ، وما أخرجهم منها إلا سليمان بن داود ، عليهما‌السلام ، لما وصل أرض اليمن لأجل بلقيس ، لأن هؤلاء القوم المقدم ذكرهم كانوا عفاريت ، وما سميت عدن عدن إلا بعدنان لما بناها سماها على اسم ابنه عدن ، وما اشتق عدن إلا من عاد ، ويقال : أول من حبس بها رجل يقال له : عدن فسميت به.

قال ابن المجاور : وما اشتق اسم عدن إلا من المعدن ، وهو معدن الحديد.

وتسمى عند الفرس اخرسكين ، وعند الهنود سيران ، وعند السودان ... وتسمى عند التجار مأكل صبرة ، وتسمى حبس فرعون ومقام الجن وساحل البحر ، وتسمى عند الهنود هتام ، وعند الظرفاء سنداس ، لأن كل ما يرميه الإنسان فى الأزيب يرده الكوس إلى اللحادوس.

وتسمى فرضة اليمن ، وتسمى عند السوقة دار السعادة ، دار بناه سيف الإسلام طغتكين مقابل الفرضة ، وتسمى الدار الطويلة بدار بناها ابن الحابين على محاذاة الفرضة ، وتسمى المنظر بدار بناها الملك المعز إسماعيل بن طغتكين على جبل حقّات ، وتسمى عند التجار صيرة وحيرة.

١٢٩

ذكر جبل صيرة

هو جبل شامخ فى البحر مقابل عدن وجبل المنظر ويقال هو قطعة منه ، وقال محمد بن عبد الله الكيسانى فى تفسيره : إنه يخرج يوم القيامة من صيرة عدن نار تسوق الخلق إلى المحشر ، والدليل على ذلك قليب بالجبل ، بئر يسمى انبار ، ويسمى عند حكماء الهند فى بر يخرج طول الدهر منه دخان ، ويسمى الآن بئر الهرامسة ليس يمكن لأحد النظر فيه من وهجه وكربه وقتامه ، ويوجد حول البئر حجارة مكسرات وأفاع نائمات وحيات قائمات.

قالت الهنود : إن هنومت ، أى العفريت المقدم ذكره ، حفر هذه البئر ، وليس هى بئر وإنما هو سرب ينفذ حفره تحت البحر إلى مدينة أوجين بكرمى وهى سرير ملك مالوى من الهند.

فصل : حدثنى مبارك الشرعبى مولى والد محمد بن مسعود قال : كان السبب فى حفر بئر فى بر أن حادنير ، وهو عفريت ، سرق تخت زوجة رام جندر ، من أعمال عوض وسار بها إلى أن سكن بها على قلة جبل صيرة ، وقال : إنى أريد أن أقلب عنك صورة الإنسيّة إلى صورة الجنيّة ، فبينما هما فى لا ونعم إذ سمع بخبرهما هنومت ، وهو عفريت ثان على صورة قرد ، فحفر هذا السرب من أوسط مدينة اوجين بكرمى تحت البحر وبلغ آخر الحفر إلى أوسط جبل صيرة وفعل جميع ذلك فى ليلة واحدة ، فخرج من الحفر فوجدها نائمة على ذروة الجبل تحت شجرة شوك فرفعها على ظهره ونزل بها السرب ، وما زال يسرى بها إلى أن بلغ

١٣٠

اوجين بكرمى ، فعند انفجار الفجر الصادق سلمها إلى زوجها رام جندر ، فرزق منها رام جندر ولدان ذكران سمى أحدهما لب والثانى كش ، ولها حكاية طويلة عريضة يطول شرحها ، فبقى السرب إلى الآن.

وكذلك حفر كيكالوس بن كيقباد سربا من الرى إلى مازندران مسيرة ستة وثلاثين فرسخا ، وحفر بعض الهنود سربا فى ديولاره من أعمال السومنات ينفذ أواخره إلى بابهن من أعمال الديوكير أول حدوده مالوى ، وينفذ أيضا تحت بحار ورمال ، ويقال : إنه حفر الجن ولا شك فى هذا.

وحفرت رؤساء همذان فى وسط أملاكهم سربا ينفذ إلى روذراور مسيرة ثلاثة أيام ، وحفر كرشاسب بن اثرط بن رستم سربا فى وسط قصره الذى بقلعة أراك بسيستان ينفذ أواخره إلى وسط حصار طاق ، مسيرة اثنى عشر فرسخا ، وحفر دير الجب فى نواحى الموصل.

قالت النصارى : لما قتل سنحاريب ولده من بها رماه فى حفرة كانت بالقرب منه انخرق فى الحفرة سرب ينفذ إلى الزاب مسيرة أربع فراسخ ، قالت النصارى : وعاش مرتهنا بعد الموت وإدراك الفوت ، وهو إلى الآن بالحياة فى تلك النواحى.

وحفر بعض سواريب الهنود بمدينة برهنك سربا مسيرة أربع فراسخ بطريق ، وكان سببه ما حدثنى أبو طالب بن أبى بكر بن أبى طالب الحدانى ، المعروف بابن السويدائى ، أنه عشق بنت الملك فحفر هذا السرب من بيت اليد إلى دار الصبية ، فكان يمشى إليها وتجىء إليه فى هذه الطريق مدة حياتهما ، فلما خرّب السلطان نظام الدين محمود بن سبكتكين البلدة بقى السرب على حاله ، وبقى بطريق مكة جبل يسمى المخروق فيه خرق متصل من تحته إلى ذروته ، وقد تقدم ذكره.

١٣١

وفى نواحى الموصل قرية يقال لها : الباعور ، وهو موضع لعرب من زمن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فمن شدة الباعور انخرق فى الأرض سرب يطول من الباعور إلى الدجلة مسيرة خمس فراسخ.

وحفر شاه بور بن أردشير بابكان فى قلعة نيسابور سربا تحت الأرض مسيرة خمسة فراسخ ينفذ إلى برية ، وما عمله إلا لإحكام القلعة وحقن دماء الخلق ، ولهذا يقال : الهرب فى وقته ظفر.

ترجع إلى ما كنا عليه من كلامنا الأول :

فإذا تعوقت المراكب فى المجىء عن موسم ثغر عدن يجاء إلى جبل صيرة بسبع رءوس بقر عند اصفرار الشمس وتبقى البقر فى مكانها إلى نصف الليل ، وبعد زوال هذا الحد ترد ست رءوس منها إلى عدن ويبقى رأس واحد هناك مكانه ، فإذا أصبح ضحى به من الغد فى مكانه ، وتسمى تلك الضحية ضحية الجبل ، فإذا عمل هذا العمل تقدم المراكب وتلاحق بعضها ببعض ، وقد صارت سنة من قديم الأيام من دولة بنى زريع وغيرهم من العرب ، وبطل ما ذكرناه فى زماننا هذا.

فصل : فإذا حاذى مركب المسافر مدينة سقطرة أو جبل كدمل تسمى تلك المحاذاة الفولة ، يؤخذ قدر يعمل عليه شراع وسكان من جميع آلة المراكب ويعبسّى فيه من الأطعمة من قليل نارجيل وملح ورماد ويلقى فى البحر من الأمواج الهائلة.

قال أهل التجارب والخبرة : إنه يصل بسلامة إلى لحف الجبل.

وكان فى أيام القبط واليونان فى وقت زيادة النيل تؤخذ بنت بكر عذراء أحسن

١٣٢

ما يكون من الصور تزين بأفخر زينة ، وتلبس الحلى والحلل ، ويؤتى بها على رءوس الأشهاد بالطبل والزمر ويطلقونها فى النيل ، فأزيل هذا الفن فى أيام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، رضى الله عنه.

وفى اجه وجميع أعمال الهند والسند إذا زرع أحد قصب السكر ينذر للصنم نذرا إذا طلع قصبه جيدا فدى بإنسان ، فإن صح قصبه احتال على بعض قصار الأعمال يذبحه ويرش بدمه أصول قصب السكر فى يوم عيد لهم يسمى الديوانى ، وإذا زاد شط السند فى الأخذ على المد والحد يؤخذ خشف غزال يجلل بثوب أحمر ويعطر ويبخر ويطلق فى أغزر موضع وأقوى جريان فى السيل وأشد سوار ، فحينئذ ينقص الماء بإذن الله تعالى ، وما ذكرنا هذه إلا لنبرهن مقالتنا وما تقدم من قولنا ، والله أعلم.

ذكر المعجلين

هو بركة فى آخر جبل حقات وجبل صيرة الذى بنى على ذروته قصر المنظر ، والبركة خلقها الله تعالى وهى ما بين جبل حقات وجبل صيرة وهى ذات أمواج هائلة قاتلة فى عمق وغزر.

حدثنى منصور بن مقرب بن على الدمشقى قال : إذا برد الماء بها ـ يعنى فى البركة ـ يكون العام عاما شديدا على كل من يقطع الصبا ، قلت : ولم؟ قال : لكثرة الأمواج وهيجان البحر ، وإذا كان الماء فيه فاترا يكون العام عاما طيبا سهلا يسيرا غير عسير على مسافره وهذا مجرب ، قلت لريحان ، مولى على بن مسعود بن على بن أحمد : لم سمى هذا المكان المعجلين؟ قال : لأنه يرجع فيه كل أربعة اثنين.

١٣٣

ذكر بحيرة الأعاجم

قيل : لما أطلق ذو القرنين البحر من جبل باب المندب وساح نشف ما حول عدن من المياه وبقيت عدن نصفها التى تلى جبل العر مما يلى صيرة مكشوفا ومما يلى المياه وإلى جبل عمران ناشفا ، فلما استولت ملوك العجم على عدن رأوا ذلك الكشف فخافوا على البلد من يد غالبة تحاصر البلد فحينئذ قاموا فتحوا له فما مما يلى جبل عمران وأطلقوا البحر عليه فاندفق البحر فنزل إلى أن غرق جميع ما حول عدن من أرض الكشف فرجعت عدن جزيرة ، وبقى كل من أراد السفر إلى جهة من الجهات ركب متاعه فى الصنابيق ويجىء فى البحر الأصلى إلى أن يعدى البحر وجاءت الجمال فرفعوه من عند المكسر وسافروا به ، فلما رأوا ما رأوا من تعب الخلق فى ذلك بنى المكسر وهو قنطرة بنيت على سبع قواعد فصارت الخلق تسلكه على الدواب وغيرها ، وسمى البحر المستجد بحيرة الأعاجم وعرف بهم إلى قيام الساعة.

بناء عدن

لما انقطعت دولة الفراعنة خرب المكان بزوال دولتهم ، وسكن الجزيرة قوم صيادون يصيدون فى المكان فكانوا على ما هم عليه زمانا طويلا يترزقون الله فى القوت والمعاش إلى أن قدم أهل القمر بمراكب وخلق وجمع وملكوا الجزيرة بعد أن أخرجوا الصيادين بالقهر وسكنوا على ذروة الجبل الأحمر وحقّات وجبل

١٣٤

المنظر ، وهو جبل يشرف على الصناعة ، وآثارهم إلى الآن وبناؤهم باق بالحجر والجص ملء تلك الأودية والجبال ، قال الشاعر :

لى أدمع هو اطل

مذخلت المنازل

وسار حادى عيسهم

فهاجت البلابل

وقفت فى ربوعهم

هاذبهم وسائل

يا دار هل من خبر

رد جوابى عاجل

أجابنى من الربو

ع صائح وقائل

ابك دما يا غافلا

قد سارت القوافل

لى فيهم فتّانة

رشيقة الشمائل (١)

فى خدها وقدها

ورد وغصن ذابل

وكانوا يطلعون من القمر يأخذون عدن رأسا واحدا فى موسم واحد.

قال ابن المجاور : وماتت تلك الأمم مع تلك الرئاسة وانقطعت تلك الطريق ولم يبق أحد فى زماننا يعلم مجرى القوم ولا كم وكيف كانت أحوالهم وأمورهم.

فصل : قال ابن المجاور : ومن عدن إلى مقدشوه موسم ، ومن مقدشوه إلى كلوة موسم ثان ، ومن كلوة إلى القمر موسم ثالث ، فكان القوم يجمعون الثلاثة المواسم فى موسم واحد ، وقد جرى مركب من القمر إلى عدن بهذا المجرى سنة ست وعشرين وستمائة ، أقلع من القمر وكان طالبا كلوة فأرسى بعدن.

ولمراكبهم أجنحة لضيق بحارهم ووعرها وقلة الماء بها ، فلما ضعف القوم

__________________

(١) يلاحظ هنا أن البيت به إقواء ، وهو اختلاف حركة حرف الروىّ عن باقى القصيدة.

١٣٥

واستقوت عليهم البرابر أخرجوهم منها وملكوا البلد وسكنوا الوادى ، موضع هو الآن عامر بصرائف ، وهم أول من بنى الصرائف بعدن ، وبعدهم خرب المكان وبقى على حاله إلى أن انتقلوا أهل سيراف من سيراف ، وقد تقدم ذكرهم.

ووقع سلطان شاه بن جمشيد بن أسعد بن قيصر فى عدن فنزل وتوطن بها فانغمر الموضع بمقامه ، وكان يجلب إليهم مياه الشرب من زيلع ، فلما طال عليهم البعد بنوا الصهريج لأجل ماء الغيث ونقل طين البناء من نواحى أبين ، ويقال : من زيلع ، فلما كثر الخلق بعدن بنوا بها الحمامات ، وبنى الحمام عند حبس الدم فسيل فغسل الأرض سنة اثنتين وعشرين وستمائة ، وبنوا الجامع ، وذلك عند حمام المعتمد رضى الدين على بن محمد التكريتى ، ووضع مربط الفيلة فى سنة خمس وعشرين وستمائة فملأ لحف الجبل الأخضر بالطول والعرض ، فلما رأى ذلك تولى السلطنة.

ذكر ألقاب ملوك العجم الذين تولوا ملك عدن

مولانا ولى النعم ، ومعدن الكرم ، الملك العالم ، العادل المؤيد من السماء ، المنصور على الأعداء ، المتوج بالجلال والسناء ، شاهنشاه المعظم ، مالك رقاب الأمم ، سيد سلاطين العرب والعجم ، حافظ عباد الله ، حارس بلاد الله ، معز أولياء الله ، مذل أعداء الله ، غياث الدنيا والدين ، ركن الإسلام والمسلمين ، تاج ملوك العالمين ، قامع البغاة والمشركين ، مغيث الدولة القاهرة ، مزيل الأمم الكافرة ، محيى السنن الزاهرة ، باسط العدل والرأفة ، ناصر السلطنة والخلافة ، عماد ممالك الدنيا ،

١٣٦

مظهر كلمة الله العليا ، مرفه الخلائق بالإنصاف ، مزيل الجور والاعتساف ، القائم بتأييد الحق ، الناظم لصلاح الخلق ، ظل الله فى الأرض ، محيى السنة والفرض ، سلطان البر والبحر ، ملك الشرق والغرب ، انا سلطان شاه بن جمشيد بن اسعد بن قيصر أمير المؤمنين.

آخر : مولانا ولى النعم بهاء الدولة والدين ، جلال الإسلام والمسلمين ، ناصر الملوك والسلاطين ، غياث جيوش العالمين ، قاتل الخوارج والمشركين ، قوام الملة ، نظام الأمة ، قطب المملكة ، معز السلطنة ، عدة الخلافة ، بهلوان إيران وتوران ، أبو سنان سفاوس بن أسعد بن قيصر قسيم أمير المؤمنين.

آخر : مولانا ولى النعم ، قسيم الدين ، يمين الإسلام ، صمصام الدولة ، قوام السنة ، نصرة الملوك ، بهاء الأمراء ، كردو أبو المظفر أسعد بن قيصر برهان أمير المؤمنين.

آخر : مولانا ولى النعم ، جلال الدولة والدين ، مغيث الإسلام والمسلمين ، معز الملوك والسلاطين ، سيف السنة ، بهاء الملة ، تاج الأمة ، نظام المملكة ، معين الخلافة ، فخر الأمراء منير باريك أبو شجاع نامشاد بن أسعد بن قيصر نصرة أمير المؤمنين.

آخر : مولانا ولى النعم والأمين الأجل المؤيد ناصر الدين عماد الإسلام علاء توران ، حسام السنة جلال الملوك ، غياث الأمراء ، زنده أبو الفتح كيقباد بن محمد ابن قيصر معز أمير المؤمنين.

١٣٧

آخر : والمولى محيى الدين معز الإسلام ركن الدولة عضد الملوك مغيث الأمراء أبو سعيد قيصر بن رستم بن قيصر عمدة أمير المؤمنين.

آخر : والمولى سيف الدولة والدين ، غياث الإسلام والمسلمين ، تاج الملوك والسلاطين ، ناصر السنة ، نظام الملة ، عماد الأمة ، ركن المملكة ، نصرة الخلافة ، مغيث الأمراء ، ملك العرب والعجم ، أبو الصمصام ، عاد بن شداد بن جمشيد بن أسعد بن قيصر ، يمين أمير المؤمنين.

آخر : والمولى تاج الدين ، ناصر الإسلام والمسلمين ، مجد الملوك والسلاطين ، معز السنة ، محيى الملة ، غياث الأمة ، عماد المملكة ، يمين الخلافة ، جلال الأمراء ، ملك الهند واليمن أبو الملك تاج الدين جمشيد بن أسعد بن قيصر ، ظهر أمير المؤمنين.

آخر : والمولى عماد الدولة والدين ، محيى الإسلام والمسلمين ، ظهر الملوك والسلاطين ، نظام الملة ، ومظهر السنة ، جمال الملوك ، معز الأمراء ، أبو الوفاء كذار شاه بن هزاراسب يمين أمير المؤمنين.

آخر : والمولى معز الدولة والدين ، تاج الإسلام والمسلمين ، ركن الملوك والسلاطين ، قوام السنة ، غياث الأمة ، ناصر المملكة ، محيى الأمة ، عماد الخلافة ، مجد الأمراء ، أبو البركات الحارث هزاراسب بن جمشيد بن أسعد حسام أمير المؤمنين.

فهؤلاء الملوك ملوك العجم الذين تولوا ملك عدن.

١٣٨

بناء الجامع

ومما ذكره عمارة بن محمد بن عمارة فى كتاب المفيد فى أخبار زبيد قال :

إن جامع عدن بناه عمر بن عبد العزيز وجدده الحسين بن سلامة ، والأصح أن ما بنى الجامع إلا الفرس ، وكان السبب فى بنائه أنهم وجدوا فى زمانهم قطعة عنبر كبيرة مليحة فأتى بها إلى صاحب عدن فقال لهم : وما أصنع بها؟ بيعوها وابنوا بثمنها جامعا ، فلست أرى درهما أحل من هذا الدرهم ، ولا يخرج فى وجه أحق من هذا الوجه ، فباعوا العنبر وبنوا بثمنه جامع عدن فى طرف البلد.

فإن قال قائل : لم لا بنى فى وسط البلد؟ قلت : لأن فى وسط مدينة عدن عين ماء ماد من البحر إلى المملاح ، ولنا على قولنا دليل أن من بقايا العين موضع الملح الذى يجمد فيه الملح بالمملاح.

قال ابن المجاور : ورأيت وراء حمام المعتمد رضى الدين محمد بن على التكريتى أن سيلا عظيما غسل أرض الوادى فظهر به مدابغ جملة من أيام الفرس كانت قد علت عليها الأرض من طول المدى.

وحدثنى ريحان مولى على بن مسعود بن على قال : إنه ظهر عند حبس الدم بقرب جبل حقّات حمام كبير عظيم ذو طول وعرض ، وقد كانت علت عليه الأرض ، من بناء العجم ، وكانت الناس فى أيام دولة العجم يجدون العنبر الكثير إلى باب المندب ، وكان الصيادون يجدونه ، فإذا مر بهم مركب أو تاجر يقولون له : تشترى منا حشيش البحر؟ يعنون به العنبر ، ويقال : إن الشيخ شبير الصياد وجد قطعة

١٣٩

عنبر ولم يعرف ما هى فجاء بها إلى بيته فعازه الحطب فأوقدها تحت القدر عوض الحطب ، فعلم به الناس فعرف الشيخ بوقّاد العنبر ، وقد انقطع جميع ذلك فى زماننا هذا من سوء ظننا وقبح فعالنا (مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً)(١) فعند زوال أيام العجم ملكها العرب.

ذكر أخبار آل زريع بن العباس بن المكرم ولاة عدن

نسبتهم من همدان ، ثم من جشم بن يام بن أصبا ، وكان لجدهم العباس بن المكرم بن الذئب سابقة محمودة فى قيام الدعوة المستنصرية مع الداعى على بن محمد الصليحى ، ثم مع ولده المكرم ، عند نزوله من صنعاء إلى زبيد وأخذ أمه أسماء بنت شهاب بن أسعد من الأحول سعيد بن نجاح.

وكان السبب فى ملكهم لعدن أن الصليحى لما افتتحها وفيها بنو معن أبقاها فى أيديهم ، فلما قتل الصليحى نافقت بنو معن فى عدن فسار المكرم إليهم أحمد ابن على فافتتحها وأزال بنى معن منها وولاها العباس ومسعود ابنى المكرم ، وجعل مقر العباس تعكر عدن وهو يحوز البر والباب ، وجعل لمسعود حصن الخضراء ، وهو يحوز الساحل والمراكب واستحلفهما للحرة السيدة ابنة الملك أحمد ، لأن الصليحى كان قد أصدقها عدن حين زوجها من ابنه المكرم سنة إحدى وستين وأربعمائة.

__________________

(١) الآية : ١٧ من سورة الكهف.

١٤٠