تأريخ المستبصر

ابن المجاور

تأريخ المستبصر

المؤلف:

ابن المجاور


المحقق: ممدوح حسن محمّد
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٤٠

آه ابن آدم بسوزد هرچه هست

وآه واه ويلى مخ اردان سمن

وللحسام الكرمانى :

كفتم رخ تو چيستكل سرخ يا ياسمين؟

كفتا : كليست ريخته بر برك ياسمين

كفتم : به شكر است لبان تو يا عقيق؟

كفتا : به شكر است وعقيقى نه از يمن

تفسير هذا الشعر الفارسى الذى للحسام الكرمانى باللغة العربية :

قلت له : وجهك الورد أو الياسمين؟ فقال : هو الورد المنثور على ورق الياسمين ، قلت له : شفاهك السكر أو العقيق؟ فقال : هو السكر والعقيق لا العقيق الذى فى اليمن ، أى المكان الذى يسمى عقيق اليمن.

ولابن الرجا :

زآن عارض چون آتش وآنخط چو نسرين

خوانند بهارى بهمه انجمن او را

اين بار عجب تركى بجهره چو بهارست

وآنكاه برخساره سهيل يمن او را

تفسير هذين البيتين باللغة العربية :

من الخد النارى والخط النسرينى يدعى الروض فى كل محفل ، والعجب من ذا أن خده كالروض ووجنته كسهيل اليمانى.

١٠١

وظاهر هذه البلد حار وباطنها بارد ياس وجوها مضر بالزعفران لأنه يسوس فى أيام قلائل ، والأصح أن الزعفران يرجع يابسا من ذاته إذا فتح رأس الكيس طار اليابس فى الجو وهو الزعفران والجسد لا يزال يحول إلى أن يرجع تراب تارب ، وماء البلد من الآبار ، وأهلها سمر كحل كواسج ضعاف التركيب محلقين الرءوس ، وكذلك جميع المغرب والإسكندرية وأهل مكة والحبشة والبجاة ، لم يحلق المرء رأسه حتى يقتل إنسانا ، ونساء الزنجبار والجوار الزنوج وأهل خوارزم وشعشعين وبلغار وبقابه واللابن والدباليه ، وجميع هؤلاء القضاة منهم والصوفية والأئمة والعامة كبعض الحجاج ، كما قال الله عزوجل : (مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ)(١) والأطفال واليهود وحجاج الهنود وجميع أعمال اليمن من أهل الجبال والتهائم ، ونساؤهم خلقات وهن رخوات التكك ، وفى كلامهم كثر غنج وهذا دليل على أن شهوة نسائهم أغلب من شهوة رجالهم ، فلذلك يستعملون الطيب لأنه يهيج الباه.

وقال مكحول الشأمى : عليكم بالطيب فإنه من طاب ريحه زاد عقله ، ومن نظف ثوبه قل همه ، وقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه : لو كنت تاجرا لما اخترت على العطر شيئا ، إن فاتنى ربحه لم يفتنى ريحه.

ونساء أهل هذه البلاد لا يأخذن من أزواجهن المهر ، وأخذ المهر عندهم عيب عظيم ، وكل امرأة تأخذ المهر من زوجها يسمونها مفروكة ، أى إن زوجها أعطاها مهرها وفركها ، أى طلقها ، فإذا رجع الأمر إلى ذلك تقل رغبة الرجال فيها لأن الزوج الآتى يقول : أخاف أن تأخذ منى المهر كما أخذت من غيرى ، وقد

__________________

(١) الآية : ٢٧ من سورة الفتح.

١٠٢

لا يكون للرجال طاعة فى أداء المهر وتقول النسوة فيما بينهن : إن ما قدر زوجها يخرجها من عنده إلا بمهرها لقلة رغبته فيها فيركبها العار.

فإذا أراد رجل يتزوج امرأة تجىء نساء الحافة بلا مخافة إلى المرأة ويقلن لها : افركى زوجك قبل أن يفركك ، أى : هبى له المهر واخرجى قبل أن يزن المهر ويخرجك ، ويفعلون الطرح فى الأفراح والأعراس على ما تقدم ذكره فى صفة مكة.

فإذا أعطت المرأة فى عرس رد إليها فى عرس مثله ، وإن كان فى ختان رد إليها فى ختان ، وإن كان فى الولادة رد إليها فى الولادة ، ولم يرد الشىء إلا فى الوجه الذى كان منه وفيه بعينه.

وحدثنى أحمد بن مسعود قال : ولم تفسد المرأة فى اليمن إلا من جهة الطرح ، قلت : ولم ذاك؟ قال : لأنه يكون للنساء عليها سلف ولم يكن معها ما تقضى به الذى عليها فتخرج على وجهها إلى غير طريق فتهيم فتحتاج فتكتب لهم إلى أن يحصل لها شىء فترد مال الناس الذى عليها ، وليس يقبل منها يمين ولا شاهد إلا قول المرأة على المرأة مصدق.

ويخضب الرجال أيديهم وأرجلهم ، وطبيخهم الملوخية ، ومأكولهم الدخن والذرة ، ويعمل منه الخفوش والكبان واللحوح والفطير ، يأكلونه باللبن ، والسمك ويسمونه الملتح ، والجبن والموز والقند والحليب ، وليس لهم حديث سوى الأكل ، يقول زيد لعمرو : ما تصبّحت اليوم؟ يقول : فطير دخن وقطيب ، أو : ملتح وسليط ويقول مضر لجعفر : ما تعوفت؟ يقول : رغيف خبز بر بفلس وقطعة حلاوة بأربعة فلوس ، فصار المبلغ ستة فلوس [كذا] ويقول خالد لزيد : إنى أكلت اليوم أكلة

١٠٣

تكفينى ثلاثة أيام ، فطير وحليب وقند شرقى وترفت إلى أن شبعت ، وفى ذلك أنشد على بن أبى على السنوى يقول :

قلت يوما لرتم ذات إعجاب

وذات صدر رحيب ذات إكعاب

وذات قد رشيق كالقضيب إذا

ما ماد من فوق دعص الرمل ريّاب

وقد أشارت بكف وهى معرضة

وأقبلت مثل ظبى بين أسراب

تريد منى وصالا؟ قلت : يا سكنى

رفقّا علىّ فإن الجوع أزرى بى

خذى الثريد إذا ما جئت مقبلة

نحوى ولا تأخذى مسكا وأطياب

واستعملى من فطير الدخن مع لبن

وصابحينى به صبحا على الباب

فإن قلبى إلى حب الفطير صبا

وليس قلبى إلى حب النسا صابى

وفواكههم البطيخ والموز والعنب ، والبطيخ يسمونه البرطيخ ، والقثاء والخيار ويأكلون بطيخ الدباء مشوى فى التنور ، وينادى عليه : دباء حب حب ، كثير الماء قليل الحب ، ومشمومهم البعيثران وهو الشيح الأبيض وثمر الحناء وهو الحنون.

قال ابن المجاور : وأول ما شممته بمولتان وذلك أن المولى عز الدين شمس الملك ملك التجار يحيى بن أسعد البلدى ناولنى ثلاث أو أربع طاقات ، وما كنت قبل ذلك رأيته ولا شممته ، فقال لى : ما هذا؟ فقلت له : ثمر الحناء ، قال : وبم عرفته؟ قلت : لثلاثة وجوه : للونه ورائحته وبرودته ، وقد تقدم ذكره.

وأول ما رأيته فى الديبول سنة ثمانى عشرة وستمائة ، وخاصيته أنه إذا كان مع زيد شمه عمرو ، والبنفسج لم تعبق رائحته إلا مع الرجال ، ولم تعبق روائح البرم إلا مع النساء ، والحباق ، وهو الريحان ، ويسمى وردة الحماحم.

١٠٤

وأسامى أهل هذه البلاد

حنكاس ويعفر وغسطيط وزبرقان وزنقل ودعص ومحلس وزبير وحمسيس وعطعط ودعدع وبرياح وجدير ومابس وشقداف وعطوط ودعّاس وبليسه ومطعون ومطحون ومحمطة وفنتاص وطى وصبيعة وسندع وقبيع وعرطبيع ويكمى وجرياح وقعص ويعماب وسحوا وربطح وشمم وعبور ومبدع والحبوب ورعية وحنبل وفحم وجحوش وأبجر وقعيش وسحدر وفشلى وكسكاش وفاوا ومرسب وفخم ودنكل وكعدل ورلينا وكليبى ورقرق.

ويقدمون أهل هذه البلاد الهاء على الواو فى هجاء حروف المعجم خلاف جميع الناس كما يقال : واو هاء ، وهو : هاء واو.

حدثنى محمد بن أبى سعيد القاضى الرازى قال : سمعت ببعض البلاد يهجون الصبيان على هذا ونوافقهم على هجائهم ، وما هجاؤهم إلا أصح ، قال : ولم؟ قال :

(هُوَ اللهُ أَحَدٌ* اللهُ الصَّمَدُ)(١) قال : بل هجاؤنا أصح : (وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ)(٢).

وغالب البلد على مذهب سراج الأمة أبى حنيفة النعمان بن ثابت الكوفى التابعى ، رضى الله عنه ، وما يقوم سوق البز فى هذه البلدة إلا وقت القائلة بعد صلاة الظهر ، لأن جميع الناس بيعهم على العشيرة ، لأن أحدهم يدخل ومعه شىء يريد

__________________

(١) الآيتان : ١ ، ٢ من سورة الإخلاص.

(٢) الآية : ٣ من سورة الأنعام.

١٠٥

بيعه ، فإذا باعه وحصل ثمنه يكون قد قارب الظهر ويتغدى ويدخل السوق ، وكل أرباب البيوتات حكارين الغلال مثل الدخن والذرة والجلجلان وهو السمسم.

ويتعاملون الجند العشرة بخمسة عشر إلى مدة ستة أشهر وقت الغلال ، وتكال الغلال بالمد ، والمد اثنان وثلاثون ثمنّا ، كل ثمن اثنان وثلاثون زبدى ، كل زبذى منّ ، كل من رطلان ، كل رطل مائة وعشرون درهما ، كل درهم ثلاثة عشر قيراطا ، ويسوى الدينار المصرى أربعة دنانير ونصف ملكى ، والدينار أربعة دراهم ، كل ربع ثلاثة جوّز ، كل جائز ثمانية فلوس ، كل فلس أربعة دوارس.

وأول من ضرب الدرهم الكبير الملك المعز إسماعيل بن طغتكين وزنته ثلاثة عشر قيراطا ، وفى الأول كانت الدراهم العباسية وبعده السيفى وزنه أربعة قراريط وحبة ، ويباع الشيرج بجرة والسمن بجمنة ، كل جمنة خمسة أمنان ، ومن الحرير مائتان وستون درهما ، ومن اللحم أربعمائة درهم ، وتباع العصارة والقطن والهدس والشيذر بالمد له عن خمسة أمنان بالكبير ، وسنجة عدن أقوى من سنجة زبيد بشىء يسير ، وتخرج من زبيد البردة ثمانية أذرع باليد ويشد حملها مائة واثنان وعشرون بردة شد الشحر.

وشقق الحرير والبيض طول الشقة عشرون ذراعا بالحديد ، وطول البيرم ستة أذرع والسباعية سبعة أذرع ، وهى صنفان : أحدهما حرير صرف ، والثانى خلط حرير وكتان فى عرض أربعة أذرع ، والملايات والجراب وفوط سوسى.

والزنجيل المربا لونان : المقصوص منه قليل العسل والمطحون هو الجيد ، والتمر الهندى أجوده المقلس ، والأدم يباع بالعدد ، وضمان المدبغة ثلاثة عشر ألف دينار ،

١٠٦

ويخرج إلى الحجاز التمر والدخن والذرة ويؤخذ إلى الحبشة الجوارى العشارية والخرز وضمان البلد سنابيق الصيادين والجالة والخضر والبقول التى تباع مع الغلال ، وما يدخل من الباب تسعون ألف دينار ملكى ، وضمان دار الضرب ثلاثة عشر ألف دينار ، ودار النبيذ اثنا عشر ألف دينار ، وضمان النخل مائة ألف دينار ، والله أعلم وأحكم.

من المهجم إلى زبيد

إلى الكدراء خمس فراسخ.

ذكر المغلف والأسيخلة

هما قريتان من أعمال الجثّة ، تسمى إحداهما المغلف والثانية الأسيخلة ، فبينما القوم فيما هم عليه من أحوالهم ، الرجال تحرث ، والنساء تغزل ، والحمير تتناهق ، والكلاب تتنابح ، إذا ارتفعوا من الأرض إلى الجو ، رجالهم ونساؤهم ، وغابوا عن أعين الخلق إلى يوم القيامة ، ولم يدر أحد ما أصابهم ولا ما فعل الله بهم ولا ما كان منهم ، سنة أربع وستين وخمسمائة ، فبقوا مثلا إلى يوم الدين ، فيقال : طار بك برق المغلف والأسيخلة.

وخسف بقرية العمالق من أعمال الأشعوب يمانى صنعاء ، وأصبح الصباح ولم يوجد عن القرية وأهلها ودوابهم من يخبر ، سنة خمس وستين وأربعمائة ، فاعتبروا يا أولى الأبصار.

١٠٧

وإلى المهجم ستة فراسخ وهذا يكون بساقات عشيرة اليمن برص لكثرة أكلهم اللبن والسمك تغلب عليهم الرطوبات فيظهر عليهم ذلك ، والأصح أنهم قليلون الكلف فى أصناف الأمور لتخليتهم الخبز والأدم مكشوف والبلاد حارة كثيرة الأوزاغ ، فإذا خلى رأس الإناء أو الطعام مكشوف يأكل الوزغ منه فيبقى أثر لعاب فيه فمن أكله ظهر به برص ، ويقال : إنه طير شبه النامس أصفر اللون ويسمى البرة إذا قرص إنسانا على الريق ظهرت فيه هذه العاهة والآفة ، ويقال يظهر فيه داء الفيل ، والله أعلم.

من زبيد إلى عدن

على طريق الساحل

من زبيد إلى المزيحفة فرسخ ، وما سميت المزيحفة مزيحفة إلا أنه كان فى قربها حلة عرب نزّال ببيوت شعر فانتقلوا من الحلة إلى هذا المكان فكان يعرف المكان بالمزيحفة ، كما يقال : زحف فلان إلى فلان ، أى انتقل ، وبنى بها موسى ابن الجبلى مسجدا من الآجر والجص.

وليس فى الجوالى ثغر أطيب منه ولا فى وادى زبيد ، وشجرها الإهليلج ، وإلى السحارى ثلاث فراسخ ، ويعرس عويد والشكالين والريبة والعريقين ، وهى ثلاث رواب ذات شجر وأراك ، والسحارى على ساحل البحر ذات نخل شامخات.

١٠٨

ذكر بيع النخل

غرس أبو القاسم ويعقوب ، ولدا قونفر ، هذا النخل ونشأ النخل وطار له صيت ، فسمع بخبره أتابك سنقر فقال للعمال : حيفوا عليهم فى العدد واظلموهم فى خراجه ، فلما فعل العمال بهم ذلك استغاثوا مما جرى عليهم من العمال ، فقال لهم أتابك سنقر : بيعونى وأريحوا أنفسكم من ظلمة فقالوا له : اشتر منا على وجه الجرد ، فقال لهم : بعتمونى كل نخلة منه بدرهم؟ فقالوا : قد بعناك ، فقال لمن حضر : اشهدوا على أنى اشتريت منهم ، وأمر بعد النخل فصح عده ألفى عود ، فأعطاهم خمسمائة دينار ، والنخل قطعتان ، تسمى إحداهما الفازة والثانية القبة.

فلما قبضه الأمير ندما على ما صنعا واستقالوا منه فأبى أن يقيلهم ، فلما رأى أحدهم عين الغبن حمل على الأمير فطعنه على قلبه فمات ، وبقى النخل سلطانيا إلى الآن ولن تحل نخلة إلا من بعده ، وليس فى جميع هذه الأعمال أحسن من هذا النخل ولا أصح من غرسه ونشوه.

ويقال : إنما ظلم سيف الدين سنقر إلا أصحاب المملاح بعدن ، وأصحاب هذا النخل من دون الخلق.

وإلى الخوهة نصف فرسخ ، وبها مسجد مربع بناه الحسين بن سلامة ، وفى صحن المسجد صخرة مربعة ، وفى الصخرة وطأة ناقة معاذ بن جبل رضى الله عنه.

وفى المسجد سر عظيم : إذا كان فى القرية خوف رمى أهل القرية ما كان

١٠٩

معهم من المتاع والأثاث فى المسجد وتنجوا بأرواحهم ، فإذا دخل أهل الشر إلى المسجد لم يؤخذ من المتاع شىء ويعمى الله تعالى أبصارهم.

ويقال : إن المسجد يغيب عن أعين الناس ، فإذا نام به رجل لم يكن طاهر السبب يرى وجهه يرمى به عند البئر ظاهر المسجد.

ويؤخذ منها مكس عن كل حمل السدس مع جبا صنابيق الصيادين ، كل شهر سبعون دينارا.

وإلى موشج فرسخ ، قرية ذات نخل شامخات ، وإلى الحليلة فرسخان بين رمال وحصى وأشجار ، وبها يعمل القلا وهو الحطم ، ومنه يجلب إلى سائر أقاليم اليمن ، ويكون فيها الصبايا الملاح والنساء الصباح ، وفيهن ذات فسق ، وفيهن ذات صلاح ، يكتمن العشق المباح ، قال :

أمحسن فى واحجه

وفى نواحى أمجدون

وفى الحليلة أكثره

لكنهم يعجّلون

وسألت أهلها عمن بناها فقالوا : لم نعلم ، بل إن جدودنا كانوا قوم بدو دخلوا هذه القرية فوجدوها خالية من السكان فلما استطابوا بها سكنوها فتوطنوها.

وإلى موزع ثلاث فراسخ ، وهى أرض مهلهل وكليب ، وبها كانت حرب البسوس.

وكانت فيما تقدم من الأيام هذه الأعمال أعمال بنى مجيد بنوا بها القليعة ، فخربت القليعة لاختلاف أهلها ، وسكن بعدهم جماعة من أهل جزيرة فرسان فى أواخر أيام سيف الإسلام طغتكين بن أيوب وبقيت فى أيديهم إلى الآن ، ويؤخذ بها

١١٠

مكس من كل حمل نصف ربع ، وثغر بين الربدة وبين مرسان والسالمية والاسجار والنجاجبة والفريملة.

وإلى العمرية ثلاث فراسخ حفرتين فى واد ، واشتهر هذا الوادى بهذا الاسم ، على ما ذكره غزى بن أبى بكر الحجازى أن امرأة جاءت بهذا الوادى تسمى عمرية فأصابها عطش شديد فصعدت إلى ذروة هذا الجبل على إثر سيل السيل من فضل الغيوث فحسبته ماء ، فلما وصلته أيست فماتت من شدة العطش ، فعرف الوادى والجبل بهذا الاسم يعنى اسم عمرية ، وحفرت البئر بعد الموت وسميت البئر باسم الجبل ، كما قال :

تحيرت فى أمرى وإنى لذائب

أدير وجوه الرأى فيه ولم أدر

أأعزم عزم الناس والصبر دونه

أم أقنع بالإعراض والنظر الشزر

فديتك لم أصبر ولى فيك حيلة

ولكن دعانى اليأس منك إلى الصبر

تصبرت مغلوبا وإنى لموجع

كما صبر العطشان فى البلد القفر

وقال روية النكبى :

كذرى پيش من نكاه كتم سوى رخسار تو ربوده دلى

همجو در دشت كربلا سوى آب نكه تشنكى حسين على

تفسير هذين البيتين باللغة العربية يقول : تمر بى وأنا أنظر إلى وجهك وأنا مسلوب الفؤاد كما كان ينظر الحسين بن على فى كربلاء من عطشه إلى الماء.

وإلى عبرة ثلاث فراسخ ، بئر حفرت فى بطن واد مشرف على البحر المالح ،

١١١

وما سميت بهذا الاسم إلا أن ماءها يشابه عبرة الإنسان فى الصفا ، ويقال : بل عبرة تعبرها القوافل ، وكان السبب على ما حكى غزىّ بن أبى بكر الحجازى أن أهلها كانوا جبابرة ، ومن جملة خبرهم أنه إذا ضاق على أحدهم الرزق من وجوه الشقا والكد والطلب لم يستحسن يطلب من أحد ولا يبذل ماء وجهه إلى أحد فكان يحفر حفرة كبيرة يدخل فيها هو ومن معه ويموتون جميعا لئلا يعلم بحالهم عدو يفرح أو صديق يهتم ، كما قيل :

وكم قد رأينا من فتّى متجملا

يروح ويغدو ليس يملك درهما

يراعى نجوم الليل مما يصيبه

ويصبح يلقى ضاحكا متبسما

ولا يسأل الإخوان ما فى يديهم

ولو مات جوعا عفة وتكرّما

وقبور القوم باقية فى ما بين كل قبر منها مقدار دار عظيم ، فسميت العبرة ، فاعتبروا يا أولى الأبصار ، ولم يتحقق عند ابن المجاور أنهم كانوا مسلمين أو غيرهم من أهل بعض الأديان ، وبقى آثار الخسف والحجار بها.

فصل : حدثنى بدوى من أهل البلاد بهذا المنزل سنة تسع عشرة وستمائة أنه جاز بهذه البئر رجل غريب فسألنى عن جبل الحايلة ونجوان والناجية فأنبأته عن الثلاثة الجبال فقلت له : ما شأنك تسأل عن هذه الجبال؟ قال : إنى قرأت فى بعض الكتب أن ما ينجو فى آخر العهد إلا من سكن هذه الثلاثة الجبال ، فقلت له : فأى الجبال هم؟ فقال : نجوان ، وهو جبل بنى عليه حصن عزان ، والجبلان الآخران بقربه ، والله أعلم.

١١٢

صفة باب المندب

لم يكن هذا البحر بحرا فى قديم العهد ، أعنى بحر القلزم ، وإنما هو بحر مستجد ، فتحه ذو القرنين ، ويقال : بعض التبابعة ، وكان الموجب على ما ذكره جماعة من أهل البلاد ، منهم : الأمير أبو الطامى جياش بن نجاح فى كتاب المفيد فى أخبار زبيد ، قال : لما وصل ذو القرنين إلى هذا الوادى نظر فوجد به شدة الحر ففتحه ، أى نقر صدر الوادى ، فخرج البحر وخرج عرق منه إلى القلزم ووقف عنده.

ويقال : إن أرض الحبشة كانت متصلة ببلاد العرب ، فقال ذو القرنين : أردنا أن نفرق ما بين الإقليمين ليعرف كلّ صاحبه ويجوز كلّ أرضه وبلاده وينقطع ما بين القوم من التغلب والتعدى.

فلما فتح البحر افترق الإقليمان كل إقليم بذاته ، فصارت الحبشة تخوض البحر بالخيل والرجل تغزو أرض العرب ، وبنى بعض العرب على جبل المندب حصنا يسمى بعد ومد بسلسلة من بر العرب إلى بر الحبشة معارض ، فكل مركب يصل يمر تحت السلسلة حتى كان يخرج منه ، ويسافر إلى أى جهة شاء وأراد ، وبقى الحصن على حاله إلى أن هدمه التبابعة ملوك الجبل ، ويقال : بنو زريع ملوك عدن ، والأصح الحبشة ملوك زبيد ، ورفعت السلسلة ، وبقى أثرها إلى الآن.

ويقال : إن فى ذلك الزمان ما كان لسفارة البحر جواز إلا على باب المندب ، لأنه كان أغزر موضع فى البحر ، وكان ما بقى منه أفشات ووضح وبطون والأولاد

١١٣

يلعب الماء بها ، والآن صارت المراكب تسافر من وراء ظهره ، وهو بحر عميق طويل عريض لكثرة المياه ، ولزيادة المياه ونذكر ما بقى إذا وصلنا عدن ، ويوجد فى سواحله العنبر وغالب ما يجده الصيادون.

ذكر الفقرات

وفى أواخر بطن الوادى ، يعنى العمرية ، ثلاث تلال حصّا يكون بين كل واحدة إلى الأخرى مقدار ثلاثين ذراعا زائدا لا ناقصا ، فسألت عن حالهم فقال لى بعض الحمالين : إن هذه التلول أثر ثلاث فقرات فقرها بعض الجبابرة فى زمن الجاهلية ، على كل فقرة تل حصا ليعرف ، وهى من جملة العجائب ، وثغر بين المأجلية وبين السقيا ، ويسمى هذا الخبت مطارا لأن ما يروى بها أهلها الماء إلا أيام المطارات ، وعلى عين الدرب أثر مسجد فيه أثر ناقة معاذ بن جبل ، رضى الله عنه ، وهو موضع فاضل.

وإلى العارة ثلاث فراسخ.

بناء المزدوية المرة

فلما قتل النجاشى بأرض الحبشة ونجا من نجا من القتل وسكن هذه البلد سميت المزدوية لأنهم ازدووا بأرواحهم لئلا تعطب كمولاهم وسلامة خدامه دون الغير.

١١٤

قال ابن المجاور : وما سميت المرة إلا أن حياتهم رجعت مرة لتشتتهم من أرضهم وبلادهم ومفارقة الأهل والولد ، فلما انقرضت تلك الأمة سكنها قوم عرب سموهم المربين ، وبقوا سكانها إلى أن حجزت البلاد وضاعت العباد فارتحلوا منها.

حدثنى ريحان ، مولى على بن مسعود بن على ، قال : إنهم نزلوا بربرة وأعمالها وبقى نسلهم فى بر السودان المعروفين بالمربين ، وهم الآن ذوو قبائل وعشائر ، وبنت بعدهم العرب مدينة الأخضرين فوق العارة.

حدثنى يوسف بن حميسيس بن أبى بكر قال : إنه كان مسكن الصيادين ، والدليل على ذلك أنهم إلى الآن يجدون عظام السمك.

حدثنى موسى بن ديفل قال : بل كانت مدينة عظيمة ، فلما خربت بناها الفرس الواردون من أهل سيراف المنذرية تحت العارة على هذا البحر ، وبها آثار جامعين كبيرين ومساجد وطواحين الغلال وطواحين القرظ ترى بين شجر الأراك.

قال ابن المجاور : وكل مدينة بناها الفرس من أهل سيراف بنوا فيها المدابغ وعملوا بها طواحين القرظ ، ولا شك أن القوم كانوا دباغين.

وقال حكيم : لم يخرج من اليمن إلا وغد أو رائض قرد أو دابغ جلد.

وقال لى أخى أحمد بن محمد بن مسعود : وكيف هذا؟ قلت : كانوا يدبغون الأدم ويجلب إليهم من أعلى مكة ونجران إلى عمان ومن حلى بنى زهرة إلى كرمان ومن كبس وجناتة وفارس ومن بنى مكرمان ومن زيلع ورحيتو والمنذرية من عدن إلى مكة ، وكان ينزف جميع هذا الأدم إلى العراق وخراسان وكرمان وما وراء

١١٥

النهر وخوارزم وهجر فكان يتفرق فى أقاصى الأرض ودانيها ، وما كان يبان كما ينزف فى عصرنا هذا للقوة من ما بين سائر الأمكنة برّا وبحرا إلى الهند ، ولم يؤثر جميع ذلك فيها أثرا كما يقال : لا تنظر إلى طول المنارة ولكن انظر إلى الجامع.

ذكر حشمة أهل المنذرية

حدثنى رجل من أهل الحجاز قال : إنما كان مأكول الفرس من أهل سيراف السمك الضيراك ، ففى بعض الفصول يعدم فعند عدمه خرج غلامان لتاجرين ليشتريا ضيراكا ، إذ أقبل الصيادون بضيراك فتزايد فيه الغلامان إلى أن بلّغوه ألف درهم فاشتراه أحدهما ، فلما دخل الغلام بالحوت على سيده استحسن منه ذلك وأعتقه وأعطاه ألف درهم يتعيش منها ، وأما ما كان من الغلام الآخر فإن سيده من غيظه عليه أهانه غاية الإهانة ، لما أن غلام زيد غلبه فى الشطارة.

حدثنى أحمد بن سلطان المجيدى قال : إنما أخرب المنذرية على بن مهدى سنة أربع وخمسين وخمسمائة ، ويقال : إن بنى مجيد بنوا البلاد وبقوا على ما هم عليه إلى أن قحطت البلاد وجاعت العباد ، ويقال : إنهم افترقوا ذات اليمين وذات الشمال وبقيت خرابا فجاء الحجازيون فاستعاروا الأرض من بنى مجيد ، فوافق ذلك الموضع الحجازيين وقويت أيديهم عليها لما أخصبت البلاد وشبع العباد ، فرجع بنو مجيد إلى بلادهم وأوطانهم فقاتلهم الحجازيون وأنكروهم وأخرجوهم من ديارهم كرها من غير رضى ، فلما عجز بنو مجيد عن مكافاتهم تفرقوا ثلاث فرق : فرقة

١١٦

سكنوا زيلع ، وفرقة سكنوا ظفار ، وفرقة سكنوا مقدشوه ، وبقى شرذمة منهم فى الجابية.

قال :

تفانى الرجال على حبها

ولا يحصلون على طائل

ولعبد آل عامر يقول :

ألا إن لى دينا من أيام ذى اللوى

ودينا من أيام الحسين وآكد

أسايل ذا دينى أضافه عند ذا

وذا جاحد دينى كما ذاك جاحد

وأهلها صيادون حمّارون وهم قوم ثقاة أخيار ، رجال فحول ، مأكولهم السمك ، لا غير ، وجميع عرب أهل هذه الأعمال الجبال مع التهائم إلى حدود الحجاز لا يقبل أحدهم حكم الشرع وإنما يرضون بحكم المنع ، ولا شك أنه حكم الجاهلية الذى كانوا يتحاكمون به عند الكهنة ويمامة الزرقاء ، ويقال : إن اليمامة قبل الإسلام ، فإذا حكم الشيخ حكما فى المنع فى أحد من العرب بضرب العنق لم يقدر على الهرب ، ولو أراد الهرب لما أمكن إلا أن يمد عنقه ويرضى بالقضاء ، فإذا وفى بما عليه نادى مناد فى سائر العرب وفى كل مجمع : ألا إن فلان بن فلان طاب بطيب العرب ، فيرد عليه كل من سمعه : جاد الفتى.

وكان يؤخذ فى العارة من كل حمل نصف وربع من ضمان العشر وسنابيق الصيادين والقفول الواردة من عدن إلى زبيد والصادرين من زبيد إلى عدن ومراكب الزيالع القادمين من أرض الحبشة كل عام بألف ومائتى دينار ، فأزيل جميع ما ذكرناه سنة عشرين وستمائة ، وأعيد هذا الرسم سنة أربع وعشرين وستمائة ، وصعد الضمان

١١٧

ألف وسبعمائة دينار ، ويقال : إن أول من سعى فى ضمان القرية عبد الله بن أبى بكر الأحوزى وبقى يجبى إلى يوم الدين ، وللشريف الرضى يقول فى مثل هذا :

من لم يكن عنصره طيب

لم يخرج الطيب من فيه

كل امرى يعجبه فعله

قد ينضح المرء بما فيه

من العارة إلى الحليلة راجعا

على درب الكديحا

من العارة إلى عثر ثلاث فراسخ ، وهى قرية على ساحل البحر ، ويوجد فيها ما لم يوجد فى موزع ، وبغير المخاء وهو مرسّى دفىء ، وما اشتق اسمها عند العرب مخا إلا أنها لا تمضغ كما لا تمضغ المخاء ، وهى طريق الأصل وعليها كان المعول فى مسير القوافل فى سالف الدهر لأنه أقرب طريق وأبرد لهواء الساحل والبحر ، وإلى الحليلة ثلاث فراسخ ، ويعرف ... وهو مجمع الطريقين.

من العارة إلى المفاليس

من العارة إلى ترن ثلاث فراسخ.

١١٨

ذكر ترن

أهل ترن أصلهم من امرأة خرجت من البحر تسمى الفالقة سكنت البر وتزوجت رجلا من وجوه العرب ، أسكنها العربى أرض ترن ورزق منها أولادا إناثا وذكورا.

قالت العرب : إن أهل ترن من نسل العربى والمرأة ، يعنى الفالقة ، وكان إذا جاءهم سيل عظيم ومال عن جريه ليسقى به موضع آخر كانت تقعد فى بطن الوادى وتسده من عظيم خلقها وكبر جثتها وترد الماء إلى المجرى القديم المعتاد فتسقى الأرض من جريه ، وكان تبقى على حالها إلى أن تسقى للناس الأرض كلها ، فإذا رويت الأرض واستغنت الناس عن ماء السيل تقوم حينئذ من مقعدها فيجرى ما فضل من ماء السيل إلى البحر ، ويقال : إنها كانت ساحرة.

قلت لعمرو بن على بن مقبل : ما فعل الله بفالقة؟ قال : إنها إلى الآن تعيش ، قلت : وأين تسكن؟ قال : بوادى قطينة ، قلت : وأين الوادى؟ قال : فى أعمال ترن ، ولم تمت وإلى يوم القيامة ، قلت : هل يراها أحد؟ قال : نعم ، كل من قرب أجله ، قلت : ولم سميت هذه الأرض ترن؟ قال : لأن الخلق كانوا يتعجبون من عظم خلقها فكان زيد يقول لعمرو : ترن ، أى تراها ، فعرفت الأرض بهذا الاسم ، ولهذا تقول العادة أنا النرنى ، يسكن فخذ من فخوذ العرب أرض ترن ، ولا شك أنهم بنو مجيد ، وهم أهل أنعام وخيل وزرع وضرع ، لما كثر المال عليهم وحسن الحال بهم ركبوا على حين غفلة من الحجازيين وقتلوا جماعة منهم بعد أن أخذوا جميع ما كان معهم من المتاع والمال والأثاث وعادوا منصورين ، وبقى الحجازيون فى

١١٩

العناء والتعب مدة عام كامل ، والتأم خلق عظيم منهم ورجال من السكاسك فلان وفلان بن فلان من المعدودين كبسوا على أهل ترن سنة ستين وخمسمائة ، فصار عادة القوم إذا انتسب أحدهم قال : أنا الترنى ، يعنى من نسل القوم الذين حضروا الوقعة.

وملك الحجازيون أرض ترن إلى الآن وجميع زروعهم فيها فصارت لهم مأوى وملكا.

وإلى النّخيلة ثلاثة فراسخ ، وإلى المفاليس ثلاثة فراسخ.

من العارة إلى تعز

من العارة إلى شعب أربع فراسخ ، وإلى النية ثلاثة فراسخ ، وإلى المحجاط ثلاثة فراسخ ، وإلى الحصين فرسخان ، وإلى العريش ثلاثة فراسخ ، وإلى تعز فرسخان.

من العارة إلى عدن

من العارة إلى الجابية فرسخ ، ويقال : إنها من أعمال ترن ، وترن من أعمال العارة ، وإلى بئر الصحبة ثلاثة فراسخ ، وهى بئر حفرت فى آخر دولة بنى مهدى ، وثغر العرف والحراجرة والحجف والقعيعا وعويد ومحاذا بئر صبيح على يسار المحجة جبل حرز ، ويقال : جبل حريز ، وما عرف بهذا الاسم إلا أنه .. يسمى حرز ويقال : بل جبل حريز ، أى مكين ، والله أعلم بالصواب.

١٢٠