أوضح المسالك إلى معرفة البلدان والممالك

محمّد بن علي البروسوي [ ابن سباهي زاده ]

أوضح المسالك إلى معرفة البلدان والممالك

المؤلف:

محمّد بن علي البروسوي [ ابن سباهي زاده ]


المحقق: المهدي عيد الرواضية
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٣٣

والفاء ، ومادة (الثعلبية) ، المنزل المشهور من منازل طريق مكّة من الكوفة ، أوردها بالتاء والغين (تغلبية) ، ومادة (بيار) أوردها بواو في أولها وبتقديم الياء على الباء (ويبار) ، فأقحم واو العطف في اسم الموضع ، لعدم تمكنه من قراءة نص أبي الفداء على وجه سليم.

والحمد لله أولا على ما يسّر لإنجاز هذا العمل ، وإني لمدين بالشكر للعلامة الأستاذ إبراهيم شبّوح ، مدير مؤسسة آل البيت للفكر الإسلاميّ بعمّان ، الذي منحني من توجيهاته ما أعانني على تحقيق هذا الكتاب ، واستحضر لي من المصادر التركيّة ترجمة المؤلف ، التي لم تكن ميسّرة ، ولمساعدته القيمة في فكّ ما استغلق عليّ فهمه ، خاصة ما تعلق بحساب الجمّل ، وأمدّني من مكتبته الخاصة في تونس بكتاب صغير الحجم كبير الفائدة (١) ، فوجدت فيه ما مكّنني من فهم رموز الزيجات (الجداول) الموضوعة في الأطوال والعروض ، وما ترمز إليه الحروف من أعداد عند المشارقة وعند المغاربة. واستخرجت من مادة هذا الكتاب جدولا أثبته إثر هذه المقدمة ، فيه ما يفيد في فهم هذه الرموز.

والشكر أيضا للأستاذ الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلو مدير مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية (أرسيكا) بإستانبول ، وللأستاذة تورنجان كوثر ، الباحثة في المركز ، وللدكتور فاضل مهدي بيّات ، والدكتور نوفان الحمود السوارية مدير مركز الوثائق والمخطوطات بالجامعة الأردنية ، على كريم عونهم ومساعدتهم ، ولواهب العقل الحمد بلا انتهاء.

والله الموفق والمعين

__________________

(١) هو كتاب : «إنقاذ الوحلة في معرفة الأوقات والقبلة» ، لأبي الحسن علي بن محمد النوريّ الصفاقسيّ المتوفى سنة ١١١٧ ه‍ ، طبع تونس ، ١٣٣١ ه‍.

٢١

حساب الجمّل عند المغاربة وعند المشارقة

١ ـ الترتيب المغربيّ

(أبجد ، هوز ، حطي ، كلمن ، صعفض ، قرست ، ثخذ ، ظغش)

أ

١

ي

١٠

ب

٢

ك

٢٠

ج

٣

ل

٣٠

د

٤

م

٤٠

ه

٥

ن

٥٠

و

٦

ص

٦٠

ز

٧

ع

٧٠

ح

٨

ف

٨٠

ط

٩

ض

٩٠

ق

١٠٠

ش

١٠٠٠

ر

٢٠٠

س

٣٠٠

ت

٤٠٠

ث

٥٠٠

خ

٦٠٠

د

٧٠٠

ظ

٨٠٠

غ

٩٠٠

٢٢

٢ ـ الترتيب المشرقيّ

(أبجد ، هوز ، حطي ، كلمن ، سعفص ، قرشت ، ثخذ ، ظضغ)

أ

١

ي

١٠

ب

٢

ك

٢٠

ج

٣

ل

٣٠

د

٤

م

٤٠

ه

٥

ن

٥٠

و

٦

س

٦٠

ز

٧

ع

٧٠

ح

٨

ف

٨٠

ط

٩

ص

٩٠

ق

١٠٠

غ

١٠٠٠

ر

٢٠٠

ش

٣٠٠

ت

٤٠٠

ث

٥٠٠

خ

٦٠٠

ذ

٧٠٠

ظ

٨٠٠

ض

٩٠٠

٢٣

٢٤

٢٥

٢٦

٢٧

٢٨

بسم الله الرّحمن الرّحيم

تبارك الذي جعل في السماء بروجا ، وجعل فيها سراجا وهّاجا ، وبسط بساط بسيط (١) الأرض لنسلك منها سبلا فجاجا ، وجعل الجبال أوتادا وخلق كلّ شيء أزواجا ، وخطّ (٢) الأقاليم وجعل البحرين عذبا وملحا أجاجا ، وأنبتنا من الأرض ثم يعيدنا فيها ويخرجنا إخراجا ، فسبحان من هو مالك البلاد ورازق العباد وخالق السبع الشّداد بلا عمد وأوتاد ، والمقدّس عن الأنداد والأضداد ، والمنزهّ عن الصاحبة والأولاد. أحمده على أن جعلنا من أهل الأمصار والبلدان ، ونوّر قلوبنا بنور الإيمان ، وصيّرنا من المتدينين بأشرف الأديان والمتأدبين بآداب القرآن ، وأصلّي على رسوله الذي أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدّين كله ولو كره المشركون ، وعلى آله وأصحابه الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون وبعد ؛

فيقول العبد الفقير المعترف بالعجز والتقصير ، الواثق بالتّوفيق الإلهي ، محمّد الشهير بابن سباهي (٣) : إنّ جميع أصحاب الشّرائع والأديان قد أطبقوا ، وجملة أرباب العقول والأذهان قد اتفقوا على أنّ أعلى الكمالات الإنسانيّة وأسنى السّعادات النّفسانيّة ، معرفة الصّانع بتقديس ذاته وتنزيه صفاته. وأنّ ذلك [٢ أ] بالتفكّر في المبدعات وأسرارها ، والتدبّر في المصنوعات وأطوارها ، وممّا يعين على هذا التفكّر والتدبّر علم الهيئة الذي أثنى [الله في](٤) التنزيل على عالميه بقوله

__________________

(١) في (س): «بسط».

(٢) في (س): «وحفظ».

(٣) في الأصل و (ب): «السباهي».

(٤) زيادة من (س).

٢٩

عزّ قائلا : (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً)(١) ، ثمّ لمّا كان العلم بالمسالك والممالك من توابع علم الهيئة ، وكان كتاب تقويم البلدان للسّلطان الملك المؤيد إسماعيل بن عليّ بن محمود بن محمّد المعروف بصاحب حماة صانه الله في العقبى عمّا يخاف منه وحماه أجود المصنفات في هذا الفن وألطفها ، وأحسن المؤلفات فيه وأشرفها ، لكونه مشتملا على زبدة كتب المتقدّمين وخلاصة زبر المتأخّرين ، فوربّ السّماء والأرض إنّه لكتاب ما رأت عين الفلك الدّوار شبيهه (٢) في الأقطار ، وما سمعت أذان الثّوابت والسيارة نظيره في الاعصار : [الطويل]

كتاب فريد لا يرى طرف ناظر

نظيرا له طرّا وإن هو أحول

تكلّ عن وصف كماله الألسن ، وفيه ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين ، وكان قد حذا في تأليفه حذو ابن جزلة في تقويم الأبدان ، واعتبر الأقاليم العرفية في التّرتيب (٣) والبيان. أجريت في هذا الشأن القلم [بعون ذاري الأمم ، وبارىء النسم](٤) ؛ فرتبته على ترتيب حروف المعجم ، وأضفت إليه ما التقطته من مصنّفات المحققين (٥) ، واستنبطته من مؤلفات المدققين (٦) ، ليكون أخذه يسيرا ونفعه كثيرا ، وسميته بأوضح المسالك إلى (٧) معرفة البلدان والممالك. وجعلته تحفة لسدّة هي حيرة الجنان بهجة وبهاء وخدمة لعتبة (٨) هي غيرة الجنان نزهة

__________________

(١) سورة آل عمران آية ١٩١.

(٢) في (س) و (ر): «شبهه».

(٣) في الأصل : «الترتب».

(٤) زيادة من (ب).

(٥) في (ب): «الخلف».

(٦) في (ب): «السلف».

(٧) في (ر): «في».

(٨) في (ب): «لسدة» وفي (س): «لقبة».

٣٠

وضياء (١) ، وهي سدّة الصّاحب الأعظم والدستور [٢ ب] الأفخم [مهرة رقاب الأمم سلطان الوزراء في العالم](٢) صاحب السّيف والقلم ، ساحب أذيال اللطف والكرم ، ناصب أوتاد الشرع وحاميها ، وكاسر جناح البدع وماحيها ، رافع ألوية العلم وذويه ، وقامع أهوية (٣) الجهل وأهليه ، ملجأ الفضلاء والعالمين ملاذ العلماء في العالمين ، كهف المظلومين ، مغيث الملهوفين ، ممهد قواعد الملّة الربانيّة ، مؤسس مباني الدولة العثمانيّة فكره الصّائب ، حاوي فلك الإيالة رأيه الثّاقب ، متمم أركان الحكومة والعدالة الذي لم يتشرّف مسند الوزارة بمثله في الصدارة ولم يكن (٤) إحاطة صفاته بلسان العبارة والإشارة : [البسيط]

أمّ الوزارة [كانت](٥) جمّة الولد

لكن بمثلك لم تحبل ولم تلد

وسارت جنائب الأفلاك بتعال (٦) الأهلّة ، ومسامير (٧) الكواكب في مواكب رفعة شأنه ، وأصبحت منطقة السّروج (٨) مرصعة بالثّوابت الزواهر نطاقا على خواصر خدمه وغلمانه ، واستنارت أزهار الفضل في أوانه وارتفعت أقدار العلم في زمانه ، وهو قطب فلك الكرم والامتنان ، ومركز دائرة الجود والإحسان خلاصة العناصر وزبدة (٩) الأركان سميّ حبيب الرحمن : [الطويل]

وليس إلى مدحي لو صفك حاجة

فذاتك (١٠) ممدوح وخلقك مادح

__________________

(١) في (س) و (ر): «وصفاء».

(٢) زيادة من (س) و (ر).

(٣) في (س): «ألوية».

(٤) في الأصل : «يمكن».

(٥) زيادة يقتضيها الوزن.

(٦) في (ب) و (س) و (ر): «بنعال».

(٧) في (س): «وسائر».

(٨) في (ب) و (س) و (ر): «البروج».

(٩) في (ر): «وبدرة».

(١٠) في الأصل : «فذلك».

٣١

لا زال خلوص نيته (١) حاملا على تعمير المسالك وكمال همته مائلا إلى تمصير الممالك وما برحت أعلام العدل في أيّام دولته عالية ، وقيمة العلم من آثار تربيته غالية ، أهديته إلى سدّته السّنية وعتبته العليّة آداء لشكر امتنانه السّابق ورجاء [لنيل](٢) إحسانه اللاحق (٣) فإنّ أصغر خدمه وأحقر عباد حرمه قد ارتوى من نهر [٣ أ] كرمه وغرق (٤) في بحر جوده ونعمه : [الطويل]

ولو أنّ لي (٥) في كلّ منبت شعرة

لسانا ، لما أستوفيت واجب حمده

بذلت له رقّي وها أنا عبده

وقصّرت فيما قلت بل عبد عبده

فإن وقع موقع القبول ، ووضع موضع المرضي المقبول ، فهو من توفيق الله وتسديده وإعانته وتأييده ، ثمّ المرجو من أخلاقه الكريمة على مقتضى عادته القديمة ، أن يلتفت إلى حال عبده الدّاعي بالنّظر الشّامل الشّافي ، والكرم الوافر الوافي ، ويخلّصه من عساكر طغاة الهموم ، وينجيه من جيوش بغاة الغموم. اللهم كما جعلت مجرّة الأفلاك من مسالك قدم هممه (٦) ، ورقاب أرباب الألباب مطوّقة بأطواق نعم كرمه ، أجعل مدارج معارج آمال (٧) الدّنيا والآخرة مطوية بأخمص قدمه بحرمة نبيك وحرمه.

هذه أسماء الكتب (٨) التي ينقل عنها في هذا الكتاب : كتاب نزهة المشتاق للشّريف الإدريسيّ في المسالك والممالك ، كتاب ابن خرداذبّه ، كتاب الأنساب

__________________

(١) في (س): «همته».

(٢) زيادة من (ب) و (س) و (ر).

(٣) في الأصل : «اللائق».

(٤) في (س): «وأغرق».

(٥) في الأصل : «ولو أنه في» وفي (س): «ولو أنّ ما في».

(٦) في (س): «همته».

(٧) ساقطة من (س).

(٨) سقطت قائمة أسماء الكتب من (ب).

٣٢

للسّمعانيّ ، كتاب مزيل الارتياب عن مشتبه الانتساب وكتاب الفيصل (١) كلاهما لأبي المجد إسماعيل بن هبة الله الموصليّ ، وكتاب المشترك وضعا والمختلف صقعا لياقوت الحمويّ ، كتاب القانون المسعوديّ لأبي الريحان البيرونيّ ، كتاب الأطوال والعروض للفرس ، كتاب المسالك والممالك المعروف بالعزيزيّ نسبة إلى العزيز صاحب مصر الفاطميّ (٢) تأليف الحسن بن أحمد المهلّبيّ ، كتاب رسم الرّبع المعمور ، كتاب منسوب إلى بطلميوس نقل من اللّغة اليونانيّة إلى اللّغة العبرانيّة وعرّب [٣ ب] للمأمون ، كتاب اللّباب لابن الأثير ، كتاب خريدة العجائب وفريدة الغرائب ، وكتاب الصّحاح وكتاب القاموس وكتاب تاريخ الحكماء لجمال الدين القفطيّ ، وكتاب تحفة الآداب في ذكر التواريخ والأنساب لمحمّد بن الحسين بن عبد الحميد بن محمّد بن عبد الحميد بن عبد الله العلويّ الحسينيّ النّسّابة ، وكتاب الآثار الباقية عن القرون الخالية لأبي الريحان البيرونيّ ، وكتاب الإشارات (٣) في معرفة الزيارات لعلي بن أبي بكر الهرويّ ، (وكتاب الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل لعبد الرحمن بن محمّد العمريّ العليميّ) (٤) الحنبليّ ، وكتاب التاريخ لابن كردوش النّصرانيّ ، وكتاب مختصر الدول لماغريغوريوس النّصرانيّ ، وشرحا المقامات (٥) الحريرية أحدهما لأبي البقاء النّحويّ والآخر للإمام المسعودي ، وكتاب المختصر في أخبار البشر لإسماعيل بن عليّ بن محمود بن محمّد بن عمر ابن شاهنشاه بن أيوب صاحب حماة ، وكتاب مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع تأليف صفي الدين عبد المؤمن بن عبد الحق.

__________________

(١) في الأصل و (ب) و (ر): «الفيصل» وهو كتاب الفيصل في مشتبه أسماء البلدان (كشف الظنون ٢ : ١٣٠٤).

(٢) في الأصل : «كتاب القاطمي».

(٣) في (ر): «الإشارة».

(٤) ما بين القوسين ساقط من (ر).

(٥) في (س): «المقدمات».

٣٣

الكلام على البحار

المنقول عن الحكماء أنّ البحر المالح (١) هو أحد العناصر الأربعة (٢) ، قالوا : البحار العظيمة المشهورة خمسة : البحر المحيط ، وبحر الصّين ، وبحر الرّوم ، وبحر نيطش ، وبحر الخزر ، ولأصحاب الجغرافيا اصطلاح في تعريف البحور فيقولون يمتدّ كالقوّارة وكالشّابورة وكالطّيلسان ونحو ذلك. وقد صوّرنا ذلك وكتبنا الأسماء التي اصطلح عليها أهل الصناعة وهي هذه :

والخور (٣) [٤ أ] كلّ خليج يمتدّ من البحر إلى بعض النواحي. والمجرى ما يقطعه المركب في يوم وليلة بالريح الطيب.

ذكر البحر المحيط

نحن إذا عرّفنا البحر إنما نعرّفه بجوانب الأرض التي قد أحاط بها ، وقد نعرّف بعض جوانب الأرض بالبحر المحيط بها ، ولكنّ البعض الذي نعرّف به البحر غير البعض الذي نعرّفه بالبحر فلا دور ، وإنما سمّي محيطا لإحاطته بجميع القدر المكشوف من الأرض ؛ ولهذا كان يسمّيه أرسطو الإكليلي لأنّه حول الأرض

__________________

(١) في الأصل وفي (ب): «الملح».

(٢) العناصر الأربعة كما عددها أبو الفداء هي : النار والهواء والماء ثم الأرض (تقويم البلدان ١٨).

(٣) في التقويم : «الجون» ، وورد في هامش (س): «في الصحاح : الخور مثل الغور المنخفض من الأرض. وفي القاموس (٤٩٧) : الخور المنخفض من الأرض ، والخليج من البحر ، ومصبّ الماء في البحر. في المراصد (١ : ٤٨٨) : أصله هور فعرب فقيل خور».

٣٤

كالإكليل على الرأس ولنبتدىء فنذكره من الجانب الغربيّ ، ثم نذكر أحاطته من الجهة الجنوبيّة ، ثمّ من الجهة الشّرقيّة ، ثمّ الشّماليّة ، ثمّ الغربيّة من حيث ابتدأنا. فنقول : إنّ جانب البحر المحيط الغربيّ على ساحله بلاد المغرب يسمّى أوقيانوس ، وفيه الجزائر الخالدات وهي واغلة فيه عن (١) ساحله عشر درجات. والبحر المحيط المذكور يأخذ من الامتداد من سواحل بلاد المغرب الأقصى قبالة سبتة وسلا إلى جهة الجنوب حتّى يتجاوز صحراء لمتونة (٢) ، وهي براري البربر (٣) بين طرف بلاد المغرب وبين أطراف بلاد السّودان ، ثم يمتدّ جنوبا على أراض خربة غير مسكونة ولا مسلوكة حتّى يتجاوز خطّ الاستواء في الجنوب عنه ، ثمّ يعطف إلى جهة الشّرق وراء جبال القمر التي منها منابيع نيل مصر ، فيصير البحر المذكور جنوبيّا عن (٤) الأرض ، ثم يمتدّ مشرقا على أراض خراب وراء بلاد الزّنج ، ثم يمتدّ شرقا وشمالا حتّى يتصل ببحر الصّين والهند ، ثم يأخذ مشرقا حتّى يسامت نهاية الأرض الشّرقيّة المكشوفة وهناك [٤ ب] بلاد الصّين ، ثمّ ينعطف في شرقيّ الصّين إلى جهة الشّمال ، ثم يمتدّ شمالا على غربيّ (٥) بلاد الصّين حتّى يتجاوز بلاد الصّين ، ويسامت سدّ يأجوج ومأجوج.

ثم ينعطف ويستدير على أراض غير معلومة الأحوال ، ويمتدّ مغربا ويصير في جهة الشّمال على الأرض ويسامت بلاد الروس ، ويتجاوزها ويعطف مغربا وجنوبا ويستدير على الأرض ويصير من جهة الغرب ، ويمتدّ على سواحل أمم مختلفة من الكفار حتّى يسامت بلاد رومية من غربيها ، ثم يمتدّ جنوبا ويتجاوز بلاد رومية إلى مسامتة البلاد التي بين رومية وبين الأندلس حتّى يتجاوزها إلى سواحل

__________________

(١) في (س): «على».

(٢) وردت في جميع النسخ : «المتونة» والصواب ما أثبتناه.

(٣) في التقويم (٢٠): «للبربر».

(٤) في (س) و (ر): «على».

(٥) في التقويم (٢٠): «شرقي».

٣٥

الأندلس ، ثم يمتدّ على غربي الأندلس جنوبا حتّى يتجاوز الأندلس ويسامت سبتة من برّ العدوة من حيث ابتدأنا.

وممّا نقلنا من كلام الإدريسيّ : أنّ ماء البحر المحيط الذي بجهة الجنوب غليظ لأنّ الشّمس بسبب مسامتتها [له](١) وقربها منه حلّلت الأجزاء اللطيفة من الماء فغلظ ماؤه واشتدت ملوحته وسخونته ولذلك لا يعيش فيه حيوان ، ولا يسلك فيه مركب ، وقال في كتابه المسمّى بنزهة المشتاق (٢) : إنّ البحر المحيط الشّرقيّ يسمّى البحر الزفتيّ لأن ماءه كدر وريحه عاصفة ، والظّلمة لا تزال واقعة (٣) عليه في أكثر الأوقات ، ويتّصل هذا البحر الزفتيّ بالبحر المحيط المتّصل ببلاد (٤) يأجوج.

ذكر البحر الخارج من المحيط الشّرقيّ إلى جهة الغرب إجمالا

وهو بحر ينبعث من البحر المحيط من عند أقصى بلاد الصّين الشّرقيّة التي ليس شرقها غير البحر المحيط ، ويأخذ مغرّبا إلى القلزم حيث الطّول ست وخمسون درجة ونصف ، فيكون طول هذا البحر من طرف بلاد الصّين إلى [٥ أ] القلزم نحو مائة وأربع وعشرين درجة ، فإذا ضربتها في أثنين وعشرين وتسعين وهو فراسخ درجة واحدة على رأي القدماء خرج طول هذا البحر بالفراسخ وهو ألفان وسبعمائة وثمانية وأربعون فرسخا بالتّقريب.

ويسمّى هذا البحر بأسماء البلاد (٥) التي يسامتها ؛ فطرفه الشّرقيّ يسمّى بحر

__________________

(١) ساقطة من الأصل.

(٢) الإدريسي ١ : ٨٧.

(٣) في (ر): «تقع».

(٤) في الأصل : «بلاد».

(٥) في (ر): «البلدان».

٣٦

الصّين لأن بلاد الصّين على ساحله ، ثم القطعة الغربيّة عن بحر الصّين يسمّى بحر الهند لمسامتتها بلاد الهند ، ثم يصير منه بحر فارس ، ثم بحر البربر وهو المعروف بالخليج البربري ، ثم بحر القلزم وسنذكر كلّ واحد من هذه البحور بمفرده.

ذكر بحر الصّين

أما تفاصيل أحواله وتحديده فإنه مجهول لنا ، ولم نقف فيه على تفصيل محقق ، والذي ثبت (١) في الكتب أنّ أطراف بلاد الصّين الشّرقيّة الجنوبيّة تتّصل بخط الاستواء حيث لا يكون عرض ، ومن هناك يخرج بحر الصّين المذكور فيأخذ في الغرب وفيه جزائر بها مدن كثيرة بعضها على خط الاستواء وبعضها جنوبيّ خط الاستواء ، ولا يزال بحر الصّين يغرب (٢) حتّى يسامت جبال قامرون (٣) وهي حجاز بين الصّين والهند ، وهي معدن العود ، وهي حيث الطّول مائة وخمس وعشرون والعرض عشر درج.

ورأيت في المسالك والممالك أنّ جزيرة سريرة إذا أقلع الإنسان منها طالبا بلاد الصّين الشّرقيّة واجهته (٤) في البحر جبال معترضة داخلة في البحر مسيرة عشرة أيّام ، وفي تلك الجبال أبواب وفرج تسلك فيها المراكب بين تلك الجبال ، وكلّ باب من هذه الأبواب يفضي إلى بلدة (٥) من بلاد الصّين ، وهذه الطرائق لمن سار إلى سمت الشّرق [٥ ب] وتياسر عن اللّجة ، وأمّا من قصد اللّجة فإنّه يصير في جنوبيّ هذه الجبال خارجا عنها.

__________________

(١) في (ر): «يثبت».

(٢) في (ر): «يقرب».

(٣) في الأصل : «قاصرون» وهو تصحيف.

(٤) وردت في جميع النسخ : «واجهه» وما أثبتناه من التقويم (٢٢).

(٥) في (ب) و (س) و (ر): «بلد».

٣٧

ذكر البحر الأخضر

وهو بحر الهند ، أمّا شرقيّه فبحر (١) الصّين ، وشماليه بلاد الهند ، وغربيه بلاد اليمن ، وأمّا جنوبيه فغير معلوم لنا. فإنه بحر ممتدّ في الجنوب (٢) حتّى يتجاوز خط الاستواء ، وفيه جزيرة سرنديب على ما سنذكره إن شاء الله. قالوا : وبحر الهند والصّين ألف وسبعمائة جزيرة عامرة غير الخراب ، وقد ذكر في رسم الرّبع المعمور لهذا البحر أطوال وعروض لأطرافه ، اعتبرنا بعضها فلم يوافق فأضربنا (٣) عنها.

ذكر بحر فارس

وهو بحر ينبعث من بحر الهند شمالا بين مكران وهي على فم بحر فارس من شرقيه وقصبة مكران تيز (٤) وهي حيث الطّول ثلاث وتسعون والعرض أربع وعشرون درجة وخمس وأربعون دقيقة وبين عمان وهي على فم بحر فارس من غربيه حيث الطّول أربع وسبعون والعرض تسع عشرة وخمس وأربعون دقيقة ، ثم يمتدّ البحر على ساحل عمان ، ويمرّ شمالا حتّى يبلغ عبّادان حيث الطّول خمس وسبعون ونصف والعرض إحدى وثلاثون فقط ، ثم يمتدّ من عبّادان الى مهروبان (٥) مشرقا بميلة يسيرة إلى الجنوب وهي حيث الطّول ست وسبعون والعرض ثلاثون ، ثم يمرّ (٦) إلى سينيز حيث الطّول ست وسبعون والعرض اثنتان وثلاثون فقط ، ثم يمتدّ جنوبا إلى جنّابة (٧) حيث الطّول سبع وسبعون وثلث والعرض ثلاثون فقط ، ثم

__________________

(١) وردت في الأصل و (ب): «فبلاد» والصواب ما أثبتناه من (س) و (ر) والتقويم (٢٢).

(٢) في الأصل : «الجنون».

(٣) في (س): «فأعرضنا».

(٤) في (س): «مكران نيز» وفي (ر): «مكران ينز».

(٥) في الأصل : «مهدوبان».

(٦) في (س) و (ر): «يمتد».

(٧) في الأصل : «خباية» وفي (ر): «جناية».

٣٨

يمتدّ إلى سيف البحر وهو ساحل بلاد فارس فيه ميناء (١) للحطّ والإقلاع وحواليها قرى ، ثم يتجاوز سيف البحر ويمتدّ [٦ أ] مشرقا إلى سيراف حيث الطّول تسع وسبعون ونصف والعرض تسع وعشرون (٢) ، ثمّ يمتدّ على جبال منقطعة ومفاوز ويأخذ مشرّقا إلى حصن ابن عمارة حيث الطّول أربع وثمانون فقط ، والعرض ثلاثون درجة وعشرون دقيقة ، ثم يمتدّ مشرقا حتّى يتّصل إلى هرمز (٣) وهي فرضة كرمان حيث الطّول خمس وثمانون والعرض ثلاثون ، ثم يمتدّ جنوبا ومشرقا إلى ساحل مكران وقصبتها تيز (٤) التي طولها وعرضها ما ذكر و [هو](٥) صح والعرض كد مه.

وعلى فم بحر فارس الدردور وهي ثلاثة جبال يقال لأحدها كسير والآخر عوير (٦) والثّالث ليس فيه خير (٧) ، وماء البحر يدور هناك فإذا وقع فيه المركب كسره هناك. قالوا : وهذه الجبال غارقة في البحر ويظهر منها القليل. قال الشّريف الإدريسيّ (٨) : المكان المسمّى بالدردور وهو محاذ لهذين (٩) الجبلين ، ويقع في جميع البحر الشّرقيّ وبحر فارس المدّ والجزر في كلّ يوم (١٠) وليلة مرّتان ، وهو أن يرتفع البحر نحو عشرة أذرع ثم يهبط حتّى يصير (١١) إلى مقداره الأوّل.

__________________

(١) في الأصل : «مبنا» وفي (س): «مينا وإقلاع».

(٢) في التقويم (٢٣): «تسع وعشرون ونصف».

(٣) وردت في (ر): «هرمزه» وفي التقويم (٢٣): «هرموز».

(٤) في (س): «بين» وفي (ر): «نيز».

(٥) زيادة من (ب) و (ر).

(٦) في الأصل : «غوير».

(٧) في (ر): «حيز» وفي التقويم (٢٣): «خبر».

(٨) نزهة المشتاق ١ : ١٦٤.

(٩) في الأصل : «بهذين».

(١٠) في (س) و (ر): «نهار».

(١١) في (ب) و (س) و (ر): «يرجع».

٣٩

ذكر بحر القلزم

ويسمّى بالخليج الأحمر ولنبتدىء بذكره من القلزم وهي بليدة (١) على طرفه الشّماليّ (٢) حيث الطّول أربع وخمسون وربع ، وقيل ست وخمسون ونصف والعرض ثمان وعشرون وثلث ، ويأخذ البحر المذكور من القلزم جنوبا بميلة إلى الشّرق حتّى يصير عند القصير ، وهي فرضة قوص (٣) حيث الطّول تسع وخمسون درجة والعرض ست وعشرون ، ثمّ يأخذ جنوبا بميلة يسيرة إلى الغرب وذلك عند عيذاب (٤) حيث الطّول ثمان وخمسون درجة والعرض إحدى وعشرون ، ثمّ يمتدّ في سمت الجنوب من غير ميلة حتّى يصير عند سواكن [٦ ب] ، وهي بليدة السّودان (٥) حيث الطّول أيضا ثمان وخمسون درجة والعرض سبع عشرة ، ثمّ يمتدّ جنوبا حتّى يحيط بجزيرة دهلك وهي قريبة من ساحله الغربيّ حيث الطّول إحدى وستون درجة والعرض [أربع](٦) عشرة ، ثم يمتدّ على سواحل الحبشة جنوبا ويصل إلى رأس جبل المندب وهو نهاية بحر القلزم الجنوبيّة عند فم بحر القلزم من بحر الهند ، ويتقارب جبل المندب وبرّ عدن ويبقى البحر بينهما ضيقا حتّى يرى الرّجل صاحبه من البرّ الآخر وهذا المضيق يسمّى باب المندب.

وحكى لي بعض المسافرين أنّ باب المندب دون عدن وهو عنها في جهة الشّمال بميلة إلى الغرب (٧) نحو مجرى وجبال المندب في برّ السّودان. وترى جبال المندب من جبال عدن على بعد ، وهو غاية ضيّق البحر هناك ، وعدن عن

__________________

(١) في (س): «بلدة».

(٢) في (س): «طرف الشّمال» وفي (ر): «طرفه الشّمال».

(٣) في (س) و (ر): «قرص».

(٤) في (س): «غيراب» وفي (ر): «عيزاب».

(٥) في (س): «بلدة السّودان». وفي (ر): «بلدة للسّودان».

(٦) ساقطة من الأصل.

(٧) في (ب) و (ر): «القرب».

٤٠