الإشارات إلى معرفة الزّيارات

أبي الحسن علي بن أبي بكر الهروي

الإشارات إلى معرفة الزّيارات

المؤلف:

أبي الحسن علي بن أبي بكر الهروي


المحقق: الدكتور علي عمر
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ١
ISBN: 977-341-067-6
الصفحات: ١٤١

أسماءهما ، والله أعلم بذلك ، ونيل : مصر من عجائب الدنيا وليس فى الربع المسكون ما يشاكله غير نهر الملتان بالهند وهو نهر يخرج أصله من جيحون ويظهر ناحية الملتان ، وهو مثل النيل فى حلاوته وزيادته ونقصانه ، ويزرع عليه ، وفيه تماسيح وفرس البحر على هيئة النيل.

الطريق من الجيزة إلى مصر القديمة

الأهرام : من عجائب الدنيا ، وليس على وجه الأرض شرقيها وغربيها عمارة أعجب منها ولا أعظم ولا أرفع ، ورأيت بديار مصر أهراما كثيرة منها خمسة كبار والباقى صغار ، فأما الكبار فاثنان عند الجيزة واثنان عند قرية يقال لها : دهشور ، وهرم عند قرية يقال لها : ميدوم ، وقد اختلفت أقاويل الناس فيها وفيمن بناها وما أريد بها ، فمنهم من قال : «إنها قبور الملوك» ومنهم من قال : «إنما عملوها خوفا من الطوفان» وهى مربعة على هذا المثال كل وجه من الهرم على هذه الهيئة ، مساحة كل وجه منها على وجه الأرض تزيد على أربعمائة ذراع ، وارتفاعها فى الجو يقارب أربعمائة بذراع العظم وينتهى رأس الهرم إلى مقدار ثمانية أذرع.

وقيل : إن المأمون فتح هرما منها ، وهو أحد الهرمين اللذين عند الجيزة فوجدوا داخله بئرا مربعة فى تربيعها أبواب يفضى كل باب منها إلى بيت فيه موتى بأكفانهم ، وقيل : إنهم دخلوا ووجدوا فى رأس هذا الهرم بيتا فيه حوض من الصخر على مثال القبر وفيه صنم كالآدمى من الدهنج ، وفى وسطه إنسان عليه درع من ذهب مرصع بالجوهر وعلى صدره سيف لا قيمة له وعند رأسه حجر ياقوت كالبيضة ضوؤه كالنار.

يقول مؤلف هذا الكتاب : دخلت إلى هذا الهرم وصعدت إليه ورأيت هذا الحوض وأصح ما قيل فيها : إنما عملوها خوفا من الطوفان وكنزوا فيها أموالهم ورقموا عليها علومهم فلم ينفعهم من ذلك شىء واندرست آثارهم وذهبت أموالهم وبقيت أخبارهم ، والكتابة التى عليها بقلم الطير لا يعلمه أحد فى الدنيا ، وكذلك البرابى ببلاد الصعيد لا يحل قلمها أحد ، ولا بد أن نذكر فى كتاب العجائب والآثار والأصنام والطلسمات جميع ما سمعناه من أخبار الأهرام والصنم وأبى الهول وجميع البرابى ببلاد الصعيد وحديث الصنم الذي يقال له السيدة بدرب السيدة بمصر ومسالّ فرعون ، إن شاء الله تعالى.

٤١

ذكر مصر القديمة

التى كان بها يوسف الصديق عليه السلام ، بها قبة زليخة ، وبها السجن الذي سجن يوسف عليه السلام به ، وبها مشهد يعقوب عليه السلام ، وبها الأهرام التى خزن يوسف الصديق القمح بها ، وبها من العجائب والآثار البيت الأخضر الذي كان لفرعون ، وهو من عجائب الدنيا وهو حجر أخضر مانع وعليه كتابة بالقلم القديم وهو قطعة واحدة سقفه وأرضه وحيطانه ، ولقد ذرعت طوله وعرضه وارتفاعه ، وإنما كتبى غرقت وأخذت وشذ عنى حقيقة ذلك ، وهذا البيت فى وسط قصر أبيض قد كان مرخّما وهناك أصنام هائلة وصورة فرعون ، ونذكر جميع ذلك فى كتاب العجائب إن شاء الله تعالى.

طغاش : وقبلى مصر من الجانب الشرقى قرية أظن اسمها طغاش ، شرقيها مرقب موسى بن عمران عليه السلام وبه كان مقيما على البحر وبين الجبّين به مسجد من سلف وله حكاية.

أسكر : بلدة بها ولد موسى بن عمران عليه السلام وداره بها وموضع ولادته تزار من الأطراف (١).

بلاد الصعيد

مدينة إتفيح : أول بلاد الصعيد قبليها مقام موسى وموضع قدميه (٢).

منية ابن خصيب : بلدة قبليها مقام إبراهيم عليه السلام من الجانب الشرقى (٣) ، وفى البر الشرقى قبالة المنية قرية تعرف بطهنة عندها بلد يقال له : عين شمس به آثار عجيبة ، وليست عين شمس التى عند المطرية ، ومن بحريها جبل الطير ويقال : الطيلمون ، وهو من عجائب الدنيا ، وذلك أن الطيور تجتمع إليه فى كل سنة وهى طيور يقال لها : بوقير ، وفى رأس هذا الجبل ثقب صغير والجبل مطل من ناحية البحر ولا يبقى طير إلا ويدخل منقاره

__________________

(١) ياقوت ج ١ ص ١٨٢.

(٢) أورده ياقوت ج ١ ص ٢١٨.

(٣) أورده ياقوت ج ٥ ص ٢١٨ ولديه : «منية أبى الخصيب».

٤٢

فى ذلك الثقب ثم يخرج ويعوم فى البحر ، ولا تزال الطيور كذلك إلى أن يقبض ذلك الثقب على طير منها فيبقى معلقا بمنقاره إلى أن يموت ويلقيه ، وكذلك فى كل سنة ، وهذا لا يختلف فيه أحد من أهل البلاد ، وحدثنى رجل كبير من أهل البلاد أنه إذا كانت سنة جيدة قبض الجبل على طيرين ، وإذا كانت متوسطة قبض على طير واحد ، وإذا كانت قليلة الخير لا يقبض شيئا (١) ، والله أعلم ، وبهذا الجبل كنيسة قطعة واحدة قد استخرجوها ونحتوها منه يقال لها : كنيسة الكف ، يقال : إن المسيح عليه السلام أقام بها وبها كفه.

وبالصعيد جبل الساحرة وله حكاية ، وهو صنم مطل على البحر ، وفى بلاد الصعيد وجبالها مغاثر مملوءة من الناس الموتى والطيور والسنانير والكلاب جميعهم بأكفانهم إلى اليوم ، والكفن كأنه قماط المولود عليه أدوية لا تبلى فإذا حللت الكفن عن الحيوان تجده لم يتغير منه شىء.

ورأيت جويرية قد أخذ كفنها وفى يديها ورجليها آثار خضاب بالحناء ، والموميا يؤخذ من رءوسهم ، ولا يعرف من أى أمة هم ، والموميا الذي يؤخذ منهم خير من المعدنى الفارسى ، وبجبال مصر والصعيد حجارة كأنها الدنانير المصرية (٢) والرباعيات وعليها شبه السكة وحجارة كأنها العدس ما لا حد عليه ، يزعمون أنها أموال فرعون وقومه مسخت (٣) قال الله تعالى فى الأعراف : (وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ) (سورة الأعراف : ١٣٧).

بهدال : وغربى المنية قرية تعرف ببهدال بها مشهد ينزل عليه النور ، وهو مشهور بهذه الفضيلة ، والله أعلم.

البهنسة : مدينة بها مسجد الديوان وهو موضع أقام فيه المسيح وأمه سبع سنين (٤) ، وهذا المشهد ظاهر البلد من غربيه وبها البرابى العجيبة والآثار القديمة.

اللاهون : بلد به مسجد يوسف الصديق ، عليه السلام ، والسّكر الذي بناه (٥).

__________________

(١) ياقوت ج ٢ ص ١٠٢.

(٢) لدى ياقوت ج ٣ ص ٤٠٨ وهو ينقل عن الهروى : «المضروبة».

(٣) أورده ياقوت ج ٣ ص ٤٠٨ نقلا عن الهروى.

(٤) ياقوت ج ١ ص ٥١٧.

(٥) أورده ياقوت بنصه ج ٥ ص ٩ ولديه : «والسّكر الذي بناه لردّ الماء إلى الفيوم».

٤٣

الفيوم : مدينة عمرها يوسف الصديق عليه السلام فى ألف يوم ، وعمّر بها ثلاثمائة وستين قرية ، وقيل : منها الآن عامر ثلاث وستون قرية لا غير ، كما ذكروا إلى ، والله أعلم ، وظاهر هذه المدينة مسجده ومقامه (١).

سيلة : قرية من أعمال الفيوم بها مسجد يعقوب عليه السلام (٢).

شانة وبياض : قريتان سمّيتا بأسماء بنات يعقوب عليه السلام وبهما قبورهما (٣).

اللواسى : مدينة خراب بها مسجد موسى بن عمران ، وبها الآلة التى قاس بها يوسف الصديق بحر الفيوم (٤).

إخميم : مدينة بها مقام ذى النون المصرى وبيته ومنها كان ، وبها البربى العجيب وذرعت حجرا من سقف البربى فكان طوله عشرين ذراعا وعرضه خمسة أذرع مثل فى مثل ، وفى البربى الصور العجيبة والآثار الهائلة أيضا والكتابة بقلم الطير (٥).

أنصنا : بلد السحرة به البربى والعمارة العجيبة والآثار الهائلة وكذلك مدينة الأشمونين.

مدينة الأقصر : بها من الآثار والقصور والأصنام وصور السباع والدواب ما لم أر مثله فى بلاد الصعيد ولا فى غيرها ، وذرعت يد صنم من الحجر المانع فكان من المرفق إلى مفصل الكف سبع أذرع ، وكان فى يدى سعفة من جريد النخل فعملتها قلما وكتبت على صدر هذا الصنم : بسم الله الرحمن الرحيم (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (سورة الروم : ٩) وأرخت الكتابة فجاءت من ثدى الصنم إلى ثديه وكتبت تحت هذه الكتابة :

«أين الجبابرة الأكاسرة الألى

كنزوا الكنوز فما بقين ولا بقوا

من كل من ضاق الفضاء بجيشه

حتى ثوى فحواه لحد ضيق

رحم الله من نظر واعتبر»

__________________

(١) ياقوت ج ٤ ص ٢٨٦ وما بعدها.

(٢) أورده ياقوت بنصه ج ٣ ص ٣٠٠.

(٣) أورده ياقوت بنصه ج ٣ ص ٣١٥.

(٤) أورده ياقوت بنصه ج ٥ ص ٢٤.

(٥) ياقوت ج ـ ص ١٢٣ وما بعدها.

٤٤

وسأذكر ما بهذا الموضع من الأصنام والبرابى التى بالصعيد وأصف ذلك على هيئته فى كتاب العجائب إن شاء الله تعالى.

أسيوط : مدينة فى جبالها الموتى والحيوان ، وقد تقدم ذكرهم.

طوخ الخيل : بلد من الجانب الغربى به بليدة يقال لها : المنشيّة بها قبر أرسطاطاليس الحكيم ، وقيل : إن قبره بمنارة الإسكندرية.

قوص : مدينة بها مشهد النبي صلى الله عليه وسلم وبها مشهد على بن أبى طالب ، رأوهما فى المنام ، والله أعلم.

مدينة أسوان : آخر بلاد الصعيد وبلاد الإسلام ، وبها الجنادل وهى حجارة نابتة فى وسط البحر ، فإذا كان وقت زيادة النيل يوضع عليها سرج ، فإذا زاد البحر وأخذها أرسلوا البشير إلى مصر بذلك فينزل فى مركب صغير ويسبق الماء ويبشرهم بزيادة النيل ، وجميع معادن حجارة المانع والعمد التى بالديار المصرية ومسال فرعون وعمد السوارى بالإسكندرية من جبال هذه المدينة.

ورأيت آثار القطاعات فى الجبل والحجارة المانع والعمد مقطوعة ، ورأيت هناك عامودا قريبا من قرية يقال لها : بلاق أو براق ، تسميه أهلها الصقالة ، وهو مانع مجزع بحمرة ورأسه قد غطاه الرمل ، فذرعت ما ظهر منه فكان خمسا وخمسين ذراعا ، وهو مربع كل وجه منه سبعة أذرع ، وفى البحر موضع ضيق ذكروا أنهم أرادوا أن يعملوا منه جسرا ، والله أعلم (١).

الطريق إلى النوبة

مشهد الردينى : وهو موضع مبارك وما وراءه عمارة غير كنيسة للنوبة يحجون إليها ويزورونها وقد شعثها المسلمون عند وصولهم إليها ، وإلى هذا الحد ينتهى حائط العجوز ، والله أعلم.

ذكر حائط العجوز ، وقيل : الحجوز ، وهذا الحائط من عجائب الدنيا ، وذلك أن حد أوله من بلد بلبيس ثم تأملته وهو يظهر على رءوس الجبال وبطون الأودية كذلك مادا إلى

__________________

(١) أورده ياقوت بنصه ج ج ١ ص ١٩١ نقلا عن الهروى.

٤٥

حد النوبة مسيرة شهر زائدا أو ناقصا ، وهذا الحائط لا يجهله أحد من أهل البلاد ، ويقال : إن بالجانب الغربى حائطا مثله ، ويزعمون أن امرأة ملكت البلاد فعمرت هذين الحائطين ، والله أعلم.

عدنا إلى مصر وبلاد بحرى الإسكندرية ودمياط والجزائر

منية العطار : قبالتها من الشرق قرية تعرف بشميرف بها مشهد الخضر عليه السلام يزار من البلاد وله فضيلة ظاهرة (١).

المحلة : مدينة بها مشهد فاطمة الزهراء ومشهد على بن أبى طالب ومشهد الحسين رضى الله عنهم ، رأوهم فى المنام.

سخا : مدينة بجامعها حجر أسود عليه طلسم بقلم الطير : إذا أخرج الحجر من الجامع دخلت إليه العصافير ، وإذا أعيد خرجت منه ، كما ذكر إلىّ أهلها وهذه صورته (٢) ولم يتحقق العمل فيه لأنه يفتقر إلى طالع كما ذكروا ، والله أعلم بذلك (٣).

دمياط : بها البرزخ ، وهو مجمع البحرين : بحر الروم والصين ، يحجز بينهما البر مسيرة يوم وليلة من القلزم إلى الفرما.

وبها موضع يقال له : شطا ، به أربعة من الصحابة رضى الله عنهم ، ولم أعرف أسماءهم ، ومشهد على بن أبى طالب رضى الله عنه رئى فى المنام.

تنّيس : جزيرة فى البحر بها مشهد على بن أبى طالب رضى الله عنه رئى فى المنام ، وبها كوم العظام وله حكاية مع المسيح عيسى بن مريم عليه السلام.

تونة : بلد فى جزيرة بها مشهد النبي صلى الله عليه وسلم ، ومشهد على بن أبى طالب ، وسألت أهل هذه الجزيرة عن المشاهد هل عمرت على اسم النبي صلى الله عليه وسلم وعلى اسم على بن أبى طالب رضى الله عنه فقالوا : «لها حكاية» ثم استدعوا شيخا حسن الوجه فقالوا : «هذا ابتلى بالجذام ورماه أهله فى ناحية الجزيرة خوفا من مرضه وتلف بدنه وهلك ، فلما كان فى بعض الليالى صرخ صراخا عظيما فأتاه الناس وهو قائم ليس به ألم ، فسئل عن حاله فقال : رأيت

__________________

(١) ياقوت ج ٣ ص ٣٦٥.

(٢) وردت هذه الصورة فى المخطوط ولكنها غير واضحة.

(٣) أورده ياقوت بنصه ج ٣ ص ١٩٦.

٤٦

رسول الله صلى الله عليه وسلم فى هذا الموضع فقال : اعملوا هاهنا مسجدا ، فقلت : يا رسول الله أنا مبتلّى وما يصدقونى ، فالتفت إلى شخص إلى جانبه وقال : يا علىّ خذ بيده ، فمد يده إلى فقمت كما ترونى».

سمنيّة : بليدة بها قبر موسى بن شعيب (١).

الطريق من دمياط إلى رشيد

البرلّس (٢) : موضع به اثنا عشر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثغر الإسكندرية

بها جبانة يقال لها جبانة وعلا ، بها قبر المقداد بن الأسود الكندى ، وقد زرناه بالرقة ، وسيأتى ذكره ، والصحيح أنه بالمدينة ، وبها قبر أرمياء النبي عليه السلام بالديماس ، وبها مسجد المواريث يزار ، ومسجد سارية ، والجامع القديم ، ذكروا أن الجامع عمارة الصحابة رضى الله عنهم ، وبها من المساجد والمعابد ما لا رأيته بغيرها ، وذكر لى ابن منقذ أن فيها اثنى عشر ألف مسجد ، فسألت القاضى الكاتب عن ذلك فقال : «إن الملك العزيز عثمان كشف ذلك فوجدوا بها عشرين ألف مسجد» وأنا فما عددتها والله أعلم بصحة ذلك.

ومن عجائب الخليج ، إذا زاد النيل تبقى هذه المدينة كأنها قارورة قد وضعت على الماء ولا يبقى فيها دار إلا ويدخل الماء الذي يحتاج إليه من زيادة الماء ، والطبقة التى تحت المدينة تمشى فيها كما تمشى فى الشوارع ، وهى ثلاث طبقات ، وعمارتها على هيئة رقعة الشطرنج ، وبها المنارة ، وقيل : إنها كانت فى المدينة ، وإن المدينة كانت سبع محجات فأكلها البحر ، ولم يبق منها غير محجة واحدة ، وكانت من موضع يعرف بأبى صير إلى أبى قير ، ويقال : إن قبر الإسكندر بالمنارة مع أرسطاطاليس ، والله أعلم بذلك.

يقول مؤلف هذا الكتاب على بن أبى بكر الهروى : إنما ذكروا منارة الإسكندرية من العجائب لما كان بها المرآة التى ذكروا أن المراكب إذا أقلعت من مسيرة أيام تظهر صورها

__________________

(١) أورده ياقوت ج ٣ ص ٢٥٤ نقلا عن الهروى.

(٢) بفتح الباء والراء قيده ياقوت ، وضبط فى الأصل بضم الباء وسكون الراء ضبط قلم ، والخبر لدى ياقوت بنصه.

٤٧

فيها فيستعدوا للقائها ، وقيل : إنها كانت تحرق المراكب ، وهذا يمكن عمله ، فإن المرآة إذا سامتت شعاع الشمس أحرقت لا سيما ويعضدها البحر ، فإن شعاع الشمس من صقال المرآة وضوء الماء ولمعانه تحرق ولا شك فيه ، قيل : كانت المرآة ستين ذراعا وطول المنارة ثلاثمائة ذراع ، والله أعلم.

وإنما المنارة اليوم ليست من العجائب إنما هى على هيئة مثال برج على ساحل البحر على هيئة المرقب ، بل المنائر العجيبة بمدينة القسطنطانية ، منها منارة موثوقة بالرصاص والحديد فى البضرم ، وهو الميدان (١) ، إذا هبت الرياح تميلها شرقا وغربا وقبلة وشمالا من أصل كرسيّها ، ويدخل الناس الخزف والجوز تحتها فتطحنه (٢).

ومنارة أيضا فى هذا الموضع من النحاس قد قلبت قطعة واحدة إلا أنها لا يدخل إليها (٣).

ومنارة قريبة من البيمارستان قد ألبست النحاس جميعها ، وعليها قبر قسطنطين ، وعلى قبره صورة فرس من النحاس وعلى الفرس صورته ، وهو راكب على الفرس وقوائم الفرس محكمة بالرصاص على الصخر ما عدا يده اليمنى فإنها سائبة فى الهواء كأنه سائر ، وقسطنطين على ظهره ويده اليمنى مرتفعة فى الجو ، وقد فتح كفه وهو يشير نحو بلاد الإسلام ، ويده اليسرى فيها كرة ، وهذه المنارة تبين عن مسيرة بعض يوم للراكب فى البحر ، وقد اختلفت أقاويل الناس فيها فمنهم من يقول : «فى يده طلسم يمنع العدو أن يقصد البلد» ومنهم من يقول : «بل على الكرة مكتوب : ملكت الدنيا حتى بقيت فى يدى مثل هذه الكرة وخرجت منها هكذا لا أملك شيئا» (٤) والله أعلم.

ومنارة فى سوق استبرين من الرخام الأبيض ومن أرضها إلى رأسها صور منبتة نابتة من جسمها أعجب صنعة تكون ، ودرابزينها من النحاس قطعة واحدة ، وبها طلسم إذا طلع الإنسان عليها يقع نظره على المدينة بأسرها ، وسأذكر فى كتاب العجائب صفة هذه المنائر

__________________

(١) لدى ياقوت ج ٤ ص ٣٤٨ وهو ينقل عن الهروى : «والحديد والبصرم وهى فى الميدان».

(٢) آثار البلاد ص ٦٠٥ ، ياقوت ج ٤ ص ٣٤٨.

(٣) ياقوت ج ٤ ص ٣٤٨ نقلا عن الهروى.

(٤) أورده ياقوت بنصه ج ٤ ص ٣٤٨ نقلا عن الهروى.

٤٨

وطولها ودائرها وعدد درجها ، واعتقاد أهل البلاد بها ، وفى الصور التى عليها واختلافهم فى الأصنام النحاس والرخام والطلسم الذي بقبّة الأهوية الأربعة وبلاط الملك ، ونذكر الصليب المجنون وحكايته وهو مستقبل قبلة الإسلام ، والبيمارستانات التى بها ، والأصنام التى بسوق الصرف والطلسمات التى ذكرناها فى كتاب العجائب ، إذ لا يحتمل هذا الكتاب أكثر من هذا.

نعود إلى ذكر زيارات ثغر الإسكندرية والآثار بها

وبالإسكندرية فى المحجة موضع يقال له : القمرة ، به عامود عليه صورة طير يدور مع الشمس ، وبها عامود السوارى مصقول صقال الفصوص والعمد حوله ، ويقال : هذا هو الرواق الذي بنته اليونان ، ولهذا يقال فى كتبهم : «قال أصحاب الرواق» وهذا العامود ذرعته وقد شذ عنى الآن بل أظنه ستين ذراعا ، والله أعلم ، وأظن دائره ثلاثين ذراعا ، وتحته قاعدة مربعة من الحجر المانع قطعة واحدة ، وبها الباب الأخضر يزار ، وبها مسجد التوبة والرحمة والرباط بها عظيم ، وبها دار الإسكندر ، وبظاهرها كنيسة أسفل الأرض عمارة عجيبة ، ومسجد النحات ، عنده شهداء لا تعرف أسماؤهم ، وبجبانتها من الأولياء والصالحين خلق كثير ، وبها السمك الرعاد ، من أمسكه ترعد يده إلى أن يلقيه منها.

وبالجملة فإن ديار مصر ونيلها من عجائب الدنيا ، ورأيت بها فى أوان واحد مجتمع ورد ثلاثة ألوان ، وياسمينا لونين ، ونيلوفرا لونين ، وآسا ونسرينا وريحانا وخيريّا وبنفسجا ومنثورا ونبقا وأترنجا وليمونا مراكبا وطلعا ورطبا وموزا وجميزا وحصرما وعنبا وتينا أخضر ولوزا وقثاء وفقوسا وبطيخا وباذنجانا وباقلاء أخضر ويقطينا وحمصا أخضر وخسا وجوزا أخضر والبقول والرمان وهليونا وقصب سكر ، وهذا ما رأيته فى غيرها.

ولقد وصفها عمرو بن العاص رضى الله عنه فى كتابه إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه سمعت على الشيخ أبى العباس أحمد بن رحال بن عبد الله بن أبى القاسم بن أبى الريان بمصر سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة قال : سمعت على الشيخ أبى عبد الله محمد بن إبراهيم المقرئ قال : حدثنا أبو عثمان القاسم بن جعفر عن أبى داود سليمان بن الأشعث عن عبد الله عن نعيم بن سلامة الحميرى عن محمد بن القاسم الثقفى عن عتبة بن مسعود عن مسلم بن عقبة عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : كتب عمر بن الخطاب رضى الله عنه إلى

٤٩

عمرو بن العاص وكان عامله على مصر يقول له : «أما بعد يا عمرو ، إذا أتاك كتابى هذا فابعث إلىّ جوابه تصف لى فيه صفة مصر وأوضاعها وما هى عليه حتى كأننى حاضرها» فأعاد عليه مكتوبا جواب كتابه يقول له : «بسم الله الرحمن الرحيم ، أما بعد يا أمير المؤمنين ، فإنها برية غبراء وشجرة خضراء بين جبلين جبل رمل وجبل كأنه بطن أقب أو ظهر أجب مكتنفيها ، ورزقها ما بين أسوان إلى منشأ من البر ونتج من البحر ، يخط فى وسطها نهر مبارك الغدوات ميمون الروحات ، يجرى بالزيادة والنقصان كمجارى الشمس والقمر ، له أوان تظهر إليه عيون الأرض وينابيعها مسخرة له بذلك ومأمورة له ، حتى إذا اصلخم عجاجه وتعاظمت أمواجه واغلولت لججه ولم يبق الخلاص إلى القرى بعضها إلى بعض إلا فى خفاف القوارب أو صغار المراكب التى كأنها فى الحبائل ورق الأبابيل ، ثم عاد بعد انتهاء أجله نكص على عقبه كأول ما بدا فى دربه وطما فى سربه ، ثم استبان مكنونها ومخزونها انتشر بعد ذلك ، أمة محقورة وذمة مغفورة ، لغيرهم ما سعوا به من كدهم وما ينالوا بجهدهم شعثوا بطون الأرض وروابيها ورموا فيها من الحب ما يرجون به التمام من الرب ، حتى إذا أحدق وأبسق وأسبل قنواته ، سقاه الله من فوقه الندى ورباه من تحته بالثرى ، وربما كان سحاب مكفهر الوابل ، وربما لم يكن ، وذلك فى زماننا يا أمير المؤمنين ما يغنى ذبابه ويدر حلابه ، فبينما هى برية غبراء إذ هى لجة زرقاء ، إذ هى مدرة سوداء ، إذ هى سندسية خضراء ، إذ هى ديباجة رقشاء ، إذ هى درة بيضاء (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) (المؤمنون : ١٤) وفيها ما يصلح أحوال أهلها ثلاثة أشياء : أولها : لا يقبل قول خسيسها على رئيسها ، والثانى : يؤخذ ثلث ارتفاعها يصرف فى عمارة ترعها وجسورها ، والثالث : لا يستأدى خراج كل صنف إلا منه عند استهلاله ، والسلام» (١).

وذكر لى ابن القاضى الداعى بمصر أن هذا الكتاب كتبه قيس بن سعد إلى على بن أبى طالب رضى الله عنه إلا أننى لم أجد له إسنادا إليه ولا من يرويه فنقلته من هذا الطريق.

__________________

(١) ابن زولاق : فضائل مصر ص ٧٩.

٥٠

بلاد المغرب

برقة : من بلاد المغرب ، بها عند الجامع قبر رويفع بن ثابت.

مدينة القيروان : من بلاد إفريقية من المغرب ، بجامعها من غربيه قبور سبعة من التابعين ذكروا أنهم من السرية التى دخلت البلاد فى زمان عثمان رضى الله عنه ، وبالجامع عمد من الرخام وآثار تدل على أن هذه المدينة كانت أعمر من المهدية ومن تونس.

المنستير : قصور ثلاثة على ساحل البحر قصر العباد يزار.

مدينة تونس : بها قبر المؤدب محرز يقسم به أهل المراكب إذا هاج البحر ويحمل من تراب قبره معهم وينذرون له.

مدينة باجة : بها قبر معبد بن العباس بن عبد المطلب بالمرج وبإفريقية عبد الرحمن والمنيذر الإفريقى.

مدينة قسطنطينية الهواء : بها القنطرة من عجائب العمارات إلا أن القنطرة التى على باب أرجان مما يلى خوزستان التى تنسب إلى الديلمى ـ طبيب الحجاج ـ ليس فى بلاد الإسلام مثلها ، طاق واحد ما بين العامودين مقدار مائة وخمسين خطوة.

وقد ذكرنا فيما تقدم أن بلاد المغرب والعجم لم يطأها نبى ، بل بها من الصالحين والأولياء والزهاد والمحققين ما لو جمع لكان كثيرا ، وقد ذكر أهل الأندلس أن البئر التى بجامع قرطبة من غربيه حفرها المسيح عليه السلام والحواريون معه ، والصحيح أن المسيح عليه السلام لم يتعد مصر وأنه أقام بها سبع سنين مع أمه ، هذا نص الإنجيل ، وقرأت الأناجيل الأربعة فلم أجد أن المسيح دخل بلاد المغرب.

وقد اختلف فى مقامه فى مصر ، فقيل : أقام بالبهنسة ، وهذا هو الصحيح ، وقيل : باللاهون ، ولم يصح ذلك ، وقد تقدم ذكره هذه الأماكن.

وذكروا أن بجامع قرطبة ثلاث سوارى أمام القبلة ألوانها حمر الواحدة فيها مكتوب فيه اسم محمد صلى الله عليه وسلم بالبياض خلقة الله تعالى ، والثانية عليها صورة عصا موسى عليه السلام وصورة أهل الكهف رضى الله عنهم ، والثالثة عليها صورة غراب نوح ، عليه السلام ، كما ذكروا.

٥١

وعندهم فى بر الأندلس موضع يعرف بجنان الورد عنده مغارة يزعمون أن أهل الكهف بها وينزل عليهم النور وينزل إليهم ويراهم الناس ، وأنا فلم أدخل قرطبة ولا جنان الورد ، والله أعلم بالصحيح ، وأصح ما روى أن أهل الكهف بالروم ، وسيأتى ذكرهم إن شاء الله تعالى.

عدنا إلى زيارات البلاد

جزيرة إسقلية : مرسى علىّ : به سبعة من الصحابة رضى الله عنهم فى قبر واحد.

قطانة : من هذه الجزيرة بها شهداء فى مقبرة شرقيها ، ذكروا أنهم نحو ثلاثين رجلا من التابعين رضى الله عنهم قتلوا هناك ، والله أعلم بذلك ، وبين قطانة وقصر يانة شرقى الجزيرة [قبر] أسد بن الفرات صاحب الأسديّات فى الفقه ، من كبار الأعيان (١) رضى الله عنه.

مدينة أطرابلس : من هذه الجزيرة على ساحل البحر غربى الجزيرة مسجد به قبر عائشة ابنة جنادة بن أويس بن جنادة ، أخى أبى ذر رضى الله عنهم.

وبقلعة برزو : قبر حسان بن معاوية بن حديج السكونى ، وقيل : إن هذه القلعة والحصون بهذه الجزيرة فتحت على يده ، وقيل : هذا حسان هو تولى قتل محمد بن أبى بكر وأحرقه ، والله أعلم ، وعن يسار قصر الأمير للمتوجه إلى المدينة قبر جالينوس ، وقد تقدم ذكره ، وبقصر المردانة قبر أبى ذؤيب الشاعر فى جانب سور القصر.

وبجزيرة إسقلية جبل النار مطل على البحر ، شاهق فى الهواء يرى فى النهار الدخان طالع منه وفى الليل النار ، وحدثنى رجل من علماء البلاد أنه رأى حيوانا على شكل السمان رصاصى اللون يطير فى وسط هذه النار ويعود إليها ، وقيل : هو السمندل ، وأنا فما رأيت إلا حجارة سوداء مثقبة مثال حجر الرجل للحمام تقع من هذا الجبل إلى ناحية البحر ، وقيل : بالفرغانة جبل مثله تحرق الحجارة ويباع رمادها ثلاث أواقى بدرهم يبيضون به الثياب.

واجتمعت بجزيرة إسقلية بالقائد أبى القاسم بن حمّود بن الحجر وذكر لى أنه من ولد عمر بن عبد العزيز ، وكنت مرضت فى مسجد عين الشفا ، وهذه العين تزار ، ومنّ الله عز

__________________

(١) ياقوت ج ٤ ص ٣٧٠ نقلا عن الهروى وما بين حاصرتين منه.

٥٢

وجل علىّ بالعافية ، وأحسن هذا القائد إلى وكتب معى كتبا إلى السلطان تحثه على أخذ هذه الجزيرة ، وغرق المركب عند خروجى من هذه الجزيرة وركبت مع قوم من الروم إلى جزيرة قبرس.

جزيرة قبرس

ورأيت بجزيرة قبرس مكتوبا على حجر ما هذه صورته : بعد البسملة وسورة الإخلاص : «هذا قبر عروة بن ثابت ، توفى فى شهر رمضان سنة تسع وعشرين للهجرة» وهذا الحجر مبنى فى حائط الكنيسة الشرقية ، وبها قبر أم حرام ابنة ملحان ، أخت أم سليم رضى الله عنهما ، والله أعلم.

مدينة القسطنطانية

فى جانب سورها قبر أبى أيوب الأنصارى رضى الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم واسمه خالد ابن زيد ، ولما قتل دفنه المسلمون وقالوا للروم : «هذا من كبار أصحاب نبينا ، فو الله إن نبش لا دق بناقوس فى أرض العرب أبدا».

وبها الجامع الذي بناه مسلمة بن عبد الملك والتابعون رضى الله عنهم ، وبه قبر رجل من ولد الحسين رضى الله عنه ، وبها الأصنام النحاس والرخام والعمد والطلسمات العجيبة والمنائر التى تقدم ذكرها والآثار التى ليس فى ربع المسلمين مثلها.

وبها أيا صوفيا وهى الكنيسة العظمى عندهم ، ويقولون : بها ملك من الملائكة مقيم بها ، وقد عملوا دائر مكانه دارابزين من الذهب ، وله حكاية عجيبة نذكرها فى موضعها ، وسأذكر ترتيب هذه الكنيسة وهيكلها وارتفاعها وأبوابها وعلوها وطولها وعرضها والعمد التى بها وعجائب هذه المدينة وأوضاعها وصفة السمك الذي بها وباب الذهب والأبرجة والرخام والأفيلة النحاس وجميع ما بها من العجائب والآثار والأصنام التى فى البضرم وما فعل الملك مانويل معى من الخير والإحسان فى كتاب العجائب إن شاء الله تعالى ، وهذه المدينة هى أكبر من اسمها ، فالله تعالى يجعلها دار الإسلام بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى.

مدينة صالونيك : يقصدها الروم والفرنج ويزورونها.

مدينة رومية الكبرى : بها بطرس وشمعون الصفا وبولص من حوارى المسيح عليه

٥٣

السلام فى توابيت من الفضة معلّقة بالسلاسل فى هيكل الكنيسة العظمى التى لهم ، وبهذه المدينة من الآثار والأصنام والعمد ما يأتى ذكره فى كتاب العجائب ، إن شاء الله ، أما قول الناس : إن لها سبعة أسوار فإذا دخلها الداخل لا يعرف كيف يخرج فلا أصل لهذا الكلام ولا صحة له ، بل لها حبس عمارتها على هيئة الحلزون وإذا حبس به أحد ، لا يهتدى للخروج منه وهذا صورته (١).

وحدثنى من أثق بقوله إنه دخل جزيرة لويزل أقصى بلاد الفرنج ورأى هناك كنيسة بها رهبان وسدنة من قبل البابا وبها ثلاث شجرات ورقها أحمر شديد الحمرة وتحمل كل شجرة من الطيور شيئا كثيرا ويملحون الطيور ويهدونها إلى ملوكهم ، وسألت غيره عن ذلك فأخبرنى بصحته ، وحدثنى أنه رأى فى بلد الريد من بلاد الفرنج نساء ديس المرأة يماس قدميها وإذا خلفت المرأة ثديها (٢) إلى وراء أكتافها التقت رءوس أناملها ، وهذا جميعه ما رأيته ، بل أثق بمن ذكره ، والله أعلم بصحة ذلك.

عدنا إلى ذكر بلاد الروم

شرقى بحر القسطنطينية البرج الذي بناه مسلمة والتابعون.

مدينة نيقيا : من أعمال إصطنبول ، على البر الشرقى ، وهى المدينة التى اجتمع بها آباء الملة المسيحية ، وكانوا ثلاثمائة وثمانية عشر أبا ، ويزعمون أن المسيح عليه السلام كان معهم فى هذا الجمع ، وهو أول المجامع لهذه الملة ، وبه أظهروا الأمانة التى هى أصل دينهم وصورهم وصورة المسيح على كراسيهم بهذه المدينة فى بيعتها ، ولهم فيها الاعتقاد العظيم (٣).

__________________

(١) وردت هذه الصورة فى المخطوط ولكنها غير واضحة.

(٢) ظ : «يديها».

(٣) أورده ياقوت بنصه ج ٥ ص ٣٣٣ نقلا عن الهروى ، والقزوينى كذلك ص ٦٠٨.

٥٤

الطريق من هذه المدينة إلى بلاد الروم الشمالية

قبر أبى محمد البطال على رأس تل فى حد تخوم البلاد (١).

عمورية : بها قبور جماعة ، استشهدوا مع المعتصم رضى الله عنهم ، وبها آثار عجيبة نذكرها فى موضعها.

سلطان وكى : وهو موضع عجيب ويقال له أيضا : الثيرما بالرومى ، ويقال له : أو كرم ، وهو على تخوم البلاد وحد الكافر ، وبهذا الموضع آثار آزاج معقودة ، وتحتها الماء الذي ليس مثله فى البلاد فى صفائه وحرارته وحلاوته ومنفعته ، يقصده أصحاب الأمراض من البلاد ، وسنذكر صفته والحيات التى به فى كتاب العجائب ، إن شاء الله تعالى.

مدينة قونية : بها قبر أفلاطون الحكيم بالكنيسة التى إلى جانب الجامع (٢) ، ورأيت فى بستان قمر الدين سريرا من الرخام عليه صورة رجل وامرأة نياما تحت إزار والجميع مستخرج من جسم الرخام وذرعته طولا وعرضا ، وسأذكره فى كتاب العجائب إن شاء الله تعالى.

مدينة قيصرية : بها حبس محمد بن الحنفية بن على بن أبى طالب رضى الله عنه وبها جامع البطال ، وبها البصرم به آثار قديمة ، وبه قبة الخيالة ، وبه الحمام الذي ذكروا أن بليناس الحكيم عمله للملك قيصر يحمى بسراج ، والله أعلم.

وعنده جبل عسيب به قبر امرئ القيس شاعر العرب ، ولذلك قال :

أجارتنا إن الخطوب تنوب

وإنى مقيم ما أقام عسيب

أجارتنا إنا غريبان هاهنا

وكل غريب للغريب نسيب (٣)

ذكر الأبروق : هو موضع ببلاد الروم يزار من الآفاق ، وبلغنى أنه به شهداء من عهد

__________________

(١) أورده ياقوت بنصه ج ٥ ص ٣٣٣ نقلا عن الهروى.

(٢) أورده ياقوت بنصه ج ٤ ص ٤١٥ نقلا عن الهروى.

(٣) ديوانه ص ٣٥٧.

٥٥

عمر بن الخطاب رضى الله عنهم وأنهم لا يبلون ولا يحلقون رءوسهم ويقلمون أظفارهم فقصدته لأنظر حقيقة ذلك ، وهو فى لحف جبل يدخل إليه من باب برج ، ويمشى الداخل تحت الأرض إلى أن ينتهى إلى موضع واسع ، وهو جبل مخسوف تبين السماء من فوقه ، وفى وسطه بحيرة ودائرها بيوت الفلاحين وهم قوم من الروم مزدرعهم ظاهر الموضع وبيوتهم داخله ، وهناك كنيسة لطيفة ومسجد ، فإن كان الزائر مسلما أتوا به إلى المسجد ، وإن كان نصرانيا أتوا به إلى الكنيسة ، ثم يدخل إلى بهو فيه جماعة قد قتلوا وآثار طعنات الأسنة وضربات السيوف فيهم ، ومنهم من قد راح بعض أعضائه ، وعليهم ثياب من القطن لم يتغيروا ، وهناك أيضا فى موضع آخر أربعة قيام قد أسندوا ظهورهم إلى حائط المغارة ومعهم صبى قد وضع رأسه على يد واحد منهم طوال من الرجال أسمر اللون وعليه قباء من القطن وكفه مفتوح كأنه يصافح ورأس الصبى على زنده ، وإلى جانبه رجل على وجهه ضربة وقد قطعت شفته العليا وظهرت أسنانه وهم بعمائم ، وهناك أيضا تابوت فيه امرأة وعلى صدرها صغير وحملة ثديها فى فيه ، وهناك أيضا خمس أنفس قيام ظهورهم إلى حائط الموضع ، وهناك أيضا فى موضع عال سرير عليه اثنا عشر رجلا فيهم صبى مخضوب بالحنا يداه ورجلاه ، والروم يزعمون أنهم منهم ، والمسلمون يقولون : إنهم من أصحاب عمر بن الخطاب رضى الله عنه ماتوا هناك صبرا ، وأمّا حلق رءوسهم وتقليم أظفارهم فليس لذلك صحة إلا أنهم قوم قد يبست جلودهم على العظام ولم يتغيروا (١) ، والله أعلم بذلك.

مدينة أبلستين : قريب منها بلد خراب يقال له : أبسس يقال : إنه بلد دقيانوس ، وبه آثار عجيبة وعمارة قديمة ، وغربى هذه البلدة الكهف ، وهو كما قال الله عز وجل فى كتابه العزيز ووصفه بقوله : (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ...) الآية (سورة الكهف : ١٧) وقد تقدم ذكر الكهف والرقيم ، وهذا أصح ما روى ، والله أعلم بالصحيح.

مدينة ملطية : قيل بناها الإسكندر ، ويقال : إن جامعها بنته الصحابة والتابعون رضى الله عنهم (٢) والله أعلم بصحة ذلك.

مدينة أرزن الروم : بها قبر الحجاج بن علاط.

__________________

(١) أورده ياقوت بنصه ج ـ ص ٧١ نقلا عن الهروى.

(٢) ياقوت ج ٥ ص ١٩٢.

٥٦

نعود إلى ذكر زيارات البلاد وأطراف الشام والخابور وديار بكر

وجزيرة ابن عمر والموصل

مدينة الرّصافة : بها قبور جماعة من الصحابة والتابعين لم أعرف أسماءهم ، والله أعلم.

مدينة بالس : بها مشهد على بن أبى طالب ، وبها مشهد الطرح ، وبها مشهد الحجر يقال : إن رأس الحسين رضى الله عنه وضع عليه عندما عبروا بالسبى ، والله أعلم.

مدينة منبج : بها الحكم بن المطلب بن عبد الله بن عبد المطلب بالمقبرة العتيقة قد اندرس قبره ، وبها مشهد الخضر عليه السلام ، وبها مشهد النور يزعمون أن بعض الأنبياء عليهم السلام به ، ويقولون : إنه خالد بن سنان العبسى الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ذاك نبى أضاعه قومه» وهو القائل لقومه : «إذا مت ودفنت ستجىء عانة من حمير يقدمها عير أقمر يضرب قبرى بحافره ، فإذا رأيتم ذلك فانبشوا عنى فإنى أخبركم بما يكون إلى يوم القيامة» فلما مات رأوا ذلك فاختلفوا فى نبشه ، وقصته مشهورة ، والله أعلم ، وبها مسجد المستجاب ، وبها قبور جماعة من الصالحين ، ويقال : إنه كان بها هيكل القمر تحج إليه الصابئة ، وقيل : إنما كان بمنبج القديمة ، والله أعلم.

البليخ : به قبر الوليد بن عقبة.

الذّهبانة (١) : موضع به مولد إسماعيل ، ومقام إبراهيم عليه السلام ، وقيل : إن إسماعيل ولد بأرض الحجاز ، هكذا فى التوراة فى الجزء الثالث من السفر الأول.

صفّين : موضع كانت به الوقعة بين على بن أبى طالب ومعاوية رضى الله عنهما به شهداء رضى الله عنهم لا تعرف قبورهم ، مثل : بشير بن عمرو بن محصن ، وثابت بن عبيد الأنصارى ، وصفوان ، وسعيد بن حذيفة بن اليمان ، وحكيم بن حزام ، وحازم بن أبى حازم ، وخزيمة بن ثابت ، وعبيد الله بن عمر بن الخطاب ، وذى الكلاع ، وحوشب بن طخية ، وأبى الهيثم بن التّيّهان ، وعبيد الله بن التّيّهان ، والمهاجر بن خالد ، وأبى اليقظان العنسى وهو الذي روى

__________________

(١) ظ : «الذهبانيّة» ولدى ابن عبد الحق : «الذهبانية ، وتعرف بالذهبانة».

٥٧

فيه : «تقتل عمارا الفئة الباغية» وقال لمعاوية : «ما بينى وبينك إلا قتل عمار» قال «قتله من حمله من الكوفة إلينا» وهذا غلط إذا النبي قتل أهل أحد وبدر. وحابس بن سعد الطائى ، صاحب المنام ، وجماعة من الصحابة لم أر لأحد منهم قبرا ، وأما المنام فإن حابسا بن سعد رأى كأن الشمس والقمر يقتتلان ومع كل واحد خلق كثير ، ففسر منامه على عمر بن الخطاب رضى الله عنه فقال له : «مع أيهما كنت» فقال : «مع القمر» قال : «لا وليت لى عملا أبدا إذ كنت مع الآية الممحوة» قال الله تعالى : (فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً) (سورة الإسراء : ١٢) فلما كان يوم صفين كان حابس رضى الله عنه مع أصحاب معاوية فقتله أصحاب على بن أبى طالب رضى الله عنهم ، وبصفين مشهد على بن أبى طالب رضى الله عنه.

وبين قلعة جعبر والرقة واد به حجارة على شكل الخوخ واللوز وغيرهما ما لم أر مثله إلا بواد بين الإسكندرية وأطرابلس الغرب شرقى موضع يقال له : لك ، فإن هناك واديا أى شىء وقع فيه تحجر وصار حجرا ، وأخذت من هذا الوادى حية قد صار حجرا بقدرة الله تعالى ، وهى عندى إلى الآن ، وبين خراسان إلى كرمان عن يمين الذاهب حجارة على صور الفواكه واللوز والتفاح والخوخ والشجر وصور الناس أيضا ، وفى بلد الحومة من أعمال حلب قرية يقال لها : كفر الزيت ، فى أرضها حجارة تشاكل اللوز والكعك والكليجه ، ولها حكاية عجيبة ، والله أعلم بالصواب.

مدينة الرّقّة : بها مشهد على بن أبى طالب رضى الله عنه وبها مشهد الجنائز وبه المردى الذي جاءوا بالشهداء عليه فى الفرات ، وبها الجامع القديم ، وبها قبر يحيى بن عبد الله بن الحسين بن على بن أبى طالب رضى الله عنهم ، وبها حجرة السلميين ، وبها تسعة من أخوال النبي صلى الله عليه وسلم إخوة حليمة السعدية ، وبها حجرة صعصعة بن صوحان العبدى رضى الله عنه ، صاحب على ابن أبى طالب رضى الله عنه ، وبها قبر سالم بن أحمد ، وقبر ابن كدّام الدم ، وقبر المقداد بن الأسود الكندى ، والصحيح أن المقداد بالمدينة ، وبها قبر سالم بن الجنيد رضى الله عنه صاحب على بن أبى طالب رضى الله عنه ، وبها قبر حصن بن عدى الكلبى رضى الله عنه ، وقبر حابس بن سعد ، وقبر نافع بن هلال ، وهلال بن نافع ، وقبر سكن بن مرة ، وقبر أويس القرنى رضى الله عنه ، وقد ذكرناه فيما تقدم ، وهذا هو الأصح ، وقبر عمار بن ياسر رضى الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبها جماعة من الأولياء والصالحين رضى الله عنهم.

٥٨

مدينة حرّان : بها مشهد إبراهيم عليه السلام ، ويعرف بمشهد الصخرة ، يقال : إنه كان يجلس عليها ينتظر غنمه ، وقيل : حران بناها هاران أخو إبراهيم عليه السلام فنسبت إليه ، ولم يصح ذلك وإنما بناها سام بن نوح (١) عليه السلام ، والله أعلم.

فدّان : قرية من أعمال حران يقال : بها مولد إبراهيم عليه السلام (٢) ، وقد ذكرناه فيما تقدم ، وسيأتى ذكره فى رحلة العراق ، إن شاء الله تعالى ، وبجبانة حران من الأولياء والصالحين خلق كثير رضى الله عنهم.

مدينة الرّها : بها مسجد عمر بن الخطاب رضى الله عنه ، وبها آثار قديمة.

كفر توثة : بلدة بها شهداء لا يعرفون ، وقرأت على منارتها مكتوبا سورة الإخلاص وتأريخ بنائها سنة خمس وخمسين ومائة ، والله أعلم.

بلد دنيسر : بلدة من أعمال قلعة ماردين بها قبر يزعمون أنه قبر عمرو بن جندب ، وظهر سنة إحدى وستين وخمسمائة.

مدينة دارا : بها مشهد أم اليمن ، ومشهد الخضر ، ومن قبليها حجر خارج من السور مقدار ذراع مثال الميزاب به طلسم لريح اللقوة ، وقد جرب ، وبها آثار قديمة من عهد الملك دارا.

مدينة ميافارقين : بها المساجد الثمانية يزعمون أن الصحابة رضى الله عنهم عمروها وهى : مسجد خزيمة ، ومسجد الطائى ، ومسجد إبراهيم ، ومسجد الخنادقى ، ومسجد ياسين ، ومسجد أبى خالد ، ومسجد حرملة ، ومسجد على بن أبى طالب رضى الله عنه ، وبها محراب عمر بن الخطاب رضى الله عنه رئى فى المنام ، وقبر الحكم بن هشام ، وقبر الشاكرى ، وقبر اليسع ، وقد زرناه فيما تقدم ، وقبر المنذر بن إسحاق ، وقبر اليسع بن خلف ، وقبر إبراهيم بن وهب ، وقبر محمد بن الكازرونى رفيق أبى إسحاق الفيروزبادى ، وبها مسجد عترى ، وله حكاية ، وبها موضع يقال له : الجميلات ظاهر البلد ، عنده قبور جماعة من التابعين لم أعرف أسماءهم ، وبها مسجد الصخرة ، وله حكاية ، وبجبلها دير عباد ، وله حكاية ، وهو الآن مشهد يزار ، وكان بها طلسم الكلاب من العصر لا يبقى فيها كلب إلا ويخرج إلى قرية يقال

__________________

(١) ياقوت ج ٢ ص ٢٣٥.

(٢) ياقوت ج ٤ ص ٢٣٨.

٥٩

لها الكلبية على باب البلد ، وبها طلسم الحية وهى صورة حية لها رأسان ، وهذا الطلسم فى بيعة مرت دارس.

زوق معاذ : ومن أعمالها قرية تعرف بزوق معاذ يقولون : بها قبر معاذ بن جبل ، والصحيح الذي تقدم ذكره ، والله أعلم.

مدينة آمد : بها مسجد جبرئيل عليه السلام ، رئى فى المنام يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وله حكاية ، وبها مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبها مسجد على بن أبى طالب رضى الله عنه ، ومسجد أبى بكر رضى الله عنه ، ومسجد عمر بن الخطاب رضى الله عنه ، رأوهما فى المنام ، وبها تل توبة ، وله حكاية ، وبها قبر الشيخ سعد ، من كبار الأولياء ، ورأيت لقبره آية عظيمة ، وبجبانتها جماعة من الصالحين.

قلعة أكل : بها ذو الكفل ، والصحيح أنه بالعراق ، والله أعلم.

مدينة نصيبين : بها مشهد على بن أبى طالب رضى الله عنه ، وبه شجرة عنابة ، ولها حكاية ، وبها كف على بن أبى طالب رضى الله عنه فى مسجد باب الروم ، وبها مسجد أبى هريرة رضى الله عنه فى محلة الزاهر ، وعلى بابه حجر فيه خط باليونانى يصلح لوجع الظهر ، وقد جرّب ، وبها مسجد زين العابدين رضى الله عنه ، وبها مشهد الرأس فى سوق النشابين يقال : إن رأس الحسين رضى الله عنه علق به لما عبروا بالسبى إلى الشام ، وبها مشهد النقطة يقال : إنه من دم الرأس هناك ، والله أعلم ، وبها مسجد بنى بكرة وهو أول مسجد عمر بها ، وهو كان الجامع القديم ، وبها مسجد النبي صلى الله عليه وسلم عند الحضيرة ، رئى فى المنام ، وبها مسجد باب سنجار ، كان به مصحف عثمان بن عفان رضى الله عنه ، وبها قبالة باب الناصرة من الشرق قبر جبر بن إسحاق رضى الله عنه ، والله أعلم بالصواب.

مدينة سنجار : بها مشهد على بن أبى طالب رضى الله عنه على الجبل ، وبها تل قنبر ، ويقال إن سن جبلها ضرب سفينة نوح عليه السلام فثلمها فسميت سنجار لأنه جار عليها والصحيح أنه بناها سنجار بن مالك بن الذعر فنسبت إليه وكذلك آمد نسبت إلى آمد بن السيد لأنه بناها وكذلك الرّها نسبت إلى الرها ابنة البليد بن مالك بن الذعر لأنها عمرتها (١) والله أعلم بذلك.

__________________

(١) ياقوت ج ٣ ص ٢٦٢.

٦٠