تاريخ أهل عمان

المؤلف:


المحقق: دكتور سعيد عبد الفتاح عاشور
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الطبعة: ٢
الصفحات: ١٨٩

ذكر الإمامين ومن بعدهم من الأئمة

المنصوبين في عمان بعدما اختلفت كلمتهم

الإمام سعيد بن عبد الله : ـ

سعيد بن عبد الله بن محمد بن محبوب بن الرحيل بن سيف بن هبيرة [القرشي](١) وسيف بن هبيرة [هذا](٢) كان فارسا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم أعلم له (٣) تاريخا : متى وقعت العقدة له ، ولا كم أقام في الإمامة (٤) ووجدت أن أول من عقد للإمام سعيد بن عبد الله [هو أبو محمد](٥) الحواري بن عثمان ، ثم عبد الله بن محمد بن أبي المؤثر : وكانت بيعته على الدفاع (٦).

وبلغنا عن محمد بن روح ـ رحمه الله ـ أنه قال :

كان الإمام سعيد بن عبد الله أعلم الجماعة العاقدين له ، والذين كانو معه.

__________________

(١) ما بين حاصرتين إضافة من تحفة الأعيان للسالمي (ج ١ ، ص ٢٧٥)

(٢) ما بين حاصرتين إضافة للتوضيح

(٣) أى للإمام سعيد بن عبد الله

(٤) جاء في تحفة الأعيان للسالمي (ج ١ ، ص ٢٥٧) ما نصه «غير أن ظاهر الحال يقضي بأن بيعته كانت في السنة العشرين بعد الثلاثمائة)»

(٥) ما بين حاصرتين إضافة لإيضاح المعنى

(٦) جاء في كتاب (عمان : تاريخ يتكلم : تأليف محمد بن عبد الله السالمي وناجى عساف ص ١٢٧) ما نصه : «وإمام الدفاع ينتخب في الظروف الحرجة التى يعم بها الخطر ، فيختار أعلام المسلمين رجلا من الأبطال ليلم الشعث ويوحد الصفوف ويقودهم إلى المعركة ، وربما لم تتوفر فيه كل الشروط التى يجب توافرها في الإمام ، وإذا استطاع رد العدو ودحره نظر في إمامته فإما أن يبقى أو يطلب منه الاعتزل فيعتزل ، وإذا رفض أن يعتزل بنفسه يقتل أو يطرد قسرا».

٨١

معه. وقد تظاهرت الأمور معنا من أهل الدار ممن ينتحل نحلة الحق على الإجماع على ولايته وهو ولينا وإمامنا ، رحمه الله.

ولم نعلم أن أحدا تكلم في عقد إمامته بعيب ، ولا في [م ٢٩٨] سيرته ، ولا ترك ولايته.

وقد عرفنا عن عبد الله بن محمد بن أبي المؤثر ـ رحمه الله ـ أنه قال : لا نعلم في أئمة المسلمين كلهم بعمان أفضل من سعيد بن عبد الله ، كان إمام عدل ، وعالما وقتل شهيدا ، وجمع ذلك كله ، رحمه الله إلا أن يكون الجلندى بن مسعود مثله ، أو يلحق به.

وعرفنا عن الشيخ محمد [بن سعيد](١) بن أبي بكر ـ رحمه الله أنه قال : إن الإمام سعيد بن عبد الله أفضل من الجلندى بن مسعود ، وما أحقه بذلك إنه كان إماما عادلا صحيح الإمامة ، من أهل الاستقامة ، عالما في زمانه ، يفوق أهل عصره وأوانه.

ووجدت تاريخا للوقعة التى قتل فيها الإمام سعيد بن عبد الله ـ رحمه الله ـ سنة ثماني وعشرين بعد ثلاث مائة ، والله أعلم. وسبب هذه الوقعة كانت امرأة من الغشب من الرستاق ، مدوحة حبا على الشمس (٢) فجاءت شاه وأكلت الحب ، فرمتها بحجر فكسرت يدها فجاءت صاحبة الشاة ، فجعلت تضرب المرأة التى [م ٢٩٩] رمت الشاة واستغاثت [هذه الأخيرة](٣) بجماعتها ، فجاء أحد من جماعتها ، وجاء أحد من جماعة المرأة الأخرى ، فكان كل فريق يثيب (٤) فريقه ، ووقعت بينهم صكة (٥)

__________________

(١) ما بين حاصرتين إضافة من كتاب الفتح المبين لابن رزيق (ص ٢٤٠) وكتاب تحفة الأعيان للسالمي (ج ١ ، ص ٢٧٦)

(٢) أى نشرت حبا ليحف في حرارة الشمس

(٣) ما بين حاصرتين إضافة لضبط المعنى

(٤) أثيبوا أخاكم أى جازوه على صنيعه ، يقال أثابه يثيبه إثابة ، والمقصود هنا ناصره

(٥) معركة ومشاجرة وتلاحم

٨٢

عظيمة فجاء الإمام سعيد بن عبد الله ـ ومعه أحد من عسكره ـ على معنى الحاجزين بين الفريقين ، فقتل في تلك المعركة.

الإمام راشد بن الوليد :

ثم من بعده ولي راشد بن الوليد ، ذلك أنه اجتمع الشيخ عبد الله بن محمد بن أبي المؤثر ، والنعمان بن عبد الحميد ، وأبو محمد عبد الله بن محمد بن صالح ، وأبو المنذر بن أبي [بن](١) محمد بن روح ، وكان هؤلاء في تلك الجماعة التي حضرت في ذلك الوقت ، وهم المنظور إليهم والمشار عليهم ، كنحو كانت الجماعة التى حضرت البيعة للإمام سعيد بن عبد الله في زمانهم وأيامهم ، لا ينكر أهل المعرفة فضلهم ، ولا يجهلون عدلهم ، ولا يجدون في حضرتهم من أهل طرف في زمن من الأزمنة مؤتمنون على جميع دينهم بذلك [م ٣٠٠] جاء الأثر ؛ والحجة ممن حضر قائمة على من غاب أو شهد ، وليس للشاهد أن يغير ، ولا للغائب (٢) أن ينكر ، ولا للداخل أن يخرج ، ولا للقائل (٣) أن يرجع.

فاجتمعوا في بيت كان ينزل فيه راشد بن الوليد بتروى ، وكان المقدم فيهم أبو محمد عبد الله بن محمد بن أبي المؤثر ، فاجتمعوا جميعا على الواقف عن موسى بن موسى وراشد بن النظر (٤) ، والمتبرىء منها جميعا في الولاية (٥).

__________________

(١) الإضافة لتصحيح الاسم من تحفة الأعيان للسالمي (ج ١ ، ص ٢٨٠)

(٢) في الأصل (للغايب)

(٣) في الأصل (للقايل)

(٤) النضر

(٥) أي اجتمعوا على المأثور عن موسى بن موسى وراشد بن النظر فيما يتعلق بالولاية.

(أنظر ما سبق)

٨٣

ثم بايعوا الإمام راشد بن الوليد على سبيل الدفاع ، وخرجوا إلى الناس بالبطحاء من نزوى في جماعة من أهل عمان : من نزوى ومن سائر (١) القرى ، من شرق عمان وغربها ، ومن أهل العفاف منهم والفضل والجاه والرئاسة (٢) مستمعون لذلك مطيعون لم يظهر لأحد منهم كراهية ولا نكيرة.

ثم قام أبو محمد عبد الله بن محمد بن [أبي](٣) شيخة على رأسه خطيبا بين الجماعة فخطب له بالإمامة ، وأخبر الناس ، وأمرهم بالبيع له ، فبايع الناس له شاهرا ظاهرا ؛ لا ينكر ذلك من الناس منكر ، و [م ٣٠١] ولا يغير منهم مغير (٤).

ودخل الناس في بيعته أفواجا ، ووفد على ذلك الوفود ، وأخذ عليهم المواثيق والعهود وبعث العمال والولاة على القرى والبلدان ، وصلى بنزوى الجمعات ، وقبض هو وعماله الصدقات ، وجهز الجيوش وعقد الرايات وأنفذ الأحكام ، وجرت له فيما شاء الله من المصر الأقسام.

ولم يبق بلد من عمان لم يغلب عليه السلطان ، أو نأى (٥) عنه في تلك الأيام وذلك الزمان إلا جرت فيه أحكامه ، وثبتت عليهم أقسامه ، وأقر في ظاهر الأمر أنه إمامه ، من غير أن يظهر منه [في](٦) شيء من سيرته ، ولا علانيته ولا سريرته ، شدة و [لا](٧) غلظة يخاف بها ويتقى ولا هوادة ولا ميل يطمع فيه بذلك ويرتجي ، فيصانع عن تقية ،

__________________

(١) في الأصل (ساير)

(٢) في الأصل (الرياسة)

(٣) ما بين حاصرتين إضافة من تحفة الأعيان للسالمي (ج ١ ص ٢٨٠)

(٤) في الأصل (مغيرهم)

(٥) في الأصل (ناء عنه)

(٦) ما بين حاصرتين إضافة لضبط المعنى

(٧) ما بين حاصرتين إضافة لضبط المعنى.

٨٤

[أو](١) يخدع لطمع أو رجية.

بل كان ـ رحمه الله ـ للرعية هينا ، رفيقا بآرائهم ، شفيقا غضيضا (٢) عن عوراتهم ، مقيلا لعثراتهم ، بعيد الغضب عن مسيئهم قريب الرضى عن محسنهم مساويا في الحق [م ٣٠٢] بين شريفهم ودينهم وفقيرهم وغنيهم ، وبعيدهم وعسيرهم. منزلا لهم منازلهم ، متفقدا لأمورهم وأحوالهم. مشاورا لمن هو دونه منهم ، قابلا من مشاورتهم ما يأمرونه.

فلم يزل على ذلك ، يتجشم من رعيته الصبر على الكروب ، ومفارقة السرور والمحبوب ، ويصبر على الشتم والأذى ، ويسمع منهم الخنا والقذى (٣) وهو يتأنى في تلك الأمور ، ويرجو من الله الدائرة (٤) أن تدور.

وكثير من أهل مملكته ومصره يتربصون به الدوائر (٥) ، ويسرون له أقبح السرائر (٦) تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر ، وما تخفي صدورهم من الغل والحسد أعظم وأكبر ، وقد استحوذ عليهم الشيطان ، وغلبت (٧) عليهم العداوة والشنآن ، حتى آلت به الأمور ، وجرت عليه من الله المقدور : أن ظهر من عامة رعيته التخلف عنه والخذلان وظهر من

__________________

(١) في الأصل (ولا يخدع)

(٢) في الأصل (غظيظا) جاء في لسان العرب : غض طرفه وبصره ، يغضه غضا

وغضاضا وغضاضة ، كفه وخفضه.

(٣) في الأصل (القذا) ؛ أي يسمع منهم الفحش والعيب

(٤) في الأصل (الدايرة)

(٤) في الأصل (الدايرة)

(٥) في الأصل (السراير)

(٦) في الأصل (وغلب).

٨٥

خواصه المعاندة والعصيان ، والمداهنة عليه للسلطان (١) والمباشرة له بذلك [م ٣٠٣] بالقول واللسان.

وخرجوا إلى السلطان مظاهرين ، وتألبوا إلى ذلك متناصرين فمنعهم عن ذلك جبرا ؛ وقسرهم على التخلف عن ذلك قسرا فوقع بينه وبين عامتهم العداوة والشحناء وفارقوه على ذلك من قرية بهلا مغتضبين ، معاندين له على ذلك محاربين ، متوحدين عليه في ذلك متعنتين ، وقد سار السلطان بالسر مقبلا ، وهو (٢) في نفر من الضعاف أقلاء (٣) ، وقد انفضت جماعتهم ، وصحت معه عداوتهم. وإنما خرج من نزوى في ردهم عن خروجهم ذلك في حرب العدو المقبل عليه.

فلما رأى ما نزل به من الحالات ، وبان له من العداوة والعصيان ، واستضعفت نفسه ومن معه عن لقاء السلطان ، وخاف أن يدهموه على المكان ، تحير (٤) بمن معه من بهلا إلى كدم. ورجا (٥) أن يكون قد استوثق لنفسه في ذلك وحزم.

فلم يزل بكدم (٦) ، حتى صح معه أنهم دخلوا الجوف (٧) ، فداخله ومن [م ٣٠٤] معه من الضعفاء الخوف ، فانحازوا هناك إلى وادي

__________________

(١) عمل العباسيون في عهد الإمام راشد على ضم عمان وفرض سيطرتهم الفعلية عليها وعند ما تصدى الإمام لهم مدافعا عن استقلال بلاده خذله الناس وانصرفوا عنه ، فحلت به الهزيمة وهرب إلى الجبال ، ثم مات سنة ٣٤٢ ه‍ وانقطع بموته عهد الإمامة

(٢) يعني الإمام راشد بن الوليد

(٣) في الأصل (وهو في نفر من الضعفاء في الضعاف أقلاء)

(٤) في الأصل (فتحير)

(٥) في الأصل (ورجى)

(٦) في الأصل (فلم يزل بكلام حتى لعله بكدم)

(٧) في الأصل (الجرف).

٨٦

البحر (١) ودعا إلى حرب السلطان من حضره ، واستنصر عليه من قدر عليه ونصره ، واجتهد في ذلك وصبر ، ودعا إلى ذلك واستنصر ، وراح في ذلك وأبكر ، وأقبل في ذلك وأدبر فأمده الله بمن أمده ، فأيديهم طاقته وجهده. فجيش (٢) إليهم أنصاره ، وأعانه [في] الأمر [من] لا غناية له عنه من خاصته وإخوانه (٣) ، وقعد لهم في مكانه.

وكان السلطان وأعوانه بنزوى نازلين وكان (٤) تخلفه عن الحرب برأي من حضره من إخوانه ، وأهل صفقته ورجا أن يكون في تخلفه عز للإسلام وأهله ، وقوة لعدله ونصره وكان تخلفه عن الجيش الذى بعثه (٥) السلطان الجائر (٦) بنزوى ، قريبا من المجازة إلى عقبة بيح [و] لم يكن عنهم ببعيد ، فأتى الله بالمقدور ، وما قد علم الله أن تصير إليه تلك الأمور فهزم (٧) أنصاره ، وغلبوا وولوا عنه ، وأدبروا مع ذلك وهربوا ، فانفضت هنالك [م ٣٠٥] جماعتهم ، وزالت رايتهم وخرج مخذولا مغلوبا ، خائفا (٨) يترقب مطلوبا وكان ذلك صحوة النهار ، فلم يكن عشيا من يومه ذلك ، حتى انفض عنه جميع من كان معه ووقعت الغلبة واليأس. وآيس مع ذلك من نصر الناس.

__________________

(١) هذا في المتن ، وكذلك في الفتح المبين لابن رزيق (ص ٢٤٣) وفي تحفة الأعيان للسالمي (ج ١ ، ص ٢٨٣) وادى النخز

(٢) في الأصل (فحسن)

(٣) العبارة في الأصل بها اضطراب ، ونصها (وأعانه الأمر لا غاية له من خاصته وإخوانه) وما بين حاصرتين إضافات لضبط المعنى

(٤) يعنى الإمام راشد بن الوليد

(٥) في الأصل (الجيش إلى أن بعثه)

(٦) في الأصل (الجايز)

(٧) في الأصل (فهزموهم)

(٨) في الأصل (خايفا)

٨٧

فاستولى السلطان الجائر (١) على جميع عمان ، من جميع النواحي والبلدان وأقبل الناس في المصانعات ، وأقبل السلطان الجائر إليهم بالسخريات (٢) والمداهنات ، حتى دانت لهم النواحي.

والإمام خائف (٣) في رؤوس الجبال والمسافي (٤) ؛ مشفق من السلطان والرعية ، يترقب في كل موضع نزول المنية. وأن تدهمه (٥) في مرقده وفي منامه [بلية](٦) وأصبح خائفا (٧) على نفسه وماله هاربا من دياره وعياله.

وأصبح جميع [أهل المصر](٨) قد أمنوا واطمأنوا في منازلهم وكنوا وصانعوا سلطانهم وداهنوا. ولم يكن له (٩) من الاستسلام بد (١٠) ، إذ (١١) لم يكن له إلى غيره سبيل ولا جهد (١٢) ؛ فطالع في أمره [م ٣٠٦] فاستشار ، واستشير له ذوي الأبصار ، واتبع في أمره فيما ظهر حكم الأبرار واتخذ الرخصة من قول الأخيار.

__________________

(١) في الأصل (الجايز)

(٢) في الأصل (بالسخريا)

(٣) في الأصل (خايف)

(٤) المسافي : الأماكن الموحشة والمرتفعة ، حيث تسفي الريح رمالها وترابها

(٥) في الأصل (تهدمه)

(٦) ما بين حاصرتين إضافة من كتاب الفتح المبين لابن رزيق (ص ٢٤٤)

(٧) في الأصل (خايفا)

(٨) في الأصل (من في الحصن) والصيغة المثبتة من كتاب الفتح المبين لابن رزيق (ص ٢٤٤) وهي أكثر تمشيا مع المعنى

(٩) أى للإمام راشد بن الوليد

(١٠) في الأصل (يد)

(١١) في الأصل (إذا)

(١٢) في في الأصل (ولا حمدو)

٨٨

ومما لا نعلم أنه فيه اختلاف ، أن الإمام المدافع تسعه التقية إذا خذلته الرعية ولم يكن معنا أصح من هذا الخذلان ، ولا أبين من تلك العداوة وذلك العصيان ، وما جعل الله [على عباده في الدين من حرج](١). بل الصحيح معنا أنه قد جعل لكل مدخل من دينه باب مخرج ، ولعل لعاجز عن فرض من فرائضه (٢) عذر وباب فرج ، ولا فرق بين الإمام والرعية ، وكل منهم جاز عليه حكم القضية.

فألقى بيده (٣) إلى منزله ، واستسلم رجاء أن يستر فيه ويسلم ، فوصل ، إليه رسول السلطان إلى مكانه يعطيه منه الميثاق بأمانه فبلغنا أنه أعطاه ذلك بلسانه ، ولم يبلغنا أنه عرضه بيمين ، ولا كان على باب السلطان من الوافدين ، ولا من القادمين عليه والواصلين ، وإنما السلطان الذي وصل إليه ، واضطره إلى ذلك وجبره عليه فزالت معنا بذلك [م ٣٠٧] إمامته ، وثبتت للعذر الواضح له ولايته.

ولا نعلم أن في الأحكام ، ولا ما اختلف فيه من أمر الإمام ؛ أن راشد بن الوليد ـ رحمه الله ـ يلحقه لقائل (٤) في إمامته مقال ، ولا طعن ولا غبر (٥) في حال من الحال فلبث بعد ذلك قليلا محمودا ، ومات عن قريب من ذلك مفقودا (٦).

__________________

(١) العبارة في الأصل بها اضطراب ، نصها (وما جعل الله لعباده من جرح)

(٢) في الأصل (فرايضه)

(٣) في الأصل (يده) ـ يعني الإمام

(٤) في الأصل (لقايل)

(٥) تغبر الشىء تلطخ بالغبار ، وأغبر الشىء علاه الغبار. والمقصود أن سيرة الإمام كانت صافية ، ناصعة لا يوجد ما يغبرها

(٦) سنة ٣٤٢ ه

٨٩

وكان راشد بن الوليد في زمانه وأيامه ، وموضعه ومكانه ، مع أرحامه والعاقدين له من أصحابه وإخوانه ، في عامة أموره غريبا معدوما ، ولم يكن عند أحد من أهل الخيرة في أموره معلوما ولا مذموما ، فجزاه الله عن الإسلام وأهله ، لما قد قام فيه من حقه وعدله ، وعنا وعن جميع من عرف فضله ، أفضل ما جزى إماما عن رعيته ، وفضله كثير.

وكان أبو محمد عبد الله بن محمد بن أبي المؤثر قتل في وقعة الغشب من الرستاق ، في سيرة الإمام راشد بن الوليد ، وفي طاعته.

[وكان] زوال أمر الإمام راشد بن الوليد في وقعة نزوى ، وعنها زالت ولايته [م ٣٠٨] ، وانفضت جماعته ، وبان خذلان رعيته له ، ولزمته التقية ، وخاف من للسلطان على نفسه المنية ـ وكذلك الرعية ـ أن يقصدوه بالقتل رضاء (١) للسلطان.

ولم يرجو مستقرا في موضع من عمان ـ من جلفار إلى حد رعوان ـ ، ولا في جبال عطا ، ولا في أرض الحدان والرستاق ، فأدهى (٢) عليه وأمر ، وأعدى عليه من كل غدر وشر ، والله أولى بالعذر من البشر (٣) وكل من عذره الله في دينه فواجب أن يعذر ويعان في ذات الله مما قد نزل به وينصر.

وكان راشد بن الوليد ـ رحمه الله ـ فيما ظهر إلينا في أمره ظاهر الإيمان ظاهرا عليه شواهد الفضل والإحسان ، ناهيا (٤) عن الشر والبهتان ، صادق الفعال واللسان ، ورعا عن المحارم ، مجتنبا للمآثم ،

__________________

(١) في الأصل (رضى)

(٢) في الأصل (فادها)

(٣) في الأصل (من أسرة) والصيغة المثبتة من الفتح المبين لابن رزيق (ص ٢٤٥)

(٤) في الأصل (نهيا)

٩٠

عاملا بما علم ، سائلا عما نزل به ولزم ، متواضعا لمن هو فوقه ، متعطفا عمن هو دونه ، كاظما للغيظ ، بعيد الغضب ، سريع الرضى ، محتملا للأمة (١). حريصا (٢) على إصلاح المسلمين ، رؤوفا [م ٣٠٩] رحيما بالمؤمنين ، متوشحا بمكارم الأخلاق ، صبورا عند مضايق الخناق ، مستقيما على الحقيقة ، قاصدا قصد الطريقة ، يضرب به الأمثال ، ويعجز الواصفون عن وصفه للمعال (٣).

رحم الله تلك المهجة ، وتلك الأوصال ، وتفضل علينا وعليه بالمن والأفضال ، وجمعنا وإياه على جزيل الثواب ، في ثوابه وكرامته إنه أرحم الراحمين.

__________________

(١) في الأصل (للأيمة)

(٢) في الأصل (حراصا)

(٣) كذا في الأصل ؛ وفي الفتح المبين لابن رزيق (ص ٢٤٥) «عن وصفه بالمقال»

٩١
٩٢

ذكر الأئمة المعقود لهم بعمان (١)

الخليل بن شاذان ولعله كانت (٢) دولته في بضع وأربع مائة سنة (٣).

ـ ثم من بعده الإمام راشد بن سعيد ، ومات في الشهر المحرم ، سنة خمس وأربعين وأربع مائة.

ـ ثم من بعده حفص بن راشد بن سعيد (٤)

ـ ثم من بعده راشد بن علي ، ومات يوم النصف من القعدة في سنة ست وسبعين وأربع مائة.

ـ ثم مات موسى بن أبي جابر المعالي بن موسى بن نجاد سنة تسع وأربعين وخمس مائة.

ـ ثم من بعده (٥) محمد بن خنبش. ومات سنة سبع وخمسين وخمس مائة.

وقبره على فلج [م ٣١٠] الغنتق (٦) [من نزوى](٧) عند جبل.

__________________

(١) بعد موت الإمام راشد بن الواليد سنة ٣٤٢ ه‍ بقيت عمان

خاضعة للولاة مدة خمسة وستين عاما حتى اختير الخليل بن شاذان إماما

(٢) في الأصل (كان)

(٣) ذكر السالمي في تحفة الأعيان (ج ١ ، ص ٣٠٣) أن الخليل بن شاذان توفي سنة خمس وعشرين وأربعمائة ، وأن مدة إمامته سبع عشرة سنة وبعض سنة تقريبا ، وبذلك تكون الإمامة قد عقدت له حوالي سنة سبع وأربعمائة

(٤) لا يوجد تحديد لتاريخ وفاته ، ويبدو أنه ظل في الإمامة مدة قصيرة

(٥) عبارة (من بعده) هنا فيها شيء من التجاوز ، فهناك أئمة في ذلك الدور لم يذكرهم المؤلف ـ انظر تحفة الأعيان للسالمي (ج ١ ، ص ٣٤٨)

(٦) في الأصل (العتيق) والصيغة المثبتة من تحفة الأعيان للسالمي (ج ١ ، ص ٣٥٠)

(٧) ما بين حاصرتين إضافة من كتاب الفتح المبين لابن رزيق (ص ٢٤٦)

٩٣

ذي الجيود (١). وأصيب أهل عمان بموته بما لم يصابوا بأحد من قبله.

ثم عقدوا للإمام مالك بن الحواري سنة تسع وثماني مائة ومات سنة اثنتين وثلاثين وثماني مائة (٢)

فهذه مائتا سنة وبضع ، لم أجد فيهن تاريخ أحد من الأئمة ، والله أعلم.

إنها كانت سنين فترة عن عقد الإمامة ، أو غاب عني معرفة أسمائهم.

__________________

(١) في الأصل (جبل ذى الجنود) وهو تحريف في النسخ جاء في تحفة الأعيان للسالمي (ج ١ ص ٣٥٠) ما نصه : يقال لذلك الجبل ذو الجنود ، إذ كان له حروف بائنة من الصخور من أعراضه ، لا من أعاليه

(٢) جاء في كتاب تحفة الأعيان للسالمي (ج ١ ، ص ٣٦٩) ما نصه : إمامة الحوارى بن مالك ، وفي بعض الأثر مالك بن الحوارى ، فلا أدرى أهما إماما ، بعضهما بعد بعض ، أو انقلبت العبارة سهوا على بعضهم. كذلك وقع الخلاف في تاريخ موتهما ، فأرخ موت الحواري بن مالك فقالوا مات سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة. وقالوا مات مالك بن الحواري سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة. ولعل الثاني منهما ولد الأول.

٩٤

ذكر حوادث متفرقة

ووجدت تاريخ خروج أهل شيراز إلى عمان ، ورئيسهم فخر الدين أحمد بن الداية ، وشهاب الدين ، وهم أربعة آلاف فارس وخمس مائة فارس. وجرى على الناس منهم أذى كثير ، لا غاية له ، وأخرجوا أهل العقر [من](١) نزوى من بيوتهم خاصة ، وأقاموا على ذلك أربعة أشهر في عمان. وحاصروا بهلا ولم يقدروا عليها ، ومات ابن الداية ، وكسر الله شوكتهم. وأصاب الناس غلاء (٢) كثير ، وذلك في دولة السلطان عمر بن نبهان (٣) ، سنة أربع وسبعين بعد ست مائة.

ووجدت أيضا تاريخا آخر : خروج أمير من أمراء هرمرز ، يسمى محمود [م ٣١١] بن أحمد الكوسي. وخرج إلى قرية قلهات. وكان المتولي يومئذ على عمان ـ والمالك لها ـ أبو المعالي كهلان بن نبهان ، وأخوه عمر بن نبهان.

فلما نزل محمود بقلهات ، طلب وصول أبي المعالى إليه ، فلما حضره طلب منه المنافع من أهل عمان ، وخراج أهلها ، فاعتذر أبو المعالي وقال : إني لا أملك من عمان إلا بلدة [واحدة](٤). فقال محمود : خذ من

__________________

(١) في الأصل (أهل عقر نزوى) وما بين حاصرتين إضافة لضبط المعنى

(٢) في الأصل (غلا)

(٣) بنو نبهان قوم من العتيك صار إليهم الملك في تلك الفترة القلقة غير المستقرة في تاريخ عمان. ويبدو أنهم كانوا يعقدون للأئمة في بلاد ، وملوك بنى نبهان في بلدان أخر.

وحيث أن قيام النباهنة اعتمد على الاستبداد بالأمر وقهر الناس ـ وليس على مبايعة الأمة ـ فإن تاريخهم لم يحظ بعناية المؤرخين العمانيين (الفتح المبين للسالمى ، ج ١ ، ص ٣٥٢)

(٤) ما بين حاصرتين إضافة من تحفة الأعيان (ج ١ ، ص ٣٥٣) والفتح المبين (ص ٢٤٨).

٩٥

عسكري ما شئت ، وأقصد به من خالفك من أهل عمان ، فقال أبو المعالي : إن أهل عمان ضعفاء ، لا يقدرون على تسليم الخراج.

كل ذلك حمية منه على أهل عمان ، فحقد عليه محمود ، وأضمر له المكيدة ، واستدعى (١) بأمراء البدو من [أهل](٢) عمان ، وكساهم وأعطاهم ، ووعدوه النصر على أهل عمان والخروج معه.

ثم إنه ارتحل إلى ظفار ، وركب البحر. فلما وصلها (٣) ، قتل من أهلها خلقا كثيرا ، وسلب (٤) مالا جزيلا. ورجع قاصدا عمان ، فأخذ طريق البر (٥) ، وحمل ثقله في المراكب في البحر (٦) فلما صار في طريق البر ، نقص عليه الزاد ، وأصابهم الجوع ، حتى بلغ منّ (٧) [م ٣١٢] اللحم بدينار. وأصابهم عطش كثير لقلة الماء في تلك الطريق ، وقيل إنه مات من عسكره خمسة آلاف رجل ، وقيل أكثر. وكان هذا سنة ستين وست مائة.

ووجدت أيضا تاريخا : خرجت أولاد الريّس (٨) على عمان : وكان خروجهم فسخ (٩) شهر شوال : سنة خمس وسبعين ، بعد ست مائة وكان

__________________

(١) في الأصل (واستدعا)

(٢) ما بين حاصرتين إضافة لتوضيح المعنى ؛ من تحفة الأعيان للسالمي (ج ١ ، ص ٣٥٣)

(٣) في الأصل (وصل)

(٤) في الأصل (وسلمت) والتصويب من كتاب الفتح المبين لابن رزيق (ص ٢٤٨) وتحفة الأعيان للسالمي (ج ١ ، ص ٣٥٣)

(٥) في الأصل (البحر) وهو تحريف في النسخ

(٦) بمعنى أنه سار برأ ، وسارت السفن بحذائه بحرآ

(٧) المن : ميزان يقارب الكيلو جرام

(٨) جماعة من البدو (كحالة : معجم قبائل العرب)

(٩) أي نهاية الشهر. جاء في لسان العرب (فسخ الشيء يفسخه فسخا نقضه ، وفسخ المفصل أزاله عن موضعه ، وتفسخ الشعر عن الجلد زال وتطاير)

٩٦

المالك بعمان السيد كهلان بن عمر بن نبهان ، وخرج لملتقاهم بالصحراء وخرج معه جملة من أهل العقر كافة ، فسبقت أولاد الريس على العقر فدخلوها ، وأحرقوا سوقها ، وأخذوا جميع ما فيها ، وسبوا نساءها ، وأحرقوا مخازن المسجد الجامع المتصلة به ، وأحرقوا الكتب ، وكان ذلك كله في نصف يوم ، فخرج كهلان بعساكره أول يوم يوم من [ذي](١) القعدة ، واجتمعوا بالسراة ، فخرجت عليهم أولاد الريس ـ وكانوا سبعة آلاف ـ فانكسرت أولاد الريّس ومن معهم من الحدان ، وقتل في هذه الوقعة ثلاث مائة رجل.

فلعله كانت هذه السنون التي بين محمد بن [م ٣١٣] خنبش ومالك بن الحواري (٢) ، سنين ملك النباهنة ولعل ملكهم كان يزيد على خمس مائة سنة إلا أنه كان فيما بعد هذه السنين بعقد الأئمة ، والنباهنة ملوك في شيء من البلدان ، والأئمة في بلدان أخر.

__________________

(١) ما بين حاصرتين إضافة.

(٢) في الأصل (حواري). (م ٧ ـ تاريخ عمان)

٩٧
٩٨

أئمة القرنين التاسع والعاشر

ثم عقد بعد موت مالك بن الحواري (١) سبع سنين لأبى الحسن [ابن خميس](٢) بن عامر ، وذلك يوم الخميس في شهر رمضان سنة تسع وثلاثين وثماني مائة. ومات سنة ست وأربعين بعد ثماني مائة ، يوم السبت واحد وعشرين من القعدة.

الإمام عمر بن الخطاب بن محمد :

ثم عقدوا للإمام عمر بن الخطاب بن محمد بن أحمد بن شاذان (٣) بن صلت [بن مالك الخروصي](٤) ؛ سنة خمس وثمانين وثماني مائة ، وهو الذي حاز أموال بني نبهان (٥) ، وأطلقها لمن عنده من الشراة ، وكان زائدا فيها ، وأمر فيها بأوامره.

وذلك أن المسلمين اجتمعوا ونظرو في الدماء التي سفكها آل نبهان ، والأموال التى أخذوها واغتصبوها بغير حق ، فوجدوها أكثر من قيمة أموالهم ، وكان يومئذ القاضي [أبو عبد الله] محمد (٦) بن سليمان بن أحمد بن مفرج [م ٣١٤] وكيلا لمن ظلمه آل نبهان من المسلمين من أهل عمان. وأقام أحمد بن عمر بن أحمد بن مفرج وكيلا لملوك (٧) آل نبهان.

__________________

(١) في الأصل (حواري)

(٢) ما بين حاصرتين إضافة من تحفة الأعيان للسالمي (ج ١ ، ص ٣٧٠) وفي الفتح المبين لإبن رزيق (أبو الحسن عبد الله بن خميس بن عامر الأزدى) ص ٢٥٧

(٣) في الأصل (شيدان)

(٤) ما بين حاصرتين إضافة

(٥) في الأصل (بنى هناة) وهو خطا في النسخ.

(٦) في الأصل أحمد ، وهو تحريف. وما بين حاصرتين إضافة

(٧) في الأصل (للملوك)

٩٩

فقضى أحمد أن جميع مال آل نبهان من أموال وأرضين ونخيل وبيوت وأسلحة وآنية وغلة ، وجميع مالهم كائنا (١) ما كان [قضاء واجبا تاما](٢) وقبل محمد بن عمر (٣) هذا القضاء (٤) للمظلومين من أهل عمان ، من غاب منهم أو حضر ، أو كبير أو صغير ، الأنثى منهم والذكر.

فصارت هذه الأموال بالقضاء الكائن الصحيح للمظلومين ، وقد جهلوا معرفتهم ومعرفة حقوقهم ، ولم يحيطوا به علما ، ولم يدركوا له قسما.

فصار كل مال لا يعرف قسمه ، مجهولون أربابه ، راجعا إلى الفقراء. والإمام العدل ـ عند وجوده ـ أولى بقبضه ، ويصرفه في إعزاز دولة المسلمين ، والقيام بها ، وكل من صح حقه وأثبته ، فهو له من أموالهم ، ويحاسب بالتجزئة (٥) لما يصح له بقسطه إن أدرك ذلك ، وإن لم يدرك التجزئة ، ولم يحط بها ، فذلك النصيب غير معلوم ، وهو مجهول للفقراء [م ١٣٥] [وللإمام أن](٦) يقبض الأموال المغيبة ، وأموال الفقراء ، وما لا رب (٧) له ، ويجعله في إعزاز دولة المسلمين.

فقد صح هذا القضاء والحكم فيه ، «فمن بدله بعد ما سمعه ، فإنما

__________________

(١) في الأصل (كاينا)

(٢) ما بين حاصرتين إضافة من تحفة الأعيان للسالمي (ج ١ ، ص ٣٧١ ـ ٣٧٢).

(٣) لاحظنا ثمة غموض وخلط بين الأسماء في هذا الجزء ففي تحفة الأعيان للسالمى! «فقضى أحمد بن صالح بن محمد بن عمر أن جميع مال آل نبهان ... وقبل محمد بن عمر ابن محمد هذا القضاء» ومعنى هذا أن الذى قضى ـ وهو أحمد بن صالح ـ غير أحمد بن عمر بن مفرج ، السابق ذكره. وأن الذى قبل هذا القضاء ـ وهو محمد بن عمر بن محمد ـ شخص آخر خلاف أحمد بن عمر بن أحمد بن مفرج. (انظر تحفة الأعيان ، ج ١ ص ٣٧١ ـ ٣٧٢).

(٤) في الأصل (الفضاء).

(٥) في الأصل (بالتجزية).

(٦) ما بين حاصرتين إضافة من تحفة الأعيان للسالمى (ج ١ ص ٣٧٢).

(٧) في الأصل (وما لارت له).

١٠٠