تاريخ أهل عمان

المؤلف:


المحقق: دكتور سعيد عبد الفتاح عاشور
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الطبعة: ٢
الصفحات: ١٨٩

فخرج إليه مالك برباطة جأش وشدة قلب ؛ فتجاولا بين الصفين مليا ، وقد قبض الجمعان أعنة خيولهم ، ينظرون ما يكون منهما ، ثم إن المرزبان حمل على مالك بالسيف حملة الأسد ، فراغ عنه مالك ، ثم ضربه مالك بسيفه على مفرق الرأس ، فقد البيضة والدرع ، وأبان رأسه عن جسده.

فزحف الفريقان بعضهما إلى بعض ، واقتتلوا من نصف النهار إلى العصر ، وأكل أصحاب المرزبان بالسيف وصدقهم الأزد الطعن والضرب ، فولوا منهزمين ، على وجوههم هاربين ، حتى انتهوا إلى معسكرهم (١) ، وقد قتل منهم خلق كثير ، وكثر الجراح في عامتهم.

فعند ذلك أرسلوا إلى مالك يطلبون منه الصلح ، [و](٢) أن يكف عنهم الحرب ، وأن يؤخرهم إلى سنة ، ليخرجوا أهلهم من عمان. وأعطوه على ذلك عهدا وجزية ، فأجابهم مالك إلى ذلك ، وأعطاهم عهدا أن لا يعارضهم ، حتى يبدؤوه (٣) بحرب ، وكفّ عنهم الحرب ، وعادوا إلى صحار [م ٢٣٦] وما حولها من الشطوط. وكانوا هنالك ، والأزد في عمان. وانحاز مالك إلى جانب قلهات.

فقيل إن الفرس في تلك المهادنة طمسوا أنهارا كثيرة وأعموها ، وكان سليمان بن داود ـ عليه السلام ـ أقام بعمان عشرة أيام ، وقد حفر فيها عشرة آلاف فلج (٤). وطمس الفرس أكثرها في مدة الصلح التي طلبوها من مالك بن فهم.

__________________

(١) في الأصل (حتى انتهوا عسكرهم) ، والصيغة المثبتة من كتاب تحفة الأعيان للسالمى (ج ١ ص ٢٨)

(٢) ما بين حاصرتين إضافة.

(٣) في الأصل (يبدوه).

(٤) الفلج بالتحريك هو النهر ، وقيل النهر الصغير ، وهو الماء الجاري (ابن منظور : لسان العرب).

٢١

ثم إن الفرس كتبوا إلى الملك دارا بن دارا بقدوم مالك إلى عمان (١) بمن معه ، وما جرى بينهم وبينه من الحرب ، وقتل قائده (٢) المرزبان ، وجل أصحابهم ، وأخبروه بما فيهم من الضعف والعجز ، واستأذنوه في التحمل إليه بأهليهم وذراريهم. فلما وصل كتابهم إليه وقرأه ، غضب غضبا شديدا ، وداخله القلق ، وأخذته الحميّة بمن قتل من أصحابه وقواده. فعند ذلك دعا بقائد (٣) من عظماء مرازبته (٤) وأساورته ، وعقد له على ثلاثة آلاف من أجلاء أصحابه ومرازبته (٥) وبعثهم مددا لأصحابه الذين بعمان ، فتحملوا إلى البحرين ، ثم تخلصوا إلى عمان [م ٢٣٧].

وكل هذا لم يدره مالك. فلما وصلوا إلى أصحابهم ، أخذوا يتأهبون للحرب ، حتى انقضى أجل العهد. فجعل مالك يستطلع أخبارهم ، وبلغه وصول المدد إليهم ، فكتب إليهم : «إني قد وفيت بما كان بيني وبينكم من العهد وتأكيد الأجل ـ وأنتم بعد حلول بعمان ـ وبلغني أنه قد أتاكم من قبل الملك مدد عظيم ، وأنكم تستعدون لحربي وقتالي. فإما أن تخرجوا من عمان طوعا ، وإلا رجعت عليكم بخيلي ورجلي ، ووطئت (٦) ساحتكم ، وقتلت مقاتلتكم ، وسبيت ذراريكم ، وغنمت الأموال».

فلما وصل رسوله إليهم أهالهم أمره ، وعظموا رسالته إليهم ، مع قلة (٧) عسكره ، وكثرتهم وما هم فيه من القوة والمنعة. وزادهم (٨) غيظا وحنقا ، وردوا عليه أقبح رد (٩). فعند ذلك زحف عليهم مالك في خيله ورجله ، وسار حتى وطأ أرضهم.

__________________

(١) في الأصل (بعمان).

(٢) في الأصل (قايده).

(٣) في الأصل (بقايد).

(٤ و ٥) في الأصل (مرازنته).

(٤ و ٥) في الأصل (مرازنته).

(٦) في الأصل (ووطيت).

(٧) في الأصل (مع فعلة).

(٨) في الأصل (وناداهم).

(٩) في الأصل (مرد).

٢٢

واستعدت الفرس لقتاله ومعهم الفيلة ، فلما قربوا من عسكره عبّأ أصحابه راية راية ، وكتيبة كتيبة ، وجعل على الميمنة ابنه هناءة ، وعلى الميسرة ولده فراهيد (١). [م ٢٣٨] وأقام هو وبقية أولاده في القلب.

والتقوا هم والفرس ، واقتتلوا قتالا شديدا. ودارت رحى الحرب بينهم مليّا من النهار ، ثم انكشف العجم ، وكان معهم فيل عظيم ، فتركوه ، فدنا منه هناءة فضربه على خرطومه ، فولّى وله صياح ، وتبعه معن بن مالك ، فعرقبه فسقط.

ثم إن العجم ثابوا (٢) وتراجعوا ، وحملوا على الأزد حملة رجل واحد ، فجالت الأزد جولة ، ونادى مالك : «يا معشر الأزد! اقصدوا إلى لوائهم فاكشفوا اللواء». واختلط الضرب ، والتحم القتال ، وارتفع الغبار ، وثار العجاج حتى حجب الشمس ، فلم يسمع الإ صليل الحديد ووقع السيوف ، وتراموا بالسهام فانفصدت (٣) ، وتجالدوا بالسيوف فتكسرت ، وتطاعنوا بالرماح فانحطمت ، وصبروا صبرا جميلا ، وكثر الجراح والقتل في الفريقين.

ثم لم يكن للفرس (٤) ثبات ، وولوا منهزمين على وجوههم ، فاتبعتهم فرسان الأزد ، يقتلون ويأسرون من لحقوا منهم ، فقتلوا منهم خلقا كثيرا. وجعلوا يطلبونهم [م ٢٣٩] حيثما لقوهم وأدركوهم ، ولم يغب عنهم إلا من ستره الليل وتحمل بقية الفرس في السفن ؛ وركبوا البحر إلى فارس.

__________________

(١) في الأصل (هناة ... وفراهيدا).

(٢) في الأصل (تابوا).

(٣) أي تفصدت.

(٤) في الأصل (ثم لم يكن فرس ثبات).

٢٣

وملك [مالك بن فهم](١) عمان وما يليها من الأطراف. وساسها سياسة حسنة ، وسار فيها سيرة جميلة ، وله ولأولاده في مسيرهم إلى عمان وحربهم الفرس أشعار كثيرة ، وشواهد تركتها.

ثم جاءت إلى عمان قبائل كثيرة من الأزد. فأول من لحق بمالك من الأزد عمران بن عمر ، وعامر بن ماء السماء ، وولداه (٢) الحجر (٣) والأسود وتفرعت من الحجر (٤) والأسود بعمان قبائل كثيرة.

ثم خرج ربيعة بن الحارث بن عبد الله بن عامر الغطريفى وإخوته ، وخرج ملارس بن عمرو بن عدي بن حارثة ، ودخل في هداد ، ثم خرج عمران (٥) بن عمرو بن الأزد. ثم خرجت اليحمد [م ٢٤٠] بن حمى. ثم خرجت الحدان وأخوها زياد ـ وهو الندب الأصغر (٦) ـ ، ثم معولة وهم بنو شمس ، ثم خرجت الندب الأكبر ؛ وخرجت الصيق (٧)

وخرج أناس من بني يشكر (٨). وخرج أناس [من] بني عامر (٩) وخرجت أناس من خوالة.

__________________

(١) ما بين حاصرتين إضافة لتوضيح المعنى

(٢) في الأصل (وولده).

(٣ و ٤) في الأصل (يحجر). والحجر بطن من بني مزيقياء من الأزد من القحطانية.

وهم بنو الحجر بن عمران بن عمرو مزيقياء (القلقشندي : نهاية الأرب).

(٣ و ٤) في الأصل (يحجر). والحجر بطن من بني مزيقياء من الأزد من القحطانية.

وهم بنو الحجر بن عمران بن عمرو مزيقياء (القلقشندي : نهاية الأرب).

(٥) في الأصل (عرمان) وهو تحريف في النسخ.

(٦) الندب بن الهون ، بطن من الأزد من القحطانية.

(٧) الصيق بطن من الأزد من القحطانية ، وهم بنو الصيق بن عمرو بن الأزد (القلقشندي : نهاية الأرب).

(٨) يشكر بن ميسر : بطن من الأزد من القحطانية ، وهم بنو يشكر بن مبشر بن صعب (كحالة : معجم قبائل العرب).

(٩) في الأصل (عامد). وعامر بطن من سد بن عمرو بن خزاعة بن ربيعة بن حارثة بن ربيعة بن حارثة بن عمرو مزيقياء ، من غسان من الأزد من القحطانية (النويري : نهاية الأرب ج ٢ ص ٣١٨).

٢٤

وخرجت هذه القبائل كلها على راياتها ، لا يمرون على أحد إلا أكلوه وحتى وصلوا عمان فملؤوها ، وأقاموا في بلد ريّف وخير وإتساع وسمّت الأزد عمان [عمانا](١) ، لأن منازلهم على واد بمأرب يقال له عمان والعجم تسميها مزونا (٢) ، شعر :

إن كسرى سمى عمان مزونا

ومزون يا صاح خير بلاد

بلدة ذات مزرع ونخيل

ومراع ومشرب غير صادى

فلم تزل الأزد تنتقل إلى عمان ، حتى كثروا بها ، وقويت يدهم ، واشتدت شوكتهم ، وملؤوها حتى انتشروا إلى البحرين وهجر.

ثم نزل عمان [من غير الأزد](٣) سامة بن لؤي بن غالب ، نزل بتوما (٤) ـ وهي الجو ـ في جوار الأزد. وكان فيها أناس من بني سعد [م ٢٤١] ، وأناس من بني عبد القيس ، وزوج ابنته بأسد بن عمران بن عمرو [بن عامر](٥).

ونزل بعمان ناس من بني تميم ، [منهم](٦) آل جذيمة بن حازم ، ونزل ناس من بني النبيت (٧).

__________________

(١) ما بين حاصرتين إضافة لضبط المعنى

(٢) في الأصل (مزون)

(٣) ما بين حاصرتين إضافة من تحفة الأعيان للسالمي (ج ١ ص ٣٢)

(٤) توام (تحفة الأعيان للسالمي ج ١ ص ٣٢).

(٥) في الأصل (وزوج ابنته باسد بن عمر بن عمرو) والصيغة المثبتة من تحفة الأعيان للسالمي ج ١ ص ٣٢

(٦) ما بين حاصرتين إضافة لضبط المعنى

(٧) في الأصل (من بنى النبت) والمقصود هنا النبيت بن مالك ، بطن من الأوس من الأزد من القحطانية (القلقشندي) : نهاية الأرب ، ابن منظور : لسان العرب).

٢٥

[منازلهم قرية يقال لها ضنك من أعمال السر. ونزلها بنو قطن] ، (١) ومنازلهم عبري والسليف وتنعم [من أرض] السر (٢). ونزلها ناس من بني الحارث [بن كعب ومنازلهم بضنك ، ونزلها قوم من](٣) قضاعة ـ نحو مائة رجل ـ وهم بضنك أيضا ، ونزلها أناس من بني رواحة بن قطيعة بن عبس ، منهم [أبو الهشم العبيسي الرواحي](٤).

واستقوى ملك مالك بن فهم بعمان ، وكثر ماله ، وهابته جميع القبائل من يمن ونزار. وكانت له جرأة وإقدام لم يكن لغيره من الملوك ، وكان ينزل إلى شاطىء قلهات ، وينتقل إلى غيرها.

و [كان](٥) ينزل بناحية أخرى (٦) [من نواحي عمان] ملك من الأزد ، يقال له مالك بن زهير ، وكان عظيم الشأن ، كاد أن يكون مثل مالك في العز والقدر ، فخشي مالك أن يقع بينهما تحاسد ، وأن يقع بينهما حرب ، فخطب منه ابنته ، فزوجه [إياها](٧) ، على أن تكون لأولادها منه التقدمة والكبر على سائر (٨) الأولاد من غيرها ، فأجابه مالك بن فهم إلى ذلك ، وتزوجها ، فولدت له [م ٢٤٢] سليمة بن مالك.

وملك مالك عمان سبعين سنة. ولم ينازعه في ملكه أحد ، عربي ولا عجمي. وكان عمره مائة سنة وعشرين سنة. وقيل هو الذى ذكره

__________________

(١) ما بين حاصرتين تكملة من تحفة الأعيان للسالمي.

(٢ و ٣ و ٤) ما بين الحواصر تكملة من تحفة الأعيان للسالمي (ج ١ ص ٣٢).

(٢ و ٣ و ٤) ما بين الحواصر تكملة من تحفة الأعيان للسالمي (ج ١ ص ٣٢).

(٢ و ٣ و ٤) ما بين الحواصر تكملة من تحفة الأعيان للسالمي (ج ١ ص ٣٢).

(٥) ما بين حاصرتين إضافة

(٦) في الأصل (بناحية حيته) والصيغة المثبتة من تحفة الأعيان للسالمي ج ١ ص ٣٣

(٧) ما بين حاصرتين إضافة لضبط المعنى.

(٨) في الأصل (ساير).

٢٦

الله تعالى «يأخذ كل سفينة غصبا» (١).

وقيل [هو] مسدلة بن الجلندى بن كركر من ولد مالك بن فهم ، وهو جد الصفاق. وقيل (٢) هو الجلندى (٣) ابن المستكبر. وقيل إنه ابن المستنير بن مسعود بن الحرار بن عبد العزى بن معولة بن شمس بن غانم بن عثمان بن نصر بن زهران بن كعب بن الحارث بن عبد الله ابن مالك بن نصر ابن الأزد.

والأشهر أنه هذا ، لأنه روى عن وهب بن منبه أنه قال : كثير من أهل العلم يقولون ذلك. موسى ـ الذي هو في زمانه رميثا نبى الله ـ كان من بعد موسى بن عمران ـ عليه السلام ـ بدهر. فمن أجل ذلك قلنا إن الملك المذكور هو الجلندى المذكور ، والله أعلم. وأما الجلندى الذي هو أب عبد (٤) وجيفر [فكان](٥) قبل الإسلام بقليل ، وقيل ، أدرك الإسلام وولداه. وقصة [م ٢٤٣] السفينة في زمن موسى عليه السلام ، وبين موسى ونبينا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ سنون [كثيرة](٦) معلومة في كتب التواريخ (٧).

__________________

(١) سورة الكهف ، آية ٧٩.

(٢) في الأصل (وقول)

(٣) يبدو على ما يظهر من روايات الإخباريين أن كلمة (الجلندى) ليست اسما لشخص ، وإنما هي لقب ـ قد يعنى حاكما أو ملكا أو قيلا أو كاهنا ـ في لهجات أهل عمان ـ أنظر : (جواد علي : المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ، ص ٢٠١). [والصواب أنه اسم مشهور عند أهل عمان].

(٤) في المتن (عيد)

(٥) في الأصل تكرار في العبارة ؛ وما بين حاصرتين إضافة.

(٦) ما بين حاصرتين إضافة للتوضيح

(٧) في الأصل (في كتاب التواريخ).

٢٧

وقيل إن مالك بن فهم قتله ولده سليمة خطأ. وسبب ذلك : قيل إن مالكا جعل على أولاده الحرس بالنوبة كل ليلة على رجل منهم ، ومعه الجماعة من خواصه وأمنائه ، وكان سليمة أحب إخوته إلى أبيه ، وأحظاهم لديه ، وأكرمهم عليه ، وأرفعهم منزلة عنده ، وكان يعلمه الرمي حتى أحذق ، وصار حاذقا ماهرا ، فحسده إخوته لمكانه من أبيه ، وكانوا يطلبون له عثرة مع أبيه ، فلم يجدوا له عثرة ، فأقبل ذات يوم نفر منهم إلى أبيهم ، فقالوا «يا أبانا! إنك جعلت على كل رجل واحد منا نوبة من الحرس ، وكل منا قائم بنوبته ، ماخلا أخانا سليمة فإنه إذا كانت نوبته انفرد عن أصحابه ، وتشاغل بالنوم عن الحرس. فلا تكن لك منه كفاية ولا معين».

وجعلوا يوهنون أمره ، وينسبونه إلى العجز والتقصير ، فقال لهم أبوهم «إن كلا منكم قائم بما عليه ؛ وليس بأحد منكم [م ٢٤٤] تقصير. وقد فهمت قولكم في ولدي سليمة ، فإن لم تزل الإخوة يحسد بعضهم بعضا لإيثار الآباء بعضهم على بعض ، وإن ظني به لكعلمي به». ثم انصرفوا عنه ، ولم يبلغوا ما أمّلوه.

ثم [إن](١) مالكا داخله [الشك](٢) فيما تكلموا به من أمر سليمة ، فأراد أن يختبر دعواهم ، فلما كانت نوبة سليمة في الحرس ـ وقد خرج سليمة في فرسان قومه ـ وكان من عادته إذ خرج للحرس انفرد عن أصحابه ، وكمن قريبا من دار أبيه ، فلما كانت تلك الليلة خرج مع أصحابه ، وانفرد عنهم كعادته ، وكمن في مكانه.

وكان مالك قد خرج في تلك الليلة متنكرا مستخفيا ، لينظر هل يصح قول أولاده في سليمة ، وكان سليمة قد أخذته تلك الساعة سنة ـ وهو على

__________________

(١ و ٢) ما بين حاصرتين إضافة لضبط المعنى.

(١ و ٢) ما بين حاصرتين إضافة لضبط المعنى.

٢٨

ظهر فرسه ـ فلما رأى الفرس شخص مالك من بعيد صهل ، فانتبه سليمة من سنته (١) مذعورا ، ورأى الفرس ناصبا أذنيه مقابلا لما يراه. وكان معودا للفرس إذا رأى شيئا نصب أذنيه مقابلا لما يراه ، فيرمي الفارس السهم بين أذني الفرس ، فلا يخطأ ما يراه الفرس ، ففوق سليمة سهمه ، ويمنه نحو أبيه مالك ، وهو لا يعلم أن [م ٢٤٥] ذلك الشخص أبوه. فسمع مالك صوت السهم وقد خرج من كبد القوس ، فهتف به : «يا بنى! لا ترم! أنا أبوك!!». فقال «يا أبت! ملك السهم قصده!» فأصاب مالكا في لبة قلبه.

فقال مالك حين أصابه السهم قصيدة طويلة ، انتخبت منها هذه الأبيات : ـ

جزاه الله من ولد جزاء

سليمة أنه ساء ما جزاني

أعلمه الرماية كل يوم

فلما اشتد ساعده رماني

توخاني بقدح شك لبي

دقيق قد برته الراحتان

فأهوى سهمه كالبرق حتى

أصاب به الفؤاد وما عداني

ألا شلت يمينك حين ترمي

وطارت منك حاملة البنان

[فلما مات مالك أنشأ ولده هناءة يقول شعرا]

لو كان يبقى على الأيام ذو شرف

لمجده لم يمت فهم ولا ولدا

حلت على مالك الأملاك جائحة

هدّت بناء العلا والمجد فانقصدا

أبا جذيمة لا تبعد ولا غلبت

به المنايا وقد أودى وقد بعد

لو كان يفدى لبيت العز ذو كرم

فداك من حل سهل الأرض والجلدا

يا راعي الملك أضحى الملك بعدك لا

ندر الرعاة أجار الملك أم قصدا

__________________

(١) في الأصل (وسنته).

٢٩

ولما قتل سليمة أباه تخوف من إخوته واعتزلهم ؛ وأجمع على [م ٢٤٦] الخروج من بينهم. فسار إليه أخوه هناءة في جماعة من وجوه قومه ، واجتمعوا إليه ، وكرهوا إليه الخروج. وكان أكثر تخوفه من أخيه معن فقال لهم : «إني لا أستطيع المقام معكم وقد قتلت أباكم. وكان ذلك من حسد إخوتي لي وقد بلغني عن معن ما أكره. إني لأخشى أن يتوقع عليّ في بعض سفاه قومه».

فناشدوه (١) الله والرحم أن يقعد معهم ، وضمن له هناءة بتسليم الدية إلى إخوته من ماله ، وأعفوه عن القود ، فقبل ذلك سليمة ، وأقام معهم. وسلم هناءة الدية من ماله إلى إخوته ؛ فقبلها الإخوة وعفوا ، إلا معن ، فإنه قبلها ولم يعف ، وطمع هناءة أن يصلح ذات بينهم ، وكان حسن (٢) السيرة في إخوته وقومه.

ثم إن معنا خلاله زمن لا يتعرض لسليمة بسوء ، حتى أكل الدية ، ثم جعل غفلة سليمة ، ويغرى به سفهاء قومه من حيث لا يعلم به أحد. فبلغ ذلك سليمة ، فأقسم [أنه](٣) لا يقيم بأرض عمان ، وأجمع رأيه على ركوب البحر ، فخرج هاربا في نفر من قومه ؛ فقطع البحر حتى نزل بر فارس. وأقام [م ٢٤٧] بجاسك (٤) ؛ وتزوج بامرأة منهم ـ من قوم يقال لهم الاسفاهية ـ فولدت له [غلاما ، فأولاده منها](٥) يسمون بني الأسفاهية. فبينما سليمة ذات يوم قاعدا يذكر أرض عمان ، وانفراده عن إخوته ، وما كان فيه من العز والسلطان ، قال شعرا :

__________________

(١) في الأصل (فانشدوه)

(٢) في الأصل (أحسن).

(٣) ما بين حاصرتين إضافة لضبط المعنى.

(٤) جاسك جزيرة كبيرة بين جزيرة قيس ـ المعروفة بكيش ـ وعمان ، قبال هرمز (ياقوت : معجم البلدان)

(٥) في الأصل (فولدت منها) وما بين حاصرتين إضافة لضبط المعنى.

٣٠

كفى حزنا أني مقيم ببلدة

أخلائي عنها نازحون بعيد

أقلب طرفي في البلاد فلا أرى

وجوه أخلائي الذين أريد

ثم إنه رحل ونزل أرض كرمان ، وأقام عند بعض ملوكها وعرّفه بحسبه ونسبه ، وكيف حسده إخوته ، وكيف قتل أباه ، وكيف كان خروجه عن إخوته ، فلما عرفوا مكانه وشرفه ، كتموا أمره ، مخافة أن يعرض له بسوء ، لأجل ما كان من أبيه وأخيه جذيمة الأبرش في ملوك فارس. وأكرموا مثواه ، وأعجبهم ما رأوا من فصاحته وجماله وكماله ، وكمال أمره ، فرفعوا قدره ، وأرادوا أن يزوجوه بكريمة من كرائم نسائهم (١)

وكان ذلك الزمان ملكهم ولد دارا بن دارا. وكان كثير العسف والظلم ؛ جبارا غشوما على رعيته وأهل مملكته ؛ وقد أضرهم. [م ٢٤٨] وكان إذا تزوجت امرأة من نسائهم ، ولم تزف إليه قبل زوجها ، قتلها وقتل أهلها وبعلها. ولا يقدر أحد أن يبني بامرأة إلا بعد أن يفتضها (٢) الملك ويجامعها ، كانت بكرا أو ثيبا ، فأخبروا سليمة صنع الملك فيهم ، وشكوا إليه جوره ، وأنهم لا يقدرون عليه لكثرة حماته وحرّاسه ، فقال سليمة : «ماذا لي عليكم إذا كفيتكموه وأرحتكم منه؟». فقالوا «أنّى لك ذلك ، ولم يقدر عليه من كان قبلنا من أهل العز والسلطان؟». فقال : «تدبير (٣) الأمر عليّ. فماذا لي عليكم؟. فقالوا : «ما شئت». قال : «إذا كان الغد (٤) ، فليحضر عندي أهل الوفاء والعهد منكم والتقديم». فلما كان الغد (٥) اجتمع إليه عظماء كرمان وأشرافها أهل الوفاء.

__________________

(١) في الأصل (كرايم)

(٢) يقال افتض فلان جارية وافتضها إذا افترعها ، وافترع البكر دخل عليها (لسان العرب)

(٣) في الأصل (تبدير)

(٤) في الأصل (الغدا)

(٥) في الأصل (الغدا)

٣١

فجرى الكلام بينهم ، فقال سليمة «إن أمكنتموني (١) مما أشرط عليكم دبرت الأمر». فقالوا كلهم : «لك ما طلبت». فقال «أريد أن تصيروا ملكه وسلطانه لي ولعقبي من بعدي (٢) ، على أن آخذ جميع غلات كرمان وخراجها إلى أن أتمكن. وأنتجب من العرب من أردت ، وأجعلهم معي ، وعلى أن تزوجوني من نسائكم». فأعطوه ذلك ، [م ٢٤٩] وضربوا على يده ، وقالوا : «لك الوفاء بجميع ما طلبت وشرطت». وبايعوه على قتل الملك ، وأعطوه العهود والمواثيق على الوفاء ، وكتموا أمرهم.

وكان فيهم من بيت الملك ، وهم قوامه ونظام ملكه ، ولكن كثر عليهم ظلمه وكرهوه وأرادوا قتله راحة لهم ، انظروا أيها السامعون في عاقبة الظلم والجور!! أدى (٣) إلى أن يقتله قرباه!! ولو عدل لأحبه البعداء والأدنون ، ونمنوا له طول العمر. والنظر على الأباعد للباعد!!.

فلما فرغوا من البيعة زوجوه بامرأة (٤) من كرائم نسائهم ، وكل هذا لم يعلم الملك منه بشيء فلما فرغوا من أمر التزويج ، عاهدهم سليمة على ليلة معلومة ليزفوه إلى الملك [في هيئة المرأة](٥). وقال : «اشهروا أمر التزويج ليتهيأ له الملك ، وليتأهب إلى مباشرة العرس».

__________________

(١) في الأصل (اكتمتمونى)

(٢) في الأصل (من بعد)

(٣) في الأصل (أدا)

(٤) في الأصل (بامرءة)

(٥) ما بين حاصرتين إضافة لتوضيح لمعنى

٣٢

فلما كانت (١) تلك الليلة أشهروا الزفة ، وعمدوا إلى سليمة ، فألبسوه الحلل الفاخرة ، والحلى السني ، وضمخوه بالطيب ، وكان شابا حسنا جميلا.

وكان [سليمة](٢) قد شحذ سكينا وجعلها في سراويله. وزفوه في الخدم والحشم ، حتى انتهوا به إلى الحصن. ففتحت [م ٢٥٠] لهم الأبواب ، ودخلوا به ، ونظر إليه الملك في ضوء المشاميع ، وهو في تلك الهيئة الحسنة الجميلة ، [ف] أهاله (٣) منظره ، وسلب لبه وعقله ، [وتوهم أنه المرأة](٤). فأومأ إلى النساء والخدم لينصرفوا ، فانصرفوا.

فأغلق الأبواب ، وأرخى الستور ، وبقي هو وسليمة في غرفة واحدة. وأهوى إليه يقبله ويضمه إلى صدره ، فاسترخى سليمة ، وجعل يلاعبه ويداعبه ـ كما تفعل الجارية ـ حتى تمكن منه ؛ فأخرج السكين ، وضربه بها في خاصرته ، وقتله.

ولبس سليمة درع الملك ، وتقلد السيف ، وجعل على رأسه البيضة ، وبات متأهبا ، ولم يعلم أحد بما صنع بالملك ، وبات الذين بايعوه في خوف عظيم ، لا يدرون ما يكون من أمر سليمة والملك.

فلما طلع الفجر ، وثب سليمة إلى الأبواب ففتحها ، وخرج على الحراس وخاصة الملك وحجابه ، فوقع فيهم السيف حتى أباد عامتهم ، وباب العامة مغلوق لم يفتحه.

ووقع الضجيج في الحصن ، وعلت الأصوات ، فأقبل أهل البيعة وغيرهم من أهل البلد بالسلاح التام [م ٢٥١] ، فأشرف عليهم سليمة من أعلى الحصن ،

__________________

(١) في الأصل (كان)

(٢) ما بين حاصرتين إضافة للتوضيح.

(٣) هالني الأمر يهولني هولا أي أفزعني ، هلته فاهتال أفزعته ففزع (القاموس المحيط) وما بين حاصرتين إضافة

(٤) ما بين حاصرتين إضافة من تحفة الأعيان للسالمى (ج ١ ص ٤٤).

٣٣

وعليه الدرع والبيضة ، وبيده سيف الملك يقطر دما. ورمى (١) إليهم برأس الملك وجثته.

فلما نظروا إليه هالهم ما رأوا من أمر سليمة وجرأته ، وسرّ بذلك كثير من أهل البلد ، وخاف من لم يسره ذلك ، ولم يقدر يظهر حربا ولا كلاما ، واستقام الأمر لسليمة بأرض كرمان ، وسلّمت له جميع رعاياها طوعا وكرها ورغبة ورهبة.

ثم جعلوا في رجل المك حبلا ، وأمروا الصبيان يسحبونه ، ويطوفون به شوارع البلد وسككها.

ولما استقر الأمر لسليمة أهدوا إليه عروسه ، فابتنى (٢) بها ، وتمهد له الأمر ، واستولى على كورة كرمان وثغورها ونواحيها ، وأطاعوه ومكنوه في أنفسهم وأموالهم ، وأعانوه في جميع أموره.

فلم يزل كذلك حتى حسدوه وبغوا عليه ، وقالوا : «إلى متى يملكنا هذا العربي ، ونحن أهل القوة والمنعة؟» وجعلوا يتعرضون له في أطراف ملكه. فكتب سليمة إلى أخيه هناءة بن مالك ـ بعمان ـ يستنصره ، ويطلب منه المعونة والمدد [م ٢٥٢] ، من فرسان الأزد ورجالهم ، يشد بهم عضده ، ويقيم بهم أود ما اعوج عليه من أهل مملكته ، فأمده بثلاثة آلاف من فرسان الأزد وشجعانهم ، وحملهم في المراكب حتى أوصلهم إلى أرض كرمان ، فتحصلوا (٣) عند سليمة ، فاشتد بهم عضده ، وأقام بهم من تعاوج عليه من المعجم.

__________________

(١) في الأصل (ورماهم إليهم)

(٢) الابتناء والبناء الدخول بالزوجة ، والأصح بنى فلان على أهله بناء ، ولا يقال بأهله ، هذا قول أهل اللغة (ابن منظور : لسان العرب)!

(٣) في الأصل (فتخلصوا).

٣٤

وتم أمره مستقيما بأرض كرمان. واشتد ملكه وقوي سلطانه. وولده عشرة أولاد ـ كلهم ذكور ـ وهم عبد وحماية وسعد ورواحة ومجاش وكلاب وأسد وزاهر وأسود وعثمان.

وتوفي سليمة بأرض كرمان ، واختلف رأي أولاده من بعده. ودخل الناس بينهم ، فكان زوال ملكهم ، ورجوع الملك إلى العجم. فغلبت الفرس عليهم ، واستولوا على ملك أبيهم ، واضمحل أمرهم ، فتفرقوا بأرض كرمان ، وفرقة منهم توجهت إلى عمان ، وجمهور بني سليمة بأرض كرمان لهم بأس وشدة وعدد كثير وبعمان الأقل منهم.

ثم لم تكن للفرسى رجعة إلى عمان ، بعد أن جلاهم مالك عنها ، إلى أن انقضى ملكه وملك أولاده [م ٢٥٣] من بعده ، وصار ملكها إلى الجلندى بن المستكبر (١) المعولي.

وصار ملك فارس إلى بني ساسان ، وهم رهط الأكاسرة وكان الصلح بينهم وبين [آل](٢) الجلندى بعمان ، وكانوا يجعلون لهم أربعة آلاف من الأساورة والمرازبة (٣) ، مع عامل لهم بها من ملوك الأزد. وكانت الفرس في السواحل وشطوط البحر ، والأزد ملوكا بالبادية والجبال وأطراف عمان ، وكل الأمور منوطة بهم. وكان كل من غضب عليه كسرى أو خافه على نفسه وملكه أرسله إلى عمان ، يحبسه بها. ولم يزالوا كذلك إلى أن أظهر الله الإسلام بعمان ، والله أعلم.

__________________

(١) في الأصل (المستتر). والصيغة المثبتة من تحفة الأعيان للسالمي (ج ١ ص ٤٧).

(٢) ما بين حاصرتين إضافة للتوضيح.

(٣) في الأصل (المرازنة).

٣٥
٣٦

إسلام أهل عمان

قيل إن مازن بن غضوبة (١) بن سبيعة بن شماسة بن حيان بن مرّ بن حيان بن أبي بشر (٢) بن خطامة بن سعد بن نبهان بن عمرو بن الغوث بن طيء ـ وكان يسكن قرية سمائل ـ ، وقيل إنه جد أولاد سعد بني (٣) علي ، كان (٤) يعبد صنما يقال له ناجر. فذبح يوما شاة وقربها إليه ، فسمع صوتا من الصنم يقول «يا مازن! اسمع تسر!! ظهر خير وبطن شر! [م ٢٥٤] بعث نبي من مضر يدين بدين الله الأكبر! فدع عبادة نحت حجر ، تسلم من حرّ سقر!». ففزع من ذلك وقال : «إن هذا لعجب». ثم ذبح قربانا آخر ، وقربه إليه ، فسمع من الصنم صوتا يقول : «يا مازن! أقبل تسمع ما لا يجهل (٥)! هذا نبي مرسل! جاء بحق منزل! فآمن به تعدل عن حر نار تشعل. وقودها الناس والجندل». فقال : «إن هذا لهو العجب ، وإنه لخير (٦) يراد بي».

فبينما هو كذلك إذ ورد عليه رجل من أهل الحجاز يريد دما. فسأله «ما الخبر وراءك؟» قال : «إنه ظهر رجل يقال له محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ، يقول من جاءه : أجيبوا داعي الله ،

__________________

(١) في الأصل (غضويه)

(٢) في الأصل (بن مر بن حيان بن مر بن أبي بشر)

(٣) في الأصل (أولاد سعد أمنوا عن) وعلى عشائر عديدة من القحطانية بعضها من خزاعة من الأزد ، وبعضها من مذحج ... وغير ذلك

(٤) في الأصل (وكان)

(٥) في الأصل (تجهل)

(٦) في الأصل (لخبر).

٣٧

فلست بمتكبر (١) ، ولا جبار (٢) ، ولا مختال (٣) أدعوكم إلى الله ، وترك عبادة الأوثان ، وأبشركم بجنة عرضها السموات والأرض ، وأستنقذكم من نار لا يطفى لهيبها ، ولا ينعم من سكنها».

قال مازن «هذا والله نبأ ما سمعته من الصنم». فشكره ، [وكسر الصنم](٤) جذاذا ، وركب راحلته ، ومضى قاصدا نحو رسول الله ، صلى الله عليه وسلم.

فلما قدم [م ٢٥٥] عليه سأله عما بعث إليه ، فشرح له الإسلام ، فأسلم ونوّر الله قلبه ، ثم قال للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ادع الله لأهل عمان فقال : «اللهم اهدهم وثبتهم». فقال : «زدني يا رسول الله». فقال : «اللهم ارزقهم العفاف والكفاف ، والرضى بما قدرت لهم». قال مازن : «يا رسول الله! البحر ينضح بجانبنا ، فادع (٥) الله في ميرتنا وخفّنا (٦) وظلفنا (٧) ،. فقال : اللهم وسّع عليهم في ميرتهم ، وأكثر خيرهم من بحرهم». فقال «زدني». فقال «اللهم لا تسلط عليهم عدوا من غيرهم» وقال لمازن «قل آمين ، فإنه يستجاب عندها الدعاء» فقال مازن «آمين». ثم قال : يا رسول الله! إني مولع بالطرب وشرب الخمر! لجوج (٨) بالنساء! [وقد نفد أكثر مالي في هذا](٩)

__________________

(١) في الأصل (بمستكبر).

(٢) في الأصل (ولا جبارا).

(٣) في الأصل (ولا مختالا).

(٤) ما بين حاصرتين ساقط من الأصل.

(٥) في الأصل (وادعوا).

(٦) الخف : الجمل ؛ وهو في اللغة الجمل المسن ، وقيل الضخم ، جمعه أخفاف (لسان العرب)

(٧) الظلف : ظفر كل ما اجتر ، وهو ظلف البقرة والشاة والظبي وما أشبهها ، والجمع أظلاف. وقد يطلق الظلف على ذات الظلف أنفسها مجازا (لسان العرب)

(٨) لج في الأمر لجالجا لازمه ، وأبى أن ينصرف عنه ، فهو لجوج

(٩) ما بين حاصرتين إضافة من تحفة الأعيان للسالمي (ج ١ ص ٥٥)

٣٨

وليس لي ولد. فادع الله يذهب عني ما أجد ، ويرزقني ولدا تقربه عيني ، ويأتنا بالحياء». فقال ـ عليه السلام ـ «اللهم أبدله بالطرب قراءة القرآن ؛ وبالحرام حلالا ؛ وبالعهر عفة الفرج ، وبالخمر أربا (١) لا إثم فيه ، وآتهم بالحياء ، وهب له ولدا تقربه عينه» [م ٢٥٦]

قال مازن : فأذهب الله عني ما كنت أجد من الطرب حججت حججا (٢) ، وحفظت شطرا (٣) من القرآن ، وتزوجت أربع عقائل من العرب ، ورزقت ولدا وسميته حيان بن مازن «شعرا :

إليك رسول الله حنّت مطيتى

تجوز الفيافي من عمان إلى العرج (٤)

لتشفع لي يا خير من وطىء الثرى

فيغفر لي ذنبي فأرجع بالفلج (٥)

وكنت امرءا بالرعف (٦) والخمر مولعا

شبابي إلى أن (٧) أذن العمر بالنهج

إلى معشر خالفت في الله دينهم

فلا رأيهم رأيي ولا شرجهم شرجي (٨)

__________________

(١) الأرب : العقل والدين ، أرب يأرب أي أحسن الأدب (لسان العرب).

(٢) في الأصل (حجا).

(٣) في الأصل (سطرا).

(٤) في الأصل (الفرج). والعرج موضع قرب المدينة.

(٥) الفلج ، النصر.

(٦) الرعف : السبق ، ورعفه سبقه وتقدمه ، ورعف الفرس أي سبق وتقدم والراعف الفرس الذي يتقدم الغير.

(٧) في الأصل (حتى أذن).

(٨) الشرح : الضرب ، يقال هما على شرج واحد ، ويقال أصبحوا في هذا الأمر شرجين أي فرقتين (لسان العرب).

٣٩

فبدلني بالخمر أمنا وخشية (١)

وبالعهر إحصانا فأحصن لي فرجي

فأصبحت همي في الجهاد ونيتي

فلله ما صومي ولله ما حجي

ثم إنه كتب ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى أهل عمان يدعوهم إلى الإسلام (٢). وعلى أهل الريف منهم عبد (٣) وجيفر ابنا الجلندى ؛ وكان أبوهما الجلندى قد مات في ذلك العصر. وكان كتابه ـ صلى الله عليه وسلم ـ «من محمد رسول الله إلى أهل عمان ، أما بعد فأقرّوا أن لا إله إلا الله ، وأني محمد رسول الله ، أقيموا الصلاة ، وأدوا الزكاة ، واعمروا المساجد ، وإلا غزوتكم» [م ٢٥٧]

وكتب إلى عبد وجيفر : «بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد رسول الله إلى جيفر وعبد ابني الجلندى. أما بعد ، فإني أدعوكما (٤) بدعاية الإسلام ، أسلما تسلما ، فإني رسول الله إلى الناس كافة ، لأنذر من كان حيا ، ويحق القول على الكافرين. فإن أسلمتما وليتكما ، وإن أبيتما فإن ملككما زائل (٥) ، وخيلي تطأ ساحتكما ، وتظهر نبوتي (٦) على ملككما». والكاتب لهذا أبي بن كعب ، ويملي عليه النبي صلى الله عليه وسلم.

__________________

(١) في الأصل (فيبدلنى بالخمر خوفا وخشية) والصيغة المثبتة من تحفة الأعيان للسالمي (ج ١ ص ٥٦).

(٢) كان ذلك سنة سبع أو ثمان للهجرة (أنظر تاريخ الطبري ، والكامل لابن الأثير).

(٣) في الأصل عيد. وفي السيرة لابن هشام وتاريخ الطبري (عباد).

(٤) في الأصل (أدعوكم).

(٥) في الأصل (زايل).

(٦) في الأصل (بقوتي).

٤٠