تاريخ أهل عمان

المؤلف:


المحقق: دكتور سعيد عبد الفتاح عاشور
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الطبعة: ٢
الصفحات: ١٨٩

وأظهر الله إمام المسلمين على جميع الباغين. فأخرجهم من ديارهم ، وابتزهم من قرارهم (١) ، واستوثق مردتهم ، وأهان عزيزهم ، وقمع ظالمهم ، ومنع غاشمهم وأمكنه الله منهم ، وأعانه عليهم ، وأيده بنصره ، وأمده بتوفيقه ، حتى استقام الإسلام وظهر ، وخفى الباطل واستتر. وأفشى (٢) العدل بعمان وانتشر ، فعم البدو والحضر.

ولم يبق إلا طائفة (٣) من النصارى ، متحصنين بسور مسكد ، بعد أن نصب لهم الحرب [م ٣٦٤] ، حتى وهنوا وضعفوا. ووهى سلطانهم وتفرقت أعوانهم ، وكاد الموت والقتل يأتي على أكثرهم.

فتوفاه الله (٤) وجميع أهل الخير عنه راضون ، وكانت وفاته يوم الجمعة لعشر ليال خلون من شهر ربيع الآخر ، من سنة تسع وخمسين سنة [بعد الألف](٥) من الهجرة. كما قال الشاعر في تاريخه :

فبالجمعة الزهراء مات ابن مرشد

لعشر من الشهر الربيع المؤخر

وخمسون مع تسع وألف تصرمت

لهجرة هادينا النبي المطهر

وكانت مدة ملكه ستا وعشرين سنة وقبره في نزوى مع مساجد العباد وقبره مشهور داخل القبة ، والله أعلم.

__________________

(١) كذا في الأصل. وفي كتاب الفتح المبين لابن رزيق (ص ٢٧٩) جاءت العبارة (من قراهم)

(٢) في الأصل (وأفشا)

(٣) في الأصل (طايفة)

(٤) يعني الإمام ناصر بن مرشد

(٥) ما بين حاصرتين إضافة لضبط المعنى.

١٤١

فصل في فضائل الإمام ناصر بن مرشد

رحمه الله

له فضائل مشهورة ، فمنها أنه كان رجل نائما في مسجد قصرى (١) من الرستاق ، فرأى كأن في إحدى زوايا المسجد سراجا مضيئا. فلما انتبه رأى في تلك الزاوية الإمام مضطجعا ، وذلك قبل أن تعقد له الإمامة.

وقيل [م ٣٦٥] إن أمه كان لها زوج بعد أبيه ، فكان الإمام ـ رحمه الله ـ يأمرها أن تصنع طعامه قبل طعامهم ، لئلا تبقى بقية من طعام زوجها من العجين ، فيدخل في طعامه ، فخالفت يوما أمره ، فعجنت طحين زوجها ثم خبزته ، ولم تغسل الوعاء ، وصبت طحين الإمام في ذلك الوعاء ، فقيل إن يدها لصقت بالطوبج (٢) ، ولم تقدر بنزعها حتى رضي عنها.

ومن فضائله ـ رحمه الله ـ بعدما عقد له ، قيل كان أناس من أهل النفاق مجتمعون في بيت رجل منهم ، يسبون الإمام بكلام قبيح ، فنهتهم زوجة ذلك الرجل ، فلم ينتهوا ، فخرجت عنهم ، فخر عليهم سقف البيت ، فماتوا جميعا.

ومن فضائله ـ رحمه الله وغفر له ـ قيل إن مطية أكلت من طعام بيت المال ، فتحرشت ، فلم تزل كذلك حتى رأت الإمام ، فأتت إليه ، فوضعت رأسها على منكبيه. فلم تزل كذلك حتى جاء ربها ، فسأله الإمام عن حالها ، فأخبره أنها أكلت [م ٣٦٦] من طعام بيت المال فتحرشت فرضي له الإمام وأحله ، ومسح بيده الكريمة على رأسها ، فبرئت مما بها.

__________________

(١) في الأصل (قصرا)

(٢) إناء يعجن فيه الطحين.

١٤٢

ومن فضائله ـ رحمه الله ـ قيل إن جراب تمر أشبع أربع مائة رجل [من قومه](١)

ومن فضائله ـ رحمه الله وغفر له ونور ضريحه ـ أنه كان ذات ليلة نائما فوق سطح في أيام الحر ، إذ أتى إليه رجل يريد أن يقتله فوقف على رأس الإمام ـ والإمام نائم ـ وفي يده خنجر مشحوذة فلم يقدر أن يضرب الإمام وأمسك الله على يده ، حتى انتبه الإمام ، فرآه واقفا على رأسه ، وبيده خنجر مشحوذة ، فسأله ما يريد؟ فقال : «ما يسعني غير عفوك». فعفى عنه ولم يعاقبه.

ومن فضائله ـ رحمه الله ـ أن بدويا ضلت له ناقة ، فمضى في طلبها فبينما هو يمشى ، إذ رأى أثر قدم إنسان ، فاستعظم ذلك القدم ، فجعل يقصها حتى انتهت به [إلى](٢) غابات شجر ، فسمع صوتا من داخل الشجر : «فمطيتك في موضع كذا ، فامض إليها. وقل للإمام ناصر بن مرشد يلزم هذه السيرة فإنها سيرة النبى صلى الله [م ٣٦٧] عليه وسلم» ، فمضى البدوي مرعوبا ، وقصد الموضع الذى وصفت له فيه ناقته ، فرى مطيته في الموضع الموصوف ، ثم مضى إلى الامام ورأى الإمام في نومه أن بدويا أتاه يبشره [أنه](٣) على سيرة النبي صلى الله عليه وسلم فلما وصل إليه البدوى ، رآه في يقظته (٤) ، كما رآه في نومه [فحدثه](٥) ، بما جرى عليه وبما سمع. فحمد الإمام الله على ذلك ، وأمر للبدوي بنصف جراب تمر ، وبنصف جري حب (٦) وثوب فمضى البدوي شاكرا ، ولفضل الإمام ذاكرا.

__________________

(١) ما بين حاصرتين تكملة من تحفة الأعيان للسالمي (ج ٢ ، ص ١٧)

(٢ ، ٣) ما بين حاصرتين إضافة لضبط المعنى

(٤) في الأصل (في يقضته)

(٥) ما بين حاصرتين إضافة لضبط المعنى

(٦) في الأصل (حرب)

١٤٣

ومن فضائله ـ رحمه الله ـ أنه كان يعطى نفقة ـ له ولعياله ـ من بيت المال. ولم يكن لهم صفرية (١) يطبخون فيها طعامهم. فكانت زوجته تنقص من النفقة قليلا قليلا ، حتى باعته ، واشترت منه صفرية. فلما رآها الإمام سألها «من أين لك هذه الصفرية؟» فأخبرته بما صنعت. فقال لها : «استعمليها ، وهي لبيت المال». وأمر وكيل الغالة (٢) أن ينقص من نفقتهم قدر ما كانت هي تنقصه ، والله أعلم.

وقيل إن القاضى [م ٣٦٨] محمد بن عمر دخل ذات يوم على الإمام ، فرآه متغير الوجه ، فسأله عن حاله فلم يخبره ، فألح عليه ، فأخبره أنه لم يكن معه شيء ينفقه على عياله لسنة العيد فذكر محمد بن عمر للوالي أن يدفع له شيئا (٣) من الدراهم من بيت المال فقيل إنه دفع له عشر محمديات والله أعلم.

وفضائله لا تحصى ، رحمه الله.

__________________

(١) الصفر : النحاس الجيد ، وقيل ضرب من النحاس تصنع منه الأواني. والصفار : صانع الصفر (لسان العرب) ومن الواضح أن المقصود بالصفرية قدر من النحاس يطهى فيه الطعام

(٢) المقصود الغلة ، وهو الداخل الذي يحصل من الزرع والثمر وغير ذلك قال ابن الأثير في تفسير الحديث (الغلة بالضمان) إن الغلة تعني الخراج (لسان العرب)

(٣) في الأصل (يشاء من الدراهم).

١٤٤

ذكر الأئمة بعد ناصر بن مرشد

[الإمام سلطان بن سيف :]

ثم إن المسلمين ، لما مات الإمام ناصر بن مرشد ـ رحمه الله ـ عقدوا للإمام سلطان بن سيف بن مالك اليعربي ، رحمه الله (١) فقام بالعدل ، وشمر وجاهد في ذات الله ، وما قصر. ونصب الحرب لمن بغى من النصارى بمسكد وسار لهم بنفسه ، حتى نصره الله عليهم وافتتحها. ولم يزل يجاهدهم في البر والبحر فاستفتح كثيرا من بلدانهم ، وخرب كثيرا من مراكبهم ، وغنم كثيرا من أموالهم.

فيقال إنما بنى (٢) القلعة التي بتروى من غنيمة الديو [من أرض الهند](٣) وقد لبث في بنائها اثنتى عشرة سنة ، وأحدث [م ٣٦٩] فلج البركة بين أزكى ونزوى ، وهو أقرب إلى أزكى.

وربما تكلم متكلم في إمامته من أسباب التجارات لأن له وكلاء معروفين بالبيع والشراء ، وجمع مالا. (٤)

__________________

(١) في الأصل (رحمه الله في ذلك)

(٢) في الأصل (بنا)

(٣) في الأصل (الديور) وما بين حاصرتين إضافة من تحفة الأعيان للسالمي (ج ٢ ، ص ٤٥) ، لتوضيح المعنى.

(٤) دأب بعض الخلفاء والسلاطين في الدولة الإسلامية على استثمار أموالهم في التجارة ، حتى صار لهذه التجارة ديوان أطلق عليه اسم (المتجر) وقد انتقد ابن خلدون هذا التصرف من جانب الحكام واعتبره منافسة غير مشروعة لرعاياهم ، لأن (الرعايا متكافئون في اليسار متقاربون ، ومزاحمة بعضهم بعضا تنتهى إلى غاية موجودهم. فإذا رافقهم السلطان في ذلك ـ وماله أعظم كثيرا منهم ـ فلا يكاد أحد منهم يحصل على غرضه في شيء من حاجاته)

(مقدمة ابن خلدون ، الفصل الأربعون ، ص ٢٨١)

١٤٥

واعتمرت عمان في دولته وزهرت ، واستراحت الرعية في عصره وشكرت ، ورخصت الأسعار ، وصلحت الأسفار ، وربحت التجار ، وسدت الأثمار (١).

وكان متواضعا للرعية ، ولم يكن محتجبا عنهم. وكان يخرج في الطريق بغير عسكر ، ويجلس مع الناس ويحدثهم ، ويسلم على الكبير والصغير ، والحر والعبد.

ولم يزل قائما مشمرا حتى مات ، رحمه الله ، وغفر له ، وقبر حيث قبر الإمام ناصر بن مرشد ، وكانت وفاته ضحى الجمعة ، سادس عشر ذى القعدة ، سنة [تسع وخمسين وألف سنة](٢) ، والله أعلم.

عقد الإمامة لولده بلعرب بن سلطان

فقد عقد لبلعرب هذا ، ولم تزل الرعية له شاكرة ، ولفضله ذاكرة وكان جوادا كريما وعمر [م ٣٧٠] يبرين (٣) ، وبناها حصنا ، وانتقل إليها من نزوى. ثم وقعت بينه وبين أخيه سيف بن سلطان فتن ، وأصاب كثيرا من أهل عمان ـ من فقهائهم (٤) ومشايخهم ، أهل ورع وزهد وعلم ـ

__________________

(١) من التسديد بمعنى التوفيق للسداد (لسان العرب).

(٢) «بياض» في الأصل ، وما بين حاصرتين تكملة من الفتح المبين لابن رزيق ، ص ٢٩٢.

(٣) كذا في الأصل ، وكذلك في الفتح المبين لابن رزيق (ص ٢٩٣) أما في تحفة الأعيان للسالمي (ج ٢ ، ص ٧٦) فقد جاء الإسم (جبرين) وهى تقع إلى الجنوب الغربي من بهلا وقد وصف السالمي (ج ٢ ، ص ٩٠) الحصن الذى بناه الإمام بلعرب فيها بأنه (كان من أعاجيب الزمان ، لا يستطيع أحد أن يصفه بجميع ما فيه).

(٤) في الأصل (من فقهاءهم).

١٤٦

عقوبات كثيرة ، إلى أن تلفت نفوسهم [من](١) اتباع السفهاء ، واقتفاء آرائهم ، وقبول كلمتهم.

ثم إنه خرج من نزوى ، وقصد ناحية الشمال ، ثم رجع إلى نزوى فمنعه أهل نزوى دخولها ، فسار إلى يبرين ، واجتمع أكثر أهل عمان ، وعقدوا الإمامة لأخيه سيف بن سلطان ، وأحسب أن بعضا عوقب بتركه الدخول في العقد.

إمامة سيف بن سلطان.

وخرج سيف على أخيه ، وأخذ كافة حصون عمان ، ولم يبق إلا حصن يبرين ، فسار إليه وحاصروه ، فوقعت بينهما (٢) الحرب ، حتى مات بلعرب في الحصار ، فطلب أصحابه ليخرجوا من الحصن فأمنهم سيف ، فخرجوا من الحصن ، وأحسب أن بعضا من أهل العلم لم يزالوا متمسكين بإمامته حتى مات. ويروون أن سيف بن سلطان باغ على أخيه [م ٣٧١].

واستولى سيف بن سلطان على كافة عمان ، فلم يزل مقيما منصفا بينهم رادا قويهم عن ضعيفهم. وهابته القبائل من عمان ، وغيرها من الأمصار.

وحارب النصارى في كل الأقطار ، وأخرجهم من ديارهم ، وابتزهم من قرارهم وأخذ منهم بندر ممباسا ، والجزيرة الخضراء ، وزنجبار ، وبتّه (٣) وكلوه ، وغيرهن. وهذه البلدان من ناحية الزنج بأرض السواحل (٤)

__________________

(١) ما بين حاصرتين إضافة

(٢) في الأصل (فوقع بينهم الحرب)

(٣) كذا في الأصل ، وفي تحفه الأعيان (ج ٢ ، ص ١٠٠) بت

(٤) انظر كتاب (جهينة الأخبار في تاريخ زنجبار) تأليف سعيد بن علي المغيري ـ تحقيق عبد المنعم عامر ، ص ١٠٦ وما بعدها.

١٤٧

وعمر عمان كثيرا ، وأجرى فيها الأنهار وغرس فيها النخل والأشجار وجمع مالا جما ، قيل [إن](١) الأصول التى صارت له بعمان [بلغت](٢) مقدار ثلث أصولها والأفلاج التى أجراها سبعة عشر فلجا حدثا (٣) ، منهن أفلاج مسفاة الرستاق ، وفلج الحزم ، وفلج الصائغى (٤) وفلج الهوب ، وأفلاج جمة في جعلان ، والبزيلي الذي عند البدو ؛ وغيرهن كثير.

وغرس في عمان ـ من ناحية بركة (٥) [من](٦) الباطنة [من](٧) الميسلي (٨) ـ ثلاثين ألف نخلة ، ومن النارجيل ستة آلاف وله غير ذلك أموال [في](٩) المصنعة [م ٣٧٢] من الباطنة ، لا تحصى (١٠) وملك إماء وعبيدا ، سمعت قيل عددهم ألف وسبع مائة

وكان شديد الحرص على المال ، وغرس أشجارا مجلوبة من البحر ، وأشجارا في الجبل ، مثل الورس (١١) والزعفران والبن وجلب له ذباب النحل.

__________________

(١) ما بين حاصرتين إضافة لسياق المعنى.

(٢) ما بين حاصرتين إضافة لسياق المعنى.

(٣) أى استحدثها ولم تكن موجودة قبله.

(٤) في المتن (الصايغى).

(٥) في الأصل (بركا) وتكتب في المصادر المعاصرة بالرسمين. [وما في الأصل أصح مما أثبته المحقق].

(٦) ما بين حاصرتين إضافة من تحفة الأعيان للسالمي (ج ٢ ، ص ١٠٠).

(٧) المرجع السابق.

(٨) صنفان من النخيل.

(٩) في الأصل (وغير ذلك أموال والمصنعة) والصيغة المثبتة من الفتح المبين لابن رزيق (ج ٢ ، ص ١٠٠)

(١٠) في الأصل (ولا تحصى).

(١١) الورس : نبت أصفر يكثر باليمن تتخذ منه الغمرة للوجه قال أبو حنيفة ؛ والورس ليس ببرى يزرع سنة فيجلس عشرين سنة ، أي يقيم في.

١٤٨

وقيل ملك من السفن أربعة وعشرين مركبا فالكبار خمسة ، [أسماؤها](١) : الملك ، والفلك (٢) ، والرحماني ، وكعب رأس (٣) ، والناصري ، والبواقى كبار ، ولكن ليس مثل هؤلاء فوصف الملك ، فيه ثمانون مدفعا ، وبعض المدافع عزم أصله من ورائه ثلاثة أشبار ، وعزم دفته قدر ثلاثة أذرع ، أدر ضف بعدما كان ، وعلوه سبع قامات دون الدقالة (٤) ، وأوصافه لا تحصى [أما بقية تلك](٥) المراكب ، [فإن] الفلك أعرض منه وربما طوله مثله ، إلا أنه أسخف (٦) والأواخر دون ذلك بقليل.

وقيل [إن](٧) رأس المال الذى بيد وكيله بمسكد سبعة وخمسون لكا محمدية ولا تحصى أوصاف أشباه.

وتوفي في الرستاق وقبره [م ٣٧٣] في القبة التي فوق القرن ، غربي قلعة الرستاق. [وكانت] وفاته ليلة ثالث من شهر رمضان ، من سنة ثلاث وعشرين سنة ومائة وألف سنة ، والله أعلم.

__________________

الأرض ولا يتعطل. ونباته مثل نبات السمسم ، فإذا جف عند إدراكه ، تفتقت خرائطه فينفض ، فينتفض منه الورس (لسان العرب)

(١) ما بين حاصرتين إضافة لضبط المعنى

(٢) في الأصل (المفلك) ثم تكرر الاسم صحيحا بعد قليل

(٣) في الأصل (كابراس) والصيغة المثبتة من تحفة الأعيان للسالمى (ج ٢ ، ص ١٠٠) وفي كتاب الفتح المبين لابن رزيق (ص ٢٩٥) كنبراس

(٤) الدقل والدوقل ؛ خشبة طويلة تشد في وسط السفينة يمد عليها الشراع ، وتسميه البحرية الصارى

(٥) في الأصل (وأولئك المراكب) وما بين حاصرتين إضافة

(٦) كل مارق فقد سخف ، ونصل سخيف طويل عريض (لسان العرب)

(٧) ما بين حاصرتين إضافة لضبط المعنى.

١٤٩

الإمام سلطان بن سيف :

ثم عقد لولده سلطان بن سيف فقام واستقام وجاهد الأعداء في البر والبحر. وحارب العجم في مواضع شتى ، وأخرجهم من بلدانهم ، ودمرهم في أوطانهم من البحرين ، والقشم ، ولارك (١) ، وهرموز ؛ وتلك البلدان التي بقرب ذلك.

وبنى (٢) حصن الحزم بالجص والحجر ، وانتقل من الرستاق إليه.

وأنفق ما ورث من أبيه من المال واقترض كثيرا من أموال المساجد والوقوفات ، ألوفا ولكوكا ، ولم تتحرك عليه حركة من أهل عمان ولا غيرها وربما ذلك بقية بقيت له من هيبة أبيه.

ومات في حصن الحزم الذي بناه ، وقبره في البرج الغربي ، النعشى منه (٣) [وكانت](٤) وفاته يوم الأربعاء في شهر جمادى الآخر ، لخمس ليال خلون منه ، سنة [م ٣٧٤] إحدى وثلاثين ومائة سنة وألف.

__________________

(١) كذا في الأصل ؛ وكذلك في الشعاع الشائع باللمعان (ص ٢٨٥) وفي تحفة الأعيان للسالمي (ج ٢ ، ص ١١١) لاك

(٢) في الأصل (بنا)

(٣) النعش : الارتفاع ـ يقال نعشه الله أى رفعه (لسان العرب)

(٤) ما بين حاصرتين إضافة لاستكمال المعنى

١٥٠

ذكر اختلاف اليعاربة وإمامة مهنا بن سلطان

[ولما مات سلطان بن سيف وقع الاختلاف بين](١) رؤوس القبائل الذين في قلوبهم العصبة والحمية ، وأرادو أن يكون مكانه ولده سيف ، وهو صغير لم يراهق ، وأراد أهل العلم أن يكون الإمام المهنا بن سلطان بن ماجد بن مبارك ، وهو الذى تزوج بنت الإمام سيف ، أخت سلطان هذا إذ هو فيما عندهم أنه أهل ذلك ، وأنه ذو قوة عليها ، ولم يعرفوا منه ما يخرجه من الولاية. ولم تجر الإمامة للصبي على حال ، كما لا تجوز إمامته للصلاة. فكيف يكون إمام مصر يتولى (٢) الأحكام ، ويلي الأمور والدماء والفروج؟ ولا يجوز أن يقبض ماله ، فكيف يجوز أن يقبض مال الله ومال الأيتام والأغياب ومن لا يملك أمره؟

فلما رأى الشيخ عدي بن سليمان الذهلي ـ القاضي (٣) ـ ميل الناس إلى ولد الإمام ولم يجد رخصة ليتبعهم على ذلك ، وخاف [م ٣٧٥] أن تقع الفتنة لاجتماع الناس على الباطل ، وربما أشهروا السلاح ووقع بعض الجراح. فأراد تسكينهم ، وتفرق إجماعهم ، فقال لهم : «أمامكم سيف بن سلطان بفتح الألف والميم الثانية ، من أمامكم يعني قدامكم ، ولم يقل» إمامكم «بكسر الألف وضم الميم الثانية ، الذي يكون بذلك الملك والسلطان القائم بالإمامة ، قال ذلك على معنى المندوحة (٤) فعند ذلك نادوا له بالإمامة»

__________________

(١) ما بين حاصرتين إضافة لاستكمال المعنى

(٢) في الأصل (يتولا) والمصر هو البلد أو القطر وجمعه أمصار

(٣) العبارة في الأصل بها خلط وتحريف ، نصها (فلما رأى الشيخ عدى بن سليمان أن راشد الذهلى القاضى ميل الناس ...) والصيغة المثبتة من تحفة الأعيان للسالمي (ج ٢ ص ١١٥) والفتح المبين لابن رزيق (ص ٣٠١)

(٤) الندح : السعة والفسحة ، وإنك لفي ندحة من الأمر ومندوحة منه أي سعة. والمقصود أنه قال ذلك على سبيل النعميم والتجاوز (لسان العرب)

١٥١

وضربت المدافع إظهارا وإشهارا ، وانتشر الخبر في عمان أن الإمام سيف بن سلطان.

فلما سكنت الحركة ، واهدان (١) الناس ، أدخلوا الشيخ المهنا حصن الرستاق خفية ، وعقدوا له الإمامة في هذا الشهر ـ الذي مات فيه سلطان ـ من هذه السنة. فقام بالأمر ، واستراحت الرعية في زمنه وحط عن الناس القعادات (٢) بمسكد ، ولم يجعل لها وكيلا وربحت الرعية في متجرها ، ورخصت الأسعار ، وبورك في الثمار. ولم ينكر [م ٣٧٦] عليه أحد من العلماء [شيئا](٣) ، وإن لم يكن هو كثير علم ، إلا أنه يتعلم ويسأل. ولم يقدم على أمر إلا بمشورة العلماء ، فلبث على ذلك سنة حتى قتل ظلما.

وقصة ذلك ، وسبب الفتنة بين أهل عمان ، وما جرى ووقع فيها فلما وقع العقد للإمام المهنا بن سلطان ، لم تزل اليعاربة وأهل الرستاق مسرين العداوة له ، وللقاضي عديّ بن سليمان الذهلي ، رحمه الله. ولم يزالوا بيعرب بن بلعرب بن سلطان يحرضونه على القيام والخروج حتى خرج على الإمام مهنا بن سلطان ، [و](٤) سار مختفيا إلى مسكد ، فما كان [بعض الوقت](٥) إلا وقيل أن يعرب بن بلعرب في الكوت الشرقي ، والوالي على مسكد الشيخ مسعود بن محمد [بن مسعود](٦) الصارمي الريامي ، وكان الإمام خارجا إلى فلج البزيلي من ناحية الجوّ ، فبلغه ، فرجع إلى الرستاق.

__________________

(١) كذا في الأصل ، وفي تحفة الأعيان للسالمى (ج ٢ ، ص ١١٦) وهدأت الناس

(٢) كذا في الأصل ، وكذلك في الفتح المبين لابن رزيق (ص ٣٠٢) وفي تحفة الأعيان للسالمى ، ج ٢ ص ١١٦ ، (القعودات) ونرجح أن المقصود باللفظ المكوس والضرائب غير الشرعية

(٣) ما بين حاصرتين إضافة

(٤) ما بين حاصرتين إضافة

(٥) في الأصل (ما كان إلا وقيل) والإضافة بين حاصرتين للإيضاح

(٦) كذا في الأصل ، وما بين حاصرتين غير موجود في تحفة الأعيان للسالمى (ج ٢ ، ص ١١٦) ولا في كتاب الفتح المبين لابن رزيق (ص ٣٠٢)

١٥٢

فقام [الإمام](١) وشمّر ، وجاهد وما قصر وطلب من أهل عمان النصر ، فخذلوه ولم ينصروه. ونصب له [م ٣٧٧] أهل الرستاق الحرب ، وحصروه في القلعة. ثم طلع يعرب من مسكد إلى الرستاق وسأل المهنا النزول من القلعة ، وأعطوه الأمان على نفسه وماله ومن معه ففكر في أمره ، فرأى أنه مخذول ، وليس له ناصر من أهل عمان ، فتبين له منهم الخذلان ، فأجابهم إلى ما أعطوه من الأمان ، فنزل من القلعة ، فزالت بذلك إمامته ، [فأخذوه وحبسوه وخشبوه وهو وواحد من عمومته وبعض أصحابه](٢).

فاستقام السلطان يعرب بن بلعرب ، ولم يدع الإمامة ، بل جعلوا الإمامة لسيف بن سلطان ، وهو القائم بالأمر ؛ إذ سيف صغير السن ، لا يقوم بأمر الدولة ، وسلمت له جميع حصون عمان وقبائلها ، وكان هذا في سنة ثلاث وثلاثين ومائة وألف ، فلبثا على ذلك حولا.

إمامة يعرب بن بلعرب :

ثم إن القاضى عدي بن سليمان الذهلي ، استتاب يعرب بن بلعرب من جميع أفعاله وبغيه على المسلمين ، وأن يعرب كان مستحلا في خروجه ، هذا فلم يلزمه ضمان ما أتلف ، لأن المستحل لما ركبه ليس عليه [م ٣٧٨] ضمان إذا تاب ورجع. فعند ذلك عقد له الإمامة في سنة أربع وثلاثين ومائة ألف ، فاستقام له الأمر ، وسلمت له حصون عمان.

__________________

(١) ما بين حاصرتين إضافة للإيضاح

(٢) ما بين حاصرتين إضافة من تحفة الأعيان (ج ٢ ، ص ١١٦)

١٥٣

ثم ما لبث أياما قلائل في الرستاق وجاء إلى نزوى فدخلها يوم تسعة وعشرين من شعبان من هذه السنة ، فلم يرض أهل الرستاق أن يكون [يعرب](١) إماما ، وأظهروا (٢) العصبة لسيف بن سلطان ، فلم يزالوا يكاتبون بلعرب بن ناصر اليعربي ، وهو خال سيف بن سلطان هذا لولد ، وهو مقيم بنزوى مع [الإمام](٣) يعرب.

فلم يزالوا يحرضونه حتى خرج من نزوى ليلة ست مضت من شوال من هذه السنة. وقصد بلاد سيت ، فحالف بني هناة على القيام معه ، على أن يطلق لهم ما حجّر (٤) عليهم الإمام ناصر بن مرشد من البناء (٥) وحمل السلاح وغير ذلك ، وأعطاهم عطايا جزيلة ، فصاحبوه إلى الرستاق.

فاستقامت (٦) الحرب في الرستاق ، وأخرجوا الوالي منها. وذلك أنهم أحرقوا باب الحصن ، فاحترق مقدم الحصن جميعا (٧) واحترق ناس كثير من بني هناة ورؤسائهم ، ورؤساء بني عدي. وفيما بلغنا أنه احترق مائة رجل ، وخمسون رجلا واحترقت كتب كثيرة ، مثل : بيان الشرع والمصنف ، وكتاب الاستقامة ، ومجلبات الطلسمات قدر أربعين مجلبا. واحترقت كتب كثيرة ، ولم يكن لها نظير بعمان.

__________________

(١) ما بين الحاصرتين إضافة للإيضاح

(٢) في الأصل (فأظهروا)

(٣) ما بين حاصرتين إضافة للإيضاح

(٤) ما حجر عليهم الإمام أي ما منعه وحرمه. وأصل الحجر في اللغة : ما حجرت عليه أي منعته أن يوصل إليه ، وكل ما منعته منه فقد حجرت عليه (لسان العرب)

(٥) في الأصل (من البنا)

(٦) في الأصل (فاستقام الحرب)

(٧) في الأصل (فاحترق باب مقدم الحصن جميعا) ويبدو أن لفظ باب تكرر ذكره سهوا (انظر الفتح المبين لابن رزيق ص ٣٠٣)

١٥٤

وظهر من هذا الحرق مال عظيم ، مضموم في والج الجدر ، فلما انكسر الجدار ، ظهر ذلك.

فلما بلغ الخبر إلى [الإمام](١) يعرب بن بلعرب بما صنع أهل الرستاق قدر (٢) سرية ، وأمر عليها صالح بن محمد بن خلف السليمي الأزكويّ من حجرة (٣) النزار وأمره بالمسير إلى الرستاق فسار حتى وصل إلى العوابي ، فلم تكن (٤) لهم قدرة على الحرب ، فرجعوا.

ثم إن بلعرب بن ناصر كتب إلى والى مسكد ، أن يخلصها لهم ، وكان الوالي بها حمير بن منير [م ٣٨٠] بن سليمان الريامي الأزكويّ ؛ يسكن حارة الرحاء (٥) ، فخلصها لهم ، وخلصت لهم قرية نخل ، بغير حرب.

ثم أخرجوا سرية عليها مالك بن سيف بن ماجد اليعربي ، فوصل إلى سمائل وافتتحها بغير حرب ، وصحبه بنو رواحة فجاء إلى أزكى فأخذها (٦) بغير حرب فخرج الوالي منها ؛ وذلك في شهر القعدة من هذه السنة.

ثم إن [الإمام](٧) يعرب خرج بمن معه من أهل نزوى وبني ريام والقاضي عدي بن سليمان الذهلي ، ووصل إلى أزكى ، وخرج إليه مشايخ أزكى بالضيافة (٨) والطعام ، وقالوا له : «نحن معك» ، فمكث يكاتب

__________________

(١) ما بين حاصرتين إضافة للإيضاح

(٢) في الأصل (فقدر)

(٣) الحجرة هي الناحية

(٤) في الأصل (يكن)

(٥) في الأصل (الرحى) والصيغة المثبتة من تحفة الأعيان للسالمي (ج ٢ ، ص ١١٨)

(٦) في الأصل (فأخذوها)

(٧) ما بين حاصرتين إضافة للإيضاح

(٨) في الأصل (بالضيفة)

١٥٥

مالك بن سيف ليخرج من الحصن ـ يومين ـ فلم يخرج ، فنصب له يعرب الحرب ، فضربه ضربتين بمدفع (١).

ثم وصلت إلى يعرب عساكر بني هناة ، يقدمهم علي بن محمد العنبوري الرستاقي ، فتفرقت عساكر يعرب ، وكثر فيهم القتل ودخلت رصاصة مدفع عند الحرب في فم مدفع (٢) يعرب ، وبقي مخذولا ، ورجع إلى نزوى.

وأما القاضي عدي [بن سليمان ، فإنه](٣) سار [م ٣٨١] إلى نحو الرستاق. فلما وصل إليهم أخذوه ـ هو وسليمان بن خلفان وغيرهما ـ وصلبوهم. وجاءهم من جاءهم من أعوان بلعرب بن ناصر ، فقتل سليمان بن خلفان والقاضى عدى بن سليمان مصلوبين ، وسحبهما أهل الرستاق ، وذلك يوم الحج الأكبر من هذه السنة.

ثم مضى العنبوري (٤) إلى نزوى ، وجعل يكاتب [الإمام](٥) يعرب من قلعة نزوى ، ودخل على يعرب ناس من أهل نزوى ، وسألوه الخروج منها لأجل حقن الدماء ، فلم يزالو به حتى أعطاهم ذلك ، على أن يتركوه في حصن يبرين (٦) ، ولا يتعرضوا له بسوء ، فأعطوه العهد على ذلك وخرج من نزوى ، فزالت بذلك إمامته.

__________________

(١) في الأصل (ضربتين مدفع)

(٢) في الأصل (في فم قوم يعرب) والتصحيح من تحفة الأعيان (ج ٢ ، ص ١١٨)

(٣) ما بين حاصرتين إضافة للإيضاح

(٤) في الأصل (ثم مضى صاحب العنبورى) وفي كتاب الفتح المبين (ثم مضى صاحب العنبور والصيغة المثبتة من تحفة الأعيان (ج ٢ ، ص ١١٩)

(٥) ما بين حاصرتين إضافة

(٦) جبرين

١٥٦

ذكر انقسام أهل عمان

ودخل صاحب العنبور قلعة نزوى ، وضرب جميع مدافعها ، ونادى بالإمامة لسيف بن سلطان ، وخلصت لهم جميع حصون عمان وسلمت لهم كافة القبائل والبلدان فاستقام أمرهم على ذلك شهرين ، إلا ثلاثة أيام ، حتى أراد الله ظهور ما سبق في علمه ، أنه سيكون على أهل عمان بما غيروا وبدلوا (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ)(١)

وفي ذلك الامتحان ليظهر المتثبت في دينه المخلص في سريرته ، ممن زلق في دينه ، وخالف علانيته سريرته ، في علم الله. قال تعالى (الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ)(٢) وقال جل وعلا (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ ، فَإِذا أُوذِيَ فِي اللهِ ، جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللهِ. وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ. وَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ)(٣)

وعلم الله ظهور هاهنا ما سبق في علمه من القدر المحتوم ، فيظهر من كل ذي فعل فعله ، فيعاقب بما عصى (٤) ، ويثاب بما أطاع (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا ، وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى)(٥). والفتنة هاهنا [م ٣٨٣] الاختبار ـ كما يختبر الذهب الإبريز بالنار ـ وقيل : عند الامتحان يكرم الرجل أو يهان.

__________________

(١) سورة الرعد : الآية ١١

(٢) سورة العنكبوت : الآيتان ١ ، ٢

(٣) سورة العنكبوت : الآيتان ١٠ ، ١١

(٤) في الأصل (بما مضى)

(٥) سورة النجم : الآية ٣١

١٥٧

فلما استقر الأمر ليعرب بن ناصر على أنه القائم بالدولة ، وعلى أن الإمام سيف بن سلطان ، وفدت (١) إليهم القبائل ورؤساء البلدان يهنئونهم بذلك. ثم وقع من بلعرب بن ناصر تهدد على بعض القبائل ، وخاصة بني غافر وأهل بهلا (٢) فقيل إنه لما قدم محمد بن ناصر بن عامر بن رميثة الغافري في جماعة من قومه (٣) ، وقع عليهم تهدد من بلعرب بن ناصر ، فرجع محمد بن ناصر بمن معه مغضبا ، وجعل يكاتب يعرب بن بلعرب وأهل بهلا ليقوموا بالحرب ، وركب هو قاصدا إلى البدو ؛ من الظفرة وبني نعيم ، وبني قتب ، وغيرهم.

وأما بلعرب بن ناصر ، [فإنه](٤) أرسل إلى رؤساء نزوى ليصلوا إليه ، فاجتمع كثير من رؤسائها ، ومضوا إليه ، فرأوا [منه](٥) محلا وكرامة ، وأمرهم بالبيعة لسيف بن سلطان.

ثم إنه سرى (٦) سرية ، وأمر عليها سليمان بن ناصر ـ أعني أخاه ـ وأمره [م ٣٨٤] بالمسير من جانب وادي سمائل إلى يعرب ليأتي به إلى الرستاق ، وأمر أهل نزوى (٧) أن يصحبوا تلك السرية ، فلم يزالوا يتشفعون بأهل الرستاق إليه لعذرهم من ذلك ، فعذرهم ، ومضت السرية

__________________

(١) في الأصل (ووفدت)

(٢) في الأصل (وابهلاء) والصيغة المثبتة من الفتح المبين لابن رزيق ص ٣٠٦

(٣) في الأصل (لما قدم محمد بن ناصر بن عامر مر الغافرى في جماعة من قومه) والصيغة المثبتة من المرجع السابق (ص ٣٠٦)

(٤) ما بين حاصرتين إضافة

(٥) ما بين حاصرتين إضافة

(٦) في الأصل (سرا)

(٧) في الأصل (وأمر على أهل نزوى)

١٥٨

حتى وصلت فرق (١) ، وباتت فيها ، فبعث لهم أهل نزوى بطعام وعشاء.

فبينما هم كذلك ، إذ سمعوا ضرب المدفع في قلعة نزوى ، فسألوا : ما الخبر؟ فقيل لهم : إن يعرب بن بلعرب دخل القلعة ، فعند ذلك رجعوا إلى أزكى ، فأشار من أشار على سليمان بن ناصر بقبض حصن أزكى ، [ففعل ذلك](٢).

وكان بلعرب بن ناصر قد سرى سرية أخرى إلى يعرب ، وبعثهم من جانب الظاهرة فلما وصلوا بهلا ، قيدوهم (٣) بها وبعث سرية أخرى إلى وادي بني غافر ، فانكسرت ورجعت إلى الرستاق.

وأما يعرب ، فإنه بعث سرية إلى أزكى ، تسحب (٤) مدفعين ، فلما وصلوا أزكى ركضوا على الحصن ، وانكسروا ، وقتل منهم ناس ، ورجعوا إلى نزوى. ثم [م ٣٨٥] بعث سرية ثانية إلى أزكى ، فأقاموا بالجنى الغربيات ـ عند الطريق الجائز (٥) ـ يومهم ؛ وأصبحوا من الليل راجعين ، ولم يكن بينهم (٦) حرب ثم بعث سرية أخرى ، ووصلوا إلى أزكى ، ومكثوا بالجنى الغربيات يضربون الحصن بالمدافع ، فمكثوا على ذلك قدر عشرة أيام.

ثم وصل مالك بن ناصر من الرستاق إلى أزكى ، فخرج هو وأهل الحصن إلى قوم يعرب ، على سدّى وحارة الرحى (٧) من أزكى ، فنهبوا

__________________

(١) في الأصل (فرقا)

(٢) ما بين حاصرتين إضافة من تحفة الأعيان للسالمي (ج ٢ ، ص ١٢٠)

(٣) في الأصل (وقيدوهم بها)

(٤) في الأصل (ويسحب مدفعين)

(٥) في الأصل (الجايز)

(٦) في الأصل (منهم)

(٧) في الأصل (حارة الركى) وفي الفتح المبين لابن رزيق (ص ٣٠٧) (حارة الرحى) والصيغة المثبتة من تحفة الأعيان للسالمي (ج ٢ ، ص ١٢١)

١٥٩

من طرفيهما ، وأحرقوا مقام حمير بن منير وكان (١) خارجا من حارة الرحى (٢).

ثم ركض ولاة سرية يعرب على أهل اليمن من أزكى ، فانكسروا ، وقتلوا والي السرية ، محمد بن سعيد بن زياد البهلوي ، وقيل لمالك بن ناصر إن أهل النزار خرجوا مع سرية يعرب حتى ركضوا على اليمن ، فأرسل إلى مشايخ النزار ، وقيدهم بالجامع من أزكى.

ثم إنه أرسل إلى أهل الشرقية ، فجاءت منها عساكر كثيرة وجاء بنو هناءة بخلق كثير.

واجتمع العساكر بأزكى [م ٣٨٦] فركضوا على سرية يعرب ، وأخرجوا الطبول وأناسا قليلا من جانب المنزلية (٣) وخرجت العساكر من جانب العتب (٤) يوم الجمعة عند زوال الشمس ، فكانت بينهم وقعة عظيمة ، سمع فيها ضرب التفق (٥) كالرعد القاصف وبرق السيوف كالبرق المتراسل. فانكسرت سرية بعرب ، فوقع فيهم القتل غير قليل ، وقتل من الفريقين قدر ثلاث مائة رجل ، والله أعلم.

ثم إن مالك بن ناصر ارتفع بمن معه من العساكر ، وقصد قرية منح وأغارت شرذمة من قومه على فليج وادي الحجر ، فقتلوا منه ناسا ، ونهبوا ما فيه ، وأحرقوا بيوتها ، وقتلوا (٦) من قتلوا ، وتفرقت أهلها

__________________

(١) في الأصل (كان)

(٢) في الأصل (من حارة إلى الرحى)

(٣) في الأصل (المنزلة) والصيغة المثبتة من كتاب الفتح المبين (ص ٣٠٧) وتحفة الأعيان (ج ٢ ، ص ١٢١)

(٤) في الأصل (المعنب) والصيغة المثبتة من تحفة الأعيان للسالمي (ج ٢ ، ص ١٢١)

(٥) أي البنادق

(٦) في الأصل (واقتلوا)

١٦٠