تاريخ أهل عمان

المؤلف:


المحقق: دكتور سعيد عبد الفتاح عاشور
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الطبعة: ٢
الصفحات: ١٨٩

إثمه على الذين يبدلونه ، إن الله سميع عليم» (١)

وكان هذا القضاء عشية الأربعاء ، لسبع أو لتسع ـ ليال خلون من جمادى الآخر ، من سنة سبع وثمانين وثماني مائة وكان هذا في عقده الثاني ، لأنه لما نصب أولا (٢) أقام سنة ، وخرج عليه سليمان بن سليمان [بن مظفر النبهانى] ، فانكسر ، وعسكر بحممت من وادي سمائل ، لعله وادي بني رواحة ، ثم نصبه ثانية [الشيخ](٣) محمد بن سليمان بن أحمد بن مفرج القاضي ، في سنة أربع وتسعين بعد ثماني مائة من الهجرة.

ثم نصب [من بعده] عمر الشريف ، وأقام سنة ، ثم خرج إلى بهلا فنصب أهل نزوى محمد بن سليمان ثانية ، ثم عقدوا لأحمد بن عمر بن محمد الربخي (٤) ، ثم عقد لأبى الحسن بن عبد السلام [النزوي](٥) ، وأقام دون السنة ثم خرج عليه سليمان بن سليمان [بن مظفر النبهاني](٦) ثم نصب محمد بن سليمان أيضا ، [م ٣١٦] وأقام أياما.

الإمام محمد بن إسماعيل الحاضرى :

ثم عقد لمحمد بن إسماعيل (٧) ، الساكن حارة الوادي الغربية ، من

__________________

(١) سورة البقرة : آية ١٨١

(٢) يعني الإمام عمر بن الخطاب بن محمد والعبارة في الأصل بها تعريف في النسخ نصها (لم يصب أولا ...)

(٣) في الأصل (ثم نصب ثانية من بعده محمد بن سليمان) والتصويب والإضاف بين الحواصر من كتاب الفتح المبين ، ص ٢٥٨

(٤) في الأصل (الزنجى) وهو تحريف والتصويب من تحفة الأعيان للسالمي (ج ١ ، ص ٣٧٦ والشعاع الشائع لإبن رزيق (ص ٨٢)

(٥) ما بين حاصرتين إضافة من تحفة الأعيان للسالمي (ج ١ ، ص ٣٧٦)

(٦) ما بين حاصرتين إضافة

(٧) في الأصل (محمد بن أسماعيل الإسماعيلي)

١٠١

سكة [باب النزار من أزكى](١) وسبب ذلك أن سليمان بن سليمان هجم على امرأة تغسل من فلج الغنتق ، فخرجت من الفلج هاربة عريانه ، فجعل يعدو في أثرها حتى وصل حارة الوادي ، فرآهما محمد بن إسماعيل ، فخرج إليه وقبضه عنها ، وصرعه على الأرض ، حتى مضت المرأة ، ودخلت العقر (٢) ، وخلّى (٣) سبيله.

فعند ذلك فرح به المسلمون لما رأوا من قوته في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ونصبوه إماما ، وذلك في سنة ست وتسع مائة [ومات](٤) يوم الخميس لتسع ليال بقين من شوال سنة اثنين وأربعين وتسع مائة.

بركات بن محمد بن إسماعيل :

ونصب ولده بركات في اليوم الذي مات فيه أبوه.

ثم لما كان يوم السبت لعشر ليال بقين من المحرم سنة خمس وستين بعد تسع مائة ، خرج بركات بن محمد [من](٥) حصن بهلا [يريد نزوى](٦) ودخله محمد بن جفير بن على بن هلال الجبرى ، وذلك بعد أن دخل السلطان الأعظم [م ٣١٧] ـ سلطان بن المحسن بن سليمان بن نبهان ـ نزوى ، وملكها في سنة أربع وستين بعد تسع مائة.

__________________

(١) في الأصل (من سكة مراروة) والصيغة المثبتة من الفتح المبين ، ص ٢٥٩

(٢) في الأصل (المعقرا) والصيغة المثبتة من تحفة الأعيان للسالمي ، ج ١ ، ص ٣٧٩ جاء في لسان العرب أن العقر والعقار المنزل والضيعة.

(٣) في الأصل (وخلا).

(٤) ما بين حاصرتين إضافة لضبط المعنى.

(٥) ما بين الحواصر إضافة لضبط المعنى.

(٦) نفسه

١٠٢

ثم ثبت حصن بهلا في يد محمد بن جفير ، إلى أن اشتراه منه آل عمير ، بثلاث مائة لك ، ودخل آل عمير حصن بهلا يوم الثلاثاء لتسع ليال بقين من جمادى الآخر سنة سبع وستين وتسع مائة.

ولعل كان الإمام عمر بن قاسم الفضيلى في أيام عبد الله بن محمد القرن (١) في منح ، يوم الجمعة لخمسة عشر يوما من رجب سنة سبع وستين وتسع مائة. ودخل حصن بهلا يوم الإثنين لليلتين بقين من هذا الشهر من هذه السنة.

ثم لما كانت (٢) ليلة الأربعاء لثلاث ليال بقين من شهر رمضان سنة ثماني وستين وتسع مائة ، دخل بركات بن محمد بن إسماعيل حصن بهلا ، وأخرجوا منه عبد الله بن محمد القرن ، وكان الفقية أحمد بن مداد يبرأ من محمد بن إسماعيل ، وولده بركات بن محمد ، وله في ذلك سيرة طويلة تركتها اختصارا.

__________________

(١) في الأصل (بركات بن محمد القرن) وهذا خلط في النسخ وتتضح العبارة مما ذكره السالمي في تحفة الأعيان (ج ١ ، ص ٣٨٦) ونصه «وقدم من لم يرض إمامة بركات غيره إماما ، فنصبوا عمر بن القاسم الفضيلى في أيام بركات .... ولم يؤرخوا وقت بيعته ولا وقت وفاته. ثم نصب أيضا عبد الله بن محمد القرن إماما في منح يوم الجمعة لخمسة عشر يوما من رجب سنة سبع وستين وتسعمائة. ودخل حصن بهلى يوم الاثنين».

(٢) في الأصل (كان)

١٠٣
١٠٤

ملوك بني نبهان الأواخر

قيل إنه لما مات [م ٣١٨] سلطان بن المحسن ـ وكان موته يوم الإثنين لاثنتي عشرة لية بقيت من شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وسبعين وتسع مائة (١) ، ترك ثلاثة أولاد ، وهم : طهماس بن سلطان ، وسلطان بن سلطان ، ومظفر بن سلطان (٢).

وكان المظفر هو المتقدم عليهم في الملك ، إلى أن مات وترك ولده سليمان صغيرا ، لا يقوم برئاسة (٣) الملك وكان عم أبيه ـ فلاح بن المحسن مالكا لحصن مقنيات فلما علم بموت مظفر ، جاء إلى بهلا ، وأقام مكانه ، وعدل في ملكه وملك سبع سنين ، ثم مات.

فملك من بعده سليمان بن مظفر ، وهو ابن اثنتي عشرة سنة (٤) واستولى على الأمر في عمان ونواحيها ، وأخذ خراجها من الطائع (٥) والعاصي ، والداني والقاصي وحاربه أهل نزوى ، وكان معهم جبري يقال له محمد بن جفير ، وعنده جيش عظيم فطلع إليه سليمان بن مظفر ، وعرار بن فلاح ، وعندهم ناصر بن قطن ، ومن معهم من العساكر.

__________________

(١) في الأصل (وتسع مائة سنة)

(٢) في الأصل (ومظفر بن سليمان)

(٣) في الأصل (برياسة)

(٤) في الأصل (اثنى عشر سنة)

(٥) في الأصل (الطايع)

١٠٥

فلما [م ٣١٩] التقوا ـ هم ومحمد بن جفير ـ استقام بينهم القتال ، فقتل محمد بن جفير ، وانكسر قومه. وكان قطن بن قطن ينتظر الأمر بينهم ، فنادى بالكف بين القوم عن القتال.

وكان محمد بن جفير [له ولد صغير السن](١) ـ واسمه محمد بن محمد ـ وأمه بنت عمير بن عامر ، فتزوجها سليمان بن مظفر ، بعدما قتل زوجها [محمد بن جفير](٢) فركب [سليمان](٣) بها البادية ، فكان بالشتاء ببادية الشمال ، ويترك ابن (٤) عمه عرار بن فلاح ببهلا ، وإذا جاء الصيف رجع إلى بهلا.

وكان مهنا بن محمد الهديفي مالكا بلد صحار ، فعلم أن العجم متأهبون إليه ، أرسل إلى سليمان مظفر لينصره عليهم ، فلبّى (٥) دعوته ، وأطاع كلمته فخرج بمن عنده من العسكر ، وتكاملت القوم بصحار ، ووصلت إليهم العجم ، فاستقام بينهم القتال ، وعظم النزال ، وارتفع العجاج ، وأظلم الفجاج ، فانكسر جيش العجم ، وقتل منهم من (٦) شاء الله.

ورجع سليمان بن مظفر إلى داره بهلا ، وعنده بنو عمه ، وهم عشرة : عرار ، ونبهان ، ومخزوم ، وأولاد فلاح بن [م ٣٢٠] المحسن ، وكان المقدم عليهم عرار ، وأما أخوه نبهان ، فلا يملك رأيا دون أخيه ، وكان لعرار (٧) بن فلاح ملك الظاهرة ، وأعطى (٨) سليمان بن مظفر مخزوما (٩)

__________________

(١) ما بين حاصرتين إضافة لاستكمال المعنى ، من تحفة الأعيان للسالمي (ج ١ ص ٣٨٨).

(٢) ما بين حاصرتين إضافة لتوضيح المعنى

(٣) ما بين حاصرتين إضافة لتوضيح المعنى

(٤) في الأصل (بن)

(٥) في الأصل (فلبا)

(٦) في الأصل (ما شاء)

(٧) في الأصل (عرار)

(٨) في (وأعطا)

(٩) في الأصل (محروما)

١٠٦

ملك ينقل ، فبقي (١) عندهم تسعة ، أحدهم حمير بن حافظ وعنده أربعة : حافظ وسلطان وكهلان وهود ، كلهم أولاد حمير فمات حافظ بن حمير بعد رجوعهم إلى بهلا بسنة زمانا (٢) وبقي معه من بني عمه إثنان من العشرة : مهنا بن محمد بن حافظ ، وعلي بن ذهل بن محمد بن حافظ ، وهم على يدي (٣) سليمان بن مظفر.

وكان لسليمان وزراء في القرية ، وفي النزاز من قرية أزكى ، وفي سمد الشان ، وكانت سمد الشان لقبيلة الجهاضم. وكان جائرا (٤) عليهم ، ففروا منها من شدة جوره وبطشه ، فتفرقوا في البلدان مدة ثلاثين سنة ، وهم يحتالون في دخولها ، والتوصل إليها.

وكان بنو هناة من أقرب الناس إلى سليمان بن مظفر ، وكانوا أكثرهم عددا وعدة ، وبأسا وشدة. وكان فيها رجلان [م ٣٢١] يليان أمرهم ، وهما خلف بن أبي سعيد ، وسيف بن محمد بن أبي سعيد ، وكانا عنده قدوة أهل زمانهم ، [فافترقوا](٥).

وكان سبب الفرقة بينهم ، أن قبيلتين من أهل سيفم ، إحداهما بنو معن والأخرى بنو النير [اقتتلتا](٦) ، وكانتا عصبة لبني هناة ، وخصمهم واحد ثم وقعت الفرقة بين بني المعن وبني النير ، وسبب ذلك أن امرأة من بني معن.

__________________

(١) في الأصل (فلقوا) والصيغة المثبتة من تحفة الأعيان ، ج ١ ، ص ٣٨٩.

(٢) في الأصل (زمان).

(٣) في الأصل (على يد).

(٤) في الأصل (جايرا).

(٥) ما بين حاصرتين إضافة لاستكمال المعنى.

(٦) ما بين حاصرتين إضافة من تحفة الأعيان للسالمى (ج ١ ، ص ٣٩٠).

١٠٧

دخلت زرعا لبني النيّر تحش منه ، فمرت عليها أمة رجل من بني النيّر ، فقالت : «اخرجي من زرع سيدي». فأبت ؛ فوقع بينهما الجدال. فضربت الأمة المرأة ، ففقأت عينها. فخرج ذات يوم حمار لبنى النّير ودخل زرعا لبني معن ، فقطعت أذنه ، فوقعت الفتنة بينهما ، وكان (هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ. إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ)(١)

وأصل الفتنة كالنار اليسيرة ، تحرق الأشياء الكثيرة ، فافترق عند ذلك القوم فرقتين : فأما بنو معن وبنو شكيل فهم مع [سليمان بن](٢) مظفر ؛ وبنو النيّر مع بني هناة.

فعند ذلك سار خلف بن أبي [م ٣٢٢] سعيد إلى داره ـ دارسيت ـ ، هو وبنو عمه ، وكان سليمان بن المظفر بالبادية ، فعلم بذلك ، وأرسل إلى وزيره محمد بن خنجر أن قل لخلف يترك شأن القوم ، فأرسل إليه بالكف عن ذلك فغلب القوم عن ذلك ، [وأظهروا أنهم](٣) يريدون الإصلاح بين بني معن وبني النيّر فأرسل الوزير إلى مولاه سليمان (٤) : إن خلفا غلب (٥) عن التكفية. فندب سليمان بن المظفر إلى الوزير : تراك افعل في أموال بني هناة من الغزية من كدم ، فأمر الوزير بخراب أموال بني هناة من كدم.

وكانت تلك الأموال للشيخ (٦) خلف بن أبي سعيد فوقعت العداوة والبغضاء بينهما ، وعند ذلك أمر الشيخ خلف بني عمه أن اغزوا بهلا ؛

__________________

(١) سورة القصص : آية ١٥

(٢) ما بين حاصرتين إضافة لتحديد المعنى

(٣) ما بين حاصرتين إضافة لاستكمال المعنى

(٤) في الأصل (فأرسل الوزير إلى مولاه أن سليمان أن خلفا ....)

(٥) في الأصل (نكل)

(٦) في الأصل (وكانت تلك أموال الشيخ)

١٠٨

فغزوها ، فقتلوا من قتلوا منها ، فكتب الوزير محمد بن خنجر إلى سليمان بن المظفر بما جرى في بهلا.

فلما علم سليمان ذلك قصد من الشمال إلى بهلا ، وأراد الصلح بينه وبين [بني] هناة ، فلم يقع صلح ، وهيأ كل واحد منهما الحرب لصاحبه ؛ فجمع السلطان سليمان (١) [م ٣٢٣] بن المظفر ما عنده من العسكر ليقاتل بني هناة. فعلم بذلك الشيخ [خلف](٢) ؛ فأرسل إلى الأمير (٣) عمير بن حمير ملك سمائل ينتصر به على السلطان [سليمان](٤) بن المظفر ، فسار بعسكره إلى غبرة (٥) بهلا ، فالتقى هو والأمير عمير بن حمير فاستقام الحرب بينهما ساعة من النهار ؛ ثم رجع سليمان إلى بهلا.

ورجع الأمير عمير إلى سمائل ، وترك بعض قومه في دارسيت وكان الأمير عمير ذا خلق حسن واسع فلما وصل إلى سمائل ، أرسل إلى بنى جهضم ـ وهم متفرقون في قرى شتى ـ فأقبلوا إليه ، فوقعت (٦) بينهم الألفة واثبات الصحبة ، ثم أرسل إلى سلطان الرستاق ـ [وهو] مالك بن أبي العرب ـ ليصله (٧) إلى سمائل ، فسار مالك بن أبي العرب ، وصحبه ابو الحسن علي بن قطن ، فلما وصلا إلى سمائل ، ساروا مع بني جهضم إلى سمد الشان ، وبنوا لهم بنيانا حول دارهم ، وترك عندهم الأمير البعض من قومه ، وترك لهم ما يحتاجون له من الطعام والشراب وآلة الحرب ؛ ورجع [م ٣٢٤] إلى سمائل.

__________________

(١) في الأصل (السلطان بن سليمان)

(٢) ما بين حاصرتين إضافة لتوضيح المعنى

(٣) في الأصل (الوزير) والتصويب من تحفة الأعيان للسالمى ج ١ ص ٣٩٠

(٤) ما بين حاصرتين إضافة لاستكمال المعنى

(٥) الغبراء : الأرض ، لغبرة لونها

(٦) في الأصل (فوقع)

(٧) في الأصل (يصله)

١٠٩

وأما بنو هناة وسليمان بن المظفر ، فإنهم لم تنقطع بينهم الغزوات.

ثم إن الأمير عمير بن حمير ، والسلطان مالك بن أبي العرب سارا إلى نزوى ، وهما ينتظران الأمر ، وكان لمالك بن أبي العرب وزير في عيني من الرستاق ، فدخل عليه أهل الدار ، وأخرجوه منها وجاء رجل من أهل عيني إلى سليمان بن المظفر ، يطلب منه النصر على الخصم ، فأعانه ببعض قومه ، وأرسل معه عرار بن فلاح (١).

فجاء الخبر إلى السلطان مالك بن أبي العرب ، لما جرى في داره ، فأراد المسير إلى داره ، فقال له الأمير عمير «قف معنا ولا تخف ؛ فهذا من علامات السرور». فقال : «كيف ذلك والعدو في داري؟». فقال الأمير عمير (٢) : ذلك عندي! وإنا إن شاء الله من الغالبين ، قال الله تعالى (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً. إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً)(٣). وكما قال الشاعر :

إذا الحادثات بلغن المدى

وكادت تذوب لهن المهج

وحل البلاء وقلّ العزى

فعند التناهي يكون الفرج

[م ٣٢٥] ثم إن بني هناة أرسلوا إلى عمير بن حمير أن أقبل علينا بمن عندك من القوم لندخل بهم بهلا ، فسار هو ومن معه إلى بعض الطريق ، فنظر إلى قومه ، فاستقل عددهم فرجع إلى نزوى ، وكان (٤) بنو هناة ينتظرونه في ليلة كانت بينهم للدخول (٥) ، فلم يصل إليهم ، فسار إليه الشيخ سيف بن محمد من دار سيت إلى نزوى ، وجرى بينهما جدال كثير من باب العتاب.

فقال الأمير عمير بن حمير : خذ من القوم ما شئت ، فأخذ من عنده قوما كثيرا ، لا يعلم عددهم إلا الله ، فسار بهم إلى دراسيت ، والأمير عمير ينتظر الأمر بنزوى.

__________________

(١) في الأصل (عزان بن فلاح) وهو تحريف في النسخ

(٢) في الأصل (حمير) وهو تحريف في النسخ

(٣) في الأصل (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) (سورة الشرح : الآيتان ٥ ، ٦)

(٤) في الأصل (وكانوا)

(٥) في الأصل (الدخول)

١١٠

فجاء الخبر إلى سليمان بن المظفر أن القوم طلعوا من نزوى إلى دارسيت فمنهم من يقول قاصدون للقرية ، ومنهم من يقول سيفم ، ومنهم من يقول بهلا ، فقسم سليمان قومه ، فجعل قوما منهم في القرية ، وبعضا في سيفم وبنى (١) بنيانا في رأس [فلج الجزيين](٢) ، مخافة أن تضربه القوم [وترك فيه](٣) قوما ، وقسم بقية القوم [م ٣٢٦] في بهلا ، وترك في الخضراء جماعة (٤) من قومه ، [وكذلك](٥) في حارة الغاف ، وترك في الجامع من البلاد حمير بن حافظ ومن عنده من القوم ، وقسم بقية قومه في العقر ، وكان ابن عمه عرار بن فلاح ومن معه من القوم في عيني [من] الرستاق (٦).

فسار سيف بن محمد بقومه من دارسيت إلى بهلا ودخلها ، وكان دخوله من الجانب الغربى (٧) ، فتسوروا السور ، ودخلوا البلاد. وكان ذلك منهم ضربة لا زب ، ولم يشعر بهم أحد ، وقسم سيف قومه ثلاث فرق : فرقة باليمين ، ، وفرقة بالشمال ، وفرقة بالوجه وهى التي تلي (٨) الجامع من البلاد. وأحكم أمره في الأماكن المختارة للقتال ، لمسجد (٩) الجامع ومسجد بني عمر (١٠) ، وجميع أبواب العقر ، فما بقي لسليمان بن

__________________

(١) في الأصل (وبنا)

(٢) في الأصل (رأس الحريرة) والصيغة المثبتة من كتاب تحفة الأعيان للسالمي ، (ج ١ ، ص ٣٢٩)

(٣) ما بين حاصرتين إضافة لضبط المعنى

(٤) في الأصل (الخضرا)

(٥) ما بين حاصرتين لضبط المعنى

(٦) ما بين حاصرتين إضافة لضبط المعنى

(٧) في الأصل (الغرب)

(٨) في الأصل (مع الجامع) والصيغة المثبتة من تحفة الأعيان للسالمي (ج ١ ص ٣٩٢)

(٩) في الأصل (فمسجد)

(١٠) في الأصل (مسجد أبى عمرو) والصيغة المثبتة من تحفة الأعيان

١١١

المظفر شيء غير الحصن والخضراء ، بعدما قتل من سادات قومه وفرسانه تلك الليلة.

ونادى سيف بن محمد بالأمان في البلاد ، وكان بعض أهل البلد معه. وجاء الخبر إلى (١) الأمير عمير بن حمير ـ وهو في [م ٣٢٧] نزوى ـ أن قومك دخلوا بهلا ، فركب عند ذلك هو والأمير سليمان بن محمد والسلطان مالك بن أبي العرب ، والمنصور علي بن قطن ، وأهل نزوى وركب خلف بن أبي سعيد الهنائى (٢) من دارسيت بمن عنده من القوم ، لينصروا أصحابهم ، وكان دخلوهم ليلا. ونزل الأمير عمير بحارة الغاف ، وكانت الخضراء (٣) في ملك السلطان سليمان بن المظفر ، وفيها علي بن ذهل ، وعنده قوم كثير ، أرسل إليهم الأمير عمير ليخرجوا بما عندهم من الزانة ، فورد علي بن ذهل على قومه يحرضهم على القتال ، فلم يجبه أحد منهم ، وعزموا على الخروج.

ووصل الخبر إلى عرار بن فلاح ، وهو في عيني من الرستاق ، أن القوم دخلوا بهلا ، فنهض من عيني بمن معه ، ودخل القرية وكانت القرية في ملكهم.

وكان عمير بن حمير وسيف بن محمد لم يشاكهما أحد في البلاد إلا الحصن وهم محدقون به ، وصنعوا في شجرة الصبار التي في السوق برجا من [م ٣٢٨] خشب ، في أعلا رأسها ـ بالليل ـ وقعد فيه رجل من الجهاضم يقال له جمعة بن محمد المرهوب ، فضرب رجلا من الحصن ـ وكان خارجا من القصبة إلى بيت الوزير ـ ومات وعمل قوم الأمير برجا في

__________________

(١) في الأصل (وجاء الخبر أن الأمير)

(٢) في الأصل (الهناوى)

(٣) في الأصل (الخضرا)

١١٢

الجامع ، فضرب صاحب البرج رجلا من الحصن في مبرز الغرفة من عسكر سليمان.

ثم إن القوم قشعوا [سور](١) الحصن بالليل ، فلما انهدم بعض الجدار ، علم بهم عسكر سليمان فمنعوهم من الدخول ، ثم إن العسكر طلبوا من سليمان الخروج من الحصن مخافة القتل ، فأقاموا ثلاث عشرة ليلة (٢) ، فأذن لهم ، فطلبوا من الأمير عمير أن يسيرهم ، [فسيرهم](٣) بما عندهم من الزانة ، وسير معهم وزيره.

ثم طلع سليمان بن مظفر ـ هو وبنو عمه وعسكره ـ مسيّرين من بهلا إلى القرية ، وخرج ـ هو وعرار بن فلاح ـ من القرية إلى الظاهرة ، فأمر بعد ذلك الأمير عمير بن حمير بقشع الحصن ، فقشع ولم يبق منه عمار ولا جدار ، هذه قدرة الله ، (يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ ، وَاللهُ) [م ٣٢٩](واسِعٌ عَلِيمٌ)(٤).

وجعل عمير ، خلف بن أبى سعيد ، مأمونه في بهلا ، ورجع إلى سمائل ، فأقام خلف بن أبي سعيد في بهلا أربعة أشهر ، ثم خرج عليه سليمان بن المظفر وابن عمه عرار بن فلاح ، فدخلوا عليه الخضراء (٥) ، وهو في العقر. وكانت هذه الدخلة ليلة رابع ربيع الأول سنة تسع عشرة بعد ألف سنة. وكان سيف بن محمد ـ هو وبعض قومه ـ في السر ، فأرسل سليمان بن المظفر لخلف بن أبي سعيد ، ليسيره (٦) بما عنده من الزانة فخرج

__________________

(١) وضعت كلمة (سور) بين كلمتى (قشعوا) و (الحصن) بقلم مغاير جاء في لسان العرب انقشع الغيم وقشعته الريح أي كشفته فانقشع.

(٢) في الأصل (ثلاثة عشر ليلة)

(٣) ما بين حاصرتين إضافة لضبط المعنى

(٤) سورة البقرة : آية ٢٤٧

(٥) في الأصل (الخضرا)

(٦) في الأصل (يسيره)

١١٣

خلف مسيّرا وأخذ الأمان على أهل البلد ، فمنهم من قام ، ومنهم من خرج خوف السلطان.

فلما علم سيف بن محمد هذا الخبر ، جاء من السر ، وعلم به الأمير عمير بن حمير ، فأقبل من سمائل إلى نزوى ، ومضى إلى القرية ، فأخذها ووهبها لسيف بن محمد ، فكان مأمونه فيها ، ثم رجع إلى نزوى ينتظر الأمر مدة أيام.

فمات سليمان بن المظفر ، وكان له ولد صغير السن فملك من بعده [م ٣٣٠] عرار بن فلاح.

ثم طلع سيف بن محمد إلى نزوى ، وأخذ من الأمير عمير قوما كثيرا ، فسار بهم إلى القرية ، فلبثوا سبعة أيام ، ودخل بهم حارة من بهلا ـ اسمها حارة أبي مان ـ فأحدق بهم عرار بن فلاح مدة أيام.

ثم إنه سيرهم بما عندهم من الزانة ، وثبت له حصن [القرية](١) ، وتجديد الخدمة مدة سنة ، وكانت هذه الدخلة ليلة سادس صفر ، سنة أربع وعشرين سنة بعد الألف.

ثم مات بعد ذلك عرار بن فلاح ، وكان موته لعشر ليال خلون من شهر الحج من هذه السنة. وملك من بعده مظفر بن سليمان ، وأقام في ملكه مدة شهرين ، ثم مات. وملك من بعده مخزوم بن فلاح مدة شهري زمان ، فخرج عليه نبهان وسيف بن محمد ، ليخرجاه من الحصن ، فطلب التسيار (٢) ، فسيروه بلازانة ولا سلاح ، وكان خروجه إلى ينقل ، من الظاهرة ، فتولى الأمر على [أصحابها مدة من الزمان ، وأقام

__________________

(١) ما بين حاصرتين إضافة من تحفة الأعيان للسالمى (ج ١ ، ص ٣٩٤)

(٢) السير : الذهاب ، سار يسير سيرا ومسيرا وتسيارا مسيرة وسيرورة. وتسيار تشير إلى الكثيرة (لسان العرب)

١١٤

ببهلا نبهان بن فلاح ، وجعل](١) ابن عمه ـ علي بن ذهل ـ مأمونه في دار بهلا ، وعلى أثره سيف بن محمد ، وسار نبهان بن فلاح إلى داره مقنيات ، وساعد ابن عمه سلطان بن حمير [م ٣٣١] من بهلا خوفا منه أن يحاول [الاستيلاء](٢) على الملك ، فسار سلطان بن حمير من بهلا إلى صحار ، فتولى مكانه ذلك الأمر سيف بن محمد مدة سنة.

ثم طلع بعد ذلك الأمير عمير بن حمير بما عنده من القوم إلى بهلا ، فمنعه سيف بن محمد من الدخول ، فرجع هو وقومه إلى نزوى ينتظر الأمر ، ثم بعد أيام رجع عمير وقومه إلى بهلا ودخل العقر ، وكان سيف بن محمد في بلاد سيت (٣) ، فعلم بذلك الأمر ، فنهض من بلاد سيت بمن عنده من القوم ، ودخل الحصن فلم يمنعه أحد ، ثم أرسل إلى نبهان بن فلاح أن القوم دخلوا الدار ، فأقبل بمن عندك من العسكر ، فأقام مدة أيام يجمع (٤) عساكره.

وكان الأمير عمير بن حمير قد أحكم مقابض البلد ، من أولها إلى آخرها. وأقام سيف بن محمد بالحصن مدة ينتظر نبهان وقومه ، فلم يصل إليه. ثم طلب سيف تسيارا من الأمير عمير بن حمير ، فسيره بما عنده من الزانة ، فقصد القرية.

وأقام عمير [م ٣٣٢] بن حمير في بهلا مدة أيام. ثم إنه أرسل إلى سيف بن محمد ، فوقعت بينهما يمين على الصحبة. فأقام سيف على ولاية الرعية ، وعدل فيها وكان متولي الأمر على بني عمه (٥) ، وهم له ناصحون.

__________________

(١) ما بين حاصرتين تكملة من تحفة الأعيان للسالمي (ج ١ ، ص ٣٩٥)

(٢) ما بين حاصرتين إضافة لاستكمال المعنى

(٣) دارسيت

(٤) في الأصل (تجتمع)

(٥) في الأصل (ابن عمه)

١١٥

ولما استحكم الأمر لسيف بن محمد (١) ، كان سلطان بن حمير ، ومهنا بن محمد بن حافظ ، وعلي بن ذهل بن محمد بن حافظ ـ [و](٢) مسكنهم يومئذ صحار ـ مع محمد بن مهنا الهديفي ، وكان محمد بن مهنا أراد أن يدخل بهم على ابن عمهم نبهان بن فلاح في مقنيات ليصلح بينهم وكان مخزوم بني (٣) حصن ينقل ، فلم يقع بينهما صلح ، فطلع بعد ذلك سلطان بن حمير. وعلي بن ذهل بما عندهما من العسكر.

فجاء الخبر إلى عمير بن حمير ـ وهو في سمائل ـ أن سلطان بن حمير سار بقومه من الظاهرة ، ليدخل بهم بهلا ، فطلع هو وقومه من سمائل إلى بهلا ينتظر الأمر ، ودخل سلطان بن حمير النبهاني حارة بني صلت ، فجاء الأمير عمير بن حمير بقومه ، وعلى أثره سيف بن محمد ، ووقع بينهم القتال ، [م ٣٣٣] وبنوا عليهم بنيانا على الحارة من أولها إلى آخرها.

وأرسل الأمير عمير بن حمير إلى أصحابه من جميع القرى ، وطلع إليه الشيخ ماجد بن ربيعة بن سليمان الكندي ، وعمر بن سليمان العفيف ، والشيخ سعيد بن أحمد بن أبي سعيد الناعبي ، مع سادات أهل نزوى ومنح.

وأقام سليمان بن حمير ـ هو وقومه ـ محصورين مدة ، لم يخرج منهم أحد ، ولا يدخل إليهم أحد ، فطلب عند ذلك سليمان بن حمير من الأمير عمير بن حمير تسيارا ، والخروج. وسيره ومن معه ـ بما عنده من الزانة ـ إلى الظاهرة.

__________________

(١) في الأصل (ولما استولى الأمر سيف بن محمد)

(٢) ما بين حاصرتين إضافة لضبط المعنى

(٣) في الأصل (بنا)

١١٦

وأقام سلطان في مقنيات مدة أيام ، فأوجس نبهان منهم خيفة ، أن يخرجوه من مقنيات ، فأخرجهم منها فخرجوا ومضوا إلى صحار ، عند الهديفى محمد بن مهنا ، وأقاموا معه سنة زمانا (١).

ثم إن سلطان بن حمير أشار على محمد بن مهنا أن يغزوا ديّر (٢) عمير بن حمير ، وهى في باطنة السيب (٣). وكان الدير للأمير سنان بن سلطان ، والأميرين (٤) [م ٣٣٤] علي بن حمير ، وسعيد بن حمير (٥) فركب محمد بن مهنا ، وسلطان بن حمير وقومهما من صحار.

فجاء الخبر إلى الأمراء ـ وهم سنان بن سلطان ، وعلي وسعيد ابنا حمير ـ أن القوم طلعوا من صحار فما كان إلا قدر ما يخلع الرجل نعليه (٦) ، أو يغسل رجليه ، حتى أقبلت العساكر ، وسلت البواتر من البر والبحر ، والسهل والوعر ، ووقع القتال ، وعظم النزال ، حتى بلغت القلوب الحناجر. وقتل عند ذلك الأمير على بن حمير ، وانفصل [القتال](٧) ورجع محمد بن مهنا. فعلم ذلك الأمير عمير بن حمير بما جرى على إخوته وبنى عمه ، وهو في بهلا ، فاعتقد عقيدة الحزم ، وتسربل بسربال العزم ، أن لا يرجع عن صحار حتى يحصدهم بالسيف ويحرقهم بالنار ، ويبيد شملهم بكل دار ، فأخذ في جمع عساكره من البر والبحر ، فاجتمع معه قوم لا يحصى عددهم إلا الله ، وركب إلى مسكد (٨) ليحمل قوما من البحر.

__________________

(١) في الأصل (سنة زمان)

(٢) الدير هي الدارات في الرمل ، ودارات جمع وهي الجوبة الواسعة تحفها الجبال. قال أبو حنيفة : وهي تعد من بطون الأرض المنبتة (لسان العرب)

(٣) السيب اسم مكان ، وهي في الأصل مجرى الماء وجمعه سيوب

(٤) في الأصل (والأميران)

(٥) في تحفة الأعيان للسالمي ، ج ١ ص ٣٩٦ : (وكان في الدير الأمير سنان ...)

(٦) في الأصل (نعله)

(٧) ما بين حاصرتين إضافة من تحفة الأعيان للسالمى (ج ١ ، ص ٣٩٧)

(٨) مسقط

١١٧

وأرسل إلى ملك هرموز لينتصر به ، فنصره بعدة من المراكب فملؤوها [م ٣٣٥] من المال والرجال وآلة الحرب.

وكان قد وصل مركب من الهند بعسكر كثير ، وفيه آلة الحرب فردته (١) الريح إلى مسكد ، فأخذه الأمير عمير بن حمير ، وسار هو ومن معه من النصارى وغيرهم.

وأقام الأمير عمير بقومه في باطنة السيب سبع ليال ، فعلم بذلك محمد بن جفير [فتوجه بقومه لينصر محمد بن مهنا ، فدخل محمد بن جفير](٢) وقومه بصحار ، وفرح به محمد بن مهنا ، فأدخله الحصن ، وكان بينهما بعض المقاصيد ساعة من النهار فأمر محمد بن جفير عبده [ليقبض على](٣) محمد بن مهنا ، فرمى نفسه ، من سور الحصن ، وندب قومه ـ وكان بعض قومه في برج داخل الحصن ـ فوقع القتال بينهم ساعة من نهار وطلع محمد بن جفير بقومه من صحار ، فبلغ هذا الخبر إلى الأمير عمير بن حمير ، فتوجه إلى صحار بمن معه بروبحر. ودخل صحار نهار تسعة عشر من ربيع الآخر (٤) ، فاستقام بينهم القتال من أول النهار إلى الليل ، وانفصل القتال. ثم بعد ذلك بيوم أو يومين هبطت النصارى من المراكب [م ٣٣٦] ، بما عندهم من آلة الحرب ، وكانوا يجرون قطع القطن قدامهم ، ليتقوا (٥) بها ضرب البنادق ، وكان عندهم مدافع تسير على أعجال الخشب في البر ؛ وعليها سور من الخشب.

وكان في جانب الدار برج لمحمد بن مهنا (٦) ، فيه عسكر كثير ، فجرت

__________________

(١) في الأصل (فنزلته)

(٢) ما بين حاصرتين ساقط من الأصل. والتكملة من تحفة الأعيان للسالمي (ج ١ ص ٣٩٧) ، حيث ورد الاسم محمد بن جيفر.

(٣) ما بين حاصرتين ساقط من الأصل. والتكملة من تحفة الأعيان (ج ١ ، ص ٣٩٧).

(٤) في الأصل (نهار تسع عشرة ليلة من ربيع الآخر).

(٥) في الأصل (ليلتقوا).

(٦) في الأصل (برج محمد بن مهنا).

١١٨

عليه النصارى قطع القطن ، وضربوه بمدفع (١) ، حتى انهدم البعض منه. وخرج منه القوم ، فدخلته النصارى فعلم محمد بن مهنا بذلك ، فندب قومه. فوقع بينهم القتال على البرج بالليل. فقتل عند ذلك علي بن ذهل ، وقتل محمد بن مهنا الهديفي ، وأقام بعد ذلك سلطان بن حمير بن محمد بن حافظ النبهاني ، وأخوه كهلان بن حمير ، وابن (٢) عمه مهنا بن محمد بن حافظ ، وعسكرهم ، في الحصن ، بعدما قتل محمد بن مهنا الهديفي.

فلما علم الأمير عمير بن حمير أن سيد القوم قتل ، ندب قومه في القتال. وكان القتال بينهم في النخل ، ثم طلع عمير بن حمير بمن معه من تلقاء جامع البلد ، فلم يمنعه أحد ، فقتل [م ٣٣٧] عند ذلك سلطان بن حمير. فانكسر القوم (٣) ، فصاروا أشتاتا متفرقين ، فمنهم من قتل ، ومنهم من أحرق ، ومنهم من أسر ، ومنهم من رجع ، ومنهم من خرج ذاهبا على وجهه لا يدري أين يتوجه ، ولا أين يذهب ، وعلى هذا جميع أهل البلد بأجمعها ، من أولها إلى آخرها ، وأقام النصارى (٤) في حصن صحار ، ورجع الأمير إلى بلدة سمائل خذلانا ، لا مسرورا.

وكان مخزوم بن فلاح متوليا حصن ينقل وقبض منهم [على](٥) رجلين فأمر عبدا له ليقتل واحدا منهما ، فسل عليه السيف ليضربه فاستجار به ، فلم يجره ، فضربه ضربة واحدة ثم عاد ليضربه ثانية ، فاستجار به فلم يجره ، فلما أراد أن يضربه ثالثة ، استجار به ثالثة فأهوى إليه ليمسك فمه ، والعبد قد أهوى إليه بالسيف ، فضرب يد (٦) مخزوم ،

__________________

(١) في الأصل (بمدافع).

(٢) في الأصل (بنو عمه).

(٣) يعني جماعة عمير بن حمير.

(٤) في الأصل (وأقام الناس) والصيغة المثبتة تتفق ومستقبل الحوادث ، وهي مأخوذة من تحفة الأعيان للسالمي (ج ١ ص ٣٩٨).

(٥) ما بين حاصرتين إضافة.

(٦) في الأصل (فضرب ابن مخزوم).

١١٩

وأقام سبعة أيام بجراحه ، ومات منها (١). وأما الرجل ، فإنه سحبه العبد ـ يظنه ميتا وبه رمق الحياة ـ فمر به رجل من [م ٣٣٨] أهل البلد ، فقال «من يعيننى على مواراة هذا الرجل؟». فنطق الجريح فقال «إنني حي». فحمله على كتفه ، وأدخله البيت ، فعوفى من جراحه (٢) ، وعاش بعد ذلك زمانا ، والله على كل شيء قدير ، وكان هذا بعد أن دخلت صحار بثلاثة أشهر.

فلما علم نبهان بموت أخيه ، ركب من مقنيات إلى ينقل (٣) ، وترك بعض عسكره في حصن مقنيات ، وكانوا قد أملوه من كثرة جوره وبغيه ، فعزموا على إخراجه من مقنيات ، فتوجه ـ رجل ـ إلى الأمير عمير بن حمير ، وسيف بن محمد ، لينتصر بهما (٤) فسار الأمير [عمير](٥) وسيف بن محمد بمن معهما من القوم ، ودخلوا حصن مقنيات بلا منع ولا قتال ، وأقاموا مدة أيام ، ثم ركبا ببعض (٦) قومهما إلى ينقل فعلم بذلك نبهان بن فلاح ، فخاف منهما على نفسه ، فركب [م ٣٣٩] ـ هو وأربعة من عساكرة ـ بلازانة ، وقصدوا إلى دار أخواله الريايسة ، وذلك لاثنتي عشرة ليلة خلت من صفر سنة ست وعشرين بعد الألف.

وأقام الأمير عمير بن حمير وسيف بن محمد بينقل أياما ثم إن عميرا وهب البلاد لأهلها يأكلون هنيئا مريئا ، ورجع إلى مقنيات. ثم أرسل إلى أهل

__________________

(١) في الأصل (منه).

(٢) في الأصل (من جراحته).

(٣) العبارة في الأصل بها اضطراب وتكرار ، وقد اعتمدنا في تصحيحها على ما جاء في كتاب تحفة الأعيان للسالمي (ج ١ ، ص ٣٩٩).

(٤) في الأصل (لينصرهما).

(٥) ما بين حاصرتين إضافة لإيضاح المعنى.

(٦) في الأصل (بعض).

١٢٠