تحفة الأحباب وبغية الطّلاب

نور الدين علي بن أحمد بن عمر بن خلف بن محمود السخاوي الحنفي

تحفة الأحباب وبغية الطّلاب

المؤلف:

نور الدين علي بن أحمد بن عمر بن خلف بن محمود السخاوي الحنفي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الكليّات الأزهريّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٧١

قبر السيدة الشريفة نفيسة بنت زيد :

وبهذه التربة قبر السيدة (١) الشريفة نفيسة بنت زيد عمة السيدة نفيسة بنت الحسن قال صاحب الكواكب السيارة فى ترتيب الزيارة قبرها بالمراغة معروف مشهور ولقد غلط من قال انها نفيسة بنت الحسن الأنور والسبب فى إشاعة ذلك أن جماعة أرادوا أن يدفنوا ميتهم بهذه التربة فلما حفروا وجدوا رخامة مكتوبا فيها هذا قبر السيدة نفيسة رضى الله عنها فأشاعوا أنها السيدة نفيسة المشهور ذكرها فى الآفاق وقال بعضهم إن نفيسة بنت زيد المذكورة كانت زوجة الوليد بن عبد الملك بن مروان وهو خليفة فيحتمل أنه طلقها وأنها قدمت إلى مصر وتوفيت بها وقال بعضهم إنها ماتت فى عصمته ولم يثبت أين ماتت بمصر أو بالشام أو غيرهما ولكن دخولها إلى مصر مشهور.

وزيد هذا كان يعرف بالأبلج بن الحسن السبط بن الإمام على بن أبى طالب رضى الله تبارك وتعالى عنهم ثم تعود من هذه التربة طالبا طريق المشهد النفيسى تجد مدرسة (٢) الصالح وهذه المدرسة بجوار المدرسة الأشرفية

__________________

(١) وهذا المشهد معروف بالقرافة بالمراغة. والسيدة الشريفة مدفونة تحقيقا بمحل سكنها الموهوب لها من عبد الله بن عبد الملك ابن مروان أخى زوجها وأمها لبابة بنت عبد الله بن العباس بن عبد المطلب وكانت زوجا للعباس السقاء بن على بن أبى طالب.

وهى عمة السيدة نفسية بنت السيد حسن العلوى وشقيقة السيدة رقية بنت زيد.

(٢) وهى تعرف الآن بتربة الست خاتون وبالتكية القادرية وهى أم الصالح علاء الدين على بن المنصور قلاوون ولى عهد المملكة المصرية وهو مدفون بها الى جانب قبر والدته خوند فاطمة خاتون.

وللمزيد من المعرفة راجع المقريزى وابن أياس.

١٠١

وموضعها من جملة البستان الذى أنشأه الملك المنصور قلاوون على يد الأمير علم الدين سنجر الشجاعى فى سنة اثنتين وثمانين وستمائة برسم أم الملك الصالح علاء الدين على بن الملك المنصور قلاوون فلما كمل بناؤها نزل إليها الملك المنصور ومعه ابنه الصالح على وتصدق عند قبرها بمال جزيل وجعل لها وقفا على القراءة على قبرها وغير ذلك وكانت وفاتها فى سادس عشر شوال سنة ثلاث وثمانين وستمائة.

وهناك قبور كثيرة مجهولة الأسماء والتواريخ.

صحة قبر الخليفة المأمون :

وهناك قبر بأرض خربة قال صاحب المصباح إنه أبو محمد الحسيني وهو الآن معروف هناك بقبر أمير المؤمنين الخليفة المأمون وهذا القول ليس له صحة بل كلام نحتلق لأن علماء الأخبار والسير أجمعوا على أن المأمون مات شهيدا فى الجهاد بأرض الروم قريبا من طرسوس ليلة الخميس لأحدى عشرة ليلة بقيت من رجب سنة ثمانى عشرة ومائتين ونزل فى قبره حاتم بن هرثمة ابن أعين أمير مصر من قبل الأمين وهذه القبة تعرف بقبة الهواء أنشأها حاتم المذكور فى أيام ولايته على مصر فى جمادى الآخرة سنة خمس وتسعين وهو أول من أنشأها وهى المعروفة بقلعة الجبل (ولما) جلس المأمون بهذه الفبة ونظر إلى خراب مصر وتفير أحوالها قال لعن الله فرعون حيث يقول : أليس لى ملك مصر فلو رأى العراق وخصبها وكان بحضرته عالم مصر سعيد ابن عفير فقال يا أمير المؤمنين لا تقل هذا فان الله سبحانه وتعالى قال (وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ) فما ظنك يا أمير المؤمنين بشىء دمره الله سبحانه وتعالى وهذا بقيته فأعجبه فى مقالته

١٠٢

ووصل إلى قفط من صعيد مصر ورأى بها من العجائب وفتح الأهرام بالجيزة وأمر ببناء مقياس مصر فبنى ثم هدم ولم يبق له أثر والناس ينسبون له المقياس الموجود الآن وليس هذا بصحيح فان الذى أنشأ هذا المقياس الموجود فى زماننا المتوكل على الله أبو العباس عبد الله بن المعتصم ابن أمير المؤمنين هارون الرشيد فى سنة تسع وأربعين ومائتين وأما المقاييس التى كانت قبل هذا فكثيرة ذكرناها فى تاريخنا والله أعلم.

تربة السيدة جوهرة :

(وفى قبلى هذه التربة تربة يقال لها تربة السيدة جوهرة) وبها جماعة منهم السيدة جوهرة المذكورة إحدى خدام السيدة نفيسة.

وبها الشيخ مجد الدين الطويل وغيره ثم تدخل إلى المشهد النفيسى وهذا المكان خطة مباركة وهى ما بين القطائع وبين أرض العسكر ومكان العسكر الآن هو الكوم الجارح وسبب تسميته بالعسكر أن مروان آخر خلفاء بنى أمية الملقب بالحمار لما انهزم من عسكر بني العباس تبعوه إلى أن دخل إلى مصر فعدى النيل إلى قرية من قرى الجيزة يقال لها بوصير السدر فلحقه العسكر هناك فقتلوه فى شهر ذى الحجة سنة اثنتين وثلاثين ومائة ولما رجع هذا العسكر إلى مصر بنوا هذه البلدة ونزلوا بها وأنشأوا بها خطة فسميت بأرض العسكر نت فكا هذه ثانى خطة بمصر فلم تزل هذه البلدة عامرة إلى أن أنشأ أحمد بن طولون بلدة القطائع فى سنة خمس وخمسين ومائتين ثم أنشأ جامعه وهى ثالث خطة بمصر وسبب تسمية كوم الجارح بهذا الاسم أن رجلا يسمى الجارح من ولد الحرث بن عامر سكن فى هذا الكوم فنسب إليه.

١٠٣

القطائع :

وأما القطائع فأرضها واسعة جدا وهى من تحت القلعة والميدان والقبيبات إلى باب القرافة إلى حدرة ابن قميحة ثم لما زالت الدولة الطولونية وخربت القطائع صارت تعرف بجنان بنى مسكين وتعرف الآن بأرض الصفراء.

المشهد النفيسى :

وموضع المشهد النفيسى يعرف بدرب السباع (توفيت) فى شهر رمضان سنة ثمان ومائتين فأراد زوجها اسحق المؤتمن بن جعفر الصادق أن يحملها ويدفنها بالمدينة الشريفة فسأله المصريون بقاءها عندهم فدفنت بحيث هى وقبرها معروف باجابة الدعاء وكان لها ولدان من زوجها اسحق هما القاسم وأم كلثوم وقيل إن أهل مصر جمعوا له اثنا عشر ألف درهم ليتركها مدفونة عندهم بمصر (وقبرها) أحد الأماكن المجاب فيها الدعاء بمصر وهى أربعة هذا وموضع سجن يوسف نبى الله عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ومسجد نبي الله تعالى موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام وهو بأرض طرا والمخدع الذى على يسار المصلى فى قبلة مسجد الأقدام بالقرافة الكبرى.

ولم يزل الصالحون والأئمة والفقهاء والقراء والمحدثون والعلماء يزورون مشهد السيدة نفيسة ويدعون عنده وهو مجرب باجابة الدعاء.

ومدفنها بمنزلها الذى كانت ساكنة به وكان وهبه لها أمير مصر السرى بن الحكم فأقامت عدة سنين فلما مرضت حفرت قبرها بيدها فى وسط دارها وكانت تحفر فيه فى كل يوم قليلا إلى أن تكامل الحفر فاتخذته مصلاها فكانت تنزل إليه وتصلى فيه وكان الامام الشافعى رحمه الله تعالى ياتى هو وأصحابه إلى زيارتها ، وكان قدومها هى وزوجها إلى مصر لخمس بقين من شهر رمضان سنة ثلاث وتسعين ومائة وقيل سنة ست وتسعين

١٠٤

وقيل السبب فى قدومها إلى مصر أنها حجت ثلاثين حجة راكبة فى بعضها وماشية فى بعضها وكانت تقرأ القرآن وتفسره وتقول إلهى سهل على زيارة قبر خليلك ابراهيم عليه الصلاة والسلام فحجت سنة فلما قضت حجتها تلك السنة توجهت مع زوجها الشريف إسحق المؤتمن بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن على زين العابدين بن الحسين بن على بن أبى طالب رضى الله تعالى عنهم إلى بيت المقدس الشريف وزارا قبر الخليل عليه الصلاة والسلام وأتت من بعد زيارتها هى وزوجها إلى مصر فى التاريخ المذكور على اختلاف فيه وكان لقدومها إلى مصر أمر عظيم فان ذكرها كان عندهم شائعا فلما بلغهم أنها قادمة من بيت المقدس تلقتها النساء والرجال بالهوادج من العريش ولم يزالوا معها حتى دخلت مصر فأنزلها عنده كبير التجار بمصر وهو جمال الدين عبد الله بن الجصاص بالجيم وقيل بالحاء وكان من أصحاب المعروف والبر والصدقة والمحبة فى الصالحين والعلماء والسادة الاشراف فنزلت عنده فى دار له فأقامت بها عدة شهور والناس يأتون إليها من سائر الأفاق يتبركون بزيارتها ودعائها ثم تحولت من هذا المكان إلى مكانها التى هى مدفونة به وقدمنا أن أمير مصر السرى بن الحكم وهب لها هذا المكان.

سبب اهداء أمير مصر السرى بن الحكم المكان للسيدة نفيسة ومآثرها :

والآن نذكر السبب فى ذلك وهو أن الدار التى نزلت بها كان حولها جماعة من اليهود وبالقرب منها امرأة يهودية لها ابنة زمنة لا تقدر على الحركة فأرادت الأم أن تذهب إلى الحمام فسألت ابنتها الزمنة أن تحمل إلى الحمام فامتنعت البنت من ذلك فقالت أمها تقيمين فى الدار وحدك فقالت لها أشتهى أن أكون عند جارتنا الشريفة حتى تعودى فجاءت الأم إلى

١٠٥

السيدة نفيسة واستأذنتها فى ذلك فأذنت لها فحملتها ووضعتها فى زاوية من البيت وذهبت ثم إن السيدة نفيسة رضى الله تعالى عنها توضأت فجرى ماء وضوئها إلى البنت اليهودية فألهمها الله سبحانه وتعالى أن أخذت من ماء الوضوء شيئا قليلا بيدها ومسحت به على رجليها فوقفت فى الوقت بإذن الله تعالى وأقدمت تمشى على قدميها كأن لم يكن بها مرض قط هذا والسيدة نفيسية مشغولة بصلاتها لم تعلم ما جرى ثم إن البنت لما سمعت بمجىء أمها من الحمام خرجت من دار السيدة نفيسة حتى أتت إلى دار أمها وطرقت الباب فخرجت الأم تنظر من يطرق الباب فبادرت البنت واعتنقت أمها فلم تعرفها وقالت لها من أنت فقالت لها : أنا بنتك ، قالت لها وكيف قضيتك فأخبرتها بما فعلت فبكت الأم بكاء شديدا وقالت هذا والله الدين الصحيح وما نحن عليه من الدين القبيح ثم دخلت فأقبلت تقبل السيدة نفيسة وقالت لها امددى يدك أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن جدك محمدا رسول الله فشكرت السيدة نفيسة ربها عز وجل وحمدته على هداها وانقاذها من الضلال ثم مضت المرأة إلى منزلها فلما حضر أبو البنت وكان اسمه أيوب ولقبه أبو السرايا وكان من أعيان قومه ورأى البنت على تلك الحالة ذهل وطاش عقله من الفرح وقال لامرأته كيف كان خبرها فأخبرته بقصتها مع السيدة نفيسة فرفع اليهودى رأسه إلى السماء وقال سبحانك هديت من تشاء وأضللت من تشاء ، والله هذا هو الدين الصحيح ولا دين إلا دين الإسلام ثم أتى إلى باب السيدة نفيسة فمرغ خديه على عتبة بابها ونادى يا سيدة ارحمينى واشفعى لمن هو فى ظلام الضلال قد تاه ، ومن دينه قد أبعده وأقصاه فرفعت طرفها إلى السماء ودعت له بالهداية فأسلم وقال أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن جدك محمد رسول الله ثم شاع خبر البنت واسلامها واسلام أمها وأبيها وجماعة من الجيران اليهود.

١٠٦

يقال إن عدد من أسلم فى هذه الحادثة تسعون شخصا أو دارا فى ذلك النهار وتلك الليلة ، قال فلما أسلم أهل ذلك الخط انتقلت فى دار أبى السرايا أيوب ، قال ابن زولاق : ولما شاعت هذه الكرامة بين الناس فلم يبق أحد إلا يقصد زيارة السيدة ، فعظم الأمر وكثر الناس والخلق على بابها فطلبت عند ذلك الرحيل إلى بلاد الحجاز عند أهلها فشق ذلك علييم فسألوها فى الاقامة فأبت فاجتمع أهل مصر ودخلوا على أمير مصر السرى بن الحكم فاستندوا عليه فى ذلك فبعث لها كتابا ورسولا بالرجوع عما عزمت عليه فأبت فركب بنفسه وسألها الاقامة فقالت إنى كنت نويت الاقامة عندهم وإنى امرأة ضعيفة فأكثروا على فى الإتيان وشغلونى عن عبادتى وجمع زادى لمعادى ، ومكانى هذا لطيف ، وقد ضاق بهذا الجمع الكثيف فقال لها السرى إنى سأزيل عنك جميع ما شكوتيه ، وأسهل لك الأمر على ما ترضينه ، أما ضيق مكانك فان لى دارا واسعة بدرب السباع ، وأشهد الله أنى قد وهبتها لك وأسألك أن تقبليها منى ولا تخجليني بالرد على ، قالت إنى لا أردك على خير تفعله ، فعظم فرح السرى بقبولها منه ، فقالت كيف أصنع بهذه الجموع الوافدين على ، فقال تقررين معهم أن يكون لهم يومان فى الجمعة وباقى أيامك تتفرغين لخدمة مولاك اجعلى يوم السبت ويوم الاربعاء ففلعت ذلك فى حال حياتها ، واستمر الأمر على ذلك إلى أن توفيت فى هذا المكان حسب ما تقدم وكراماتها كثيرة ومناقبها جميلة وانما ذكرنا هذه الكرامة لأنها أول كرامة وقعت لها بمصر (وكان الامام الشافعى) رحمه الله تعالى إذا حضر إليها هو وأصحابه للزيارة والتبرك تأدبوا معها غاية التأدب (وكذا) كان يفعل الشيخ الامام العلامة سفيان الثورى مع السيدة رابعة العدوية لما كان يتردد إليها ليسمع كلامها.

١٠٧

صحة تاريخ رابعة العدوية :

(وقد ادعى) قوم أن السيدة نفيسة ورابعة العدوية كانتا متعاصرتين وليس الأمر كذلك فإن السيدة رابعة العدوية أم الخير ابنة اسماعيل البصرى توفيت سنة خمس وثلاثين ومائة فى خلافة السفاح ، وكان مولد السيدة نفيسة فى سنة خمس وأربعين ومائة ، فكان بين مولد السيدة نفيسة وموت رابعة العدوية عشر سنين فبطل قول من ادعى ذلك (واسم) رابعة كثير غير أن الأعيان منهن ثلاثة : رابعة العدوية المقدم ذكرها (والثانية) ابنة اسماعيل الدمشقية وقد شاركت الأولى فى اسمها واسم أبيها (والثالثة) رابعة بنت إبراهيم بن عبد الله البغدادية تسمى رابعة بغداد ، (فأما رابعة العدوية) فإن قبرها بالبصرة معروف هناك مشهور (وأما رابعة الدمشقية) فإنها توفيت بالقدس الشريف ودفنت على رأس جبل معروف هناك بالطور وإنما عرفت بالقدسية لكونها دفنت هناك وبعض الناس يزعم أنها رابعة العدوية وليس كذلك (وأما رابعة البغدادية) فإنها توفيت ببغداد ودفنت بها فى يوم الأحد حادى عشر ذى القعدة سنة ثمانى عشرة وخمسمائة والله تعالى أعلم (ومما يحكى) ايضا من مناقب السيدة نفيسة أن رجلا تزوج بامرأة ذمية فرزق منها ولدا وكبر الولد ثم سافر فأسر فى بلاد العدو فجعلت أمه تدخل البيع وتتضرع وولدها لا يأتى فقالت لبعلها بلغنى أن بين أظهركم امرأة يقال لها نفيسة بنت الحسن الأنور اذهب اليها لعلها تدعو لولدى أن يأتى فإن نجا آمنت على يديها فخرج الرجل فأتى معبدها فقص عليها القصة فدعت له فعاد إلى زوجته فأخبرها فلما كان الليل إذ بالباب يطرق فقامت المرأة ففتحت الباب فإذا ولدها قد جاء فقالت له كيف كان أمرك قال لم أشعر إلا ويد وقعت على القيد وسمعت قائلا يقول أطلقوه فقد شفعت فيه نفيسة بنت الحسن فما شعرت حتى وقفت على هذا الباب فأسلمت المرأة وحسن إسلامها.

١٠٨

وحكى أيضا عن القاضى ابن ميسر أنه قال إن النيل توقف فى زمانها إليها فأخرجت اليهم قناعا فجعلوه فى النيل وهم ينظرون إلى البرين أسودين فعلا الماء البرين بين وأوفى النيل وحكى بعض مشايخ مصر أنه كان فى حال حياتها أمير ظالم فطلب إنسانا ليعذبه ظلما فمر ذلك الإنسان بالسيدة نفيسة واستجار بها فقالت له بعد أن دعت له بالخلاص منه امض حجب الله تعالى عنك أبصار الظالمين فمضى ذلك الرجل مع أعوان الأمير الظالم إلى أن وقفوا بين يديه فقال الأمير لأعوانه أين فلان قالوا إنه واقف بين يديك فقال الأمير والله ما أراه فقالوا إنه مر بالسيدة نفيسة وسألها الدعاء فقالت له حجب الله تبارك وتعالى عنك أبصار الظالمين فقال أو بلغ من ظلمى هذا كله أن يحجب الله عنى المظلوم بالدعاء يا رب إنى تائب اليك ثم كشف رأسه فلما تاب ونصح فى توبته نظر الرجل وهو واقف بين يديه فدعا به وقبل رأسه وألبسه أثوابا سنية وصرفه من عنده شاكرا ثم إنه جمع ماله وتصدق به على الفقراء والمساكين وأرسل إلى السيدة نفيسة بمائة ألف درهم وقال هذه شكرا لله تعالى من عبد تاب إلى الله تعالى فأخذت الدراهم وصرتها صررا بين يديها وفرقتها عن آخرها وكان عندها بعض النساء فقالت واحدة لها يا سيدتى لو تركت لنا شيئا من هذه الدراهم نشترى به شيئا نفطر عليه قالت لها خذى غزل يدى بيعيه بشىء نفطر عليه فذهبت المرأة وباعت الغزل بشىء يفطرون عليه ولم تلتمس من ذلك المال شيئا.

كرامات السيدة نفيسة :

وحكى ابن الزيات فى الكواكب السيارة أن من غريب مناقب السيدة نفيسة بنت الحسن أن امرأة عجوزا لها أربعة أولاد بنات كن يتقوتن من

١٠٩

غزلهن من الجمعة إلى الجمعة فأخذت أمهن الغزل لتبيعه وتشترى بنصفه كتانا ونصفه ما يتقوتن به على جارى العادة ولفت الغزل فى خرقة حمراء ومضت نحو السوق فلما كانت فى بعض الطريق إذا بطائر انقض عليها وخطف رزمة الغزل ثم ارتفع فى الهوا فلما رأت العجوز ذلك سقطت مغشيا عليها فلما أفاقت قالت كيف أصنع بأيتامى قد أهلكهم الفقر والجوع فبكت فاجتمع الناس عليها وسألوها عن شأنها فأخبرتهم بالقصة فدلوها على السيدة نفيسة وقالوا لها اسئليها الدعا فإن الله سبحانه وتعالى يزبل ما بك فلما جاءت إلى باب السيدة نفيسة أخبرتها بما جرى لها مع الطائر وسألتها الدعاء فرحمتها السيدة نفيسة وقالت اللهم يا من علا فاقتدر وملك فقهر اجبر من أمتك هذه ما انكسر فإنهم خلقك وعيالك وأنت على كل شىء قدير ثم قالت اقعدى إن الله على كل شىء قدير فقعدت المرأة تنتظر الفرج وفى قلبها من جوع أولادها حرج فلما كان بعد ساعة يسيرة إذا بجماعة قد أقبلوا وسألوا عن السيدة نفيسه وقالوا إن لنا أمرا عجيبا نحن قوم مسافرون لنا مدة فى البحر ونحن بحمد الله سالمون فلما وصلنا إلى قرب بلدكم انفتحت المركب التى نحن فيها ودخل الماء وأشرفنا على العرق وجعلنا نسد الخرق الذى انفتح فلم نقدر على سده وإذا بطائر ألقى علينا خرقة حمراء فيها غزل فسدت الفتح بإذن الله تعالى وجئنا بخمسمائة دينار شكرا على السلامة فعند ذلك بكت السيدة نفيسة وقالت إلهى وسيدى ومولاى ما أرحمك وألطفك بعبادك ثم طلبت العجوز صاحبة الغزل وقالت لها بكم تبيعين غزلك؟ فقالت بعشرين درهما فناولتها ذلك فأخذته وجاءت إلى أولادها فأخبرتهم بما جرى فتركن الغزل وجئن إلى خدمة السيدة نفيسة وقبلن يدها وتبركن بها.

١١٠

وأما من أقبل على زيارة السيدة نفيسة فى حال حياتها وبعد مماتها من العلماء والخلفاء والأمراه والقضاة والمحدثين والأولياء والصالحين فخلق لا يحصى عددهم.

وقد ذكر بعض الناس جماعة قليلة منهم تركناها خوفا من الإطالة.

قيل إن الخلعى كان يقول عند زيارتها : السلام والتحية والإكرام ، من العلى الرحمن على السيدة نفيسة الطاهرة المطهرة ، سلالة البررة وابنة علم العشرة. الإمام حيدرة السلام عليك يا ابنة الإمام الحسن المسموم ، أخى الإمام الحسين سيد الشهداء المظلوم ، السلام عليك يا ابنة فاطمة الزهراء ، وسلالة خديجة الكبرى رضى الله تبارك وتعالى عنك وعن جدك وأبيك وحشرنا فى زمرة والديك وزائريك اللهم بما كان بينك وبين جدها ليلة المعراج اجعل لنا من همنا الذى نزل بنا الفرج واقض حوائجنا فى الدنيا والآخرة يا رب العالمين (وزاد بعضهم) على هذا الدعاء ألفاظا أخر فقال السلام والتحية والإكرام على أهل بيت النبوة والرسالة والسلام والرحمة على بنت الحسن الأنور بن زيد الأبلج الحسن السبط ابن على المجتبى وابن فاطمة الزهراء أنتم غياث لكل قوم فى اليقظة والنوم فلا يحرم فضلكم إلا محروم ولا يطرد عن بابكم إلا مطرود ، ولا بواليكم إلا مؤمن تقى ولا يعاديكم إلا منافق شقى ، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وأعطنى خير ما رجوت بهم وبلغنى خير ما أملت فيهم ، يا آل بيت المصطفى إنما السرور والسلامة فيكم جئتكم قاصدا فبالله أقبلونى فقد حسبت عليكم اللهم :

انى ألوذ بحب آل محمد

أرجو بذلك رحمة الرحمن

منى الدعاء بحبهم لك دائما

يا دائم المعروف والغفران

١١١

(وكان) بعضهم يقف عند هذا المشهد ويقول

يا رب إنى مؤمن بمحمد

وبآل بيت محمد منوالى

فبحقهم كن لى شفيعا منقذا

من فتنة الدنيا وشر مآلى

(وكان) بعضهم يقول

يا بنى الزهراء والنور الذى

ظن موسى أنه نار قبس

لا أولى قط من عاداكمو

إنه آخر سطر فى عبس

وفاة السيدة نفيسة وتجديد مكانها :

(ولما توفيت) السيدة نفيسة بنى لها السرى بن الحكم ثم جدد البناء كما هو مكتوب على اللوح الرخام على باب ضريحها وهو الذى كان مصفحا بالحديد بعد البسملة ما مثاله نصر من الله وفتح قريب لعبد الله ووليه منقذ أبى تميم الامام المستنصر بالله أمير المؤمنين صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين وأبنائه الأكرمين أمر بعمارة هذا الباب السيد الأجل أمير الجيوش سيف الاسلام قاضى الأنام كافل قضاة المسلمين وهادى دعاة المؤمنين عضد الله به الدين وأمتع بطول بقائه المؤمنين ، وأدام قدرته وأعلا كلمته وشد عضده بولده الأجل الأفضل سيف الاسلام ، جلال الأنام ناصر الدين خليل أمير المؤالنين ، بطول بقائه زاد الله فى علاه ، وأمتع أمير المؤمنين بطول بقاه فى شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة (وأما القبة) التى على الضريح فالذى جددها الخليفة الحافظ لدين الله عبد المجيد العلوى الفاطمى وذلك فى سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة وهو الذى أمر بعمل الزجاج فى المحراب ثم أخذ أرباب الدولة فى العمارة بجوار ضريحها تبركا بها قديما وحديئا (فمنهم) الستر الرفيع والحجاب المنيع أم السلطان الملك

١١٢

العادل سيف الدين أبى بكر بن أيوب بن شادى الكردى أنشأت رباطا بجوارها ثم أن الملك الناصر محمد بن قلاوون أمر بانشاء جامع بخطبة وشيد بناءه وصار الناس يتقربون إليها بالبنا حول ضريحها.

ولما توفى الحليفة أمير المؤمنين أبو العباس أحمد بن حسن العباسى المعروف بالأصم فى ثانى جمادى الأولى سنة إحدى وسبعمائة فى دولة الملك الناصر محمد بن قلاوون تولى الغسيل والصلاة عليه بالجامع الطولونى شيخ الشيوخ كريم الدين الايجى أمر السلطان الناصر محمد بن قلاوون أن يدفن بالمشهد النفيسى ودفن هناك بجوارها وبنيت له قبة وكانت جنازته مشهودة وكانت مدة خلافته أربعين سنة وهو أول خليفة دفن بمصر من الخلفاء العباسيين وكان أول دخول هذا الخليفة يوم الخميس السادس عشر من صفر سنة ستين وستمائة فى دولة السلطان بيبرس البندقدارى وكانت إقامته أولا بالقلعة بالبرج الكبير إلى ثامن المحرم سنة إحدى وستين وستمائة فعقد له السلطان مجلسا عظيما بالقضاة الأربع وأرباب الدولة بالإيوان لأخذ البيعة للخليفة وقراءة نسبه وتابعه أعيان الدولة والسلطان وخطب باسمه على المنابر وأنزل بظاهر الكبش فسكن هناك إلى حين وفاته ثم ولى الخلافة بعده ولده أبو الربيع سليمان بعهد من أبيه ولقبه المستسكفى بالله وكان عمره إذ ذلك عشرين سنة تقريبا وسكن بمسكن أبيه بالكبش وقد أفردنا لمن ولى الخلافة من لدن أبى بكر الصديق رضى الله تبارك وتعالى عنه إلى يومنا هذا مجلدا على حدته وليس غرضنا فى هذا الكتاب إلا ذكر المزارات وأرباب الولايات ، وإنما نذكر غيرهم على سبيل الاستطراد لا غير والمشهد النفيسى صار نظره تحت الخلفاء العباسية وأول من تولى النظر على المشهد النفيسى المعتضد بالله أبو الفتح أبو بكر بن المستكفى

١١٣

بالله بتوقيع سلطانى يوم الخميس ثالث عشر صفر سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة من السلطان الملك الناصر حسن.

بعض قبور الصالحين بجوار المشهد النفيسى :

وبجوار المشهد المذكور قبور جماعة من العباسيين ومن جهة الرباط العادلى تجد تربة بنى المصلى الاشراف وتدخل إليها من تربة الخلفاء وهى من الدفنى القديمة وتعرف ببنى المصلى وسمى جدهم بالمصلى لكثرة صلاته أو سمى بالمصلى لأن بعض الزنادقة. رمى النار فى منزله وهو يصلى فاحترق المنزل كله وهو لا يلتف فى صلاته. وهم بيت كبير فى الاشراف معروف ببنى المصلى ومن جهة الغرب قبور جماعة من الفاطميين وقبل خروجك من بابها الشرقى قبة (١) بها السيد الشريف محمد بن جعفر الحسينى وقيل إنه الحسن بن طاهر قال الحميدى كان على دين وقد ألزمت بطلبه فجئت إلى هذا القبر وقرأت به شيئا من القرآن وبكيت وإذا بامرأة سمعت فدفعت إلى قلادة ذهب وقالت لى خذ هذه القلادة لأجل صاحب هذا القبر فأخذتها وانصرفت فلم أمش إلا خطوات يسيرة وإذا بصاحب الدين قد أقبل فلما رآنى تبسم فى وجهى وقال لى رد على المرأة القلادة التي أخذتها منها فأنا أحق بهذا الأجر منها وثوابه فسألته عن سبب ذلك ومن أعلمه به فقال رأيت صاحب هذا القبر وعاهدنى على قصر فى الجنة إن صفحت عنك ثم إنه كان فى يده ستة دراهم

__________________

(١) وهذه تعرف بسيدى موفى الدين فى الجهة الغربية البحرية للمشهد النفيسى وبها قبر محمد بن جعفر بن محمد بن اسماعيل الامام ابن جعفر الصادق وأصله من الأسرة الاسماعيلية التى نزحت الى مصر فى القرن الثالث الهجرى.

١١٤

فدفعها لى وله كرامات لا تحصى وقد جرب هذا المكان بإجابة الدعاء وقبلى هذا المشبد من جهة حائط السور قبور كثيرة (وهناك قبر حجر يعرف بقبر إسماعيل المفلوج) يقال إنه صام الدهر أربعين سنة إلا الأيام المكروهة (وبها) قبر الشيخ الصالح فتح المرخم.

وفى غرب هذه القبور على الطريق تربة مشايخ الهنود تجد هناك زاوية بها قبر الشيخ الصالح العارف أبى الفضائل محمد بن الشيخ الصالح القدوة أبى محمد عبيد الله بن محمد المرتعش النيسابورى الأصل ، كان له طريقة معروفة فى التصوف ولسان طلق وكلام مفيد وطاف على مشايخ البلاد الاسلامية وأخذ عنهم ثم قدم إلى الديار المصرية على أحسن طريق بعد موت أبيه فى سنة أربع وأربعين وثلثمائة ، فأقام بمصر يفيد الطالبين والراغبين إلى أن توفى فى شعبان سنة خمس وخمسين وثلثمائة ويقال إنما سمى المرتعش لأنه كان ترد عليه حالة ينزعج منها قلبه حتى يكشف منها فيرى ما فى اللوح منتقشا.

مشهد السيدة آسية :

ثم تقصد مشهد السيدة آسية تجد قبل الوصول إليه على الطريق والسور قبرين (الأول) هو قبر الرجل الصالح أبى جعفر الناطق (حكى) القاضى ابن ميسر أن الأمير بهاء الدين قراقوش أراد أن يحفر هذا المكان فلما حفر بعض الأمراء به سمع قائلا يقول من جوف هذا القبر أمسك يدك. فيبست يد الأمير فقال له المجتمعون ما بك؟ فقال لهم : سمعت كلاما من هذا القبر وإنى كلما أردت ان اعمل تمسك يدى وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله (والقتر الثانى هو قبر القاضى الاجل الصالح مالك بن سعيد بن مالك الفارقى

١١٥

قيل إنه كان قاضى طرابلس الغرب ثم ولى بمصر يوم الجمعة سابع عشر رجب سنة ثمان وتسعين وثلثمائة من قبل الحاكم بأمر الله الفاطمى ثم فى الخامس من ذى القعدة سنه أربع وأربعمائة انتزعت منه المظالم وأعيدت إلى ولى عهد المسلمين وأحضره الحاكم عنده وأمره أن يكتب سب الصحابة على أبواب المساجد فلم يكتب على المساجد إلا قوله : «لقد تاب الله على النبى والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه فى ساعة العسرة» ثم عاد إليه فقال فعلت ما أمرتك به؟ فقال نعم فعلت ما يرضى الرب عز وجل ، فقال له ما هو؟ فقرأ الآيات ثم انصرف فأمر بضرب عنقه فضربت فى يوم السبت لأربع بقين من شهر ربيع الآخر سنة خمس وأربعمائة.

وكان محمودا فى ولايته عفيفا عن أموال الناس لا يخاف فى الله لومة لائم وكانت ولايته مصر قاضيا سنتين وتسعة أشهر رحمة الله تعالى عليه (وبحرى هذه القبور إلى الشرق قبر الشيخ العارف عبدون) كان معدودا من رجال الطريقة وهذه الخطة طولا وعرضا معروفة بخطة غافق بن الحرث ابن وعك بن عدنان بن عبد الله بن الأزد الأزدى فهى من خطط الصحابة وتعرف الآن بسور القرافة وتربة السيدة آسية وباب الزغلة وتعرف قديما بوادى موسى.

مسجد عمران وقصة صلاة سيدنا موسى عليه السلام :

وسبب ذلك أن بالقرب من قبر مالك بن سعيد والناطق أبى جعفر مسجدا كبيرا واسع الرحاب والبناء أمر بإنشائه عمران بن موسى النجار مولى غافق الذى نسبت إليه هذه الخطة وكثير من الناس يزعم أن موسى النبى على نبينا وعليه الصلاة والسلام صلى بهذا المسجد وليس بصحيح وكان

١١٦

عمران هذا مشهورا بالخير والمعروف وقد جدد فى مصر والقرافة بهذا الخط أماكن كثيرة فنسبت لطول الزمان ويقال إنه أوصى أن يدفن فى أرض مولاه غافق فدفن إلى جانب مسجده فى سنة أربع وتسعين ومائة.

والصحيح أن وادى موسى بن عمران على نبينا وعليه الصلاة والسلام إنما هو بالبحيرة وهو المكان الذى ألقى فيه عصا ، موسى بن عمران ـ على نبينا وعليه الصلاة والسلام وهو ميل فى ميل فلما ألقى موسى عصاه سدت الأرض وكان اجتماعهم بالأسكندرية ويقال إن ذنب الحية بلغ وراء البحيرة ثم فتحت فاها فكان ثمانين ذراعا فاذا هى تلقف ما يأفكون أى يكذبون ويزورون على الناس فابتلعت جميع ما ألفوا وقصدت الناس فهلك منهم فى الزحام خمسة وعشرون ألفا ثم أخذها موسى فصارت عصا كما كانت.

قيل إن السحرة كانوا من سبع مدائن وهى : شطا وأبو هبير ، وبنا وأبو قير وأرمنت وأتريب وانصنا وكانوا سبعين ألفا مع كل ساحر حبل وعصى قيل إن الذين خرجوا مع موسى عليه الصلاة والسلام كانوا ستمائة ألف وخمسمائة وبضعا وسبعين رجلا سوى الذرية والهرمى والزمنى وكانت الذرية ألف ألف ومائتى ألف وقيل إن الذين خرجوا مع يوسف الصديق عليه الصلاة والسلام عند ملاقاة أبيه يعقوب إسرائيل عليهما الصلاة والسلام كانو أربعمائة ألف من الجند وخرج معهم أهل مصر ودخل يعقوب عليه الصلاة والسلام ومعه أولاده وأولاد أولاده وكانوا اثنين وسبعين إنسانا ما بين رجل وامرأة ثم قصد إلى تربة السيدة آسية بنت مزاحم بن خاقان ابن عرطوح التركى الذى كان أمينا على مصر من قبل المتوكل العباسى لثلاث خلون من شهر ربيع الأول سنة ثلاث وخمسين ومائتين فألهمه الله

١١٧

العدل فى مصر ومنع النساء من الحمامات والمقابر وسجن المخنثين والنوائح ومنع من الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم فى الصلوات الخمس وأمر الناس أن يصلوا التراويح خمسة وكان أهل مصر يصلونها ستة قبل ذلك ومنع من التثويب بالأذان يوم الجمعة فى مؤخر المسجد كل ذلك فى سنة ثلاث وخمسين ومائتين ثم مرض فاستخلف ولده أحمد ثم توفى مزاحم بن خاقان فى ليلة الاثنين لخمس خلون من المحرم سنة أربع وخمسين ومائتين.

ثم قام ولده أحمد واليا بمصر إلى أن توفى بها لسبع خلون من شهر ربيع الآخر سنة أربع وخمسين ومائتين ودفن إلى جانب أبيه ثم تأخرت آسية ابنته وكانت من حين دخلت على أبيها اعتزلت عنه وعن إخوتها واشتغلت بالعبادة وزيارة القرافة وكان غالب إقامتها بمشهد السيدة نفيسة وهديت إلى الطاعة بعد أن علمت أنها أشرف بضاعة فاشتهرت عند الناس بالخير والصلاح وبعد أن لاح عليها الفلاح عكف عليها الخاص والعام فى المساء والصباح فلم تزل على ذلك إلى أن توفيت إلى رحمة الله تعالى فى سنة تسع وخمسين ومائتين ودفنت إلى جانب أبيها وأخيها وظهر اسمها وترك اسم أبيها وأخيها وصارت الخطة كلها لا تعرف إلا بها. وقد اختلف أرباب التواريخ فى نسبها فقال بعضهم آسية بنت مزاحم بن الرضى بن سهيون ابن خاقان أحد وكلاء ابن طولون وقيل هى آسية بنت زرزور بنت خمارويه ابن طولون.

وقيل هى آسية بنت مزاحم بن خاقان ، والصحيح الأول ، وأما العامة من أهل مصر فسن خرافاتهم أنه قبر آسية بنت مزاحم امرأه فرعون

١١٨

قيل إنها ابنة ملك عين شمس التى هى الآن مدينة خراب شرقى المطرية وهذا القول غير صحيح لأن التواتر بهذا منقطع والزمان بعيد.

وكان الرجل الصالح العارف الواعظ أبو الفضل بن الجوهرى يعظ الناس تبركا بهذا المكان والخط ولم يزل هذا المكان عامرا إلى أيام العاضد العبيدى فدخل الفرنج مصر وأرادوا بأهل مصر والقاهرة شرا لضعف المتولى عليهما ووزيره شاور فأشار على الناس بوقود النار فى وجوه الكفار فعادت النار على بيوت أهل مصر وزادت وأضرمت حتى صار منها هذه الكيمان والخرائب.

وكانت هذه الواقعة فى سنة أربع وستين وخمسمائة وتقصد إلى مقابر مصر فتجد فى الطريق المشهد المعروف يزيد بن على زين العابدين بن الحسين ابن الامام على بن أبى طالب كرم الله تعالى وجهه هذا المشهد فيما بين الجامع الطولونى ومدينة مصر تسميه العامة زين العابدين وهو خطأ وإنما هو مشهد زيد كما تقدم ولم يكن المشهد المذكور الاهامة قدم بها أبو الحكم بن أبى العاص الأموى يوم الأحد لعشر خلون من جمادى الآخرة سنة اثنتين وعشرين ومائة وقيل إنه لما صلب كشفوا عورته فنسج العنكبوت عليها فسترها ثم أنه بعد ذلك أحرق وذرى فى الريح ولم يبق إلا رأسه التى بمصر وهو مشهد صحيح لأنه طيف به فى مصر ثم نصب على المنبر بالجامع بمصر فسرق ودفن فى هذا الموضع ثم بعد مدة بنى عليها هذا المشهد المذكور.

وكنيته أبو الحسن وهو الذى ينسب إليه الشيعة الزيديون قال الامام الأعظم أبو حنيفة النعمان شاهدت زيد بن على كما شاهدت أهله فما رأيت

١١٩

فى زمانه أفقه منه ولا أعلم ولا أسرع جوابا ولا أبين قولا لقد كان منقطع القرين ، ولما بلغ الأفضل ، فضل هذا السيد أمر بكشف المسجد وكان وسط الكيمان ولم يبق منه إلا المحراب فوجد هذا العضو الشريف يعنى الرأس فأخرج ومسح وعطر وحمل إلى داره حتى عمر هذا المشهد وكان ذلك فى يوم الأحد تاسع عشرى ربيع الأول سنة خمس وعشرين وخمسمائة (قال) القضاعى لما حملوه إلى الدار لأجل عمارة المشهد كانوا يسمعون القراءة حوله والأنوار ترتمى عليه فى الليل نازلة (وهذا) المشهد بناه أمير الجيوش بنية عظيمة وأعاد الرأس الشريف إلى مكانه (وفى هذه) التربة تفسيح لرد اللوقة بنظر فيه ثلاث سبوت قبل الطلوع (وبهذا المشهد) عمود رخام على يمين الداخل بين الأبواب به أسطر تكتب فى ورقة وتوضع على عرق النسا يزول باذن الله تعالى وهى مجربة (وهذه) صورة الاسطر (ا ح ه ت ا ه ع ه ه ا ه ه مرابية) وعتبة الباب من قعد عليها ثلاث أربعا آت باكر النهار وبه بواسير تنقطع باذن الله تعالى.

وعلى هذا المشهد باب من عجائب الدنيا وهو أخو الباب الذى كان على تربة القطبية المذكورة وهو عزيز الوجود وكانت التربة عليها الباب من مفردات الترب والآن هى خراب. ثم تأخذ إلى الجهة الشرقية من مصر فيها الموضع المعروف ببركة رمسيس.

صحة مشهد أبى ذر الغفارى :

هناك مشهد كتبت عليه العامة أبو ذر الغفارى وهذا ليس بصحيح والصحيح أنه بالربذة واسم أبى ذر جندب بن جنادة وقيل جندب بن السكن وكنيته أبو ذر الغفارى سيره عثمان إلى الربذة فمات بها فى سنة اثنتين وثلاثين وليس له عقب.

١٢٠