تاريخ عمان

سرحان بن سعيد الأزكوي العماني

تاريخ عمان

المؤلف:

سرحان بن سعيد الأزكوي العماني


المحقق: عبد المجيد الحسيب القيسي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: وزارة التراث والثقافة سلطنة عمان
الطبعة: ٤
الصفحات: ١٦٢

الفصل الرابع

في ذكر الملوك المتأخرين من النباهنة وغيرهم(١)

٣٤ ـ الملوك النبهانيون المتأخرون :

قيل إنه لما مات سلطان بن محسن وكان موته ليلة الاثنين لاثني عشر ليلة بقيت من شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وسبعين وتسعمائة (٢) ترك ثلاثة أولاد هم طهماس (٣) بن سلطان وسلطان بن سلطان ومظفر بن سلطان ، وكان المظفر هو المتقدم عليهم في الملك إلى أن مات وكان موته ليلة السبت من شهر محرم سنة ستة وسبعين وتسعمائة (٤) وترك ولده سليمان صغيرا لا يقوم برياسة الملك وكان عم أبيه فلاح بن محسن مالكا في حصن مقنيات فلما علم بموت مظفر جاء إلى بهلاء وأقام مكانه وعدل في ملكه وملك بعده سبع سنين ثم مات فملك من بعده سليمان بن مظفر وهو ابن اثنتي عشرة سنة واستولى على الأمر في عمان ونواحيها وأخذ خراج أهلها من الطائع والعاصي والداني والقاصي ، وحاربه أهل نزوى وكان معهم جبري يقال محمد بن جفير (٥) وعنده جيش عظيم فطلع إليه سليمان بن مظفر وعرار (٦) بن فلاح وعندهما ناصر بن قطن ومن معهم من العساكر فلما التقوا هم ومحمد بن جفير استقام بينهم القتال ، فقتل محمد بن جفير وانكسر قومه وكان ناصر بن قطن منتظرا للأمر بينهم فنادى بالكف بين القوم عن القتال وكان محمد بن جفير عنده ولد صغير السن

__________________

(*) وهو الباب السادس والثلاثون من كتاب كشف الغمة.

(١) سنة ٩٧٣ ه‍ ـ ١٥٦٥ م.

(٢) في الأصل طهيا.

(٣) سنة ٩٧٦ ه‍ ـ ١٥٦٩ م.

(٤) هو دون شك محمد بن جفير الذي تقدم ذكره في الفصل السابق ، ويبدو أن المؤلف ينقل من مصدرين.

(٥) في الأصل غرار.

٨١

واسمه محمد بن محمد وأمه بنت عمير بن عامر فتزوجها سليمان بن مظفر بعد ما قتل زوجها ، فركن إليها بالبادية فكان في الشتاء ببادية الشمال ويترك ابن عمه عرار بن فلاح ببهلا وإذا جاء الصيف رجع إلى بهلا.

وكان مهنا بن محمد الهديفي مالكا بلد صحار ، فعلم أن العجم متأهبون إليه فأرسل إلى سليمان بن مظفر يستنصره عليهم فلبى دعوته وأطاع كلمته ، فخرج إليه بمن عنده من العسكر وتكاملت القوم بصحار.

ووصلت إليهم العجم من البحر فاستقام بينهم القتال وعظم النزال وارتفع العجاج وأظلم الفجاج فانكسر جيش العجم وقتل منهم من شاء الله ورجع سليمان بن مظفر إلى داره بهلا وعنده بنو عمه وهم عشرة : عرار ونبهان ومخزوم أولاد فلاح بن المحسن وكان المقدم عليهم عرار وأما أخوه نبهان فلا يملك رأيا دون رأي أخيه ، وكان العرار بن فلاح ملك الظاهرة وأعطى سليمان بن مظفر مخزوما ملك ينقل ، فبقي عنده تسعة أحدهم حمير بن حافظ وعنده أربعة أولاد حافظ بن حمير وسلطان بن حمير وكهلان بن حمير وهود بن حمير فمات حافظ بن حمير بعد رجوعهم إلى بهلا بسنة زمان وبقي معه من بني عمه اثنان من العشرة أحدهما مهنا بن محمد بن حافظ وعلي بن ذهل بن محمد بن حافظ وهم على يدي سليمان بن مظفر.

وكان لسليمان وزراء في القرية وفي النزار من قرية أزكي وفي سمد الشان وكانت سمد الشان لقبيلة الجهاضم ، وكان جائرا عليهم ففروا من شدة جوره وبطشه وتفرقوا في البلدان مدة ثلاثين سنة وهم يحتالون في دخولها والتواصل إليها ، وكان بنو هناءة من أقرب الناس إلى سليمان بن مظفر وكانوا أكثرهم عددا وعدة ، وبأسا وشدة ، وكان فيهما رجلان يليان أمرهم وهما خلف ابن أبي سعيد وسيف بن محمد بن أبي سعيد ، وكانا عنده قدوة أهل زمانهم ، فافترقوا وكان سبب الفرقة بينهم أن قبيلتين من أهل سيفم إحداهما بنو معن

٨٢

والأخرى بنو النير وكانتا عصبة لبني هناءة وخصمهم واحد ، ثم وقعت الفرقة بين بني معن وبني النير وسبب ذلك أن امرأة من بني معن دخلت زرعا لبني النير فمرت عليها أمة رجل من بني النير فقالت لها أخرجي من زرع سيدي فأبت ، فوقع بينهما الجدال فضربت الأمة المرأة ففقأت عينها ، وخرج ذات يوم جمل لبني النير ودخل زرعا لبني معن فقطعت أذنه ، فوقعت الفتنة بينهما وهذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين.

وأصل الفتنة كالنار اليسيرة تحرق الأشياء الكثيرة فافترق عند ذلك القوم فرقتين أما بنو معن وبنو شكيل فهم مع سليمان بن مظفر وبنو النير مع بني هناءة ، فعند ذلك سار خلف بن أبي سعيد إلى دارسيت ، هو وبنو عمه. وكان سليمان بن مظفر يومئذ بالبادية فعلم بذلك فأرسل إلى وزيره محمد بن خنجر أن قل لخلف يترك شأن القوم فأرسل إليه بالكف عن ذلك فغلب عن ذلك وأظهر أنه يريد الإصلاح بين بني معن وبني النير فأرسل الوزير إلى مولاه سليمان أن خلفا غلب عن الكف فندب سليمان بن مظفر إلى الوزير أن افعل في أموال بني هناة من القرية من كدم ، فأمر الوزير بإخراب أموال بني هناءة ، كانت تلك الأموال للشيخ خلف بن أبي سعيد فوقعت العداوة والبغضاء بينهما فأمر عند ذلك الشيخ خلف بني عمه أن أغزوا بهلا فغزوها فقتلوا من قتلوا منها ، فكتب الوزير محمد بن خنجر إلى سليمان بن مظفر بما جرى في بهلا فلما علم سليمان بذلك قفل من الشمال إلى بهلا وأراد الصلح بينهم وبين بني هناءة فلم يقع الصلح ، وهيأ كل واحد منهما الحرب لصاحبه فجمع السلطان سليمان ما عنده من العسكر ليقابل بني هناءة.

ولما علم بذلك الشيخ خلف أرسل إلى الأمير عمير بن حمير ملك سمايل ينتصر به على سليمان بن مظفر فأجابه إلى ذلك وجاء بمن عنده من القوم من سمايل ، فعلم بذلك سليمان بن مظفر فسار بعسكره إلى غبرة بهلا فالتقى هو

٨٣

والأمير عمير بن حمير فاستقام الحرب بينهما ساعة من النهار ثم رجع سليمان إلى بهلا ورجع الأمير عمير إلى سمايل وترك بعض قومه في دارسيت. (١)

وكان الأمير عمير ذا خلق حسن واسع فلما وصل إلى سمايل أرسل إلى بني جهضم وهم متفرقون في قرى شتى فأقبلوا إليه فوقعت بينهم الألفة وإثبات الصحبة ، ثم أرسل إلى سلطان الرستاق وهو مالك بن أبي العرب (٢) ليصله إلى سمايل فسار مالك وصحبه أبو الحسن علي بن قطن ، فلما وصلوا إلى سمايل ساروا مع بني جهضم إلى سمد الشان وبنوا لهم بنيانا حول دارهم وترك عندهم الأمير البعض من قومه وترك لهم ما يحتاجون إليه من الطعام والشراب وآلة الحراب ورجع إلى سمايل.

وأما بنو هناءة وسليمان بن مظفر فإنهم لم تنقطع بينهم الغزوات ثم إن الأمير عمير بن حمير والسلطان مالك بن أبي العرب ساروا إلى نزوى وهما ينتظران الأمر وكان لمالك بن أبي العرب وزير في «عيني» من الرستاق ، فدخل عليه أهل الدار وأخرجوه منها ، وجاء رجل من أهل عيني إلى سليمان بن مظفر يطلب منه النصر على الخصم ، فأعانه ببعض قومه وأرسل معه عرار بن فلاح الخبر إلى السلطان مالك بن أبي العرب بما جرى في داره فأراد المسير إلى داره فقال له الأمير عمير بن حمير قف معنا ولا تخف فهذا من علامات السرور ، فقال كيف ذلك والعدو في داري فقال الأمير عمير : ذلك عندي وإنا إن شاء الله من الغالبين ، قال الله تعالى (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً)(٣)). كما قال الشاعر :

إذا الحادثات بلغن المدى

وكادت تذوب لهن المهج

__________________

(١) المقصود بها بلادسيت وهي إحدى مناطق داخلية عمان.

(٢) هو جد الإمام ناصر بن مرشد ستجيء أخباره.

(٣) سورة الشرح الآية ٥ ، ٦.

٨٤

وحل البلاء وقلّ العزا

فعند التناهي يكون الفرج

ثم إن بني هناءة أرسلوا إلى الأمير عمير بن حمير أن أقبل إلينا بمن معك من القوم لندخل بهم بهلا فسار هو ومن معه إلى بعض الطريق فنظر إلى قومه فاستقل عددهم فرجع إلى نزوى وكان بنو هناءة ينتظرونه في ليلة كانت بينهم للدخول فلم يصل إليهم فسار إليه الشيخ سيف بن محمد من دارسيت إلى نزوى وجرى بينهما جدال كثير من باب العتاب ، فقال الأمير عمير بن حمير خذ من القوم ماشئت فأخذ من عنده قوما كثيرا لا يعلم عدده إلا الله تعالى وسار إلى دارسيت والأمير عمير ينتظر الأمر بنزوى ، فجاء الخبر إلى سليمان بن مظفر أن القوم طلعوا من نزوى إلى دارسيت فمنهم من يقول إنهم قاصدون القرية ومنهم من يقول ينعم ومنهم من يقول بهلا فقسم سليمان قومه فجعل بعضا منهم في القرية وبعضا في سليضم. وبنى بنيانا في رأس فلج الجزيين مخافة أن يضره القوم وترك فيه قوما وقسم بقية القوم في بهلا وترك في الخضرا جماعة من قومه وكذلك ترك في حارة الغاف ، وترك في الجامع من البلاد حمير بن جابر بن حافظ ومن عنده من القوم وقسم بقية قومه في العقر.

وكان بن عمه عرار بن فلاح ومن معه من القوم في عيني من الرستاق فسار سيف بن محمد بقدومه من دارسيت إلى بهلا ودخلها وكان أول دخوله من جانب الغرب فتسوروا السور ودخلوا البلاد وكان ذلك منهم ضربة لازب ولم يشعر بهم أحد فقسم سيف قومه ثلاث فرق فرقة باليمين وفرقة بالشمال وفرقة بالوجه وهي التي تلي الجامع من البلاد ، وأحكم أمره في الأماكن المختارة للقتال كمسجد الجامع ومسجد أبي عمر وجميع أبواب العقر فما بقى لسليمان ابن مظفر شيء غير الحصن والخضرا بعد ما قتل من سادات قومه وفرسانه تلك الليلة عدد كبير.

٨٥

ونادى سيف بن محمد بالأمان في البلاد وكان بعض أهل البلد معه وجاء الخبر إلى الأمير عمير بن حمير وهو في نزوى أن قومك دخلوا بهلا فركب عند ذلك هو والأمير سلطان بن محمد والسلطان مالك بن أبي العرب والمنصور علي ابن قطن وأهل نزوى وركب خلف بن أبي سعيد الهناوي بمن معه من دارسيت من القوم لينصروا أصحابهم ، وكان دخولهم ليلا ونزل الأمير عمير بحارة الغاف وكانت الخضرا في ملك السلطان سليمان وفيها علي بن ذهل وعنده قوم كثير فأرسل إليهم الأمير عمير ليخرجوا بما عندهم من الزانة (١) فورد علي بن ذهل على قومه يحرضهم على القتال فلم يجبه أحد منهم وعزموا على الخروج ووصل الخبر إلى عرار بن فلاح وهو في عيني من الرستاق أن القوم دخلوا بهلا فنهض من عيني بمن معه ودخل القرية وكانت القرية في ملكهم وكان عمير وسيف بن محمد لم يشاركهما أحد في البلاد إلا الحصن وهم محدقون به وصنعوا في شجرة الصبار التي في السوق برجا من خشب في أعلى رأسها بالليل وقعد فيه رجل من الجهاضم يقال له جمعه بن محمد الموهوب فضرب رجلا من الحصن كان خارجا إلى بيت الوزير ومات وعمل قوم الأمير عمير برجا في الجامع فضرب صاحب البرج رجلا من الحصن من مبرز الغرفة من عسكر سليمان ، ثم إن القوم قشعوا سور الحصن بالليل فلما أنهدم الجدار علم بهم عسكر سليمان فمنعوهم عن الدخول ، ثم إن العسكر طلبوا من سليمان الخروج من الحصن مخافة القتل ، فأقاموا ثلاث عشرة ليلة ثم أذن لهم ، فطلبوا من الأمير عمير أن يسيرهم فسيرهم بما عندهم من الزانة وسير معهم وزيره ، ثم طلع سليمان بن مظفر هو وبنو عمه وعسكره مسيرين من بهلا إلى القرية فخرج هو وعرار من القرية إلى الظاهرة فأمر بعد ذلك الأمير عمير بن حمير يقشع من الحصن فقشع ولم يبق منه عمار ولا جدار فهذه قدرة الله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم.

__________________

(١) الزانة : عتاد القتال.

٨٦

وجعل عمير خلف بن أبي سعيد مأمونه في بهلا ورجع إلى سمايل فأقام خلف بن أبي سعيد في بهلا أربعة أشهر ثم خرج عليه سليمان بن مظفر وابن عمه عرار بن فلاح فدخلوا عليه الخضرا وهو في العقر وكانت هذه الدخلة ليلة رابع من شهر ربيع الأول سنة تسع عشرة سنة بعد ألف سنة (١) وكان سيف ابن محمد هو وبعض قومه في السر فأرسل سليمان بن مظفر لخلف بن أبي سعيد ليسير بما عنده من الزانة فخرج خلف مسيرا وأخذ الأمان على أهل البلد فمنهم من أقام مكانه ومنهم من خرج خوف السلطان ، فلما علم سيف بن محمد هذا الخبر جاء في السر وعلم به الأمير عمير بن حمير فأقبل من سمايل إلى نزوى ومضى إلى القرية فأخذها ووهبها لسيف بن محمد فكان مأمونه فيها ، ثم رجع إلى نزوى ينظر الأمر عدة أيام فمات سليمان بن مظفر وكان له ولد صغير السن فملك من بعده عرار بن فلاح ، ثم طلع سيف بن محمد إلى نزوى وأخذ من الأمير عمير قوما كثيرا فسار بهم إلى القرية فمكثوا بها سبعة أيام ثم سار بهم ودخل بهم حارة من بهلا اسمها حارة أبي مان فأحدق بهم عرار بن فلاح مدة أيام ثم إنه سيرهم بما عندهم من الزانة وثبت له حصن القرية وتجديد الخدمة مدة سنة وكانت هذه الدخلة ليلة سادس من شهر صفر سنة أربعة وعشرين سنة بعد الألف (٢).

ثم مات بعد ذلك عرار بن فلاح وكان موته لعشر ليال خلت من شهر الحج من هذه السنة ، وملك من بعده مظفر بن سليمان وأقام في ملكه مدة شهرين من الزمان ثم مات ، وملك من بعده مخزوم بن فلاح مدة شهري زمان فخرج عليه نبهان وسيف بن محمد ليخرجاه من الحصن فطلب التسيار فسيروه بلا زانة ولا سلاح وكان خروجه إلى ينقل من مظاهرة فتولى الأمر على أصحابها مدة من

__________________

(١) توافق السنة ١٠١٩ ه‍ السنة ١٦١٠ ميلادية.

(٢) ١٠٢٤ ه‍ ـ ١٦١٥ ميلادية.

٨٧

الزمان وأقام بعده نبهان ابن فلاح وجعل ابن عمه علي بن ذهل مأمونه في داره بهلا وعلى أثره سيف بن محمد ، فسار نبهان بن فلاح إلى دارة مقنيات وأخرج ابن عمه سلطان ابن حمير من بهلا خوفا منه أن يحاول الاستيلاء على الملك فسار سلطان بن حمير من بهلا إلى صحار فتولى مكانه ذلك الأمر سيف بن محمد مدة سنة والله أعلم.

ثم طلع بعد ذلك الأمير عمير بن حمير بما عنده من القوم إلى بهلا فمنعه سيف بن محمد من الدخول فرجع هو وقومه إلى نزوى منتظرا الأمر ، ثم بعد أيام رجع عمير وقومه إلى بهلا ودخل العقر وكان سيف بن محمد في دار سيت فعلم الأمر فنهض من دار سيت بمن عنده من القوم ودخل الحصن بقومه فلم يمنعه أحد ثم أرسل إلى نبهان بن فلاح أن القوم دخلوا الدار فأقبل بمن عندك من العسكر فأقام مدة أيام يجمع عساكره ، وكان الأمير عمير بن حمير قد أحكم مقابض البلد من أولها إلى آخرها وأقام سيف بن محمد في الحصن مدة أيام ينتظر نبهان وقومه فلم يصل إليه وأرسل عمير بن حمير التسييرة فأبى سيف لأنه يرجو وصول نبهان إليه فلم يصل إليه ، ثم طلب سيف التسيار من الأمير عمير فسيره بما عنده من الزانة وقصد القرية.

وأقام عمير بن حمير في بهلا مدة أيام ثم إنه أرسل إلى سيف بن محمد فوقعت بينهما يمين على الصحبه فأقام سيف على ولاية الرعية وعدل فيها فكان متولي الأمر على بني عمه وهم له ناصحون.

ولما استحكم الأمر لسيف بن محمد وكان سلطان بن حمير ومهنا بن محمد بن حافظ وعلي بن ذهل بن محمد بن حافظ ومسكنهم يومئذ بصحار مع محمد بن مهنا الهديفي وكان محمد بن مهنا أراد ليدخل بهم على بن عمهم نبهان بن فلاح في مقنيات ليصلح بينهم ، وكان مخزوم في حصن ينقل فلم يقع بينهم صلح فطلع بعد ذلك سلطان بن حمير وعلي بن ذهل بما عندهما من

٨٨

العساكر فجاء الخبر إلى عمير بن حمير وهو في سمايل أن سلطان سار بقومه من الظاهرة ليدخل بهم بهلا ، فطلع هو وقومه من سمايل إلى بهلا ينتظر الأمر ودخل سلطان بن حمير النبهاني حارة بني عمير بن حمير بقومه وعلى إثره سيف بن محمد فوقع بينهم القتال وبنوا عليهم بنيانا حول الحارة من أولها إلى أخرها ، وأرسل الأمير عمير بن حمير إلى أصحابه من جميع القرى فطلع إليه الشيخ ماجد بن ربيعة بن أحمد بن سليمان الكندي وعمر بن سليمان العفيف والشيخ سعيد بن أحمد بن أبي سعيد الناعبي مع سادات أهل نزوى ومنح وأقام سلطان بن حمير هو وقومه محصورين مدة لم يخرج منهم أحد ولا يدخل إليهم أحد فطلب عند ذلك سلطان بن حمير من الأمير عمير بن حمير التسيار والخروج فسيره ومن معه بما عندهم من الزانة إلى الظاهرة وأقام سلطان بن حمير وكهلان بن حمير وعلي بن ذهل ومهنا ابن محمد بن حافظ في مقنيات مدة أيام فأوجس نبهان منهم خيفة أن يخرجوه من مقنيات فأخرجهم منها فخرجوا إلى صحار عند الهديفي محمد بن مهنا وأقاموا معه زمان والله أعلم.

ثم إن سلطان بن حمير أشار على محمد بن مهنا أن يغزو دير عمير بن حمير وهو في باطنة السيب ، وكان في الدير الأمير سنان بن سلطان والأميران علي بن حمير وسعيد بن حمير فركب محمد بن مهنا وسلطان بن حمير وقومهما من صحار فجاء الخبر إلى الأمراء سنان بن سلطان وعلي بن حمير وسعيد بن حمير أن القوم طلعوا من صحار فما كان إلا قدر ما يخلع الرجل نعليه ويغسل رجليه حتى أقبلت العساكر وسلت البواتر من البر والبحر والسهل والوعر ، فوقع القتال وعظم النزال حتى بلغت القلوب الحناجر وقتل عند ذلك الأمير علي بن حمير وانفصل القتال ورجع محمد بن مهنا فعلم بعد ذلك الأمير عمير بن حمير بما جرى على إخوته وبني عمه وهو في بهلا فاعتقد عقيدة الحزم وتسربل بسربال العزم أن لا يرجع عن صحار حتى يحصدهم بالسيف

٨٩

ويحرقهم بالنار ويبدد شملهم بكل دار ، فأخذ في جمع العساكر من البر والبحر فاجتمع معه قوم لا يعلم عددهم إلا الله تعالى ، وركب إلى مسكت ليحمل قوما من البحر وأرسل إلى ملك هرموز لينتصر به فنصره بعدة من المراكب مملوءة من المال والرجال وآلة الحرب ، وكان قد وصل مركب من الهند بعسكر كثير وفيه آلة الحرب فردته الريح إلى مسكت فأخذه الأمير عمير بن حمير وسار هو ومن معه من النصارى (١) و

غيرهم.

وأقام عمير بقومه في باطنة السيب سبع ليال فعلم بذلك محمد بن جفير فتوجه بقومه لينصر محمد بن مهنا فدخل محمد بن جفير وقومه صحار ففرح به محمد بن مهنا فأدخله الحصن وكان بينهما بعض المقاصيد ساعة من النهار فأمر محمد بن جفير عبده ليقبض على محمد بن مهنا فرمى بنفسه من سور الحصن وندب قومه ، وكان بعض قومه في برج داخل الحصن فوقع القتال بينهم ساعة من النهار ، وطلع محمد بن جفير بقومه من صحار فبلغ هذا الخبر إلى الأمير عمير بن حمير فتوجه إلى صحار بمن معه من الجنود من بر وبحر ودخل صحار نهار تسعة عشر من ربيع الآخر فاستقام بينهما القتال من أول النهار إلى الليل وانفصل القتال ثم بعد ذلك بيوم أو يومين هبطت النصارى من المراكب بما عندهم من آلة الحرب وكانوا يجرون قطع القطن (٢) قدامهم ليتقوا بها ضرب البنادق وكانت عندهم مدافع تسير على أعجال خشب في البر وعليها ستور من الخشب.

__________________

(١) المراد بالنصارى هنا البرتغاليون الذين وصلوا قبل هذا التاريخ بقليل (أنظر الهامش رقم ١ ص ٧٧ أعلا) واحتلوا الأقسام الساحلية والموانئ من عمان ولم يتقدموا إلى داخل البلاد. ومن الغريب والمؤلم أن يكون جزء من البلاد تحت احتلال الأجنبي الغريب وينصرف أبناء البلاد في الداخل إلى أمثال هذه النزاعات العائلية والخلافات القبلية والأغرب من هذا أن يستنجد بعضهم بالمحتل الأجنبي على إخوانه وأبناء عمومته.

(٢) لم نستطيع فهم المقصود من (قطع القطن) هذه.

٩٠

كان في جانب الدار برج لمحمد بن مهنا فيه عسكر كثير فجرت عليه النصارى قطع القطن وضربوه بمدفع حتى أنهدم منه البعض وخرج القوم عنه فدخلته النصارى فعلم محمد بن مهنا بذلك فندب قومه فوقع بينهم القتال على البرج بالليل فقتل عند ذلك علي بن ذهل بن محمد بن حافظ وقتل محمد بن مهنا الهديفي ليلة أحد عشرين من ربيع الاخر سنة خمس وعشرين بعد الألف (١).

أقام بعد ذلك سلطان بن حمير بن محمد بن حافظ النبهاني وأخوه كهلان ابن حمير وابن عمه مهنا بن حافظ وعسكرهم في الحصن بعد ما قتل محمد بن مهنا الهديفي ، فلما علم الأمر حمير بن محمد أن سيد القوم قتل ندب قومه للقتال فكان القتال بينهم في الليل ، ثم طلع عمير بمن معه من تلقاء جامع البلد فلم يمنعه أحد فقتل عند ذلك سلطان بن حمير فانكسر القوم فساروا أشتاتا متفرقين فمنهم من قتل ومنهم من أحرق ومنهم من أسر ومنهم من جرح ومنهم من خرج ذاهبا على وجهه لا يدري أين يتوجه ولا أين يذهب وعلى هذا جميع أهل البلد فأحرقت البلد بأجمعها من أولها إلى أخرها وأقام النصارى في حصن صحار ورجع الأمير عمير إلى بلده سمايل جذلا مسرورا (٢).

وكان مخزوم بن فلاح متوليا حصن ينقل فقبض منهم رجلين فأمر عبده ليقتل واحدا منهم فسل عليه السيف ليضربه فاستجار به فلم يجره وضربه ضربة ثانية فاستجار به فلم يجره فلما أراد ليضربه ثالثة استجار بالله فأهوى إليه ليمسك فاه والعبد قد أهوى بالسيف فضرب يد مخزوم وأقام سبعة أيام بجراحه ومات منه ، وأما الرجل فإنه سحبه العبد يظنه ميتا وبه رمق من الحياة فمر به رجل من أهل البلد فقال من يعينني على مواراة هذا الرجل فنطق الجريح

__________________

(١) ١٠٢٥ ه‍ / ١٦١٦ ميلادية

(٢) وردت في بعض النسخ (خذلانا لا مسرورا)

٩١

أنني حي فحمله على كتفه وادخله البلد فعوفي من جراحه وعاش بعد ذلك الزمان والله على كل شيء قدير وكان هذا بعد أن دخلت النصارى صحار بثلاثة أشهر.

فلما علم نبهان بموت أخيه ركب من مقنيات إلى ينقل وجعل فيها وزيرا ورجع إلى مقنيات وأقام في الملك بعد خروجه من بهلا إلى الظاهرة ثلاثين شهرا ، ثم إن نبهان بن فلاح خرج من مقنيات إلى ينقل وترك بعض عسكره في حصن مقنيات وكانوا قد ملوه من كثر جوره وبغيه فعزموا على إخراجه من مقنيات ، فوجه رجل إلى الأمير عمير بن حمير وإلى سيف بن محمد لينتصر بهما فسار الأمير عمير وسيف بمن معهما من القوم ودخلوا حصن مقنيات بلا منع ولا قتال وأقاموا مدة أيام ثم ركبا ببعض قومهما إلى ينقل فعلم بذلك نبهان ابن فلاح فخاف على نفسه فركب هو وأربعة من عسكره بلا زانة وقصد إلى دار أخواله الرياسه وذلك لأثني عشر يوما خلت من شهر صفر سنة ست وعشرين بعد الألف (١) وأقام الأمير عمير بن حمير وسيف بن محمد في ينقل أياما ثم إن عمير بن حمير وهب البلاد لأهلها يأكلونها هنيئا ورجع إلى مقنيات ، ثم أرسل إلى أهل البلد فسألهم عما كان يأخذ عليهم نبهان فقيل إنه يأخذ نصف غلة النخل وربع الزرع فاقتصر الأمير عمير عليهم بعشر الزرع ، وأما أموال السلطان فهي لمن أقام في الحصن ، وجعل في الحصن عمر بن محمد بن أبي سعيد ورجع الأمير عمير بن حمير وسيف بن محمد إلى بهلا.

ثم إن نبهان بن فلاح أخذ جنودا من أخواله آل الريس ووصل بهم إلى الظاهرة ودخل فدى وأقام فيها مدة أيام ثم جاءه أحد ممن كان له مصاحبا من قبل من أهل ينقل فقال له نحن ندخلك البلد ونثبت قدمك ونشد عضدك وننصرك على القوم ونستفتح لك الحصن ، فسار بقومه ودخل ينقل ليلة النصف

__________________

(١) ١٠٢٦ ه‍ ـ ١٦١٧ ميلادية.

٩٢

من الربيع الاخر سنة ست وعشرين بعد الألف وحكم مقابض البلاد من أولها إلى أخرها إلا الحصن وكان فيه قبيلة من بني علي فتحصنوا وأحدق بهم نبهان واستقام بينهم القتال فخرج رجل من أهل الحصن ومضى إلى الأمير قطن بن قطن ، وكان الأمير يومئذ ناصر بن ناصر فركب محمد بن محمد بن جفير وعلي ابن قطن بن قطن ابن قطن بن علي بن هلال وناصر بن ناصر بن ناصر بن قطن بما عندهم من القوم وكان مسكنهم ببادية الشمال فساروا حتى دخلوا ينقل فاستقام بينهم وبين نبهان بن فلاح القتال واشتد بينهم الطعن والنزال وارتفع العجاج وارتجت الفجاج فانكسر عسكر السلطان نبهان بن فلاح فمنهم من قتل ومنهم من طلب التسيار فسير ومنهم من مضى على وجهه وبلغ الخبر إلى الشيخ سيف بن محمد الهنائي أن نبهان بن فلاح دخل ينقل فخرج بعساكره ليقاتل نبهان فلما كان ببعض الطريق بلغه ما وقع على السلطان نبهان بن فلاح من الأمر الكائن والقدرة الغالبة فرجع بعسكره إلى بهلا.

وأما الأمير عمير بن حمير فإنه كان يومئذ يجمع الجموع لينصر بهم السلطان مالك بن أبي العرب اليعربي على بني لمك ، فأمده بعساكره جمة فكانت الدائرة على بني لمك ولبث سيف بن محمد الهنائي في بهلا وآل عمير في سمايل ومالك بن أبي العرب في الرستاق والجبور في الظاهرة إلى أن ظهر الإمام الأرشد والهمام الأمجد إمام المسلمين ناصر بن مرشد فاستفتح جميع عمان ودانت له جميع البلدان فطهرها من البغي والعدوان والكفر والطغيان وأظهر فيها العدل والأمان وسار في أهلها بالحق والإحسان إلى أن توفاه الله إلى دار الرضوان ومنّ عليه وعلينا وعلى كافة المسلمين بالمغفرة والرضوان إنه كريم منان. وسأشرح ظهوره في الباب الآتي إن شاء الله والله المستعان.

٩٣

الفصل الخامس

في ظهور الإمام ناصر بن مرشد إلى وقوع الفتنة بين اليعاربة(١)

٣٥ ـ ظهور الإمام ناصر بن مرشد :

ولما أراد الله أن يمن على أهل عمان ويكف عنهم الجور والعدوان ، ويفصم أهل البغي والطغيان من بعد أن ابتلاهم بما وقع عليهم من الفتنة والامتحان صار أمر أهل عمان إلى الخمول وزالت تلك المخاصمات ودرست الضغائن والحنات وخلف خلف بعد السلف وبقيت عمان مقفرة بعد تلك الرؤساء المتضادين والخصماء المتعادين ولم يبق إلا ذكر أخبارهم وما ذكروه في سيرهم وآثارهم وال العلم والعلماء إلى النقصان والأمر إلى النسيان وحصل بينهم التواصل والتراسل وطفيت بينهم تلك الإحن من القلوب وخمدت مسعرات تلك الحروب وصارت كلمتهم واحدة إلا أنه أتى زمان قل فيه العلم وأهله حتى قيل إنه احتاج في بعض الزمان ملك من ملك اليعاربة من أهل وبل من الرستاق إلى قاض فلم يجد قاضيا من أهل الدعوة فاتخذ قاضيا من أهل الخلاف فلا أعلم من أي المذاهب فهم أن يقلب المذهب ويغيره إلى مذهبه فأرسلوا إلى ذلك الملك لعزله وأرسلوا له قاضيا من أهل الدعوة فتعلم منه العلم ناس من أهل الرستاق وتمسكوا بمذهبهم.

وأكثر ملوك عمان أهل جور وفساد وظلم وعناد وعضدهم على تلك رؤساء القبائل والظلمة من البدو والأرذال وقد ساموا أهل عمان سوء العذاب وساسوهم شر مصاب ، وعموا بالظلم الكهول والشباب ، وأكثروا فيهم القتل

__________________

(*) (م ٧ ـ كشف الغمة)

٩٤

والضرب والاغتصاب ، والإذلال والأمر والانتهاب ، ثم أوقع الله بينهم العداوة والبغضاء. وهكذا طبع أهل عمان وأرجو أنه لا يزول عنهم عليهم ، لهم الهمم العالية والنفوس الأبية لا ينقادون لسلطان ولا يقرون على هوان ولا يستسلمون إلا لغالب ، ومع ذلك لا يتركون المطالب همة الضعيف منهم كهمة الأمير من غيرهم ، كل أحد منهم يريد أن يكون الأمر بيده أو بيد من مال إليه بوده ، والناس أتباع له والاخر كذلك وإن لم يكونوا أهلا لذلك إلا من شاء الله من أهل الورع والصلاح والعفة والفلاح ، فإنهم لا تميل لهم الأهواء ولا تأخذهم الحمية حمية الجاهلية. إلى أن صار الأمر منهم إلى الوحشة من بعضهم بعض فتضادوا وتحاربوا وتناهبوا وتسالبوا ولم يقصّر كل فريق منهم عن إساءة قدر عليها في خصمه ولم يبق أحد من أهل المدر والوبر من البادية والحضر ولو كان في شواهق الجبال أو في أودية الرمال إلا وقد تجرع غصص المخاوف وصار الدين والأموال والأنفس إلى أشد المتالف إلا من هون الله عليه المحنة ونجاه من الفتنة ومنّ عليه بالعصمة. فلم يزالوا كذلك منهمكين في موبقات المهالك سالكين شر المسالك ، إلى أن منّ الله عليهم بظهور عبده الأرشد إمام المسلمين ناصر بن مرشد بن مالك.

وذلك أنه اختلفت اراء أهل الرستاق ووقعت بينهم المحنة والشقاق وسلطانهم يومئذ مالك بن أبي العرب المقدم ذكره في الباب السابق ، فاستشاروا العلماء المسلمين أهل الاستقامة في الدين أن ينصبوا لهم إماما يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر فأمضوا نظرهم وأعملوا فكرهم من يكون أهلا بذلك. والقدوة يومئذ خميس بن سعيد الشقصي فاجتمعت اراؤهم أن ينصبوا السيد الأجل فمضوا إليه وطلبوا منه ذلك ورغبوه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فأجابهم إلى ذلك فعقدوا له في عام أربع وثلاثين بعد

٩٥

الألف (١) وكان مسكنه بقصرى من بلدة الرستاق فأظهر العدل ودمر الجهل وعضده رجال اليحمد بأنفسهم وأمدوه بأموالهم وذخائرهم وأجمع رأيهم أن يهجموا على القلعة ليلا وكان فيها بنو عمه بعد موت جده مالك فاستفتحها الإمام.

ثم توجه إلى قرية نخل وكان فيها عمه سلطان بن أبي العرب فحاصره أياما ثم افتتحها ، وكانت فرقة من أهلها غير تابعة للإمام فظاهرت عليه الأعداء فحصروه أياما في الحصن ، ثم أتاه رجال اليحمد فنصروه وبدد الله شمل أعدائه.

ومضى إلى الرستاق فأتى إليه أحمد بن سليمان الرويحي في جماعة من بني رواحة ورجال من قبل مانع بن سنان العميري ملك سمايل وأقاموا عنده مدة يدعونه إلى ملك سمايل ووادي بني رواحة فأجابهم وسار في رجال اليحمد حتى وصل سمايل فترك بعض قومه عند مانع بن سنان ومضى إلى وادي بني رواحة واتفق الرأي منه ومن مانع على المسير إلى نزوى فسار إليها وصحبه القاضي خميس بن سعيد ونصرته عصبته من أهل أزكي بالمال والرجال ، فاحتوى على أزكي وسار قاصدا نزوى فالتقاه أهلها بالكرامة ودخلها على حال السلامة ، وكان محله فيها العقر فأقام فيها العدل والإنصاف بعض الشهور ، ثم اجتمعت آراء بني أمبو سعيد (٢) وهم رؤساء العقر أن يخرجوه منها فلما كان يوم الجمعة خرج الإمام للصلاة وخرجوا إلى الصلاة فأتى الإمام من كان له محبا ، وعليه مشفقا ، فأخبروه بما أضمروا فتحقق الإمام خبرهم وأمر بإجلائهم من البلاد ، ونهى عن قتلهم والبطش بهم ، فأخرجوا منها كرها ، فتفرقوا في البلدان والتجأ جمهورهم إلى مانع بن سنان ، وكان مانع قد عاهد الإمام

__________________

(١) ١٠٣٤ ه‍ / ١٦٢٤ م.

(٢) في الأصل أبو سعيد.

٩٦

وحلف له على اتباع الحق فنقض العهد. وفرقة منهم التجأت إلى الهنائي ببهلاء وآزرته على حرب الإمام فاستقام الحرب بين الإمام والهنائي ، فأمر الإمام بتأسيس حصن في عقر نزوى وكان قديما قد بناه الصلت بن مالك ، فأتم الإمام بنيانه وجاء إليه أهل منح يدعونه إلى إقامة العدل فيهم ، فتوجه إلى منح وافتتحها وأظهر العدل فيها وظاهره أهلها بأموالهم وأنفسهم.

ثم رجع إلى نزوى فأتاه أهل سمد الشان وكان المالك لها علي بن قطن الهلالي فوجه الإمام لها جيشا يقدمهم الشيخ الفقيه مسعود بن رمضان فافتتحها ، ثم أتاه أهل إبرا وكان المالك لها محمد بن جفير بن جبر فجيّش عليها الإمام وافتتحها ودانت له سائر الشرقية ما خلا صور وقريات فإنهما كانتا في أيدي النصارى.

ثم إن الإمام جهز جيشا وسار على الهنائي ببهلا فوصل إلى قاع المرخ فخان بعض جيشه فرأى الرجوع أصلح فرجع إلى نزوى وجعل يجمع الجيوش والعساكر ، فاجتمع له خلق كثير فسار بهم قاصدا الظاهرة ، وافتتح بهم وادي فدا وأمر ببناء حصنها ونصره أهل العلاية من ضنك ، وكان مقدمهم الشيخ العالم خميس بن رويشد ورجال الفيالين واستقام أمره بها على رغم القالين.

ثم خرج الإمام يطوف على البلدان التي ملكها حتى وصل سمد الشان ورجع إلى الرستاق ومعه بنو ريام إلى أن أقبل جند محمد بن جفير إلى قرية نخل فدخلوها واحتووا عليها ما خلا الحصن ، فنهض إليهم الإمام بجيش عرمرم ونصره رجال المعاول ، فما لبث القوم فيها ليلة أو ليلتين حتى ولوا الأدبار ، ثم رجع الإمام إلى الرستاق فأقبل إليه الشيخ خميس بن رويشد يستنصره على الظاهرة فجهز الإمام جيشا وسار معه حتى نزل بالصخبري ونصره أهل السرور رجال الضحاحكة بالمال والرجال ومضى قاصدا حصن الغبيّ وفيه جمهور من

٩٧

آل هلال ومعهم البدو والحضر فاستقام بينهم الحرب وكانت وقعة عظيمة قتل فيها أخو الإمام جاعد بن مرشد.

ثم توجه الإمام إلى عبري فافتتحها وأقام بها ليلتين ورجع إلى الصخبري وحصر حصن الغبيّ حتى فتحه الله له ، فولى فيه خميس بن رويشد وجعل بقرية بات واليا من أهل الرستاق ، وجعل معه محمد بن سيف الحوقاني وأمرهما بفتح ما بقي من قرى الظاهرة ، ورجع الإمام إلى نزوى ، فغزاها بنو هلال وكانوا بناحية الأفلاج من ناحية ضنك فالتقاهم الواليان بالدير ففضا جمعهم وأخذوا إبل قطن بن قطن لينتصروا بها عليهم ، وحاصروا حصن قطن ابن قطن فركب قطن إلى الإمام فأفدى إبله بتسليم حصنه فأنعم له الإمام برد الإبل وسلم قطن الحصن ، فأقام به الإمام واليا ثم توجه الولاة إلى حصن مقنيات فحاصروه وكان فيه وزير من قبل الجبور فجيّش الجبور بني هلال من بدو وحضر وأولاد الريس ونهضوا إلى مقنيات فظنوا أن لا طاقة لهم بها ، فقصدوا إلى بات فخاف الولاة عليه لقلة الماء به ولأنه عليه المعتمد ، فسار المسلمون من مقنيات إلى بات ، ولم تشعر بهم الجبور فوقع القتال بينهم ، ثم رجعت الجبور إلى مقنيات فسار إليهم المسلمون فوقع بينهم القتال من صلاة الفجر إلى نصف النهار فشق ذلك على المسلمين وكثر القتل في البغاء حتى قيل أنهم عجزوا عن دفنهم ، فكانوا يجعلونهم السبعة والثمانية في خبة ، وثبت الله المسلمين فلما بلغ الخبر إلى الإمام جيّش جيشا وأمّ به الهنائي ببهلا وكان دخوله ببهلا ليلة عيد الحج فحاصرها شهرين إلا ثلاثة أيام ثم أقبلت الجبور لنصرة الهناوي فالتقتهم جحافل الإمام فاقتتلوا قتالا شديدا ، وقتل من جيش الجبور قاسم بن مذكور الدهمشي وناس كثرة ، فرجعت الجبور وبقى الهنائي ومن معه محصورين حتى سلم الحصن وخرج منه بجميع رجاله والة حربه وماله ، وبقي الحصن خاليا فأقام الإمام فيه واليا ورجع إلى نزوى. ثم توجه الإمام قاصدا إلى سمايل لمحاربة مانع بن سنان العميري ، فلما سمع مانع بإقبال

٩٨

الإمام إليه لم يمنع منه وصالح الإمام على أن لا يخرجه من حصنه بل يكون تابعا للحق فتركه الإمام ، ثم عزم الإمام على بنيان حصن سمايل القديم فأسس بنيانه وشيد أركانه وجعل فيه واليا ورجع إلى نزوى.

ثم جهز جيشا إلى مقنيات وسار إليها فلما وصلها وقعت بينهم الحروب فنصره الله عليهم فما لبثوا في حصنهم إلا دون ثلاثة أشهر وافتتح الإمام الحصن وجعل فيه محمد بن علي بن محمد واليا.

ولم يزل سعيد الخيالي وجماعته مسرين البغض للإمام يكاتبون الجبور حتى أدخلوهم قرية الصخبري وقتلوا رجلا من الضحاحكة وناسا من شراة الإمام وغيرهم وحصل فيها جيش الإمام في الحال فوقعت فيها وقائع كثيرة منها وقعة بالعجيفة وهي وقعة شديدة بالغابة ووقعة بالمطهرة ووقعة بالزيادة وهي وقائع شديدة حتى كاد منها ركن الإسلام أن يتضعضع فكثير من القوم أدبر عن الوالي وما بقى عنده إلا قليل وهو في حومة العدو والجموع مشتملة عليه حتى كاد أن يهن عزمه من الخوف فبقي في الحصن الغبيّ محصورا والوالي فيه محمد بن سيف.

وتحقق الخبر عند الوالي محمد بن علي في مقنيات فجيّش الجيوش وقصد ناصرا لمحمد بن سيف بحصن الغبيّ ، فدخل البلد من غير علم الأعداء ففرق شملهم في سائر البلاد ، فمنهم من دخل الصخبري ومنهم من هرب في الفيافي ومنهم من قصد ينقل وهي في ملك ناصر بن قطن بن جبر ونصر الله المسلمين.

ثم إن مانع بن سنان كاتب سيف بن محمد الهنائي بالكتمان ، ونكث العهد وخان ، فجيشا الجيوش ودخلا نزوى ، ولم يخل أهلها من الخديعة والعصيان ، بل كان ذلك سرا بينهم ، وظاهرهم على ذلك بعض القبايل فدخلوا نزوى

٩٩

واحتووا على العقر وما بقي للإمام سوى الحصن وداروا به أشد مدار وكادوا لكثرتهم أن يهدموا عليه الجدار ، حتى جاءته النصرة من أزكي وبهلا ومعهم بنو ريام ، فدخلوا عى الإمام ، فسرّ بقدومهم وتفرقت عنه جيوش أعدائه وقتل منهم من قتل ، فحينئذ اشتد عزم الإمام وقوى سلطانه فأشار على الإمام ذوو الرأي بهدم حصن مانع ابن سنان فعلم مانع بتجهيز الجيش إليه فانهزم من حصنه إلى فنجا وجاء الجيش فهدم الحصن وقصد مانع بن سنان إلى مسكد ثم سار إلى لوى مع محمد بن جفير.

ثم وجه الإمام الجيش إلى بلاد سيت ، وذلك أن سيفا الهنائي لما خرج من بهلا بنى حصنا ببلاد سيت وكان قائد الجيش الشيخ عبد الله بن محمد بن غسان مؤلف كتاب خزانة الأخيار في بيع الخيار فلما نزل الجيش ببلاد سيت خرج الهنائي من الحصن هاربا فأمر الوالي بهدم حصنه فهدم ، ثم أتى الهنائي إلى الإمام يطلب منه العفو والغفران ودانت له جميع قبائل عمان.

ثم جهز الإمام جيشا عظيما وسار فيه بنفسه والشيخ خميس بن سعيد الرستاقي قاصدا ناصر بن قطن في ينقل ، فحاصرها أياما وافتتحها وجعل فيها واليا ، ورجع إلى الرستاق ثم جهز جيشا قويا وأمر عليه الشيخ عبد الله بن محمد بن غسان النزوي وأمر أن يقصد الجو وصحبه من الأعيان خميس بن رويشد الضنكي ، وحافظ بن جمعه الهنوي ، ومحمد بن علي الرستاقي ، ومحمد ابن سيف الحوقاني فأتاها وافتتحها وجعل فيها محمد بن سيف واليا ، ثم قصد متوجها بالجنود إلى قرية لوى وكانت فيها الجبور وقد اختلفوا فيما بينهم وقتل محمد بن جفير ووقعت بينهم العداوة ، فنزل عبد الله بالجامع منها ودارت عساكره بالحصن وكان مالكه سيف بن محمد بن جفير الهلالي ، وأما إخوته ووزراؤه فقد التجأوا إلى النصارى بصحار وكان مانع بن سنان العميري يومئذ بها فكانوا يغزون جيش الإمام المحاصر لحصن لوى بالليل ، ويمدون جماعتهم

١٠٠