تاريخ عمان

سرحان بن سعيد الأزكوي العماني

تاريخ عمان

المؤلف:

سرحان بن سعيد الأزكوي العماني


المحقق: عبد المجيد الحسيب القيسي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: وزارة التراث والثقافة سلطنة عمان
الطبعة: ٤
الصفحات: ١٦٢

الفصل الثالث

في ذكر الإمامين سعيد بن عبد الله وراشد بن الوليد ومن بعدهما من الأئمة(١)

٢٧ ـ الإمام سعيد بن عبد الله :

من الأئمة المنصوبين بعمان بعدما اختلفت كلمتهم أبو القاسم سعيد بن عبد الله بن محمد بن محبوب بن الرحيل بن سيف بن هبيرة وسيف بن هبيرة كان فارسا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم أعلم له تاريخا متى وقعت له العقدة ولا كم أقام في الإمامة ، ولا علمت من قتله وسبب قتله وقد طالعت في ذلك الكتب الكثيرة وسألت أهل الخبرة فلم أقف على علم ذلك وأنا إن شاء الله طالب علم ذلك وبالله التوفيق.

ووجدت أن أول من عقد الإمامة لسعيد بن عبد الله هو أبو محمد الحواري ابن عثمان ثم أبو محمد عبد الله بن محمد بن أبي المؤثر ، ثم أحسب محمد بن زائدة السمولي ووجدت أنها وقعت بيعته على الدفاع لا على الشراء.

وكان أبو محمد عبد الله بن محمد يثنى عليه في العلم بما لا يبلغ إلى صفة ذلك ، وقد بلغنا عن أبي عبد الله محمد بن روح رحمه الله أنه قال : «كان الإمام سعيد بن عبد الله أعلم الجماعة العاقدين له والذين كانوا معه وقد تظاهرت الأمور معنا من أهل الدار ممن ينتحل نحلة أهل الحق على الإجماع على ولايته وهو ولينا وإمامنا ومضى رحمه الله ولم نعلم أن أحدا تكلم في عقد إمامته بعيب ولا في سيرته ولا ترك ولايته».

__________________

(*) وهو الباب الخامس والثلاثون من كتاب كشف الغمة.

٦١

وقد عرفنا عن أبي محمد عبد الله بن محمد بن أبي المؤثر رحمه الله أنه قال : «لا نعلم في أئمة المسلمين كلهم بعمان أفضل من سعيد بن عبد الله لأنه كان إمام عدل وعالما وقتل شهيدا فجمع ذلك كله رحمه الله وغفر له إلا أن يكون الجلندى بن مسعود فإنه لعله مثله أو يلحق به». فالله أعلم أن قال الجلندى أفضل منه أو أنه مثله أو يلحق به.

أما الذي عرفنا عن الشيخ أبي إبراهيم محمد بن سعيد ابن أبي بكر رحمه الله أنه قال : «إن الإمام سعيد بن عبد الله أفضل من الإمام الجلندى بن مسعود وما أحقه بذلك لأنه كان إماما عدلا صحيح الإمامة من أهل الاستقامة عالما في زمانه يفوق أهل عصره وأوانه ومع ذلك قتل شهيدا في ظاهر أمره رحمه الله وغفر له وجزاه عنا وعن الإسلام أفضل ما جزى إماما عن رعيته» ، وقال الشيخ أبو سعيد رحمه الله وغفر له : «لا نعلم من أمر هذه الحلة من أهل الدار إجماعا على أحد الأئمة المنصوبين من أئمة المسلمين من بعد عبد الملك بن حميد إلى يومنا هذا ـ يعني في أيامه رحمه الله ـ إلا أننا نرجوا أنهم مجتمعون على ولاية الإمام أبي القاسم سعيد بن عبد الله رحمه الله» فهذا ما وجدنا في فضله وشهرته.

ووجدت تاريخا للوقعة التي قتل فيها الإمام سعيد بن عبد الله رحمه الله سنة ثماني وعشرين بعد ثلاثمائة سنة (١) والله أعلم ، ووقعت على كتاب مسطور أن سبب هذه الوقعة ، كانت امرأة من أهل الغشب من الرستاق مروحة حبا على الشمس فجاءت شاة فأكلت من الحب فرمتها بحجر فكسرت يدها فجاءت صاحبة الشاة فجعلت تضرب المرأة التي رمت الشاة فاستغاثت بجماعتها فجاء أحد من جماعتها وجاء أحد من جماعة الأخرى فكان كل فريق يهيب بفريقه ووقعت بينهم صكة عظيمة فجاء الإمام سعيد بن عبد الله ومعه أحد من

__________________

(١) وتوافق سنة ٣٢٨ ه‍ ، ميلادية ٩٣٩.

٦٢

عسكره على معنى الحاجزين بين الفريقين فقتل في تلك المعركة والله أعلم بصحة ذلك.

٢٨ ـ الإمام راشد بن الوليد :

ثم ولي من بعده الإمام راشد بن الوليد ، وذلك أنه اجتمع الشيخ أبو محمد عبد الله بن محمد بن أبي المؤثر وأبو مسعود النعمان بن عبد الحميد وأبو محمد عبد الله بن محمد ابن صالح وأبو المنذر بن أبي محمد بن روح وكان هؤلاء في تلك الجماعة التي حضرت ذلك الوقت هم المنظور إليهم والمشار عليهم كنحو ما كانت الجماعة التي حضرت البيعة للإمام سعيد بن عبد الله في زمانهم وأيامهم ، لا ينكر أهل المعرفة فضلهم ولا يجهلون عدلهم ولا يجدون في حضرتهم من أهل نحلتهم مثلهم ، ولكل زمان رجال ولكل مقام مقال ، وكل أهل «طرف» في زمن من الأزمنة مؤتمنون على جميع دينهم ، بذلك جاء الأثر ، فالحجة لمن حضر قائمة على من غاب أو شهد وليس للشاهد أن يغيره ولا غائب أن ينكره ولا للداخل أن يخرج ولا للقابل أن يرجع ، وقد كانت تلك الجماعة قد عرفوا من بعضهم لبعض وعلى بعضهم لبعض تفاهما وتفانيا في أمر موسى بن موسى وراشد بن النظر فلما عزموا على عقد الإمامة لراشد بن الوليد تداعوا على الاجتماع على سبب يعرفونه من الموافقة في أمر موسى بن موسى وراشد بن النظر فاجتمع من شاء الله من أهل الحلة والدعوة وكان في الجماعة في ذلك من ذكرنا أنه حضر العقدة لراشد بن الوليد إلا أبا مسعود النعمان بن عبد الحميد فإنه لم يحضر ذلك ، فاجتمعوا في بيت كان ينزل فيه راشد بن الوليد بنزوى وكان المقدم فيهم أبو محمد عبد الله بن أبي المؤثر ، فاجتمعوا جميعا على الواقف عن موسى بن موسى وراشد بن النظر والمتبرئ منهما جميعا وأنهما جميعا مؤتمنان على دينهما ذلك ولم نعلم من أحد منهم أنه برئ بغير حق ، وجرت الأمور بينهم على هذا النحو إلا ما زاد من لفظ أو نقص لأن

٦٣

المعنى هو هذا واجتمعوا على ذلك في الولاية ثم بايعوا الإمام راشد ابن الوليد إماما على طاعة الله وطاعة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعلى الجهاد في سبيل الله على سبيل الدفاع وعلى إتباع سبيل أئمة العدل قبله قسطا وعدلا وعلى هذا بايعه أبو محمد عبد الله بن محمد بن أبي المؤثر في المنزل الذي كان ينزل فيه من نزوى ، ثم بايعه بعده أبو مسعود على نحو ما بايعه أبو محمد وبايعت الجماعة على النحو من ذلك وقبل منهم البيعة وخرجوا إلى الناس بالبطحاء من نزوى في جماعة من أهل عمان من نزوى ومن سائر القرى من شرق عمان وغربها من أهل العفاف منهم والفضل والجاه والرياسة مستمعون لذلك مطيعون لا يظهر لأحد منهم كراهية ولا تكبر ، ثم قام أبو محمد عبد الله بن محمد بن شيخه خطيبا على رأسه بين الجماعة فخطب له بالإمامة وأخبر الناس وأمرهم بالبيع له فبايع الناس له شاهرا ظاهرا لا ينكر ذلك من الناس منكر ولا يغير ذلك منهم مغير ودخل الناس في بيعته أفواجا ووفدت إليه على ذلك الوفود وأخذوا عليهم المواثيق والعهود ، وبعث الولاة والعمال في القرى والبلدان ، وصلى بنزوى الجمعات وقبض هو وعماله الصدقات وجهز الجيوش وعقد الرايات ، وأنفذ الأحكام وجرت له فيما شاء الله من المصر الأقسام ، ولم يبق بلد من بلدان عمان لم يغلب عليها السلطان في تلك الأيام وذلك الزمان إلا جرت فيه أحكامه وثبتت عليهم أقسامه وأقر في ظاهر الأمر أنه إمامه ، من غير أن يظهر منه شيء من سيرته لاعلانيته ولا سريرته شدة ولا غلظة يخاف بها ويتقي ، ولا هواد ولا ميل يطمع فيه بذلك ويرتجى ، فيصانع عن تقيه أو يخدع لطمع أو رجيه ، بل كان رحمه الله لرعيته هينا رفيقا بارائهم شفيقا غضيضا عن عوراتهم ، مقيلا لعثراتهم ، بعيد الغضب عن مسيئتهم ، قريب الرضا عن محسنهم ، مساويا في الحق بين شريفهم ودنيئهم وفقيرهم وغنيهم وبعيدهم وعشيرهم ، منزلا لهم منازلهم متفقدا لأمورهم وأحوالهم ، مشاورا منهم لمن هو دونه ، قابلا من مشاورتهم ما يأمرونه ، فلم يزل

٦٤

رحمه الله على ذلك يتجشم من رعيته الصبر على الكروب ، ومفارقة السرور والمحبوب ، ويصبر منهم على الشتم والأذى ويسمع منهم الخنا والقذى ، وهو يتأنى في تلك الأمور ويرجو من الله الدائرة أن تدور ، وكثير من أهل مملكته ومصره يتربص به الدوائر ويسر له أقبح السرائر ، يعرف ذلك في وجوه الذين كفروا المنكر وما يخفى صدورهم من الغل والحسد أعظم وأكبر ، قد استحوذ عليهم الشيطان وغلبت عليهم العداوة والشنان ، ومنهم من يتربص به الدائرة وأظهر له المودة في الأمور الظاهرة فإن فتح الله عليه فتحا أظهر السرور والبشرى ، وإن كان للعدو نصيب ظهرت منه أمور قبيحة أخرى ، لا يقدر من عدوانه أن يعين على طاعة لسانه ولا بجاهه ومكانه ، لو يرجو منه الخذلان لخذل ، ولو كان به طاقة على قتال أهل الحق لقاتلوهم ، ومنهم من يعين بلسانه في الظاهر ويخذل في السرائر ، حتى الت الأمور وجرى عليه من الله المقدور ، أن ظهر من عامة رعيته التخلف عنه والخذلان ، وظهر من عامة خواصة المعاندة له والعصيان ، والمداهنة عليه للسلطان والمباشرة له بذلك بالقول وباللسان ، وخرجوا إلى السلطان مظاهرين وتألبوا إلى ذلك متناظرين متناصرين فمنعهم عن ذلك التخلف جبرا وقسرا فوقع بينه وبين عامتهم العداوة والشحناء وفارقوه على ذلك من قرية بهلا متعصبين معاندين له على ذلك ، ومحاربين متوجدين عليه في ذلك متعنتين ، وقد سار السلطان بالسر مقبلا وهو في نفر من الضعاف أقلاء قد انفضت جماعتهم وصحت معه عداوتهم ، وإنما خرج من نزوى في ردهم عن خروجهم ذلك في حرب العدو المقبل إليه ، فلما رأى ما نزل به من الخذلان وما بان له من العداوة والعصيان ، استضعف نفسه ومن معه عن لقاء السلطان وخاف أن يدهموه على المكان فتحير بمن معه من بهلا إلى كدم ، ورجا أنه قد استوثق لنفسه في ذلك وحزم ، فلم يزل في كدم حتى صح معه أنهم قد دخلوا الجوف فداخله ومن معه من الضعفاء لقلتهم الجوف ، فانحازوا هنالك إلى وادي النخر ، ودعا إلى حرب السلطان من حضر ، واستنصر عليه من قدر عليه

٦٥

ونصر ، واجتهد في ذلك وصبر ، ودعا إلى ذلك واستبصر ، وراح في ذلك وبكر ، وأقبل في ذلك وأدبر ، فأمده الله بمن أمده فأيدهم طاقته وجهده ، فجيّش إليهم أنصاره وأعوانه إلا من لا غناية له عنه من خاصته وإخوانه ، وقعد لهم في مكانه ، وكان السلطان وأعوانه بنزوى نازلين ، وكان تخلفه عن الحرب برأي من بحضرته من إخوانه وأهل ثقته ، ورجا أن يكون في تخلفه عز للإسلام وأهله وقوة لنصره وعدله وكان تخلفه عن الجيش الذي بعثه إلى السلطان الجائر بنزوى قريبا من المحاره إلى عقبة منح ولم يكن عنهم ببعيد ، فأتى الله بالمقدور وما قد علم الله أن تصير إليه تلك الأمور ، فهزم أنصاره وغلبوا ، وولوا عنه وأدبروا مع ذلك وهربوا ، فانفضت هنالك جماعتهم وزالت رايتهم وخرج مخذولا مغلوبا خائفا يترقب مطلوبا ، وكان ذلك ضحوة النهار ، فلم يكن عشيا من يومه ذلك حتى انفض عنه جميع من كان معه ووقعت الغلبة والبأس وايس مع ذلك من نصر الناس فاستولى السلطان الجائر على جميع عمان من جميع النواحي والبلدان ، وأقبل الناس في المصانعات ، وأقبل إليهم السلطان الحائر بالسخر والمداهنات حتى دانت لهم جميع النواحي ، والإمام خائف في رؤوس الجبال والمسافي ، مشفق من السلطان والرعية يترقب في كل موضع نزول المنية ، وأن يدهمه في مرقده ومنامه ببلية ، وأصبح خائفا على نفسه وماله هاربا من داره وعياله ، وأصبح جميع من في الحصن قد امنوا واطمئنوا في منازلهم وكنوا ، وصانعوا سلطانهم وداهنوا ، فلم يكن له من الاستسلام بد إذا لم يكن له إلى غيره سبيل ولا جهد ، فطالع في أمره واستشار واستشير له ذوو الأبصار واتبع في أمره فيما ظهر حكم الأبرار ، وأخذ بالرخصة من قول الأخيار أو مما لا نعلم أن فيه اختلافا أن «الإمام المدافع تسعه التقية إذا خذلته الرعية» ولم يكن معنا أصح من ذلك الخذلان ولا أبين من تلك العداوة وذلك العصيان ، والله هو الرؤوف بعباده المنان ، وما جعل الله على عباده في الدين من حرج ، بل الصحيح معناه أنه قد جعل لكل مدخل من دينه باب مخرج ، ولكل عاجز عن فرض من

٦٦

فرائضه عذرا وباب فرج ، ولا فرق بين الإمام والرعية ، وكل منهم جار عليه حكم القضية ، فألقى بنفسه إلى منزله واستسلم ، رجاء أن يستر عليه وأن يسلم ، فوصل إليه رسول السلطان إلى مكانه يعطيه من الميثاق بأمانة ، فبلغنا أنه أعطاه ذلك بلسانه ولم يبلغنا أنه عرضه ليمين ، ولا كان إلى باب السلطان من الوافدين ، ولا من القادمين إليه والواصلين ، وإنما السلطان الذي وصل إليه واضطره إلى ذلك وجبره عليه فزالت معنا بذلك إمامته وانتفت للعذر الواضح عنه ولايته ، ولا نعلم في الأحكام ولا فيما اختلف فيه من أمر الإمام أن راشد بن الوليد رحمه الله يلحقه القائل في إمامته مقال ، ولا طعن ولا عيب في حال من الحال. فلبث بعد ذلك قليلا محمودا ، ومات عن قريب من ذلك مفقودا.

وكان راشد بن الوليد في الوليد في أيامه وزمانه ، وموضعه ومكانه ، ومع أنصاره وأعوانه والعاقدين له من أصحابه وإخوانه ، في عامة أموره غريبا معدوما ، ولم يكن عند احد من أهل الخبرة في أموره ملوما ولا مذموما ، فجزاه الله عن الإسلام وأهله لما قد قام فيه من حقه وعدله ، وعنا وعن جميع من عرف فضله أفضل ما جزى إماما عن رعيته ، وأخا بصحيح إخوته ، وإنما ذكرنا من أمور راشد بن الوليد ما قد ظهر ، ونرجوا أنه لن يرفع ولن ينكر وإلا ففضائله كانت معنا أكثر من هذا وأكبر.

وكان أبو محمد عبد الله بن محمد بن أبي المؤثر قد قتل في وقعة الغشب من الرستاق ، في سيرة الإمام راشد بن الوليد وطاعته.

وكان زوال أمر راشد بن الوليد في وقعة نزوى وفيها زالت رايته وانفضت جماعته وبان خذلان رعيته له ولزمته التقية ، وخاف هنالك على نفسه من السلطان والرعية أن يقصدوه بالقتل رضا للسلطان ، ولم ير مستقرا في موضع من عمان من حد جلفار إلى حد عوان ولا في جبال عطالة ولا في أرض الحدان ، والرستاق فأدهى عليه وأمر ، وأعدى عليه من كل عدو وأشر ، والله

٦٧

تبارك وتعالى أولى بالعذر من البشر ، وكل من عذره الله في دينه فواجب أن يعذر ، وأن يعان في ذات الله فيما قد نزل به وينصر.

وكان راشد بن الوليد رحمه الله فيما ظهر إلينا من أمره ظاهر الإيمان ، عليه شواهد الفضل والإحسان ، ناهيا عن الشر والبهتان ، صادق الفعال واللسان ، ورعا عن المحارم مجتنبا عن المآثم ، عاملا بما علم سائلا عما نزل به ولزم ، متواضعا لمن هو فوقه ، متعطفا على من هو دونه ، كاظما للغيظ بعيد الغضب سريع الرضا محتملا للأمة حريصا على إصلاح المسلمين رءوفا رحيما بالمؤمنين ، متوشحا بكريم الأخلاق ، صبورا عند مضايق الخناق ، مستقيما على الحقيقة قاصدا قصد الطريقة ، تضرب به الأمثال ويعجز الواصفون عن وصفه بالمقال ، فرحم الله تلك المهجة وتلك الأوصال ، وتفضل علينا وعليه بالمن عنه والأفضال وأجمعنا وإياه على جزيل من ثوابه وكرامته ، وفعل ذلك لكل مؤمن ومؤمنة من عباده إنه أرحم الراحمين (١).

٢٩ ـ ذكر الأئمة المعقود لهم في عمان :

ومن الأئمة المعقود لهم بعمان الخليل بن شاذان (٢) ولعله كانت دولته في بضع وأربعمائة سنة ، ثم من بعده راشد بن سعيد ومات في شهر محرم سنة خمس وأربعين وأربع مائة (٣) ، ثم من بعده حفص بن

راشد بن سعيد ، ثم من

__________________

(١) يبدو أن هذه القطعة عن الإمام راشد بن الوليد قد نقلها المؤلف عن غيره لمظهور اختلاف بين أسلوبها عن أسلوبه في بقية الكتاب.

(٢) بين خذلان الإمام راشد بن الوليد وتنصيب الإمام خليل بن شاذان مدة خمس وستين سنة تداول فيها على حكم عمان عمال الخلافة العباسية وبعض صنائعهم المحليين ثم القرامطة. أنظر الكامل لابن الأثير في حوادث سنة ٣٦٣ ه‍ وما بعدها.

(٣) توافق سنة ١٠٥٣ ميلادية.

٦٨

بعده راشد بن علي ، ومات الإمام راشد بن علي يوم الأحد للنصف من ذي القعدة في سنة ست وسبعين وأربعمائة (١).

ثم من بعده موسى بن أبي جابر المعالي بن موسى بن أنجاد ومات سنة تسع وأربعين وخمسمائة (٢).

ثم من بعده محمد بن خنبش مات سنة سبع وخمسين سنة وخمسمائة (٣) وقبره عند فلج العتيق عند جبل ذي الجنود ، وأصيب أهل عمان بموته بما لم يصابوا بأحد من قبله.

ثم عقد للإمام مالك بن الحواري سنة تسع وثمانمائة ومات سنة اثنين وثلاثين سنة وثمانمائة (٤) فهذه مائتا سنة وبضع لم أجد فيهن تاريخا لأحد من الأئمة فالله أعلم أنها كانت سنين فترة من عقد الإمامة أو غاب معرفة أسمائهم عنا.

٣٠ ـ خروج أهل شيراز وهرمز على عمان :

إلا أني وجدت تاريخ خروج أهل شيراز على عمان ورئيسهم فخر الدين أحمد بن الداية وشهاب الدين وهم أربعة ألاف فارس وخمس مائة فارس وجرى على الناس منهم أذى كثير لا غاية له وأخرجوا أهل عقر نزوى خاصة من بيوتهم ، وأقاموا على ذلك أربعة أشهر في عمان وحاصروا بهلا ولم يقدروا

__________________

(١) توافق سنة ١٠٨٣ ميلادية.

(٢) توافق سنة ١١٥٤ ميلادية ونلاحظ هنا فترة شغور طويلة.

(٣) توافق سنة ١١٧٩ ميلادية.

(٤) توافق سنتا ٨٠٩ ه‍ و ٨٣٢ ه‍ السنتين ١٤٠٦ م و ١٤٢٨ م.

٦٩

عليها ، ومات إبن الداية وكسر الله شوكتهم وأصاب الناس غلاء كثير وذلك في دولة السلطان عمر بن نبهان سنة أربع وسبعين بعد ستمائة (١).

ووجدت فيها أيضا تاريخا آخر بخروج أمير من أمراء هرمز يسمى محمود ابن أحمد الكوشي فوصل إلى قرية قلهات وكان المتولي يومئذ على عمان والمالك لها أبو المعالي كهلان بن نبهان وأخوه عمر بن نبهان ، فلما وصل محمود بقلهات طلب وصول أبي المعالي إليه ، فلما حضره طلب منه المنافع من أهل عمان وخراج أهلها ، فاعتذر أبو المعالي إليه وقال إني لا أملك من عمان إلا بلدة واحدة ، فقال محمود خذ من عسكري ما شئت واقصد به من خالفك من أهل عمان ، فقال أبو المعالي إن أهل عمان ضعفاء لا يقدرون على تسليم الخراج. كل ذلك حمية منه على أهل عمان فحقد عليه محمود وأضمر له المكيدة واستدعى أمراء البدو من أهل عمان فكساهم وأعطاهم فوعدوه النصر على أهل عمان والخروج معه ، ثم إنه ارتحل إلى ظفار وركب البحر فلما وصلها قتل من أهلها خلقا كثيرا وسلب مالا جزيلا ورجع قاصدا عمان وأخذ طريق البر وحمل ثقله في المراكب في البحر ، فلما صار في طريق البر نقص عليه الزاد وأصابهم جوع حتى بلغ عندهم منّ اللحم بدينار ، وأصابهم عطش كثير لقلة الماء في تلك الطريق فقيل إنه مات من عسكره خمسة آلاف رجل وقيل أكثر وكان هذا في سنة ستين وستمائة سنة (٢) ، ووجدت أيضا تاريخا آخر : خرج أولاد الريس على عمان وكان خروجهم فسخ شهر شوال سنة خمس وسبعين بعد ستمائة (٣) ، وكان الملك لعمان السيد كهلان بن عمر بن نبهان ، فخرج إليهم ليلقاهم بالصحراء وخرج معه جملة أهل العقر كافة فسبقت أولاد الريس على العقر فدخلوها وأحرقوا سوقها وأخذوا جميع ما فيها وسبوا نساءها

__________________

(١) توافق سنة ٦٧٤ ه‍ السنة ١٢٧٥ ميلادية.

(٢) توافق سنة ٦٦٠ السنة ١٢٦١ ميلادية.

(٣) السنة ٦٧٥ ه‍ توافق سنة ١٢٧٦ ميلادية.

٧٠

وأحرقوا مخازن المسجد الجامع المتصلة به وأحرقوا الكتب ، وكان ذلك كله في نصف يوم.

ثم رجع كهلان بعساكره أول يوم من ذي القعدة واجتمعوا بالسراة فخرجت عليهم أولاد الريس وكانوا سبعة آلاف فانكسرت أولاد الريس ومن معهم من الحدان وقتل في هذه الوقعة ثلاثمائة رجل فلعلها كانت هذه السنون التي بين محمد بن خنبش ومالك بن حواري سنين ملك النباهنة ولعل ملكهم كان يزيد على خمسمائة سنة إلا أنه كان فيما بعد هذه السنين يعقدون للأئمة ، والنباهنة ملوك في شيء من البلدان والأئمة في بلدان أخرى والله أعلم.

٣١ ـ الإمام أبو الحسن بن خميس :

ثم عقد بعد موت مالك بن حواري بسبع سنين لأبي الحسن بن خميس بن عامر وذلك يوم الخميس في شهر رمضان سنة تسع وثلاثين وثمانمائة سنة ومات سنة ست وأربعين بعد ثمانمائة يوم السبت وواحد وعشرين من ذي القعدة (١).

ثم عقدوا للإمام عمر بن الخطاب بن محمد بن أحمد بن شاذان بن الصلت سنة خمس وثمانين وثمانمائة (٢) وهو الذي حاز أموال بني نبهان وأطلقها لمن عنده من الشراة وكان ذا يد فيها وأمر فيها بأوامره وذلك أن المسلمين اجتمعوا فنظروا في الدماء التي سفكها آل نبهان والأموال التي أخذوها واغتصبوها بغير حق فوجدوها أكثر من قيمة أموالهم وكان يومئذ القاضي محمد بن سليمان بن أحمد بن مفرج والإمام عمر بن الخطاب ، فأقام القاضي

__________________

(١) يوافق رمضان عام ٨٣٩ ه‍ شهر شباط من عام ١٤٣٦ ميلادية ويوافق ٢١ ذو القعدة عام ٨٤٦ يوم ٢٣ من شهر آذار (مارس) عام ١٤٤٣ ميلادية.

(٢) توافق سنة ٨٨٥ سنة ١٤٥١ ميلادية.

٧١

محمد بن عمر بن أحمد بن مفرج وكيلا لمن ظلمه آل نبهان من المسلمين من أهل عمان ، وأقام أحمد بن عمر بن أحمد بن مفرج وكيلا لملوك آل نبهان ، فقضى أحمد أن جميع مال آل نبهان من أموال وأراض ونخيل وبيوت وأسلحة وانية وغلة وتمر وسكر وجميع مالهم كائنا ما كان قضاء ثابتا للمظلومين ، وقبل محمد بن عمر بن أحمد هذا القضاء للمظلومين من أهل عمان من غاب منهم أو حضر ، وأكبر منهم أو صغر الأنثى منهم والذكر ، فصارت هذه الأموال بالقضاء الكائن الصحيح للمظلومين وقد جهلوا معرفتهم ومعرفة حقوقهم ولم يحيطوا به علما ولم يدركوا له قسما ، فصار كل مال لا يعرف قسمه ومجهولون أربابه راجعا إلى الفقراء وكل مال راجع إلى الفقراء فالإمام العدل عند وجوده أولى بقبضه وتصرفه به في إعزاز دولة المسلمين والقيام بها وكل من أصح حقه وأثبته فهو له من أموالهم ، ويحاسب بالتجزئة لما يصح له بقسطه إن أدرك ذلك وإن لم يدرك التجزئة ولم يحط بها فذلك النصيب نصيب غير معلوم وهو مجهول للفقراء والإمام يقبض الأموال المغيبة وأموال الفقراء مما لا رب له ويجعله في إعزاز دولة المسلمين ، فقد صح هذا القضاء والحكم فيه فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم.

وكان هذا القضاء عشية الأربعاء لسبع أو لتسع ليال خلون من شهر جمادى الآخر من سنة سبع وثمانمائة سنة (١) وكان هذا في عقده الثاني لأنه لما نصب أقام سنة وخرج عليه سليمان بن سليمان فانكسر عمر وعسكره تجمعت من وادي سمايل ثم نصب ثانية.

ثم نصب من بعده محمد بن سليمان بن أحمد بن مفرج بن القاضي في سنة أربع وتسعين بعد ثمانمائة سنة (٢) من الهجرة.

__________________

(١) سنة ٨٧٧ ه‍ توافق ١٤٨٣ ميلادية.

(٢) ٨٩٤ ه‍ توافق ١٤٨٨ م.

٧٢

ثم نصب عمر الشريف وأقام سنة وخرج إلى بهلا فنصب أهل نزوى محمد ابن سليمان ثانية.

ثم عقد لأحمد بن عمر بن محمد الربخي.

ثم عقد لأبي الحسن بن عبد السلام وأقام دون السنة وخرج عليه سليمان ابن سليمان.

ثم نصب محمد بن سليمان أيضا وأقام أياما.

٣٢ ـ الإمام محمد بن إسماعيل وولده بركات :

ثم عقد لمحمد بن إسماعيل الإسماعيلي الساكن بحارة الوادي الغربية من سكة باب مزار ، وسبب ذلك أن سليمان بن سليمان هجم على امرأة تغسل بفلج الغنتق ، فخرجت من الفلج هاربة عنه عريانة فجعل يعدو في أثرها حتى وصل حارة الوادي ، فرآهما محمد بن إسماعيل فخرج إليه وقبضه عنها وصرعه على الأرض حتى مضت المرأة ودخلت العقر فخلى سبيله ، فعند ذلك فرح به المسلمون لما رأوا من قوته في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فنصبوه إماما وذلك سنة ست وتسعمائة سنة ، ومات يوم الخميس لليال بقين من شوال سنة اثنين وأربعين وتسعمائة (١) ونصب ولده بركات بن محمد بن إسماعيل في هذا اليوم الذي مات فيه أبوه ، ثم لما كان يوم السبت لعشر ليال بقين من محرم سنة خمس وستين بعد تسعمائة (٢) خرج بركات بن محمد من حصن بهلا ودخله محمد بن جفير بن علي بن هلال الجبري وذلك بعد أن دخل السلطان الأعظم سلطان بن محسن بن سليمان بن نبهان نزوى وملكها في سنة أربع وستين بعد

__________________

(١) ٩٠٦ ه‍ توافق ١٥٠٠ ميلادية و ٩٤٢ ه‍ توافق ١٥٣٥ ميلادية. وفي حوالي هذا التاريخ كان أول نزول البرتغال في سواحل عمان.

(٢) ٢٠ محرم من سنة ٩٦٥ ه‍ يوافق ٢٤ ت ١ عام ١٥٥٧ م.

٧٣

تسعمائة ، ثم ثبت حصن بهلا في يد محمد بن جفير إلى أن اشتراه منه آل عمير بثلاثمائة لك ودخل آل عمير حصن بهلا يوم الثلاثاء لتسع ليال بقين من شهر جمادى الأخرى سنة خمس وستين بعد تسعمائة (١) ولعل كان الإمام عمر ابن قاسم الفضيلي في أيام بركات بن محمد إسماعيل فالله أعلم.

ثم نصب الإمام عبد الله بن محمد القرن في منح يوم الجمعة لخمس عشر يوما خلت من شهر رجب سنة سبع وستين وتسعمائة سنة ودخل حصن بهلا يوم الاثنين لليلتين بقيتا من هذا الشهر من هذه السنة ، ثم لما كان ليلة الأربعاء لثلاث ليال بقين من رمضان سنة ثمان وستين بعد تسعمائة سنة دخل بركات ابن محمد بن إسماعيل حصن بهلا وأخرجوا منه عبد الله بن محمد القرن.

٣٣ ـ ماخذ على أعمال محمد بن إسماعيل وولده بركات :

وكان الشيخ الفقيه أحمد بن مداد يبرأ من محمد بن إسماعيل وولده بركات بن محمد ، فقال في سيرته :

«فمن ديننا الذي ندين به لله البراءة من إسماعيل بجبايته الزكاة من رعيته بالجبر من غير حماية لهم وغير منع من الجور والظلم لأنه قد جاء في آثار المسلمين المشهورة عنهم الصحيحة ومن دين المسلمين أن لا يجبي جزية ولا صدقة حتى يكونوا على الناس حكما ويمنعوا من جبوا من الظلم والعدوان ، ومن دين المسلمين أن لا يبعثوا أحدا منهم يجبوا أرضا لم يحموها ولم يمنعوها ، وقال محمد بن محبوب إنه ليس لإمام أن يجبى قوما ولا يأخذ صدقاتهم وهو لا يمنعهم من أن يجار عليهم ، فإذا فعل ذلك قد جار عليهم ولا فرق بينه وبين أهل الجور الذين يأخذون منهم ، وليس للإمام أن يأخذ من هؤلاء شيئا ولا

__________________

(١) توافق أخريات سنة ٩٦٧ ه‍ السنة ١٥٦٠ م.

٧٤

يعقد عليهم لوال ولاية حماية لهم ومنع ، ومن دين المسلمين أن لا يجتمع خراج وزكاة من رعية واحدة.

وندين لله عز وجل بالبراءة من محمد بن إسماعيل بجبره الرعية على شراء الزكاة من ثمرة النخل بما يقومه عماله من الدنانير وأخذه لتلك القيمة بالجبر منهم لهم لأن الجبر من الإمام على شراء الزكاة من الحب والتمر قبل قبضها وبعد قبضها لا يجوز في دين المسلمين ، إذ الجبر على الشراء في الأملاك لا يجوز بالكتاب والغدر والامتناع من البائع عن تسليم حق واجب عليه تسليمه لغيره وليس في هذا اختلاف بالرأي.

وندين لله عز وجل بالبراءة من محمد بن إسماعيل بجبايته المعاشير غير الزكاة دنانير بقيمة ثمرة النخل من أموال رعيته بما يقومه أعوانه وعماله بالدنانير بالجبر من رعيته اليتامى والبالغين والأرامل وغيرهم لنفسه وأعوانه ولخطاره وأضيافه وأهله هدرا وقرضا بالنية ؛ لأن الله قد حرم في كتابه أخذ أموال الناس وأكلها بالباطل وحرمها رسوله في سنته إلا بحقها.

وقال الشيخ أبو الحسن محمد بن علي البيومي إذ سئل عن الأموال ما يحل منها وما يحرم فقال إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده ، وقد جعل الله الأموال مقسمة على خلقه وملك كل من ذلك ما شاء وحرم على عباده منها ما شاء ، وقد قال الله في كتابه (لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ)(١). فحرم الظلم كله والأموال كلها إلا ما اتفق عليه أنه حلال من أموال المسلمين.

وندين لله عز وجل بالبراءة من محمد بن إسماعيل بجبايته للخراج ، والكسرة للجبابرة من أموال رعيته على الخوف وخشية الظلم على دولته ونفسه ورعيته وأموال رعيته ؛ لأن ذلك الخراج والكسرة هو إثم وعدوان وقد حرم الله

__________________

(١) سورة البقرة اية ٢٧٩.

٧٥

التعاون على الإثم والعدوان وقال الله : (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ)(١) وحرم الركون إلى الظلم وطاعة الاثم والكافر ، وكذلك نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن معونة الظالم وأوعدهم النار فقال :

«يحشر الظلمة وأعوانهم ومن أعانهم ببري قلم أو مدة مداد فمأواه إلى النار والله لا يحب الظالمين» وقال : «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» ، وقد أجمعت الأمة أن الذي يطلبه الجبار ويأخذه من الرعية هو إثم وعدوان وبغي وظلم ومعصية ومنكر وباطل ، فمن جبى للجبابرة وأهل البغي وغيرهم من الناس بالجبر على الخوف منهم على نفسه وماله وعلى الخوف على الناس وعلى أموالهم من غمام أو غيره فقد أعان على الإثم والعدوان وأطاع الاثم على إثمه والكافر على كفره ، وقد عصى الله ورسوله بفعله هذا وقد استحق الخلع والبراءة في دين المسلمين.

وقد جاء في الاثار الصحيحة عن المسلمين إذا دخل ظالم البلد وخاف أهلها أغتصابه وظلمه فغير جائز أن يأخذ من مال اليتيم والغائب والحاضر ويدفع به للظالم قبل وقوع ظلمه لأن الله قادر أن يدفع ذلك بأسرع من طرفة عين ويمنع من وصول الظالم.

وقد اجتمع الخراج للجبابرة والزكاة في رعية واحدة عند محمد ابن إسماعيل وقد ضل وكفر محمد بن إسماعيل بأخذ أموال الناس واليتامى والأرامل والمساجد لنفسه وأعوانه وعياله ولخطاره وللجبابرة على الخوف وخشية الظلم وخالف بأفعاله هذه كتاب الله وسنة رسوله ودين المسلمين ، وصار بأفعاله هذه فاسقا ظالما منافقا ضالا مبتدعا كافرا كفر نعمة لأنه قد حكم بغير ما أنزل الله.

__________________

(١) سورة المائدة آية : ٢.

٧٦

وقال محمد في سيرته أيضا وندين لله تعالى بالبراءة من ولده بركات بن محمد بن إسماعيل لجبايته الزكاة لأبية محمد ابن إسماعيل من الناس بالجبر ودخوله في طاعته وتصويبه إياه على بدعته هذه وضلالته ، فصار بركات بن محمد بن إسماعيل مثل أبيه محمد بن إسماعيل ظالما منافقا ضالا مبتدعا كافرا كفر نعمة.

وكذلك ندين لله تعالى بالبراءة من بركات بن محمد بن إسماعيل لولايته لأبيه وتصويبه إياه في أخذ أموال الناس بالباطل والعدوان ، لأن من تولى فاسقا فهو فاسق مبتدع مثله ، وكذلك ندين لله تعالى بالبراءة من عبد الله بن عمر بن زياد ومحمد بن أحمد بن نعسان لولايتهما لمحمد بن إسماعيل وولده بركات ابن محمد بن إسماعيل وتصويبهما إياهما لبدعتهما وضلالهما ودخولهما في طاعتهما وبغضهما الإمامة لبركات بن محمد بن إسماعيل ودخولهما في طاعته على فسقه وظلمه وبدعته وضلالته التي ذكرتها في هذه السيرة من غير توبة نصح منه معهما ، وندين لله بالبراءة من بركات بن محمد بن إسماعيل بتسمية الإمامة وبادعائه أن إمامته جائزة ثابته وأن له الطاعة على الناس ، وبجبايته الزكاة بالجبر من الناس وإن بركات بن محمد بن إسماعيل ليس بولي عدل عند المسلمين بل هو فاسق منافق ضال ظالم كافر كفر نعمة متخذا دين الضلال لا تجوز له الإمامة وإمامته فاسدة من أصلها وفرعها بالكتاب والسنة وإجماع الأمة من أهل الاستقامة.

ثم إن بركات بن محمد بن إسماعيل لم يقنع بفساد إمامته بل ازداد فسقا فوق فسقه وظلما فوق ظلمه وكفرا فوق كفره باستحلاله ما حرم الله في كتابه ورسوله في سنته ودين أهل الاستقامة من أمته لأنه أخذ أموال رعيته البالغين واليتامى والأرامل والمساجد وجباها أعشارا هدرا وقرضا بالنية بالجبر والإكراه زيادة فوق الزكاة لنفسه وعياله وأعوانه وللجبابرة على خوف وخشية الظلم.

٧٧

وقتدى بفعل أبيه محمد بن إسماعيل وقلده وقلد من أفتى أباه من العلماء المتأخرين قياسا ونظرا منهم على الصلاح وعلى قياس السفينة إذا ضربها الخب في البحر فخالف هو ومن أفتى بإجازة ذلك كتاب الله وسنة رسوله ودين المسلمين من أهل الاستقامة ، وقاس هو ومن أفتى بذلك من العلماء المتأخرين في موضع النص والدين كما قاس إبليس لعنه الله عند وجود النص والدين ، فخالف بقياسه هذا حكم كتاب الله وحكم سنة رسول الله بفعله ذلك بالكفر والفسق والظلم لقوله عز وجل : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ .. وَالظَّالِمُون ..) و(الْفاسِقُونَ ..*) كذلك محمد ابن إسماعيل وولده بركات قلدا في دينهما من أفتى بإجازة أخذ أموال الناس التي حرمها الله في كتابه وفي سنة رسوله وفي دين أهل الاستقامة من أمته فضلا وأضلا من اتبعهما وصوبهما على ذلك وتولاهما بالدين لأن التقليد في الدين حرام لا يجوز في دين الله وفي ديننا البراءة من بركات بن محمد بن إسماعيل بزيادته خباير في أواد أفلاج رعيته وقعده لتلك الخباير المؤداة بالجبر وإنفاقه ثمن ذلك على أعوانه والجبابرة من أهل البغي ، كما صالحهم على خوفه منهم على نفسه ودولته وعلى رعيته وأموالهم ، فإقتدائه بأفعال أبيه المذكورة في هذه السيرة وتقليده إياه ولمن أفتاه بإجازتة ذلك لأن كله محرم لا يجوز بالكتاب والسنة وإجماع الأمة.

وأفعال محمد بن إسماعيل وبركات بن محمد بن إسماعيل وأحداثهما التي ذكرتها في هذه السيرة شاهرة ظاهرة لا ينكرها فاعلها بركات ووالده ولا غيرهما من رعيتهما وأعوانهما يشهد بذلك الخاص والعام والبدو والحضر من أهل عمان وربما شهر ذلك في بعض الأمصار من غير عمان وربما شهر ذلك عند مخالفينا وقومنا فتعجبوا من هذه الأفعال التي فعلها بركات بن محمد وطعنوا في المذهب الأباضي من أفعاله هذه على ما ظهر عندنا وبلغنا وفاعل هذه الأفعال يستحق الطعن والإنكار إذ هي مخالفة لدين الملك الجبار ولا يفعلها ويعتقدها صوابا إلا مفسد في الأرض جبار.

٧٨

وقد دان المسلمون من أهل الاستقامة بتخطيه من عمل بها من إمام أو عالم أو فاجر جبار وأقاموا على ذلك الحجج من الكتاب والسنة وإجماع العلماء الأبرار ، وبركات بن محمد بن إسماعيل ووالده يكفيهما من الضلال والبدع بدعة واحدة فأول بدعتهما الخرص في ثمرة النخل وحكمها بما يقومه الخراص بالجبر على رعيتهما بعشر ذلك الخرص ، ولو ذهبت تلك الثمار بريح أو مطر أو جراد ، والبدعة الثانية منهما تقويتهما ذلك الخرص بدنانير ما يقومه عمالهما وأعوانهما وحكمهما بالجبر والإكراه على الرعية بتسليم تلك القيمة على سبيل بيع الزكاة قبل قبضها بالجبر والإكراه على الشراء من البيع.

والبدعة الثالثة أخذهما عشر الحبوب التي تجب فيها الزكاة من الزجر والنهر غير الزكاة بالجبر عند الأيتام والأرامل ومن كره من البالغين هدرا لا قرضا وأخذهما عشر الحبوب التي لا يباح فيها نصاب الزكاة من الفلج والزجر ولو مكوك حب فخالفا بذلك سنة الرسول عليه السلام وإجماع الأمة من أهل الاستقامة لقول النبي عليه السلام : (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) والوسق ستون صاعا فذلك ثلاثمائة صاع.

البدعة الرابعة أخذهما من أموال الرعية عشر القت والقصب وجميع الخضرة بالجبر والإكراه فخالفا بذلك إجماع الأمة.

البدعة الخامسة أخذهما قيمة أموال الرعية وأكثرهما دنانير بما يقومه لهما أعوانهما ، والبدعة السادسة اجتماع الخراج للجبابرة وأخذ الزكاة منهما من أموال رعيتهما فإن حكم كتاب الله وسنة رسوله ودين المسلمين بالحق والهدى لنا وبإجازة الإمامة للإمام العدل الولي عمر بن قاسم الفضيلي أيده الله ونصره وبإبطال إمامة بركات بن محمد بن إسماعيل المشهور في السيارة فأعينونا عليه واشهدوا بالحق والصدق ولو على أنفسكم وأن تحكم كتاب الله وسنة رسوله وإجماع المسلمين بإجازة بدع محمد بن إسماعيل وبدع ولده بركات وإثبات

٧٩

إمامة بركات بن محمد بن إسماعيل وبإبطال غمامة العدل الولي عمر بن قاسم الفضيلي فنحن راضون بحكم الله وسنة رسوله ودين المسلمين ورغما لأنوفنا إن لم نرض بحكم الله واتبعوا في الحكم بيننا وبين بركات كتاب الله وسنة رسوله ودين المسلمين ولا تقلدونا ولا تقلدوا بركات بن محمد بن إسماعيل ولا أحدا من المسلمين من العلماء الأولين والاخرين في الدين لأن التقليد في الدين حرام لا يجوز في دين الله ودين المسلمين».

فهذا ما اختصرته من سيرة الشيخ أحمد بن مداد يدل على أن إمامة الإمام عمر بن القاسم الفضيلي وقعت على إمامة بركات بن محمد بن إسماعيل والله أعلم وأحكم وبه التوفيق.

***

* (م ٦ ـ كشف الغمة)

٨٠