تاريخ عمان

سرحان بن سعيد الأزكوي العماني

تاريخ عمان

المؤلف:

سرحان بن سعيد الأزكوي العماني


المحقق: عبد المجيد الحسيب القيسي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: وزارة التراث والثقافة سلطنة عمان
الطبعة: ٤
الصفحات: ١٦٢

١٣ ـ عمال بني أمية في عمان :

ثم أن الحجاج استعمل على أهل عمان الخيار بن سيرة المجاشعي فلما مات عبد الملك تولى من بعده عبد الملك ولما مات الحجاج استعمل الوليد على العراق يزيد بن أبي مسلم فبعث يزيد سيف بن الهاني الهمداني عاملا على عمان ولما مات الوليد بن عبد الملك وولى أخوه سليمان بن عبد الملك عزل العمال الذين كانوا على عمان واستعمل عليها صالح بن عبد الرحمن بن قيس الليثي ، ثم أنه رأى أن يكون عمال عمان على ما كانوا عليه فردهم وجعل صالح بن عبد الرحمن مشرفا عليهم ثم ولى يزيد بن المهلب العراق وخراسان فاستعمل يزيد أخاه زيادا على عمان فلم يزل عاملا عليها محسنا إلى أهلها حتى مات سليمان ابن عبد الملك.

وولى عمر بن عبد العزيز فاستعمل عدي بن أرطأة الفزاري على العراق واستعمل عدي على عمان عمالا أساءوا السيرة فكتبوا إلى عمر بن عبد العزيز فاستعمل عليهم عمر بن عبد الله بن صبيحة الأنصاري فأحسن السيرة فيهم فلم يزل واليا على عمان مكرما بين أهلها يستوفي الصدقات منهم بطيبة أنفسهم حتى مات عمر بن عبد العزيز فقال عمر بن عبد الله لزياد بن المهلب : هذه البلاد بلاد قومك فشأنك بها وخرج عمر بن عبد الله من عمان وقام زياد بن المهلب في عمان حتى ظهر أبو العباس السفاح وصار ملك بني أمية إليه.

١٤ ـ إمامة الجلندى بن مسعود :

وولى السفاح أبا جعفر المنصور على العراق فاستعمل أبو جعفر على عمان جناح بن عبادة بن قيس بن عمر الهناوي وهو صاحب المسجد المعروف بمسجد جناح ثم عزله وولى ابنه محمد بن جناح فداهن جناح بن عبادة الأباضية حتى صارت ولاية عمان لهم فعند ذلك عقدوا الإمامة للجلندى بن

٤١

مسود فكان سببا لقوة المذهب ، وكان عادلا مرضيا ثم خرج عليه شيبان وكان شيبان يطلبه السفاح فلما قدم عمان أخرج إليه الجلندى هلال بن عطية الخراساني ويحيى بن نجيح وجماعة من المسلمين وكان يحيى فضله مشهورا بين المسلمين فدعا بدعوة أنصف فيها الفريقين فقال : «اللهم إن كنت تعلم أنا على الدين الذي ترضاه والحق الذي تحب أن تؤتى به ، فاجعلني أول قتيل من أصحابي ثم اجعل شيبان أول قتيل من أصحابه واجعل الدائرة على أصحابه ، وإن كنت تعلم أن شيبان وأصحابه على الدين الذي ترضاه والحق الذي تحب أن تؤتى به فاجعل شيبان أول قتيل من أصحابه».

ثم زحف القوم بعضهم إلى بعض فكان أول قتيل يحيى بن نجيح وأول قتيل من أصحاب شيبان شيبان ، فلما قتل شيبان وصل إلى عمان خازم بن خزيمة وقال إنا كنا نطلب هؤلاء القوم يعني شيبان وأصحابه وقد كفانا الله قتالهم على أيديكم ولكني أريد أن أخرج من عندك إلى الخليفة وأخبره أنك له سامع مطيع ، فشاور الجلندى المسلمين في ذلك فلم يروا له ذلك. وقيل إنه سأله أن يعطيه سيف شيبان وخاتمه فأبى الجلندى فوقع القتال بين خازم والجلندى فقال هلال للجلندى ولم يبق إلا هو وهلال بن عطية الخرساني فقال هلال للجلندى أنت إمامي ولك عليّ لا أبقى بعدك ، فتقدم فكان أصحاب خازم يتعجبون من ثقافته وهم لم يعرفوه ثم إنهم عرفوه وقالوا هلال بن عطية فاحتولوه حتى قتلوه رحمه الله (١).

وكانت إمامة الجلندى سنتين وشهرا وقيل إن الذي تولى قتل الجلندى خازم بن خزيمة فبلغني أنه لما حضرته الوفاة قيل له أبشر فقد فتح الله عمان

__________________

(١) الثقافة هنا اللعب بالسيف وقد قال الشاعر : وكأن لمع بروقها في الجو أسياف المثاقف واحتولوه معناها صاروا حوله.

٤٢

على يديك ، فقال غررتمونا في الحياة وتغروننا عند الوفاة هيهات هيهات فكيف لي بقتل الشيخ العماني.

ووجدت أن رجلا من أهل عمان خرج إلى الحج وكان في صحبته رجل من أهل البصرة لا يهدأ الليل ولا ينام فسأله العماني عن حاله فقال وهو لا يعرف أن صاحبه من أهل عمان أني خرجت مع خازم بن خزيمة إلى عمان فقاتلنا بها قوما لم أر مثلهم قط فأنا من ذلك اليوم على هذه الحالة لا يأخذني النوم فقال الرجل العماني في نفسه أنت حقيق بذلك إن كنت ممن قاتلهم.

١٥ ـ أمر عمان بعد الجلندى :

ولما قتل الجلندى وأصحابه رحمهم الله وغفر لهم استولت الجبابرة على عمان فأفسدوا فيها وكانوا أهل ظلم وجور فمن هؤلاء الجبابرة محمد بن زائدة وراشد بن شاذان ابن النظر الجلندانيان وفي زمنهما وقع غسان الهنائي الذي هو من بني محارب بنزوى ونهبها وهزم بني نافع منها وبني هميم بعد أن قتل خلقا كثيرا وذلك في شهر شعبان سنة خمس وأربعين ومائة سنة (١).

ثم إن بني الحارث من أهل إبرا غضبوا لهم وكان في بني الحارث رجل عبدي من بكرة يقال له زياد بن سعيد البكري فاجتمع رأيهم على أن يمضوا إلى العتيك ليقتلوا غسان الهنائي فساروا إليه وجلسوا بين داره ودار جناح بن سعد بموضع يقال له الخور وقد رجع عائدا رجلا مريضا من بني هناءة فمر بهم وهو لا يشعر بمكانهم فقتلوه فغضب لذلك منازل بن خنس وكان مسكنه بنبأ وهو عامل لمحمد بن زائدة وراشد بن شاذان الجلندانيين فساروا على أهل إبرا على غفلة منهم فبرز إليهم أهل إبرا فاقتتلوا قتالا شديدا ووقعت الهزيمة على أهل إبرا فقتل منهم أربعون قتيلا.

__________________

(١) الموافقة لسنة ٧٦٣ م.

٤٣

١٦ ـ الإمام محمد بن أبي عفان :

ثم منّ الله على أهل عمان بالألفة على الحق فخرجت عصابة من المسلمين فقاموا بحق الله وأزالوا ملك تلك الجبابرة وذلك أن المشايخ العلماء من أهل عمان اجتمعوا في نزوى وكان رئيسهم وعميدهم موسى بن أبي جابر الأزكي فأرادوا عقد الإمامة لمحمد بن أبي عفان وقد حضر معهم رؤساء لا يؤمنون على الدولة فخاف الشيخ موسى أن لا تكون للمسلمين بدون أن تقع الفتنة ، فقال قد ولينا فلانا قرية كذا وولينا فلانا قرية كذا حتى فرق تلك الرؤساء وقال وقد ولينا بن أبي عفان نزوى وقرى الجوف وأحسب أنه قال حتى تضع الحرب أوزارها فقال الشيخ أبو المنذر بشير بن المنذر قد كان نرى ما نحب والان قد رأينا ما نكره والحمد لله ، فقال موسى إنا فعلنا ما تحب فاعلمه ، إنما أراد أن يفرقهم لئلا تقع الفتنة فلما خرج تلك الرؤساء ونظر كل واحد منهم إلى البلدان التي وليها كتب الشيخ بعزلهم وبعث ولاة إلى تلك البلدان ، وأحسب أنهم عرفوا بذلك قبل وصولهم إليها وبقي محمد بن أبي عفان في العسكر.

وظهرت منه للمسلمين أحداث لم تعجبهم وبلغني إنما الذي أنكروا عليه جوفته للمسلمين ورده للنصائح والله أعلم ، فلم يرضوا سيرته فعملوا له حيلة وأخرجوه من عسكر نزوى فلما خرج اجتمعوا فاختاروا إماما وعزلوا محمدا وكانت إمامته سنتين وشهرا.

١٧ ـ إمامة الوارث بن كعب :

ثم عقدوا الإمامة للوارث بن كعب الخروصي الشاري اليحمدي الأزدي وذلك سنة سبع وسبعين ومائة (١) فوطأ الوارث أثر السلف الصالح من المسلمين

__________________

(١) سنة ١٧٧ ه‍ وتوافق سنة ٩٧٣ م.

٤٤

وسار بالحق وأظهر دعوة المسلمين وعز الحق وأهله وأخمد الكفر ودفع الله الجبابرة.

وفي زمنه بعث هارون الرشيد عيسى بن جعفر بن أبي المنصور في ألف فارس وخمسة الاف رجل فكتب داود بن يزيد المهلبي إلى الإمام وارث يخبره أن عيسى وصل بعسكره فأخرج إليه الإمام فارس بن محمد والتقوا بحتى فانهزم عيسى بن جعفر وسار إلى مراكبه بالبحر فسار إليه أبو حميد بن أفلح الحداني السلوتي ومعه عمرو بن عمر (١) في ثلاثة مراكب فأسره عيسى وانطلق به إلى صحار فحبس بها ، فشاور فيه الإمام الشيخ علي بن عزرة فقال له إن قتلته وإن تركته فكله واسع لك ، فأمسك الإمام عن قتله وتركه في السجن وبلغنا أن قوما من المسلمين فيهم يحيى بن عبد العزيز رحمه الله انطلقوا من حيث لا يعلم الإمام حتى أتوا صحار فتسوروا السجن وقتلوا عيسى بن جعفر وعزم هارون على إنفاذ جيش إلى عمان فارتاعوا مدة ثم إنه مات قبل ذلك وكفاهم الله شره.

وبلغنا أن يحيى بن عبد العزيز كان من أفضل المسلمين ولعله لم يتقدم عليه أحد من أهل زمانه في الفضل ولعل كانت شهرته بعمان كشهرة عبد العزيز ابن سليمان بحضرموت. وبلغنا أن الشيخ بشير بن المنذر أنه كان يقول قاتل عيسى بن جعفر لم يشم النار.

ولم يزل الوارث إماما حسن السيرة قائما بالعدل حتى اختاره الله له ما لديه ، وكان سبب موته أنه غرق في سيل وادي كلبوه من نزوى ، وغرق معه سبعون رجلا من أصحابه وسبب ذلك لعله حبس المسلمين عند سوقم مائل ، وكان ناس محبوسين فسال الوادي جارفا فقيل للإمام إن الوادي سيلحق

__________________

(١) في الأصل عمر بن عمرو.

٤٥

المحبوسين فأمر بإطلاقهم فلم يجسر أحد يمضي إليهم خوفا من الوادي فقال الإمام ، «أنا أمضي إليهم إذ هم أمانتي وأنا المسئول عنهم يوم القيامة» فمضى إليهم وأتبعه ناس من أصحابه فمر بهم الوادي فحملهم مع المسجونين.

وقبر الإمام من بعد أن يبس الوادي بين العقر وسعال وقبره معروف ومشهور وكانت إمامته اثنتي عشرة سنة وستة أشهر إلا أياما والله اعلم.

١٨ ـ إمامة غسان بن عبد الله :

ثم ولى من بعده غسان بن عبد الله الفجحي اليحمدي الأزدي فوطئ اثار المسلمين وأعز الحق وأهله وأخمد الكفر.

وكانت في زمنه البوارج (١) تقع على عمان وتفسد في سواحلها ، فاتخذ غسان الشذاة (٢) لغزوهم وهو أول من أتخذها وغزا فيها فانقطعت البوارج عن عمان.

وفي زمنه قتل الصقر بن محمد بن زائدة وكان ممن قد بايع المسلمين على راشد بن النظر الجلندى وأعانهم بالمال والسلاح ، وسبب قتله أنه خرج على المسلمين رجل من أهل الشرق ومعه بنو هناءة وغيرهم باغيا على المسلمين فألقى على المسلمين أن أخ صقر مع البغاة ، فذكروا ذلك لصقر فقال من يقول هذا وإن أخي معي في الدار مريض ، فلما هزم الله البغاة تحقق أن أخا صقر معهم فاتهموه بالمداهنة لما ستر عنهم أمر أخيه ، وكان صقر يومئذ بسمايل فبعث إليه الإمام الوالي وكان الوالي يومئذ بسمايل أبا الوضاح فمضى الوالي بالصقر مع الشراة خوفا من أن يبطشوا به ، وبعث الإمام إليه أيضا سرية أخرى

__________________

(١) البوارج مراكب كانت لقراصنة من كفار الهنود.

(٢) ضرب من السفن اتخذها الإمام لحماية سواحل عمان من القرصان الهنود. والإمام غسان هو أول من أتخذ له أسطولا من أئمة عمان.

٤٦

وبعث معهم موسى بن علي فالتقوا بنجد السحامات ، فبينما هم في مسيرهم إذ اعترض بعض الشراة صقرا فقتلوه فلم تكن لأبي الوضاح ولا لموسى بن علي قدرة على منعهم من قتله وبلغنا أن موسى بن علي خاف على نفسه فلو قال شيئا لقتلوه معه ، ولم يبلغنا عن الإمام غسان إنكارا على من قتله وكانت تلك الأيام صدر الدولة وقوتها وجمة العلماء لهذا كان سبب قتل الصقر والله أعلم.

ومن أحكام الإمام الغسان أنه كانت دار لبني الجلندى بسمد نزوى ولعل موضعها اليوم المال (١) المسمى العقودية ، وكانت هذه الدار عقودا على الطريق الجائز وعليها الغرف وكانت تلك العقود مظلمة يقعد فيها الفساق وأهل الريبة فقيل إن امرأة مرت بتلك العقود فتعرض لها رجل من أهل الريبة فبلغ ذلك الإمام

غسان فحكم على أهل الدار إما أن يهدموا تلك العقود أو يسرجوا فيها بالليل حتى ينظر المار من فيها من أهل الريبة فقيل أن أهل الدار أخرجوا طريقا من أموالهم للناس فكان الناس يمرون بها حتى انهدمت الدار فرجع أهل الدار إلى الطريق التي أخرجوها فأدخلوها في دارهم ورجع الناس يمرون في الطريق الأولى ، ولهذه العقود آثار ورسوم جدر سهيلى المسجد الجامع من سمد نزوى.

ولم يزل غسان قائما بالحق والعدل حتى مرض يوم الأربعاء لثمان بقين من ذي القعدة سنة سبع ومائتين (٢) ومات من مرضه هذا وكانت إمامته خمس عشرة سنة وسبعة أشهر وسبعة أيام.

١٩ ـ إمامة عبد الملك بن حميد :

ثم تولى من بعده عبد الملك بن حميد من بني سودة بن علي بن عمرو بن عامر ماء السماء فسار سيرة الحق والعدل واتبع أثر السلف الصالح وصارت

__________________

(١) المال : بلغة أهل عمان اسم كل أرض غرست نخلا أو شجرا.

(٢) ويوافق ١٠ نيسان عام ٨٢٣ م.

٤٧

عمان يومئذ خير دار ، وقد ولي يوم الأثنين لثماني ليال بقين من شهر شوال سنة ثماني ومائتين (١) ، فلم يزل يقيم العدل حتى كبر وضعف.

فكانت تقع الأحداث في عسكره فشاور المسلمون موسى بن علي في عزله فأشار عليهم أن يحضر العسكر ويقوم بالدولة فحضر موسى بن علي العسكر وأقام الدولة ومنع الباطل وشذ عسكر من المسلمين وعبد الملك في بيته فلم يعزلوه ولم يزيلوه حتى مات وهو إمام لهم وكانت ولايته ثماني عشرة سنة (٢).

٢٠ ـ إمامة المهنا بن جيفر :

ثم ولي على المسلمين المهنا بن جيفر الفجحي اليحمدي الأزدي عقد له يوم الجمعة في شهر رجب سنة ست وعشرين ومائتين (٣) فوطأ اثار المسلمين وسار سيرتهم وكان له ضبط وحزم ولا يتكلم أحد في مجلسه ولا يعين خصما على خصم ولا يقوم أحد من أعوانه مادام قاعدا ولا يدخل أحد من العسكر ممن تجرى عليه النفقة إلا بالسلاح. وكان مواليا على الصدقة رجلا من بني ظبة من أهل منح يقال له عبد الله بن سليمان ، وكان يرسله إلى الماشية فقيل إنه دخل أرض مهرة ووصل إلى رجل منهم يقال وسيم بن جعفر وقد وجبت عليه فريضتان فامتنع أن يعطي إلا فريضة واحدة فقال إن شئت تأخذ فريضة واحدة وإلا فانظر إلى قبور أصحابكم. فسكت عنه ورجع ، وكان عنده رجل جمّال فلما وصل إلى عز تأخر عبد الله في عز وكان منزله بها وأرسل الجمّال إلى الإمام فقدم الجمّال على الإمام وهو في مجلسه فلما ارتفع عن مجلسه دعا بالجمّال فسأله عن عبد الله وكيف كان في سفره فأخبره بما كان من

__________________

(١) ويوافق أول اذار عام ٨٢٤ م.

(٢) أي أنه مات عام ٢٢٦ ه‍ / ٨٤٠ م.

(٣) يوافق ذلك أخريات شهر نيسان من عام ٨٤٠ م.

٤٨

وسيم فقال الإمام للجمّال لا تخبر أحدا بما أخبرتني واكتم ذلك ، وأكد عليه في ذلك. فلما وصل عبد الله ابن سليمان سأله الإمام عن خبر وسيم فأخبره مثل ما أخبره الجمّال فكتب الإمام من وقته إلى والي أدم ووالي جعلان إذا ظفرتم بوسيم بن جعفر المهري فاستوثقوا منه وأعلموني ، فكتب إليه والي أدم أني قد استوثقت منه وأنه قد حصل ، فأنفذ الإمام إليه يحيى اليحمدي المعروف «بأبي المقارش» مع جماعة من أصحاب الخيل ، ثم أنفذ كتيبة أخرى فلقوهم في المنايف ثم أنفذ كتيبة أخرى فلقوهم في قرية عز ، ثم أنفذ كتيبة أخرى فلقوهم في قرية منح ، فلم تزل الكتائب تتراسل والرماح تحتمله حتى وصلوا به إلى نزوى ، فأمر الإمام بحبسه فمكث سنة لا يقدر أحد أن يذكر فيه ولا يسأل عن أمره حتى وصل جماعة من المهرة فاستعانوا على المهنا بوجوه اليحمد فأجابهم إلى إطلاقه وشرط عليهم ثلاث خصال : إما أن يرتحلوا من عمان وإما أن يأذنوا بالحرب وإما أن يحضروا الماشية كل حول إلى عسكر نزوى تشهد على حضورها العدول انه لم يتخلف منها شيء ، وتعدل الشهود المعدلون بأدم ، فقالوا أما الارتحال فلا يمكننا وأما الحرب فلسنا نحارب الإمام وأما الإبل فنحن نحضرها ، فعند ذلك عدل الإمام الشهود فكانوا يحضرون إبلهم في كل سنة تدور ، وسمعت من يحكي أن هذه النقصة التي بقرية فرق بنيت في زمن المهنا علامة لبني مهرة ليحضروا إبلهم عندها والله أعلم بصحة ذلك.

وخرج المغيرة بين روشن الجلنداني ومن معه من بني جلندى وغيرهم من أهل الفتنة بغاة على المسلمين فوصلوا إلى توام (١) وكان أبو الوضاح واليا عليها للإمام المهنا فقتلوا أبا الوضاح فلما بلغ ذلك المسلمين وكان أبو مروان رحمه الله واليا على صحار فسار بمن معه ومن قبله من الناس وسار معهم المطار الهندي ومن معه من الهند ، فلما وصلوا توام وهزم الله بني الجلندى

__________________

(١) توام هي البلاد المعروفة باسم البريمي الان.

٤٩

وقتل من قتل وهرب من هرب عمد المطار الهندي ومن معه من سفهاء الجيش إلى دور بني الجلندى فأحرقوها بالنار ، وكان في الدور الدواب مربوطة من البقر وغيرها فبلغنا أن رجلا من السرية كان يلقي نفسه في الفلج حتى يبتل بدنه وثيابه ثم يمضي في النار يقطع الدواب حبالها فتنجو بأنفسها من النيران فبلغنا أنهم أحرقوا سبعين غرفة أو خمسين ، وبلغنا أن نسوة من بني الجلندى خرجن على وجوههن في الصحراء هاربات ومعهن أمة فلبثن بها ما شاء الله فاحتجن إلى الطعام والشراب فانطلقت الأمة إلى القرية في الليل تلتمس لهن طعاما وشرابا فلما وصلت إلى القرية ليلا وجدت شيئا من السويق وسقاء من أسقية اللبن وكسر إناء فعمدت إلى الفلج فحملت في سقائها ماء فبصر بها رجل من السرية وقد توجهت نحو النسوة بالماء والسويق فأدركها الرجل في بعض الطريق فأخذ منها السويق وصبه في الأرض وأخذ الماء فأراقه ثم انصرف عنها ، وبلغنا أن أبا مروان لم يأمر بهذا الحرق ولعله قد نهى عنه فلم يقبل قوله وبلغنا أن الإمام بعث رجلين إلى القوم الذين أحرقت منازلهم فدعوهم إلى الإنصاف وأن يعطوهم ما وجب لهم من الحق ، وبلغنا أن القوم الذين اجتمعوا مع أبي مروان اثنا عشر ألفا والله أعلم.

ولم يزل المهنا إماما حتى مات يوم سادس عشر من ربيع الاخر سنة سبع وثلاثين ومائتين (١) وكانت إمامته عشر سنين واشهرا وأياما ومات المسلمون عنه راضون وله موالون ومؤازرون إلا أني وجدت في سيرة الشيخ أبي قحطان خالد بن قحطان رحمه الله وقد ذكر لنا أن الشيخ محمد بن محبوب وبشير اطلعا على حدث من المهنا تزول به إمامته وأنهما كانا يبران منه سريرة والله أعلم.

__________________

(١) يوافق ١٦ ربيع الاخر لسنة ٢٣٧ ه‍ يوم ١٧ ت ١ لسنة ٨٥١ م.

٥٠

٢١ ـ إمامة الصلت بن مالك :

ثم ولى المسلمون من بعده الصلت بن مالك في اليوم الذي مات فيه المهنا وكان هناك يومئذ بقايا من أشياخ المسلمين وكان رئيسهم وإمامهم في العلم والدين محمد بن محبوب فبايعوا الصلت بن مالك على ما بويع عليه الأئمة العدل من قبله ، فسار بالحق والعدل ما شاء الله حتى فني أشياخ المسلمين جملة الذين بايعوه ، لا نعلم أن أحدا فارقه. وعمّر الصلت في الإمامة ما لم يعمر أحد قبله (١) حتى كبر وأسن وضعف وإنما كان ضعفه من قبل الرجلين وأم العقل والسمع والبصر فلا نعلم أن أحدا قال بها ضعف.

فلما بلغ الكتاب أجله وأراد الله أن يختبر أهل عمان كما أختبر الذين من قبلهم فسار إليه موسى بن موسى ومن اتبعه حتى نزل فرق فتخاذلت الرعية عن الصلت وضعف عن الإمامة واعتزل عن بيت الإمامة.

٢٢ ـ إمامة الراشد بن النظر :

فعقد موسى الإمامة لراشد بن النظر وكان ذلك يوم الخميس وثلاث ليال خلت من شهر الحج سنة ثلاث وسبعين ومائتين (٢) وكانت إمامة الصلت خمسا وثلاثين سنة وسبعة أشهر وثمانية أيام وكانت وفاته ليلة الجمعة للنصف من ذي الحجة سنة خمس وسبعين ومائتين (٣) وفي أيامه توفي العالم العلامة إمام العلماء محمد بن محبوب رحمه الله.

__________________

(١) وقد دامت إمامته حوالي ٣٥ عاما ، من يوم وفاة المهنا في عام ٢٣٧ ه‍ حتى تولية خلفه الإمام الراشد في عام ٢٧٣ ه‍. وسيأتي القول في ذلك وقد توفي بعد سنتين أو ثلاث من اعتزاله الإمامة.

(٢) ويوافق أول مايس من عام ٨٨٧ م.

(٣) ويوافق ٢١ نيسان ٨٨٩ م.

٥١

ثم وقعت بينهم الفتنة في عمان وكبرت المحنة واختلفوا في دينهم وتفرق رأيهم ووقعت بينهم البراءة وعظمت الإحن واشتدت العداوات وكثرت بتهم السير والأقوال وعظم القيل والقال واشتد بينهم القتال ثم إن موسى برئ من راشد وفسقه وضلله وسار عليه وعزله.

٢٣ ـ إمامة عزان الخروصي :

ثم ولي عزان بن تميم الخروصي يوم الثلاثاء لثلاث ليال خلون من شهر صفر سنة سبع وسبعين ومائتين (١) وممن حضر البيعة عمر بن محمد القاضي ومحمد بن موسى بن علي وعزان بن الهزيم وأزهر بن محمد بن سليمان.

فلبث موسى وعزان وليين لبعضهما بعض ما شاء الله من الزمان حتى وقعت بينهم الإحن فعزل عزان موسى عن القضاء وتخوف عزان من موسى فعاجله بجيش أطلق فيه كافة المسجونين فساروا إلى أزكي فدخلوا حجرة النزار ووضعوا على أهل أزكي يقتلون ويأسرون ويلبسون وينهبون وأضرموا فيها النيران فحرقوا ناسا وهم أحياء وقتل موسى مع حصيات الردة التي عند مسجد الحجر من محلة الجبور وفعلوا في أهل أزكي ما لم يفعله أحد فيما سمعنا ، فاشتدت الفتن ، وعظمت الضغائن والإحن ، وجعل كل فريق يطلب إساءة صاحبه بما قدر ، واوى عزان المحدثين من أصحابه وأجرى عليهم النفقات وطرح نفقة من تخلف عن المسير إلى أزكي وكانت الوقعة يوم الأحد لليلة بقيت من شعبان سنة ثمان وسبعين ومائتين (٢).

فمن أجل هذه الوقعة خرج الفضل بن الحواري القرشي النزاري ثائرا بمن قتل من أهل أزكي وطابقته على ذلك المضرية والحدان وناس من بني الحارث

__________________

(١) وتوافق ٢٧ مايس عام ٨٩٠ م.

(٢) توافق عام ٢٧٨ ه‍ العام ٨٩١ ميلادي.

٥٢

من أهل الباطنة ولحق به عبد الله الحداني بجبال الحدان وخرج الفضل إلى توام وهي الجو (١) ثم رجع إلى الحدان وخرج معه الحواري بن عبد الله السلوتي ومضوا إلى صحار وذلك يوم سادس عشر من شوال من هذه السنة المذكورة ودخلوا صحار يوم الثالث والعشرين من هذا الشهر وذلك يوم الجمعة ، وحضرت صلاة الجمعة فصلى بالناس زيد بن سليمان وخطب الناس ودعا للحواري بن عبد الله السلوتي على المنبر وأقاموا فيها بقية الجمعة ويوم السبت وخرجوا عشية الأحد لمحاربة الأهيف بن حمحام الهنائي ومن معه من أصحاب عزان بن تميم الذي لما سمع بخروجهم وجه إليهم الأهيف بن حمحام رئيس بني هناءة في جماعة من اليحمد وفيهم فهم بن وارث فساروا حتى بلغوا «مجز» من الباطنة وأرسلوا إلى الصلت بن نظر فخرج إليهم في جماعة من الخيل والرجال ووصل إليهم الفضل بن الحواري والحواري بن عبد الله فأسرعوا فيهم القتل فقتل من المضرية يومئذ خلق كثير ووقعت الهزيمة عليهم وكانت هذه الوقعة يوم الاثنين لأربع ليال بقين من شهر شوال من هذه السنة المذكورة (٢).

وقال أحمد بن جميل الهناوي شعرا :

يا لك بالقاع من صباح

قاع خيام إلى البطاح

أنعلت الخيل هام عوف

من بين طاها إلى وقاح

وخضنا من منبة دماء

كزاجر اليم ذي الطماح

خيل ابن نصر فتى المعالي

والقوم من مالك الصباح

واليحمد المانعي حماها

ومدركي الوتر بالسفاح

لما أتانا بأن عوفا

تدعو بجهل إلى النطاح

__________________

(١) وتدعى اليوم «البريمي».

(٢) شهر ك ١ عام ٨٩٢ م.

٥٣

سرنا إليهم بمقربات

في ظل غاب من الرماح

تقدمنا الأسد من هناة

في جحفل شاهري السلاح

فكم كعاب هناك تدعو

بالويل أباها رداح (١)

في قصيدة طويلة تركتها.

٢٤ ـ جيوش الخلافة العباسية في عمان :

ولم تزل الفتن تتراكم بين أهل عمان وتزيد بينهم الإحن ، وصار أمر الإمامة معهم لعبا ولهوا وبغيا وهوى ، لم يقتفوا كتاب الله ولا آثار السلف الصالح من آبائهم وأجدادهم ، حتى إنهم عقدوا في عام واحد ست عشرة بيعة ولم يفوا بواحدة منها ، حتى بلغ الكتاب أجله فخرج محمد بن أبي القاسم وبشير بن المنذر من بني سامة بن لؤي بن غالب وقصدا إلى البحرين وكان بها يومئذ محمد بن نور (٢) عاملا للمعتضد فلما قدما عليه شكيا إليه ما أصابهما من الفرقة الحميرية وسألاه الخروج معهما إلى عمان وأطمعاه في أشياء كثيرة فأجابهما إلى ذلك وأشار عليهما أن يذهبا إلى الخليفة ببغداد ويذكرا له أمرهما وأنهما قدما يريدان نصرته فسار محمد بن أبي القاسم إلى بغداد وقعد بشير مع محمد نور.

فلما قدم محمد إلى الخليفة ذكر له الأمر واستخرج منه لمحمد بن نور عهدا على عمان ورجع إلى البحرين فلما قدم على محمد بن نور أخذ محمد بن نور في جمع العساكر من سائر القبائل وخاصة نزار وجعل معه ناسا من الشام من طي ، وخرج يريد عمان في خمسة وعشرين ألفا ومعه من الفرسان ثلاثة الاف وخمسمائة فارس عليهم الدروع والجواشن وعندهم الأمتعة.

__________________

(١) القصيدة في الأصل تختلف في بعض أبياتها.

(٢) بعض كتب التاريخ تسميه محمد بن نور أو ابن نور في اختلاف باللفظ. أنظر في ذلك الطبري وابن الأثير وابن خلدون.

٥٤

وفي ذلك يقول كتاب محمد بن نور :

أمن مبلغ عنا عمان وأهلها

مقالا تلقاه حكيم مجرب

بصير بأسباب التصرف قلبه

يظن بك الظن الذي ليس يكذب

يرى في وجوه القوم ما في قلوبهم

ويعرف ما قالوا وهم عنه غيب

ألا فكلوا يا قوم من طيباتكم

ومن عذب الماء المبرد فاشربوا

واقضوا لبنات النفوس فإني

أرى نعمة أسبابها تتقضب

كأني بأهل الدين قد ندبوا لكم

فوارس ما زالت لدى الرحل تطلب

فوارس من أبناء عدنان كلها

لملك العباس ترضى وتغضب

ثم اتصل خبره بعمان فاضطربت عمان ووقع بين أهلها الخلف والعصبية وتفرقت اراؤهم وتشتتت قلوبهم ، فمنهم من خرج من عمان بأهله وماله ، ومنهم من أسلم نفسه للهوان من قلة احتياله ، فخرج سليمان بن عبد الملك بن بلال السليمي ومن تبعه إلى هرموز ، وخرج أهل صحار بأموالهم وأهليهم إلى شيراز والبصرة وقدم محمد بن نور بجنوده وعساكره وافتتح جلفار ووصل إلى توام يوم الأربعاء لست ليال خلون من شهر المحرم سنة ثمانين ومائتين (١) واستولى على السر ونواحيها وقصد نزوى وتخاذلت الناس عن عزان بن تميم فخرج من نزوى إلى سمد الشان ووصل محمد بن نور إلى نزوى وسلمت له نزوى ثم مضى قاصدا إلى سمد الشان فلحق عزان بن تميم فوقع بينهم الحرب والقتال واشتد الطعن والنزال وذلك يوم الأربعاء لخمس ليال بقين من صفر من هذه السنة فكانت الهزيمة على أهل عمان وقتل عزان بن تميم وخرجت عمان من يد اهلها ولم يغير الله ما بهم بل غيروا ما بأنفسهم ، وكان قتالهم وحربهم بينهم طلبا للملك ورغبة في الرياسة وكل منهم يود أن يكون الملك بيده أو بيد من مال إليه بوده ، فسلط الله عليهم من هو للملك أطلب

__________________

(١) يوافق اليوم ٦ من شهر محرم من عام ٢٨٠ ه‍ اخريات شهر اذار من عام ٨٩٣ م.

٥٥

منهم ، أفسدوا دينهم فنزع الله عنهم دولتهم وسلط عليهم عدوهم ، وكانت دولة الأباضية مذ ملكوها إلى أن خرجت من أيديهم مائة سنة وثلاث وستين سنة إلا شهرا وأثني عشر يوما والله أعلم.

٢٥ ـ أحوال عمان في عهد محمد بن نور :

وبعث محمد بن نور برأس عزان بن تميم إلى الخليفة ببغداد ، ورجع محمد ابن نور إلى نزوى وأقام بها.

ثم إن الأهيف بن حمحام الهنائي كاتب مشايخ عمان وقبائلها من كل مكان يدعوهم إلى محاربة محمد بن نور وإخراجه من عمان ويحثهم على ذلك ، فأجابوه وأقبلوا إليه ، فسار بعسكر ضخم وخميس جرار يريد محمد بن نور فبلغ ذلك محمد بن نور فدخل الرعب إلى قلبه ، فخرج هاربا فأتبعه الأهيف بعساكره ، وكان الرأي الصائب أن لا يلحقوه بل يسيرون خلفه رويدا رويدا حتى يخرج من عمان فيرجعوا عنه ، لكن لله إرادة ليقضي أمرا كان مفعولا ، فأسروا سريعا حتى لحقوه بدما ، فاقتتلوا قتالا شديدا حتى كثر القتل والجراح في الفريقين وقد كادت تكون الهزيمة على محمد بن نور وقد ألجأوه على سيف البحر ، فبينماهم كذلك إذ طلع عليهم ركب من أهل قدمة وغيرهم من المضرية على كل جمل رجلان من قبل أبي عبيدة بن محمد السامي مددا لمحمد بن نور. فلما كانوا قريبا من العسكرين نزلوا عن رواحلهم وأخذوا أسلحتهم وحملوا مع محمد بن نور على الأهيف وأصحابه عند إعياء الناس ، وبعدها كادت تكون الهزيمة على محمد بن نور ، فوقعت الهزيمة على أهل عمان وقتل الأهيف بن حمحام وخلق كثير من عشيرته وغيرهم ، ولم يسلم من أهل عمان إلا من تأخر أجله.

٥٦

ورجع محمد بن نور إلى نزوى واستولى على كافة عمان وفرق أهلها وعاث في البلاد وأهلك الحرث والأولاد.

وقال محمد بن دريد :

لا يفوت الموت منحدرا

أبقاه الغاب والغيل

مقرع الأكتاف ذو لبد

مبرص الأوصال مجدول

إن دهرا فل حدهم

حده لا بد مفلول

ما بكاهم إن هم قتلوا

صبرهم للقتل تفضيل

إنما أخبر الحرب بأن

قد نالهم قوم أراذيل

فالسهم من لا يحصله

في كرم القوم تحصيل

أعبد قن تصادرهم

قوم أسود تبابيل

فروا للهرب طرده

طردا ما فيه تمهيل

بمشيخ ثالط ودم ...

أخلصت منه السراويل

قيل والمقدار يحرسه

فنجا والسرج مبلول

فلما انهزم أهل عمان رجع محمد بن نور وجعل أعزة أهلها أذلة وقطع الأيدي والأرجل والاذان ، وسمل الأعين ، وجعل على أهلها النكال والهوان ، ودفن الأنهار وأحرق الكتب وذهبت عمان من أيدي أهلها.

ثم إنه أراد الرجوع إلى البحرين فجعل عاملا على عمان رجلا يقال له أحمد ابن هلال ورجع هو إلى البحرين وجعل أحمد عمالا على سائر عمان وكانت إقامته ببهلاء وجعل على نزوى عاملا رجلا يقال له بيحرة ويكنى أبا أحمد ، فقيل له ذات يوم إن أبا الحواري ومن معه من الأصحاب يبرءون من موسى بن موسى فأرسل إلى أبي الحواري ومن معه من الأصحاب جنديا فوصل الجندي وهو قاعد على محراب مسجد بن سعيد المعروف بأبي القسام وهو مسجد الشجي بعد صلاة الفجر يقرأ القرآن فقال إن أبا أحمد يقول لك سر إليه فقال

٥٧

أبو الحواري ليس لي به حاجة وأخذ في القراءة فبقى الجندي متحيرا لا يدري كيف يفعل به حتى جاءه رسول بيحرة فقال له لا تحدث في أبي الحواري حدثا فرجع ولم يحدث في أبي الحواري حدثا وذلك ببركة القران العظيم.

وبلغني أن الجندي قال إنما دعوته ليقوم لئلا يطش دمه في المحراب ولم يزل بيحرة عاملا على نزوى حتى قتلوه وسحبوه وقبره معروف عندهم أسفل من باب مؤثر قليلا في لجية هنالك على الطريق الجائز التي تمر إلى فرق يطرحون عليه السماد والجذوع والله اعلم.

٢٦ ـ الأئمة المنصوبون في هذه الفترة :

ثم إنهم (١) بايعوا محمد بن الحسن على الشراء ثم اعتزل ثم بايعوا الصلت بن القاسم الخروصي ثم عزلوه ، ثم بايعوا عزان بن هزبرة ثم عزلوه.

ثم عقدوا لعبد الله بن محمد الحداني المعروف بأبي سعيد القرمطي ثم عزلوه ثم عقدوا للصلت بن القاسم ثانية ومات في الإمامة.

ثم بايعوا الحسن بن سعيد السحتني فلبث أقل من شهر ومات ، ثم عقدوا للحواري بن مطرف الحداني على المدافعة فكان اخذا على أيدي الفساق والسفهاء من أهل عمان أخذا شديدا ، إلا أنه كان إذا جاء السلطان من عمان يجبى أهلها اعتزل عن بيت الإمامة إلى بيت نفسه ولم يمنعه من الظلم والبغي ، فإذا خرج السلطان رجع هو إلى بيت الإمامة ووضع تاج الإمامة على رأسه وقال لمن حوله لا حكم إلا لله ولا طاعة لمن عصى الله ، وكان قائما له بالأمر عند السلطان ناس من بني سامة إلى أن مات ، وهذا السلطان هو سلطان بغداد والله أعلم (٢).

__________________

(١) أهل عمان.

(٢) وهذا يدل على أن عمان أو قسما منها كان تحت حكم سلطان بغداد.

٥٨

ثم عقدوا لابن أخيه عمر بن محمد بن مطرف فكان على نحو سبيل عمه إذا جاء السلطان اعتزل من بيت الإمامة وإذا رجع السلطان رجع إلى بيت الإمامة.

ثم جاءت القرامطة إلى عمان فاعتزل عن بيت الإمامة ورجعت القرامطة إلى البحرين فلم يرجع عمر إلى بيت الإمامة وكانت القرامطة قد تغلبت على سائر البلدان ومكة والشام وسائر القبائل وهم بنو أبي سعيد الحسن بن بهرام بن بهرست الحياني وقد أبطل الصلاة والصوم والحج والزكاة وزخرف عليهم وموه على الضعفاء حتى إنهم يتأهلونه من دون الله تعالى.

وكان سبب زوال ملكه على يد عبد الله بن علي وكان قيامه عليه بأربعمائة رجل وكانوا في عساكر جمة وجنود كثيرة فلبث في محاربتهم سبع سنين حتى انتزع الدولة منهم وفي ذلك يقول جمال الدين عبد الله بن علي بن مقرب :

سل القرامط من شظى جماجمهم

فلقا وغادرهم بعد العلي خدما

من بعد أن جل بالبحرين شانهم

وأرجفوا الشام بالغارات والحرما

ولم تزل خيلهم تغشى سنابكها

أرض العراق وتغشى تارة أدما (١)

وحرقوا عبد قيس في منازلهم

وصيروا الغر من سادتها خدما

وأبطوا الصلوات الخمس وانتهكوا

شهر الصيام ونصبوا منهم صنما

وما بنوا مسجدا لله نعرفه

بل كان ما أدركوه قائما هدما

حتى حمينا على الإسلام وانتدبت

منا فوارس تجلو الكرب والظلما

وطالبتنا بنو الأعمام عادتنا

فلم تجد بكما فينا ولا صمما

وقلدوا الأمر منا ماجدا نجدا

يشفي ويكفي إذا ما حادث دهما

ماضي العزيمة ميمون نقيبته

بلى نزارا إلى غاياتها همما

وسار يتبعه غر غطارفة

لو زاحمت سد ذي القرنين لانثلما

__________________

(١) أدم مدينة بداخلية عمان بالقرب من نزوى.

٥٩

من قصيدة له طويلة.

ثم كانت في عمان سنون فترة من عقد الإمامة حتى عقدوا الإمامة لمحمد ابن يزيد الكندي النازل بسمد الكندي ، يايعوه على الدفاع واعتل عليهم عند بيعة الشراء بأن عليه ديونا ، ثم انقلب السلطان على عمان فحاصروه بعسكرين عسكر بالسر وعسكر بالعتيك ثم هرب محمد بن يزيد الكندي من عمان فعقدوا الإمامة للحكم بن الملا البحري النازل بسعال فلا نعلم أن إماما من أهل القبلة مسلما ولا مجرما كان في الضعف والوهنة كمثل الحكم بن الملا ثم إنه اعتزل عن الإمامة وأقام السلطان عسكرا بنزوى والله أعلم.

وفيما أظن أن هؤلاء الأئمة المذكورين من بعد الصلت بن مالك لم تدن لهم جميع عمان ولم يجر سلطانهم فيها وإنما كانوا في بعض من البلدان دون بعض وعلى أحد من القبائل دون أحد ولم تأتلف كلمة أهل عمان ولا اجتمعوا على إمام من بعد الفتن التي وقعت بينهم وذلك بما بدلوا نعمة الله عليهم فتشتتت قلوبهم.

٦٠